المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا: الأمانة العلمية: - موقف ابن تيمية من الأشاعرة - جـ ١

[عبد الرحمن بن صالح المحمود]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد: السلف ومنهجهم لب العقيدة

- ‌المبحث الأول: التعريف بالسلف، وأهل السنة والجماعة وأهل الحديث

- ‌المبحث الثاني: من المقصود بالسلف؟ ونشأة التسمية بأهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الثالث: منهج السلف في العقيدة

- ‌الباب الأول: ابن تيمية والأشاعرة

- ‌الفصل الأول: حياة ابن تيمية

- ‌تقدمة

- ‌المبحث الأول: عصر ابن تيمية

- ‌أولا: الصليبيون: [

- ‌ثانيا: ظهور التتار

- ‌ثالثا: المماليك:

- ‌ نظام المماليك الإداري:

- ‌رابعا: سقوط الخلافة العباسية في بغداد وإحياؤها في القاهرة:

- ‌خامسا: الباطنية والرافضة:

- ‌سادسا: بداية ظهور التحاكم إلى غير الشريعة:

- ‌سابعا: الجوانب العلمية والعقائدية:

- ‌المبحث الثاني: حياة ابن تيمية وآثاره

- ‌أولا: اسمه ونسبه ومولده:

- ‌ثانيا: حياته الأولى:

- ‌ثالثا: شيوخه:

- ‌رابعا: هل كان مقلدا لشيوخه

- ‌خامسا: جهاده وربطه بالعمل:

- ‌سادسا: مكانته ومنزلته:

- ‌سابعا: محنه وسجنه:

- ‌ثامنا: تلاميذه والمتأثرون به:

- ‌تاسعا: مؤلفاته ورسائله:

- ‌1- العقيدة الحموية:

- ‌2- جواب الاعتراضات المصرية على الفتاوى الحموية:

- ‌3- نقض أساس التقديس:

- ‌4- درء تعارض العقل والنقل:

- ‌5- القاعدة المراكشية:

- ‌6- الرسالة التدمرية:

- ‌7- شرح الأصفهانية:

- ‌8- المناظرة حول الواسطية:

- ‌9- الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز في الصفات:

- ‌10- التسعينية:

- ‌11- النبوات:

- ‌12- الإيمان:

- ‌13- شرح أول المحصل للرازي:

- ‌14- مسائل من الأربعين للرازي:

- ‌عاشرا: عبادته وتوكله وذكره لربه:

- ‌حادي عشر: وفاته:

- ‌الفصل الثاني: منهج ابن تيمية في تقرير عقيدة السلف وفي رده على الخصوم

- ‌تمهيد

- ‌أولا: مقدمات في المنهج

- ‌ثانيا: منهجه في المعرفة والاستدلال:

- ‌ نقض أصول ومناهج الاستدلال الفلسفية والكلامية

- ‌ المنهج الصحيح للمعرفة والاستدلال

- ‌ثالثا: منهجه في بيان العقيدة وتوضيحها:

- ‌أ- منهجه في العقيدة عموما:

- ‌ب- منهجه في الأسماء والصفات:

- ‌رابعا: منهجه في الرد على الخصوم:

- ‌ا: بيان حال الخصوم

- ‌خامسا: الأمانة العلمية:

- ‌الفصل الثالث: أبو الحسن الأشعري

- ‌أولا: عصر الأشعري:

- ‌ثانيا: نسبه ومولده ووفاته:

- ‌ثالثا: ثناء العلماء عليه:

- ‌رابعا: شيوخه:

- ‌خامسا: تلاميذه:

- ‌سادسا: مؤلفاته:

- ‌1- مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين:

- ‌2- اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع:

- ‌3- رسالته إلى أهل الثغر:

- ‌4- الإبانة عن أصول الديانة:

- ‌5- رسالة استحسان الخوض في علم الكلام:

- ‌6- رسالة في الايمان

- ‌7- العمد في الرؤية:

- ‌8- كتاب تفسير القرآن:

- ‌سابعا: أطوار حياته العقدية:

- ‌أ- طور الأشعري الأول (مرحلة الاعتزال) :

- ‌ب- رجوعه عن الاعتزال وأسبابه:

- ‌ج- مذهب الأشعري بعد رجوعه [

- ‌ثامنا: عقيدته:

- ‌الفصل الرابع: نشأة الأشعرية وعقيدتهم

- ‌المبحث الأول: أسلاف الأشعرية "الكلابية" وموقف السلف منهم

- ‌أولا: ابن كلاب:

- ‌ثانيا: الحارث المحاسبي:

- ‌ثالثا: أبو العباس القلانسي:

- ‌موقف السلف من الكلابية:

الفصل: ‌خامسا: الأمانة العلمية:

- وهم المؤمنون- وتذم فيه الطائفة الأخرى المخالفة لهم، كما يرى أن هناك اختلاف تنوع واختلاف تضاد، وإن الخلاف الذي بين السلف في تفسير الآيات وغيره إنما هو من النوع الأول (1) ، ثم يورد الأحاديث الواردة في النهي عن الاختلاف (2) .

ويرى شيخ الاسلام أن " البدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال: أهل السنة والجماعة، كما يقال: أهل البدعة والفرقة "(3)، (ونتيجة الجماعة: رحمة الله ورضوانه وصلواته، وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه، ونتيجة الفرقة: عذاب الله ولعنته، وسواد الوجوه وبراء الرسول منهم " (4) .

ط- ضربه للأمثلة بما يوضح المراد، ففي مسألة التوسل، إنكار الوسائط بين الله وخلقه، ووضح المراد بضرب الأمثلة بالوسائل التي بين الملوك وبين الناس (5) -،كما ضرب الأمثلة لعذاب الروح والبدن ونعيمها في القبر (6) ، كما ضرب الأمثلة في مناسبات أخرى (7) .

‌خامسا: الأمانة العلمية:

قد يظن البعض أن المنهجية العلمية والأمانة في نقل النصوص ونسبتها إلى أصحابها، ومقارنة النسخ الخطية للوصول إلى نص المؤلف

وغيرها، من مبتكرات هذا العصر، عصر الطباعة والنشر على نطاق واسع، كما يظن أن المستشرقين هم الذين تنبهوا إلى ذلك وتبنوه، ثم حذا حذوهم المسلمون، وليس المقام مقام مناقشة هذه الأمور لأن مثل هذه القضايا- والحمد لله - أصبحت

(1) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/126-133) .

(2)

نفس المصدر (1/135-144) .

(3)

الاستقامة (1/ 42) .

(4)

مجموع الفتاوى (1/17) .

(5)

انظر: الواسطة بين الحق والخلق- ط المكتب الاسلامي- (ص: 8-.1) .

(6)

انظر: مجموع الفتاوى (4/274-276) .

(7)

انظر: درء التعارض (3/97-98،5/366) .

ص: 317

واضحة لدى الكثير من المهتمين بأمور التراث والبحث العلمي، والمستشرقون وحركتهم المعادية للاسلام، وحقدهم الدفين عليه وعلى تراثه وعلى المتمسكين به لا يكاد يجهله من عنده غيرة على هذا الدين، والايجابيات- التي صاحبت حركتهم- جاءت مشوبة بهذه الأغراض الخبيثة، وهذا حكم عام، والا فالمستشرقون ليسوا على حد سواء.

والأمانة العلمية من صميم ما يدعو اليه الإسلام، ولذلك طبقها المسلمون في حياتهم:

أ- فالإسلام حث على الصدق والعدل، ونهى عن الكذب والقول بلا علم.

