الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مقدمة المحقق]
يعتبر علم أصول الفقه الذي يعرف منه تقرير مطالب الأحكام الشرعية وطرق استنباطها -من العلوم الإسلامية العريقة، المنمة بموضوعاتها ومنهجها، عن خصائص أساسية في الفكر العلمي عند المسلمين، والمعبرة -بصفتها هذه -عن عمق استشفاف هذا الفكر، للمسائل -وشمولية استيعابه لها، وقدرته العبقرية على الغوص والاستنباط والتنظير والتقرير، والتبحر في ذلك، وارتياد أرحب الآفاق في مضماره.
وقد تألق فكر المسلمين في فروع شتى من المعرفة كالرياضيات والطب وسواهما، واجتهدوا في بحوثهم حولها اجتهادات رائدة أدت بهم إلى الإسهام في تطوير محتواها والتمهيد -من ثم -لما أصابته مثل هذه الفروع العلمية في العصور الحديثة من باهر التقدم على الصعيد النظري والعملي سواء، أما فيما يخص العلوم الإسلامية الصرفة -فإنها تعد بطبيعة الحال -ثمرة كاملة للاجتهاد الفكري عند المسلمين، تختلف في هذا عن غيرها من العلوم التي أسهموا فيها مع غيرهم من الأمم، وتنفرد -بالتالي -بما تنطوي عليه من الدلالة على طبيعة تفكيرهم العلمي في إطاره الخاص، واتجاهاتهم الرائدة في بناء النموذج الثقافي المتسمة به حضارتهم المتميزة.
ويستمد علم أصول الفقه -كما قال الشوكاني من ثلاثة أشياء:
الأول علم الكلام لتوقف الأدلة الشرعية على معرفة الباري سبحانه وتعالى وصدق المبلغ، وهما مبينان فيه مقررة أدلتها في مباحثه.
الثاني: العربية لأن فهم الكتاب والسنة والاستدلال بهما متوقفان عليها إذ هما عربيان.
الثالث: الأحكام الشرعية من حيث تصورها لأن المقصود إثباتها أو نفيها.
وباعتبار سعة الفنون العلمية التي يتطلب الحال -هكذا -الإلمام بها والتبحر فيها لإمكانية خوض لجج هذا العلم، والغوص على لآلئه، فإنه لم يتصد له في القديم والحديث إلا فطاحل العلماء كفقيه السنة الأكبر محمد بن إدريس الشافعي ومن على شاكلته من الجهابذة الأفذاذ.
وأول من ألف فيه كما هو معلوم الإمام الهاشمي المطلبي محمد بن إدريس رحمه الله تعالى 150/ 204 عندما أشار عليه شيخه عبد الرحمان بن مهدي فجمع بعض القواعد في كتابه المسمى الرسالة وهو مطبوع.
ثم توالت فيه المؤلفات المختلفة ذات المناحي المتعددة فكتب أتباع الشافعي في منحاه. وأصحاب أبي حنيفة في منحاه، كذلك ومثلهم أصحاب الإمام مالك والإمام أحمد، وحاول آخرون الجمع بين الطريقة الشافعية والحنفية، وهما الطريقتان البارزتان في هذا العلم. وكانت الكتب ما بين مختصر، ومتوسط يأخذ اللاحق من السابق، ويناقشه ويرد عليه أحيانًا لاسيما إذا كان من غير مذهبه.
ومن أهم المؤلفات في هذا الميدان، الرسالة للإمام الشافعي، وأحكام الأحكام لابن حزم الأندلسي والمستصفي للغزالي، وأصول البزدوى، وأوصل السرخيسي، وروضة الناظر لابن قدامة المقدسي والأحكام لسيف الدين الأمدي والموافقات لأبي إسحاق الشاطبي، وإرشاد الفحول للشوكاني، وجمع الجوامع لتاج الدين السبكي وغيرها.
والملاحظ بصفة عامة أن كتب المتقدمين أجزل عبارة وأظهر معنى وأسهل موردًا، وغالبًا ما كانت كتب المتأخرين تلخيصًا واختصارًا أو نظمًا أو شرحًا لأعمال من سبقهم أو تعليقًا عليها، ولكل فائدته.
ويعتبر المؤلف الذي بين أيدينا (نشر البنود على مراقي السعود) واحدً من المصنفات القيمة في هذا الفن.
