المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأمر والمراد به في هذه الترجمة أعم من النفسي واللفظي. هو اقتضاء - نشر البنود على مراقي السعود - جـ ١

[الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم]

الفصل: ‌ ‌الأمر والمراد به في هذه الترجمة أعم من النفسي واللفظي. هو اقتضاء

‌الأمر

والمراد به في هذه الترجمة أعم من النفسي واللفظي.

هو اقتضاء فعل غير كف

دل عليه لا بنحو كفى

يعني: أن الأمر النفسي هو اقتضاء أي طلب تحصيل فعل غير كف مدلول عليه بغير كف ودع وذر وخل وخل واترك. قوله مدلول عليه أي على الكف فتناول الاقتضاء ما ليس بكف نحو قم وما هو كف مدلول عليه بكف ونحوه بخلاف المدلول عليه بنحو لا تفعل فليس بأمر ويحد النفسي أيضا بالقول المقتضى لفعل غير كف مدلول عليه بغير كف والمراد بالقول القول النفسي ولا فرق في الاقتضاء بين الجازم وغيره وإن كان الأمر حقيقة في الجازم فقط على الصحيح لكن المراد بالأمر صيغة افعل وأما لفظ الأمر فحقيقة في الجازم وغيره كما حققه بعضهم والمراد بالفعل في قوله اقتضاء فعل الأمر والشان فيشمل فعل اللسان كالقول، والقلب كالقصد والجوارح كالضرب وأورد على الحد أنه غير مانع لأنه يشمل الطلب بالاستفهام لأنه طلب فعل غير كف مع أنه لا يسمى أمرا، بيانه أن المطلوب بالاستفهام تفيهم المخاطب وهو فعل قلت المراد ما يكون الدال عليه صيغة افعل والاستفهام ليس كذلك وأورد عليه أيضا أنه يلزم عليه عدم التمايز بين الأمر الذي هو طلب فعل هو كف والنهي الذي هو طلب ذلك الكف كما في كف عن ضرب زيد ولا تضرب زيدا إذ المميز بينهما كون الأول مدلولا لنحو كف، والثاني مدلولا لنحو لا تفعل ولا دلالة في الأزل لحدوث العبارة التي هي الدال ومع لازم الأقسام تمايزها فكيف تكون موجودة في الأزل حقيقة مع أن الخطاب ينقسم في الأزل إلى أمر ونهي وغيرهما حقيقة قال في الآيات البينات: ويمكن أن يجاب عن هذا بأن عدم التمايز باعتبار الدال لا

ص: 147

يستلزم عدم تمايزها مطلقًا لجواز أن تتمايز بأمر آخر. قوله دل بالبناء للمفعول وكف الأول مصدر والثاني أمر الواحدة.

هذا الذي حد به النفسي

وما عليه دل قل لفظي

حد مبني للمفعول والنفسي نائب عن الفاعل ودل بالبناء للفاعل يعني أن ما ذكر من قوله اقتضاء الفعل هو الأمر النفسي واللفظ الدال على ذلك الأمر النفسي هو الأمر اللفظي فهو لفظ دال على اقتضاء فعل .. الخ.

وليس عند جل الاذكياء

شرط علو فيه واستعلاء

ضمير للأمر يعني: لا يشترط في حده نفسيًا كان أو لفظيًا وجود علو ولا استعلاء بل يصح من المساوي وإلا دون على غير وجه الاستعلاء ومعنى العلو كون الطالب أعلى مرتبة من المطلوب منه الاستعلاء كون الطلب بغلظة وقهر قال القرافي وغيره: فالاستعلاء هيئة في الأمر بسكون الميم من الترفع وإظهار القهر والعلو راجع إلى هيئة الآمر بكسر الميم. من شرفه وعلو منزلته هذا مذهب جل الحذاق. والنهي مثل فيما فيه من الخلاف في اشتراط العلو والاستعلاء والصحيح فيه من ذلك الصحيح في الأمر وهو عدم اشتراطهما معًا.

وخالف الباجي بشرط التالي

وشرط ذاك رأي ذي اعتزال

واعتبرا معًا على توهينِ

لدى القشيري وذي التلقينِ

اعتبر مبني للمفعول يعني أن الباجي خالف الجمهور في اشتراطه في حد الأمر الاستعلاء. واشتراط العلو فيه فقط هو مذهب المعتزلة فإن كان من المساوي سمي التماسًا ومن الأدون سمي دعاء وسؤالاً واعتبرهما معًا القشيري وصاحب التلقين في فروع مذهب مالك وهو القاضي عبد الوهاب مع أن قولهما مضعف كما أشار له بقوله «على توهين» أي مع تضعيف لقولهما وإطلاق الأمر دون ما اعتبر منهما أو من أحدهما فقط مجاز، فالحاصل أربعة مذاهب في اعتبار العلو والاستعلاء أصحها أنه لا يعتبر واحد منهما.

ص: 148

والأمر في الفعل مجاز واعتمى

تشريك ذين فيه بعض العلما

اعتمى بمعنى اختار وبعض فاعله ومفعوله تشريك يعني أن الأمر إذا استعمل في الفعل كان مجازا نحو ((وشاورهم في الأمر)) أي الفعل الذي تعزم عليه لتبادر القول دون الفعل من لفظ الأمر إلى الذهن والتبادر من علامات الحقيقة واختار بعض الفقهاء تشريك الاقتضاء المعرف بما ذكر والفعل في الأمر فيطلق عليهما حقيقة.

وافعل لدى الأكثر للوجوب

وقيل للندب أو المطلوب

وقيل للوجوب أمر الرب

وأمر من أرسله للندب.

أما الأمر الذي مادته همزة وميم وراء فحقيقة في الطلب جازما كان أم لا كما تقدم وأما صيغة فعل الأمر وهو المراد بقوله افعل فمذهب الأكثر من المالكية وغيرهم أنه حقيقة في الوجوب فيحمل عليه حتى يصرف عنه صارف. وقيل في الندب لأنه المتيقن وقيل حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو مطلب الطلب وبه قال الماتريدي. وقيل: أمر الله تعالى حقيقة في الوجوب، وأمر من أرسله الله تعالى حقيقة في الندب إذا كان مبتدءا من جهته بخلاف الموافق لأمر الله تعالى في القرآن أو المبين لمجمل القرءان فهو حقيقة في الوجوب أيضا والمبتدأ منه ما كان باجتهاده وإن كان بمنزلة الوحي إذ لا يقع منه خطأ أن لا يقر عليه قاله في الآيات البينات ومقتضاه أن الوحي الذي ليس من القرءان من القسم الأول لأنه ليس باجتهاده ومقتضى قولهم الموافق لأمر الله أو المبين له أنه من القسم الثاني وهذا القول الرابع حكاه القاضي عبد الوهاب عن الأبهري وذكر المازري رواية عنه بالندب مطلقا.

تنبيه، قال الفهري: اتفقوا على أن صيغة افعل ليست حقيقة في كل ما وردت فيه من تهديد تسخير وغير ذلك من ستة وعشرين معنى ترد لها.

فائدة: حجة من قال أن فعل الأمر حقيقة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل

ص: 149

صلاة) ولفظ لولا يفيد انتفاء الأمر لوجود المشقة، والندب في السواك ثابت فدل على أن الأمر لا يصدق على الندب بل على ما فيه مشقة وهو الوجوب وقوله تعالى ((ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك)) ذمه على ترك السجود المأمور به في قوله اسجدوا لآدم قال القرافي: والذم لا يكون إلا في ترك واجب أو فعل محرم وحجة الندب أن الأمر تارة يرد للوجوب كما في الصلوات الخمس وتارة للندب كما في صلاة الضحى والاشتراك والمجاز خلاف الأصل فجعل حقيقة في رجحان الفعل وجواز الترك لأنه الأصل من جهة إبراء الذمة وهذا بعينه هو حجة من قال: أن الأمر للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو مطلب الطلب قاله في شرح التنقيح.

ومفهم الوجوب يدري الشرع

أو الحجا أو المفيد الوضع

يدري بالبناء للمفعول والشرع نائبه ومفهم مفعول ثان والحجا معطوف على الشرع وجملة المفيد الوضع معطوفة على الجملة قبلها يعني أنهم اختلفوا في الذي يفهم منه دلالة الأمر على الوجوب هل هو الشرع أو العقل أو الوضع أي اللغة أقوال:

حجة الأول قوله تعالى لإبليس ((ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك)) الآية. وقوله ((أفعصيت أمري)) ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وأيضا المنقول عن الصحابة والأئمة المتقدمين التمسك بمطلق الأمر في إثبات الوجوب إلا بصارف عنه فترتب العقاب على الترك إنما يستفاد من أمر الشارع وأمر من أوجب طاعته وحجة من قال إنه العقل هي إن ما تفيده اللغة من الطلب يتعين أن يكون للوجوب لأن حمله على الندب يصير المعنى أفعل إن شئت وهذا القيد ليس مذكورا وقوبل بمثله في الحمل على الوجوب فإنه يصير المعنى افعل من تجويز ترك والقائل إنه اللغة يقول إن أهل اللغة يحكمون باستحقاق عبد مخالف أمر سيده مثلا بها للعقاب وأجيب بأن حكم أهل اللغة المذكور مأخوذ من الشرع لإيجابه على العبد مثلا طاعة سيده.

