الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد في الولاية والبراءة عند الخوارج
الحب في الله والبغض في الله والولاية لأولياء الله والبراءة من أعداء الله، هذه مبادئ إسلامية مقررة، وعلى أساس تقريرها والالتزام بها يتحدد موقف المسلم من غير توليا أو تبريا، والخوارج بصفة عامة يلتزمون بهذا المبدأ ولكنهم ينحرفون في تطبيقه على مخالفيهم من المسلمين فيتبرأون منهم ولا يتولون إلا أنفسهم، فعلى أساس ضرورة الالتزام بمبدأ الولاية والبراءة يزن الخوارج أعمال مخالفيهم فيحددون موقفهم منهم وآراءهم فيهم، وإن كانوا –كما قلنا- ينحرفون في نظرتهم إلى غيرهم وما ينبني عليها من أحكام.
ونحب قبل أن نحدد رأي الخوارج في مخالفيهم وموقفهم منهم أن نقدم هذه الكلمة عن مبدأ الولاية والبراءة في نظر الخوارج بصفة عامة والإباضية بصفة خاصة، حيث عنيت مصادر هؤلاء ببيان حقيقتها وأهميتها ووجوبها والشرائط الموجبة لها والأدلة الشرعية على ذلك كله. يقول المبرد:"والخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكاذب ومن ذي المعصية الظاهرة"(1)، ومعروف أن الخوارج يعتبرون كل من سواهم، من أصحاب المعاصي الظاهرة.
والولاية والبراءة عند الإباضية تأتي في الأهمية بعد التوحيد، فمن لم يوال أو يعاد فإنه لا دين له، إذ أن صاحب الدين لابد أن يكون على أحد أمرين: إما مواليا لأولياء الله فهو مؤمن، أو مبغضا لهم فهو غير مؤمن.
ونوجز الحديث عنهم بما تدعو إليه الحاجة في هذا المقام مستغنين عن تفصيلاتهم الكثيرة في هذا الموضوع. فقد عرف الجيطالي الولاية بقوله: "والولاية في الشريعة: إيجاب الترحم والاستغفار للمسلمين"(2).
وعرفها النفوسي الإباضي بقوله:
فإن قيل ما معنى الولاية قل له
…
دعاؤك بالغفران والحب بالضمن (3)
(1)((الكامل)) للمبرد (2/ 106).
(2)
((قواعد الإسلام)) (ص45).
(3)
((متن النونية)) في عقيدة التوحيد (ص11).
ويستشهد الجيطالي على تفسيره للولاية والبراءة ووجوبهما من القرآن بقوله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19].ومن السنة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: ((يا ابن مسعود أي عرى الإسلام أوثق؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: الولاية في الله والبغض في الله)) (1)(2).ويستشهد الإباضية كذلك على وجوبها بما روي عن ابن عمر أنه قيل له: إن فلانا يقرئك السلام، فقال رضي الله عنه:(لقد بلغني أنه يقول بالقدر فإذا كان باقيا على شيء من ذلك فلا تبلغه عني السلام). وبما روى أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (من رأينا منه خيرا وظننا فيه خيرا، قلنا فيه خيرا وتوليناه، ومن رأينا منه شرا وظننا فيه شرا، قلنا فيه شرا وتبرأنا منه). وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان)) (3)، وكذلك قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَه (4)[المجادلة:22].والولاية في الله والبراءة في الله كذلك تتمثل فيها حقيقة الإيمان، يقول الجيطالي في ذلك "وكذلك عند أصحابنا رحمهم الله الولاية في الله والبغض في الله هي حقيقة الإيمان، فمن لم يدن بها فلا دين له ولا ولاية له عندهم"(5)، ومن ثم كانت الولاية والبراءة من أوجب الواجبات بعد التوحيد، يقول النفوسي:
ومما يلي التوحيد في الضيق فرضه
…
براءة موسى مع ولاية محسن
فمن لم يوال أو يعاد فإنه
…
من الدين صفر الكف واهي التدين (6)
وتجب معرفة الولاية والبراءة عندهم عند بلوغ الشخص سن التكليف، فحينئذ لا عذر لمن يجهلها، وتكون في حقه "فريضة مضيقة من لم يعتقد فرضيتها فهو مشرك"(7)، ويجب على المكلف القيام بولايتين: ولاية جملة وهي باتفاق الأمة، وولاية أشخاص، وهذه فيها خلاف عندهم، وفي هذا يقول الجيطالي:"فليس بين الأمة اختلاف في ولاية الجملة، وإنما الاختلاف بينهم في ولاية الأشخاص"(8).وفي ذلك يقرر قطب الأئمة أن ولاية الجملة وبراءتها فرض على كل مسلم بنص الكتاب والسنة والإجماع، ولا يوجد خلاف إلا في ولاية الأشخاص وبراءتها هل هي واجبة أم غير واجبة؟ ثم يرجح أنها واجبة، بخلاف غيرهم فإنه لم يوجبها ويوضح هذا بقوله:"ولاية الجملة وبراءتها فريضتان بالكتاب والسنة والإجماع على كل مكلف عند بلوغه إن قامت عليه الحجة"، ثم قال:"وأما ولاية الأشخاص وبراءتها فواجبتان قياسا عليهما، ولورود أحاديث في حب الإخوان في الله ومدح حبهم في القرآن"(9).
