الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: حب آل البيت ومبايعتهم إياه
وكان أهل بيت النبوة يتبادلون معه هذا الحب والتقدير والاحترام، ولم يستمعوا ولم يصغوا إلى من يتكلم فيه، أو يطعنه بطعنة، أو يعرّضه بتعريض، بل تبرؤا ممن فعل به هذا، وأنكروا عليه كما سيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى.
وأكثر من ذلك كافؤوه على احترامه لهم وتقديره بهم حتى أعطوه ثمرة من ثمار النبوة، وزوّجها منه، وأطاعوه، وأخلصوا له الوفاء والطاعة، وناصحوه، وشاوروه بأحسن ما رأوه، واستوزرهم وتوزروه، وأنابهم فقبلوا نيابته، وجاهدوا تحت رايته، ولم يتأخروا في تقديم النصيحة له وما يطلب منهم وفق الكتاب والسنة، وبذلوا له كل غال وثمين.
فها هو علي بن أبي طالب يقر بذلك في رسالته التي أرسلها إلى أصحابه بمصر بعد مقتل محمد بن أبي بكر عامله على مصر، فيقول بعد ذكر الأحداث التي وقعت عقب وفاة الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه:
"فتولى أبو بكر تلك الأمور فلما احتضر بعث إلى عمر، فولاّه فسمعنا وأطعنا وناصحنا
(وهذا رغم أنف كل من يأبى وينكر، ورغم أنف المتستر بنقاب س-خ، والملتجئ إلى الكذب، القائل في كتابه رداً علينا – وفي رده يثبت ما قلناه ويقر ما أثبتناه – وهو يظن بأنه يكذبنا ويكذب الحقائق الدامغة التي لا مفر عنها، فيقول بعد ما ينقل فضائل أبي بكر وعمر التي أوردناها يقول: لو كنت حاضراً تحت منبر علي حينما بكى، وخطب هذه الخطبة المفصلة في الثناء عليهما لقلت له: ما جرّأنا على مخالفتهما وانتقاصهما إلا أنت يا علي! لامتناعك أنت وأهل بيت رسول الله والخلّص من أصحاب رسول الله عن البيعة لهما مما اضطررتم عمر أن يحمل الحطب، ويأتي لدارك يريد حرقها بمن فيها. وفيها ابنة رسول الله ويقال له: إن فيها ابنة رسول الله. ويقول: وإن .. حتى أخرجاك قهراً. ولم تبايع أنت إلا بعد ستة أشهر وبعد موت زوجتك غاضبة عليهما على فعلتهما معك ومعها، حتى أوصتك أن تدفنها ليلاً – وقد فعلت – احتجاجاً على فعلهما معكما؟.
فإذا كنت تعلم – يا علي – أن هذه منزلتهما عند رسول الله فلماذا فعلت – أنت وأصحابك وزوجك – هذا الفعل وجرأتمونا على نقدهما على ارتكابهما ذلك الفعل؟.
ثم ولم تكتف – يا علي – حتى تدعي في خطابك مع معاوية بن أبي سفيان الذي عيرك هذه الحادثة وذكر أنهم أخرجاك كالجمل المخشوش، فقلت له مفتخراً:
وأوجب لي رسول الله فيكم ولايته غداة غدير خم
ثم وكيف تدعي يا علي (أن رسول الله لا يرى كرأيهما رأياً، ولا يحب كحبهما حباً) وإنا نقرأ في التاريخ عدة قضايا رغب فيها عمر وخالفه رسول الله. فقد رأى عمر بعد وقعة بدر، أن يقدم رسول الله عمه العباس ويضرب عنقه، وتقدم أنت أخاك عقيلاً وتضرب عنقه، وخالفه رسول الله لأنه أخذ الدية وأطلقهما. وهكذا رأى عمر يوم فتح مكة أن يأمره رسول الله بضرب عنق أبي سفيان فامتنع رسول الله وأطلق سراحه وجعل بيته مأمناً للخائفين.
وأخيراً وليس آخراً. قول رسول الله عند موته: آتوني بكتف وقرطاس لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده. فخالف عمر في ذلك وقال: عندنا كتاب الله ما فرط فيه من شيء مما أوجد رسول الله وأغضبه فطرده. وقال: قوموا فقاموا.
