الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصنيفه لطلابه
وتقديم أهل العلم والفضل في المجلس كان معمولاً به عند مالك، بينما لا يلقي بالاً لعلية القوم في المجتمع إذا لم يكونوا من أهل العلم.
قال جعفر بن إبراهيم: كلم صديق لأبي مالكاً أن أسمع منه، فأذن، فكنت أختلف إليه وأنا مدل بنسبي من الرسول عليه الصلاة والسلام وموضعي، فأتخطى الناس إلى وساد مالك فلا يتزحزح، ويريني أنه لم يدنني احتقاراً لي، فشكوت ذلك إلى أبي وغيره فبعثوا إليه يسألونه إكرامي، وأثرتي، فقال للرسول: ما هو عندنا وغيره سواء، إنما هي عافاك الله مجالس علم، السابق إليها أحق بها، فكنت آتي وقد أحدق الناس، فما يوسع لي فأستدني حيث وجدت».
وأختم هذه الفقرة. بموقفه مع الخليفة المجاهد هارون الرشيد، وفيه عظة، وعبرة وإكبار وإجلال للعلم والعلماء، والخلفاء الذين كانوا يحكمون العالم ثم لا يتكبرون على العلم بل يتشرفون بأن يُحسبوا من زمرة الطلاب.
قال ابن عساكر:
«أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور المالكي قال: أنبأني أبو العباس الفقيه، قال: أنبأ عبد الوهاب بن عبد الله الحافظ، قال: ثنا أبو يعلى عبد العزيز بن عبد القريب الحراني المقرئ قال: ثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال: حدثني إبراهيم بن نصر النهاوندي، قال: حدثني عتيق بن يعقوب الزبيري قال:
قدم هارون الرشيد المدينة، وكان قد بلغه أن مالك بن أنس رحمه الله عنده الموطأ يقرؤه على الناس، فوجه إليه البرمكي فقال: أقرئه السلام وقل له: يحمل إليّ الكتاب، فيقرأه عليّ، فأتاه البرمكي.
فقال له: أقرئه السلام، وقل له: إن العلم يزار ولا يزور، وإن العلم يؤتى ولا يأتي،
فأتاه البرمكي فأخبره، وكان عنده أبو يوسف القاضي فقال: يا أمير المؤمنين، يبلغ أهل العراق أنك وجهت إلى مالك بن أنس في أمر فخالفك أعزم عليه، فبينا هو كذلك، إذ دخل مالك بن أنس فسلم وجلس،
فقال: يا ابن أبي عامر: أبعث إليك فتخالفني؟!
فقال مالك: يا أمير المؤمنين أخبرني الزهري، وذكره عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه رضي الله عنه قال:
كنت أكتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95] قال: وابن أم مكتوم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله، إني رجل ضرير، وقد أنزل الله عز وجل في فضل الجهاد ما قد علمت.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا أدري» . وقلمي رطب ما جفّ حتى وقع فخذ النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي، ثم أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جلس صلى الله عليه وسلم، فقال: يا زيد اكتب: {غير أولي الضرر} [النساء: 95].
ويا أمير المؤمنين حرف واحد بعث فيه جبريل، والملائكة من مسيرة خمسين ألف عام، ألا ينبغي لي أن أعزه وأجلّه، وإن الله تبارك وتعالى رفعك وجعلك في هذا الموضع بعلمك، فلا تكن أنت أول من يضع عِزّ العلم فيضعُ الله عِزَّك.
قال: فقام الرشيد فمشى مع مالك إلى منزله يسمع منه الموطأ، وأجلسه معه على المنصة، فلما أراد أن يقرأه على مالك قال: تقرأه عليَّ؟
قال مالك: ما قرأته على أحد منذ زمان:
قال: فتخرج الناس عني حتى أقرأه أنا عليك.