المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: دولة الإباضية في عمان - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌ج- القول بجواز التقية القولية دون العملية

- ‌د- أدلة المانعين للتقية

- ‌هـ - أدلة القائلين بجواز التقية

- ‌المطلب الثاني: موقف الخوارج من القعدة

- ‌تمهيد في الولاية والبراءة عند الخوارج

- ‌1 - موقفهم من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم

- ‌ب- موقفهم من بعض كبار الصحابة

- ‌المطلب الثاني: موقف الخوارج من عامة المسلمين المخالفين لهم

- ‌أ- موقف الغلاة منهم:

- ‌ب- موقف المعتدلين منهم:

- ‌المطلب الثالث: موقف الخوارج من أهل الذمة

- ‌المطلب الرابع: حكم الخوارج في أطفال مخالفيهم

- ‌المبحث الأول: الحوار والمناقشة وإزالة الشبه

- ‌المبحث الثاني: الوعظ والنصيحة

- ‌المبحث الثالث: الترغيب والترهيب

- ‌المبحث الرابع: ذم الخوارج وذم صنيعهم، ونشر النصوص النبوية الواردة في حقهم

- ‌المبحث الخامس: تحذير الناس من مسلكهم ببيان سوء فعلتهم، وإنزال نصوص قرآنية فيهم حتى لا يغتر بهم

- ‌المبحث السادس: هجرهم

- ‌المبحث السابع: الإجابة عن أسئلتهم، وعدم صدهم، ومراسلتهم إن دعت الحاجة

- ‌المبحث الثامن: عدم الاعتداء عليهم بل السير فيهم السيرة العادلة

- ‌المبحث التاسع: إعطاء الأمان لمن رجع منهم ومحاولة استصلاحه، وإعلان الكف عمن كف منهم ورجع

- ‌المبحث العاشر: قتالهم

- ‌الفصل الحادي عشر: محاورات علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخوارج

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: دولة الإباضية في عُمان

- ‌المطلب الثاني: دولة الإباضية في المغرب

- ‌أولا: موقف الإباضية من سائر المخالفين

- ‌ثانيا: موقف الإباضية من الصحابة

- ‌المطلب الرابع: عقائد الإباضية

- ‌المطلب الخامس: فقه الإباضية

- ‌المبحث الثاني: جماعة التكفير والهجرة (جماعة المسلمين)

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌أولا: التأسيس

- ‌ثانيا: من أبرز الشخصيات

- ‌المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات

- ‌المطلب الرابع: مبادئهم وأصولهم

- ‌أولا: مبدأ الحد الأدنى من الإسلام

- ‌ثانيا: مبدأ قاعدة التبين

- ‌ثالثا: مبدأ قاعدة تعارض الفرائض

- ‌رابعا: تكفيرهم لمرتكبي الكبائر:

- ‌خامسا: زعمهم أنهم جماعة آخر الزمان

- ‌سادسا: دعواهم أن زعيمهم هو المهدي المنتظر

- ‌سابعا: زعمهم بتميز جماعتهم

- ‌ثامنا: دعواتهم إلى الأمية ومحاربة التعليم

- ‌تاسعا: دعوتهم إلى اعتزال المجتمع

- ‌المطلب الخامس: أخطاؤهم في المنهج

- ‌أولا: أقوالهم في فهم الكتاب والسنة

- ‌ثانيا: ردهم للإجماع

- ‌ثالثا: طعنهم في الصحابة وردهم لأقوالهم

- ‌رابعا: آراؤهم في التقليد

- ‌المطلب السادس: أماكن الانتشار

- ‌مراجع للتوسع:

- ‌المبحث الأول: الحكم بتكفير الخوارج

- ‌المبحث الثاني: الحكم بعدم تكفير الخوارج

- ‌المبحث الثالث: تعقيب على إطلاق الحكم بالتكفير

- ‌مراجع للتوسع

- ‌المبحث الأول: الشيعة لغة

- ‌المبحث الثاني: الشيعة اصطلاحاً

- ‌الفصل الثاني: متى ظهر التشيع

- ‌الفصل الثالث: المراحل التي مر بها مفهوم التشيع

- ‌الفصل الرابع: أسماء الشيعة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: السبب في تفرق الشيعة

- ‌المبحث الثاني: عدد فرقهم

- ‌المبحث الثالث: السبب في عدم اتفاق العلماء على عدد فرق الشيعة

- ‌المطلب الأول: التعريف بالسبئية ومؤسسها

- ‌المطلب الثاني: الأفكار اليهودية المدسوسة

- ‌المطلب الثالث: منكروا ابن سبأ والرد عليهم

- ‌المطلب الرابع: عقيدة ابن سبأ وضلالاته

- ‌المطلب الخامس: موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته من ابن سبأ

- ‌المطلب السادس: موقف أتباع عبد الله بن سبأ لما سمعوا بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

- ‌المطلب السابع: موقف أهل بيت النبي الكريم من ابن سبأ

- ‌المبحث الثاني: الكيسانية

- ‌المطلب الأول: كيف صارت الكيسانية مختارية

- ‌المطلب الثاني: مؤسس المختارية (المختار بن أبي عبيد الثقفي)

- ‌المطلب الثالث: التعريف بمحمد بن الحنفية واختلاف الشيعة بعده

- ‌المبحث الرابع: الزيدية

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: نشأة الزيدية

- ‌المطلب الثالث: موقف زيد من حكام بني أمية

- ‌المطلب الرابع: الأفكار والمعتقدات

- ‌المطلب الخامس: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌المطلب السادس: موقفهم من الإمامة