وقد تفضل مولانا أمير المؤمنين، جلالة الحسن الثاني نصره الله وأيده، فأمر بطبع هذا الأثر العلمي النفيس ونشره، وذلك في إطار اهتمام جلالته الشريفة -حفظه الله روعاه -بإحياء التراث الإسلامي، وإغناء نهضتنا العلمية بكنوزه، وذخائره، ومنح أوسع الفرص للطلبة والباحثين والدارسين، للنهل من موارده، والكرع من حياضه وصلا لماضينا العلمي المجيد، بحاضرنا العلمي الزاهر، وترسيخًا لأصالة النهضة الثقافية العظيمة، التي تشمل مختلف الآفاق في هذا البلد الأمين، تحت ظل قيادة جلالته الحكيمة النيرة.
ومادة الكتاب عبارة عن شرح أرجوزة في هذا الفن، للمؤلف سيدي عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي واضع الأرجوزة والشرح معًا، وكما يلاحظ فقد كان يطل إطلالة العالم المتفتح الواعي على بقية المذاهب فيأخذ منها ويناقش ما أخذ ويرجح ويضعف كما ستراه، ولا ينسى مع كل هذا مالكيته التي ارتضاها واقتنع بها.
ولهذا فقد جاء هذا العمل وسطًا بين الإطناب والاقتضاب، تشعر وأنت تقرؤه أنك تقرأ لعالم ضليع من علماء الملة المتأخرين فتعيش مع أسلوب.
عصره الذي يتميز بالمناقشة وسوق الردود للإحاطة بالنقط التي يتعرض لها من مختلف الجوانب، ومع تمحيصه -بهذه الصورة -للمسائل ومناقشته لها، فهو يشعرك أنك منصف في مناقشته، إيجابي الروح في نظرته إليها، فإذا ما وقف أمام خلاف لفظي، أو جدال جانبي عقيم ترفع عنه قائلًا: لا مساحة في الاصطلاح.
ويستوقف فكرك وأنت تقرأ هذا المصنف الجامع، كثرة نقول المؤلف عن غيره، ولا غرابة في هذا، فقد بين منهجه في ذلك علمًا بتقيده بالنقل عن كبار علماء الإسلام بشكل عام وعلماء المذهب المالكي بشكل خاص، ذلك أن يجلي المسألة، ويقربها إلى القارئ بأسهل وأمتع ما يستطيع.
ومما يتميز به، أمانته في النقل إذا نقل، حيث أنه يعزو كل عبارة إلى صاحبها بكامل النزاهة، وهذا ما كان يتسم به أسلافنا من العلماء رحمهم الله تعالى (يعزون الفضل لأهله والقول لصاحبه).
وقد استعرض المؤلف رحمه الله تعالى في شرحه هذا مباحث الأصول كلها كباقة شهية، فدونكها أيها العالم والباحث والطالب وقد أخرجتها إليك وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في بهاء ورواء وحلة قشيبة وطبعة أنيقة بعد أن نفذت كل نسخ هذا الكتاب التي كانت مطبوعة بفاس بالمطبعة الحجرية، فلم يكن من اليسير الحصول عليه قبل أن يقدم في هذه المطبعة الجديدة المصححة.
حفظ الله مولانا أمير المؤمنين، وأدامه ذخرًا لهذه الأمة يرعى نهضتها، ويصون تراثها، ويبعث مفاخرها العلمية وأمجادها الفكرية، موالاة لمأثرات العرش العلوي، في رعاية العلم والثقافة، ومناقبه الجلي في ترسيخ أصالة هذه البلاد، وإثراء مقومتها الحضارية.
وأقر عين سيدنا الإمام بصاحب السمو الملكي ولي عهده الأمير الجليل سيدي محمد، وصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد وكافة أفراد الأسر الملكية الشريفة أنه على ما يشاء قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد ذي الخلق العظيم،
وعلى ءاله الرهط الكريم وأصحابه الذين بهم الدين أقيم.
