المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وقفة مع نورمان كلدر - موطأ مالك - رواية يحيى - ت الأعظمي - جـ ١

[مالك بن أنس]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤسسة لكتاب موطأ الإمام مالك

- ‌كلمة فضيلة الشيخ السيد علي الهاشمي

- ‌التمهيد

- ‌الهدف من خلق الإنسان

- ‌طاعة الناس لله باتباعهم الأنبياء والرسل

- ‌إطاعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المدينة المنورة إشعاع للعالم

- ‌المدينة دار السنة ومركز تخريج الأئمة

- ‌مشاهير الصحابة في المدينة

- ‌مشاهير التابعين بالمدينة

- ‌مالك بن أنس رحمه الله، سيرته ومنهجه في الدراسة والتدريس

- ‌أسرة مالك

- ‌جد مالك بن أنس

- ‌عم مالك

- ‌والد مالك

- ‌أم مالك

- ‌ولادة مالك

- ‌أولاد مالك

- ‌مالك وبداية تحصيله للعلم

- ‌السبب في جدية طلب العلم عند مالك ومناقشته

- ‌منهج مالك في تحمل العلم (صفات مشايخه)

- ‌مشايخ مالك

- ‌النتيجة

- ‌مالك وحفظه للعلم

- ‌مالك وكتابته للعلم

- ‌مالك وحصيلته العلمية

- ‌الإمام مالك أمين على التراث العلمي المدني

- ‌التراث المدني من القرن الأول ووصوله إلى مالك عن طريق تلاميذ الفقهاء السبعة

- ‌الفقهاء السبعة: الأحاديث والآثار المروية عن طريقهم في الموطأ

- ‌مالك وبداية تدريسه

- ‌مالك ومجلسه العلمي

- ‌مالك وتفريقه بين مجلس الحديث ومجلس الفقه

- ‌تصنيفه لطلابه

- ‌تدريس مالك في المسجد النبوي

- ‌تدريس مالك في بيته

- ‌القراءة في مجلس مالك

- ‌مقدار القراءة في مجلس مالك

- ‌عقوبة الاستزادة

- ‌مالك يتأثر بحسن الطلب

- ‌الكتابة في درس الإمام مالك رحمه الله

- ‌مالك يصحح كتب أصحابه

- ‌المراسلة مع مالك

- ‌مالك وتعداد أحاديثه

- ‌عدد الأحاديث المروية عن طريق مالك في مختلف كتب صحيح البخاري

- ‌الإمام مالك واعتناؤه بالنص

- ‌مالك والكتابة والإجازة

- ‌مالك: العرض والسماع سواء

- ‌مؤلفات الإمام مالك

- ‌محنة مالك

- ‌صفاته الخلقية والخلقية

- ‌ملابسه

- ‌داره

- ‌مأكله ومشربه

- ‌وفاته

- ‌دفنه

- ‌تركة مالك بن أنس

- ‌موطأ الإمام مالك، بواعث تأليفه، وتاريخ تصنيفه

- ‌أسباب وبواعث تأليف الموطأ

- ‌بواعث التأليف

- ‌طلب الخليفة المهدي لوضع الكتاب

- ‌طلب الخليفة أبي جعفر المنصور لوضع الكتاب

- ‌أبو جعفر المنصور يطلب الموطأ للاطلاع

- ‌خلاصة البحث

- ‌الدافع الشخصي لتأليف الموطأ

- ‌متى وضع الموطأ

- ‌ترتيب المواد في تأليف الموطأ

- ‌وصف كتاب الموطأ

- ‌خطأ في كتاب مالك

- ‌ما مصدر «سئل مالك»