- ‌المطلب السابع: آراء زيد والزيدية

- ‌الجارودية:

- ‌البترية:

- ‌زيدية الجيل والديلم:

- ‌زيدية اليمن:

- ‌المطلب التاسع: فرق جارودية اليمن

- ‌1 - الحُسَيْنية:

- ‌2 - المُطَّرِّفية:

- ‌3 - المخترعة:

- ‌المطلب العاشر: أئمة الزيدية ودورهم في نشر القبورية في اليمن

- ‌المطلب الحادي عشر: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌المطلب الأول: معنى الرافضة لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: سبب تسميتهم بالرافضة

- ‌المطلب الثالث: وقت وجودهم قبل اتصالهم بزيد

- ‌المطلب الرابع: أسماؤهم قبل اتصالهم بزيد

- ‌المطلب الخامس: فرق الروافض

- ‌المطلب السادس: أسماء الاثنا عشرية وسبب تلك التسميات

- ‌المطلب السابع: سبب انتشار مذهب الرافضة (الاثنا عشرية) وأماكن انتشارهم

- ‌المطلب الثامن: أهم الأماكن التي انتشر فيها هذا المذهب

- ‌المطلب التاسع: فرق الاثني عشرية وانقسامها

- ‌الفصل السابع: دول الشيعة والتأثير في المذهب

- ‌الفصل الثامن: أثر الفلسفة القديمة في الشيعة

- ‌المبحث الأول: معنى نزعة التشيع

- ‌المبحث الثاني: نشأة التشيع

- ‌المبحث الثالث: أثر النزعة المذهبية

- ‌المبحث الرابع: نزعة التشيع

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الرواة الشيعة:

- ‌المطلب الثاني: المصنفات الشيعية

- ‌المبحث السادس: تناقض كتب الشيعة الإمامية الاثني عشرية

- ‌المبحث الأول: أقسام أخبار الشيعة

- ‌المبحث الثاني: الأدلة عند الشيعة

- ‌المبحث الثالث: طبقات الشيعة

- ‌المبحث الأول: بداية وضع الأخبار

- ‌المبحث الثاني: الأصول الأربعمائة

- ‌المبحث الثالث: الجرح والتعديل عند الشيعة والرافضة

- ‌المبحث الرابع: مفهوم السنة عندهم

- ‌المبحث الخامس: مراتب الحديث

- ‌المبحث السادس: التعارض والترجيح

- ‌المبحث السابع: الكتب الأربعة

- ‌الفصل الثاني عشر: التفسير وأصوله عند الشيعة الاثني عشرية

- ‌المبحث الأول: القرآن الصامت والقرآن الناطق

- ‌المطلب الأول: الإمام كالنبي

- ‌المطلب الثاني: مذهب الإخباريين

- ‌المطلب الثالث: قول الأصوليين

- ‌المطلب الرابع: النسخ بعد عصر النبوة

- ‌المطلب الخامس: التخصيص

- ‌المطلب السادس: كتمان الحكم تقية أو للتدرج

- ‌المطلب الأول: حجية الظواهر

- ‌المطلب الثاني: الباطن

- ‌المطلب الأول: لماذا قالوا بالتحريف

- ‌المطلب الثاني: أشهر كتب الغلاة

- ‌المطلب الثالث: سورة الولاية في كتاب دبستان المذاهب

- ‌المطلب الرابع: من القائلون بالتحريف

- ‌المطلب الخامس: معتدلو الشيعة يتصدون لحركة الغلاة

- ‌المطلب السادس: كتب التفسير الشيعي في القرن الثالث

- ‌الكتاب الأول: تفسير الحسن العسكري

- ‌الكتاب الثاني: تفسير القمي

- ‌الكتاب الثالث: تفسير العياشي

- ‌المطلب الأول: أصول التفسير عند الطوسي والطبرسي

- ‌المطلب الثاني: الفرق بينهما وبين الجمهور

- ‌المطلب الأول: تفسير الصافي

- ‌المطلب الثاني: (البرهان في تفسير القرآن)

- ‌المطلب الثالث: بحار الأنوار

- ‌المطلب الرابع: تأويل الآيات الباهرة

- ‌المطلب الخامس: تفسير شبر:

- ‌المطلب السادس: كنز العرفان

- ‌المطلب السابع: زبدة البيان

- ‌المطلب الثامن: الميزان

- ‌المطلب التاسع: التفسير الكاشف

- ‌المطلب العاشر: البيان

- ‌المبحث السادس: نظرة عامة لباقي كتب التفسير

- ‌الفصل الثالث عشر: الشيعة ومخالفتهم أهل البيت

- ‌الفصل الرابع عشر: موقف الشيعة من الصحابة

- ‌المطلب الأول: موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الصديق

- ‌المطلب الثاني: موقف ابن عباس من الصديق

- ‌المطلب الثالث: موقف الحسن بن علي رضي الله عنهما من الصديق

- ‌المطلب الرابع: موقف الإمام الرابع علي بن الحسن بن علي من الصديق

- ‌المطلب الخامس: موقف محمد بن علي بن الحسين الملقب بالباقر من الصديق

- ‌المطلب السادس: موقف جعفر بن محمد بن علي من الصديق

- ‌المطلب السابع: موقف الحسن العسكري

- ‌المطلب الثامن: موقف زيد بن علي بن الحسين

- ‌المطلب التاسع: موقف سلمان الفارسي الصحابي الجليل

- ‌المطلب العاشر: خلافة الصديق

- ‌المطلب الحادي عشر: اقتداء علي بالصديق في الصلوات وقبوله الهدايا منه

- ‌المطلب الثاني عشر: مساعدة الصديق في تزويج علي من فاطمة

- ‌المطلب الثالث عشر: المصاهرات بين الصديق وآل البيت

- ‌المطلب الرابع عشر: قضية فدك

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الفاروق عمر رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: مدح أهل البيت الفاروق

