الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الفرق بينهما وبين الجمهور
هذا ما ذكره الشيخ الطوسي، وهو يتفق مع جمهور المفسرين فيما عدا حديثه عن المشترك، حيث جعل للأئمة ما للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا ليس بمستغرب منه، لأنه يتفق مع عقيدته في الإمامة. ولم يجعل للصحابة الكرام دوراً في التفسير، وهم الذين تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم. والقرن الذي تلاه - أي القرن السادس الهجري - ظهر فيه إمام المفسرين عند الجعفرية أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (1) الذي أخرج كتاباً في التفسير هو (مجمع البيان)، ثم ألف كتاباً آخر أصغر منه أسماه (جوامع الجامع)، وله كتاب ثالث (2).
وقد سلك مسلك الشيخ الطوسي، وتأثر به إلى حد كبير، فهما يمثلان جانب الاعتدال النسبي عند مفسري الجعفرية في القديم كما أشرنا من قبل. ومع أنهما يمثلان شيئا من الاعتدال، إلَاّ أن تناولهما لكتاب الله تعالى لم يسلم من التأثر بعقيدتهما في الإمامة، وأهم مظاهر التأثر نراها فيما يأتي:
أولاً: اللجوء لتأويل بعض آيات الكتاب المجيد للاستدلال على عقيدة الإمامة:
فالذين ذهبوا إلى القول بتحريف القرآن المجيد لم يضطروا للاستدلال على عقيدتهم عن طريق التأويل ما دام هؤلاء الغلاة قد زعموا أن القرآن الكريم نص على الإمامة التي يعتقدونها، أما هما فقد وقفا طويلاً أمام بعض آيات الله تعالى: يؤولان ويجادلان لإثبات عقيدتهم، مثال هذا ما نقلناه عنهما في الجزء الأول، وذلك عند الحديث عن آية الولاية والتطهير وعصمة الأئمة.
(1) توفى سنة 548 هـ.
(2)
قال صاحب ((الذريعة)) (4/ 310): ((تفسير الكاف الشاف من كتاب الكشاف))، أو الوجيز، هو ثالث تفاسير الطبرسي. والكتاب المذكور وجدته في مكتبة لندن.
ثانياً: ذكرهما لبعض القراءات الموضوعة والشاذة ذات الصلة بالمذهب: مثال هذا ما جاء في تفسير سورة آل عمران عند قوله تعالى: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران:33]، فإنهما يذكران أن قراءة أهل البيت " وآل محمد على العالمين " (1).وفي سورة الفرقان عند قوله تعالى: وَاجْعَلْنَا للْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، يفسرها الطوسي بقوله:" بأن يجعلهم ممن يقتدى بأفعالهم الطاعات "، ولكنه يذكر أن قراءة أئمتهم:" وَاجْعَلْ لنَا من الْمُتَّقِينَ إِمَامًا "(2) والطبرسي يذكر للإمام الصادق أقوالاً في هذه الآية الكريمة يجعلها خاصة بأئمة الجعفرية. كقول الإمام فيها: " إيانا عنى " وقوله: " هذه فينا ". ولا يكتفي بهذا بل يذكر ما يتفق مع الغلاة القائلين بالتحريف، فيخطئ ما جاء بالمصحف الشريف ليصل إلى القراءة التي ذكرها الطوسي، والرواية هي:" عن أبي بصير قال: قلت: واجعلنا للمتقين إماماً، فقال:- أي الإمام الصادق: " سألت ربك عظيماً، إنما هي: واجعل لنا من المتقين إماماً " (3).وفي قوله تعالى: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [الأحزاب:25]، يقول الطوسي: " بالريح والملائكة "، وقيل بعلي، وهي قراءة ابن مسعود، وكذلك هو في مصحفه "(4). وقال الطبرسي: " وكفى الله المؤمنين القتال بالريح والجند، وعن ابن مسعود أنه كان يقرأ: وكفى الله المؤمنين القتال بعلي "(5). وفي قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء:24]، يذكران قراءة لتأييد رأي فقهي ارتبط بالمذهب الجعفري، وهو إباحتهم لزواج المتعة، هذه القراءة هي زيادة " إلى أجل مسمى " بعد فما استمعتم به منهن (6).