- ‌توجيه الأعظمي للمسألة

- ‌المثال الأول

- ‌المثال الثاني

- ‌المثال الثالث

- ‌المثال الرابع

- ‌الموطأ: تهذيبه وتنقيحه

- ‌الغافقي ودراسته للموطآت

- ‌الداني ودراسته لرواية يحيى مقارنة بروايات أخرى

- ‌نتيجة مقارنة الداني بين رواية يحيى وغيرها من الروايات

- ‌من أسباب إسقاط المواد

- ‌مالك وإضافته الأحاديث في الموطأ في وقت متأخر

- ‌التمييز بين كتاب الموطأ وبين روايات الأحاديث عن مالك خارج الموطأ

- ‌منزلة أحاديث الموطأ

- ‌الرواة عن مالك

- ‌باب الألف

- ‌باب الباء

- ‌باب الثاء

- ‌باب الجيم

- ‌باب الحاء

- ‌باب الخاء

- ‌باب الدال

- ‌باب الراء

- ‌باب الزاي

- ‌باب السين

- ‌باب الشين

- ‌باب الصاد

- ‌باب الضاد

- ‌باب الطاء

- ‌باب العين

- ‌باب الغين

- ‌باب الفاء

- ‌باب القاف

- ‌باب الكاف

- ‌باب اللام

- ‌باب الميم

- ‌باب النون

- ‌باب الواو

- ‌باب الهاء

- ‌باب الياء

- ‌باب أصحاب الكنى

- ‌باب من لم يوقف على كنيته

- ‌الرواة من النساء

- ‌ما أغفله الخطيب في الرواة واستدركه القرشي

- ‌رواة الموطأ عن الإمام مالك

- ‌النظام المتبع لصيانة الكتب عند المحدثين

- ‌قائمة رواة الموطأ

- ‌بعض أقاويل مالك رحمه الله تعالى

- ‌وجوب الأخذ بسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌عدم التأويل في آيات وأحاديث الصفات

- ‌عدم الجدال في الدين

- ‌منزلة الصحابة

- ‌أهل الذنوب مؤمنون

- ‌في فضائل المدينة

- ‌السلام على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌لا يبقين دينان في جزيرة العرب

- ‌واقعية الإمام مالك

- ‌أدب الإفتاء

- ‌الأخذ بالأحوط

- ‌سعة علمه

- ‌تواضعه

- ‌أدب التدريس

- ‌طلب الحديث من عند أهله

- ‌التسوية بين حدثنا، وأخبرنا، في تحمل العلم

- ‌التعفف عن المال الحرام والتعامل مع العصاة، وغير المسلمين

- ‌التبشير برحمة اللَّه

- ‌الأمر بالمعروف

- ‌ذكر اللَّه سبحانه وتعالى

- ‌بعض الأدعية

- ‌رفع اليدين في الدعاء

- ‌احترام المسجد

- ‌المصحف المحلّى

- ‌حفظ اللسان

- ‌أدب التعامل واللطف به

- ‌تصديق العمل للقول

- ‌التماثيل

- ‌قضايا تتعلق بالموطأ

- ‌تأليف الموطأ، وتاريخه

- ‌مناقشة الكوثري

- ‌متى تم تأليف الموطأ

- ‌ميكلوس موراني وإسماعيل بن أبي أويس

- ‌كلام الأئمة في شأن مالك بن أنس

- ‌ملاحظات العلماء على مالك

- ‌أقوال النقاد في إسماعيل بن أبي أويس

- ‌مناقشة موراني في ادعائه

- ‌متى ولد إسماعيل بن أبي أويس

- ‌حبيب بن أبي حبيب وتلاعبه في قراءة الموطأ

- ‌مناقشة الموضوع

- ‌وقفة مع نورمان كلدر

- ‌ملخصات استنتاجات كلدر

- ‌الملاحظات العامة على منهج نورمان كلدر

- ‌تعميم لا نهائي

- ‌التنكر للمصادر

- ‌خدمتي للكتاب

- ‌اختيار نسخ الموطأ

- ‌نسخة ابن بشكوال

- ‌المخطوطة الأولى

- ‌المشكلات في المخطوطات القديمة عامة

- ‌محاسنها: رموز للروايات القديمة

- ‌مقارنتها بنسخة ابن بشكوال

- ‌المآخذ في وضع الرموز

- ‌دراسة شجرة إسناد رواة الأصل كما جاء في الورقة الأولى منه

- ‌تراجم رواة نسخة الأصل

- ‌ترجمة عبيد الله بن يحيى

- ‌ترجمة يحيى بن عبد الله بن يحيى

- ‌ترجمة محمد بن فرج (ابن الطلاع)

