المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الخامس: موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته من ابن سبأ - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌ج- القول بجواز التقية القولية دون العملية

- ‌د- أدلة المانعين للتقية

- ‌هـ - أدلة القائلين بجواز التقية

- ‌المطلب الثاني: موقف الخوارج من القعدة

- ‌تمهيد في الولاية والبراءة عند الخوارج

- ‌1 - موقفهم من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم

- ‌ب- موقفهم من بعض كبار الصحابة

- ‌المطلب الثاني: موقف الخوارج من عامة المسلمين المخالفين لهم

- ‌أ- موقف الغلاة منهم:

- ‌ب- موقف المعتدلين منهم:

- ‌المطلب الثالث: موقف الخوارج من أهل الذمة

- ‌المطلب الرابع: حكم الخوارج في أطفال مخالفيهم

- ‌المبحث الأول: الحوار والمناقشة وإزالة الشبه

- ‌المبحث الثاني: الوعظ والنصيحة

- ‌المبحث الثالث: الترغيب والترهيب

- ‌المبحث الرابع: ذم الخوارج وذم صنيعهم، ونشر النصوص النبوية الواردة في حقهم

- ‌المبحث الخامس: تحذير الناس من مسلكهم ببيان سوء فعلتهم، وإنزال نصوص قرآنية فيهم حتى لا يغتر بهم

- ‌المبحث السادس: هجرهم

- ‌المبحث السابع: الإجابة عن أسئلتهم، وعدم صدهم، ومراسلتهم إن دعت الحاجة

- ‌المبحث الثامن: عدم الاعتداء عليهم بل السير فيهم السيرة العادلة

- ‌المبحث التاسع: إعطاء الأمان لمن رجع منهم ومحاولة استصلاحه، وإعلان الكف عمن كف منهم ورجع

- ‌المبحث العاشر: قتالهم

- ‌الفصل الحادي عشر: محاورات علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخوارج

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: دولة الإباضية في عُمان

- ‌المطلب الثاني: دولة الإباضية في المغرب

- ‌أولا: موقف الإباضية من سائر المخالفين

- ‌ثانيا: موقف الإباضية من الصحابة

- ‌المطلب الرابع: عقائد الإباضية

- ‌المطلب الخامس: فقه الإباضية

- ‌المبحث الثاني: جماعة التكفير والهجرة (جماعة المسلمين)

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌أولا: التأسيس

- ‌ثانيا: من أبرز الشخصيات

- ‌المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات

- ‌المطلب الرابع: مبادئهم وأصولهم

- ‌أولا: مبدأ الحد الأدنى من الإسلام

- ‌ثانيا: مبدأ قاعدة التبين

- ‌ثالثا: مبدأ قاعدة تعارض الفرائض

- ‌رابعا: تكفيرهم لمرتكبي الكبائر:

- ‌خامسا: زعمهم أنهم جماعة آخر الزمان

- ‌سادسا: دعواهم أن زعيمهم هو المهدي المنتظر

- ‌سابعا: زعمهم بتميز جماعتهم

- ‌ثامنا: دعواتهم إلى الأمية ومحاربة التعليم

- ‌تاسعا: دعوتهم إلى اعتزال المجتمع

- ‌المطلب الخامس: أخطاؤهم في المنهج

- ‌أولا: أقوالهم في فهم الكتاب والسنة

- ‌ثانيا: ردهم للإجماع

- ‌ثالثا: طعنهم في الصحابة وردهم لأقوالهم

- ‌رابعا: آراؤهم في التقليد

- ‌المطلب السادس: أماكن الانتشار

- ‌مراجع للتوسع:

- ‌المبحث الأول: الحكم بتكفير الخوارج

- ‌المبحث الثاني: الحكم بعدم تكفير الخوارج

- ‌المبحث الثالث: تعقيب على إطلاق الحكم بالتكفير

- ‌مراجع للتوسع

- ‌المبحث الأول: الشيعة لغة

- ‌المبحث الثاني: الشيعة اصطلاحاً

- ‌الفصل الثاني: متى ظهر التشيع

- ‌الفصل الثالث: المراحل التي مر بها مفهوم التشيع

- ‌الفصل الرابع: أسماء الشيعة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: السبب في تفرق الشيعة

- ‌المبحث الثاني: عدد فرقهم

- ‌المبحث الثالث: السبب في عدم اتفاق العلماء على عدد فرق الشيعة

- ‌المطلب الأول: التعريف بالسبئية ومؤسسها

- ‌المطلب الثاني: الأفكار اليهودية المدسوسة

- ‌المطلب الثالث: منكروا ابن سبأ والرد عليهم

- ‌المطلب الرابع: عقيدة ابن سبأ وضلالاته

- ‌المطلب الخامس: موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته من ابن سبأ