إلى كثير من أمثال هذه المخالفات فلماذا لا تقول الصحيح يا علي؟
ثم هبك – يا علي – علمت أنه في حياته لم يتجاوزوا أمره ورأيه، ولكن كيف علمت ذلك بعد وفاة رسول الله. وهل أعلمك رسول الله بذلك. وحينما وقعت بينهما – بين أبو بكر وعمر – مشادة في قضية خالد بن الوليد، كان رأي رسول الله مع من منهما.
ولا شك أن علياً سيقول: لعن الله الكاذب المفتري" كتاب (الشيعة والسنة في الميزان لصاحب قناع س – خ ص88، 89، 90 ط بيروت).
نعم وأنا أيضاً أقول: لعن الله الكاذب المفتري سواء كان صاحب برقع س-خ أو الصافي.
فشركما لخيركما الفداء
ولقد كذّبه علي بن أبي طالب حيث يقول: أيها السائل الكاذب المفتري الجريء على الجلوس تحت منبر لا أراك إلا من سلالة ابن ملجم حيث تسب وتشتم صهري زوج بنتي من فاطمة الزهراء بنت الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وتنسب إليّ ما لم أقله وما لم أفعله، وتكذب الفاروق وتكذبني، ثم تدعي حبي وولائي، وتقول بأنني أنا جرأتك عليهما، لست إلا من سلالة ابن سبأ الذي تنكر وجوده خوفاً ووجلاً من أفعاله وأعماله وأقواله التي تطابق أقوالك وآراءك حتى لا تفضح، ولا يطلع الناس على سريرتك وفضائحك. وأنت تعلم أنني أنا الذي قتلته وحرقته لما أراد فتنة في الدين. وفساداً في الشريعة واضطراباً في المسلمين، وقد ذكره أسلافك وقومك، فتأتي أنت في القرن الرابع عشر وتنكر وتتنكر، وقبلك كلهم اعترفوا بوجوده وأعماله القبيحة الشنيعة فلعنة الله على الكاذب والمنكر والمفتري.
لَاّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَن ظُلِمَ [النساء:148] فمن الكاذب والمفتري، أنت أو صاحبك؟
وأما سيد أهل البيت فمعاذ الله أن يناله سوء سريرتك وسلاطة لسانك، ثم وكم من خطب علي تنكرها؟، وأي عدد من العبارات تنكر عليها، وها قد ذكرنا خطبة علي وتدعي موالاته من كتابك أنت، نعم أنت وقومك، فأنتم جمعتموه، وأنتم علقتم عليه وحققتموه، وأنتم طبعتموه، ثم وأنتم قدمتموه إلى العالم بقولكم: ولأجل ذلك صار كتابه (أي الغارات) هذا، وسائر كتبه مرتعاً للشيعة، ومشرعاً لهم، فقلما تجد كتاباً معروفاً للشيعة يخلو من ذكره وروايته فالأولى أن نشير إلى جماعة ممن يروي عنه أو عن كتبه بلا واسطة أو معها" (مقدمة الغارات) للثقفي ص ع).
ومعنى هذا أن هذا الكتاب من أهم مراجع الشيعة، ومنها سرقوا كثيراً، فبفضل الله ومنّه فقد أثبتنا مرغمين أنوف المنكرين بأن علياً بايع الصديق والفاروق، وأخلص لهما الوفاء، ويقر بذلك نفسه وهذا بعد وفاتهما، فماذا يقول المنصفون؟ ألا يقولون: لعن الله الكاذب والمفتري
…
وتولى عمر الأمر، وكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة (الغارات) للثقفي (1/ 307) والنقيبة هي النفس، وقيل: الطبيعة "رجل ميمون النقيبة مبارك النفس، مظفر بما يحاول" كما قال ابن منظور الأفريقي، وقال ابن السكيت: إذا كان ميمون الأمر ينجح فيما حاول ويظفر، وقال ثعلب: إذا كان ميمون المشورة، وفي حديث مجدي بن عمرو: إنه ميمون النقيبة أي متنجح الفعال، مظفر المطالب" (لسان العرب) لابن منظور الأفريقي (1/ 768).