- ‌المطلب الثالث: تزويج المرتضى أم كلثوم من الفاروق

- ‌المطلب الرابع: إكرام الفاروق أهل البيت واحترامه إياهم

- ‌المطلب الخامس: حب آل البيت ومبايعتهم إياه

- ‌المبحث الثالث: موقف أهل البيت من ذي النورين

- ‌الفصل السادس عشر: موقف الشيعة من الخلفاء الراشدين الثلاثة

- ‌الفصل السابع عشر: موقف أهل البيت من أعداء الخلفاء الراشدين

- ‌المبحث الأول: موقف علي رضي الله عنه من الشيعة

- ‌المطلب الأول: رفض التشيع المطلق، وتقييده بالكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: التصريح بقول من يُكذب عليه حتى لا تنتشر الشائعات

- ‌المطلب الثالث: الإعلام والإعلان بالحق لدحض الشبهات

- ‌المطلب الرابع: الرد على الشبهات، وتوضيح المشكلات التي يروج لها حال ظهورها

- ‌المطلب الخامس: المناقشة والاحتجاج

- ‌المطلب السادس: البيان والإيضاح قبل إيقاع العقوبة

- ‌المطلب السابع: إيقاع العقوبة على من جاء بالبدعة ولو ادعى التشيع

- ‌المطلب الثامن: التحذير منهم ومن كلامهم، وزجر من ينقل أقوالهم

- ‌المطلب التاسع: التحذير من غدر الشيعة بأئمتها، وبيان أنه لا يوثق بهم ولا بتشيعهم

- ‌المطلب العاشر: إعلان البراءة ممن يتخذ التشيع له ستارا لنشر البدع وهدم الدين

- ‌المطلب الحادي عشر: الوصية بالاعتدال في الحب، وبيان معنى التشيع الحق المطلوب لآل البيت

- ‌المطلب الثاني عشر: حكمهم

- ‌الفصل الثامن عشر: موقف الشيعة الاثني عشرية من الأئمة الأربعة:

- ‌المبحث الأول: عداء الشيعة الاثني عشرية للأئمة الأربعة:

- ‌المبحث الثاني: اتهام الأئمة الأربعة بإحداث مذاهب مخالفة للكتاب والسنة

- ‌المبحث الثالث: دعوى الإمامية أن المذاهب الأربعة تجري وفق هوى السلطات:

الفصل: ‌المطلب الأول: دولة الإباضية في عمان

‌المطلب الأول: دولة الإباضية في عُمان

دخل المذهب الإباضي إلى عمان مبكرا واستقر هناك وتكون له أتباع وأخذوا في الازدياد مع مرور الزمن إلى أن أصبح كما يقول لوريمر: " يتمتع بنفوذ واسع أو على الأقل له من النفوذ مثل ما لغيره "، " وسرعان ما تبنى أهل عمان مبادئ المذهب الإباضي ويقال إنه بمطلع القرن 13م لم تصبح هذه المبادئ مسيطرة فقط ولكنها أصبحت لها صفة عامة تقريبا "(1).

وهكذا انتشر المذهب الإباضي في تلك البقاع النائية من الجزيرة العربية ذات المسالك الوعرة التي ساعدتهم في استقلالهم الذي طالما كانوا ينزعون إليه في عهد الدولتين الأموية والعباسية، متأثرين بنظريتهم الخاصة تجاه الخلافة الوراثية في دمشق أو بغداد وهو ما لا يتفق وآراؤهم الاعتقادية.

أما عن الكيفية التي دخل بها المذهب إلى هناك فمن المعروف أن معركة النهروان قد أتت على قسم كبير منهم ونجا منها من كتبت له النجاة، وبعدها فر من بقي منهم إلى مناطق بعيدة عن مركز الخلافة وأخذوا في نشر مبادئ الخوارج بين القبائل التي آوتهم يغمرهم الحقد الدفين على ما ناله إخوانهم من قتل على يد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأتباعه، ومن هنا يذهب لوريمر إلى القول بأن الذي أنشأ المذهب في عمان هو رجل من الخوارج الذين نجوا من تلك المعركة. " ويقال إن مبادئ الإباضية أدخلها إلى عمان أحد الخوارج الذين نجوا من الهلاك الذي حل بجماعتهم كحزب سياسي على يد علي بن أبي طالب في معركة النهروان، وهذا يؤكد أن مذهب الإباضية يرجع في أصله إلى الخوارج"(2). بينما يرى السالمي أن انتشار المذهب الإباضي في عمان كان على يدي عبد الله بن إباضي ويقول في ذلك: " والرواة المسلمون يذكرون بأنه قدم إلى عمان رجلان أحدهما الإمام عبد الله بن إباضي ونشر هناك مبادئ المحكمة (3) "

وسوف يكون لنا في الفصل التالي حديث عن فرقة الإباضية وعن بدء نشأتها وسبب نسبتها بعد ذلك إلى عبد الله بن إباضي.