(1) انظر ((التبيان)) (2/ 441)، و ((مجمع البيان)) (2/ 433).
(2)
انظر ((التبيان)) (7/ 512).
(3)
انظر ((جوامع الجامع)) (ص 326).
(4)
((التبيان)) (8/ 331).
(5)
((جوامع الجامع)) (ص 370).
(6)
انظر ((التبيان)) (6/ 166)، و ((جوامع الجامع)) (ص 83 – 84) وراجع تحريف القمي لها الذي ذكرناه في (ص 188).
ثالثاً: أسباب النزول: في ذكرهما لبعض أسباب النزول يبدو أثر الإمامة واضحاً، فمثلاً عند قوله تعالى: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ [الزخرف:57](1)، يذكر الطوسي سبب النزول فيقول: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوماً لعلي: " لولا إني أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك قولاً لا تمر بملأ إلَاّ أخذوا التراب من تحت قدميك، أنكر ذلك جماعة من المنافقين وقالوا: لم يرض أن يضرب له مثلاً إلَاّ بالمسيح، فأنزل الله الآية "(2) أما الطبرسي فيذكر سبباً آخر، قال:" المروي عن أهل البيت أن أمير المؤمنين قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فوجدته في ملأ من قريش، فنظر إلي ثم قال: يا علي، إنما مثلك في هذه الأمة مثل عيسى ابن مريم، أحبه قوم وأفرطوا في حبه فهلكوا، وأبغضه قوم وأفرطوا في بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا، فعظم ذلك عليهم وضحكوا، فنزلت الآية "(3) وفي سورة النحل: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 91] قال الطبرسي بأن الإمام الصادق قال: " نزلت هذه الآية في ولاية علي والبيعة له حين قال النبي صلى الله عليه وسلم سلموا على علي بإمرة المؤمنين (4) وفي سورة القلم قال الطبرسي: " لما رأت قريش تقديم النبي صلى الله عليه وسلم علياً قالوا: افتتن به محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: ن وَالْقَلَمِ إلى قوله: بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ، وهم النفر الذين قالوا ما قالوا، وَهُوَ أَعلَمُ بِالْمُهْتَدِين [القلم:1 - 7] علي بن أبي طالب " (5) وسورة عبس سبب نزولها معروف مشهور، ولكن الطوسي يرفض ما ذكره المفسرون (6)،ويذهب إلى أنها " نزلت في رجل من بني أمية كان واقفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أقبل ابن مكتوم تنفر منه وجمع نفسه وعبس في وجهه، وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله تعالى ذلك وأنكر معاقبة على ذلك " (7) وإذا وجدنا بين أسباب النزول ما يتصل بالإمام علي وبيعته، وهو لم يصح من طريق، ويقطع برفضه كون النزول في مكة، وسياق الآيات الكريمة كذلك، إلَاّ أنا نجد الأمر يختلف بالنسبة لغير أبي الحسن، مثال هذا ما جاء في سورة الليل: فالطبرسى يورد رواية تبين أن أبا الدحداح هو المراد من قوله تعالى: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى [الليل:5] ثم يقول
…
" وعن ابن الزبير قال: إن الآية نزلت في أبي بكر، لأنه اشترى المماليك الذين أسلموا مثل بلال وعامر بن فهيرة وغيرهما، وأعتقهم، والأولى أن تكون الآيات محمولة على عمومها في كل من يعطي حق الله من ماله "(8)
(1)(57: الزخرف)، والسورة الكريمة مكية، فكيف غاب هذا عن الطوسي وهو يذكر هذه الرواية، ويتحدث عن المنافقين! أوجدت جماعات المنافقين في العهد المكى!!