- ‌المطلب السادس: موقف أتباع عبد الله بن سبأ لما سمعوا بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

- ‌المطلب السابع: موقف أهل بيت النبي الكريم من ابن سبأ

- ‌المبحث الثاني: الكيسانية

- ‌المطلب الأول: كيف صارت الكيسانية مختارية

- ‌المطلب الثاني: مؤسس المختارية (المختار بن أبي عبيد الثقفي)

- ‌المطلب الثالث: التعريف بمحمد بن الحنفية واختلاف الشيعة بعده

- ‌المبحث الرابع: الزيدية

- ‌المطلب الأول: التعريف

- ‌المطلب الثاني: نشأة الزيدية

- ‌المطلب الثالث: موقف زيد من حكام بني أمية

- ‌المطلب الرابع: الأفكار والمعتقدات

- ‌المطلب الخامس: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌المطلب السادس: موقفهم من الإمامة

- ‌المطلب السابع: آراء زيد والزيدية

- ‌الجارودية:

- ‌البترية:

- ‌زيدية الجيل والديلم:

- ‌زيدية اليمن:

- ‌المطلب التاسع: فرق جارودية اليمن

- ‌1 - الحُسَيْنية:

- ‌2 - المُطَّرِّفية:

- ‌3 - المخترعة:

- ‌المطلب العاشر: أئمة الزيدية ودورهم في نشر القبورية في اليمن

- ‌المطلب الحادي عشر: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌المطلب الأول: معنى الرافضة لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: سبب تسميتهم بالرافضة

- ‌المطلب الثالث: وقت وجودهم قبل اتصالهم بزيد

- ‌المطلب الرابع: أسماؤهم قبل اتصالهم بزيد

- ‌المطلب الخامس: فرق الروافض

- ‌المطلب السادس: أسماء الاثنا عشرية وسبب تلك التسميات

- ‌المطلب السابع: سبب انتشار مذهب الرافضة (الاثنا عشرية) وأماكن انتشارهم

- ‌المطلب الثامن: أهم الأماكن التي انتشر فيها هذا المذهب

- ‌المطلب التاسع: فرق الاثني عشرية وانقسامها

- ‌الفصل السابع: دول الشيعة والتأثير في المذهب

- ‌الفصل الثامن: أثر الفلسفة القديمة في الشيعة

- ‌المبحث الأول: معنى نزعة التشيع

- ‌المبحث الثاني: نشأة التشيع

- ‌المبحث الثالث: أثر النزعة المذهبية

- ‌المبحث الرابع: نزعة التشيع

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: الرواة الشيعة:

- ‌المطلب الثاني: المصنفات الشيعية

- ‌المبحث السادس: تناقض كتب الشيعة الإمامية الاثني عشرية

- ‌المبحث الأول: أقسام أخبار الشيعة

- ‌المبحث الثاني: الأدلة عند الشيعة

- ‌المبحث الثالث: طبقات الشيعة

- ‌المبحث الأول: بداية وضع الأخبار

- ‌المبحث الثاني: الأصول الأربعمائة

- ‌المبحث الثالث: الجرح والتعديل عند الشيعة والرافضة

- ‌المبحث الرابع: مفهوم السنة عندهم

- ‌المبحث الخامس: مراتب الحديث

- ‌المبحث السادس: التعارض والترجيح

- ‌المبحث السابع: الكتب الأربعة

- ‌الفصل الثاني عشر: التفسير وأصوله عند الشيعة الاثني عشرية

- ‌المبحث الأول: القرآن الصامت والقرآن الناطق

- ‌المطلب الأول: الإمام كالنبي

- ‌المطلب الثاني: مذهب الإخباريين

- ‌المطلب الثالث: قول الأصوليين

- ‌المطلب الرابع: النسخ بعد عصر النبوة

- ‌المطلب الخامس: التخصيص

- ‌المطلب السادس: كتمان الحكم تقية أو للتدرج

- ‌المطلب الأول: حجية الظواهر

- ‌المطلب الثاني: الباطن

- ‌المطلب الأول: لماذا قالوا بالتحريف

- ‌المطلب الثاني: أشهر كتب الغلاة

- ‌المطلب الثالث: سورة الولاية في كتاب دبستان المذاهب

- ‌المطلب الرابع: من القائلون بالتحريف

- ‌المطلب الخامس: معتدلو الشيعة يتصدون لحركة الغلاة

- ‌المطلب السادس: كتب التفسير الشيعي في القرن الثالث

- ‌الكتاب الأول: تفسير الحسن العسكري

- ‌الكتاب الثاني: تفسير القمي

- ‌الكتاب الثالث: تفسير العياشي

- ‌المطلب الأول: أصول التفسير عند الطوسي والطبرسي

- ‌المطلب الثاني: الفرق بينهما وبين الجمهور

- ‌المطلب الأول: تفسير الصافي

- ‌المطلب الثاني: (البرهان في تفسير القرآن)