ب- ثم تمثل ذلك في علم مصطلح الحديث، بأبوابه وفنونه، التي وصلت إلى أدق ما يمكن من الاتقان والضبط في الجرح والتعديل، والتحمل والأداء، وطبقات الرواة، والإدراج، والتصحيف والتحريف، وغيرها من علوم الحديث التي تميزت بها هذه الأمة عن غيرها من الأمم.

وشيخ الإسلام إنما سار على منهج علماء الإسلام في هذا الباب، ولما كان يواجه خصوما عديدين برزت عنده كمنهج له طبقها في كتاباته ورسائله

وشهد له بهذه المنهجية أعداؤه الذين لا يرضون سلفيته وردوده على من يعظمونه من أهل الأعتزال والأشاعرة وغيرهم، فالنشار- الذي يتهم شيخ الإسلام بتهم عديدة منها الكذب على الأشاعرة (1) - لا يملك إلا أن يناقض نفسه فيقول:

" ولكن حسبنا من ابن تيمية أنه كان مؤرخا ممتازا للفكر الاسلامي، وأنه ترك لنا نصوصا رائعة نستطع بواسطتها أن نصوغ المذاهب التى لم تصل إلينا مصادرها الأصلية صياغة منهجية متكاملة "(2)، ويقول:"وبهذا حفظت لنا كتب

(1) انظر: نماذج من اتهاماته لشيخ الإسلام في نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (ج1 ص: 378، 333، 356،366،371) وغيرها.

(2)

نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام للدكتور على سامي النشار (1/278) .

ص: 318

ابن تيمية الكثير من عناصر المذهب الكلابي، وسيقدم لنا عرضه السهل الممتع تفسيرا هاما له، علاوة على أن ابن تيمية كان مؤرخا ممتازا للأفكار الفلسفية" (1)

والدكتور أحمد صبحي لما انتقد البغدادي في كتبه لأنه شوه أقوال الفرق علق على ذلك بمدح من ينقل الأقوال بأمانة ومنهم:"ابن تيمية في منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، ومن لم يطلع على كتاب (منهاج الكرامة في الامامة) لابن المطهر الحلى- والذي يرد عليه ابن تيمية- يستطع أن يستخلص من كناب ابن تيمية معظم عبارات ابن المطهر بنصها، وتلك نزاهة في الحوار لم يعرفها البغدادي"(2) .

وكاتب آخر يقول: " ولكن الثابت أن ابن تيمية ينقل آراء الخصوم نقلا أمينا، ويشرع في مناقشتها بعد ذلك"(3) ، وبذلك أصبحت كتبه موضع ثقة الدارسين كما أشار أحد الكتاب (4) .

وشيخ الإسلام ينطلق في هذا الباب من بيان أن من صفة أهل السنة العدل والرحمة، فيعدلون على من خرج عن السنة ويرحمون الخلق ويحبون الخير لهم (5) ، ويشير إلى أن الامام أحمد-رحمه الله كان يعطي كل ذي حق حقه (6) ، وانه في كل فن يجب أن يرجع فيه إلى أهل فنه فالأحاديث يرجع فيها إلى أهل المعرفة بالحديث، والأحكام يرجع فيها إلى أهل المعرفة بها (7) . ثم يطبق هذا فيقول مثلا في رده على الاخنائي؛ حين خلط بين الأحاديث الواردة فيما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته من زيارة القبور، وما نهى عنه مما يقصده

(1) نشأة الفكر الفلسفي (1/270) ، وانظر (2/339- 392) .

(2)

في علم الكلام: أحمد صبحى (2/95-96) .

(3)

نشأة الأشعرية وتطورها، للدكتور جلال محمد موسى (ص: 334) .

(4)

دراسات في فكر ابن تيمية: عبد اللطيف محمد العبد (ص: 14- هـ 1) .

(5)

انظر: الاستغاثة (2/256-257) .

(6)

انظر: تلخيص الاستغاثة (1/12-13) .

(7)

انظر: نفس المصدر (1/12-13) .