وكونه للفور أصل المذهب

وهو لدى القيد بتأخير أبي

ص: 150

يعني أن كون أفعل للفور هو أصل مذهب مالك رحمه الله تعالى دل على الوجوب أو الندب على الصحيح قال القاضي لكن بعد سماع الخطاب وفهمه أما اقتضاؤه الفور على القول بأنه يقتضي التكرار فحكى القاضي عبد الوهاب الاتفاق عليه كما سيأتي وعلى أنه لا يقتضي التكرار فالمروى عن مالك اقتضاؤه الفور، قال القاضي عبد الوهاب وهو الذي ينصره أصحابنا وأخذ لمالك من مسائل عديدة في مذهبه منها الأمر بتعجيل هدى الحج وإيجابه الفور في الوضوء بآيته ولا فرق في اقتضائه الفور بين أن يتعلق بفعل واحد أو بجملة أفعال وفاقا للحنفية في كونه للفور حجة من قال أنه للفور أنه الأحوط وقوله تعالى:((ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك)) فلولا الفور لكان من حجته أن يقول أمرتني وما أوجبت على الفور فلا عتب علي.

قوله: وهو أي الفور أبي أي منع دلالة فعل الأمر عليه إذا قيد بالتأخير نحو صم غدا فهذا محل وفاق وكذا لا خلاف إذا قيد بفور نحو قم الآن.

وهل لدى الترك وجوب البدل

بالنص أو ذاك بنفس الأول

يعني: أنه على القول بالفور وأن الفور لا يتصور إلا إذا تعلق بفعل واحد إذا تركه هل يجب عليه الإتيان ببدله بنفس الأمر الأول وعليه الأكثر أو لا يجب إلا بنص آخر غير نفس الأمر الأول والبدل هو العزم على أدائه في الوقت ليغارق المندوب فهو بدل من التقديم وقيل بدل من نفس الفعل وقيل ليس ببدل وإنما هو شرط في جواز التأخير تقديره وهل إذا ترك الفعل يكون وجوب البدل منه بنص آخر غير نفس الأمر أو ذلك أي وجوب البدل يكون بنفس الأمر الأول.

وقال بالتأخير أهل المغرب

وفي التبادر حصول الإرب

يعني أن أهل المغرب من المالكية قالوا إن فعل الأمر للتأخير وفاقا للشافعية واختلف هؤلاء القائلون بالتراخي أي التأخير هل يجوز التأخير إلى غير غاية على الإطلاق أو إلى غير غاية بشرط السلامة فإن مات قبل الفعل أثم وقيل لا يأثم إلا أن يظن فواته.

ص: 151

قوله وفي التبادر يعني: إنه على القول بالتراخي فمن بادر حصل له الإرب أي الامتثال بناء على أن التراخي غير واجب وقيل: ليس بممتثل بناء على أنه واجب وهل ذا القول بعدم الامتثال خلاف الإجماع أو الجمهور خلاف.

والأرجح القدر الذي يشترك

فيه وقيل أنه مشترك

يعني أن الأرجح في الموضوع له فعل الأمر أنه القدر المشترك فيه حذرا من الاشتراك والجاز والقدر المشترك هو طلب الماهية من غير تعرض لوقت من فور أو تراخ وقيل إنه مشترك بين الفور والتراخي فيدل على كل واحد منهما حقيقة.

وقيل للفور أو العزم وإن نقل بتكرار فوفق قد زكن

يعني: أنه قيل إنه لواحد من الفور أو العزم، قال حلولو فالعزم بدل من التقديم قال القاضي عبد الوهاب وقيل بدل من الفعل وقيل ليس هو بدلا وإنما هو شرط في جواز التأخير. قوله وإن نقل، يعني: إنه على القول بأن الأمر يقتضي التكرار فالاتفاق على كونه للفور معلوم عندهم كما تقدم (وزكن) مركب بمعنى علم وكونه للفور أو العزم قال به القاضي والباجي في وقت الصلاة الموسع.

وهل لمرة أو إطلاق جلا

أو التكرر اختلاف من خلا

جلا بالجيم فاعله ضمير الأمر يعني: إن مذهب أصحابنا أن فعل الأمر موضوع للدلالة على المدة الواحدة وقاله كثير من الحنفية ومن الشافعية لأن المرة هي المتيقن. وقال بعضهم: أنه لمطلق الماهية لا لتكرار ولا لمرة وعليه المحققون واختاره ابن الحاجب.

قال الفهري: وعندي الآتي بمرة ممتثل والمرة ضرورية إذ لا توجد الماهية بأقل منها فيحمل عليها من حيث أنها ضرورية لا من حيث أنها مدلولة قال المحشيان. حجة هذا القول أنه ورد للتكرار كما في الصلوات الخمس وللمرة كما في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصل

ص: 152

عدم المجاز والاشتراك فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو أصل الفعل قاله في شرح التنقيح ويحمل على التكرار على القولين بقرينة، وقال بعضهم أنه للتكرار واستقرأه ابن القصار من كلام مالك لكن مالكا خالفه أصحابه في ذلك قاله في التنقيح. حجة التكرار أنه لو لم يكن له لامتنع ورود النسخ عليه بعد الفعل قاله في شرح التنقيح وأيضا فإن التكرار هو الأغلب.

قوله أو التكرار بالجر عطفا على مرة وقوله اختلاف من خلا مبتدأ خبره محذوف أي فيه اختلاف من خلا أي مضى من الأصوليين.

أو التكرر إذا ما علقا

بشرط أو بصفة تحققا

التكرر مبتدأ خبره تحقيقا بالبناء للفاعل بمعنى حصلت حقيقته وعلق مبني للمفعول نائبه ضمير فعل الأمر يعني أن مالكا وجمهور أصحابه والشافعية قالوا أنه للتكرار أن علق بشرط أو بصفة خلافا للحنفية وبعض المالكية في أنه لا يفيد معهما التكرار أي يفيد التكرر حيثما تكرر المعلق به، نحو ((وإن كنتم جنبا فاطهروا)) ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)) و ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)) تتكرر الطهارة والقطع والجلد بتكرر الجنابة والسرقة والزنا ويحمل المعلق المذكور على المرة بقرينة كما في أمر الحج المعلق بالاستطاعة في قوله تعالى ((ولله على الناس حج البيت)) الآية وإن كان المراد بالأمر في هذا الباب صيغته لكن الآية في حكم الأمر لإفادتها ما يفيده ولا فرق على ظاهر كلام بعضهم بين كون الشرط والصفة علة كالأمثلة المذكورة أم لا وذكر ابن الحاجب وغيره أن محل الخلاف فيما كان غير علة. ثم التكرر عند القائل به وإن لم يعلق بشرط أو صفة حيث لا يبان لأمره يستوعب ما يمكن من زمان العمر لانتفاء مرجح بعضه على بعض.

واحترز بقوله ما يمكن عن أوقات ضروريات الإنسان من أكل وشرب ونوم ونحوها ومما ينبني على مسألة الخلاف في الأمر هل يفيد التكرار تعدد السبب مع اتحاد المسبب هل يتعدد السبب أو لا؟ كحكاية الأذان فمن يقول بالتكرر مطلقا أو إن علق بشرط أو صفة تعددت

ص: 153

عنده ومن لا فلا ولفظ الحديث فيه (إذا أسمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) لكن مسائل الفروع منها ما يتعدد فيه المسبب بتعدد سببه اتفاقا ومنها ما لا يتعدد اتفاقا ومنها في تعدده به خلاف، قال ميارة في التكميل:

أن يتعدد سبب والموجب

متحد كفى لهن موجب

كنا قض سهو ولوغ والفدا

حكاية حد تيمم بدا

وذا الكثير والتعدد ورد

بخلف أو وفق بنص معتمد

وقد نظمت ما تعدد اتفاقا أو على خلاف بقولي:

وما تعدد فوقف غرة

أو دية ومهر غصب الحرة

عقيقة ومهر من لم تعلم

والثلث من بعد الخروج فاعلم

والخلف في صاع المصرات وفي

كفارة الظهار من نسايفي

وهدى من نذر نحر ولده

غسل أنا الولغ يرى بعدده

حكاية المؤذنين وسجود

تلاوة وبعد تكفير يعود

قذف جماعة وثلث قبل أن

يخرج ثلثا قاله من قد فطن

كفارة اليمين بالله علا

لقصد تأسيس من الذي ائتلا

قوله غرة أودية يعني إذا تعدد الجنين تعدد الواجب من غرة أودية وكذا إذا نذر ثلث ماله فأخرج ثم نذره أيضا وكذا تعدد الكفارة عن اليوم الواحد بعد التفكير.

