الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«المنطوق والمفهوم»
ويقال للمفهوم منطوق إليه فلا يلتبس عليك المنطوق والمنطوق إليه وقد أكدوا في الوصية بمعرفة التمييز بين الاصطلاحات حذرًا من اللفظ.
معنى له في القصد قل: تأصل
…
وهو الذي اللفظ به يستعمل
يعني: أن المنطوق هو المعنى الذي قصده المتكلم باللفظ أصالة أي بالذات من اللفظ والبيت تفسير لمحل النطق في قولهم المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق بأن لا يتوقف استفادته من اللفظ الأعلى مجرد النطق سواء كان اللفظ حقيقة أو مجازًا ولا يقال أن المجاز غير دال بالوضع لأنا نمنع ذلك بل هو دال بالوضع النوعي، قال التفتازاني في شرح الشمسية إذ المراد بالوضع في دلالة المطابقة ما يشمل النوعي وقد صرح الكمال بأن المجاز من قبيل المنطوق الصريح وعزى ذلك لابن الحاجب أيضًا.
وأعلم أن المنطوق قد يكون غير حكم بأن يكون محل الحكم معنى كان كالتأفيف في الآية وقد ذاتا كزيد وقد يكون حكمًا كتحريم التأفيف للوالدين الدال عليه قوله تعالى ((فلا تقل لهما أف)) وطريقة ابن الحاجب تخصيص المنطوق والمفهوم بالحكم وأما المدلول التضمني فإن قلنا أنه الجزء المفهوم في ضمن الكل كان منطوقًا كما نقل عن حواشي العضد على التلويح للسعد وإن قلنا أنه الجزء المفهوم قصدًا بعد فهم الكل كما نقل عن الرازي كان مفهومًا والدليل على أن المراد بقولنا معنى له .. الخ المنطوق سبقه في الترجمة مع قوله (وغير منطوق هو المفهوم)
نص إذا أفاد ما لا يحتمل
…
غيرا وظاهر أن الغير احتمل
يعني: أن اللفظ الدال في محل النطق يسمى نصًا أن أفاد معنى لا يحتمل غيره كزيد في نحو جاء زيد فإنه مفيد للذات المشخصة من غير احتمال لغيرها ولا يقال إن هذا يقتضي أن مفهوم الموافقة لا يسمى نصًا وإن قلنا الدلالة عليه لفظية لأنا نقول: دلالة الموافقة إذا كانت لفظية كانت من قبيل المنطوق فتدخل في ذلك قاله في الآيات البينات وفيه أيضًا قد يناقش في تمثيل النص به أي يزيد لاحتماله معنى مجازيًا بناء على جواز التجوز في العلم وقد صرح النحاة بأن التأكيد في نحو جاء زيد نفسه لدفع المجاز عن الذات واحتمال أن الجاءي رسوله أو كتابه مثلًا. اهـ ويجاب عندي عن الثاني بأن التوكيد إنما هو لدفع توهم إسناده المجيء إلى غير زيد فيصير في الكلام مضاف إلى زيد محذوف وأما زيد فلا يحتمل غيره من بكر وخالد مثلًا.
قوله ظاهر بالرفع عطف على نص والغير مرفوع بفعل مبني للمفعول محذوف يفسره احتمل المذكور بعده، يعني أن اللفظ الدال في محل النطق ظاهر أي يسمى به أن احتمل بدل المعنى المفاد منه معنى مرجوحًا كالأسد في نجو رأيت اليوم الأسد فإنه مفيد للحيوان المفترس محتمل للرجل الشجاع بدله احتمالًا ضعيفًا لأنه معنى مجازي والأول الحقيقي والمتبادر إلى الذهن والمراد بالظاهر ما يتبادر الذهن إليه أما لكونه حقيقة لا يعارضها مقاوم لها أو لكونه مجازًا مشتهرًا صار حقيقة عرفية، وكذا إن لم يصر عند من يرجحه على الحقيقة المهجورة بخلاف الحقائق المشتركة فليست ألفاظها ظاهرة في شيء منها دون شيء وكذا المجازات الغير الراجحة بالنسبة لمعناه المجازي إما بالنسبة لمعناه الحقيقي فظاهر.
والكل من ذين له تجلى
…
ويطلق النص على ما دلا
وفي كلام الوحى ..
يعني: أن النص له أربعة اصطلاحات:
أحدها: ما تقدم، وقد يطلق على ما يشمل النص بالمعنى المتقدم والظاهر فيقال لفظ أفاد معنى قطعًا احتمل غيره احتمالًا مرجوحًا أم
لا، وإليه الإشارة بقولنا:«والكل من ذين له تجلى» ، أي ظهر النص أي إطلاقه على كل من هذين القسمين السابقين وهما المفيد لمعنى لا يحتمل غير أصلًا، والظاهر.
وقد يطلق النص على اللفظ الدال على أي معنى كان وهو غالب استعمال الفقهاء سواء كان ذلك الدال كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو قياسًا أو غير ذلك، يقولون: نص ملك وابن القاسم مثلًا على كذا، ويقولون نصوص الشريعة متضافرة، وقد يطلق النص في كلام الوحي أي: على كلام الوحي من كتاب أو سنة نصًا كان أو ظاهرًا ويقابله القياس والاستنباط والإجماع، ولذا يقولون لا يقاس مع وجود النص، وقسموا مسالك العلة إلى الإجماع والنص والاستنباط. وإلى القسم الذي قبل هذا أشار بقوله:«ويطلق النص على ما دلا» . وإلى هذا الأخير
أشار بقوله: «وفي كلام الوحي» ، والنص لغة قيل وصول الشيء إلى غايته، وقيل بمعنى الظهور، ويقال: نص الحديث رفعه، ونصت الجارية رأسها رفعته.
والمنطوق هل
…
ما ليس بالصريح فيه قد دخل
يعني أنهم اختلفوا فيما دل عليه بالاقتضاء أو الإشارة أو الإيماء هل هو داخل في المفهوم أو داخل في المنطوق؟ وعليه فالمنطوق صريح وهو ما تقدم، وغير صريح وهو الأقسام الثلاثة، قال في الآيات البينات: ودلالة الالتزام من المنطوق غير الصريح، قال العضد وغير الصريح بخلافه وهو: ما لا يوضع اللفظ له بل يلزم ما وضع له فيدل عليه بالالتزام. فعلى دخول غير الصريح في المنطوق تقول: المنطوق ما دل عليه اللفظ مطابقة أو تضمنا، حقيقة أو مجازًا، أو دل عليه بالالتزام، فدخل بقوله بالالتزام المنطوق غير الصريح. قال في الآيات البينات وهو شامل بلا شبهة للمجاز بطريق الكناية وغيره. لأن دلالة المجاز مطابقة كما للسعد وغيره وسمي بغير الصريح لأن دلالته لا بصريح صيغته ووضعه.
وهو دلالة اقتضاء أن يدل
…
لفظ على ما دونه لا يستقل
دلالة اللزوم ..