- ‌المخطوطة الثانية

- ‌السماعات

- ‌الرموز الدالة على اختلاف الروايات

- ‌شجرة إسناد نسخة ق

- ‌دراسة أسانيد نسخة ق

- ‌ترجمة ابن فطيس

- ‌ترجمة سليمان بن خلف بن سعدون

- ‌ترجمة محمد بن الوليد الطرطوشي

- ‌ترجمة إسماعيل بن مكي

- ‌ترجمة عبد الله بن عبد الرحمن العثماني

- ‌المخطوطة الثالثة

- ‌ترجمة ناسخ النسخة الثالثة

- ‌السماع على نسخة شريح

- ‌المخطوطة الرابعة

- ‌دراسة إسناد نسخة ب

- ‌شجرة إسناد النسخة في ضوء الطباق

- ‌تراجم رواة المخطوطة الرابعة

- ‌ترجمة محمد بن وضاح الأندلسي

- ‌ترجمة قاسم بن أصبغ

- ‌ترجمة عبد الوارث بن سفيان بن حبرون

- ‌ترجمة ابن عبد البر

- ‌ترجمة أبو عمران موسى بن عبد الرحمن الشاطبي

- ‌المخطوطة الخامسة

- ‌المخطوطة السادسة

- ‌الطبعة التونسية

- ‌ترتيب المواد في كتاب الموطأ

- ‌الملحوظات العامة حول المقارنة

- ‌أسماء كتب الموطأ وترتيبها في نسخة الأصل

- ‌أسماء كتب الموطأ وترتيبها في نسخة ق (أنقرة)

- ‌أسماء كتب الموطأ وترتيبها في نسخة شريح

- ‌أسماء كتب الموطأ وترتيبها في مخطوطة باريس

- ‌أسماء كتب الموطأ وترتيبها في مصورة مركز فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

- ‌ترتيب نسخة جستربيتي

- ‌أسماء كتب موطأ الإمام مالك في طبعة فؤاد عبد الباقي

- ‌فهرست الموطأ للإمام مالك (الطبعة التونسية)

- ‌مقارنة النسخة التونسية ونسخة فؤاد عبد الباقي

- ‌المقارنة العامة بين كافة المخطوطات والمطبوعات

- ‌خلاصة المقارنة

- ‌اتباع النسخة المطبوعة في ترتيب الكتاب

- ‌منهج التحقيق

- ‌المنهج المستعمل في طبعة السلطان عبد الحميد لبيان الفروق

- ‌ورقة نموذج من هوامش البخاري

- ‌توضيح بعض الرموز في نماذج البخاري:

- ‌الرموز الموجودة في مخطوطات الموطأ الثلاث المستعملة لتحقيق الكتاب

- ‌رموز النسخ المشار إليها في الأصل

- ‌سير العمل

- ‌المنهج المتبع في ترقيم الكتاب

- ‌ترقيم الكتاب بكامله ترقيماً تسلسلياً

- ‌النظام المستعمل في الترقيم

- ‌الاحتفاظ برقم فؤاد عبد الباقي

- ‌منهج ناسخ الأصل في كتابة السقط في المتن

- ‌منهج الناسخ في ذكر اختلاف الروايات

- ‌معاني الكلمات

- ‌التعليقات من مسند الموطأ للجوهري الغافقي

- ‌التخريج

- ‌ الفهارس

- ‌نماذج من المخطوطات المستعملة في الدراسة والتحقيق

- ‌ملحق خاص بالمقدمة

- ‌المراجع

الفصل: ‌وقفة مع نورمان كلدر

مالك مغفلاً، شارد الذهن، لا يدري ما يُقرأ عليه. وهو أوحد عصره في الاهتمام والتركيز والحفظ، فإذا أخذنا حادثة حبيب كأنها العادة، وليست مصادفة فعلينا أن نعيد النظر في كل ما قيل في الإمام مالك في جلالة مكانته في العلم.

ثم كان هناك ناس آخرون لديهم نسخهم وكانوا يقارنون وقت القراءة، فهل كل هؤلاء كانوا يسكتون دوماً على تصرف حبيب الشنيع، وهم الذين حضروا من الآفاق للتعلم عند مالك، فيستبعد سكوت هؤلاء تماماً.