- ‌المطلب الثالث: بحار الأنوار

- ‌المطلب الرابع: تأويل الآيات الباهرة

- ‌المطلب الخامس: تفسير شبر:

- ‌المطلب السادس: كنز العرفان

- ‌المطلب السابع: زبدة البيان

- ‌المطلب الثامن: الميزان

- ‌المطلب التاسع: التفسير الكاشف

- ‌المطلب العاشر: البيان

- ‌المبحث السادس: نظرة عامة لباقي كتب التفسير

- ‌الفصل الثالث عشر: الشيعة ومخالفتهم أهل البيت

- ‌الفصل الرابع عشر: موقف الشيعة من الصحابة

- ‌المطلب الأول: موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الصديق

- ‌المطلب الثاني: موقف ابن عباس من الصديق

- ‌المطلب الثالث: موقف الحسن بن علي رضي الله عنهما من الصديق

- ‌المطلب الرابع: موقف الإمام الرابع علي بن الحسن بن علي من الصديق

- ‌المطلب الخامس: موقف محمد بن علي بن الحسين الملقب بالباقر من الصديق

- ‌المطلب السادس: موقف جعفر بن محمد بن علي من الصديق

- ‌المطلب السابع: موقف الحسن العسكري

- ‌المطلب الثامن: موقف زيد بن علي بن الحسين

- ‌المطلب التاسع: موقف سلمان الفارسي الصحابي الجليل

- ‌المطلب العاشر: خلافة الصديق

- ‌المطلب الحادي عشر: اقتداء علي بالصديق في الصلوات وقبوله الهدايا منه

- ‌المطلب الثاني عشر: مساعدة الصديق في تزويج علي من فاطمة

- ‌المطلب الثالث عشر: المصاهرات بين الصديق وآل البيت

- ‌المطلب الرابع عشر: قضية فدك

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الفاروق عمر رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: مدح أهل البيت الفاروق

- ‌المطلب الثالث: تزويج المرتضى أم كلثوم من الفاروق

- ‌المطلب الرابع: إكرام الفاروق أهل البيت واحترامه إياهم

- ‌المطلب الخامس: حب آل البيت ومبايعتهم إياه

- ‌المبحث الثالث: موقف أهل البيت من ذي النورين

- ‌الفصل السادس عشر: موقف الشيعة من الخلفاء الراشدين الثلاثة

- ‌الفصل السابع عشر: موقف أهل البيت من أعداء الخلفاء الراشدين

- ‌المبحث الأول: موقف علي رضي الله عنه من الشيعة

- ‌المطلب الأول: رفض التشيع المطلق، وتقييده بالكتاب والسنة

- ‌المطلب الثاني: التصريح بقول من يُكذب عليه حتى لا تنتشر الشائعات

- ‌المطلب الثالث: الإعلام والإعلان بالحق لدحض الشبهات

- ‌المطلب الرابع: الرد على الشبهات، وتوضيح المشكلات التي يروج لها حال ظهورها

- ‌المطلب الخامس: المناقشة والاحتجاج

- ‌المطلب السادس: البيان والإيضاح قبل إيقاع العقوبة

- ‌المطلب السابع: إيقاع العقوبة على من جاء بالبدعة ولو ادعى التشيع

- ‌المطلب الثامن: التحذير منهم ومن كلامهم، وزجر من ينقل أقوالهم

- ‌المطلب التاسع: التحذير من غدر الشيعة بأئمتها، وبيان أنه لا يوثق بهم ولا بتشيعهم

- ‌المطلب العاشر: إعلان البراءة ممن يتخذ التشيع له ستارا لنشر البدع وهدم الدين

- ‌المطلب الحادي عشر: الوصية بالاعتدال في الحب، وبيان معنى التشيع الحق المطلوب لآل البيت

- ‌المطلب الثاني عشر: حكمهم

- ‌الفصل الثامن عشر: موقف الشيعة الاثني عشرية من الأئمة الأربعة:

- ‌المبحث الأول: عداء الشيعة الاثني عشرية للأئمة الأربعة:

- ‌المبحث الثاني: اتهام الأئمة الأربعة بإحداث مذاهب مخالفة للكتاب والسنة

- ‌المبحث الثالث: دعوى الإمامية أن المذاهب الأربعة تجري وفق هوى السلطات:

الفصل: ‌المطلب الخامس: موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته من ابن سبأ

‌المطلب الخامس: موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته من ابن سبأ

اختلفت الروايات عن موقف علي رضي الله عنه من ابن سبأ حينما ادعى ألوهيته: بعض الروايات تذكر أن علياً استتابه ثلاثة أيام فلم يرجع فأحرقه في جملة سبعين رجلاً (1).وبعض الروايات تذكر أن ابن سبأ لم يظهر القول بألوهية علي إلا بعد وفاته، وهذا يؤيد الرواية التي تذكر أنه نفاه إلى المدائن حينما علم ببعض أقواله، وغلوه فيه (2).

وبعض الروايات تذكر أن علياً علم بمقالة ابن سبأ في دعوى ألوهيته، ولكنه اكتفى بنفيه خوف الفتنة واختلاف أصحابه عليه، وخوفاً كذلك من شماتة أهل الشام. وكان هذا بمشورة ابن عباس رضي الله عنهما، أو الرافضة كما قيل في هذه الرواية (3).

والواقع أن الروايات التي تذكر أن علياً ترك ابن سبأ فلم يحرقه واكتفى بنفيه مع عظم دعواه وشناعة رأيه فيه –أمر فيه نظر، بل غير وارد كما أتصور، إذ يستبعد - حسبما يظهر لي- أن يتركه علي يعيث في الأرض فساداً، ويدعو إلى ألوهيته أو نبوته أو وصايته أو التبرأ من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يكتفي بنفيه فقط إلى المدائن، وهو يعلم أنه باق على غلوه، وأنه سيفسد كل مكان يصل إليه.

ويمكن أن يقال –وهو أقل اعتذار: إنه تركه لعدم ثبوت تلك الأقوال عنده؛ لأن ابن سبأ كان يرمي بها من خلف ستار.

أو لأن دعوى الألوهية لم توجد إلا بعد وفاة علي رضي الله عنه كما يرى بعضهم، وأنه حينما نفاه إلى المدائن كانت دعواه لم تصل إلى حد تأليهه لعلي رضي الله عنه.

وقد جرأت هذه الدعوى الكثير بعد ذلك على دعوى الألوهية لأشخاص من آل البيت بل ومن غيرهم.

‌المصدر:

فرق معاصرة لغالب عواجي 1/ 324 قال علي رضي الله عنه: "سيهلك في صنفان محب مفْرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق وخير الناس فِيَّ حالاً النمط الأوسط فالزموه السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة (4).

وهكذا شاء الله أن ينقسم الناس في علي رضي الله عنه إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: مبغض، وهؤلاء هم الذين تكلموا فيه بل غالى بعضهم فقالوا بكفره كالخوارج.

والقسم الثاني: أفرط في حبه وذهب به الإفراط إلى الغلو حتى جعلوه بمنزلة النبي بل ازدادوا في غيهم فقالوا بألوهيته:

وأما السواد الأعظم فهم أهل السنة والجماعة من السلف الصالح حتى الوقت الحاضر فهم الذين أحبوا علياً وآل بيته المحبة الشرعية، أحبوهم لمكانتهم من النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)((منهج المقال)) (ص203) للاسترابادي. وكذا قال الشيعي الحسن بن علي في كتابه ((الرجالي)) (ص469) نقلاً عن ((الشيعة والتشيع)) (ص56 - 57).

(2)

((شرح نهج البلاغة)) (2/ 309)، وانظر:((الملل والنحل)) للشهرستاني (ص157).

(3)

انظر: ((الفرق بين الفرق)) (ص235).

(4)

انظر: ((شرح نهج البلاغة)) (2/ 306).