ضمير هو للمنطوق غير الصريح، يعني أن غير الصريح ثلاثة أقسام دلالة الاقتضاء، ودلالة الإيماء والتنبيه، ودلالة الإشارة. سميت دلالة اقتضاء لأن المعنى يقتضيها لا اللفظ. فالأول هو: أن يدل لفظ بالالتزام على معنى غير مذكور مع أنه مقصود بالأصالة ولا يستقل المعنى أي لا يستقيم إلا به لتوقف صدقه أو صحته عقلًا أو شرعًا عليه وإن كان اللفظ لا يقتضيه وضعًا. مثال ما توقف صدقه عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . أي: المواخذة بها لتوقف صدقه على ذلك لوقوعها. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لذي اليدين حين قال له: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ «كل ذلك لم يكن» أي في ظني. ومثال ما تتوقف صحته عليه قلا قوله تعالى: ((وأسأل القرية التي كنا فيها)) أي: أهل القرية، إذ القرية وهي الأبنية المجتمعة لا يصح سؤالها عقلًا جريا على العادة، وإلا فيجوز لنبي سؤالها وتجيبه خرقًا للعادة. ومثال ما تتوقف صحته عليه شرعًا ما إذا أمر بالصلاة فإن ذلك يتضمن الأمر بالطهارة لا محالة، فاللفظ المتوقف صدقه أو صحته منطوق صريح، والمضمر الذي لابد للصدق أو الصحة منه منطوق غير صريح وهو من ضرورة المنطوق الصريح. قوله دلالة اللزوم مفعول مطلق لقوله يدل.
مثل ذات
…
إشارة كذاك الإيماآت
مثل خبر مبتدأ المحذوف أي هي أي دلالة الاقتضاء مثل دلالة الإشارة في كون كل بالالتزام ومن المنطوق غير الصريح قوله كذاك الإيماآت، الإيما دون همزة اللام مع القصر للوزن مبتدأ خبره آت فاعل من أتى وكذلك الحال، يعني أن دلالة الإيماء أتت عندهم مثل دلالة الاقتضاء والإشارة في كون كل بالالتزام ومن المنطوق غير الصريح:
فأول إشارة اللفظ لما
…
لم يكن القصد له قد علما
أول مبتدأ خبر إشارة وعلمًا بالتركيب وألفه للإطلاق .. الخ يعني أن الأول من القسمين المذكورين في البيت قبله وهو دلالة الإشارة هو إشارة اللفظ لمعنى ليس مقصودًا منه بالأصل بل بالتبع مع أنه لم تدع إليه ضرورة لصحة الاقتصار على المذكور دون تقديره كدلالة قوله تعالى ((أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)) على صحة صوم من أصبح جنبًا من الوطء للزومه للمقصود به من جواز جماعهن بالليل الصادق بآخر جزء منه قولنا: بآخر جزء منه هكذا هو في عبارة المحلى، ولا تغتر باعتراض اللقاني عليه فقد رده في الآيات البينات مع أن المناقشة في الألفاظ بعد فهم معناها ليست من شأن المحققين وربما قالوا المحصلين أو الفضلاء بدل المحققين بل شأنهم بيان محاملها الصحيحة ولا يشتغلون بذلك إلا على سبيل التبعية تدريبًا للمتعلمين وإرشادا للطالبين ومن أدلة دلالة الإشارة الحديث (إنكن ناقصات عقل ودين قيل: يا رسول الله ما نقصان دينهن؟ قال تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلي) فالكلام لم يسق لبيان مدة الحيض بالبيان نقصان الدين قال حلولوا ونعلم من جهة العادة أن من تحيض كذلك قليل ونعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد الغالب بل النادر فلو أيقن أن فيهن من تحيض أكثر من ذلك لارتقى إليه عند قصد المبالغة في الذم قال الرهوني تمثيل بعضهم بهذا الحديث لا يصح لأن الحديث لم يصح بل نص السخاوي في المقاصد على أنه باطل لا أصل له مصحح بلفظ الشطر ولفظه عند مسلم تمكث الليالي لا تصلى. وقد أخذ علي كرم الله وجهه كون أقل أمد الحمل ستة أشهر من قوله تعالى ((وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا)) مع قوله تعالى ((والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)) فإذا كان أمد رضاعة أربعة وعشرين شهرًا لم يبق للحمل إلا ستة أشهر وهذه دلالة إشارة.
دلالة الإيماء والتنبيه
…
في الفن تقصد لدى ذويه
دلالة مبتدأ خبره جملة تقصد والفن فن الأصول الراجع إليه ضمير ذويه يعني أن الدلالة التي تسمى دلالة الإيماء ودلالة التنبيه مقصودة عند المتكلم بالأصالة لا بالتبع وإلى تعريفها أشار بقوله:
إن يقرن الوصف بحكم أن يكن
…
لغير علة يعبه من فطن
أي هي أن يقرن الوصف بحكم لو لم يكن الوصف علة لذلك الحكم عابه الفطن بمقاصد الكلام لأنه لا يليق بالفصاحة، وكلام الشارع لا يكون فيه ما يخل بالفصاحة والإيماء من مسالك العلة كقول الإعرابي واقعت أهلي في نهار رمضان فقال عليه السلام (اعتق رقبة).
أعلم أن دلالة المنطوق الصريح أن تكون بصريح صيغة اللفظ ووضعه ولو نوعيًا وغير المنطوق الصريح لا يخلوا إما أن يكون مدلوله مقصودًا للمتكلم أو غير مقصود فإن كان مقصودًا فلا يخلوا إما أن يتوقف صدق المتكلم أو صحة الملفوظ به عليه أولًا فإن توقف سمي دلالة اقتضاء وإلا يخلوا إما أن يكون مفهومًا في محل تناوله اللفظ نطقًا أو لا، الأول دلالة الإيماء والتنبيه والثاني دلالة المفهوم وإن كان غير مقصود للمتكلم بالأصالة سميت دلالة اللفظ عليه دلالة الإشارة اهـ. من الآيات البينات.
إذا تقرر هذا فالفرق بين المفهوم ودلالة الإشارة مصاحبة القصد الأصلي له دونها والفرق بينه وبين دلالة الاقتضاء توقف الصدق أو الصحة على إضمار فيها دونه والفرق بينه وبين دلالة التنبيه كونها مفهومة في محل تناوله اللفظ نطقًا دونه فاندفع استشكال التفتازاني الفرق بين غير الصريح من المنطوق والمفهوم، وفطن بتثليث الطاء لكن الأولى هنا الضم أو الكسر.
وغير المنطوق هو المفهوم
يعني: أن المفهوم هو ما قابل المنطوق وهو معنى دل عليه اللفظ لا في محل النطق بناء على دخول غير الصرح في المفهوم وإلا فتعريفه ما مر في شرح البيت قبله.
أعلم أنهم يطلقون المفهوم على مجموع الحكم ومحله كتحريم ضرب الوالدين فالتحريم مثال للحكم وضرب الوالدين مثال لمحله ويطلق المفهوم على أحدهما دون الآخر وهو الشائع وإطلاقه على الحكم وحده هو الأكثر.
منه الموافقة قل معلوم
الموافقة مبتدأ خبره يتعلق به منه والأمر اعتراض ويقال أيضًا مفهوم الموافقة وهو نوعان، أحدهما إثبات الحكم في الأكثر كالجزاء بما فوق الذرة في قوله تعالى ((فمن يعمل مثقال ذرةً خيرًا يره)) ((ولا تقل لهما أف)) فإنه يقتضي تحريم الضرب وهذا أشد. الثاني إثباته في الأقل كقوله تعالى ((ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يوده إليك)) فإنه يقتضي ثبوت الأمانة في الدرهم. وأما قوله ((ومنهم من أن تأمنه بدينار)) الآية فمن الأول.