أي لم نتأخر في بيعته، ولم نبخل بالسمع والطاعة والمناصحة، لأن سيرته كانت طيبة، ونفسه كان ميموناً مباركاً، ناجحاً في أفعاله، مظفراً في مطالبه.
ولقد أثبت هذا الطوسي شيخ الطائفة لدى القوم في أماليه حيث يروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: فبايعت عمر كما بايعتموه، فوفيت له بيعته حتى لما قتل جعلني سادس ستة، ودخلت حيث أدخلني" (الأمالي) للطوسي (2/ 121) ط نجف).
فبايعه علي بن أبي طالب، وسمعه، وأطاعه، وناصحه، ورضي بما أمر به، ودخل اللجنة التي جعلها لانتخاب الخليفة منها، وكان وزيره ومشيره وقاضيه، ولقد ذكرنا مواقع عديدة استشار فيها الفاروق من مستشاريه، وكان من بينهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعمل بمشورته فيها دون غيره كما ذكر اليعقوبي المؤرخ الشيعي:
"إن عمر شاور أصحاب رسول الله في سواد الكوفة، فقال له بعضهم: تقسمها بيننا، فشاور علياً، فقال: إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء! ولكن تقرها في أيديهم يعملونها، فتكون لنا ولمن بعدنا. فقال: وفقك الله! هذا الرأي"(تاريخ اليعقوبي)(2/ 151، 152).
وكذلك وردت الروايات الكثيرة في المسائل القضائية أن علياً كان في طرف والباقين في جانب آخر فرجح الفاروق قضاء عليّ ورأيه، ولقد بوب المفيد الملقب بالشيخ باباً مستقلاً بعنوان "ذكر ما جاء من قضاياه في إمرة عمر بن الخطاب" وأورد تحته قضايا مختلفة كثيرة حكم فيها عمر بقضاء علي رضي الله عنهما، ومنها:
"إن عمر أتي بحامل قد زنت فأمر برجمها فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هب أن لك سبيلاً عليها أي سبيل لك على ما في بطنها والله تعالى يقول: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164] فقال عمر: لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن ثم قال: فما أصنع بها؟ قال: احتط عليها حتى تلد، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم عليها الحد، فسري بذلك عن عمر وعول الحكم به على أمير المؤمنين عليه السلام"(الإرشاد)(ص109).
وأيضا ذكر المفيد:
إنه استدعى امرأة كانت تتحدث عندها الرجال، فلما جاءها رسله فزعت وارتاعت وخرجت معهم فأملصت ووقع إلى الأرض ولدها يستهل ثم مات فبلغ عمر ذلك فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الحكم في ذلك فقالوا بأجمعهم: نراك مؤدباً، ولم ترد إلا خيراً، ولا شيء عليك في ذلك وأمير المؤمنين عليه السلام جالس لا يتكلم في ذلك، فقال له عمر: ما عندك في هذا يا أبا الحسن؟ فقال: قد سمعت ما قالوا: قال: فما عندك؟ قال: قد قال القوم ما سمعت، قال: أقسمت عليك لتقولن ما عندك، قال: إن كان القوم قاربوك فقد غشوك وإن كانوا ارتاؤا فقد قصروا الدية على عاقلتك لأن قتل الصبي خطأ تعلق بك فقال: أنت والله نصحتني من بينهم والله لا تبرح حتى تجري الدية على بني عدي ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه السلام (الإرشاد)(ص110).
وأيضاً "عن يونس عن الحسن أن عمر أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك إن الله تعالى يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف: 15] ويقول جل قائلاً: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة: 233] فإذا أتمت المرأة، الرضاعة سنتين، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً، كان الحمل منها ستة أشهر، فخلى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم بذلك فعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنه إلى يومنا هذا"(الإرشاد)(ص110).