ص: 167

ولقد جابه عليّ رضي الله عنه القسم الأول فقاتلهم بعد أن ناظرهم وأخباره معهم معروفة مسرودة في كتب التاريخ، ونريد أن نرى موقفه هو وأهل بيته من ابن سبأ وأتباعه. لما أعلن ابن سبأ إسلامه وأخذ يظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكسب قلوب فريق من الناس إليه، أخذ يتقرب من علي بن أبي طالب ويظهر محبته له فلما اطمأن لذلك أخذ يكذب ويفتري على عليّ بن أبي طالب نفسه، قال عامر الشعبي –وهو أحد كبار التابعين توفي 103هـ: أول من كذب عبد الله بن سبأ، وكان ابن السوداء يكذب على الله ورسوله وكان عليّ يقول مالي ولهذا الحميت الأسود (والحميت هو المتين من كل شيء) (1) يعني ابن سبأ وكان يقع في أبي بكر وعمر (2). وروى ابن عساكر أيضاً: أنه لما بلغ علي بن أبي طالب أن ابن السوداء ينتقص أبابكر وعمر دعا به، ودعا بالسيف وهمّ بقتله، فشفع فيه أناس فقال: والله لا يُساكنني في بلد أنا فيه، فسيره إلى المدائن (3).وقال ابن عساكر أيضاً: روى الصادق –وهو أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ولد سنة 83هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها سنة 148هـ - وهو الإمام السادس المعصوم عند الشيعة، روى عن آبائه الطاهرين، عن جابر قال: لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له أنت دابة الأرض (4) فقال له: اتق الله، فقال له: أنت الملك، فقال: اتق الله، فقال له: أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: دعه وانفِه إلى ساباط المدائن فإنك إن قتلته بالمدينة – يعني الكوفة – خرج أصحابه علينا وشيعته، فنفاه إلى ساباط المدائن فثم القرامطة والرافضة، أي كانت بعد ذلك وبجهود ابن سبأ مركزاً يتجمعون فيه، قال: أي جابر – ثم قامت إليه طائفة وهم السبئية وكانوا أحد عشر رجلاً قال: ارجعوا فإني علي بن أبي طالب أبي مشهور وأمي مشهورة وأنا ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا نرجع دع داعيك، فأحرقهم في النار وقبورهم في صحراء أحد عشر مشهورة، فقال: من بقي ممن لم يكشف رأسه منهم علنا أنه إله، واحتجوا بقول ابن عباس: لا يعذب بالنار إلا خالقها (5).

(1) انظر: ((القاموس المحيط)) (1/ 152) ط (1952) القاهرة.

(2)

انظر: ((تاريخ دمشق)) المخطوطة المصورة في معهد المخطوطات رقم (602 تاريخ) في ترجمة عبد الله بن سبأ، وانظر:((تهذيب تاريخ)) ابن عساكر (7/ 430).

(3)

انظر: ((تهذيب تاريخ)) ابن عساكر (7/ 430).

(4)

يشير إلى الآية الكريمة.

(5)

((تاريخ دمشق)) لابن عساكر المخطوط، وانظر:((تهذيب تاريخ)) ابن عساكر (7/ 430 - 431).

ص: 168

هذا موقف الإمام علي رضي الله عنه في ابن سبأ وأتباعه، نفاه إلى المدائن وأحرق طائفة من أتباعه، ومن لم يقتنع بهذه الروايات والتي بعضها رواها أحد المعصومين عند القوم وأبى إلا المكابرة والعناد، نذكر له ما ورد في حرق هؤلاء في الروايات الصحيحة عند أهل السنة والجماعة وبعدها روايات القوم. روى البخاري في (صحيحه) في كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله، بسنده إلى عكرمة أن علياً رضي الله عنه حرق قوماً فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تعذبوا بعذاب الله)) ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدّل دينه فاقتلوه)) (1).وروى البخاري في (صحيحه) في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، بسنده إلى عكرمة نحوه وفيه قال:"أتى عليّ رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم"(2).ورواه كذلك أبو داود في (سننه): في كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد الحديث الأول بسنده إلى عكرمة بلفظ آخر وفي آخره فبلغ ذلك علياً فقال ويح ابن عباس، وروى كذلك النسائي في سننه (3) نحوه. ورواه الترمذي في (الجامع): في كتاب الحدود، باب ما جاء في المرتد، وفي آخر، فبلغ ذلك علياً فقال: صدق ابن عباس: قال أبو عيسى، هذا حديث صحيح حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد (4).وروى البخاري أيضاً في (صحيحه) في كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم بسنده إلى عكرمة نحوه، وفيه قال: أتى عليّ رضي الله عنه (5) بزنادقة فأحرقهم. وروى الطبراني في المعجم الأوسط من طريق سويد ابن غفلة "أن علياً بلغه أن قوماً ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال: صدق الله ورسوله"(6).

(1) رواه البخاري (3017)

(2)

انظر ((صحيح البخاري)) (6922) و ((فتح الباري))، ط/ السلفية (6/ 151).

(3)

انظر: ((سنن النسائي)) (المجتبى)(5/ 105) الحكم في المرتد.