يسمى بتنبيه الخطاب وورد
…
فحوى الخطاب اسمًا له في المعتمد
يعني: أن مفهوم الموافقة يسمى تنبيه الخطاب ويسمى أيضًا فحوى الخطاب ومفهوم الخطاب ففيه خمس اصطلاحات في الرأي المعتمد وهو مذهب الجمهور ومقابلة مصطلح الحنفية فإنهم يسمونه دلالة النص وفحوى الخطاب معناه ما يفهم قطعًا تقول فهمت من فحوى كلامك كذا أي مفهومه.
أعطاء ما للفظة المسكوتا
…
من باب أولى نفيا أو ثبوتا
إعطاء خبر مبتدأ محذوف والمبتدأ ضمير الموافقة وفاعل المصدر وهو المتكلم محذوف وما الموصل أضيف إليه ما قبله إضافة المصدر إلى مفعوله والمسكوت مفعول ثان ومن باب أولى متعلق بإعطاء ونفيًا أو ثبوتًا حالان من ما أي منفيًا أو ثباتًا يعني أن مفهوم الموافقة إعطاء ما ثبت للفظ من الحكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى والأخرى سواء كان ذلك الحكم المنطوق به منهيًا عنه أو موجبًا.
الأول نحو ((فلا تقل لهما أف)) فإنه يقتضي النهي عن الضرب من باب أولى.
والثاني كما لو قيل فلان بار بوالديه لا يقول لهما أف.
والثالث نحو قوله تعالى ((ومن أهل الكتب من أن تأمنه بقنطار يوده إليك)) فإنه يقتضي ثبوت الأمانة في الدرهم بطريق الأولى وعليه
فالمساوي لا يسمي مفهوم موافقة وإنما هو خاص بالأولى وإن كان المساوي مثل الأولى في الاحتجاج به.
وقيل ذا فحوى الخطاب والذي
…
ساوى بلحنه دعا المحتذى
يعني: أن بعضهم جعل الموافقة قسمي أحدهما فحوى الخطاب وهو ما كان المسكوت فيه أولى بالحكم من المنطوق، والآخر هو ما كان مساويًا له فيه ويسمى هذا لحن الخطاب مثال المساوي تحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه نظرًا للمعنى أي العلة ((إن الذي يأكلون أموال اليتامى ظلمًا)) فهو مساو لتحريم الأكل لمساواة الإحراق للأكل في الإتلاف والمراد بالمعنى والعلة هنا ما علق به الحكم كالإيذاء في التأفيف والإتلاف في أموال اليتامى، قولنا نظرًا للمعنى أي دون ما وضع له اللفظ ولا يلزم أن يكون قياسًا لقوله في المختصر: إنا نقطع بفهم المعنى في محل السكوت لغة قبل شرع القياس. قال السعد أنه أشار بقوله قبل شرع القياس إلى أن المراد أنه ليس من القياس الذي جعله الشرع حجة وإلا فلا نزاع أنه إلحاق فرع بأصل بجامع إلا أن ذلك مما يعرفه كل من يعرف اللغة من غير افتقار إلى نظر واجتهاد بخلاف القياس الشرعي. قال اللقاني: تحريم الأكل غير منطوق على رأي السبكي والمحلي أعني في تفسيرهما المنطوق بما دل عليه اللفظ في محل النطق لأنه لم ينطق به بل بملزومه وهو التوعد فلا يصدق أن المفهوم موافق للمنطوق نعم هو منطوق غير صريح على رأي القوم لأنه حكم غير مذكور من أحكام محل النطق وهو أكل مال اليتيم وقد يجاب بأنه معناه مع جواز إرادته معه وقد يسمى مفهوم الموافقة على اختصاصه بالأولى بلحن الخطاب كما قد يسمى المساوي مفهوم المساواة وسكتنا عن مفهوم الأدون إذ ليس لهم مفهوم إلا دون وإن كان لهم قياسه كقياس الشافعي التفاح على البر في الربا ولحن الخطاب مفهومه ومنه ((ولتعرفنهم في لحن القول)) ويأتي اللحن بمعنى الفطنة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض) أي أفطن بها وذكر أهل اللغة أن اللحن بإسكان الحاء الخطأ وبفتحها الصواب وعند التنقيح أن لحن الخطاب هو دلالة الاقتضاء.
قوله ذا إشارة للأولى مبتدأ خبره فحوى الخطاب والذي ساوى مبتدأ خبره جملة دعاه المحتذى أي المتبع لأهل الأصول في اصطلاحاتهم لأنهم كذلك يسمونه وبلحنه متعلق بدعاه أي سماه لحن الخطاب.
دلالة الوفاق للقياس
…
وهو الجلي تعزى لدى أناس
دلالة المضاف للوفاق مبتدأ خبره تعزي وللقياس متعلق به وكذا لدى وقوله وهو الجلي اعتراض يعني أن دلالة مفهوم الموافقة قياسية عند بعض الأصوليين منهم الشافعي أعني القياس الجلي وهو الأولي والمساوي كما سيأتي في كتاب القياس كما أشار إليه بقوله وهو الجلي أي القياس المعزوة إليه هو القياس الجلي فتحتاج إلى شروط القياس الآتية في كتابه.
وقيل للفظ مع المجاز
…
وعزوها للنقل ذو جواز
أي قيل: تعزي دلالة المفهوم أي مدلوله للفظ والمجاز فيقال لفظية مجازية من إطلاق الأخص على الأعم قوله وعزوها للنقل أي عزو مدلول مفهوم الموافقة للنقل جائز عند بعضهم بمعنى أن العرف اللغوي نقل اللفظ من وضعه لثبوت الحكم في المذكور خاصة إلى ثبوته في المذكور والمسكوت عنه معًا وكل من القول بأنها قياسية أو لفظية مخالف لما تقدم من إنها مفهوم وهو مذهب الكثير. قال في الآيات البينات: قد يقال هي لفظية على القول بأنها مفهوم أيضًا كما يفيد قول المصنف يعني السبكي المفهوم ما دل عليه اللفظ فكيف يصح مقابلة هذا هذا القول لصدر كلام المصنف إنها مفهوم إلا أن يجاب بأن المراد هنا إنها لفظية على وجه خاص وهو ما تفصله بقية العبارة. يعني قوله وهي مجازية من إطلاق الأخص على الأعم وقيل: نقل اللفظ لها عرفًا وقد تقدم كونها منطوقًا على القول بأنها لفظية.
وغير ما مر هو المخالفة
…
وعزوها للنقل ذو جواز
كذا دليل للخطاب انضافًا
ما مر هو إثابت حكم المنطوق به للمسكوت عنه وغيره هو أن يتخالفا فيقال له المخالفة ويقال له أيضًا مفهوم المخالفة ومعنى التخالف كما
في "شرح التنقيح" لمؤلفه إثبات نقيض المنطوق به للمسكوت عنه احترازًا عما توهمه ابن أبي زيد وغيره إنه إثبات ضد الحكم المنطوق به للمسكوت ولذلك أخذوا من قوله ((ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا)) وجوب الصلاة على أموات المسلمين بطريق مفهوم المخالفة. قال القرافي: وليس كما زعموا فإن الوجوب هو ضد التحريم وعدم التحريم أعم من ثبوت الواجب فإذا قال الله تعالى حرمت عليكم الصلاة على المنافقين مفهومه أن غير المنافقين لا تحرم الصلاة عليهم وإذا لم تحرم جاز أن تباح فإن النقيض أعم من الضد وإنما يلزم الوجوب أو غيره بدليل منفصل.