(2)
((التبيان)) (9/ 209 –210).
(3)
((جوامع الجامع)) (ص 436)، وانظر ((مجمع البيان)) (9/ 53).
(4)
((جوامع الجامع)) (ص 249)، وسورة النحل نزلت في العهد المكى كذلك، والبيعة المزعومة قالوا إنها كانت بعد حجة الوداع!
(5)
((جوامع الجامع)) (ص 504)، وسورة القلم ليست مكية فحسب، بل من أوائل ما نزل، فهى بعد العلق: أول سور القرآن الكريم نزولاً، وقت أن كان على بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه – صبياً!
(6)
انظر ((التبيان)) (10/ 268).
(7)
((التبيان)) (10/ 269).
(8)
انظر ((مجمع البيان)) (10/ 501 - 502) ..
أما الطوسي فإنه لا يذكر سبباً للنزول (1).
رابعاً: جعل الأئمة هم المراد من كلمات الله:
(1) انظر ((التبيان)) (10/ 363) وما بعدها، وحمل الآيات على عمومها لا ينفى سبب النزول، فكما هو معلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وشتان بين موقفهما هنا وموقفهما من الآيات التي وضع المفترون أسباباً لنزولها تتصل بأئمتهم.
ذكرنا من قبل أن أولئك الغلاة الذين عز عليهم خلو القرآن من ذكر الأئمة ووجوب ولايتهم، ذهبوا إلى القول بالتحريف وإسقاط أسماء الأئمة وآيات الولاية. وهنا نجد الدافع نفسه يدفع الطوسي والطبرسي إلى شيء آخر هو اللجوء إلى تأويل كثير من آي القرآن الكريم حتى يكون للأئمة والولاية ذكر، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة التي ما أكثرها! في سورة النساء: وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَاّ قَلِيلاً [النساء: 83]، يروى الطبرسي عن أئمته أن " فضل الله ورحمته النبي وعلي عليهما السلام " (1). وفي نفس السورة وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَاّ لَيُؤْمِنَنَّ بهِ قَبْلَ مَوْتِه [النساء: 159] يروي الطبرسي عن الإمامين الباقر والصادق: " حرام على روح امرئ أن تفارق جسدها حتى ترى محمداً وعلياً بحيث تقر عينها أو تسخن "(2). وفي سورة الأعراف وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف: 44] فينقل الطبرسي عن تفسير القمي، عن الإمام الرضا أنه قال: المؤذن أمير المؤمنين علي. ويذكر كذلك أن الإمام عليا قال: أنا ذلك المؤذن، وعن ابن عباس: إن لعلي في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس. ويقول الطبرسي أيضاً: فهو المؤذن بينهم يقول: ألا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتي واستخفوا بحقي (3). وعند الحديث عن أصحاب الأعراف في الآيات التالية يقول الطوسي بأن علياً قسيم الجنة والنار، ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يا علي، كأني بك يوم القيامة وبيدك عصا موسى، تسوق قوماً إلى الجنة وآخرين إلى النار "(4). ويروي الطبرسي عن أمير المؤمنين قال: " نحن نوقف يوم القيامة بين الجنة والنار، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار "(5). وفي سورة النمل: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [النمل:82] يذكر الطبرسي أن الإمام علياً هوهذه الدابة، وينقل عن تفسير العياشي ما يفيد هذا (6) وفي سورة محمد: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد: 30] يروي الطبرسي أن لحن القول بغضهم علي بن أبي طالب (7)
(1)((جوامع الجامع)) (ص 92)، ولكن الطوسي لم يشر لعلي. انظر ((التبيان)) (3/ 274).
(2)
((التبيان)) (ص 101)، وأنكر الطوسي هذا قائلاً " لم يجر لمحمد ذكر فيما تقدم، ولا ها هنا ضرورة موجبة لرد الكناية عليه، وما هذه صورته لا تجوز الكناية عنه ((التبيان)) (3/ 387).