(4)

انظر: ((جامع الترمذي)) _ (4/ 59) مصطفى الحلبي (1395هـ/1975م).

(5)

انظر: ((صحيح البخاري مع فتح الباري))، ط/السلفية (12/ 267) وقال الحافظ بن حجر في ((النكت الظراف)) (5/ 108) أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال: "كان الناس يأخذون العطاء والرزق مع الناس ويعبدون الأصنام في السر

" فذكر القصة، وأخرجها الحاكم في ((تاريخ نيسابور)) في ترجمة علي بن إبراهيم في وجه آخر، وعقب الحافظ على قول النسائي في محمد بن بكر أحد الرواة بأنه ليس بالقوي قال الحافظ قد تابعه أبو قرة موسى بن طارق عن ابن جريج، وصححه ابن حبان من طريقه.

(6)

رواه الطبراني في ((الأوسط)) (7/ 140)(7101) قال الهيثمي في ((المجمع)) (6/ 262) فيه الحسن بن زياد اللؤلؤي وهو متروك وانظر: ((فتح الباري)) (12/ 271).

ص: 169

وفي الجزء الثالث، من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي إن هنا قوماً على باب المسجد يدعون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم: ويلكم ما تقولون؟ قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعت الله أثابني إن شاء الله وإن عصيته خشيته أن يعذبني، فاتقوا الله وارجعوا فأبوا، فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال: أدخلهم فقالوا كذلك، فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنّكم بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك فقال: يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدَّ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال:

إني رأيت أمراً منكراً

أو قدت ناري ودعوت قنبرا

وقال ابن حجر: هذا سند حسن (1).إضافة إلى هذه الروايات، فقد روى الكليني في كتابه (الكافي) –الذي هو بمنزلة صحيح البخاري عند القوم، روى في كتاب الحدود في باب المرتد بسنده من طريقين عن أبي عبد الله أنه قال: أتى قوم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: السلام عليك يا ربنا فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة وأوقد فيها ناراً وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها وأفضى ما بينهما فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة الأخرى ناراً حتى ماتوا (2).

ونقل الماماقاني وهو فوق الثقة عند القوم بعض النصوص في ذم الغلاة ومنهم السبئية ما رواه محمد بن الحسن وعثمان بن حامد قالا: حدثنا محمد بن يزداد عن محمد بن الحسين عن موسى بن بشار عن عبد الله بن شريك عن أبيه قال: بينا علي رضي الله عنه عند امرأته عن عترة وهي أم عمر إذ أتاه قنبر فقال: إن عشرة نفر بالباب يزعمون إنك ربهم فقال: أدخلهم قال: فدخلوا عليه فقال: ما تقولون. فقالوا: نقول إنك ربّنا وأنت الذي خلقتنا وأنت الذي رزقتنا فقال لهم: ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم، فأبوا فقال لهم: ويلكم ربي وربكم الله ويلكم توبوا وارجعوا، فقالوا: لا نرجع عن مقالتنا أنت ربنا ترزقنا وأنت خلقتنا، فقال: قنبر ائتني بالفعلة، فخرج قنبر فأتاه بعشرة رجال مع الزيل والمرور فأمرهم أن يحفروا لهم في الأرض فلما حفروا أخدوداً أمر بالحطب والنار فطرح فيه حتى صار ناراً تتوقد قال لهم: توبوا قالوا: لا نرجع فقذف عليّ بعضهم ثم قذف بقيتهم في النار قال عليّ:

إني إذا بصرت شيئاً منكراً

أوقدت ناراً ودعوت قنبراً (3)

ويبدو أن علياً رضي الله عنه قد كرر عقابه لغير هؤلاء أيضاً، وهم الزط. فقد روى النسائي في سننه (المجتبى) عن أنس أن علياً أتي بناس من الزط يعبدون وثناً فأحرقهم، قال ابن عباس إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من بّدل دينه فاقتلوه)) (4).وأخرج ابن أبي شيبة من طريق قتادة: "أن علياً أتي بناس من الزط يعبدون وثناً فأحرقهم"(5) وحكم الحافظ ابن حجر على هذا الحديث بالانقطاع ثم قال: فإن ثبت حُمل على قصة أخرى، فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضاً من طريق أيوب عن النعمان أنه قال: شهدت علياً في الرحبة، فجاءه رجل فقال إن هنا أهل بيت لهم وثن في دار يعبدونه فقام يمشي إلى الدار فأخرجوا إليه تمثال رجل قال فألهب عليهم الدار (6).