وعلى كل فقد اشتد ساعد المذهب الإباضي في عمان ومن هنا اتجهوا إلى التفكير في إقامة دولة باسمهم مستقلة بنفسها عن التبعية للخلافة العباسية، وقد بدأت محاولة تكوين تلك الدولة سنة 129هـ في آخر دولة بني أمية وأول دولة بني العباس.

فلما أنس أهل عمان من أنفسهم القوة ثاروا بقصد الاستقلال عن الخلافة وكان ذلك على عهد السفاح وولاية أخيه المنصور على العراق الذي عين بدوره واليا من قبله على عمان، إلا أن العمانيين كانت نظرتهم كنظرة أسلافهم من الخوارج يرون أن توارث الخلافة أمر غير شرعي، لهذا فلم تكن الدولة العباسية بأحسن حالا من الدولة الأموية عندهم.

فقامت الثورة في عمان وانتخبوا أول إمام لهم وهو " الجلندي بن مسعود بن جيفر الأزدي " ولكنه لم يدم في الحكم إلا سنتين وشهرا واحدا؛ إذ إن نزعته إلى استقلال عمان عن الدولة العباسية أغضبتهم عليه فتقابل في معركة مع جيش الخلافة الذي يقوده خازم بن خزيمة، والتحموا في معركة أسفرت عن قتل الجلندي وأصحابه وانتهت حركة النزوع إلى الإمامة وظلت عمان جزءا من الدولة العباسية إلى سنة 177هـ.

(1)((دليل الخليج)) (6/ 3403).

(2)

((دليل الخليج)) (6/ 3403).

(3)

((عمان تاريخ يتكلم)) (ص131).

ص: 76

فقام إمام آخر لهم وهو " محمد بن أبي عفان الأزدي " واجتمعوا على طاعته ولكنهم نقموا عليه أخيرا أنه تجاوز الحدود وتكبر، فخلعوه سنة 179هـ وولوا عليهم إماما آخر ويسمى " الوارث بن كعب الخروصي " فأحسن فيهم السيرة وأحبوه، واجتمعت عليه كلمتهم وحارب بهم جيش الخلافة الذي أرسل لإخضاعهم بقيادة عيسى بن جعفر عم الخليفة هارون الرشيد فانتصر الوارث وأخذ عيسى أسيرا وأودع السجن إلى أن قتل، ثم انتهت مدة الوارث ومات غريقا في أثناء محاولته إنقاذ سجناء كان السيل قد داهمهم بعد حكم دام اثني عشر عاما أي أنه تولى إلى سنة 192هـ.

فبايع الإباضية بعده " غسان بن عبد الله " وكان يوصف بحزم وبأس فأمن البلاد وقضى على الفتن وازدهرت في عهده عمان، بل وحاول أن يوسع نفوذه إلى الهند ولكنه توفي قبل تحقيق هدفه سنة 207هـ. فبايع الإباضية بعده الإمام " عبد الملك بن حميد الأزدي " فسار فيهم سيرة ارتضوها كسابقه إلى أن توفي سنة 226هـ. فاختير بعده الإمام " المهنا بن جيفر اليحمدي الخروصي "، فحمد الإباضية سيرته وانتعشت على عهده البلاد وكان رجلا مهيبا حازما لا يجرؤ أحد على التكلم في مجلسه كما يصفه علماء الإباضية (1)، وكون له جيشا كثيفا وأسطولا قويا إلى أن توفي سنة 237هـ.

فانتخبوا بعده الإمام " الصلت بن مالك الخروصي " بالإجماع، وقد حدث في أثناء حكمه اعتداء من الحبشة فهاجموا جزيرة سقطرى واحتلوها وقتلوا عامل الصلت عليها، فكون عند ذاك الإمام الصلت جيشا وكون أسطولا يبلغ أكثر من مائة سفينة التحم من الأحباش في معركة انتصر فيها الإمام وانهزمت الأحباش تاركين سقطرة للإمام الصلت، وكانت ولايته طويلة؛ لهذا فقد طلب منه أن يتنازل نظرا للمصلحة في ذلك، فتنازل سنة 273هـ وعاش كواحد من الناس إلى أن توفي.

وبعد تنازله عين الإمام " راشد بن النظر اليحمدي الخروصي "، وفي عهده برزت العصبية القبلية بين العدنانية واليمانية واشتد ساعدها حتى كاد أن يذهب ضحية لها؛ فقد أراد خصومه الإطاحة به ولكنه قاومهم في معركة تسمى معركة الروضة انتصر فيها على معارضيه وقتل منهم كثيرا، واستمر أربع سنوات أرغم في نهايتها على التنازل سنة 280هـ.

