الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الاشتقاق
وهو لغة الاقتطاع وقد استشكل بعضهم الفرق بين الاشتقاق الاصطلاحي والعدل المعتبر في منع الصرف قال في الآيات البينات: فالأولى أن يقال العدل أخذ صيغة أخرى مع أن الأصل البقاء عليها والاشتقاق أعم من ذلك فالعدل قسم منه. والمراد بالاشتقاق عند الإطلاق الاشتقاق الصغير وهو المعقود له الفصل وأما الكبير والأكبر فإنما ذكرا استطرادا.
والاشتقاق ردك اللفظ إلى
…
لفظ وأطلق في الذي تأصلا
يعني أن الاشتقاق هو أن ترد لفظًا إلى لفظ آخر بأن تحكم بأن الأول مأخوذ من الثاني أي فرع عنه قاله المحلي واعترضه اللقاني بما يعلم عدم صحته من طالع الآيات البينات، قوله: وأطلق في الذي تأصلا يعني: المشتق منه أي سواء كان اللفظ المردود إليه حقيقة أو مجازًا كما في الناطق من النطق بمعنى التكلم حقيقة وبمعنى الدلالة مجازًا كما في قولك الحال ناطقة بكذا أي دالة عليه وقد لا يشتق من المجاز كما في الأمر بمعنى الفعل مجازا لا يقال منه آمر ولا مأمور مثلًا بخلافه بمعنى القول حقيقة.
وفي المعاني والأصول اشترطا
…
تناسبا بينهما منضبطا
يعني أنه يشترط في تحقيق ماهية الاشتقاق أن يتناسب اللفظ المردود والمردود إليه في المعنى والحروف الأصلية تناسبا منضبطا عند أهل الفن أي معروفا، فالتناسب في المعنى أن يكون المردود إليه في المردود وفي الحروف الأصلية أن تكون فيهما على ترتيب واحد كما في
الضارب من الضرب، فخرج بالمتناسب في المعنى نحو ملح ولحم وحلم مع أنه أيضًا يخرج بقيد المناسبة في الترتيب ونحو مقتل وقتل مصدرين لاتحادهما معنى فليس معنى أحدهما في الآخر، وبالحروف خرج المترادفان وخرج بالأصلية المزيدة فلا يحتاج للاتفاق فيها ولا يشترط في الأصلية أن تكون موجودة إذ قد يحذف بعضها لعارض كخف أمر من الخوف.
لابد في المشتق من تغيير
…
محقق أو كان ذا تقدير
يعني أنه لابد في تحقق الاشتقاق من تخالف بين لفظ المشتق والمشتق منه تحقيقًا كضرب من الضرب أو تقديرًا كطلب من الطلب فتقدر فتحة اللام في الفعل غيرها في المصدر.
وإن يكن لمفهم فقد عهد
…
مطردا وغيره لا يطرد
قال زكرياء: المشتق أن اعتبر في مسماه معنى المشتق منه على أن يكون داخلًا فيه بحيث يكون المشتق اسمًا لذات مبهمة انتسب إليها ذلك المعنى فهو مطرد لغة كضارب ومضروب وإن اعتبر فيه ذلك لا على أنه داخل فيه بل على أنه مصحح للتسمية مرجح لتعيين الاسم من بين الأسماء بحيث يكون ذلك الاسم اسمًا لذات مخصوصة يوجد فيها ذلك المعنى كالقارورة لا تطلق على غير الزجاجة المخصوصة فما هو مقر للمائع، وكالدبر إن لا يطلق على شيء فما فيه دبور غير الكواكب الخمسة التي في الثور وهي منزلة من منازل القمر فليس بمطرد. وكذلك إلا بلق للفرس المجتمع فيه البياض والسواد دون غيره من الحيوانات المجتمع فيها ما ذكر ما لم يمنع مانع من الاطراد، كالفاضل لا يطلق على الله تعالى مع إثبات الفضل له بناء على أن أسماءه توقيفية:
والجبذ والجذب كثير ويرى
…
للأكبر الثلم وثلبا من درى
يعني: أن ما تقدم تعريف الاشتقاق الصغير المراد عند الإطلاق وهو رد لفظ لآخر ولو مجازًا لمناسبة بينهما في المعنى والحروف الأصلية ولابد من تغيير.
