الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: المماليك:
أ- نشأتهم وأشهر سلاطينهم:
عاصر ابن تيمية دولة المماليك، التي امتدت من سنة 648 هـ إلى سنة 923 هـ لما سقطت مصر بأيدي العثمانيين.
أما أصل التسمية بالمماليك فالمعروف أن " المملوك عبد يباع ويشترى، غير أن التسمية اقتصرت في معظم الدول المتأخرة على فئة من الرقيق الأبيض يشتريهم الحكام من أسواق النخاسة البيضاء لتكوين فرق عسكرية خاصة في أيام السلم، وإضافتها إلى الجيش أيام الحرب، ثم صار المملوك الأداة الحربية الوحيدة في بعض الدول مثل دولة المماليك في مصر والشام "(1) .
ويعتبر المأمون العباسي [خلافته 198-218 هـ، أول من استخدمهم، خاصة وأن كثيرا منهم كان يؤتى بهم إليه هدايا من الأمراء التابعين له في المشرق ولكن استخدام المماليك كقوة عسكرية يعتمد عليها الخليفة برز في عهد المعتصم [خلافته 218-227 هـ] فقد أراد أن يحمي نفسه بجيش من جند الترك بعد أن فقد ثقته بجنده من العرب والفرس (2) .
بعد ذلك أصبح استخدام المماليك- كجند وجيش وحماة للسلطة- أمرا مألوفا في الدول التي جاءت بعد ذلك سواء ضمن دائرة الخلافة العباسية أو انفصلت عنها، فأحمد بن طولون [مما يلاحظ أن أباه طولون كان من مماليك المأمون أهداه إليه أمير بخارى سنة 200 هـ وكان من الترك] مؤسس الدولة الطولونية في مصر والشام [254-292 هـ] والذي أعلن استقلاله عن الدولة العباسية استخدم عشرات الآلاف من المماليك من الترك والديلم [سكان جنوب بحر قزوين] والمرتزقة (3) . وكذلك الأخشيديون لما أسسوا دولتهم في مصر والشام سنة [323-358 هـ] جعل محمد بن ظغج [323-335 هـ] جيشه
(1) قيام دولة المماليك (ص: 11) .
(2)
انظر: تشريف الأيام والعصور (ص: 35) من مقدمات المحقق.
(3)
انظر: الخطط للمقريزيى (1/ 91) .
من الأتراك الذين بلغوا مئات الألوف (1) . ومثلهم فعل الفاطميون [297-567 هـ] لما استولوا على مصر سنة 358 هـ أضافوا إلى جيوشهم - التى كانت مكونة من المغاربة- أتراكا وأكرادا وديلما وسودانا وغيرهم (2) . وكذلك الأيوبيون [569- 650 هـ] اكثروا من استخدام المماليك، لكن الملك الصالح نجم الدين أيوب [637-647 هـ] اشتهر بأنه استكثر من مماليك الترك، وبنى لهم الثكنات في القلعة التى أنشأها سنة 638 هـ، ولذلك ينقل الذهبي عن ابن واصل أنه " اقتنى من الترك ما لم يشتره ملك، حتى صاروا معظم عسكره، ورجحهم على الاكراد، وأمر منهم وجعلهم بطانته والمحيطين بدهليزه، وسماهم البحرية"(3) ، وهؤلاء المماليك البحرية (4)
الذين حكموا على أثر إنقراض الدولة الأيوبية، ونجم الدين أيوب هو زوج شجرة الدر (5) التي تولت السلطنة بعد ولده توران شاه الذي تولى بعد أبيه ثم قتلته شجرة الدر، وتولت بعده وكان ذلك سنة 648 هـ ولكن توليها لم يكن مقبولا، فقد اعترض عليه بعض العلماء منهم العز بن عبد السلام، وكذلك الخليفة العباسي الذى أرسل
(1) المصدر السابق- نفس الصفحة، وانظر النجوم الزاهرة (3/ 51) .
(2)
انظر: الخطط (1/ 91) .
(3)
سير أعلام النبلاء (23/191-92 1)، وانظر شفاء القلوب (ص: 375، 380) ، والمختصر لأبي الفداء (4/179) .