ص: 319

أهل البدع من السفر لزيارة القبور ودعائهم والاستشفاع بهم:"وهذا الموضع يغلط فيه هذا المعترض وأمثاله، ليس الغلط فيه من خصائصه، ونحن نعدل فيه ونقصد قول الحق والعدل فيه كما أمر الله تعالى، فإنه أمر بالقسط على أعدائنا الكفار، فقال سبحانه وتعالى {كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] ، فكيف بإخواننا المسلمين، والمسلمون إخوة، والله يغفر له ويسدده، ويوفقه وسائر اخواننا المسلمين"(1) .

ويرى شيخ الإسلام أن عامة ما يؤتي الناس إما في تفريط في الحق وأدلته أو دخول في الباطل (2)، كا أنه يؤكد أن الحجج القوية لا تقابل بالجحد فيقول:"وليس مما أمر الله به ورسوله ولا مما يرتضيه عاقل أن تقابل الحجج القوية بالمعاندة والجحد، بل قول الصدق والتزام العدل لازم عند جميع العقلاء، وأهل الإسلام والملل أحق بذلك من غيرهم؛ اذ هم- ولله الحمد- أكمل الناس عقلا، وأتمهم إدراكا، وأصحهم دينا، وأشرفهم كتابا، وأفضلهم نبيا، وأحسنهم شريعة"(3) .

وبعد هذه المقدمة نذكر نماذج من منهجه:

أ- دعوته إلى نقل الأقوال بألفاظها:

ا- قال في رده على النصارى: "وأنا أذكر ما ذكروه بألفاظهم بأعيانها، فصلا فصلا، وأتبع كل فصل بما يناسبه من الجواب فرعا وأصلا وعقدا وحلا.."(4) ، ثم لما نقل نصا من كتاب النصارى الذى ردوا به على المسلمين

(1) الرد على الإخنائي (ص: 81-82) ط السلفية.

(2)

انظر: الصفدية (1/293- 294)

(3)

انظر: درء التعارض (9/207) .

(4)

الجواب الصحيح (1/19) .

ص: 320

قال:"وهذه ألفاظهم بأعيانها في الفصل الأول "(1) .

2-

وينعي على الإخنائي الذي رد على ابن تيمية فحرف كلامه، يقول:" وكان ينبغى أن يحكي لفظ المجيب بعينه، ويبين ما فيه من الفساد، وإن ذكر معناه فيسلك سبيل الهدى والسنة، فأما أن يذكر عنه ما ليس فيه، ولا يذكر ما فيه فهذا خروج عن الصدق والعدل إلى الكذب والظلم"(2) .

3 ولما نقل الرازى مناظرة ابن الهيصم لابن فورك حول العلو، وذكر الرازي أنه نظم حجة ابن الهيصم أحسن من نظمه، فقال ابن تيمية في معرض المناقضة:"وأما الحجة التي ذكرها عن ابن الهيصم فلم يذكر ألفاظها، لكن ذكر أنه نظمها أحسن من نظمه، ونحن في جميع ما نورده نحكي ألفاظ المحتجين بعينها، فإن التصرف في ذلك قد يدخله خروج عن الصدق والعدل، إما عمدا وإما خطأ، فإن الإنسان إن لم يتعمد أن يلوي لسانه بالكذب أو يكتم بعض ما يقوله غيره، لكن المذهب الذي يقصد الإنسان إفساده لا يكون في قلبه من المحبة له ما يدعوه إلى صوغ أدلته على الوجه الأحسن حتى ينظمها نظما ينتصر به، فكيف إذا كان مبغضا لذلك؟ والله أعلم بحقيقة ما قاله ابن الهيصم ونقله هذا عنه، لكن نحن نتكلم على ما وجدناه، مع العلم بأن الكرامية فيهم نوع بدعة في مسألة الإيمان وغيرها كما في الأشعرية أيضا بدعة، لكن المقصود في هذا المقام ذكر كلامهم وكلام النفاة"(3) .

