الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: متى ظهر التشيع
؟
اختلفت أقوال العلماء من الشيعة وغيرهم في تحديد بدء ظهور التشيع تبعاً لاجتهاداتهم. وقد قدمنا بيان السبب في مثل هذا الخلاف، وحاصل الأقوال هنا:
1 -
أنه ظهر مبكراً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى يديه حيث كان يدعو إلى التوحيد ومشايعة علي جنباً إلى جنب. وقد تزعم هذا القول محمد حسين الزين من علماء الشيعة وغيره (1). وهو ما ذكره النوبختي أيضاً في فرقه (2) وهو ما أكده أيضاً الخميني (3) في عصرنا الحاضر، بل ذهب حسن الشيرازي إلى القول:(بأن الإسلام ليس سوى التشيع، والتشيع ليس سوى الإسلام، والإسلام والتشيع اسمان مترادفان لحقيقة واحدة أنزلها الله، وبشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم (4).
2 -
أنه ظهر في معركة الجمل حين تواجه علي وطلحة والزبير، وقد تزعم هذا القول ابن النديم حيث ادعى أن الذين ساروا مع علي واتبعوه سمّوا شيعة من ذلك الوقت (5).3
- أنه ظهر يوم معركة صفين، وهو قول لبعض علماء الشيعة كالخونساري، وابن حمزة، وأبو حاتم. كما قال به أيضاً غيرهم من العلماء، مثل ابن حزم، وأحمد أمين (6)(7).
4 -
أنه كان بعد مقتل الحسين رضي الله عنه، وهو قول كامل مصطفى الشيبي وهو شيعي؛ حيث زعم أن التشيع بعد مقتل الحسين أصبح له طابع خاص (8).
5 -
أنه ظهر في آخر أيام عثمان وقوي في عهد علي رضي الله عنهما (9).
والواقع أن القول الأول الذي قالت به الشيعة مجازفة وكذب صريح لا يقبله عقل ولا منطق، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما بعث لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الوثنية إلى التوحيد، وإلى جمع الكلمة وإلى عدم التحزب، والقرآن والسنة مملوءان بالدعوة إلى الله وعدم الفرقة. وقد قال محمد مهدي الحسيني الشيرازي (10): وقد سماهم بهذا الاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال مشيراً إلى علي عليه السلام: ((هذا وشيعته هم الفائزون)) (11) وهذا باطل.
(1)(الشيعة والتشيع)(ص19).
(2)
(فرق الشيعة للنوبختي)(ص39).
(3)
(الحكومة الإسلامية)(ص136).
(4)
(الشعائر الحسينية)(ص11).
(5)
(الفهرست لابن النديم)(ص249).
(6)
بهذا الاسم (أحمد أمين) كاتبان الأول مصري صاحب كتاب ((ضحى الإسلام وفجر الإسلام وبدأ الإسلام)) والآخر رافضي وهو صاحب كتاب ((التكامل في الإسلام)).
(7)
(الشيعة والتشيع)(ص25) ..
(8)
انظر: (الصلة بين التصوف والتشيع)(ص23) ..
(9)
انظر: (رسالة في الرد على الرافضة)(ص 42) ..
(10)
(قضية الشيعة)(ص3) ..
(11)
أخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (24/ 333) وابن الغطريف في جزئه عن أبي سعيد الخدري، وقال عنه الألباني في ((الضعيفة)) (4925) موضوع.
ولعل الراجح من تلك الأقوال هو القول الثالث -أي بعد معركة صفين- حين انشقت الخوارج وتحزبوا في النهروان، ثم ظهر في مقابلهم أتباع وأنصار علي حيث بدأت فكرة التشيع تشتد شيئاً فشيئاً .. على أنه -فيما يبدو- لا مانع أن يوجد التشيع بمعنى الميل والمناصرة والمحبة للإمام علي وأهل بيته قبل ذلك - إذا جازت تسمية ذلك تشيعاً - لا التشيع بمعناه السياسي عند الشيعة، فإن هؤلاء ليسوا شيعة أهل البيت وإنما هم أعداؤهم والناكثون لعهودهم لهم في أكثر من موقف. وأما ادعاء من يدعي بأن هذه اللفظة كانت شائعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما كان التشيع موجوداً في عصره والشيعة موجودون في زمنه فلا ينهض به دليل ولا يقوم به برهان كما قال محمد الحسين في (أصل الشيعة وأصولها). إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام ـ هو نفس صاحب الشريعة ـ يعني أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب وسواء بسواء ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والعناية حتى نمت وازدهرت في حياته (1) ثم أثمرت بعد وفاته.