(3)
انظر ((مجمع البيان)) ط مكتبة ((الحياة)) (8/ 63)، والآية الكريمة التالية التي تحدثت عن أولئك الظالمين هي " الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالأخرة كافرون ". ولا ندري أين على وولايته هنا؟ على أن الطوسي لم يذكر علياً هنا. انظر ((التبيان)) (4/ 406).
(4)
((التبيان)) (4/ 411)، ومن المعلوم – كما نص القرآن الكريم في أكثر من موضع – أن مثل هذا الأمر يكلف به الملائكة.
(5)
((جوامع الجامع)) (ص 146).
(6)
انظر ((مجمع البيان)) ط مكتبة الحياة 20/ 251، والطوسي أشار إلى أنها من الإنس ولكنه لم يذكر علياً ولا غيره. انظر ((التبيان)) (8/ 119 - 120).
(7)
انظر ((مجمع البيان)) (9/ 106) ولكن الطوسي لم يشر لهذا، انظر ((التبيان)) (9/ 305) ..
وفي سورة " ق ": أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق: 24] يزعم الطبرسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة يقول الله لي ولعلي: " ألقيا في النار من أبغضكما، وأدخلا في الجنة من أحبكما ". وذلك قوله عز اسمه: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (1). ونجد الطوسي والطبرسي لا يقتصران في التأويل على ذكر الإمام علي، فقد جعلا لغيره من الأئمة نصيباً، ومن أمثلة هذا ما نقرؤه عند تأويلهما لقوله تعالى في سورة البقرة: فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة: 37] فالطوسي بعد أن ذكر الروايات المختلفة في تأويل الكلمات يقول: " في أخبارنا توسله - أي آدم- بالنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وكل ذلك جائز "(2). والطبرسي بعد ذكره لتلك الروايات يقول:" قيل - وهي رواية تختص بأهل البيت عليهم السلام إن آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء معظمة مكرمة، فسأل عنها، فقيل له: هذه الأسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى، والأسماء: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فتوسل آدم عليه السلام إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته "(3). ونجد الزعم كذلك بأن الأئمة هم حبل الله (4) في قوله تعالى في سورة آل عمران " الآية 103 ": وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103]. وهم المخاطبون في قوله تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ [النساء:58] فيرويان عن أئمتهما أن هذا أمر لكل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى ولي الأمر بعده (5). وهم أولو الأمر في الآية التي تلتها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء:59](6) وفي الآية الثالثة والثمانين من نفس السورة: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ [النساء:83](7). وهم أهل الذكر (8) فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 7] وهم المصطفون (9) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر: 32]. وهم من أذن له الرحمن (10) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا [النبأ: 38].
(1)((مجمع البيان)) (9/ 147) ولكن الطوسي أيضاً لم يذكر هذا – انظر ((التبيان)) (9/ 366 – 367).
(2)
((التبيان)) (1/ 169).
(3)
((مجمع البيان)) (1/ 89).
(4)
ذكر الطبرسي في المراد بحبل الله ثلاثة أقوال: أحدها بأنه القرآن، وثانيها أنه دين الإسلام، وثالثها أنه أئمة الجعفرية، ثم قال: والأولى حمله على الجميع، وأيد قوله بإحدى روايات الغدير التي أثبتنا عدم صحتها في أكثر من كتاب – انظر ((مجمع البيان)) (2/ 482). أما الطوسي فلم يذكر القول الثالث: انظر ((التبيان)) (2/ 545 – 546).
(5)
انظر ((التبيان)) (3/ 234)، ((جوامع الجامع)) (ص 89).
(6)
راجع ((التبيان)) (3/ 236 - 237)، و ((جوامع الجامع)) (ص 89).