ولذلك ما قاله الإمام يحيى بن معين: «إن شر السماع من مالك عرض حبيب، كان يقرأ على مالك، وإذا انتهى إلى آخر القراءة صفح أوراقاً، وكتب «بلغ» ، وعامة سماع المصريين عرض حبيب»، ربما هي حادثة فردية لا غير.

‌وقفة مع نورمان كلدر

مطبعة أوكسفورد الشهيرة أصدرت كتاباً في عام 1993 م للدكتور نورمان كلدر بعنوان studies in early muslim Juriprudence في هذا الكتاب قام الدكتور كلدر بدراسة مدونة سحنون، وموطأ مالك، وكتاب للطحاوي، وكتاب للشافعي، والمختصر للمزني، وكتاب الخراج لأبي يوسف.

أما النتيجة التي توصل إليها الباحث فهي: كافة هذه الكتب نسبتها إلى مؤلفيها غير صحيحة، قد تكون هناك بعض المواد جاءت من الأشخاص الذين تنسب إليهم هذه الكتب، ولكنها كانت مجالاً خصباً للإضافات من قبل الأجيال اللاحقة، وينكر أن تكون هذه الكتب قد ألفها الأشخاص المسمون، بل هذه الكتب تنتمي إلى المدارس الفقهية، ومن ثم ميراث للمدرسة الفقهية وليس لشخص واحد، ولذلك كان من حق أصحاب المدارس الإضافة إليها من المواد التي يرغبون فيها، بناءً على هذا مدونة سحنون ليس من عمل سحنون لكن للجيل أو الأجيال القادمة، والمدونة الموجودة الآن في أيدينا ما وصلت إلى الشكل الذي نراه إلا في حدود سنة 250 هـ، أي بعد وفاة المؤلف المزعوم بجيل.

ص: 300

أما موطأ مالك فقد أخذ وقتاً أطول، والموطأ الذي هو في أيدينا من رواية يحيى بن يحيى الليثي في الواقع ما وصل إلى الشكل النهائي الموجود في أيدينا إلا في حدود عام 270 هـ، نعم، قد يكون فيه بعض المواد من أيام مالك بن أنس، ولكنه تراث مدرسي ملك للمدرسة الفقهية المالكية، وعلى هذا الأساس الأجيال التالية اشتركت في إضافة المواد الضرورية أو الأحاديث التي وضعت في تلك الفترة للدفاع عن الوجهة المالكية أو الرد على خصومها.

بعد هذا «الاكتشاف الخطير» تحدث الأستاذ كلدر عن المصادر اليهودية التي أثرت وأمدت المدارس الفقهية الإسلامية في نشأتها وتطورها.

نظراً لما لهذا الكلام مساس بالموطأ، وأن هذه الدراسة حول الموطأ فأرى لزاماً أن أتطرق إلى ما كتبه كلدر بخصوص ادعائه أن الموطأ الموجود حالياً في أيدينا ليس من تأليف الإمام مالك رحمه الله، أما إعارة المسلمين في فقههم الإسلامي من اليهود والمصادر اليهودية فلا أتطرق إليها الآن.

رفض الأستاذ كلدر منهج البحث الذي يستخدمه علماء المسلمين لصحة إثبات نسبة الكتاب إلى المؤلف، بل ادعى أنه يخضع بحثه هذا لمنهج تاريخي لا ديني أو علماني حسبما يترجم المصطلح للبحث عن القضايا التاريخية، والمسلمون مدعوون للمشاركة في هذا النوع من البحث والحوار.

لإثبات ما توصل إليه من النتائج، بحث كلدر عن الكلب وأثره في طهارة الماء، ولهذا الغرض اختار من المدونة باب «الوضوء بسؤر الدواب والدجاج والكلاب» ثم ترجم النص الآتي إلى اللغة الإنجليزية مع إضافة اسم ابن القاسم بين المعكوفتين:

«قال: وسألت مالكاً عن سؤر الحمار والبغل، فقال: لا بأس به.

قلت أرأيت إن أصاب غيره؟ قال: هو وغيره سواء.

وقال مالك: لا بأس بعرق البرذون والبغل والحمار.

قال، وقال مالك: في الإناء يكون فيه الماء يلغ فيه الكلب؟

ص: 301

قال مالك: إن توضأ به وصلى أجزأه.

قال: ولم يكن يرى الكلب كغيره.