(1) انظر: ((فتح الباري)) (12/ 271).

(2)

انظر: ((الكافي للكليني)) (7/ 257 - 259).

(3)

انظر: ((مقياس الهداية)(3/ 89 - 90) تنقيح المقال.

(4)

رواه البخاري (3017).

(5)

رواه النسائي (4065) وأحمد (1/ 322)(2968) وصححه الألباني

(6)

انظر: ((فتح الباري)) (12/ 270).

ص: 170

وروى الكشي في كتابه (معرفة أخبار الرجال) بعد ترجمة عبد الله بن سبأ تحت عنوان (في سبعين رجلاً من الزط الذين ادعوا الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام بسنده إلى أبي جعفر أنه قال: إن علياً عليه السلام لما فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم، وقال لهم: إني لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق، قال: فأبوا عليه، وقالوا له: أنت أنت هو، فقال لهم: لئن لم ترجعوا عما قلتم فِيِّ وتتوبوا إلى الله تعالى لأقتلنكم. قال: فأبوا أن يرجعوا أو يتوبوا. فأمر أن يحفر لهم آباراً فحُفرت ثم خرق بعضها إلى بعض ثم قذفهم فيها ثم طم رؤوسها ثم ألهب النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا" وفي بحار الأنوار نقلاً عن مناقب آل أبي طالب فخدّ عليه السلام لهم أخاديد وأوقد ناراً فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ثم قال:

إني إذا أبصرت أمراً منكراً

أوقدت ناراً ودعوت قنبراً

ثم احتفرت حفراً فحفراً

وقنبر يحطم حطماً منكراً

وعقّب على هذا الخبر ابن شهر آشوب بقوله: "ثم أحيا ذلك رجل اسمه محمد بن نصير النميري البصري زعم أن الله تعالى لم يظهره إلا في هذا العصر وإنه عليّ وحده، فالشرذمة النصيرية ينتمون إليه: وهم قوم إباحية تركوا العبادات والشرعيات واستحلت المنهيّات والمحرّمات، ومن مقالهم: أن اليهود على الحق ولسنا منهم، وإن النصارى على الحق ولسنا منهم"(1).

ومن المناسب ما دمنا نتكلم عن تحريق علي بن أبي طالب لأصحاب ابن سبأ والزنادقة أن نذكر حادثة أخرى ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة يقول ابن أبي الحديد: "وروى أبو العباس أحمد بن عبيد بن عمار الثقفي عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بنوين: وروى أيضاً عن علي بن محمد النوفلي عن مشيخته: "أن علياً عليه السلام مر بقوم وهم يأكلون في شهر رمضان نهاراً فقال أسفر أم مرضى قالوا: لا، ولا، واحدة منها، قال: فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية قالوا: لا، أنت أنت، يومئون إلى ربوبيته، فنزل عليه السلام عن فرسه فألصق خده بالأرض، وقال: ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام، فأبوا فدعاهم مراراً فأقاموا على كفرهم، فنهض إليهم وقال: شدوهم وثاقاً وعليّ بالفعلة والنار والحطب ثم أمر بحفر بئرين فحفرنا فجعل إحداهما سرباً والأخرى مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة وفتح بينهما فتحاً وألقى النار في الحطب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام، فأبوا فأمرهم بالحطب والنار فألقى عليهم فأحرقوا فقال الشاعر:

لترم في المنية حيث شاءت

إذا لم ترمني في الحفرتين

إذا ما حشنا حطباً بنار ..

فذاك الموت نقداً غير دين

فلم يبرح عليه السلام حتى صاروا حمماً (2).

هذه هي الروايات التي وقفنا عليها في الأحاديث الصحيحة والحسنة والروايات التاريخية وكذلك من كتب القوم المتعلقة بالأصول والفقه والرجال والتاريخ التي تدل بكل وضوح على أن علياً رضي الله عنه قد حرق الزنادقة ومن اعتقد فيه الربوبية ومنهم أصحاب ابن سبأ الملعون.

(1) انظر: ((مناقب آل أبي طالب)) لابن شهر آشوب (1/ 227) و ((بحار الأنوار)) (25/ 285).

(2)

انظر: ((شرح نهج البلاغة))، لابن أبي الحديد (2/ 308 - 309).

ص: 171

أما هو فكما تذكر الروايات – سواء روايات أهل السنة الجماعة وروايات الشيعة – أن علياً رضي الله عنه اكتفى بنفيه إلى المدائن بعد أن شفع له الرافضة. قال النوبختي في كتابه (الشيعة في ترجمة ابن سبأ): وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم وقال: إن علياً عليه السلام أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس عليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك، والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن (1).