والأمر لا يستلزم القضاء

بل هو بالأمر الجديد جاء

لأنه في زمن معين

يجي لما عليه من نفع بنى

يعني: أن الأمر بالشيء موقتا لا يستلزم عند الجمهور القضاء له إذا لم يفعل في وقته لأن الأمر بفعل في وقت معين لا يكون إلا لمصلحة تختص بالوقت وإلى هذا التعليل أشار بقوله لأنه أي لأن الأمر بفعل زمن معين يكون لما بنى عليه من نفع للعباد أي مصلحة بل القضاء يكون بأمر جديد يدل على مساواة الزمن الثاني في المصلحة،

ص: 154

والأصل أي الظاهر، عدم المصلحة فضلًا عن المساواة، مثال الأمر الجديد حديث الصحيحين (من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها) وحديث مسلم (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها) وتقضي المتروكة عمدا قياسا على ما ذكر بالأولى قاله في الآيات البينات وخرج بالوقت المطلق وذو السبب إذ لا قضاء فيهما اتفاقا.

وخالف الرازي إذ المركب

لكل جزء حكمه ينسحب

يعني: أن أبا بكر الرازي من الحنفية وهو موافق لجمهورهم نظر إلى قاعدة أخرى وهي أن الأمر بالمركب أمر بأجزائه وإليه الإشارة بقوله إذ المركب .. الخ واللام في قوله لكل بمعنى على فالأمر بشيء مؤقت إذا لم يفعل في وقته يستلزم عند جمهور الحنفية القضاء لأنه لما تعذر أحد الجزئين وهو خصوص الوقت تعين الجزء الآخر وهو فعل المأمور به نحو صم يوم الخميس مقتضاه إلزام الصوم وكونه في يوم الخميس فإذا عجز عن الثاني لفوات بقى اقتضاء الصوم فهذه المسألة تجاذ بها أصلان أحدهما الأمر بالمركب أمر بأجزائه وإليه نظر الحنفية والثاني أن الأمر بفعل في وقت معين لا يكون إلا لمصلحة تختص بالوقت وإليه نظر الجمهور وهكذا كل مسألة تجاذ بها أصلان أو أصول يجرى فيها الخلاف بحسب الأصول قال في التكميل:

وإن يكن في الفرع تقريران

بالمنع والجواز فالقولان

وليس من أمر بالأمر أمر

لثالث إلا كما في ابن عمر

والأمر للصبيان ندبه نمى

لما رووه من حديث خثعم

اللام في قوله الثالث زائدة وخثعم كجعفر بن انمار أبو قبيلة من معد يعني أن من أمر شخصا ثالثا بشيء لا يسمى آمرا لذلك الثالث لمن وقع بينهما التخاطب فهو كمن أمر زيدا أن يصيح على الدابة فإنه لا يصدق عليه أنه أمر الدابة كقوله صلى الله عليه وسلم (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر) ليس أمر للصبيان وقوله تعالى ((وأمر أهلك بالصلاة)) إلا أن ينص الآمر على ذلك أو تقوم قرينة على أن الثاني مبلغ عن الأول فالثالث مأمور إجماعا كما في حديث الصحيحين (أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض فذكره عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها) والقرينة مجيء الحديث في رواية بلفظ

ص: 155

فأمره صلى الله عليه وسلم أن يراجعها مع لام الأمر في فليراجعها وقال بعض الحنفية أنه أمر لذلك الثالث وإلا فلا فائدة فيه لغير المخاطب ورد عليه زكرياء بأنه يلزم عليه أن القائل لغيره: مر عبدك بكذا متعد لكونه ءامرا للعبد بغير إذن سيده وإنه لو قال للعبد بعد ما ذكر لا تفعل يكون؟ ؟ ؟ ؟ ولم يقل بذلك أحد اهـ. ورد دليله وهو قوله وإلا فلا فائدة فيه؟ ؟ ؟ المخاطب بأنا لا نسلم انتفاء الفائدة لغير المخاطب إذ قد ينشأ المخاطب ولو في الجملة أمره لغيره وقد ينشأ عن أمره امتثال؟ ؟ ؟ وذلك كان في الفائدة قاله في الآيات البينات.

(فائدة) قال في شرح التنقيح علم من الشريعة أن كل من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر غيره فإنما هو على سبيل التبليغ ومتى كان على سبيل التبليغ صار الثالث مأمورا إجماعا. وعليه فالخلاف إنما هو في غير أمر الشارع لكن ما قاله متناقض مع قوله في حديث مروهم بالصلاة إنه ليس بأمر للصبيان ومع تمثيل المحلى للمسألة بقوله تعالى: ((وأمر أهلك بالصلاة)) ومع قول الزركشي وأبي زرعة أن الأمر بالأمر بالرجعة في حديث (مره فليراجعها) ليس أمرا بها فالصواب جريان الخلاف في أمر الشارع كغيره ما لم تكن قرينة والأمر بالرجعة عندنا واجب لظهور الأمر في الوجوب وعند الشافعية مندوب لأن الأمر بها لا يزيد على الأمر بابتداء النكاح وهو مندوب.

قوله والأمر للصبيان .. الخ، يعني أن أمر الصبيان بالمندوبات ليس منسوبا دليله لحديث (مروهم بالصلاة بناء على أن الآمر بالأمر بالشيء آمر به بل لما روى من حديث امرأة من خثعم (قالت يا رسول الله ألهذا حج قال نعم ولك أجر).

تعليق أمرنا بالاختيار

جوازه روى باستظهار

يعني: أن في تعليق الأمر باختيار المأمور خلافا نحو افعل كذا إن شئت لكن الجواز استظهر المحلى فالباء في قوله باستظهار للمعية قال والظاهر الجواز والتخيير قرينة على أن الطلب غير جازم وقد روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال (صلوا قبل المغرب

ص: 156

قال في الثانية لمن شاء) أي ركعتين كما في أبي داوود وقيل: لا لما بين طلب الفعل والتخيير فيه من التنافي.

وآمر بلفظه تعم هل

دخل قصدا أو عن القصد اعتزل

يعني أن الآمر بكسر الميم بلفظ يتناوله وغيره اختلفوا فيه هل يدخل في قصده لتناول الصيغة له وصحح ونسب للأكثرين أو لا يدخل في قصده لبعدان يريد الآمر نفسه وصحح ونسب للأكثرين أيضا كقول السيد لعبده أكرم من أحسن إليك وقد أحسن هو إليه وقد تقوم قرينة على عدم الدخول كقوله لعبده تصدق على من دخل داري وقد دخلها هو للقرينة فيه كما قال زكرياء إن التصدق تمليك وهو لا يتصور في المالك لما يتصدق به إذا المالك لا يملك نفسه وفعل عبده كفعله.

أنب إذا ما سر حكم قد جرى

بها كسد خلة للفقراء

يعني أنه يجوز للمأمور أن ينيب غيره فيما كلف به على الأصح إذا حصل بالنيابة سر الحكم أي مصلحته التي شرع لها سواء كان ماليا كسد خلة الفقراء في المال المخرج في الزكاة أو بدنيا كالحج إلا لمانع من الحكمة كما في الصلاة. وخالفت المعتزلة فقال لا يدخل البدني لأن الأمر به إنما هو لقهر النفس وكسرها بفعله والنيابة تنافي ذلك إلا لضرورة كما في الحج فنحن نشترط للجواز عدم المانع وهم يشترطون له الضرورة فإذا انتفى المانع جازت بدون ضرورة عندنا دون المعتزلة ورد على المعتزلة بأنها تنافيه لما فيها من بذل المؤنة أو تحمل المنة والمانع في الصلاة هو أن المقصود بها من الخضوع والإنابة لله لا يحصل بالنيابة قاله حلولوا قال في الآيات البينات: إن المحلى لم يبين المانع في الصلاة ولا يصح أن يكون منافاة النيابة للمقصود من كسر النفس لأن هذا هو حجة المعتزلة في البدني مطلقًا وقد صرح بردها نعم يمكن أن يجعل المانع كون المقصود الكسر والقهر على أكمل الوجوه كما دل عليه تصرف الشرع وذلك لا يحصل مع النيابة وإن حصل فيها مطلق الكسر. ومما لا يقبل النيابة اتفاقا النية ولا يرد على ذلك نية الوالي عن الصبي فإنها على خلاف الأصل قولنا يجوز للمأمور نعني به الجواز العقلي وعلى أنه جائز عقلا فهو واقع شرعا والمعتزلة تمنعه عقلا فضلا عن الوقوع.

ص: 157

والأمر ذو النفس بما تعينا

ووقته مضيق تضمنا

نهيا عن الموجود من اضداد

أو هو نفس النهى عن انداد

يعني أن الأمر النفسي بشيء معين وقته مضيق يتضمن أي يستلزم عقلا النهي عن الوجود من اضداده وإليه ذهب أكثر أصحاب مالك وصار إليه القاضي في آخر مصنفاته والمشهور عنه أنه عينه واحدا كان الضد كضد السكون أي التحرك أو أكثر كضد القيام أي القعود وغيره.