فتولى الأمر بعده الإمام " عزان بن تميم الخروصي " سنة 277هـ، واشتد ضرام العصبية القبلية واشتعلت الفتن وأصبح الأمر على غاية ما يتوقع من المكروه فأنشب بأنصاره معركة مع معارضيه فهزمهم، فذهب بعض من المنهزمين مستصرخين المعتضد الخليفة العباسي لنصرتهم على عزان ومن معه، فكانت فرصة ذهبية للعباسيين للانقضاض على عمان والاستيلاء عليها وإعادتها إلى حظيرة الخلافة، فأمر عامله محمد بن بور بفتح عمان فوجه هذا خمسة وعشرين ألفا لفتحها، فلما علم أهل عمان بهذا الجيش خافوا منه وصاروا يتسللون هربا عن الإمام عزان إلى أن بقي معه من بقي، فتقابل مع جيوش الخلافة في معركة انتهت بقتل الإمام بل وبانتهاء الإمامة من عمان لمدة أربعين عاما أي من سنة 280 إلى سنة 320هـ، حين تولى الإمام " سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب "، وكان مطاعا في الكل موصوفا بالصلاح بينهم إلى أن قتل سنة 328هـ. وبعد سعيد بايع الإباضية رجلا أخباره مجهولة عند الإباضية ويسمى " راشد بن الوليد ". يقول عنه محمد السالمي أنه " تولى الإمامة بعد سعيد بن عبد الله وأخباره مجهولة لقلة التواريخ"(2). وقد حاول أن يصد جيش الخلافة العباسية ولكنه انهزم ثم أمنه العامل العباسي وبعده بقليل مات سنة 342هـ، وانتهت الإمامة ودخلت عمان في طاعة الدولة العباسية إلى سنة 407هـ.

(1) انظر: ((عمان تاريخ يتكلم)) (ص135).

(2)

((عمان تاريخ يتكلم)) (ص141).

ص: 77

فبايع الإباضية الإمام " الخليل بن شاذان "، وطرد عامل الدولة العباسية هناك واجتمعوا على طاعة الخليل إلى أن أسر من قبل العباسيين، فاختاروا بعده رجلا يسمى محمد بن علي ثم أطلق العباسيون الخليل فلما عاد تنازل له " محمد بن علي " عن رضى فاستمر الخليل حاكما إلى سنة وفاته 435هـ. فتولى الإمام بعده الإمام " راشد بن سعيد " واجتمعوا على طاعته إلا ما كان من قبيلتي نهد وعقيل فإنهم ثاروا عليه، ولكنه أخمد ثورتهم واستمر في الحكم إلى أن توفي فيقال إنهم بايعوا بعده ابنه حفص واستمر من سنة 445هـ إلى 453هـ، ولكن محمد السالمي ينفي هذا تماما (1).

ثم تولى بعده أئمة غير مشهورين ومنهم الإمام راشد بن علي الخروصي ولم يرض بعض العلماء عن سيرته، فطلبوا منه التوبة عن أعماله ففعل، فتولى بعده الإمام " عامر بن راشد بن الوليد الخروصي "، وقد أحسن القيام بأمور الحكم إلى أن توفي.

فتولى بعده الإمام " محمد بن غسان بن عبد الله الخروصي "، وقد استمر في الحكم إلى أن توفي والناس مجمعون على طاعته.

فتولى بعده الإمام " الخليل بن عبد الله بن عمر بن محمد بن الخليل بن شاذان " فنقل العاصمة إلى نزوى ثم استمر في مقاتلة بني نبهان إلى أن توفي. ثم تولى إمامة عمان الإمام " محمد بن أبي غسان ". يقول عنه محمد السالمي: " وأخباره قليلة لم نقف على أي شيء منها مع شدة البحث"(2).ثم تولى بعده الإمام " موسى بن أبي المعالي بن نجاد "، التقى مع محمد بن مالك في معركة قتل فيها موسى بن أبي المعالي ثم تفرق الناس بعده شيعا وهان أمرهم كما قال السالمي، ثم تولى بعده الإمام " خنبش بن محمد بن هشام "، قال السالمي عنه:" ولم نقف على شيء من أخباره "(3).

هذا وقد ظهرت الفتن وافتراق الكلمة في عمان وكانوا لا يولون هذا إلا ليظهر ذاك.

فتتابع على البلاد أمراء ضعاف ثم أرادوا العودة إلى الإمامة العامة وفعلا تتابع على عمان عدة أئمة منهم:

" الحواري بن مالك " من عام 809 إلى 832هـ.

" أبو الحسن بن خميس بن عامر " تولى 839هـ، وقد صادف بعض الفتن واستمر إلى أن توفي سنة 846هـ.

(1)((عمان تاريخ يتكلم)) (ص146).

(2)

((عمان تاريخ يتكلم)) (ص148).

(3)

((عمان تاريخ يتكلم)) (ص148).

ص: 78

ثم تولى بعد مدة انقطعت فيها الإمامة الإمام " عمر بن الخطاب بن محمد "، وقد بويع عام 885هـ، وقد ثار عليه النباهتة الذين كانوا ينافسونه في أخذ السلطة إلا أنه انتصر عليهم في معركة. وبعد وفاته تولى الإمام " محمد بن إسماعيل الحاضري " سنة 906هـ، فأحسن السيرة وأحبته الرعية وأرجع البلاد الأمن والهدوء إلى أن توفي. فبايع الناس بعده ابنه الإمام " بركات بن محمد بن إسماعيل " سنة 942هـ فبدأ الاختلاف فيما بينهم واقتتلوا ولم يعد ذلك الهدوء السابق واستمر بهم الأمر من سيء إلى أسوأ، وكثرت الفتن إلى أن توفي الإمام بركات وظهر بعده " أمراء محليون ضعاف لا هم لهم إلا تأكيد نفوذهم والسيطرة على مقدرات الناس دون وجه حق "(1).وبعد أن شهدت البلاد بعض الفتن والتحولات برز أئمة اليعاربة الذين جعلوا عمان " أقوى دولة في المحيط الهندي والخليج العربي وكانت أساطيلها الحربية تحمي إمبراطورية كبيرة "(2)، وعظم شأنهم واستتب الأمن. ويقول ج. ج. لوريمر:" تميز عهد اليعاربة على العموم بأنه كان عهد أمن داخلي ورخاء ازدادت فيه الثروة وانتصر التعليم كما تميز أيضا بازدياد هائل ومفاجئ في القوة البحرية أدت بالعمانيين إلى القرصنة والدخول في حروب خاطفة غير منتظمة، ابتداء من سنة 1677 "، وقد أفاض المؤلف بذكر مقدار قوتهم الحربية ذاكرا لها بالأرقام (3).

