الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأتمنى أن يكون الشيخ الكوثري أو الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ذكر لنا بعض مؤلفات الإمام أبي حنيفة رحمه الله والتي كان يمكن أن يأخذ منها الإمام مالك رحمه الله، وكلنا يعلم أن أبا حنيفة رحمه الله لا تعرف له كتب إلا الكتب المنحولة غير ثابتة النسبة، مثل الفقه الأكبر أو كتاب في التصريف.
وكان الأمل في الشيخ أبي غدة أن يصحح الخطأ، لكنه لم يعلق على ما كتبه الشيخ الكوثري. بل مشى خلفه وأثبت ما قاله.
متى تم تأليف الموطأ
؟
لقد رأينا أن الشيخ الكوثري زعم أن تأليفه في سنة 159 هـ، وقد اعتمد عليه كثير من الباحثين، وقد بينت الدوافع الخفية لاختيار هذا التاريخ من قبل الشيخ الكوثري. وهذا التاريخ مرفوض لأسباب كثيرة منها:
أولاً: كان الإمام الشافعي رحمه الله المولود في سنة 150 هـ قد حفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، إذن في سنة 160 هـ كان قد حفظ الموطأ، وهذا يتطلب أن يكون الكتاب عند بعض المشايخ قبل ذلك التاريخ. فإذا تم تأليف الكتاب سنة 159 هـ أو حتى سنة 158 هـ يصعب وصول النسخة إلى أيدي القراء لأن الكتب في تلك الأيام لم تكن تطبع، وليحصل شخص ما على نسخة من هذا الكتاب الجديد كان من المفروض أن يقرأ الكتاب على الإمام مالك، ويبدو أنه كان متعذراً أن ينهي الكتاب قراءة على الإمام مالك في فترة قصيرة. وعلى هذا الأساس قد يحتاج الطالب لعدة سنوات حتى يحصل على أول نسخة كاملة من الكتاب مع حق الرواية والتدريس. إذن لا بد من أن يكون قد تم تأليف الكتاب قبل هذا التاريخ بمدة كافية.
ثانياً: من رواة الموطأ سعيد بن أبي هند الأندلسي، والذي توفي قبل الإمام
مالك بثلاثين سنة، إن كان الأمر كذلك فقد بلغ الموطأ إلى الأندلس قبل سنة 150 هـ. ولا بد أنه أخذ وقتاً للقراءة على الإمام مالك.
ثالثاً: النصوص المتعلقة بطلب أبي جعفر المنصور تختلف، ففي البعض يطلب أبو جعفر المنصور تأليف كتاب، بينما الروايات الصحيحة القوية تدل على أنه اطلع على كتاب الموطأ، وطلب من الإمام مالك الموافقة على تعميمه على البلاد الإسلامية ليكون مصدراً للقضاة.
رابعاً: من رواة الموطأ عبد الرحيم بن خالد بن يزيد الإسكندراني مولى الجمحيين، المتوفى سنة 163 هـ بالإسكندرية.
قال ابن ناصر الدين: عبد الرحيم بن خالد بن يزيد الجمحي مولاهم الإسكندراني وهو مع عثمان بن الحكم أول من قدم مصر بمسائل مالك، وعبد الرحيم تفقه به عبد الرحمن بن القاسم بمصر قبل رحلته إلى مالك.
وقال ابن حبان: «عثمان بن الحكم يروي عن ابن جريج، وهو الذي أقدم علم ابن جريج بمصر» .
إذن كان عثمان بن الحكم وعبد الرحيم بن خالد أصحاباً في رحلتهما إلى الشرق، وأخذا عن ابن جريج المتوفى سنة 150 هـ، وعبد الرحيم روى عن عقيل بن خالد الأيلي المتوفى سنة 144 هـ، ولا نعلم أنه قام برحلات عديدة، وعلى الأغلب أنه رحل في طلب العلم مرة واحدة، وفي هذه السفرة قد التقى بخالد الأيلي المتوفى سنة 144 هـ. إذن هذه الرحلة قد تمت في بداية الأربعينيات، وفي هذه الفترة درس على عقيل بن خالد الأيلي، وابن جريج، ومالك بن أنس.
وقد وجدت ورقة في المخطوطات البردية بجامعة شيكاغو وهي عبارة عن عدة أحاديث من الموطأ، نسخه طالب مغربي، وقرئ على عبد الرحيم لأنه يقول: حدثنا عبد الرحيم بن خالد، وقد قُدِّرت الورقة البردية بأنها من القرن الثاني.
إذن فقد وصل الموطأ إلى الإسكندرية وقام صاحبه بالتدريس وتوفي سنة 163 هـ، وهذا يتطلب مدة كافية لتأليف الكتاب قبل سنة 163 هـ لأن صاحب النسخة لا بد أنه درس على الإمام مالك الكتاب بكامله، وما كانت تتم دراسة الموطأ في يوم وليلة، بل كان الناس يأخذون في ذلك سنوات عديدة، وبعد إتمام القراءة سافر، ثم قام بالتدريس، ورحلته على الأغلب تمت قبل سنة 144 هـ لأنه قابل في هذه الرحلة عقيل بن خالد الأيلي وابن جريج المتوفى سنة 150 هـ والإمام مالكاً.
وعلى ضوء ما ذكرت مما سبق فإنني أميل بل أجزم على أن أول إصدار للموطأ كان في بداية الأربعينيات. والله أعلم.
وكان الكتاب مشهوراً ومعروفاً في حياة الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ولا يهمنا أن نعرف هل اطلع الإمام أبو حنيفة على الموطأ أو لم يطلع عليه، استفاد منه أو لم يستفد منه، لأنه لو استفاد أبو حنيفة من كتاب مالك فإن ذلك لا يزيد مالكاً درجة، لأنه من تلاميذه أمثال الشافعي وابن المبارك ومحمد بن الحسن الشيباني ومئات آخرون.
وإن استفاد أبو حنيفة من كتاب مالك فهذا لا يقلل من شأنه، لأن العلماء دوماً يستفيد بعضهم من بعض. وقد روى أبو حنيفة عن أناس لا يعدون شيئاً في جنب مالك رضي الله عنهم أجمعين.
رحم الله أبا حنيفة كان إماماً، ورحم الله الأوزاعي كان إماماً، ورحم الله مالكاً كان إماماً، ورحم الله الشافعي كان إماماً، ورحم الله ابن حنبل كان إماماً، اللهم ارحمهم جميعاً، وارحمنا معهم بلطفك وكرمك يا أكرم الأكرمين اللهم آمين.