قال، وقال مالك: إن شرب من الإناء ما يأكل الجيف من الطير والسباع لم يتوضأ به.

وقال مالك: إن ولغ الكلب في إناء فيه لبن، فلا بأس بأن يؤكل ذلك اللبن.

قلت: هل كان مالك يقول: يغسل الإناء سبع مرات، إذا ولغ الكلب في الإناء في اللبن وفي الماء؟

قال، قال مالك: قد جاء هذا الحديث وما أدري ما حقيقته؟

قال: وكأنه كان يرى أن الكلب كأنه من أهل البيت، وليس كغيره من السباع.

وكان يقول: إن كان يغسل ففي الماء وحده، وكان يضعفه، وقال: لا يغسل من سمن ولا لبن، ويؤكل ما ولغ فيه من ذلك، وأراه عظيماً أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيلقى لكلب ولغ فيه.

قلت: فإن شرب من اللبن ما يأكل الجيف من الطير أو السباع أو الدجاج التي تأكل النتن، أيؤكل اللبن أم لا؟

قال: أما ما تيقنت أن في منقاره قذراً فلا يؤكل، وما لم تره في منقاره فلا بأس به. وليس هو مثل الماء، لأن الماء يطرح ولا يتوضأ به.

ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن يحيى بن سعيد وبكير بن عبد الله أنهما كانا يقولان: لا بأس بأن يتوضأ الرجل بسؤر الحمير والبغال وغيرهما من الدواب.

وقال ابن شهاب في الحمار مثله.

ص: 302

ابن وهب، وقال عطاء بن أبي رباح، وربيعة، وأبو الزناد في الحمار والبغل مثله. وتلا عطاء قول الله تبارك وتعالى:{والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً} ، وقاله مالك من حديث ابن وهب.

علي بن زياد عن مالك في الذي يتوضأ بماء قد ولغ فيه الكلب ثم صلى؟

قال: لا أرى عليه إعادة، وإن علم في الوقت.

قال علي وابن وهب عن مالك: ولا يعجبني الوضوء بفضل الكلب إذا كان الماء قليلاً. ولا بأس به إذا كان الماء كثيراً كهيئة الحوض، يكون فيه ماء كثير، أو بعض ما يكون فيه من الماء الكثير.

ابن وهب عن ابن جريج: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد ومعه أبو بكر وعمر على حوض فخرج أهل ذلك الماء، فقالوا: يا رسول الله! إن السباع والكلاب تلغ في هذا الحوض؟ فقال: لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شراباً وطهوراً.

وأخبرني عبد الرحمن بن زيد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد قال عمر: لا تخبرنا يا صاحب الحوض فإنا نرد على السباع، وترد علينا. فالكلب أيسر مؤنة من السباع، والهر أيسرهما لأنهما مما يتخذ الناس.

قال ابن القاسم، وقال مالك: لا بأس بلعاب الكلب يصيب ثوب الرجل، وقاله ربيعة.

وقال ابن شهاب، لا بأس إذا اضطررت إلى سؤر الكلب أن تتوضأ به.

وقال مالك: يؤكل صيده فكيف يكره لعابه؟».

ص: 303

وسأنقل حديثين من الموطأ.

1 -

مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن حميدة ابنة أبي عبيدة بن فروة، عن خالتها كبشة بنت كعب بن مالك - وكانت تحت ابن أبي قتادة - أنها أخبرتها أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة لتشرب منه فأصغى لها الإناء حتى شربت.

قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين! يا ابنة أخي؟

قالت، فقلت: نعم.

فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات» .

سنسمي هذا الحديث أثناء البحث «حديث الهرة» .

2 -

مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات».

وسنسمي هذا الحديث أثناء البحث «حديث الكلب» .

هذه هي النصوص الرئيسية التي اختارها كلدر لدراسته في كتابه، ثم عمم نتيجة بحثه على التراث الإسلامي الديني لمدى ثلاثة قرون.

يلاحظ كلدر في هذه النصوص بأنها نمت كأي كائن حي ينشط وينمو ولم يتجمد، يقصد بذلك عندما يؤلف المؤلف كتاباً فقد تتجمد الألفاظ ولا تقبل الزيادة أو النقص إلا منه، وبعد وفاته تنتهي إمكانية الحذف والإضافة. لكن إذا كان النص ينمو ككائن حي فمعناه أنه يغذى على الدوام بإضافة نصوص جديدة.