وأول أئمة اليعاربة هو: الإمام " ناصر بن مرشد اليعربي ": تولى الإمامة والبلاد في حالة من الفوضى فوجه اهتمامه إلى بناء الجبهة الداخلية فأحكم قبضته على البلاد، " وبمجرد انتخابه لتولي الإمام في سنة 1625 أحال هذا المنصب من مجرد ظل باهت كما كان إلى حقيقة ماثلة بالقوة "(4)، ثم وجه اهتمامه إلى تدخل البرتغاليين والفرس في بلاده فجهز لهم جيشا انتصر عليهم واسترد منهم بالقوة منطقة جلفار " وأخضع الأقاليم الداخلية بما فيها الشرقية ".

ولم يبق لهم إلا مسقط وصحار أتم تحريرهما خلفه الإمام " سلطان بن سيف اليعربي "، ووسع نفوذه فاستولى على سواحل الهند الغربية وكنج، وافتتح ممباسة وكلوة وزنجبار وهي من سواحل أفريقيا الشرقية والتحم مع البرتغاليين في معارك الساحل الهندي في بومباي، وكون إمبراطورية كبيرة إلى أن توفي.

فخلفه ابنه الإمام " بلعرب بن سلطان اليعربي " فاتجه اهتمامه إلى الإصلاحات الداخلية فبنى الحصون والقلاع وغرس الأشجار وأحيا موات الأرض.

إلى أن ثار عليه أخوه " سيف بن سلطان "، فأحكم قبضته على البلاد، ووسع نفوذه وقوي أمره، وأنشأ بعض الإصلاحات الداخلية كالزراعة وتربية المواشي. إلى أن توفي فخلفه الإمام " سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي " سنة 160هـ، وقد دام حكمه سبع سنوات حارب خلالها الفرس وانتصر عليهم في مواقع كثيرة واهتم بالإصلاحات الداخلية والعمران، يقول عنه الشيخ السالمي:" لقد هم أن يجعل عمان كجنتي مأرب فحال الحمام بينه وبين ما يؤمل، والآجال تقطع الآمال "(5).

(1)((عمان تاريخ يتكلم)) (ص153، 154).

(2)

((عمان تاريخ يتكلم)) (ص153، 154).

(3)

((دليل الخليج)) (2/ 637).

(4)

((دليل الخليج)) (2/ 633).

(5)

((عمان تاريخ يتكلم)) (ص160).

ص: 79

وبعد وفاته خلفه صبي مراهق يسمى " سيفا " فأرادت العامة أن يتولى الإمام هو ولكن العلماء رأوا أنه لا يجوز توليته مادام في هذا السن، فولوا سرا عن العامة رجلا له قوة في الحكم إلا أنه ليس من العلماء ولكنه كان تحته قبضة العلماء؛ فلا يمضي أمرا إلا بعد أخذ رأيهم فيه، هذا الرجل هو " مهنا بن سلطان بن ماجد اليعربي "، وصرفوا العامة بالمداراة ولبث هذا سنة في الحكم، ثم ثار عليه " يعرب بن بلعرب بن سلطان اليعربي " سنة 1133هـ، فاستقام له الأمر مؤقتا، ثم انفتحت عليه الفتن وتفرق الناس عنه وأرغم على التنازل عن الحكم إلى الإمام " سيف بن سلطان بن سيف اليعربي " سنة 1135هـ، وكان صغير السن ثم رأوا أن يعزلوه فعزل.

ثم تولى الأمر " محمد بن ناصر العامري "، وهذا لقي من ثار عليه أيضا فقتل فرجع سيف إلى الحكم، وهكذا دخلوا في فوضى وتفرق. إلى أن جاء حكم البوسعديين فتعاقبوا على الحكم، وكان المؤسس الأول لحكمهم هو الإمام " أحمد بن سعيد "، كان واليا من قبل الإمام سيف علي صحار. هذا ما قاله السالمي عنه، ولكن نجد أن ج. ج. لوريمر يقول عنه بأنه كان تاجرا وقد وضع الإمام سيفه ثقته فيه (1). وكان هذا الرجل عالي الهمة قلما تحين الفرصة إلا وينتهزها لصالحه، وكان الفرس هم العقبة الوحيدة أمامه فعقد معهم معاهدة فلما اشتد ساعده بدأ بالفرس فأقام وليمة كبيرة دعاهم لحضورها، وفي أثنائها ألقى عليهم القبض وقتلهم ثم أجبر الحامية الفارسية في مسقط على الاستسلام فقتل منهم الضباط وكبار رجالهم، وأرسل الباقين في سفن إلى إيران مخفورين وفي أثناء سيرهم أكمل بهم الجنود الباقي فأغرقوا بهم المراكب ورجعوا.