ابن سبأ يدعو في المدائن لدعوته

إن عبد الله بن سبأ وجد بعد نفيه مكاناً مناسباً لبث أفكاره وضلالاته بعد أن ابتعد من سيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فأخذ ينظم أتباعه وينشر أفكاره بين جيش الإمام المرابط في المدائن، ولما جاءهم خبر استشهاد علي رضي الله عنه كذبه هو وأصحابه، ولنستمع للخبر كما يرويه الخطيب البغدادي بسنده إلى زحر بن قيس الجعفي الذي قال عنه علي رضي الله عنه: من سره أن ينظر إلى الشهيد الحي فلينظر إلى هذا – يقول زحر: بعثني عليّ على أربعمائة من أهل العراق وأمرنا أن ننزل المدائن رابطة قال: فوالله إنا لجلوس عند غروب الشمس على الطريق إذ جاءنا رجل قد أعرق دابته قال فقلنا: من أين أقبلت؟ فقال من الكوفة فقلنا متى خرجت؟ قال: اليوم، قلنا فما الخبر؟ قال خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة، صلاة الفجر فابتدره ابن بجرة وابن ملجم فضربه أحدهما ضربة إن الرجل ليعيش مما هو أشد منها، ويموت مما هو أهون منها، قال ثم ذهب. فقال عبد الله بن وهب السبئي – ورفع يده إلى السماء-: الله أكبر، الله أكبر، قال: قلت له ما شأنك؟ قال: لو أخبرنا هذا أنه نظر إلى دماغه قد خرج عرفت أن أمير المؤمنين لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه. وفي رواية الجاحظ في البيان والتبيين (لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودكم بعصاه" (2).نعود لرواية الخطيب قال: – أي زحر- فو الله ما مكثنا إلا تلك الليلة حتى جاءنا كتاب الحسن بن علي: من عبد الله حسن أمير المؤمنين إلى زحر بن قيس أما بعد: فخذ البيعة على من قبلك، قال: فقلنا أين ما قلت؟ قال: ما كنت أراه يموت" (3).وقال الحسن بن موسى النوبختي: "ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض" (4).

رواية عبد الجبار الهمداني في موقف ابن سبأ

قال عبد الجبار الهمداني المعتزلي المتوفي سنة 415هـ عند كلامه عن موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ابن سبأ والسبئية: "واستتابهم أمير المؤمنين فما تابوا فأحرقهم، وكانوا نفراً يسيراً، ونفى عبد الله بن سبأ عن الكوفة إلى المدائن، فلما قُتل أمير المؤمنين عليه السلام قيل لابن سبأ: قد قُتل ومات ودُفِن فأين ما كنت تقول من مصيره إلى الشام؟ فقال: سمعته يقول: لا أموت حتى أركل برجلي من رحاب الكوفة فأستخرج منها السلاح وأصير إلى دمشق فأهدم مسجدها حجراً حجراً وأفعل وأفعل فلو جئتمونا بدماغه مسروداً لما صدقنا أنه قد مات، ولما افتضح بهت، وادعى على أمير المؤمنين ما لم يقله. والشيعة الذين يقولون بقوله الآن بالكوفة كثير، وفي سوادها والعراق كله يقولون: أمير المؤمنين كان راضياً بقوله وبقول الذين حرقهم، وإنما أحرقهم لأنهم أظهروا السر، ثم أحياهم بعد ذلك قالوا: وإلا فقولوا لنا لمَ لم يحرق عبد الله بن سبأ؟ قلنا: عبد الله ما أقر عنده بما أقر أولئك، وإنما اتهمه فنفاه، ولو حرقه لما نفع ذلك معكم شيئاً، ولقلتم إنما حرقه لأنه أظهر السر"(5).

‌المصدر:

ابن سبأ حقيقة لا خيال للدكتور سعد الهاشمي

(1) انظر: ((فرق الشيعة)) للنوبختي، (ص 44) و ((قاموس الرجال)) (5/ 436).

(2)

انظر: ((البيان والتبيين)) للجاحظ (3/ 81) ط (1968) القاهر.

(3)

انظر: ((تاريخ بغداد)) (8/ 488).

(4)

انظر: ((فرق الشيعة)) للنوبختي، ط/ النجف، (ص 43) و ((قاموس الرجال)) (5/ 463).

(5)

انظر: ((تثبيت دلائل النبوة)) (2/ 539 - 550).

ص: 172