ومن هذا النص المهم يتبين حرص شيخ الإسلام على نقل ألفاظ الخصوم بعينها، وأن هذه خطة اختطها لنفسه، كما أنه يشير إلى ناحية نفسية عند الإنسان حين يريد إبطال مذهب أو قول، وهو تنبيه إلى أمر واقعي، كثيرا ما يكون سببا في كثرة الجدال، وغلبة الشحناء وعدم الوصول إلى الحق بسرعة.

(1) الجواب الصحيح (1/28)

(2)

الرد على الاخنائي (ص: 13) ط السلفية

(3)

نقض أساس التقديس المطبوع (2/344) ، وانظر ردا آخر على أحد المعترضين عليه حول اسم "النور" وأنه لم يقل ما قاله المعترض على الوجه الذي حكاه، مجموع الفتاوى (6/375) .

ص: 321

ب- الدقة في نسبة الأقوال إلى أصحابها:

أ- فهو يعتمد النقل الصحيح للأقوال، فيقول:" وقد بلغنى بإسناد متصل عن بعض رؤوسهم- وهو الخونجي (1) - صاحب " كشف الأسرار في المنطق " - وهو عند كثير منهم غاية في هذا الفن- أنه قال عند الموت " أموت وما علمت شيئا إلا أن الممكن يفتقر إلى الواجب " ثم قال: " الافتقار وصف عدمي، أموت وما علمت شيئا "، وذكر الثقة عن هذا الآمدي أنه قال: " أمعنت النظر في الكلام وما استفدت شيئا إلا ما عليه العوام، أو كلاما هذا معناه.. ". وكذلك حدثني الثقة من قرأ على ابن واصل الحموي أنه قال:" أبيت بالليل وأستلقى على ظهري وأضع الملحفة على وجهي، أقابل أدلة هؤلاء بأدلة هؤلاء وبالعكس، وأصبح وما ترجح عندي شيء " كأنه يعني أدلة المتكلمين والفلاسفة " (2) .

وكثيرا ما ينقل شيخ الإسلام عن الثقات فيما يتعلق بأحوال عصره وأقوال رجالهم.

2-

ولما رمى ابن المطهر الحلي المسلمين بأنهم حشوية ومجسمة، قال شيخ الاسلام في معرض الرد عليه:" ومن أراد أن ينقل مقالة عن طائفة فليسم القائل والناقل، وإلا فكل أحد يقدر على الكذب، فقد تبين كذبه فيما نقله عن أهل السنة "(3) .

3-

ويرى أن المعرفة بحقيقة أقوال الناس إنما تتم بنقل ألفاظهم فيقول: " وكثير

من الناقلين ليس قصده الكذب، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس ويتعذر على بعضهم" (4) .

(1) هو: أفضل الدين أبو عبد الله محمد بن ناماور بن عبد الملك، الخونجي الشافعي، تولى قضاء القضاة في مصر، ولد سنة 590 هـ، وتوفي سنة 646 هـ، له الحمل في المنطق ط- وكشف الأسرار - في المنطق وغيرها، انظر: عيون الأنباء (ص: 586) ، وذيل الروضتين (182) ، وسير أعلام النبلاء (23/228)، ومقدمة رسالتان في المنطق (ص:5- 25) .

(2)

درء التعارض (3/262-264) .

(3)

منهاج السنة؛ المحققة (2/413) .

(4)

منهاج السنة (3/208) - مكتبة الرياض الحديثة.