ولا تزال نفسه تتطلع إلى مزيد من الانتصارات، إلا أنه واجه مشكلة كبيرة وهي تصدي " بلعرب بن حمير اليعربي " لمحاربته، فقد كان هذا الأخير قد عين نفسه إماما وعندما سمع بأن أحمد بن سعيد نصب إماما أعد جيشا لإخضاعه فتحصن منه أحمد بن سعيد في قلعة صغيرة بالجبال، وقد رأى – من فطنته – أن يخرج متسللا في زي أعرابي يقود الجمال فاتصل بأتباعه فاجتمع له منهم بضع مئات، ثم قادهم إلى جيش بلعرب المحاصر فما شعروا إلا والطبول تضرب من كل جهة فاندهش بلعرب وظن أنه قد حوصر من قبل جيش غاز قوي فهرب، ولكنه وقع في قبضة أحد أبناء عم أحمد فذبحه فصفا الجو لأحمد بن سعيد ولم يقم أحد لمنافسته فما مات إلا وقد سيطر سيطرة مطلقة على جميع أجزاء عمان. هذا موجز من تاريخه وقد توسع في أخباره ج. ج. لوريمر كثيرا وبين منزلته القيادية وعلاقاته مع الدول الأخرى (2).ويقول السالمي عنه:" وقد أصدر القاضي – يعني به مفتي عمان آنذاك – قرارا يعلن فيه أن أحمد هو منقذ البلاد ويستحق أن يرفع ليكون إماما للمسلمين، وفعلا أصبح أحمد بن سعيد إمام عمان الفعلي وحاكمها المطلق "(3).

وما جاء بعده من أسرته فإنهم في نظر الإباضية ليسوا أئمة وإنما هم سلاطين؛ إذ إن الحكم أصبح بعد أحمد بن سعيد وراثيا، وهو الأمر الذي يبطل الإمامة عندهم.

(1)((عمان تاريخ يتكلم)) (ص163، 165).

(2)

((دليل الخليج)) (2/ 642)، وقد فصل المؤلف أخباره في (ص 644 - 657).

(3)

((عمان تاريخ يتكلم)) (ص164).

ص: 80

وقد قام الإمام " عزان بن قيس " بمحاولة لإرجاع البلاد إلى حكم الإمامة الذي غاب عنها زمن، وقد شد أزره علماء البلاد بما أوحوا به إلى العامة من الاستبشار ووجوب نصرته فاجتمع له من القبائل من استجاب له فبدأ محاولته لضم أجزاء عمان إلى إمامته: يقول لوريمر عن علو كلمة العلماء الإباضية في عهد عزان ومنهم سعيد بن خلفان كبير علمائهم ومقدمهم عند الإمام -: " وأضفى سعيد بن خلفان على حكومة عزان طابعا دينيا مسرفا في التعصب، فاستبدل علم عمان الأحمر من قديم الزمان بعلم المطوعة الأبيض، ومنع التدخين وشرب الخمر ومنع الاستماع إلى الأغاني والموسيقى بجميع ألوانها، وألزم أهل مسقط جميعا بالاختلاف إلى المساجد بانتظام وصدرت إليهم التعليمات باتباع السنة في تربية الذقون وحف الشوارب "(1).

ولهذا فقد كانت بريطانيا غير راضية عن سيرته هذه وإن سترها لوريمر بأقواله المختلفة، ومنها أنه كان مغتصبا وأن مستشاريه كانوا سيئي التصرف في الأمور، وأنه ليس من أسرة البوسعيديين الذين هم أحق بحكم عمان في نظر الإنجليز الذين لمسوا فيهم من إيثار طاعة بريطانيا والسير في رغباتها ما يرضيهم، وهو ما نقمه عليهم علماء الإباضية هناك، وكان عزان ينظر إلى الإنجليز الذين لمسوا فيهم من إيثار طاعة بريطانيا والسير في رغباتها ما يرضيهم، وهو ما نقمه عليهم علماء الإباضية هناك، وكان عزان ينظر إلى الإنجليز بأنهم استعماريون لا ينبغي ربط أي علاقة بهم فامتنع عن التعاون معهم أو تقريبهم. ومن هنا أخذ الإنجليز يحرضون عليه خصومه ومن أشدهم " تركي بن سعيد " يقول الدكتور جمال زكريا قاسم:" على أنه مما يستلفت النظر أنه في خلال الفترة التي قضاها عزان بن قيس في الحكم لم تقم بينه وبين الحكومة البريطانية أية علاقات وربما يرجع ذلك إلى التعاليم الإباضية التي لا تقر وجود هذه العلاقات فضلا عن أن الحكومة البريطانية لم تعترف بالوضع القائم في عمان "(2).

وقد أراد عزان أن يوسع من نفوذه، فهاجم مسقط وكاد أن يأخذها لولا أن تدخل بريطانيا قد حال بينه وبين امتلاكها فاتجه وأخذ البريمي وامتلكها ثم اتجه إلى إخضاع القبائل البدوية، ولكنها اجتمعت عليه والتحمت معه في معركة " ضنك "، فانهزم جيشه ولم ينج إلا هو ونفر يسير معه وكانت إقامته بمطرح تشكل تهديدا للقضاء على أسرة البوسعيديين، فرأت بريطانيا أن إعادة الإمام إلى عمان إذا انتصر عزان سيقضي على مصالحها لهذا أرسلت تركي بن سعيد – السابق الذكر – إلى لنجة لاستمالة القبائل التي هناك وتأليبهم على عزان، فلما تم له ما أراد أقبل بجيش قاصدا مطرح لإخضاعها وللقضاء على الإمام فنشبت هناك معركة أسفرت عن قتل الإمام عزان وتفرق أتباعه بين الناس.