وبمثل ذلك القول قال الآخر: " إن التشيع ظهر في أيام نبي الإسلام الأقدس الذي كان يغذي بأقواله عقيدة التشيع لعلي عليه السلام وأهل بيته ويمكنها في أذهان المسلمين ويأمر بها في مواطن كثيرة (2) ".
ولم يظن المظفري الشيعي هذا كافياً فقال:
إن الدعوة إلى التشيع ابتدأت من اليوم الذي هتف فيه المنقذ الأعظم محمد صلوات الله عليه صارخاً بكلمة لا إله إلا الله في شعاب مكة وجبالها
…
فكانت الدعوة للتشيع لأبي الحسن عليه السلام من صاحب الرسالة تمشي منه جنباً لجنب مع الدعوة للشهادتين (3) ".
(1)[9389]- واستشهد على ذلك بروايات واهية موضوعة ومكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تصح منها ولا رواية واحدة مثل (أن علياً وشيعتهم لهم الفائزون) وعلى ذلك قال ابن الحديد الشيعي الغالي: أن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة فإنهم وضعوا في بدء الأمر أحاديث مختلقة في فضائل أئمتهم حملهم على وضعها عداوة خصومهم ((شرح نهج البلاغة)) (1/ 783).
(2)
[9391]- ((أصل الشيعة وأصولها)) (ص 87).
(3)
[9392]- ((تاريخ الشيعة)) لمحمد حسين المظفري (ص 8، 9) ط قم.
ولا يخفى ما فيه من المجازفة بالقول والغلو لأن معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع إلى الإسلام وإلى وحدانية الله عز وجل والإقرار برسالته وطاعته وإلى الاتحاد والاتفاق والتآلف والمحبة والمودة بل كان يدعو إلى التحزب والتفرق والتشيع لعلي دون غيره كما أنه حسب دعوى المظفري كان يجعل علياً شريكاً له في نبوته ورسالته مع أن كلام الله المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي أنزله الرحمن وضمن حفظه قرآنه وبيانه خال من كل هذا بل وبعكس ذلك أنه مليء بالدعوة إلى طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والاعتصام بحبل الله وحده والتمسك بالقرآن والسنة والتجنب لما سواهما كما أمر المسلمين بالاتفاق والاتحاد والتسمي باسم الإسلام والمسلمين وكذلك الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) لا تشتمل ولا تصرح إلا بهذا كله لا غير فلقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال:20] وقال: َأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] وقال: ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء:115] وقال: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] وقال: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ [النساء:65] وقال جلا وعلا: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران:103] وقال: وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] وقال: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون:52] وقال: ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وقال: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلَاّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:19] وقال: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
(1)[9393]- والعجب كل العجب أن الشيعة الذين ينكرون الأحاديث الصحاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه لأن رواة هذه الأحاديث وحملتها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم ارتدوا ـ عياذا بالله حسب زعمهم ـ يثقون بروايات هؤلاء ومروياتهم. ولا ندري كيف أن الشيعة يتمسكون بالروايات الموضوعة الباطلة والأحاديث الواهية المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأنه اختلق هذه الروايات واخترعها رجال منهم أو وضعها رواتهم والدعاة إلى أباطيلهم وأضاليلهم. وقلما تجد الشيعة يتمسكون بحديث صحيح أو يعتقدون بل كل بضاعتهم الموضوعات أو الأساطير والقصص.
وأخيرا أخبر الكون ومن في الكون بأنه لم يرسل نبيه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين إلا بما أرسل به الرسل والأنبياء من قبل حيث أمره أن يقول: قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الأحقاف:9] وكما قال: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ [الشورى:13] ولقد بين جلا وعلا سبحانه وتعالى مجملاً بما أرسل الرسل من قبله حيث قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
كما فصل في مواضع عديدة من القرآن بذكر كل واحد منهم برسالته وبمثل ذلك تماماً وردت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة.