أما النقيض الذي هو ترك المأمور به فإنه عنه أو يتضمنه اتفاقًا فقوله قم يستلزم النهي عن ترك القيام بلا خلاف كذا قالوا إلا أن النهي عن الترك هو عدم الفعل ولا تكليف إلا بفعل ففي العبارة تجوز أو يقال ترك المأمور به هو الكف عنه وهذا ضد لا نقيض وجعلنا تقييد الضد بالموجود للاحتراز بناء على أن الضد لا يتقيد بالموجود وهو الذي في اللغة والمشهور في الاصطلاح أنه مقيد به قوله: أو هو نفس .. الخ أو لتنويع الخلاف والأنداد الأضداد يعني أن الأشعري والقاضي وجمهور المتكلمين وفحول النظار ذهبوا إلى أن الأمر النفسي بشيء معين ووقته ضيق هو نفس النهي عن ضده الواحد أو أضداده فالمعنى أن ما يصدق عليه أنه أمر نفسي هل يصدق عليه أنه نهى عن ضده أو مستلزم له سواء كان إيجابا أو ندبا فالنهي عن الضد في الواجب يكون على وجه التحريم وفي الندب على وجه الكراهية وبيان ذلك أن الطلب واحد هو بالنسبة إلى المأمور به أمر والي ضده نهى وقولنا بشيء معين احتراز عن المخير فيه من أشياء فليس الأمر به بالنظر إلى ما صدقه نهيا عن ضده منها ولا مستلزما له اتفاقا وبقوله ما صدقه أي فرده المعين احترز عن النظر إلى مفهومه وهو الأحد الدائر بين تلك الأشياء فإن الأمر حينئذ نهى عن الضد الذي هو ما عدا تلك الأشياء قاله في الآيات البينات مستصوبا له على ما لغيره واحترز بقوله ووقته مضيق عن الوسع فيه قال في شرح التنقيح ويشترط فيه أيضا أن يكون مضيقا لأن الموسع لا ينهى عن ضده. واستشكل القول الثاني بأن الطلب وأن اتحد في نفسه يلزم تغايره فيهما إذ يعتبر في الأمر تعلق بالفعل وفي النهي تعقله بالترك والطلب باعتبار تعلقه بالفعل غير الطلب باعتبار تعقله بالترك وإذا تباين ما يعتبر فيهما وجب تباينهما إذ مجموع

ص: 158

الطلب والتعلق بالترك يباين مجموع الطلب والتعلق بالفعل فكيف يصح الحكم بأن أحدهما هو الآخر ويجاب بأن كلا منهما عبارة عن مجموع الطلب والتعلق. وأما المتعلق الذي هو الفعل والترك فخارج عن حقيقتهما نظيره تفسيرهم العمى بعدم البصر مع ما حققه السيد أن حقيقته العدم والإضافة إلى البصر مع خروج المضاف إليه وهو البصر عن حقيقته قاله في الآيات البينات. واستشكل بعضهم تصوير هذه المسألة بأنه إن كان المراد الكلام النفسي بالنسبة إلى الله تعالى فالله عليم بكل شيء. وكلامه واحد بالذات وهو أمر ونهي وخبر واستخبار وغيرها باعتبار المتعلق، وحينئذ فأمر الله بالشيء عين النهي عن ضده بل وعين النهي عن شيء آخر لا تعلق له به فكيف يأتي فيه الخلاف بين أهل السنة ولهذا قال القرافي والغزالي هذا لا يمكن فرضه في كلام الله تعالى فإنه واحد هو أمر ونهي وغيرهما فلا تتطرق الغيرية إليه فليفرض في كلام المخلوق. وإن كان المراد بالنسبة إلى المخلوق فكيف يكون عين النهي عن ضده أو يتضمنه مع احتمال ذهوله عن الضد مطلقًا كما هو حجة من قال لا عينه ولا يتضمنه؟ وجوابه أن الكلام في التعلق أي فهل تعلق الأمر بالشيء هو عين تعلقه بالكف عن ضده بمعنى أن الطلب له تعلق واحد بأمرين هما فعل الشيء والكف عن الضد فباعتبار الأول هو أمر وباعتبار الثاني هو نهي أو أن متعلق ذلك التعلق الواحد هو الفعل ولكنه مستلزم لتعلق الطلب بالكف عن الضد كالعلم المتعلق بأحد شيئين متلازمين كيمين وشمال وفوق وتحت فيسلتزم تعلقه بالآخر ذكر المحشيان ومثله في الآيات البينات.

ويتضمن الوجوب فرقا

بعض وقيل لا يدل مطلقا

يعني: أن بعضهم فرق بين أمر الوجوب وأر الندب فقال يتضمن الأول النهي عن ضده بخلاف الثاني فإنه لا عينه ولا يتضمنه لأن الضد فيه لا يخرج به عن أصله من الجواز بخلاف الضد في أمر الوجوب لاقتضائه الذم على الترك قوله: وقيل: لا يدل مطلقا، يعني: أن الإبياري منا وإمام الحرمين والغزالي من الشافعية قالوا أن الأمر المذكور ليس عين النهي ولا يتضمنه مطلقا أي أمر وجوب كان أو ندب

ص: 159

لأن جهة الأمر غير جهة النهي ومنعوا دليل القولين الأولين وهو أنه لما لم يتحقق المأمور به بدون الكف عن ضده كان طلبه طلبا للكف أو متضمنا لطلبه فإن الملازمة في الدليل ممنوعة لجواز أن لا يحضر الضد حال الأمر فلا يكون مطلوب الكف به أمر يأمر بالشيء من لا شعور له بضده؟

ففاعل في كالصلاة ضدا

كسرقة على الخلاف يبدى

إلا إذا النص الفساد أبدى

مثل الكلام في الصلاة عمدا

فاعل مبتدأ خبره يبدى بالبناء للمفعول أي يظهر ويبنى على الخلاف المذكور إتيان المكلف في العباد بضدها هل يفسدها أو لا؟ والمشهور في السرقة صحة الصلاة وأدخلت الكاف من صلى بحرير أو ذهب أو نظر لعورة إمامه فيها فعلى أن الأمر بالشيء نهى عن ضده بطلب الصلاة إذا قلنا أن النهي يدل على الفساد. قوله كسرقة بسكون الراء لأن فعلا بكسر العين يجوز فيه تكسينها قال حلولوا: ويحتمل أن يكون مثار الخلاف النظر إلى تعدد الجهة وصحة الانفصال كالصلاة في الدار المغصوبة اهـ. ومحل الخلاف حيث لم يدل دليل على الفساد كالكلام في الصلاة عمدا كما أشار له بقوله: ألا إذا النص الفساد أبدي: الخ .. والفساد مفعول أبدى مقدم عليه

والنهي فيه غابر الخلاف

أو أنه أمر على ائتلاف

وقيل لا قطعا كما في المختصر

وهو لدى السبكي رأي ما انتصر

يعني: أن النهي النفسي عن شيء تحريما أو كراهة جرى فيه من الخلاف مثل ما في الأمر النفسي أي هل هو أمر بالضد أو يتضمنه أولا عينة ولا يتضمنه أو نهي التحريم يتضمنه دون نهي الكراهة فإن كان الضد واحد كضد التحرك فواضح أو أكثر كضد القعود أي القيام وغيره فالكلام في واحد من أيا كان بخلاف ما مر من أن الأمر بالشيء الذي له أكثر من ضد نهى عن أضداده الوجودية كلها إذ لا يتأتى الإتيان بالمأمور به إلا بالكف عنها كلها.

ص: 160

قوله أو أنه أمر .. الخ، بفتح همزة أنه عطفا على غابر يعني أن الهي يزيد على الأمر قولين.

أحدهما هو أنه أمر بالضد اتفاقا وهي طريقة القاضي بناء على أن المطلوب في النهي فعل الضد وإنما أجرى القطع في جانب النهي دون جانب الأمر لأن النهي أهم لأنه من قبيل درء المفسدة بخلاف الأمر فإنه من قبيل جلب المصلحة ودرء المفاسد أهم- ولذا اشتهر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. ولا يقال أن الأمر يتضمن النهي لأنا نقول المقصود بالذات في الأمر الفعل دون الترك بخلافه في النهي فإن المقصود بالذات فيه الترك قال في الآيات البينات وقد يقال لا حاجة إلى ذلك كله لأن القطع مبني على أن المطلوب في النهي فعل الضد ولا إشكال حينئذ في القطع لأنه إذا كان المطلوب فعل الذي لا يتصور إلا أن يكون أمرا به لكن يتوجه حينئذ أنه لم كان على هذا القول المطلوب في النهي فعل الضد ولم يكن المطلوب في الأمر ترك الضد؟ ويفرق بأن هذا القائل نظر إلى أنه لا تكليف إلا بفعل فيكون المكلف به فعل الضد كما تقدم حكاية هذا في مسألة لا تكليف إلا بفعل، وإن كان الصحيح كما تقدم أن المكلف به فيه هو الكف وهو الفعل.

والقول الثاني: أنه ليس أمرا بالضد لا على وجه المطابقة ولا التضامن اتفاقا بناء على أن المطلوب فيه انتفاء الفعل هذا القول ابن الحاجب في مختصره، لكنه عند تاج الدين السبكي رأى أي قول غير منصور ولا مقبول ولذلك لم يذكره في جمع الجوامع لقوله أنه لم يقف عليه في كلام غيره لكن الناقل أمين والمثبت مقدم.

وأما الأمر اللفظي والنهي اللفظي فليس كل منهما عين الآخر اتفاقا ولا يستلزمه على الأصح.