قوله: ثمت تنبيه .. الخ تنبيه مبتدأ خبره جملة خالفه أي رادفه وكذلك رادفه دليل الخطاب فالثلاثة بمعنى واحد وقد يطلق عليه أيضًا لحن الخطاب فلحن الخطاب يطلق بالاشتراك العرفي على كل من الأدلة الاقتضاء ومن المساوي من قسمي الموافقة ومن مفهوم المخالفة. «ودع إذا الساكت عنه خافا»
هذا شروع في شروط تحقق مفهوم المخالفة أي اترك اعتبار مفهوم المخالفة لعدم تحققه إذا كان المسكوت عنه لم يذكر لخوف في ذكره بالموافقة أي لخوف محذور بسبب ذكر المسكوت بطريق موافقة للمنطوق بأن يعطف عليه كقول قريب عهد بالإسلام لعبده بحضور المسلمين: تصدق بهذا على المسلمين فنقول لا مفهوم للمسلمين من غيرهم لترك ذكرهم خوفًا من أن يتهم بالنفاق سواء خاف المتكلم على نفسه أو غيره «أو جهل الحكم» .
بصيغة الماضي عطفًا على خاف أي وكذا يترك اعتباره للاحتجاج به إذا جهل المتكلم الحكم المسكوت عنه وذلك إنما يتصور في غير كلام الله تعالى كقولك: في الغنم السائمة زكاة وأنت تجهل حكم المعلوفة.
أو النطق انجلب
…
للسؤال
أي: دع اعتباره إذا كان النطق أي ذكر المنطوق لأجل السؤال عنه كما إذا سئلت عن الغنم السائمة فتقول في الغنم السائمة زكاة لأن تخصيص السائمة بالذكر إنما هو لأجل مطابقة السؤال.
جرى معطوف على السؤال أي دع اعتباره إذا كان ذكر المنطوق بخصوصه جاريًا على الغالب فإن ما خرج مخرج الغالب لا يحتج به نحو قوله تعالى ((وربابئكم اللاتي في حجوركم)) فلا يدل على إنها إذا لم تكن في الحجر لا تحرم لخروجه على الغالب هذا مذهب الجمهور وحكي عن علي رضي الله عنه إن البعيدة عن الزوج لا تحرم عليه وإما نسبته لمالك رحمه الله تعالى وإنه رجع عنه فقد قال حلولو: لا نعرفه لأحد من أهل المذهب أي كونه قاله حتى يرجع عنه.
أو امتنان أو وفاق الواقع
…
والجهل والتأكيد عند السامع
امتنان بالجر معطوف على السؤال أي السؤال يعني: أنه لا يعتبر إذا كان تخصيص المنطوق بالذكر لأجل الامتنان كقوله تعالى ((لتأكلوا منه لحمًا طريًا)) فلا يدل على منع القديد، قاله المحشيان. وكذلك إذا كان تخصيصه بالذكر لموافقة الواقع كقوله تعالى ((لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين)) نزل في قوم والوا اليهود دون المؤمنين فموالاة الكافرين حرام على كل حال وإليه الإشارة بقوله أو وفاق الواقع وكذلك إذا كان التخصيص بالذكر لجهل السامع حكم المنطوق دون حكم المسكوت وإليه أشار بقوله: والجهل وكذلك إذا كان لتأكيد النهي عند السامع كحديث الصحيحين (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) وإليه الإشارة بقوله والتأكيد .. الخ فعند السامع راجع للتأكيد، والجهل وكذلك إذا كان لحادثة واستشكل الفرق بين موافقة الواقع وخرج لحادثة بل قد يقال قوله ((لا يتخذ المؤمنين الكافرين)) الآية مما خرج لحادثة والفرق عندي وهو الذي يشير له كلام الآيات البينات إن ما خرج لحادثة أعم مطلقًا إذ يصدق بما إذا اختص الحدوث بها وبما إذا حدث غيرها أيضًا كما لو كان لزيد غنم سائمة ولعمر غنم معلوفة وقيل بحضرته صلى الله عليه وسلم لزيد غنم سائمة فقال في الغنم السائمة زكاة قال في الآيات البينات ولا يصح هنا كون التقييد لبيان الواقع لأن الواقع لم تختص بالسائمة، وفرق هو بأن المقصود في الحادثة بيان حكمها باعتبار حدوثها ولأجله والمقصود
في وفاق الواقع بيان الحكم بنفسه ليتعلق بصاحب الواقعة وكل أحد في ذلك الزمن وما بعده وإنما شرطوا للمفهوم انتفاء المذكورات لأنها فوائد ظاهرة وهو فائدة خفية فأخر عنها عند التعارض وإلا فلا يؤخر إن أمكن قصدهما معًا لا إن لم يمكن كما في جهل المتكلم بحكم المسكوت قاله في الآيات البينات بحثًا وظاهر كلام غيره تأخير المفهوم مطلقًا.
ومقتضى التخصيص ليس يحظل
…
قيسا وما عرض ليس يشمل
هذا متعلق بقوله ودع إذا الساكت إلى قوله والتأكيد ومقتضى بصيغة اسم الفاعل مبتدأ خبره جملة ليس يحظل قيسًا أي قياسا يعني إن وجود ما يقتضي التخصيص بالذكر يمنع تحقيق المفهوم ولا يمنع إلحاق المسكوت بالمنطوق بطريق القياس عند وجود شرطه وهو العلة الجامعة لعدم معارضة مقتضى التخصيص بالذكر للقياس وعارضه بالنسبة إلى المسكوت عنه المشتمل على العلة كأنه لم يذكر قوله وما عرض .. الخ يعني أن المعروض وهو اللفظ المقيد بصفة أو نحوها وهو العارض لا يشمل المسكوت عنه على الصحيح فالغنم السائمة مثلًا قوله في الغنم السائمة زكاة لا يشمل المعلوفة حتى يستغنى بذلك عن القياس وقيل يعمه وعرض مركب والتعبير بالمعروض دون الموصوف وإن كان في المعنى موصوفًا لئلا يتوهم اختصاص ذلك بالصفات وقيل لا يعمه إجماعًا لوجود المعارض وإنما يلحق به قياسًا ويشمل يقرأ هنا بضم الميم كان فيه الفتح.
وهو ظرف علة وعدد
…
ومنه شرط غاية تعتمد
يعني: إن مفهوم المخالفة بمعنى محل الحكم أنواع منها الظرف زمانًا كان أو مكانًا نحو ((الحج أشهر معلومات)) أي زمان الحج أو الحج ذو أشهر معلومات فالإحرام قبلها غير مشروع ((وأنتم عاكفون في المساجد)) فلا يصح الاعتكاف في غير المساجد عند من اشترطها في الاعتكاف قال حلولو لكن الظاهر عدم أخذ الاشتراط من الآية لأن الحكم إذا خرج في سياق لا يحتج به في غيره على الصحيح. يعني أنه خرج لتحريم مباشرتهن من المعتكف في المسجد ومنها العلة نحو أعط السائل
لحاجته أي المحتاج دون غيره وفرق القرافي بين الصفة والعلة بأن الصفة مكملة لا علة وهي أعم من العلة فإن وجوب الزكاة السائمة ليس للسوم وإلا لوجبت في الوحوش وإنما وجبت لنعمة الملك وهي مع السوم أتم منها مع العلف. ومنها العدد نحو ((فاجلدوهم ثمانين جلدة)) لا أكثر من ذلك، وحديث الصحيحين (إذا شرب الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبع مرات) أي لا أقل منها كذا قدره المحلي فيهما. قال في الآيات البينات وإنما اقتصر الشارح هنا على نفي الأكثر لأنه ممنوع في نفسه بخلاف الأقل ليس ممنوعًا في نفسه بل هو مطلوب لأن كل جزء من الثمانين مطلوب وإنما الممنوع الاقتصار عليه وإنما اقتصر على نفي الأقل فيما بعده من حديث شرب الكلب لأن الأقل لا يحصل معه المقصود بخلاف الأكثر يحصل معه المقصود وزيادة، فالأقل لا يحصل المقصود والأكثر يحصله وليس ممنوعًا منه لذاته بل لخارج عنه كاعتقاد كون الأكثر مطلوبًا. ومنها الحال نحو أحسن إلى العبد مطيعًا أي لا عاصيًا. ومنها الشرط نحو ((وإن كن أولات حمل فانقوا عليهن)) مفهومه انتفاء المشروط عند انتفاء الشرط أي فغير أولات حمل لا يجب الإنفاق عليهن ونحو من تطهر صحت صلاته. ومنها الغاية نحو ((فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره)) أي فإن نكحته حلت للأول بشرطه ((ولا تقربوهن حتى)) المشهور الحرمة حتى تطهر بالماء وقيل حتى تطهر من الحيض.