(7)
راجع ((التبيان)) (3/ 273)، و ((جوامع الجامع)) (ص 89).
(8)
انظر ((التبيان)) (7/ 232)، و ((جوامع الجامع)) (ص 289).
(9)
انظر ((التبيان)) (8/ 243)، و ((جوامع الجامع)) (ص 389).
(10)
انظر ((مجمع البيان)) (9/ 427)، والطوسي لم يشر لهذا – انظر ((التبيان)) (10/ 249).
والأئمة الذين ورد ذكرهم كثيراً في هذين التفسيرين نجد لولايتهم حظاً من التأويل، فعند قوله تعالى في سورة البقرة " الآية 208 ": يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:208] يرويان عن أصحابهما أن السلم الدخول في الولاية (1). وفي الآية السابعة من سورة المائدة: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]. يرويان دخول الولاية في المراد بالميثاق (2). وفي سورة طه " الآية 82 ": وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه: 82] يرويان أن الاهتداء إلى الولاية (3).وسورة محمد " الآية 26 ": ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ [محمد:26]، روى الطبرسي أن ما نزل الله في الولاية (4).
وإمامهم الثاني عشر - الإمام المهدي - نجد له ذكراً خاصاً. فعند قوله تعالى في سورة البقرة: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3]، نراهما يدخلان في الإيمان بالغيب ما رواه أصحابهما من زمان غيبة المهدي ووقت خروجه (5).وفي سورة الأنبياء " الآية: 105 ": وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105]، يروي الطبرسي عن الإمام الباقر، أن هؤلاء الوارثين هم أصحاب المهدي في آخر الزمان (6). وفي سورة النور: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور: 55] يرويان عن أئمتهم " هم والله شيعتنا أهل البيت، يفعل ذلك بهم على يد رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة " (7). وفي سورة الفتح: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الفتح: 28]، يذكر " أنه إذا خرج المهدي صارالإسلام في جميع البشر، وتبطل الأديان كلها "(8).
وبعد: فهذه أهم آثار الإمامة في تفسير هذين الشيخين: الطوسي والطبرسي، وإن كان الثاني - كما يظهر- أكثر تأثراً من شيخ الطائفة، وهما وإن لم يجنبا كتاب الله تعالى هذه الناحية الطائفية -التي ليس لها مستند من كتاب ولا سنة كما أثبتنا - إلَاّ أنهما مع هذا من أكثر الشيعة اعتدالاً، أو أقلهم غلواً. ويبدو البون شاسعاً عند المقارنة بينهما وبين من سبقهما من الغلاة. ولذلك جاء القول بالاعتدال النسبي أو إلى حد ما نتيجة المقارنة بغلاتهم الضالين، وإلا فجانب الغلو والتطرف فيهم، وفي أمثالهم، واضح بين!
المصدر:
مع الشيعة الاثني عشرية في الأصول والفروع لعلي السالوس - ص537
(1) راجع ((التبيان)) (2/ 185)، و ((مجمع البيان)) (2/ 302).
(2)
راجع ((التبيان)) (3/ 459 – 460)، و ((جوامع الجامع)) (ص 106).
(3)
انظر ((التبيان)) (7/ 196)، و ((جوامع الجامع)) (ص 284).
(4)
انظر ((مجمع البيان)) (1/ 105)، والطوسي لم يشر للولاية " انظر ((التبيان)) (9/ 304 – 305) ".
(5)
انظر ((التبيان)) (9/ 255)، و ((مجمع البيان)) (1/ 38).
(6)
((جوامع الجامع)) (ص 296)، وروى الطوسي عن الإمام نفسه قال:" إن ذلك وعد للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض "" ((التبيان)) (7/ 284) ".
(7)
((جوامع الجامع)) (ص 318)، وانظر ((التبيان)) (7/ 457).
(8)
((التبيان)) (9/ 336)، وانظر ((مجمع البيان)) (9/ 127).