وذكر في هذا البيت الكبير والأكبر ويقال أيضًا أصغر وصغير فالاشتقاق الكبير ما اجتمعت فيه الأصول دون الترتيب مع مناسبة معنوية بينهما كالجبذ والجذب والاشتقاق الأكبر كالثلم والثلب ونحوهما مما فيه المناسبة في بعض الحروف الأصلية فقط ومنه قول الفقهاء الضمان مشتق من الضم لأنه ضم ما في الذمة إلى ذمة أخرى فلا يعترض بأنهما مختلفان في بعض الأصول.
قال أبو حيان لم يقل بالاشتقاق الأكبر من النحاة إلا أبو الفتح وكان ابن البادش يأنس به.
وأعلم أن المناسبة في الصغير بمعنى الموافقة، وفي الأخيرين أعم من الموافقة، وقد مثل العضد للكبير بنحو كنى وناك وليس في المشتق معنى المشتق منه بل بينهما تناسب في المعنى لأنهما يرجعان إلى الستر لأن في الكناية سترا للمعنى بالنسبة إلى الصريح والمعنى الآخر فيه ستر للآلة بتغيبها في الفرج. والجبذ مبتدأ عطف عليه الجذب والخبر كبير ويرى فاعله من في قوله من درى:
والأعجمي فيه الاشتقاق
…
كجبرئيل قاله الحذاق
يعني: أن الأسماء العجمية قد تكون مشتقة قاله الأصفهاني في شرح المحصول والدليل ما روى (أنه صلى الله عليه وسلم سأل جبريل لم سميت جبريل؟ فقال: لأني آت بالجبروت)، وميكائيل سمي به لأنه يكيل الأرزاق، وإسرافيل سمي به لعظم خلقه، وما لا مصدر له من الأفعال ولا يتصرف كعسى وليس فهو مشتق فالمراد رد لفظ إلى آخر موجود أو مقدر الوجود فوصفها بالجمود لا ينافي الاشتقاق لأن جمودها بمعنى عدم التصرف قال في الآيات البينات لأنه رأى في كلامهم ما يدل على أنه لا يشترط وجود المصدر والاستعمال فتكون الأفعال المذكورة مشتقة:
كذا اشتقاق الجمع مما أفردا
…
ونفى شرط مصدر قد عهدا
يعني: كما وقع الاشتقاق في الأسماء العجمية وقع أيضًا اشتقاق الجمع والتثنية من المفرد فرجلان ورجال مشتقان من رجل قاله الصفي
والهندي ولهذا قال الأصفهاني في شرح المحصول والمراد بالرد جعل أحدهما فرعا والآخر أصلًا والفرع مردود إلى الأصل. قوله ونمى شرط نفي مبتدأ مضاف لشرط وذلك مضاف لمصدر. وعهد بالتركيب خبر يعني: أنه عرف عندهم أنه لا يشترط في الاشتقاق وجود مصدر ولا استعمال، فالجمود لا ينافي الاشتقاق كما تقدم في شرح البيت الذي قبل هذا.
وعند فقد الوصف لا يشتق
…
وأعوز المعتزلي الحق
يعني أن لا يجوز الاشتقاق عند عدم قيام الوصف بالمشتق فلا يقال ضارب لمن لم يقم به الضرب أصلًا بخلاف الأعيان فلا يجب في الاشتقاق منها قيام المشتق منه بالذات كما في لابن وتامر وحداد والمكي والمدني مثلًا لأنها كما قال الرازي مشتقة من أمور يمتنع قيامها بالمشتق وتبعه على ذلك شراح كتابه المحصول كالأصفهاني والقرافي.