الأمران غير المتماثلين

عدا كصم نم متغايرين

الأمران مبتدأ وغير حال منه أو نعت وعدا بالتركيب خبره ومتغايرين حال من ضمير عدا أن كا من العدد ومفعول ثان أن كان.

ص: 161

بمعنى الظن يعني أن الأمر إذا تكرر والثاني غير مماثل للأول كان الثاني مغايراً للأول تعاقبا بأن لا يتراخى ورود أحدهما عن الآخر، أم لا؟ فإن تراخى فيعمل بهما دون عطف كصم نم أو تعاطفا وهما غير ضدين نحو اركعوا واسجدوا أو تضادا، لأن الشيء لا يؤكد بضده ويشترط في ذلك أن يكونا في وقتين نحو أكرم زيداً وأهنه فإن اتحد حمل الكلام على التخيير ولا يحمل على النسخ لأن من شرطه التراخي حتى يستقر الأمر الأول ويقع التكليف به والامتحان وتكون الواو حينئذ بمعنى أو، قاله في «شرح التنقيح» لكن جعله للركوع والسجود خلافين غير ظاهرين في غير بعض حالات الإيماء للسجود بل الظاهر أنهما ضدان.

وإن تماثلا وعطف قد نفي

بلا تعاقب فتأسيس قفي

بتركيب قفى يعني: أن الأمر إذا تكرر وكان الثاني مماثلا للأول من غير عطف ومن غير تعاقب (بل تراخى الثاني عن الأول فكون الثاني تأسيسا أمر مقفو أي متبع لأنه هو الذي ذهب إليه أهل الأصول وهو الصحيح لأن الخلاف لا يتصور إلا قبل صدور الفعل الأول فإذا قال له صم بعد أن صام يوما يتعين الاستئناف وأن تعاقب الأول.

وإن تعاقبا فذا هو الأصح

والضعف للتأكيد والوقف وضح

إن لم يكن تأسس ذا منع

من عادة ومن حجى وشرع

يعني: أنه إذا كرر مع التماثل أو التعقيب نحو صل ركعتين صل ركعتين فالتأسيس هو الصحيح قل القاضي: فالصحيح أنه للتكرار أي التأسيس ويعمل بهما كان الأمر للوجوب أو الندب وعزاه لي الدين للأكثرين لأن الأصل التأسيس لا التأكيد وقيد للتأكيد لأن الأصل براءة الذمة وقيل بالوقف وكونه للتأسيس على الراجح ما لم يمنه منه مانع عادي نحو اسقنى ماء اسقني ماء فإن العادة باندفاع الحاجة بمدة في الأول ترجح التأكيد أو عقلي نحو اقتل زيدا اقتل زيدا لكن هنا التأكيد متعين قطعا وكذا إذا منه من التكرار مانع شرعي كتكرير العتق في عبد واحد وقد يكون المانع غير ما ذكر كما إذا كان الأمر الأول مستغرقا للجنس

ص: 162

والثاني يتناول بعضه نحو ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)) على تقدير كون الثاني ير معطوف وذهب بعضهم إلى أن الصلاة الوسطى ونحوها غير داخل تحت الصلوات فيفيد ما أفاده الأول، والصحيح عند القاضي أنه محمول على التأكيد لبعض مدلول العام المتقدم وإن كان الحض مقدما نحو صم يوم الجمعة صم كل يوم فهاهنا العام يحمل على عمومه يفيد غير ما أفاده الأول وهو مؤكد لمدلول الأول ضمنا.

ومن موانع التأسيس أن يكون عهد نحو صل ركعتين صل الركعتين وكذا إذا دلت قرينة حال على التأكيد.

وإن يكن عطف فتأسيس بلا

منع يرى لديهم معولا

تأسيس مبتدأ، وبلا منع نعته ويرى بالتركيب ومعولا بفتح الواو مفعوله الثاني وجملة يرى خبر يعني أنه إذا كرر الأمر مع التعاطف والتماثل فالمعمول عليه والمعتمد هو التأسيس عند عدم المانع منه كما المانع شرعيا أو عقليا أو عاديا كما تقدمت أمثلتها نحو صل ركعتين وصل ركعتين لأن العطف يقتضي التغاير واختاره القاضي. وقال القاضي عبد الوهاب وهو الذي يجري على قول أصحابنا وقيل تأكيد لأن الأصل براءة الذمة.

تنبيه: التأكيد عند المانع العقلي نحو اقتل زيدا واقتل زيدا متعين وكذا يتعين مع الشرعي كاعتق سعد واعتق سعدا إذ لا يجوز أن يتزايد عتقه ويتوقف تمام حريته على عدد كالطلاق ويترجح التأكيد في غيرهما.

والأمر للوجوب بعد الحظل

وبعد سؤل قد أتى للأصل

يعني أن الأمر أي افعل وكل ما يدل على الأمر إذا ورد بعد الحظر لمتعلقه فهو حقيقة في الوجوب عند قدماء أصحاب مالك والباحي وأصحاب الشافعي، خلافا لبعض أصحابنا وأصحاب الشافعي في أنه للإباحة فمن

ص: 163

استعماله في الوجوب قوله ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين)) ومن استعماله في الإباحة ((وإذا حللتم فاصطادوا)) ((فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض)) ((فإذا تطهرن فأتوهن)) فهذه الأمثلة الثلاثة حقيقة شرعية على الثاني مجاز على الأول والآية الأولى بالعكس قال في الآيات البينات ظاهر اقتصارهم على الخطر عدم جريان هذا الإخلاف في وروده بعد نهي التنزيه بل يتفق حينئذ على أنه للوجوب على أصله. والمراد بالأمر في وقله والأمر اللفظي لا النفسي.

قوله وبعد سؤل أي سؤال واستفهام وبعضهم يعبر بالاستئذان مكان السؤال، يعني: أن الأمر اللفظي إذا ورد بعد سؤال فهو حقيقة في الوجوب كما يقال لمن قال أفعل كذا فعله ومنه في غير الوجوب قوله تعالى (فكلوا مما أمسكن عليكم) فأن سبب نزول الآية فيما روى سؤالهم عما أخذوه باصطياد الجوارح وفي حديث مسلم (أأصلي في مرابض الغنم قال نعم) فأنه بمعنى صل فيها قوله للوجوب متعلق بأتي وهو خبر عن الأمر وبعد الحظل حال من الأمر وبعد سؤل عطف عليه قوله للأصل علة لإتيانه للوجوب أي إنما أتي فيما ذكر للوجوب يناء على أن الوجوب هو مسمى الأمر حقيقة ولا فرق بين أن يتقدمه حظر أو استئذان أولا ومن قال للإباحة جعل تقدم الحظر أو الاستئذان قرينة صارفة عن الوجوب اللغوي بل هو عنده حقيقة شرعية أو عرفية في الإباحة فالقولان من الوجوب والإباحة مبنيان على أن أفعل حقيقة في الوجوب

وبالإباحة قال المتأخرون من المالكية:

أو يقتضي إباحة للأغلب

إذا تعلق بمثل السبب

إلا فذي المذهب والكثير

له إلى إيجابه مصير

يعني: أن القاضي عبد الوهاب نقل في المسألة تفصيلا عن بعضهم وهو أن الحظر السابق إذا كان معلقا على وجود علة أو شرط أو غاية وورد الأمر بعد ما زال ما علق عليه أفاد الإباحة عند جمهور أهل العلم لأن الغالب في عرف الشرع استعماله في ذلك كقوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا)(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا) وقوله صلى الله عليه

ص: 164

وسلم (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث من أجل الدافة التي دفت عليكم فالآن فادخروها) أو كما قال. وأن يكن غير ما ذكر فمذهب مالك وأصحابه أن الأمر للإباحة كما أشار له بقوله: إلا فذي المذهب أي إلا يكن معلقا فذي الإباحة هي مذهب مالك وأصحابه.

وقال أكثر أهل الأصول: أنه للوجوب كما أشار له بقوله: والكثير له إلى إيجابه مصير إلا أنه عند الأكثر لا يتحتم كونه للوجوب بل هو عندهم محمل على ما كان يحمل عليه ابتداء من وجوب على مذهب الأكثر أو ندب على أنه حقيقة قيه أو من غير ذلك فتحصل في ورود الأمر بعد الحظر ثلاثة أقوال، قولان مطلقان وقول مفصل ذكره في شرح التنقيح وكذلك هو في الآيات البينات وفي شرح حلولوا على جمع الجوامع.

بعد الوجوب النهي لامتناع للجل والبعض للاتساع

وللكراهة برأي بانا

وقيل لأبقا على ما كانا

يعني: أن النهي أي لا تفعل إذا ورد بعد الوجوب فهو للامتناع، أي تحريم ذلك الواجب عند جل أهل الأصول كما في غير ذلك فتقدم الوجوب ليس قرينة صارفة له عن أصل وضعه الذي هو التحريم وذكر القاضي وغيره الاتفاق عليه وإنما فسرنا النهي بلا تفعل احترازا عن النهي النفسي إذ لا يتصور أن يكون للإباحة لأنه طلب الكف والطلب لا يكون إباحة وقضية اقتصار أهل الأصول على الوجوب أنه بعد الندب للتحريم بلا خلاف وهو غير بعيد لأنه الأصل قاله في الآيات البينات.