(1)((دليل الخليج)) (2/ 748).

(2)

((دراسة لتاريخ الإمارات العربية)) (ص109).

ص: 81

وبعد قتل عزان خفت صوت الإمام إلى سنة 1913م، فأخذت الدعوة تنتشر بين الناس في عمان الداخلية للرجوع إلى الإمامة ومحاربة الحكم الوراثي (سلاطين البوسعيد)" فاجتمع أئمة الإباضية وانتخبوا سالم بن راشد الخروصي إماما "، ووصفت هذه الحركة من قبل الإباضية بأنها " حركة ثورية مباركة " فسار فيهم الإمام سالم سيرة ارتضوها من عمل بكتاب الله وسنة نبيه إلى سنة 1920م، فدبرت له مؤامرة اغتيل فيها. فولى الإباضية عليهم بعده الإمام " محمد بن عبد الله الخليلي "(1) الذي امتد حكمه أربعا وثلاثين سنة، " وقد عم الهدوء والسلام " تلك المناطق الداخلية في عهده رغم ما كان يلاقيه من تآمر سلاطين مسقط والإنجليز على إسقاط الإمامة هناك وضمها إلى سلطان مسقط البوسعيدي، وقد استمرت الحرب بينهم سبع سنوات ثم تم التوصل إلى معاهدة تعرف بمعاهدة السيب (والسيب يقع على بعد 30 كم تقريبا من العاصمة مسقط ويتكون من بيوت قليلة وفيه المطار للعاصمة مسقط).

واستمرت هذه المعاهدة إلى أن توفي الإمام الخليلي فأراد سلطان مسقط أن يهتبل الفرصة لضم عمان الداخلية إلى سلطنته، ولكن الإباضيين فوتوا عليه الفرصة وولوا عليهم بعده الإمام " غالب بن علي الهنائي "، الذي بويع بالإمامة سنة 1954م – 1373هـ، وقد جعل جل اهتمامه في ربط عمان بالدول العربية، " فقد قام بتبادل التمثيل الدبلوماسي مع جميع البلدان التي تتعاطف معه آملا من ذلك أن تكون عمان كأي دولة من الدول العربية ووجد من يشاطره هذا الأمل، إلا أن هذا التحرك من جانب الإمام قد أخاف بريطانيا وسلطان مسقط إذ إن رجوع الإمام إلى عمان معناه انتهاء مصالح بريطانيا ونفوذها هناك؛ خصوصا وأن آبار البترول قد جذبتهم إليها وأن التخلي عنها لا يمكن بحال. ومن هنا أخذت بريطانيا وحليفها سلطان مسقط سعيد بن تيمور في تنظيم الخطط الحربية للقضاء على الإمام بالقول والفعل. وفجأة وبدون مقدمات زحفت السيارات العسكرية إلى مدينة عبرى ومنها إلى العاصمة نزوى التي أصبحت تحت أيديهم فانتقلت الإمامة إلى رؤوس الجبال حيث قرر الإباضية التحصن بالجبال، خصوصا الجبل الأخضر، وشن الحملات الهجومية من هناك واستمرت تلك الحرب الضارية بين قوات الإمام وبين سلطان مسقط والإنجليز، وكانت قوات الإمام تحرز بعض الانتصارات بعد خسائر فادحة، إلا أن بريطانيا صبت جام غضبها عليهم؛ يتمثل ذلك في أسراب الطائرات والقنابل والصواريخ المدمرة "(2).

وكانت نهاية الإمامة في عمان بعد تلك المعارك التي دارت بين أتباعها من جهة والسلاطين والإنجليز من جهة أخرى، ولم تفلح الجهود السياسية والحربية في إعادة الإمامة للبلاد وإنما تمكن السلاطين البوسعيديين من عمان ولا يزالون حتى الآن يتوارثون الحكم فيها. وقد شهدت عمان نهضة قوية في عهدهم.

وإذا لم يكن السلاطين بالمذهب الإباضي فإن هذا المذهب لا يزال له سلطانه، ولا سيما في الجوانب الفقهية عند العلماء والعامة.

وقبل أن ننتهي من الحديث عن دولة الخوارج في عمان نحب أن نذكر هنا أن الخوارج بسطوا نفوذهم على بعض المناطق الأخرى في المشرق غير عمان؛ فقد بسط نافع بن الأزرق نفوذه على الأهواز إلى كرمان وتمكنوا من دولاب وسلبرى وسلي، وغيرهما من تلك النواحي، وبسط نجدة نفوذه على اليمامة والبحرين والقطيف وصنعاء، وخلفه على تلك المناطق أبو نزيك، إلى غير ذلك من أمثال تلك الظواهر التي لا نقف عندها لأنها تمثل وضعا من أوضاع الحكم المنظم والمستقر ولم تدم إلا سنوات قليلة، بل كان بعضها لا يبقى إلا شهورا؛ ولهذا لم ندخلها في الحديث عن دولة الخوارج مكتفين بذكرها عند الحديث عن تلك الفرق التي بسطت سلطانها وقتا ما على هذه المنطقة أو تلك.

‌المصدر:

الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص163

(1) انظر: ((عمان تاريخ يتكلم)) (ص171).

(2)

انظر: ((عمان تاريخ يتكلم)) (ص232، 254).

ص: 82