وأيضاً "إن امرأة شهد عليها الشهود أنهم وجدوها في بعض مياه العرب مع رجل يطأها ليس ببعل لها، فأمر عمر برجمها وكانت ذات بعل، فقالت: اللهم إنك تعلم أني بريئة، فغضب عمر وقال: وتجرح الشهود أيضاً، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ردوها واسألوها فلعل لها عذراً، فردت وسئلت عن حالها فقالت: كان لأهلي إبل فخرجت في إبل أهلي وحملت معي ماء ولم يكن في إبل أهلي لبن وخرج خليطنا وكان في إبله لبن، فنفد مائي فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتى أمكنه من نفسي فأبيت، فلما كادت نفسي تخرج أمكنته من نفسي كرها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله أكبر فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 173] فلما سمع ذلك عمر خلى سبيلها.
وعمل الفاروق في جميع هذه القضايا بقضاء عليّ، ونفّذ ما قاله لأنه كان يقول حسب رواية شيعية: علي أقضانا" (الأمالي) للطوسي (1/ 256) ط نجف.
فهذه قضاءاته، وتلك مشوراته، أفبعد هذا يمكن القول بأن علياً كان يخالف عمر رضي الله عنهما، أو كان بينهما شيء؟، حتى ويقال إنه لم يبايعه هو وذووه.
فهل يتصور أن شخصاً لا يعترف ولا يقرّ بولاية أحد وخلافته ثم يشترك في الشورى في المسائل المهمة والنوائب الملمة، ويبدي رأيه الصائب، ويؤخذ بقوله ويقضى بين الناس، وينفذ قضاؤه؟.
وأكثر من ذلك وأصرح ما ورد أنه لم يكن قاضياً ومشيراً ووزيراً لصهره ونائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين وخليفة المسلمين عمر بن الخطاب فحسب، بل كان نائباً له في الحكم والحكومة فأنابه عمر سنة (15) من الهجرة لما استمد أهل الشام عمر على أهل فلسطين وشاور أصحابه فمنعه علي، وقال له: لا تخرج بنفسك، إنك تريد عدواً كلباً، فقال عمر: إنص أبادر بجهاز العدو موت العباس بن عبد المطلب إنكم لو فقدتم العباس لينقض بكم الشر – فانظر حب الفاروق لأهل بيت النبي وخاصة لعمه – كما ينتقض الحبل" (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد ج2 جزء 8 ص370).
فشخص عمر إلى الشام.
"وإن علياً عليه السلام هو كان المستخلف على المدينة"(شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد ج2 جزء 8 ص370).
هذا ولقد ذكر المؤرخون أن الفاروق رضي الله عنه أناب المرتضى رضي الله عنه ثلاث مرات في الحكم وعلى عاصمة المؤمنين سنة (14) من الهجرة عندما أراد غزو العراق بنفسه. وسنة (15) عند شخوصه لقتال الروم" (البداية والنهاية) لابن كثير (7/ 35) وص55 ط بيروت، أيضاً (الطبري)(4/ 83) و (ص159) ط بيروت).
وعند خروجه إلى أيلة سنة (17) من الهجرة" (الطبري).
ولأجل ذلك قال علي رضي الله عنه لما عزموا على بيعته: أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" (نهج البلاغة)(ص136) تحقيق صبحي).
يشير بذلك إلى وزارته أيام الصديق وخاصة عصر الفاروق رضي الله عنهم.
ولأجل ذلك كان يقاتل هو وبنوه وأهله وذووه تحت رايته، ويقبلون منه الغنائم والهدايا والجواري والسبايا، ولو لم يكن خلافته حقاً لما كان القتال تحت رايته جهاداً، ولم يكن الجواري والإماء جوارياً وإماءً، ولم يجز قبولها والتمتع بها، وقد ثبت هذا كله كما ذكرناه سابقاً، وكما روى الشيعة أن حسن بن علي سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام قاتل تحت لواء الفاروق، وجاهد أيام خلافته وتحت توجيهاته وإرشاداته في الجيش الذي أرسل إلى غزو إيران ويقولون: إن في أصفهان مسجداً يعرف بلسان الأرض! ولقد سمي بهذا الاسم لأن حضرة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لما جاء إلى أصفهان أيام خلافة عمر بن الخطاب مجاهداً في سبيل الله غازياً وفاتحاً لهذه البلاد مع عساكر الإسلام نزل في موضع هذا المسجد فتكلمت معه الأرض فسميت هذه البقعة لسان الأرض لتكملها معه" (تتمة المنتهى) للعباس القمي (ص390) ط إيران).