(4)
يرى الذهبي أنهم سموا بذلك " لكون التجار جلبوهم في البحر من بلاد القفجاق " السير (23/192) . وهذا ما يرجحه العبادي في كتابه: قيام دولة المماليك (ص: 99)، وكذا يوسف غوانمه في كتابه: التاريخ السياسى لشرق الأردن في العصر المملوكي (ص: اه) . " وهو الذى نبه إلى نص الذهبي من مخطوطة السير قبل طباعتها. أما الرأي الآخر الذي يذكره أغلب الدارسين لهذا العصر فهو أنهم سموا بالبحرية نسبة إلى جزيرة الروضة- على نهر النيل- التي أسكنهم نجم الدين أيوب فيها لما استقدمهم، انظر مثلا: عاشور: مصر والشام في عصر الأووبيين والمماليك (ص: 153)، وانظر ماجد: نظم دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر: النظم السياسية (ص: 10) وانظر مراد كامل: مقدمة تشريف الأيام والعصور (ص: 36) . وقد امتدت دولة المماليك البحرية إلى سنة: 792 هـ، ثم جاءت دولة المماليك الجراكسة أو البرجية لأن ثكناتهم كانت في قلعة القاهرة وامتد حكمهم إلى سنة: 923 هـ..
(5)
كانت من مماليك نجم الدين أيوب، ولذلك يرى بعضهم أن حكمها كان بداية حكم المماليك، انظر: ترجمتها في بدائع الزهور (1/1/ 286) ، والسلوك (1/ 361) ، والسير (23/98 1-99 1) ضمن ترجمة المعز.
إلى أهل مصر كتابا يعاتبهم في ذلك ويقول: إن كان ما بقي عندم رجل تولونه فقولوا لنا نرسل إليكم رجلا (1) وقد وصل خطاب الخليفة هذا إلى المماليك بعد أن مضى على تولي شجرة الدر ثمانون يوما اقتنع أمراء المماليك بخطئهم وقالوا: لا يمكن حفظ البلاد والملك لامرأة، فأشاروا على شجرة الدر أن تتزوج كبير المماليك وهو الأتابك أبيك التركماني وتتنازل له عن العرش، فقبلت ذلك وخلعت نفسها من السلطنة، فتولى عز الدين أيبك هذا سنة 648 هـ، وبذلك قامت دولة المماليك في مصر (2) .
وقد عاصر ابن تيمية سلطنة عدد من المماليك بلغوا عشرة خلال فترة حياته وقد برز منهم أربعة:
الأول: الظاهر ركن الدين بيبرس [658-676 هـ] الذي تولى بعد وقعة عين جالوت وقتله للملك المظفر قطز، وتعتبر ولايته البداية الحقيقية لسلطة المماليك كحكام قاموا وعملوا على صد المغول ومقاومة الصليبيين عن بلاد الشام ومصر. وقد تميز عهده بمايلي:
أ- مقاومة وصد العدوان المغولي على الشام.
2-
مقاومة وحرب الصليبيين في بلاد الشام وتطهير بعض المدن من رجسهم-كما تقدم-.
3-
إعادة وإحياء الخلافة العباسية في مصر سنة 659 هـ.
4-
وفي ما يتعلق بالقضاء تميز عصره ببداية تولية أربعة قضاة للمذاهب الأربعة (3) بدل قاض واحد كما كان في السابق، وكان ذلك سنة 663 هـ
(1) بدائع الزهور (11 / 287) ، والسلوك (1 / 368) ، وحسن المحاضرة (2 / 36)، والعز ابن عبد السلام للوهيبي (ص: 24- هـ 2) .
(2)
ليست هذه أول دولة للمماليك، بل سبق أن أسسوا دولة لهم في الهند في دلهي سنة 602 هـ وامتدت إلى سنة 962 هـ، وأول ملوكهم ايلتش الذى إعترف به الخليفة العباسي في بغداد سلطانا، ومن الطريف ونحن نشير إلى شجرة الدر- أنه بعد وفاة إيلتمش سنة 634 هـ تولت ابنته السلطة على عرش دهلى فحكمت إلى سنة: 638 هـ فاعترض على سلطتها وقتلت. انظر قيام دولة المماليلث (ص: 29-31) ، ومعجم الأسر الحاكمة (2/598) ، ورحلة ابن بطوطة (2/486-487) .