قوله وهو أي المفهوم ظرف قد يقال فيه أيضًا مفهوم صفة ومفهوم شرط ومفهوم غاية والمراد بمفهوم الشرط ما فهم من تعليق حكم على شيء بأداة شرط كان وإذا وبمفهومه الغاية ما فهم من تقييد الحكم بأداة غاية كإلى وحتى واللام، قوله تعتمد عليها في الاحتجاج بها جيء بها لزيادة الإيضاح والوزن وإلا فغيرها من المفاهيم مثلها.
تنبيهان، الأول: إنما قلت مفهوم المخالفة بمعنى محل الحكم دون نفس الحكم وإن كان يطلق عليه أيضًا إضافة المفهوم إلى الصفة ونحوها فيقال مثلًا مفهوم الصفة ومفهوم الشرط إلى غير ذلك فإنها لا تدل على الحكم بل على محله لظهور إن لفظه سائمة إنما يدل على المعلوفة لا على نفي الزكاة إذ لا علقة بينه وبني نفي الزكاة إذ لا ينتقل
منه إليه قاله في الآيات البينات.
الثاني: إنما جعلت العلة والظرف والعدد أقسامًا بنفسها ولم أدرجها في الصفة كما فعل في جمع الجوامع إتباعًا لأهل مذهبنا كالقرافي في التنقيح وكابن غازي حيث قال في نظمه.
صف واشترط علل ولقب ثنيا
…
وعد ظرفين وحصرا أغيا
والحصر والصفة مثل ما علم
…
من غنم سامت وسائم الغنم
الحصر بالرفع معطوف على ظرف أي ومن مفهوم المخالفة الحصر نحو (إنما الماء من الماء)((وإنما إلاهكم إلاه واحد)) والإلاه المعبود بالحق، فمعنى الآية إنما المستحق لعبادتكم هو الإلاه الواحد الذي لا شريك له وهو الله تعالى لا المعبود مطلقًا ومن طرقه غير إنما النفي قبل إلا نحو (لا يقبل الله الصلاة إلا بالطهور) منطوقه عند أهل الأصول نفي القبول عن كل صلاة بلا طهور ومفهومه إثبات القبول لصلاة بطهور في الجملة وعند البيانيين العكس ومنها تعريف المبتدأ والخبر نحو قوله صلى الله عليه وسلم:(تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) فالتحريم محصور في التكبير والتحليل محصور في التسليم) فالتحريم محصور في التكبير والتحليل محصور في التسليم. وكذلك ذكاة الجنين ذكاة أمه ومنها تقديم المعمول.
قوله والصفة .. الخ يعني أن من مفاهيم المخالفة الصفة ويقال أيضًا مفهوم الصفة والمراد بها عند الأصوليين لفظ مقيد لآخر ليس بشرط ولا استثناء ولا غاية لا النعت فقط والمراد بالتقييد التخصيص الذي هو نقص الشيوع وتقليل الاشتراك فلا يرد النعت لمجرد المدح أو الذم أو التأكيد لأنها ليست للتخصيص وقولنا عند الأصوليين يرد قول زكرياء: إنه لا حاجة بل لا صحة لاستثنائها لأن كلًا منها إنما يحصل بآلته فهو لفظ مقيد لآخر. إذ لا مشاحة في الاصطلاح ولكل أحد أن يصطلح على ما شاء.
قوله مثل ما علم
…
الخ بتركيب علم يعني: أن مفهوم الصفة نحو (كل غنم سائمة فيها زكاة) (أو كل سائمة الغنم فيها زكاة وقد رويا بلفظ
(في الغنم السائمة زكاة)(وفي سائمة الغنم زكاة) والمعنى ثابت في حديث البخاري في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة قاله المحشي أما الأول فلم أره ولكن في النسائي عنه صلى الله عليه وسلم في كل إبل سائمة الحديث وهو نظيره في التمثيل به وأما الثاني فرواه أبو داوود وسكت عليه وروى أيضًا (في كل سائمة إبل) والتمثيل بالإبل بلفظ روايتي النسائي وأبي داوود أولى
معلوفة الغنم أو ما يعلف
…
الخلف في النفي لأي يصرف
يعني أنهم اختلفوا في النفي عن محلية الزكاة في المثالين فبعضهم صرف النفي إلى معلوفة الغنم فقال: مفهومه أن معلوفة الغنم لا زكاة فيها نظرًا إلى السوم في الغنم وبعضهم صرفه إلى المعلوفة من حيث هي فقال لا زكاة في المعلوفة من إبل وغنم وبقر نظرًا إلى السوم فقط والخلاف جار في كل مقيد هل يرجع النفي والإثبات إلى مجموعهما أو إلى القيد فقط والثاني هو الذي في دلائل الإعجاز، معلوفة مبتدأ عطف عليه الموصول بعده ويعلف مركب وجملة الخلف .. الخ خبر والرابط محذوف أي لأي منهما يصرف بالتركيب.
أضعفها اللقب وهو ما أبى
…
من دونه نظم الكلام العربي
يعني: أنا مفاهيم المخالفة أضعفها في الاحتجاج بهم مفهوم اللقب وهو ما أبى أي منع صحة التركيب دونه والقائل بحجته منا أبو عبد الله ابن خويز منداد بضم الخاء المعجمة وكسر الزاي وبالميم مفتوحة ومكسورة وسكون النون وذكر ابن عبد البر إنه بالموحدة المكسورة بدل الميم والدالان مهملتان بينهما ألف سواء كان اللقب علمًا بأنواعه الثلاثة من اسم وكنية ولقب أو اسم جنس جامدًا كان أو مشتقًا غلبت عليه الأسمية كالماشية أما ما لم تغلب عليه فإن ذكر موصوفه فهو ما تقدم أو لا نحو في السائمة زكاة فالأظهر عند السبكي إنه كاللقب لاختلال الكلام بدونه وقيل من الصفة وكاسم الجنس اسم الجمع كقوم ورهط وإنما ضعف الاحتجاج بمفهوم اللقب لعدم رائحة التعليل فيه فإن الصفة تشعر بالتعليل قاله القرافي مثاله حديث (لا
تبيعوا الطعام بالطعام) وحجة القائل به إنه لا فائدة في ذكره إلا نفي الحكم المسكوت عنه كالصفة. وأجيب بأن فائدته استقامة الكلام إذ بإسقاطه يختل بخلاف الصفة وقد أخذ بعضهم من احتجاج مالك عن الأضحية لا تجزئ بالليل بقوله تعالى ((ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)) القول بمفهوم اللقب، وجعله ابن رشد مفهوم الزمان ومن لم يقل باللقب لم يقل بمفهوميته فلا يعد من المفاهيم. (أعلاه لا يرشد إلا العلما).