وهذا وذلك دليل صدق على ما قلناه.
وأخيراً نريد أن نختم هذا البحث على مظهر يدل دلالة واضحة على حب أهل البيت الفاروق الأعظم رضوان الله عليهم أجمعين، وذلك المظهر هو تسمية أهل البيت أبناءهم باسم الفاروق عمر، حباً وإعجاباً بشخصيته، وتقديراً لما أتى به من الأفعال الطيبة والمكارم العظيمة، ولما قدم إلى الإسلام من الخدمات الجليلة، وإقراراً بالصلات الودية الوطيدة والتي تربطه بأهل بيت النبوة، والرحم، والصهر القائم بينه وبينهم.
فأول من سمى ابنه باسمه الإمام الأول المعصوم الذي لا يخطئ حسب معتقد القوم، ولقد سمى ابنه من أم حبيب بنت ربيعة البكرية التي منحها الصديق أبو بكر رضي الله عنه، عمر كما ذكر المفيد واليعقوبي والمجلسي والأصفهاني وصاحب (الفصول)، فيقول المفيد في باب "ذكر أولاد أمير المؤمنين وعددهم وأسمائهم": فأولاد أمير المؤمنين سبعة وعشرون ولداً ذكراً وأنثى (1) الحسن (2) الحسين. (6) عمر (7) رقية كانا توأمين أمهما أم حبيب بنت ربيعة" (الإرشاد) للمفيد (ص176).
ويقول اليعقوبي: وكان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكراً الحسن والحسين ومحسن مات صغيراً، أمهم فاطمة بنت رسول الله .. وعمر، أمه أم حبيب بنت ربيعة البكرية" (تاريخ اليعقوبي)(2/ 213) كذلك (مقاتل الطالبين)(ص84) ط بيروت).
وأما المجلسي فيذكر "عمر بن علي من الذين قتلوا مع الحسين في كربلاء، وأمه أم البنين بنت الحزام الكلابية"(جلاء العيون) فارسي، ذكر من قتل مع الحسين بكربلاء (ص570).
وصاحب (الفصول) يقول تحت ذكر أولاد علي بن أبي طالب: وعمر من التغلبية، وهي الصهباء بنت ربيعة من السبي الذي أغار عليه خالد بن الوليد بعين التمر، وعمّرعمر هذا حتى بلغ خمسة وثمانين سنة فحاز نصف ميراث علي عليه السلام، وذلك أن جميع إخوته وأشقائه وهم عبد الله وجعفر وعثمان قتلوا جميعهم قبله مع الحسين - يعني أنه لم يقتل معهم - بالطف فورثهم" ("الفصول المهمة" منشورات الأعلمي طهران ص143، (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب)(ص361) ط نجف، (تحفة الإهاب)(ص251، 252)(كشف الغمة)(1/ 575).
هذا وتبعه الحسن في ذلك الحب لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فسمى أحد أبنائه عمر أيضاً.
يكتب المفيد في باب "ذكر ولد الحسن بن علي عليهما السلام وعددهم وأسماؤهم".
"أولاد الحسن بن علي خمسة عشر ولداً ذكراً وأنثى (1) زيد. (5) عمر (6) قاسم (7) عبد الله أمهم أم ولد"(الإرشاد)(ص194)(تاريخ اليعقوبي)(2/ 228)(عمدة الطالب)(ص81)(منتهى الآمال)(1/ 240)(الفصول المهمة)(ص166).
ويقول المجلسي:
كان عمر بن الحسن ممن استشهد مع الحسين بكربلاء" (جلاء العيون)(ص582).
ولكن الأصفهاني يرى أنه لم يقتل، بل كان ممن أسر فيقول:
وحمل أهله (الحسين بعد قتله) أسرى وفيهم عمر، وزيد، والحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالب" (مقاتل الطالبين)(ص119).