وأما النهي بعد السؤال فيحمل على ما يفهم من السؤال من إيجاب أو ندب أو إرشاد أو إباحة أو على يفهم من دليل خارج. فمما ورد منه للتحريم خبر مسلم والبخاري عن المقداد قال (أرأيت أن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب أحدى يدي بالسيف ثم قطعها ثم لاذ عني بشجرة فقال أسلمت لله أفاقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال: لا) ومما ورد منه للكراهة حديث مسلم (أأصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا) وحديث أنس (قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقي أخاه أينحني له؟ قال: ) وحديث سعد (في الوصية بجميع ما له فقال صلى حديث أنس (قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقي أخاه أينحني له؟ قال: ) وحديث سعد (في الوصية بجميع ما لع فقال صلى

ص: 165

الله عليه وسلم: لا) حمله على التحريم من فهم أن السؤال عن الإباحة ويحتمل أن يكون السؤال عن الندب قوله والبعض .. الخ يعني أن بعضهم قال: النهي بعد الوجوب للاتساع أي الإباحة لأن النهي عن الشيء بعد وجوبه يرفع طلبه فيثبت التخيير فيه.

قوله: والكراهة بأي بانا أي ظهر كون النهي بعد الوجوب للكراهة في رأي بعضهم قياسا على أن الأمر بعد الحظر للإباحة بجامع أن كلا من صيغة أفعل ولا تفعل تجمل على أدنى مراتبها إذ الكراهة أدنى مرتبتي صيغة لا تفعل كما أن الإباحة أدنى مراتب صيغة أفعل قاله زكرياء قوله وقيل للابقا .. الخ قصر الإبقاء للوزن يعني: أن بعضهم قال: أن النهي بعد الوجوب إنما هو لإسقاط الوجوب ويرجع الأمر إلى ما كان عليه قبله من تحريم لكون الفعل مضرة أو إباحة لكونه منفعة وإنما كان مذهب الجمهور في هذه المسألة التحريم وفي التي قبلها الإباحة لأن المقصود بالذات من النهي دفع المفسدة ومن الأمر تحصيل المصلحة واعتناء الشارع بالأول أشد وإنما قلنا بالذات لأن دفع المفسدة يتضمن تحصيل المصلحة وبالعكس كما قاله في الآيات البينات فأحفظه فأنه نفيس.

تنبيه: إبقاء ما كان عليه أصل من الأصول وهو المعبر عنه باستصحاب الأصل.

كالنسخ للوجوب عند القاضي

وجلنا بذاك غير راضي

بل هو في القوى رفع الحرج

وللإباحة لدى بعض يجي

وقيل الندب كما في مبطل

أوجب الانتقال للتنقل

يعني: أن القاضي عبد الوهاب قال: أنه إذا نسخ وجوب الشيء يبقى على ما كان عليه قبل الوجوب من تحريم أو إباحة وصار الواجب بالنسخ كان لم يكن لكن الجمهور المالكية لم يرض ما قاله القاضي وفاقا لغيرهم بل هو أي نسخ الوجوب معناه عند الجمهور رفع الحرج عن الفاعل في الفعل والترك من الإباحة والندب عند القرافي والكراهة أيضا عند المحلي وبيانه على ما قال في شرح التنقيح أن الأمر دل على جواز

ص: 166

الإقدام والنسخ على جواز الأحجام فيحصل مجموع الجوازين من الأمر وناسخه لا من الأمر فقط، وصورة المسألة أن يقول الشارع: نسخت وجوبه أو رفعته مثلا لا أن قال رفعت ما دل عليه الأمر السابق من جواز الفعل والمنع من الترك فأن هذه المسألة يرتفع فيها الجواز اتفاقا ويثبت التحريم ولا يرد أن نسخ استقبال بيت المقدس لم يبق معه الجواز لأن انتفاء الجواز من دليل آخر لا من مجرد النسخ، هذا أن لم يثبت أن النسخ له برمته وجوبا وجوازا وإلا فلا ورود مطلقا قاله في الآيات البينات.

والمراد بالقاضي عنها عبد الوهاب كما رأيت لكن متى أطلق القاضي عند أهل الأصول فالمراد به القاضي أبو بكر الباقلاني.

وقوله للإباحة .. الخ يعني: أن الأقوال الثلاثة غير الأول، اتفقوا على أن الوجوب إذا نسخ بقى الجواز لكن اختلفوا في معنى الجواز فحمله الجمهور على رفع الحرج لأن الجواز يأتي بمعنى الأذن في الفعل الشامل للإباحة والندب والوجوب لكن الوجوب نسخ فيبقى ما سواه وبعضهم حمله على الإباحة بمعنى استواء الطرفين كما هو اصطلاح المتأخرين وإنما حملوه على الإباحة لأنه بارتفاع الوجوب ينتفي الطلب فيثبت التخيير وفيه عندي نظر لأن الوجوب أخص من الطلب ولا يلزم من رفع الأخص رفع الأعم ولم أر من تعرض لجوابه.

قوله وقيل: للندب يعني: أن بعضهم قال: أن الوجوب إذا نسخ بقى الجواز أي الاستحباب إذ المحقق بارتفاع الوجوب انتفاء الطلب الجازم فيثبت الطلب غير الجازم وهذا القول غريب من جهة النقل وأن كل ظاهرا من جهة العقل وظاهر كلام الغزالي وغيره يقتضي أنه لم يقل به أحد خلاف ما يقتضيه كلام ابن تيمية من وجوده. وفي مذهبنا مسائل تشهد له كما في طرو مبطل للصلاة أوجب الانتقال للتنقل أي السلام على نافلة أي شفع ووجهه كما في شرح حلولوا على جمع الجوامع أن الواجب مندوب وزيادة فإذا طرأ ما يبطله بقى المندوب ولم يبطله بالكلية.

وجوز التكليف بالمحال

في الكل من ثلاثة الأحوال

ص: 167

وقيل بالمنع لما قد امتنع

لغير علم الله أن ليس يقع

يعني: أنه يجوز عقلا أن يكلف الله تعالى عباده بفعل محال سواء كان محالا لذاته أي ممتنعا عادة وعقلا كالجمع بين السواد والبياض أم لغيره أي ممتنعا عادة فقط كالمشي من الزمن والطيران والبيضا أم لغيره أي ممتنعا عادة فقط كالمشي من الزمن والطيران معنى قوله في الكل من ثلاثة الأحوال.

قوله وقيل بالمنع يعني أن أكثر المعتزلة وبعض أهل السنة منعوا التكليف بالمحال الذي امتنع لغير تعلق علن الله بعدم وقوعه لأنه لظهور امتناعه للمكلفين لا فائدة في طلبه منهم.

وأجيب بأن فائدته اختبارهم هل يأخذون في المقدمات فيترتب الثواب أو لا فيترتب العقاب لكن هذا الجواب على سبيل التنزل أي أن سلمنا أنه لابد في أفعال الله تعالى من ظهور فائدة للعقل مع أنا لا نسلم ذلك (لا يسأل عما يفعل) وله أن لا يظهرها إذ لا يلزم الحكيم إطلاع من دونه على الحكمة.

أما الممتنع لتعلق علم الله بعدم وقوعه فالتكليف به جائز وواقع إجماعا وذلك كإيمان أب جهل وهذا محال عقلا لا عادة لأن العقل يحيل إيمانه لاستلزامه انقلاب العلم القديم جهلا ولو سئل عنه أهل العادة لم يحيلوه كذا جرى عليه كثير، وكلام بعض المحققين ظاهر في أنه ليس محالا عقلا أيضا بل ممكن مقطوع بعدم وقوعه، والخلف لفظي إذ هو ممكن ذاتا محال عرضا فالكثير نظروا إلى استحالة بالعرض والبعض نظر إلى إمكانه ذاتا.

تنبيه: أعلم أن هذه المسألة تكلم عليها أهل الأصلين وجه تعلقا بأصول الفقه أن الأصول عبارة عن العلم بأدلة الأحكام من حيث الإجمال وهو يستدعي البحث في المحكوم به وهو الأفعال، ومن شرط الفعل أن يكون مقدورا للمكلف. ووجه تعلقها بأصول الدين أن الأشعرية إذا أثبتوا عموم الصفات لله تعالى وبينوا أن كل حادث واقع بإرادة الله

ص: 168

تعالى وقدرته قالت المعتزلة هذا يلزم منه التكليف بالمحال لأن الله تعالى إذا أمر بفعل وهو من خلقه كان حاصل الأمر أفعل يا من لا يفعل له وأفعل ما أنا فاعله، وأجيب بإلزامهم على قواعدهم مثله فإن خلاف المعلوم مكلف به وفعله متوقف على خلق داع من الله تعالى وقد كلفه ولم يخلفه له، وأجيب أيضا بأن للعبادة في بعض الأفعال كسبا والتكليف إنما يقع بالمكسوب.

وليس واقعا إذا استحالا

لغير علم ربنا تعالى

يعني: أن التكليف بالمحال غير واقع في الشريعة إذا كانت استحالته لغير تعلق العلم بعدم وقوعه بشهادة الأستقراء وقوله تعالى: ((لا يكف الله نفسا إلا وسعها)) ، وأما وقوع التكليف بالثاني فلأن الله تعالى كلف الثقلين بالإيمان وقال:((وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)) فامتنع أيما أكثرهم لعلمه تعالى بعدم وقوعه.