وأما القوم فهم على خلاف ما بينه الرب جل وعلا وبينه رسوله العظيم عليه الصلاة والسلام حيث يزعمون أنه لم يرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا للدعوة إلى التشيع والتفرق وإلى الإشراك في ذات الله وصفاته وإشراكه علياً وأولاده في النبوة والرسالة والإطاعة ثم يسردون لإثبات ذلك روايات كلها باطلة وموضوعة رواية ودراية رواية، حيث إن الرواة الذين رووا تلك الأحاديث شيعة ضالون ووضاعون كذابون، ولم ترد هذه الروايات في كتب موثوقة معتمدة، ودراية حيث تعارض القرآن ونصوصه كما تخالف العقل، لأن العقل يقتضي أن لا يكون الشرائع مقصودها ومهمتها الدعوة إلى الحب لأشخاص والولاية لهم وبسبب هذه الولاية دخولهم في الجنة ونجاتهم من النار، كما أن الآيات القرآنية تنفي ذلك نفيا باتا حيث لم يجعل الحب وحتى حب الله كافياً للفوز والنجاح في الآخرة حيث قال الله عز وجل: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
وما الاتباع إلا الإيمان بالله والعمل الصالح حسب أوامر الله ونبيه صلى الله عليه وسلم والاجتناب عن نواهي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [يونس:9] وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11].ولقد اضطربت أراء القوم أنفسهم في بدأ نشأة التشيع وتكوينه حيث قال إمام الشيعة في الفرق النوبختي أن نشأته لم تكن إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كتب: قبض رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر ربيع الأول سنة عشر من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة وكانت نبوته عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، فافترقت الأمة ثلاث فرق (فرقة منها) سميت الشيعة وهم شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام ومنهم افترقت صنوف الشيعة كلها، وفرقة منهم ادعت الإمرة والسلطان وهم الأنصار ودعوا إلى عقد الأمر لسعد بن عبادة الخزرجي وفرقة " مالت إلي بيعة أبي بكر بن أبي قحافة وتأولت فيه أن النبي صلى الله عليه وآله لم ينص على خليفة بعينه وأنه جعل الأمر إلى الأمة تختار لأنفسها من رضيته، واعتقد قوم منهم برواية ذكروها أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره في ليلته التي توفي فيها بالصلاة بأصحابه فجعلوا ذلك الدليل على استحقاقه إياه، وقالوا: رضيه النبي صلى الله عليه وآله لأمر ديننا ورضيناه لأمر دنيانا وأوجبوا له الخلافة بذلك فاختصمت هذه الفرقة وفرقة الأنصار وصاروا إلى سقيفة بني ساعدة ومعهم أبو بكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة الثقفي وقد دعت الأنصار إلى العقد لسعد بن عبادة الخزرجي والاستحقاق للأمر والسلطان فتنازعوا هم والأنصار في ذلك حتى قالوا: منا أمير ومنكم أمير فاحتجت هذه الفرقة عليهم بأن النبي عليه السلام قال: ((الأئمة من قريش)(1) وقال بعضهم أنه قال: ((الإمامة لا تصلح إلا في قريش)) (2) فرجعت الأنصار ومن تابعهم إلى أمر أبي بكر غير نفر يسير مع سعد بن عبادة ومن اتبعه من أهل بيته فإنه لم يدخل في بيعته حتى خرج إلى الشام مراغماً لأبي بكر وعمر فقتل هناك بحوران قتله الروم وقال آخرون: قتلته الجن فاحتجوا بالشعر المعروف وفي روايتهم أن الجن قالت:
قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده
…
ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده
وهذا قول فيه بعض النظر لأنه ليس في المتعارف أن الجن ترمي بني آدم بالسهام فتقتلهم فصار مع أبي بكر السواد الأعظم والجمهور الأكثر فلبثوا معه ومع عمر مجتمعين عليهما راضين بهما (3)
وأما ابن النديم الشيعي فيرى أن تكوين الشيعة لم يكن إلا يوم وقعة الجمل حيث قال:
(1)[9394]- رواه أحمد (3/ 129)(12329) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (3/ 467) والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6/ 357). من حديث أنس رضي الله عنه. قال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/ 532): رجاله رجال الصحيح. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/ 195): رجال أحمد ثقات. وقال العراقي في ((المغني)) (4/ 129): إسناده صحيح. وقال ابن حجر في ((الفتح)) (1/ 246): متواتر، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (520).
(2)
[9395] لم نجده بهذا اللفظ.