وبعد فيقول عبد الله بن إبراهيم بن الإمام العلوي أعلاه الله:
لمن من الله تعالى علي بإتمام النظم المسمى مراقي السعود لمبتغى الرقي والصعود، ألهمني الله الاشتغال بشرحه فشرعت فيه مستعينًا بالله ومشيرًا بلفظ المحشي للكمال بن أبي شريف، وبزكرياء لشيخ الإسلام زكرياء، وبالمحشيين لهما، وباللقاني لعلامة عصره بلا نزاع وواحد وقته بلا دفاع ناصر الدين اللقاني، إلا ولأن شافعيان وهذا مالكي. وكلهم محشون على شرح المحلي لجمع الجوامع، وبحلولو لأبي العباس أحمد الشهير بابن حلولو القروي المالكي شارح جمع الجوامع، الشرح المسمى الضياء اللامع، وبالقاضي أبي بكر الباقلاني وبالرازي لفخر الدين الرازي صاحب كتاب المحصول. وحيث قلت قال في التنقيح، أو في شرح التنقيح فمرادي شهاب الدين القرافي وحيث قلت قال في الآيات البينات فالقائل أحمد بن قاسم الشافعي العبادي. والآيات البينات حاشية له على المحلي ثلاثة أسفار ابتداء الثاني من مبحث العام والثالث من الإجماع، وهو كتاب جمع فيه من التحقيق والتدقيق وكثرة الأبحاث والانتصار لصاحب جمع الجوامع وشارحه المحلي ما لا يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل فسميت هذا الشرح «نشر البنود على السعود» يسر الله تعالى لي إتمامه وأجزل علي فيه إنعامه فمرادي
فيه إن شاء الله أن أسهل ما استصعب وأجلب كل منتخب من بحث معقول وعلم منقول، حتى لا يعد له كتاب في الإيضاح وتحرير الصواب فإن هذا العلم مما ألوت به الصبا والدبور وصار يبلي على ممر الدهور ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يقول عبد الله وهو ارتسما
…
سمى له والعلوى المنتمى
عبد الله المراد به المسمى ويرجع إليه الضمي المبتدأ باعتبار الاسم وارتسم بمعنى ثبت وسمى بتثليث السين لغة في الاسم حال من الضمير فاعل ارتسم، يعني أن اسمه عبد الله هو أفضل الأسماء لما فيه الحديث من أفضل الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وألحقوا بهما كل ما يدل على العبودية. قوله والعلوي المنتمى، المنتمى بصيغة اسم المفعول أي منتماه ونسبته يقال فيها العلوي بفتح العين واللام نسبه إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أو إلى آخر من ذريته.
تنبيه: أعلم أن الله تعالى قد يسر لي الشروع في هذا الشرح بتججك حرسها الله تعالى من الآفات، ووقى أهلها من السيئات، وعمرها بالعلم والدين إلى يوم البعث والدين بعدما يسر لي نظم الأصل بها وذلك يوم الخميس في جمادى الأولى عام سبعة ومائتين بعد الألف وتمام النظم قبله بعام أسأل الله بإنعامه أن يعين على إتمامه وأن يجعله خالصًا، لوجهه للرضى والأمن بمنه، والفوز بالزيادة فالكريم من استزاده زاده.
الحمد لله على ما فاضا
…
من الجدى الذي دهورا فاضا
يعني أن أحمد الله على ما أفاض أي أكثر من الجدى بفتح الجيم والدال أي النفع والخير الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بعدما فاض أي قل وعدم دهورًا متطاولة قبله صلى الله عليه وسلم.
وجعل الفروع والأصول
…
لمن يروم نيلها محصولا.
النيل بفتح النون المراد به التعلم ومحصولا بمعنى حاصلة في الكتب والصدور ويجئ المحصول بمعنى المصدر كالمسعور والمحلوف بالفاء المرأسة لا بالفاء الموحدة والمعقول والمجلود وقد نظمتها بقولي:
محلوفكم مجلودكم معقول
…
مصادر يزنها مفعول
كذلك المعسول والمحصول
…
فاصغ ليتا أيها النبيل
الليت بالكسر صفح العنق.