وما وجود واجب قد أطلقا

به وجوبه به تحققا

وجود مبتدأ خبره به. وجملة وجوبه الخ .. خبر الموصول، وأطلق مبنى للمفعول. يعني أن الشيء المقدور للمكلف الذي لا يوجد الواجب المطلق إيجابه إلا به واجب بوجوب ذلك المطلق عندنا. وعند جمهور العلماء سببا كان أو شرطا إذ لو لم يجب لجاز ترك الواجب المتوقف عليه فاحترز بالمطلق عن الواجب المقيد وجوبه بسبب أو شرط فأسباب الوجوب وشروطه لا يجب إجماعا تحصيلها بوجوب ما توقف عليها من فعل وإنما الخلاف فيما يتوقف عليه إيقاع الواجب وصحته بعد تحقق الوجوب فالإجماع على أن ما يتوقف الوجوب عليه من سبب أو شرط وانتفاء مانع لا يجب تحصيله بوجوب ما توقف عليه كالنصاب يتوقف عليه وجوب الزكاة ولا يجب تحصيله إجماعا والإقامة يجب بها الصوم ولا تجب لأجله إجماعا، والدين يمنع وجوب الزكاة ولا يجب دفعه لأجلها إجماعا وإلى هذا الإشارة بقولنا وما وجود .. الخ والفرق بين قول السيد لعبده اصعد السطح، واصعد السطح إذا نصبت السلم ظاهر والضمير في به الأول وفي وجوبه للموصول وفي به الثاني للواجب المطلق.

ص: 169

والطوق شرط للوجوب يعرف

إن كان بالمحال لا يكلف

فاعل يكلف بكسر اللام ضمير الله تعالى، يعني: أن الجمهور اشترطوا في وجوب المتوقف عليه بوجوب الواجب المطلق شرطا معروفا وهو قدرة المكلف على ذلك المتوقف عليه احترازا عن غير المقدور فأنه لا يجب بوجوبه كتوقف فعل العبد بعد وجوبه على تعلق علم الله وإرادته وقدرته بإيجاده، فهذا القسم لا يوصف بالوجوب بل عدمه يمنع الإيجاب إلا على مذهب من يجوز التكليف بالمحال فلا يقيد بالقدرة عليه قاله حلولوا.

كعلمنا الوضوء شرطا في أداء

فرض فأمرنا به بعد بدا

هذا مثال المقدور للمكلف يعني أنه إذا علمنا من الشارع أن الوضوء شرط للصلاة ثم أمرنا بالصلاة مطلقا فإنه يجب بوجوب مشروطه لأنه مقدور لنا قال في شرح التنقيح: فلو قال الله تعالى صلوا ابتداء صلينا بغير وضوء حتى يدل دليل على اشتراط الطهارة. إذ لا معنى لشرطيته سوى حكم الشارع أنه يجب الإتيان به عند الإتيان بذلك الواجب ولا فرق في الوجوب بين كون الشرط شرعيا كالوضوء أو عقليا كترك ضد الواجب أو عاديا كغسل جزء الرأس لتحقق غسل الوجه فلا يمكن عادة غسل الوجه بدون غسل جزء من الرأس ومنه إمساك جزء من الليل للصائم وفيه خلاف عندنا وكالإتيان بخمس صلوات لأجل منسية جهل عينها وكذا الحكم فيما إذا اختلط ثوب طاهر بثياب نجسة أو إناء طاهر بآنية نجسة فإنه يصلي بعدد النجس وزيادة طاهر وقيل يتحرى قاله حلولوا. وهل دلالة الواجب المطلق على سببه أو شرطه بالتضمن أو الالتزام أو من دليل خارجي؟ أقوال! قوله فأمرنا .. الخ أمر مبتدأ مضاف إلى مفعوله وخبره جملة بدا.

وبعض ذي الخلف نفاه مطلقا

أي سببا كان أو شرطا يعني: أن بعض المخالفين لمذهب مالك نفى وجوب المقدور الذي لا يوجد الواجب المطلق إيجابه إلا به بوجوب ذلك الواجب لأن الدال على الواجب ساكت عنه فالأمر عندهم

ص: 170

لا يقتضي إلا تحصيل المقصد لا الوسيلة ولم يعطو الوسيلة حكم مقصدها بدليل أنه إذا ترك المقصد كصلاة الجمعة والحج فإنه يعاقب عليهما دون المشي اليهما وإذا لم يستحق عقابا عليه لم يكن واجبا لأن استحقاق العقاب من خصائص الوجوب. قلت: ولعل هذين الدليلين غير مسلمين عند الجمهور وإلا لما تأتى لهم القول بوجوبه به

والبعض ذو رأيين قد تفرقا

يعني: أن بعض المخالفين لنا غير المطلقين ذهبوا إلى رأيين مختلفين فبعضهم قال أنه يجب بوجوبه إن كان سببا كمساس النار لمحل فإنه سبب إحراقه عادة بخلاف الشرط كالوضوء للصلاة، والفرق أن السبب لاستناد المسبب إليه أشد ارتباطا به من الشرط بالمشروط لأنه يلزم من وجوده وجود المسبب بخلاف الشرط مع المشروط وقال إمام الحرمين يجب إن كان شرطا شرعيا كالوضوء للصلاة لا عقليا كترك ضد الواجب أو عاديا كغسل جزء الرأس بغسل الوجه فلا يجب بوجوب مشروطة إذ لا وجود لصورة مشروطة عقلا أو عادة بدونه فلا يقصده الشارع بالطلب بخلاف الشرعي فإنه لولا اعتبار الشرع له لوجد صورة مشروطة بدونه فكان اللائي قصد الشارع له بطلب الواجب للحاجة إلى قصده به لعدم ما يقتضيه. والعقلي والعادي توقف وجود صورة الواجب عليهما مقتض لهما ومغن عن قصدهما، وسكت إمام الحرمين عن السبب وهو لاستناد المسبب إليه في الوجود كالعقلي والعادي فلا يقصده الشارع بالطلب فلا يجب كما أفصح به ابن الحاجب في مختصره الكبير وقول السبكي في دفعه السبب أولى بالوجوب من الشرط الشرعي منعه المحلي وأيد المنع بأن السبب ينقسم كالشرط إلى، شرعي كصيغة الإعتاق له، وعقلي كالنظر للعلم يعني عند من يجعل حصول العلم عقب صحيح النظر بطريق اللزوم العقلي لا العادي وعادي كجزء الرقبة للقتل أي ليس في وسعه إلا جزء الرقبة دون ترتب الموت. قال زكريا: وجه التأييد أن السبب إذا كان ينقسم كالشرط إلي شرعي وعقلي وعادي فالسبب العقلي والعادي كالشرط العقلي والعادي بالأول فلا يطلق القول بأن السبب أولى بالوجوب من الشرط الشرعي على أنه لا يخفي أن السبب الشرعي لشدة ارتباطه بمسببه كالشرط العقلي

ص: 171

والعادي أيضا لا كالشرط الشرعي والإجماع على أنه إذا وجب المسبب وجب السبب لكن وجوبه عند البعض متلقي من صيغة الأمر بالمسبب وعند البعض من دلالة الصيغة وعند البعض من دليل خارجي لا من الصيغة ولا من دلالتها وهذا هو الذي ذهب إليه ابن الحاجب ومن وافقه كما دل عليه كلامه في المنتهى والمختصر.

والدليل الخارجي هو أنه لما لم يكن في وسع المكلف ترتيب المسبب على السبب كان القصد بطلب المسببات الإتيان بأسبابهما والمعنى أن الأسباب عي المقصودة بالمباشرة لأنها التي تمكن مباشرتها. قاله في الآيات البينات.

واعلم أن الخلاف في الشروط العقلية والعادية إنما هو في وجوبها شرعا أو وجوب مستلزمها، وإما وجوبها عقلا أو عادة فلا نزاع فيه قاله حلولوا.

وما وجوبه به لم يجب

في رأي مالك وكل مذهب

هذا مفهوم المطلق يعني: أنهم احترزوا بالمطلق عن المقيد وجوبه بما يتوقف عليه كالزكاة، وجوبها متوقف على ملك النصاب فلا يجب تحصيله في مذهب مالك وغيره، فهو أمر مجمع عليه، والواجب المطلق هو ما لا يتوقف وجوبه على مقدمة وجوده ويجوز أن يكون واجبا مطلقا بالنسبة إلى مقدمة ومقيدا بالنسبة إلى أخرى فإن الصلاة بل جميع التكاليف موقوفة على العقل والبلوغ فهي بالنظر إليهما مقيدة والصلاة بالنسبة إلى الطهارة واجبة مطلقة وما في قوله وما وجوبه به واقعة على المقدور للمكلف شرطا كان أو سببا والضمير في وجوبه للواجب المقيد كما يدل عليه سياق الكلام.

فما به ترك المحرم يرى

وجوب تركه جميع من درى

يعني: أنه إذا تعذر ترك المحرم إلا بتجافي غيره الجائز وجب ترك ذلك الغير لتوقف ترك المحرم الذي هو واجب عليه كماء دون آنية وضوء وقع فيه بول على القول بنجاسته.