يعني أن أعلا أي أقوى مفاهيم المخالفة في الحجة مفهوم لا يرشد الناس إلا العلماء ونحوه من كل كلام يشتمل على نفي واستثناء منطوقه نفي الإرشاد عن غيرهم ومفهومه إثباته لهم عكس ما لا هل البيان وإنما كان أقوى لأنه قيل: إنه منطوق بالصراحة والوضع لسرعة تبادر الإثبات منه إلى الأذهان ورجحه القرافي، والصواب عندي في المسألة كون الإثبات منطوقًا كالنفي وعلى مذهب أهل البيان كيف يقال في لا إله إلا الله إن دلالتها على إثبات الألوهية لله بالمفهوم؟ وقال زكرياء: لا بعد فيه لأن القصد أولا وبالذات رد ما خالفنا فيه المشركون لا إثبات ما وافقونا عليه فكان المناسب للأول المنطوق وللثاني المفهوم. (فما لمنطوق بضعف انتمى).
ما معطوف على قوله لا يرش إلا العلماء يعني أنه يلي النفي والاستثناء في القوة ما قيل إنه منطوق بالإشارة كمفهوم إنما والغاية بناء على أن المنطوق غير الصريح ليس من المفهوم وكذا قيل إنه منه لتبادره إلى الأذهان ومن القائلين أنه منطوق بالإشارة القاضي أبو بكر الباقلاني.
فالشرك فالوصف الذي يناسب
…
فمطلق الوصف الذي يقارب
فعدد ثمت تقديم يلي
…
وهو حجة على النهج الجلي
يعني: أن مفهوم الشرط هو الذي يلي في القوة ما ذكر قبله إذا لم يقل أحد إنه منطوق ومثله في ذلك فصل المبتدأ فيلي ذلك الوصف المناسب للحكم نحو (في الغنم السائمة زكاة) وإنما أخرت الصفة
عن الشرك لأن بعض القائلين به خالف فيها وتأخر الشرط عما قيل: إنه منطوق بالإشارة لأن الغاية قد قال بها من أنكر الشرط كالقاضي منا ومناسبة السوم من حيث أن الموجب نعمة الملك وهي مع السوم أتم منها مع العلف فيما ذلك مطلق الصفة غير المناسبة نحو (في الغنم العفر زكاة) وقولنا: فمطلق الصفة مجاز من إطلاق اسم المطلق على المقيد لأن لفظ مطلق الصفة اسم لمفهوم الصفة الشامل للمناسبة وغير المناسبة وقد أريد به غير المناسبة فقط فيلي العدد ما ذكر لإنكار قوم له دونها فيليه التقديم لإفادته الاخصتاص عند البيانيين، وفائدة التفوات في القوة تقديم الأقوى عند التعارض قوله وهو حجة على النهج الجلي يعني أن مفهوم المخالفة حجة على المذهب المشهور وهو مذهب مالك وأصحابه وخالف في مفهوم الشرط القاضي منا وأنكر أبو حنيفة كل مفاهيم المخالفة وإن قال في السكوت بخلاف حكم المنطوق فلأمر آخر وأنكرها قوم في الخبر دون الإنشاء وأنكرها السبكي في غير الشرع وأنكر أمام الحرمين صفة لا تناسب، وقوم العدد دون غيره إما مفهوم الموافقة فمعمول به اتفاقًا عند بعضهم وذكر فيه أمام الحرمين عن قوم الفرق بين المقطوع به والمظنون.
فصل
من لطف ربنا بنا تعالى
…
توسيعه في نطقنا المجالا
يعني: إن من لطف الله تعالى بالناس توسيعه المجال لهم في التكلم بحديث الموضوعات اللغوية ليعبر كل واحد عما في نفسه مما يحتاج إليه في معاشه ومعاده لغيره حتى يعاونه عليه لعدم استقلاله به واللطف لغة الرأفة والرفق وهو في حقه تعالى بمعنى غاية إيصال الإحسان بناء على أنه صفة فعل ويعبر عنه بإرادة هذا الإيصال بناء على أنه صفة ذات.
وما من الألفاظ للمعنى وضع
…
قل لغة بالنقل يدري من سمع
يعني: أن اللغة هي الألفاظ الموضوعات للمعاني سواء كان اللفظ مفردًا أو مركبًا على ما اختاره تاج الدين السبكي من وضع المركبات بالنوع والمراد بالمعنى ما عني باللفظ لفظًا كان أو معنى كما سيأتي
تقسيم المدلول إلى ذينك. ودخل الألفاظ المقدرة كالضمائر المستترة وخرج بها الدوال الأربعة وهي الخطوط والعقود والإشارة والنصب قال زكرياء وخرجت الألفاظ المهملة وعبارة بعضهم وهي الألفاظ الدالة على المعاني فتخرج الألفاظ المهملة. وقال اللقاني: إن خروجها فيه شيء لدلالتها على معنى كحياة اللافظ وقال فإن قيل المعنى ما يعني أي يراد باللفظ قلنا بل هو ما يفهم منه أريد أم لا كما صرحوا به وأجيب عنه بما للسيد في حواشي شرح الشمسية إن المعنى بفعل من عنى يعني إذا قصد وإنه لا يطلق على الصور الذهنية من حيث هي بل من حيث إنها تقصد من اللفظ وذلك إنما يكون بالوضع لأن الدلالة العقلية أو الطبعية ليست بمعتبرة ثم قال وقد يكتفي في إطلاق المعنى على الصور الذهنية بمجرد صلاحيتها لأن تقصد باللفظ سواء وضع لها لفظ أم لا. وهو صريح في أن المعنى باعتبار الإطلاق الكثير المشهور المتبادر خاص بما يقصد وعليه كلام المحلي قاله في الآيات البينات ويشمل قوله وما من الألفاظ .. الخ العربية وغيرها وإن كان الغالب انصراف إطلاق اللغة إلى العربية ويشمل الحقيقة الشرعية والعرفية والكناية والمجاز لأنه بوضع ثان وعرفت اللغة لأنها تنبني على معرفتها الأحكام فيقال الموضوع اللغوي كذا قوله بالنقل متعلق بيدري. والجملة استيناف بياني كأنه قيل بماذا تدري معاني الألفاظ؟ فقال: يدريها السامع لها بالنقل عن العرب مثلًا تواترًا نحو السماء والأرض بمعناهما المعروف أو آحادًا نحو القرء للحيض والطهر وباستنباط العقل من النقل نحو الجمع المعرف بال يصح الاستثناء منه وكل ما يصح الاستثناء منه بإلا وأخواتها مما لا حصر فيه فهو عام فيستنبط العقل أن الجمع المعرف بال عام ولا تعرف اللغة بمجرد العقل واحترز بما لا حصر فيه عن العدد فإنه يصح الاستثناء منه نحو له على ستة إلا ثلاثة وليست عامة.
مدلولها المعنى ولفظ مفرد
…
مستعملًا ومهملًا قد يوجد
وذو تركب ..