قوله وأعوذ الخ .. يقال: كما في القاموس أعوزه الشيء احتاج إليه يعني أن المعتزلة خالفوا منهج الصواب المحتاج إلى اتباعه حتى جرى بهم الخلاف إلى الخلاف في كفرهم حيث نفوا عن الله تعالى صفاته الذاتية كالعلم وسائر صفات المعاني ووافقوا على إثبات المعنوية فقالوا عالم مثلًا بذاته لا بصفة زائدة عليها فلزم من ذلك صدق المشتق على من لم يقم به معنى المشتق منه لكن لازم المذهب فيه خلاف هل يعد مذهبًا أم لا؟
وحيثما ذو الاسم قام قد وجب
يعني: أنه يجب في اللغة الاشتقاق من كل معنى له اسم إذا قام ذلك المعنى بالمشتق كاشتقاق العالم من العلم لمن قام به معناه وإن قام به معنى ليس له اسم كأنواع الروائح فإنها لم يوضع لها اسم استغناء بالتقييد كرائحة كذا امتنع الاشتقاق.
وفرعه إلى الحقيقة انتسب
لدى بقاء الأصل في المحل
…
بحسب الإمكان عند الجل
ثالثها الإجماع حيثما طرا
…
على المحل ما مناقضا يرى
ذهب الجمهور إلى أن الفرع أي المشتق يشترط في كونه حقيقة بقاء الأصل الذي هو المشتق منه في المحل إن أمكن بقاء ذلك المعنى كالقيام وإن كان يقتضى شيئًا فشيئًا كالمصادر السيالة نحو التكلم فالمشترط بقاء آخر جزء منه. وذهب ابن سينا وبعض المعتزلة إلى عدم اشتراط بقاء المشتق منه وإنه يصدق على من ضرب أمس ضارب حقيقة. والقول الثالث قال صاحبه: اجمع المسلمون وأهل اللسان على لأنه لا يجوز تسمية المحل بالمعنى بعد مفارقته حيث طرأ على المحل وصف وجودي يناقض الوصف الأول، كتسمية القاعد قائمًا لما سبق له من القيام وأنه يجوز مجازًا من إطلاق اسم أحد الضدين وإرادة الآخر فإن كان الاشتقاق باعتبار قيامه في الاستقبال فمجاز إجماعًا نحو ((إني أراني أعصر خمرا)) أي عنبًا يؤول إلى الخمر.
عليه يبني من رمى المطلقة
…
فبعضهم نفى وبعض حققه
يعني: أنه ينبني على الخلاف المذكور مسألة ذكرها أهل المذهب وهي: من رمى زوجته المطلقة طلاقًا بائنًا بالزنا هلا يلاعن؟ فبعض أهل المذهب نفى اللعان بينهما لأنها ليست بزوجة، وبعضهم حقق اللعان بينهما أي أوجبه. ولابن المواز تفصيل راجع إلى القول الثالث وهو إن تزوجت غيره لم يلاعن وإلا لاعن فكأنه رأى زواجها الثاني مانعًا من صدق كونها زوجة للأول.
فما كسارق لدى المؤسس
…
حقيقة في حالة التلبس
المؤسس بكسر السين المشددة صاحب الأصول والمراد به هنا السبكيان تاج الدين ووالده تقي الدين، يعني فبسبب ما ذكر من اشتراط بقاء المشتق منه في المحل في كون المشتق حقيقة كان اسم
الفاعل كسارق واسم المفعول كمضروب وحقيقة في حال التلبس بالمعنى أو جزئه الأخير لا حالة النطق به سواء كان مسندًا أم لا لأن معنى اسم الفاعل واسم المفعول ذات متصفة بمعنى المشتق منه من غير اعتبار زمان حدوث فهو حقيقة فمن قام به الوصف في الماضي أو الحال هذا الوصف الآن أو في الماضي أو المستقبل.