(3)
[9396]- ((فرق الشيعة)) النوبختي (ص 23 - 24).
ولما خالف طلحة والزبير (1) عليا رضي الله عنه وأبيا إلا الطلب بدم عثمان وقصدهما علي عليه السلام ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله تسمى من اتبعه على ذلك باسم الشيعة ".
ومنهم من قال: اشتهر اسم الشيعة يوم صفين (2) ".
وبمثل ذلك القول قال ابن حمزة وأبو حاتم وغيرهما من الشيعة وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه وبمثل هذا القول قال ابن حزم في (الفصل)(3) من المتقدمين وأحمد أمين (4) وغيره الكثيرون الكثيرون من المتأخرين.
ويقول شيعي معاصر: إن استقلال الاصطلاح الدال على التشيع إنما كان بعد مقتل الحسين حيث إن التشيع أصبح كياناً مميزاً له طابع خاص (5).
ولأجل ذلك اضطر محسن الأمين إلى أن يقول: سواء كان إطلاق هذا الاسم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعد الجمل فالقول بتفضيل علي عليه السلام وموالاته الذي هو معنى التشيع كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم واستمر بعده إلى اليوم (6) ".
والمظفري يقول: فكان التجاهر بالتشيع أيام عثمان (7).
وهو الصحيح (لأن الأسماء لا توجد قبل المسميات) ولا الأحزاب قبل الخلافات فلما وجد الخلاف تحزب لكل رأي حزب وتعصبوا جماعات وفرقاً فآنذاك وجدت الجماعات ووجدت لها الأسماء ولم يكن هناك خلاف بين المسلمين ولم يتعصب له أشخاص قبل مقتل عثمان ذي النورين رضي الله عنه وقبل النتائج التي نتجت من قتله وبعد تولية علي رضي الله عنه إمرة المؤمنين وخلافة المسلمين وعندئذ نشأ الخلاف فمنهم من رأى رأي علي رضي الله عنه وأنصاره، ومنهم من رأى رأي طلحة والزبير ثم رأي معاوية وأتباعه وهناك تحزب حزبان سياسيان كبيران بين المسلمين شيعة علي وشيعة معاوية وكل واحد من هؤلاء يرى رأيه في تولية الحكم وتدبير الأمور ودينهما واحد وعقائدهم واحدة متفقة كما بيناه آنفاً.
نعم كان هناك خلاف قبل شهادة عثمان رضي الله عنه والذي جر إلى قتل عثمان ولكنه لم يكن إلا بين قادة اليهود والمخدوعين المغترين الواقعين في حبائل الدسائس اليهودية الأثيمة وبين المسلمين وإمامهم كما سيأتي بيانه في باب مستقل كما أنه وقعت الخلافات البسيطة الطفيفة ولكنها لم تبق إلا للحظات لرجوع الفريق الثاني إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقول الله عز وجل: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59].
وحصيلة البحث أن التشيع الأول لم يكن مدلوله العقائد المخصوصة والأفكار المدسوسة، كما لم تكن الشيعة الأولى إلا حزباً سياسياً يرى رأي علي رضي الله عنه دون معاوية رضي الله عنه في عصر علي. وأما بعد استشهاده وتنازل الحسن عن الخلافة فكانوا مطاوعين لمعاوية أيضاً، مبايعين له، كما حصل مع إمامهم الحسن وأخيه الحسين وقائد عساكره قيس بن سعد، ولم يكن بينهم خلاف ديني ولا نزاع قبلي ولا عصبية الحسب والنسب، وكانوا يفدون على الحكام ويصلون خلفهم، كما كان الحسن والحسين هما ابنا علي وفاطمة وسبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدان على معاوية).
المصدر:
الشيعة والتشيع لإحسان إلهي ظهير - ص14
(1)[9397]- ((الفهرست)) لابن النديم (ص 249)
(2)
[9398]- ((روضات الجنات)) للخوانساري (ص 88)
(3)
[9399]- ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (4/ 79)
(4)
[9400]- ((فجر الإسلام)) (ص266 ط 8)
(5)
[9401]- ((الصلة بين التصوف والتشيع)) لكامل مصطفى الشيبي (ص 23).
(6)
[9402]- ((أعيان الشيعة)) القسم الأول الجزء الأول (ص 13).
(7)
[9403]- ((تاريخ الشيعة)) لمحمد حسين المظفري (ص 15)