ص: 322

4-

وفي رده على الآمدي حين نقل عن طائفة أنهم يقولون عن الله: إنه جسم الأجسام، حقق القول في هذه النسبة فقال:"مع أني إلى ساعتى هذه لم أقف على قول لطائفة، ولا نقل عن طائفة أنهم قالوا: جسم كالأجسام مع أن مقالة المشبهة الذين يقولون: يد كيدى، وقدم كقدمي، وبصر كبصري مقالة معروفة، وقد ذكرها الأئمة كيزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وغيرهم، وأنكروها وذموها، ونسبوها إلى مثل داود الجواربي البصري وأمثاله، ولكن مع هذا صاحب هذه المقالة لا يمثل بكل شيء من الأجسام، بل ببعضها، ولابد مع ذلك أن يثبتوا التماثل من وجه والاختلاف من وجه، لكن إذا أثبتوا من التماثل ما يختص بالمخلوقين كانوا مبطلين على كل حال "(1) .

5-

ولما ذكر أقوال المرجئة في الوعيد قال: " ويذكر عن غلاتهم أنهم نفوا الوعيد بالكلية، لكن لا أعلم معينا معروفا أذكر عنه هذا القول، ولكن حكي هذا عن مقاتل بن سليمان، والأشبه أنه كذب عليه "(2) . وأحيانا يقول: وأظن أن قول فلان هو هذا وما يشبه هذا (3)، وقد يعبر أحيانا بمثل قوله:" كأن في الحكاية عنهما غلطا "(4) .

6-

تصحيحه للأقوال التي تنسب خطأ إلى بعض الناس، فالكرامية الذين يقولون: إن الايمان قول في اللسان- وعليه فالمنافقون عندهم مؤمنون- يقول عنهم: " وبعض الناس يحكى عنهم أن من تكلم بلسانه دون قلبه فهو من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، بل يقولون: إنه مؤمن كامل الايمان، وأنه من أهل النار "(5) .

(1) درء التعارض (4/144-145) ، وانظر (4/26-27) .

(2)

شرح الأصفهانية (ص: 144) ، وانظر منهاج السنة (3/73) . وقال " والظاهر أنه غلط عليه".

(3)

الرسالة الأكملية، مجموع الفتاوى (6/96) .

(4)

النبوات (ص:5) ، دار الكتب العلمية.

(5)

الفرقان بين الحق والباطل- مجموع الفتاوى (3/561) .

ص: 323

ويقول- بعد أن نقل كلاما للحلاج رواه عنه القشيري في الرسالة-:" قلت هذا الكلام- والله أعلم- هل هو صحيح عن الحلاج أم لا؟ فإن في الإسناد من لا أعرف حاله، وقد رأيت أشياء كثيرة منسوبة إلى الحلاج من مصنفات وكلمات ورسائل، وهي كذب عليه لاشك في ذلك، وإن كان في كثير من كلامه الثابت عنه فساد واضطراب، لكن حملوه أكثر مما حمله.... "(1) .

ولما ذكر مسألة الاستثناء في الماضي المعلوم المتيقن، مثل قوله: هذه شجرة إن شاء الله، وهذا إنسان إن شاء الله، قال: " هذه بدعة مخالفة للعقل والدين، ولم يبلغنا عن أحد من أهل الإسلام، إلا عن طائفة من المنتسبين إلى الشيخ أبي عمرو بن مرزوق (2) ، ولم يكن الشيخ يقول بذلك، ولا عقلاء أصحابه ولكن حدثني بعض الخبيرين أنه بعد موته تنازع صاحبان له: حازم وعبد الملك فابتدع حازم هذه البدعة في الاستثناء في الأمور الماضية المقطوع بها، وترك القطع بذلك، وخالفه عبد الملك في ذلك موافقة لجماعة المسلمين وأئمة الدين، وأما الشيخ أبو عمرو فكان أعقل من أن يدخل في مثل هذا الهذيان فإنه كان له علم ودين

" (3) .