ويقسم الإباضية الولاية إلى أقسام:1 - ولاية الجملة: ويمثلون لها بالأنبياء والرسل وأصحاب الكهف وأصحاب الأخدود والسحرة (10) وأمثالهم.
(1) رواه الطيالسي (1/ 50)، والطبراني (10/ 171)، والحاكم (2/ 522)، والبيهقي (10/ 233). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (3/ 72) - تخريجا لسند الطبراني-: وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر فيه.
(2)
((قواعد الإسلام)) (ص45).
(3)
رواه أبو داود (4681)، وابن أبي شيبة (7/ 130). والحديث سكت عنه أبو داود. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (1/ 71) – كما أشار لذلك في المقدمة -. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(4)
انظر: ((الإباضية في موكب التاريخ)) (ص86،87).
(5)
انظر: ((قواعد الإسلام)) (ص45).
(6)
((متن النونية)) (ص11).
(7)
((قواعد الإسلام)) (ص45).
(8)
((قواعد الإسلام)) (ص45).
(9)
((الإباضية في موكب التاريخ)) (ص84)، نقلا عن الشامل لأبي إسحاق.
(10)
يقصد سحرة آل فرعون.
2 -
ولاية الأفراد: وهذه تنقسم إلى قسمين: مسمى كآدم، وغير مسمى كمؤمن آل فرعون وأمثالهما.
3 -
ولاية الذكور وهم نوعان: الأنبياء والأولياء.
4 -
ولاية الإناث وهي نوعان أيضا: مسميات كمريم بنت عمران، وغير مسميات كامرأة فرعون وأمثالها.
وهذه الأقسام هي التي وردت في القرآن للأولياء الموصوفين بالعصمة والاصطفاء كما قال الجيطالي.
5 -
ولاية البيضة: أي ولاية الإمام العادل الذي لم يظهر منه ما يخل بإسلامه في أقوال وأفعاله.
6 -
ولاية الخارج من الشرك إلى الإسلام، وتكون عندما يدخل المشرك في الإسلام ويترك اقتراف المعاصي.7 - ولاية الخارج من مذهب مخالفيهم إلى مذهب أهل الوفاق (أي الإباضية)، وهذا لا يخلو إما أن يكون من المتدينين سابقا أو من غير المتدينين، فإذا كان من غير المتدينين فيكفي لولايته توبته ورجوعه إلى المسلمين، وأما إن كان من المتدينين فقد أوثقوه باجتيازه لشروط وامتحان عسير لولايته، يقول الجيطالي:"فالمتدين تكون ولايته حتى يرجع من مقالته إلى مقالة المسلمين قصدا، وأيضا يعدد أخطاءه ويتوب منها ويعترف فيها بالخطأ واحدة بعد أخرى"(1).
وكأن هذه الشروط وضعت للمتدين حتى لا يرجع إلى تدينه القديم على مذهب مخالفيهم الذي تاب منه ودخل في المذهب الإباضي معترفا بخطئه فيما سلف.
وليست الولاية في الله لأي إنسان اتفق، بل لابد فيها من شروط دينية دقيقة إذا توفرت في شخص ما حق له الولاية وفي هذا يقول السالمي:
ثم الولاية توحيدا تكون
…
وأخرى طاعة إن شرطها حصلا
كذا البراءة والشرط الذي وجبت
…
به الولاية أن تلفيه ممتثلا (2)
ومن شروط الإباضية التي يشترطونها في من يكون أهلا للولاية:
1 -
أن يظهر حلية وحالة ترضاها العين.
2 -
أن ينقل عنه الوفاء في الدين قولا وعملا.3 - سكوت القلب إلى ما تؤدي إليه الحواس لقوله صلى الله عليه وسلم: ((استفت قلبك)) (3).
ويقول أبو راس: إنه يجمعها قول الشيخ أبي نصر – أحد علمائهم:
إذا رضيت إذن وعين بما رأت
…
ووافق في دين الإله المهيمن (4)
المصدر:
الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص459
(1)((قواعد الإسلام)) (ص51).
(2)
((غاية المراد)) (ص11).
(3)
رواه أحمد (4/ 228)(18035) ، والدارمي (2/ 320) ، وأبو يعلى (3/ 162) ، من حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه، قال النووي في ((المجموع)) (9/ 150): إسناده إسناد البخاري، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 23): إسناده حسن، وقال الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1734): حسن لغيره.
(4)
((غاية المراد)) (ص12).