وشاد ذا الدين بمن ساد الورى فهو المجلي والورى إلى ورا
شاد الحائط علاه بالشيد بالكسر وهو الجص ونحوه كناية عن تحسينه وشاد كجعل معطوف على أفاض وهو قوله وهو يعني من قوله فهو المجلي عائدًا على من والمجلي السابق في الحلبة قال الشاعر:
أتاني المجلي والمصلي وبعده الـ
…
ـمسلي وتال بعده عاطف يسرى
ومرتاحها ثم الحظى ومؤمل
…
وجاء اللطيم والسكيت له يجرى
فالمجلي بضم الميم وكسر اللام مشددة، والمصلي على وزنه هو الذي يتبع السابق في الحلبة والمسلي الثالث والتالي الرابع والعاطف الخامس والمرتاح السادس. وفي القاموس: إن المرتاح هو الخامس والخطي هو السابع والمؤمل هو الثامن واللطيم كأمير هو التاسع، والسكيت كزهير ويشدد العاشر وهو أخر خيل الحلبة بفتح الحاء وسكون اللام الدفعة من الخيل في الرهان، وورا في قوله إلى ورا بمعنى خلفه قصر للوزن.
محمد منور القلوب
…
وكاشف الكرب لذي الكروب
محمد بالجر بدل من في قوله بمن، وتنويره صلى الله عليه وسلم للقلوب بالإيمان به وبمحبته والصلاة عليه وإتباعه وكاشف الكروب بشفاعته والاستغاثة بجاهه والكرب الحزن.
وشفاعاته في الآخرة ست: الأولى في تعجيل الحساب وهي أعظمها وأعمها وهي مختصة به. والثانية في إدخال أقوام الجنة بغير حساب وهي مختصة به عند النووي، وتردد في ذلك ابن دقيق العيد والسبكي. الثالثة فيمن استحق النار أن لا يدخلها وتردد النووي في اختصاصها به وجزم
عياض بنفيه. الرابعة في إخراج الموحدين من النار ويشاركه فيها الأنبياء والملائكة والمؤمنون، إلا أن الاشتراك في مطلق الإخراج لا في قدره. الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأقوام ولم ير نص في اختصاصها به. السادسة في تخفيف عذاب من استحق الخلود في النار كأبي طالب. اللهم بجاهه شفعه فينا وفي قرابتنا بدخول الجنة من غير حساب وبزيادة الدرجات في الفردوس بلا مشقة ولا عتاب.
صلى الله عليه ربنا وسلما
…
وآله ومن لشرعه انتمى
الشرع: السنة والدين، والانتساب للشرع بالعمل به وتدوينه وتعليمه وتعلمه.
هذا وحين قد رأيت المذهبا
…
رجحانه له الكثير ذهبا
وما سواه مثل عنقا مغرب
…
في كل قطر من نواحي المغرب
أردت أن أجمع من أصوله
…
ما فيه بغية لذي فصوله
هذا مبتدأ حذف خبره، والعكس أي هذا الأمر والأمر هذا يعني أن الذي حملني على هذا النظم في أصول مالك خاصة إني رأيت الكثير من العلماء ذهب إلى ترجيح مذهبه على سائر المذاهب للحديث الصحيح (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم ولا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة)، أو لترجيح السلف الصالح له على مذهب غيره مع حسن تصرفه في كل فن من القرءان والحديث والعربية والأصول وغير ذلك، وأيضًا فإن ما سواه من المذاهب مفقود في كل قطر بالضم أي ناحية من نواحي المغرب فلا تكاد تجد من يحقق مسألة منها فضلًا عن باب ولا كتاب من كتبها كما اختصت أرض الروم وهي، سلاسول وما والاه بمذهب أبي حنيفة حتى أنه لم يكن في وقتنا هذا أحد فيه على غيره إلا رجل من الشيعة يقول في آذانه مكان حي على الصلاة حي على خير العمل، وكما اختص عراق العجم بمذهب الشافعي ولم يختص إقليم بمذهب أحمد.
وعنقاء كحمراء وزنًا مضاف إلى مغرب اسم فاعل من أغرب في البلاد أي أبعد فيها، قيل فيها ذلك لبعدها في طيرانها، ويجوز أن يكون مغرب وصفًا لعنقاء. وذكروا مغربا لإرادة النسبة كما قالوا ناقة ضامر وهو مثل يضرب للشيء الذي يوجد وهي طائر تخطف الأطفال فدعا عليها حنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس فأهلكها الله وقطع نسلها. وقيل ذهب بها إلى جزيرة، وهي جزيرة لا يصل إليها الناس في المحيط وراء خط الاستواء وانظر حياة الحيوان الكبرى تجد شفاء العليل. والبغية بضم الباء وكسرها المطلوب. والمراد بالفصول الفروع.