7-

ولما انتقد بعض العلماء لأنه يحرف المقالات ذكر الدليل على ذلك، بالمقارنة بين نقله والأصل المنقول عنه، ولما نقل عن هذا العالم نفسه نصا آخر شك في وجود تحريف فيه قال بكل أمانة:" وكذلك فيما نقله من كلام الأشعري كيف زاد فيه ونقص مع أن المنقول نحو ورقتين فلعله أيضا قد عمل ذلك فيما نقله من كلام ابن كلاب إذ لم نجد نحن نسخة الأصول الذي (4) نقل منها حتى نعلم كيف فعل فيها، وفيما نقله تحريف بين "(5) .

(1) الاستقامة (1/119) .

(2)

هو: الشيخ عمان بن مرزوق بن حميد القرشي، توفي سنة 564 هـ، ذيل طبقات الحنايلة (1/306-311) .

(3)

مجموع الفتاوى (8/ 421-422) .

(4)

كذا في المخطوط وصحة العبارة أن يقال (التي) .

(5)

نقض أساس التقديس المخطوط (1/87) ، وانظر في المثال الأول، الذى أثبت فيه التحريف لوجود الأصل الذي نقل عنه (ص:54) .

ص: 324

ج- رجوعه إلى المصادر والكتب، والاعتذار إذا لم يجدها:

ا- فيشير إلى أن أقوال الخوارج إنما عرفها بنقل الناس عنهم، ولم يقف لهم على كتاب مثل غيرهم، يقول:" وأقوال الخوارج إنما عرفناها من نقل الناس عنهم، لم نقف لهم على كتاب مصنف، كما وقفنا على كتب المعتزلة، والرافضة، والزيدية، والكرامية، وا لأشعرية، والسالمية، وأهل المذاهب الأربعة، والظاهرية، ومذاهب أهل الحديث، والفلاسفة والصوفية ونحو هؤلاء "(1) .

2-

ولما تكلم في إحدى المسائل- مسألة الارادة الجازمة هل يعاقب عليها إذا كانت معصية- فصل القول تفصيلا دقيقا، لكنه اعتذر أثناء الجواب فقال:" وحين كتبت هذا الجواب لم يكن عندي من الكتب ما يستعان به على الجواب فإن له موارد واسعة "(2) .

3-

ولما نقل كلام الباقلافي من كتابه " الإبانة " بما يدعم مذهب أهل السنة قال:" وقال في كتاب التمهيد كلاما اكثر من هذا، لكن ليست النسخة حاضرة عندي "(3) .

4-

اعتماده الخط- إذ عرف صاحبهـ يقول:"ورأيت بخط القاضى أبي يعلى-رحمه الله على ظهر كتاب " العدة" بخطه قال:" نقلت من آخره كتاب الرسالة للبخارى في أن القراءة غير المقروء

" (4) .

د - رجوعه إلى اكثر من نسخة للكتاب الواحد:

ا- فحينما يرجع إلى سنن الترمذي، يذكر اختلاف النسخ في حكم الترمذي على الأحاديث، فمثلا في حديث ابن عباس- رضي الله عنهما قال:

(1) الفرقان بين الحق والباطل، مجموع الفتاوى (13/49) .

(2)

مجموع الفتاوى (1/765-766) .

(3)

الفتوى الحموية، مجموع الفتاوى (5/99) .

(4)

الكيلانية، مجموع الفتاوى (12/362)، وفي نموذج آخر: لما نقل أبيات ابن عربي المشهورة وتكلم عليها قال:" ولهذا يقول: إن قلت عبد فذاك ميت"، وفي موضع آخر رأيته بخطه " إن قلت ميت فذاك نفي"، مجموع الفتاوى (2/114-115) .

ص: 325

" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" قال: رواه أهل السنن الأربعة، وقال الترمذي " حديث حسن " وفي بعض نسخه "صحيح "(1) .

2-

ولما نقل من كتاب " الرد على الجهمية " للامام أحمد بن حنبل رجع إلى أكثر من نسخة، ففي أحد النصوص: " ولا يكون شيئين مختلفين، وفي نسخة ولا يوصف بوصفين مختلفين

" وفي نص آخر: تبين للناس أنهم لا يأتون بشيء- وفي نسخة: لا يثبتون شيئا-

" (2) .