يعني: أن مدلول الألفاظ لما معنى جزئيًا كان أو كليًا وإما لفظ مركب وسيأتي أو مفرد ولا يخلوا أن يكون مستعملًا كالكلمة فإنها لفظ
مفرد مستعمل في معنى أو يكون مهملًا وهو ما لم يوضع لمعنى كمدلول أسماء حروف الهجاء كالجيم واللام والسين أسماء لحروف جلس أي جه له سه التي هي أجزاؤها والهاء بعد كل منها هاء السكت أتى بها للسكت على كل حرف قصدا بذلك إلى بيان كونه جزءا قوله: ((وذو تركب)) معطوف على مفرد يعني أن مدلول الألفاظ إما معنى وإما لفظ مفرد أو لفظ مركب مهملًا كان كمدلول لفظ الهذيان أو مستعمل كمدلول لفظ الخبر أي ما صدقه أي الأفراد التي يصدق عليها لفظ الخبر نحو قام زيد وجاء محمد وإطلاق المدلول على الماصدق كما هنا سائغ لأنه مدلول لغة إذ المدلول اسم مفعول أصله مدلول عليه فحذف الجار والمجرور تخفيفًا مع كثرة الاستعمال والأصل الاصطلاحي إطلاق المدلول على المفهوم أي ما وضع له اللفظ خاصة لكن أطلقه أهل الاصطلاح على الماصدق لاشتماله على المفهوم الذي وضع له وتسميته مفهومًا باعتبار فهم السامع له من اللفظ ومعنى باعتبار عناية المتكلم أي قصده إياه من اللفظ فهما متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار والمفهوم هنا مغاير لمقابل المنطوق ومدلول الخبر اصطلاحًا هو مركب يحتمل الصدق والكذب لذاته ولا يقال لا يصدق على المركب المهمل حد المركب إذ هو ما يدل جزؤه على جزء معناه دلالة مقصودة وهذا ما لا معنى له وإلا كان غير مهمل لأنا نقول كما في الآيات البينات إن المراد بالمركب هنا ما فيه كلمتان فأكثر.
ووضع النكرة
…
لمطلق المعنى فريق نصره
وضع مبتدأ متعلق به لمطلق خبره جملة فريق نصره يعني أن اسم الجنس النكرة ذهب فريق من الأصوليين كالفهري منا إلى أنه موضوع لمطلق المعنى من غير تقييد بذهني ولا خارجي، وعليه فاستعماله في كل منهما حقيقي. وحجتهم أن دعوى اختصاصه بأحدهما تحكم أي ترجيع بلا مرجع، والخلاف في معنى له وجود في الذهن بالإدراك ووجود في الخارج بالتحقق كالإنسان أي كمعناه وهو الحيوان الناطق فإنه متحقق ذهنًا وهو ظاهر وخارجًا لأن الكلي يتحقق في ضمن جزئياته بخلاف ما لا وجود له في الخارج كبحر من زئبق وبخلاف المعرفة فإن
علم الشخص وضع لمعين خارجًا وعلم الجنس أي الحقيقة وضع لمعين ذهنًا وبقية المعارف وضعت لمعين في الخارج إلا المعرف بلام الحقيقة ولام الجنس العهدية الذهنية ففي الذهن قال زكرياء:
وهي للذهن لدى ابن الحاجب
…
وكم إمام للخلاف ذاهب
يعني: أن النكرة التي لها معنى ذهني ومعنى خارجي ذهب ابن الحاجب منا والرازي من الشافعية إلى أنه موضوع للمعنى الذهني فقط لأنا إذا رأينا جسمًا من بعيد وظنناه صخرة سميناه بهذا الاسم فإذا دنونا منه وعرفنا أنه حيوان لكن ظنناه طيرًا سمينا به فإذا ازداد القرب وعرفنا أنه إنسان سميناه به فاختلف الاسم لاختلاف المعنى الذهني وذلك يدل على أن الوضع له. وأجيب من جهة القائلين بأنه للخارجي فقط بأن اختلاف الاسم لاختلاف المعنى لظن أنه في الخارج كذلك. فالموضع له ما في الخارج، والتعبير عنه تابع لإدراك الذهن له كيفما أدركه، وجعل زكرياء قول ابن الحاجب أوجه، لأن محققي أئمة العربية ذكروا أن الاسم النكرة موضوع لفرد شائع من الحقيقة وهو كلي لا يوجد مستقلًا إلا في الذهن إذ كل موجود خارجي جزئي حقيقي ولا ريب أن الإنسان أيضًا موضوع للحيوان الناطق وإن دلالته عليهما مطابقة وهي مفسرة بدلالة اللفظ على تمام ما وضع له وإن مجموعها صورة ذهنية والخارجي إنما هو الأفراد من زيد وبكر وعمرو وغيرهم وإن كانت الصورة منطبقة عليها فالموضوع له المعنى الذهني. قوله وكم إمام. الخ يعني: أن مذهب الجمهور أن النكرة المذكورة موضوعة للمعنى الخارجي فقط جاعلين هذا أصلًا في القياس في اللغة فإن الحقيقة الموضوع لها إذا فنيت وجاء مثلها إنما يطلق عليها بالقياس واتفقوا أن الأحكام إنما وضعت للأمور الخارجية المشخصة وهذا القول رحجة القرافي.
وليس للمعنى بلا احتياج
…
لفظ كما لشارح المنهاج
يعني: أن شارح المنهاج وهو تاج الدين السبكي قال في جمع الجوامع: وليس لكل معنى لفظ بل لكل معنى محتاج إلى اللفظ يعني أن المعنى المحتاج إلى اللفظ احتياجًا قويًا يكون له لفظ مفرد خاص به.
قال المحلي: فإن أنواع الروائح مع كثرتها جدًا ليس لها ألفاظ لعدم انضباطها ويدل عليها التقييد كرائحة المسك فليست محتاج إلى ألفاظ وكذلك أنواع الألم. وعبارة المحصول لا يجب أن يكون لكل معنى لفظ بل لا يجوز، واقتصر في الحاصل على نفي الوجوب وفي المنتخب على نفي الجواز وعبارة السبكي تحتملهما.
قوله لعدم انضباطها، أي فإنها منتشرة جدًا لا تدخل تحت ضابط فلا تتعقل للبشر عادة دفعة فيستحيل منهم الوضع لمصلحة تخاطب التعقل وإما على القول بأن اللغة توقيفية فالوضع لمصلحة تخاطب البشر ولا تخاطب فيما لا يعقلون فلا وضع لانتفاء المصلحة قاله المحشي. ولم يبينوا المعاني المحتاجة من غيرها لتعذر ذلك أو تعسره وقيدنا الاحتياج بالقوة لأنه كما في الآيات البينات ما من معنى إلا وهو محتاج في الجملة.
واللغة الرب لها قد وضعا
…
وعزوها للاصطلاح سمعا
اللغة مبتدأ والجملة بعده خبره وعزوها مبتدأ خبره سمع بالبناء للمفعول يعين أن اللغة عربية كانت أو غيرها واضعها هو الله تعالى علمها عباده بالوحي إلى بعض الأنبياء وهو آدم عليه السلام أو خلق الأصوات في بعض الأجسام بأن تدل من يسمعها من بعض العباد عليها، أو خلق العلم الضروري في بعض الأجسام بها قال المحلي والظاهر من هذه الاحتمالات أولها لأنه المعتاد في تعليم الله تعالى، وكونها من وضعه تعالى هو مذهب الجمهور مستدلين بقوله تعالى:((وعلم آدم الأسماء كلها)) أي الألفاظ والمراد بالأصوات جميع الألفاظ الموضوعة للمعاني وسواء كان البعض السماع لها واحدًا أو جماعة بحيث يحصل له أولهم العلم بأنها لتلك المعاني وسواء كان خلق العلم الضروري باللغات لواحد أو لجماعة بأن يعلم أو يعلموا أن الله قد وضعها لتلك المعاني المخصوصة.