منتبذا عن مقصد ما ذكرا
…
لدى الفنون غيره محررا
منتبذا حال من فاعل أجمع والموصول مفعوله ومحررا بصيغة اسم الفاعل حال منه أيضًا. يعني أني غير ذاكر في هذا النظم كل ما ذكر في الفنون غير الأصول من نحو كمعاني الحروف أو بيان كمسائل الحقيقة والمجاز مع كثرتها أو منطق كدلالة المطابقة والتضمن والالتزام مع تحريره أي سلامته من التطويل والحشو.
سميته مراقي السعود
…
لمبتغى الرقي والصعود
يعني: أني سميت هذا النظام مراقي السعود بضم السين جمع سعد بمعنى السعادة لمن أراد الرقي إلى سماء الفقه وفهم موارده الشرع ومقاصده. والمراقي جمع مرقاة بالكسر ما يرقى به كالسلم والرقى بضم الراء وتشديد التحتية وهو والصعود بمعنى.
استوهب الله الكريم المددا
…
ونفعه للقارئين أبدا
يعني: أني أسأل الله أن يهب لي المدد أي الزيادة في العقل والتأييد على إكمال هذا النظام وأسأله أن ينفع به كل من قرأه إلى يوم القيامة نفعًا كاملًا شاملًا.
مقدمة
أي في علم الأصول وهي بكسر الدال أفصح من فتحها، من قدم اللازم بمعنى تقدم، وهي ما يتوقف عليها الشروع في الفن. ومقدمة الكتاب أعم منها مطلقًا وهي ما قدم أمام المطلوب لارتباط بينهما توقف على معرفته الشروع في المطلوب أم لا، فمعرفة الأحكام الخمسة مقدمتها وخطبة ألفية بن مالك مقدمة الكتاب فقط.
أول من ألفه في الكتب
…
محمد بن شافع المطلبي
يعني: أن أول من ألف علم الأصول في الكتب الإمام الشافعي وهو محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع المطلبي، ألف فيه كتاب الرسالة الذي أرسل به إلى ابن مهدي وهو أيضًا أول من ألف في مختلف الحديث المشار إليه في طلعة الأنوار بقولنا
أولا وجمع ممكن فمختلف
…
يضيفه إلى الحديث المحترف
وغيره كان له سليقه
…
مثل الذي للعرب من خليقه
يعني: أن غير الشافعي من المجتهدين كالصحابة فمن بعدهم كان معرفة علم الأصول سليقة له، أي مركوزًا في طبيعته كما كان علم العربية من نحو وتصريف وبيان خليقة أي مركوزًا في طبائع العرب فطرة فطرهم الله عليها. والألقاب كاسم المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول وغير ذلك اصطلاحات وضعها أئمة النحو، وكذلك وضع أئمة الأصول الذين صنفوا فيه اسم المنطوق والمفهوم والفحوى، والمخالفة والعام والخاص والمطلق والمقيد وغير ذلك.
الأحكام والأدلة الموضوع
…
وكونه هذي فقط مسموع
يعني، أن مما يتوقف عليه الشروع في الفن معرفة موضوعه. وموضوع كل فن ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية كبدن الإنسان لعلم الطب، وعوارضه الذاتية الصحة والمرض اللذان لا يبحث الطبيب إلا عنهما.
وموضع الأصول الأدلة الشرعية والأحكام. وعند بعضهم الأدلة الشرعية فقط. وإلى هذا أشار بقوله: وكونه .. الخ. وهذا مذهب الجمهور لأنه يبحث فيه عن عوارضها الذاتية كقولهم: الأمر يفيد الوجوب، ويتمسك بالعام في حياته صلى الله عليه وسلم قبل البحث عن المخصص، والعام المخصص حجة فيما يبقى.
وحجة الأول: أن جميع مباحث الأصول راجعة إلى إثبات أعراض ذاتية للأدلة والأحكام من حيث إثبات الأدلة للأحكام وثبوت الأحكام بالأدلة. فالفن منحصر في الإثبات والثبوت وفيما له نفع في ذلك كالمرجحات فلا خلاف بين القولين في المعنى.