3-

وأيضا في كتاب"الحيدة"لعبد العزيز الكناني رجع إلى اكثر من نسخة (3) ، وطرح رأيه في إحداها وناقشه (4) .

4-

ولما نقل عن الرازي نصا فيه"فقد التزمه أصحابنا" قال: وفي نسخة "بعض أصحابنا "(5) .

هـ- تصويبه لما يرى من أخطاء بعد نقل النص كما هو:

1-

ومن أمثلة ذلك أن الاخنائي احتج في رده على ابن تيمية بحديث موضوع صحفه ليحتج به، ولفظه كما ذكره:" من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى على نائيا سمعته" قال شيخ الإسلام:"هكذا في النسخة التي أحضرت إلي مكتوبة عن المعترض، وقد صحح على قوله " سمعته " وهو غلط

(1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/294) ، والحديث رواه الترمذى في أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا ورقمه (0 32) " (2/136) - تحقيق: شاكر"وقد رجعت إلى طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف (1/ 201) ورقمه (319) ، والى تحفة الأحوذي (1/266) ، هندبة، وإلى عارضة الأحوذى (2/117) ، ومعارف السنن (3/309) وفي كلها " أن الترمذى قال " حديث حسن، وابن تيمية إنما رجع إلى نسخة أخرى غير ما اعتمد عليه هؤلاء.

(2)

درء التعارض (2/176-177) ، وانظر نموذجا آخر في نقله من هذا الكتاب في الجواب الصحيح (1/173) .

(3)

درء التعارض (2/251، 272، 290) .

(4)

المصدر نفسه (2/273) .

(5)

نقض التأسيس المخطوط (2/116) .

ص: 326

فإن لفظ الحديث "من صلى على عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا بلغته" هكذا ذكره الناس " (1) . ثم ذكر من رواه وكلام العلماء في إسناده ورجاله، وما يغني عنه من الأحاديث الأخرى (2) .

2-

ولما نقل عن أبي محمد بن عبد المالكي من كتابه في أصول السنة والتوحيد، نقل كلامه حول المعارف فذكر أنه قال:" فأول الكلام الواقع في الخلاف في المعارف فجمهور قول المعتزلة أن جميعها اضطرار، قلت: كأنه بالعكس "(3)، وفي نص آخر قال أبو محمد بن عبد:" فعز ربنا أن يقوم بالعلل فيصير دليلا بعدما كان مدلولا"، هكذا رأيته في الكتاب، إنما أراد: فيصير مدلولا بعدما كان دليلا " (4) .

هذا منهج شيخ الاسلام، جاء الكلام حوله طويلا، لكثرة كتبه وتنوعها، وطولها، ولعل ما سبق يعين على إعطاء صورة واضحة لذلك.

* * *

(1) الرد على الاخنائي (ص: 131-134) ط السلفية، وانظر: مختصره في مجموع الفتاوى (27/241-242) . والحديث ذكر شيخ الاسلام أن القاضى عياض نسبه إلى ابن أبي شيبة، وقد اطلعت عل المصنف في مظانه ومنها أحاديث فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم أجده، انظر: المصنف كتاب الفضائل (11/504) وما بعدها، لكن ذكر حديثا فيه أن ملكا موكلا بمن صلى عليه أن يبلغ عنه؛ انظره في (11/507) برقم (841) ، كما ذكر ابن تيمية أن البيهقى رواه وذلك في شعب الايمان كما في كنز العمال (1/492) برقم (2165) . ثم وجدته في الشعب رقم 1481 (4/213-214) - ط الدار السلفية الهند. وانظر تعليق المحقق عليه.

(2)

انظر: الرد على الإخنائي (ص: 132) وما بعدها.

(3)

درء التعارض (8/504) .

(4)

نفس المصدر (8/507) .

ص: 327