ص: 304

بدأ كلدر بالبحث عن التطور في التفكير الفقهي أو بالأحرى القانوني عند المسلمين أو المدرسة المالكية في ضوء النصوص المنقولة سابقاً، فلاحظ ظهور التفكير الفقهي بالأمور الفردية، مثل قول مالك: لا بأس بسؤر الحمار والبغل، ثم محاولة التعميم، مثل قوله: الحمار والبغل وغيره سواء.

لكنه عندما بدأ البحث عما يؤثر الماء في طهارته لأجل إيجاد قاعدة كلية، ظهر الكلب معضلة.

في بادئ الأمر بدأ انطلاق التفكير في أن الحيوانات الوحشية تؤثر في طهارة الماء للوضوء. إلى هنا لم يسبب الكلب أية مشكلة لأن الكلب حيوان منزلي أليف.

ولذلك نرى في المدونة يصرح مالك بأن الكلب لا يؤثر في طهارة الماء.

لكنه بعد ذلك ظهر في التفكير الفقهي بأن الحيوانات التي تأكل الجيفة أو الحيوانات المفترسة تؤثر في طهارة الماء.

فإذا أخذ بعين الاعتبار هذه التطورات في الفكر الفقهي فيصبح الكلب مشكلة، وبما أن الكلب يأكل الجيفة فلماذا لا يكون له الأثر في طهارة الماء؟

ظهرت هذه المسألة عند ابن قاسم حيث صرح بأن مالكاً ما كان يعامل الكلب كبقية الحيوانات من نفس الفصيلة.

ويسأل سحنون عن حديث مروي عن النبي [صلى الله عليه وسلم، وهو حديث الكلب].

وجواب مالك لهذا السؤال يدل على أنه كان يعرف الحديث ولكنه قال: «وما أدري ما حقيقته؟» .

يقول كلدر: إذا أمعنَّا في التعليقات العديدة في هذا الموضوع يتبين لنا بكل وضوح أن ظهور نظرية «القيمة التشريعية لحديث النبي» سببت في تمزيق النمو الطبيعي للفكر القانوني.

ص: 305

أولاً: اقترح مالك وجود صنف مميز للحيوانات الذي لا يسبب مشكلة في طهارة المياه.

وكان هذا كافياً لحل مشكلة سؤر الكلب في نمو وتطور الفكر القانوني.

ثم أعطى مالك بعض الأهمية للحديث المنسوب إلى النبي [إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم] ولكنه لم يقبله، وكان يناقش ضد هذا الحديث بناءً على الأسباب الأخلاقية والمشاكل العملية.

وحديث ولوغ الكلب لم يسجله سحنون في المدونة بل اكتفى بالإشارة إليه، وقد كانت هناك مقاومة شديدة لهذا الحديث.

ثم تحدث الأستاذ كلدر بأن مالكاً وقع أخيراً تحت تأثير اللوبي المعادي للكلب «anti-dog lobby» يعلق الأستاذ كلدر على حديث الهرة قائلاً: عندما ننظر في نصوص المدونة، نلاحظ أن هناك مشكلة نشأت عندما أريد التعميم في الحيوانات المفترسة التي تسبب في نجاسة المياه لأنه كان يشمل الكلب والهرة، وللتغلب على هذه المشكلة كان هناك جواب في بداية الأمر وهو نوع من التحايل، وإلقاء الضوء على الكلاب فقط، وذلك بإيجاد صنف مميز من الحيوانات، بأن الحيوانات المنزلية صنف مختلف عن الحيوانات المفترسة.

على كل كان هناك ارتباك بوجود حديث نبوي (يعني حديث ولوغ الكلب) والذي لم يسجل في المدونة إلا أنه قد أشير إليه. وهذا الحديث يدين الكلب بالشدة على تنجيسه الماء.

وحديث الهرة الذي نقلناه آنفاً - هو في الواقع - جواب لهذه المشكلة.

حديث الهرة يبدو بكل بساطة كأنه قضية فردية ثانوية، لا يشير إلى الكلب

ص: 306