وقال أكثر المعتزلة وبعض أهل السنة أن اللغات اصطلاحية أي وضعها البشر واحدًا كان أو أكثر مستدلين بقوله تعالى ((وما أرسلنا
من رسول إلا بلسان قومه)) فهي سابقة على البعثة ولو كانت توقيفية والتعليم بالوحي كما هو الظاهر لتأخرت عنها وأجيب بأنه لا يلزم من تقدم اللغة على البعثة أن تكون اصطلاحية لجواز أن تكون توقيفية ويتوسط تعليمها بالوحي بين النبوءة والرسالة.
فبالإشارة وبالتعين
…
كالطفل فهم ذي الخفا والتبين
فهم مبتدأ خبره بالإشارة المعطوف عليه بالتعين وكالطفل اعتراض بين المبتدأ والخبر يعني أن فهم الخفي من اللغة والواضح بناء على أنها اصطلاحية يكون بالإشارة وبالتعين بالقرينة كأن تقول هات الكتاب من البيت ولم يكن فيه غيره فيعلم أن لفظ الكتاب وضع له ومثال الإشارة أن تقول هات ذلك الكتاب وتشير إليه بيدك مثلًا قوله كالطفل أي كما يفهم الطفل لغة أبويه بالإشارة والقرينة.
يبني عليه القلب والطلاق
…
بكا سقني الشراب والعتاق
يعني: أن الخلاف في اللغات هل هي توقيفية أو إصلاحية من فوائده جواز قلب اللغة كتسمية الثوب فرسا، قال المازري ما لم يتعير به حكم شرعي كلفظ تكبيرة الإحرام وألفاظ التشهد فيمنع اتفاقًا فإن قلنا توقيفية امتنع تسمية الثوب فرسا والإجاز وينبني عليه أيضًا لزوم الطلاق أيضًا لمن قصده باسقني الماء ونحوه من كل كناية خفية وكذا لزوم العتق لمن قصده بكل كناية خفية فمن قال بالأول لم يلزم شيء من ذلك عنده ومن قال بالثاني لزم والصحيح من مذهب مالك لزومهما لأن الألفاظ إنما وضعت أدلة على ما في النفس وهي اصطلاحية ولا يلزم من الاصطلاح الجريان على اصطلاح مخصوص ما لم يثبت من الشرع تعبد في ذلك خلافًا للأبياري القائل لا فائدة تتعلق بالخلاف لأن الله تعالى أمرنا بتنزيل الأحكام على ما يفهم من اللغة العربية ما لم يثبت للشرع تصرف في بعضها سواء كانت توقيفية أم لا، وقال قوم الخلاف فيها طويل الذيل قليل النيل وإنما ذكرت في الأصول لأنها تجري مجرى الرياضات التي يرقى من النظر فيها، وقال الماوردي من فائدة الخلاف إنه من قال بالتوقيف جعل التكليف مقارنًا لكمال العقل ومن
قال بالاصطلاح أخر التكليف عن العقل مدة معرفة الاصطلاح، قال في الآيات البينات ولعل هذا بالنسبة لأول طبقة من المكلفين.
هل تثبت اللغة بالقياس
…
والثالث الفرق لدى أناس
يعني أنهم اختلفوا هل تثبت اللغة بالقياس وبه قال جمع من المالكية والشافعية أو لا تثبت به؟ وبه قال جمع من المالكية والشافعية أيضًا وعزى للحنفية وهو الراجح عند ابن الحاجب وغيره لأن اللغة نقل محض فلا يدخلها قياس والمجيزون منهم من أجازه من جهة اللغة ومنهم من أجازه من جهة الشرع والمحكي عن القاضي من المنع هو الموجود في تقريبه فنقل ابن الحاجب عنه الجواز مردود ولا فرق على القولين بين الحقيقة والمجاز.
وثالث الأقوال إثبات الحقيقة دون المجاز لأنه اخفض رتبة منها قال في الآيات البينات: لو ذهب ذاهب إلى عكس ذلك كان مذهبًا أخذا من التعليل المذكور لأنه لما كان اخفض رتبة منها جازان يتوسع فيه بالقياس ما لا يتوسع فيها. فإذا استعملت العرب لفظًا في شيء غير موضوعه مجازًا فكذا استعماله في شيء آخر غير موضوعه مجازًا فلابد من علاقة وهي اتصال أمر بأمر في معنى إذ لا يصار إلى التجوز بدونها، فإن اعتبرت بين الشيء الثالث الذي تجوز باستعمال اللفظ فيه وبين الموضوع له وتحققت بينهما فهذا ليس من القياس في شيء لأن العرب أذنت فيه ابتداء كالأسد إذا استعمل في الرجل الشجاع وأن اعتبرت العلاقة بين ذلك الثالث الذي تجوز بالاستعمال فيه والثاني الذي تجوزت العرب بالاستعمال فيه، وتحققت بينهما دون الموضوع. له توجه القياس لكن لم يوجد شرطه وهو وجود علة الأصل في الفرع فلهذا منع ولعل المجيز جعل مشابه المشابه مشابهًا.
محله عندهم المشتق
…
وما عداه جاء فيه الوفق
يعني أن محل الخلاف في إثبات اللغة إنما هو المشتق المشتمل على وصف كانت التسمية لأجله ووجد ذلك الوصف في معنى آخر كالخمر لمخمر العقل أي مغطيه من ماء العنب وأما الأعلام فلا يجوز فيها القياس اتفاقًا لأنها غير معقولة المعنى، إليه الإشارة بقوله وما عداه.
قال زكرياء فإن قلت ما الفرق بين هذا وما مر من أن الموضوعات اللغوية تعرف باستنباط العقل من النقل؟ قلت الغرض هنا استنباط اسم لآخر بقياس أصولي مختلف فيه وثم استنباط وصف لاسم بقياس منطقي متفق عليه ولا يلزم من جواز الإثبات به جوازه بالأول وبتقدير تسليم تساويهما لا يلزم من إثبات الوصف جواز إثبات الاسم لكونه أصلًا والوصف فرعًا.
وفرعه المبني خلف الكلف
…
فيما لجامع يقيسه السلف
يعني أن فائدة الخلاف في إثبات اللغة بالقياس هي خفة الكلفه أي المشقة في كل ما يقيسه السلف أي المجتهدون لجامع فمن قال به أكتفى بوجود الوصف في المقيس ويثبت حكمه بالنص وهو أقوى من القياس فيجعل النبيذ ونحوه مندرجًا تحت عموم الخمر في آية ((إنما الخمر)) فثبت تحريمه بها فيستغنى بذلك عن الاستدلال بالسنة أو بالقياس الشرعي المتوقف على وجود شروط وانتفاء موانع، ومن منع القياس اللغوي احتاج إلى الاستدلال بقياس النبيذ على الخمر بشروط القياس، وكذا الكلام في تسمية اللائط زانيًا لإيلاج المحرم والنباش سارقًا للأخذ خفية.
تنبيه: قال البخاري في صحيحة: إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل. تسميته لغير ما اشتد من ماء العنب خمرًا بناء على إثبات اللغة بالقياس وإلا فالخمر لغة ما اشتد من ماء العنب فقط والمراد باشتداده القوة المطربة.