وقد يقصد بهما دون الصفة المشبهة بمعونة القرائن الحدوث فالاسم وضع للثبوت وهو تحقق المحمول للموضوع ومن غير تعرض لحدوث ولا دوام وإنما يقصد به الدوام لأعراض تتعلق به كالمبالغة في المدح والذم كما اقتضاه كلام عبد القاهر والسكاكي هذا معناه عند السبكي ووالده وعلى الإطلاق بهذا المعنى تحمل الأوصاف في نصوص الكتاب والسنة نحو ((قاتلوا المشتركين)) ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)) ((والزانية والزاني فاجلدوا)) الآية معناه الحقيقي كما في الآيات البينات تعلق وجوب الجلد بكل ذات ثبت لها الزنا باعتبار حال ثبوته لها تأخر ثبوته لها عن حال النطق أي زمان النزول أو تقدم لأن الزمان غير معتبر في معنى ذلك اللفظ فيجب حده إذا اتصف به بمقتضى هذا الكلام وإن قصد به الحدوث كان قيل: الزاني، وأريد به الذي حدث زناه في الزمن الحاضر مثلًا يجب حده لم يتناول اللفظمن لم يحدث زناه في ذلك الزمان ولو باعتبار اتصافه بالزنا في غيره على سبيل الحقيقة وعلى أنه حقيقة في حال التلبس فلم لم يقتل صلى الله عليه وسلم من أشرك قبل النزول ولا حد من سرق أو زنى قبله لأنه إما أن يكون مشركًا قبل النزول فالإسلام يجب ما قبله؟ وإن كان مسلمًا فلأنه لم يحرم عليه إذ ذاك؟ بخلاف ما إذا قامت البينة عند الحاكم بأن زيدًا سارق في الزمان الماضي فإنه تقطع يده ولو عند القائل بأن مجاز في الماضي.
فالحاصل أن اسم الفاعل والمفعول لهما استعمالان أحدهما وهو الأكثر ما عليه أهل المعاني من أنه ذات متصفة بالمشتق منه من غير اعتبار زمان ولا حدوث فهو حقيقة فيمن قام به الوصف في الماضي أو الحال أو الاستقبال. والثاني: وهو الأقل ما قاله أهل النحو من أنه يقصد به الحدوث فإذا قيل يحد الزاني دخل فيه حقيقة على الاستعمال الأول
كل من اتصف به في أي زمان كان. وعلى الثاني: أعني استعماله في الحدث الحاضر كان الحال فيه حال النطق فن لم يتصف به فيه فهو غير داخل فيه حقيقة بل مجازًا باعتبار اتصافه السابق أو اللاحق فمعنى بقاء المشتق منه في المحل بقاؤه هو أو آخر جزء منه في الحال الذي يكون الإطلاق باعتباره فعد بهذا تسلم كما أولوا النهي سلموا من الاعتراض على السبكي ظنًا أن الحال المعتبر بقاؤها منحصرة في حال النطق ومطلق الحال قال في الآيات البينات: وليس الأمر كذلك إذ بقى قسم آخر وهو الحال الذي يكون الإطلاق باعتباره وبالنظر إليه وهذا حال مخصوص لا يجب أن يكون حال النطق ولا هو مطلق الحال لشمول مطلق الحال للحال الذي لا يكون حال النطق ولا يكون الإطلاق باعتباره. والمراد التلبس العرفي فالمتكلم والمخبر حقيقة فمن يكون مباشرًا لهما مباشرة عرفية حتى لو انقطع كلامه بنفس أو سعال قليل لم يخرج عن كونه متكلمًا حقيقة وعلى هذا القياس أفعال الحال.
أو حالة النطق بما جا مسندا
…
وغيره العموم فيه قد بدا
حالة بالجر عطف على حالة قبله وأو لتنويع الخلاف يعني أن القرافي قال في بيان معنى الحال في المشتق أن يكون التلبس بالمعنى حال النطق به إذا كان المشتق من اسم فاعل أو اسم مفعول مسندًا نحو زيد ضارب إذ هو للحدث الحاصل بالفعل، ويلزمه حضور الزمان فإن استعمل في الحدث الذي سيقع فهو مجاز وكذا في الماضي على الأصح أما إذا كان محكومًا عليه نحو ((الزانية والزاني فاجلدوا)) و ((السارق والسارقة فاقطعوا)) ((فاقتلوا المشركين)) فحقيقة في الماضي والحال والاستقبال واختلف المحققون بعده فمنهم من سلم له التخصيص ومنهم من منع وأبقى المسألة على عمومها.
والمراد بالغير في قوله وغيره المحكوم عليه يعني أن المحكوم عليه عند القرافي للتلبس بالمعنى في أي وقت ماضيًا كان أو حاضرًا أو مستقبلًا.