وابنه الثاني من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين رضي الله عنه أيضاً سمى أحد أبنائه باسم عمر، كما ذكر المجلسي تحت ذكر من قتل من أهل البيت مع الحسين بكربلاء "قتل من أبنائه الحسين كما هو المشهور علي الأكبر، وعبد الله الذي استشهد في حجره، وبعضهم قالوا أيضاً: قتل من أبنائه هو عمر وزيد"(جلاء العيون) للمجلسي (ص582).
هذا ومن بعد الحسين ابنه علي الملقب بزين العابدين سمى أحد أبنائه أيضاً باسم عمه وزوجة عمته وصديق جده، عمر، كما ذكر المفيد في باب "ذكر ولد علي عليه السلام" قال: ولد علي بن الحسين عليهما السلام خمسة عشر ولداً (1) محمد المكنى بأبي جعفر الباقر أمه أم عبد الله بنت الحسن (6) عمر لأم ولد" (الإرشاد)(ص261)(كشف الغمة)(2/ 105)(عمدة الطالب)(ص194)(منتهى الآمال)(2/ 43)(الفصول المهمة)(ص209).
وأما الأصفهاني فيذكر أن عمر هذا كان من أشقاء زيد بن علي من أمه وأبيه كما يقول تحت ترجمة زيد بن علي: وزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وأمه أم ولد أهداها المختار بن أبي عبيدة لعلي بن الحسين فولدت له زيداً وعمر وعلياً وخديجة. اشترى المختار جارية بثلاثين ألفاً، فقال لها: أدبري فأدبرت، ثم قال لها: أقبلي فأقبلت، ثم قال: ما أدري أحداً أحق بها من علي بن الحسين فبعث بها إليه وهي أم زيد بن علي" (مقاتل الطالبين)(ص127).
والجدير بالذكر أن كثيراً من أولاد عمر هذا خرجوا على العباسيين مع من خرج من أبناء عمومتهم ("وتفاصيلهم موجودة في "المقاتل" وغيره من كتب هذا النوع).
وكذلك موسى بن جعفر الملقب بالكاظم - الإمام السابع لدى القوم - سمى أحد أبنائه باسم عمر كما ذكر الأربلي تحت عنوان أولاده (كشف الغمة)(ص216).
فهؤلاء الأئمة الخمسة المعصومون لدى القوم يظهرون لعمر الفاروق ما يكنونه في صدورهم من حبهم وولائهم له وبعد وفاته بمدة.
أوَ هناك مظهر أكبر من هذا المظهر على ودهم وإخلاصهم لشخصية إسلامية فذة، وعبقري لم يفر أحد فريه، عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وبعد هؤلاء الوجوه جرى هذا الاسم في أولادهم كما ورد ذكر أولئك في كتب الأنساب والتاريخ والسير، وأورد بعضاً منها الأصفهاني في "المقاتل" والأربلي في "كشف الغمة" يقول الأصفهاني:
فمن الذين خرجوا طلباً للحكم والحكومة من الطالبيين مثل يحيى بن عمربن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي خرج أيام المستعين.
وعمر بن إسحاق بن الحسن بن علي بن الحسين "الذي خرج مع الحسين المعروف بصاحب فخ أيام موسى الهادي"(مقاتل الطالبين) للأصفهاني (ص456) ط بيروت).
و"عمر بن الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين بن الحسن"(مقاتل الطالبين) أيضاً (ص446).
إلى يومنا هذا غير هذا الشيعة منهم.
ولكننا اكتفينا بالخمسة الأول لما لهم حجة على القوم لقولهم بعصمتهم وإمامتهم، فهذا هو موقف أهل البيت من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمر الفاروق الأعظم، رضي الله عنهم أجمعين، مثل الصديق رضي الله عنه كانوا يجلونه، ويوقرونه، ويعظمونه، ويتولونه، ويخلصون له الوفاء والطاعة، ويحيون اسمه بعده بتسمية أبنائهم باسمه، ويصاهرونه، ويتقربون إليه.
المصدر:
الشيعة وأهل البيت لإحسان إلهي ظهير - ص113