(3)
سبق في سنة: 525 هـ زمن الدولة الفاطمية أن عين أربعة قضاة لكنهم: شافعي، ومالكي،=
أما سبب ذلك:
أ- فقيل إنها بادرة من السلطان نفسه وإنه نظر " في كثرة الناس وإن القاهرة هى دار الملك، وقد جمعت أهل المذاهب من العلماء فأمر بنصب أربعة قضاة نوابا لقاضى القضاة تاج الدين "(1) .
ب- وقيل السبب " توقف القاضى تاج الدين ابن بنت الأعز (2) عن تنفيذ كثير من الأحكام
…
، فكثرت الشكاوي منه وتعطلت الأمور فوقع الكلام في ذي الحجة بين يدى الملك الظاهر " (3) فأشار عليه جمال الدين أيدغدي العزيزي بذلك فمال إليه، وعين أربعة قضاة، وأبقى للشافعي النظر في أموال اليتامى وأمور بيت المال، وفي العام التالي فعل مثل ذلك في الشام (4) .
5-
ومن الأمور الجليلة التي عملها الظاهر بيبرس، القضاء على الاسماعيلية في بلاد الشام، واحتلال حصونهم حصنا بعد آخر من سنة 668 هـ إلى سنة 671 هـ (5) .
الثاني: المنصور سيف الدين قلاوون، وهو أول السلاطين من أسرة قلاوون التي حكمت فترة طويلة، وقد استمر حكم المنصور من سنة 678 هـ إلى سنة 689 هـ.
(1) = وإسماعيلى، وإمامي. حسن المحاضرة (2/165)، وانظر الدولة الفاطمية في مصر- سرور (ص:120) .
(1)
الروض الزاهر (ص: 182) .
(2)
هو: الشيخ عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي، تاج الدين ابن بنت الأعز ولد سنة: 604 هـ، وتوفي: سنة 665 هـ. طبقات السبكي (8/318) ، وحسن المحاضرة (1/415)، وذيل الروضتين (ص: 240) ، آخر الكتاب، والنجوم الزاهرة (7/ 222-223)، وفيه أن ولادته سنة: 614 هـ وهو خطأ- وطبقات الأسنوى (1/147) ، والبداية والنهاية (13/249) .
(3)
المنهل الصافي (3/466) ، ووضعت ترجمة القاضى تاج الدين في الحاشية خطأ فهي ليست له.
(4)
انظر أيضا: طبقات السبكي (8/319) ، والعبر (3/307) ، ودول الاسلام (12/68) ، وصبح الأعشى (1/ 419) ، وطبقات الأسنوى (1/149)، والظاهر بيبرس- عاشور- (ص: 48 1) .
(5)
انظر: الروض الزاهر (ص: 365)، والظاهر بيبرس (ص: 80) .
وكان من أبرز ما جرى في عهده:
1-
في سنة 678 هـ خرج عليه سنقر الأشقر في الشام، وهجم على القلعة في دمشق وتملكها، وبويع له ولقب بالسلطان الملك الكامل شمس الدين سنقر الصالحي، فأرسل إليه قلاوون جيشا قويا سنة 679 هـ أنزل الهزيمة به ففر سنقر واتصل بالمغول يزين لهم غزو الشام (1) . كذلك حاول بعض الأمراء الظاهرية- من مماليك الظاهر بيبرس- أن يتآمروا على المنصور قلاوون واتصلوا بالصليبيين سرا. ولكن قلاوون علم بهم وعاقبهم (2) .
2-
اكثر قلاوون من شراء المماليك، وأنشأ فرقة منهم رباهم في أبراج القلعة وهؤلاء هم المماليك البرجية- والجراكسة- الذين حكموا فيما بعد (3) .
3-
وفي عهده بنى المدرسة والبيمارستان- المستشفى- كما استحدثت كثير من الوظائف الديوانية (4) .
4-
وفي عهده استمرت مقاومة التتار، ومن أشهر ما وقع في عهده هزيمة التتار في وقعة حمص، وكانت هزيمة ساحقة (5) .
5-
أما النصارى فقد صالحهم، ثم نقضوا العهد فقاومهم واستولى على كثير من قلاعهم وحصونهم.
الثالث: السلطان الأشرف صلاح الدين خليل- ابن المنصور قلاوون - وكانت ولايته من سنة 689-693 هـ. ومن أبرز ما جرى في عهده:-
1-
فتح عكا سنة 690 هـ، وتصفية الوجود الصليبي في الشام.
2-
فتح قلعة الروم سنة 691 هـ وهي قلعة غربي الفرات، وكان أهلها يمالئون التتار ضد المسلمين فكانت بمنزلة الشجى في الحلق (6) .
(1) انظر: السلوك (1/ 676) .
(2)
مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك (ص: 195) .
(3)
انظر: بدائع الزهور (1/1/362) .
(4)
المصدر السابق (1/1/ 348-349، 353) .
(5)
انظر: العبر (3/ 342) ، والبداية والنهاية (13/295) .
(6)
انظر: البداية والنهاية (13 / 327) ، والسلوك (1 / 778) ، والنجوم الزاهرة (8 / 12)، ودولة بنى قلاوون (ص: 172) .
الرابع: السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وقد كانت سلطته غير مستقرة - خاصة في البداية- فقد تولى وهو صغير، ثم لما تولى السلطة في المرة الثالثة استقر الأمر له، بحيث أصبح من أكثر المماليك استقرارا وقوة وطول مدة. وسلطة الناصر محمد جاءت كما يلي:-
الأولى: من سنة 692 هـ- 694 هـ وكان عمره لما تولى تسع سنوات، ولم يكن له من الأمر شىء، وقد استبد بالأمر في عهده هذا علم الدين سنجر ثم الأمير كتبغا المنصوري الذي تسلطن- بحجة أن السلطان صغير- وتسمى بالعادل، وكانت سلطته سنة 694 هـ، وفي سنة 696 هـ خرج عليه حسام الدين لاجين الذي لقب بالملك المنصور (1) .
الثانية: في سنة 698 هـ- 708 هـ: وأبرز ما في هذا العهد ظهور التتار في الشام وقيام معارك انتهت بانتصار المسلمين، وكان لابن تيمية دور عظيم فيها. ومع ذلك فقد بقي الناصر مضيقا عليه من قبل أمراء المماليك حتى ضاق ذرعا وعزم على الذهاب إلى الكرك، فلما وصل إلى الكرك اضطرب أمر المماليك فأرسلوا إليه أن يرجع فأبى، فزوروا عليه كتابا أنه تنازل عن الملك (2) ، ثم تولى الملك الجاشنكير سنة 708 هـ وتسمى بالمظفر ركن الدين بيبرس الثاني، ولكن كئيرا من أمراء الشام لم يعترفوا به، واضطربت الأحوال في عهده، وأخذ الناصر يعد العدة لاسترداد ملكه وتم له ذلك.
الثالثة: من سنة 609 هـ إلى سنة 741 هـ: وهي فترة طويلة امتدت إلى اكثر من ثلاثين عاما، وفيها صفا له الأمر، واتسعت دائرة حكمه من المغرب غربا حتى الشام والحجاز شرقا، ومن النوبة- في الحبشهـ جنوبا حتى آسيا الصغرى شمالا، كا أنه عنى بالإصلاح الداخلي، وبناء المنشآت من المساجد
(1) يلاحظ أن محنة ابن تيمية حول الحموية التي كانت سنة: 698 هـ إنما كانت في أواخر عهد لاجين هذا. انظر: البداية والنهاية (13/4) .
(2)
يرى البعض أنه تنازل، وهذا غير صحيح وقد ناقش هذه القضية بشكل جيد الدكتور يوسف درويش غوانمة في كتابه: التاريخ السياسي لشرقي الأردن في العصر المملوكي (ص: 60 ا-164) .