ص: 172

وسوين بين جهل لحقا

بعد التعين وما قد سبقا

يعني: لا فرق في وجوب الجائز الذي لم يميز عن المحرم بين المحرم بين جهل لحق بعد التعين كما لو طلق معينة من زوجاته ثم نسيها وبين جهل سابق على التعيين كما لو اختلطت منكوحة بأجنبية أو ميتة بما ذكى. وانظر ما الحكم في المندوب المطلق الذي لا يوجد إلا بعد وجود المقدور للمكلف كصلاة النافلة المتوقفة على الطهارة فالظاهر من فرضهم الكلام في الواجب أنه ليس كذلك والذي يقتضيه انظر التسوية بينهما فيجري فيه الخلاف الذي في الواجب فنقول المقدور الذي لا يتم المأمور المطلق إلا به له حكم ذلك المأمور به والله تعالى أعلم.

هل يجب التخير في التمكن

أو مطلق التمكين دو تعيين

يعني: أن التمكن المشترط في التكليف هل يشترط فيه أن يكون ناجزا بناء على أن الأمر لا يتوجه إلا عند المباشرة أو يكفي التمكن في الجملة بناء على أنه يتوجه قبلها والتمكن الاستطاعة قولان والثاني هو الحق وينبني على هذا الخلاف ما يذكر في قوله:

عليه في التكليف بالشيء عدم

موجبه شرعا خلاف قد علم

خلاف مبتدأ والجملة بعده نعته والخبر قوله في التكليف وعدم بالتركيب نعت الشيء لأنه نكرة معنى وموجبه بكسر الجيم وشرعا ظرف له يعني أنه ينبني على الخلاف في اشتراط التمكن الناجز في التكليف وعدمه الخلاف هل يجوز عقلا التكليف بالشيء من مشروط أو مسبب حال عدم موجبه شرعا من شرط أو سبب فمن اشترط التمكن بالفعل منع ذلك ومن اشترطه في الجملة جوز التكليف به فإنه يمكن الإتيان بالمشروط والتوسل إليه بالإتيان بالشرط وينبني على هذا الخلاف وجوب الشرط أو السبب بوجوب الواجب المطلق وينبني عليه أيضا ما أشار له بقوله:

فالخلف في الصحة والوقوع

لأمر من كفر بالفروع

ص: 173

يعني: أن الخلاف في التكليف بالمشروط أو المسبب حال عدم الشرط أو السبب تظهر ثمرته في تكليف الكافر بالفروع هل يجوز أولا؟ وعلى جوازه هل وقع في الشريعة أولا؟ قولان في كل منهما موجودان في المذهب من غير ترجيح. ومن شيوخ المذهب من يرجح عدم وقوع خطابهم بها وبه قال أكثر الحنفية وهو ظاهر مذهب مالك إذ المأمورات لا يمكن مع الكفر فعلها ولا يؤمر بعد الإيمان بقضائها والمنهيات محمولة عليها حذرا من تبعيض التكليف فدليل منع التكليف بالفروع هو تعذرها بانتفاء شرطها الذي هو الإيمان لكونه شرطا للعبادة منها لا لكل فرع على التفصيل إذ منها النواهي وقد مر أن الإيمان ليس بشرط في متعلقاتها ووجه كون الإيمان شرطا للعبادة أنه شرط للنية المعتبرة فيها ركنا أو شرطا والنية مشروطة بالإيمان إذ يمتنع قصد ايقاع الفعل قربة من جاهل بالمقترب إليه فالإيمان شرط للعبادة من حيث أنه شرط لركنها أو لشرطها فإن قيد الشرط قيد في المشروط. والقول الأول: وهو أنهم مخاطبون بفروع الشريعة هو ما صححه السبكي وعزاه ابن الحاجب للمحققين وذكره ولي الدين عن مالك والشافعي وأحمد وهو ظاهر المذهب عند الباجي وابن العربي وابن رشد وحجة هذا القول قوله تعالى ((وله على الناس حج البيت)) لأنه عام يتناول الكافر فإذا تناوله الأمر تناوله النهي من باب أولى لأن كل من قال بالأمر قال بالنهي بخلاف العكس وقوله تعالى: ((فويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة)) وقوله تعالى ((يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين)) وقوله ((والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس .. إلى ومن يفعل ذلك)) الآية، فذلك يتناول ما تقدم من الشرك والقتل والزنا فيعاقب على الأخيرين كما يعاقب على الأول واحتجوا على المانعين بقوله صلى الله عليه وسلم (الإسلام يجب ما قبله) فإن الجب القطع وإنما يقطع ما هو متصل فلولا القطع لاستمر التكليف.

ثالثها الوقوع في النهي يرد

بما افتقاره إلى القصد انفقد

وقيل في المرتد

ص: 174

يعني: أن ثالث الأقوال هو وقوع تكليف الكافر بالنواهي دون دون الأوامر لا مكان امتثالها مع الكفر لأن متعلقاتها تروك لا تتوقف على نية التقرب المتوقفة على الإيمان لكن هذا القول مردود عند ابن رشد والفهري والإبياري وهم من المالكية بما لا يفتقر من المأمورات إلى القصد أي النية كقضاء الدين ورد الوديعة وكل ما لا يفتقر إلى النية يصح مع عدم الإيمان، والقول الرابع أن تكليفة بها واقع في المرتد باستمرار تكليف الإسلام دون الكافر الأصلي.

فالتعذيب

عليه والتيسير والترغيب

التعذيب مبتدأ خبره عليه والتيسير والترغيب معطوفان على المبتدأ، يعني: أن مما ينبني على الخلاف في تكليف الكفار بالفروع تعذيبهم عليها وعلى الإيمان معا في الآخرة قال ابن عبد السلام: فإن قيل لم خاطب الله تعالى العاصي مع علمه بأنه شقي لا يطيعه؟ قلنا: أحسن ما قيل فيه: أن الخطاب له ليس طلبا حقيقة بل هو علامة على شقاوته وتعذيبه. ومن فوائده في الدنيا تيسر الإسلام عليه لأنه يستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم أن المؤمن ليختم له بالكفر بسبب كثرة ذنوبه أن الكافر يختم له بالإيمان بسبب كثرة حسناته فيكثر من الحسنات فييسر له الإيمان وأن اتبع على أنه لا يثاب عليها في الآخرة بل يطعم في الدنيا كما ورد في الحديث ومنها الترغيب في الإسلام إذا سمع أنه يهدم ما قبله من الآثام ومنها أنه يتجه اختلاف العلماء في استحباب إخراج زكاة الفطر إذا أسلك يوم الفطر ومنها استحباب إمساك بقية اليوم لمن أسلم وقضاء ذلك اليوم فخلاف الصبي والحائض يزول عذرهما والفرق تقدم الخطاب في حق الكافر دونهما وكذا المسافر ومنها عدم تقدير وقت الاغتسال والوضوء إذا أسلك آخر الوقت بل تجب عليه الصلاة بادراك وقت يسع ركعة منها فقط على الخلاف في ذلك المخرج على الخلاف في كونهم مخاطبين أم لا؟ ومنها عقد الجزية يكون من جملة اثارة ترك الإنكار في الفروع وأنه سبب شرع لذلك أن قلنا يخاطبون وإلا فلا يكون شرع سببا إلا لترك إنكار الكفر خاصة.

ثم أعلم أن الأدلة الواردة في أحكام الشريعة منها ما يتناول لفظة الكفار مثل يا أيها اناس فيتعلق بهم حكمه على القول بتكليفهم بالفروع ومنها

ص: 175

ما لا يشملهم لفظه مثل يا أيها الذين أمنوا وكتاب أنس الذي كتبه له أبو بكر وفيه هذه فريضة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي فرضها على المسلمين، فلا يثبت حكمه لهم، وأن قلنا إنهم مخاطبون بالفروع إلا بدليل منفصل أو بتبين عدم الفرق بينهم وبين غيرهم وإلا فلا خوف إثبات حكم بلا دليل.

وعلل المانع بالتعذر

وهو مشكل لدى المحرر

في كافر ءامن مطلقا وفي

كفره فعل كالقا مصحف

يعني: أن اللمانعين القائلين بعدم تكليف الكفار بالفروع عللوا ذلك بتعذر الإيمان منهم وهولا يطيقه في الحال لأجل الاشتغال بالضلال أي الكفر كما تقدم وهو أي التعليل بالتعذر ومشكل عند المحرر بكسر الراء المشددة أي المحقق والمراد به القرافي لأنه استشكله في الكافر الذي آمن مطلقا أي بظاهره وباطنه لكن كفر بعدم التزام الفروع كأبي طالب فإنه كان يقو.

إلا أبلغا عني على ذات بيننا

لؤيا وخصا من لؤي بني كعب

ألم تعلما أنا وجدنا محمدا

نبيا كموسى خط في أو الكتب

وقال أيضا:

ولقد علمت بأن دين محمد

من خير أديان البرية دينا

وقال:

لقد علموا أن أبننا لا مكذب

لدينا ولا يعني بقول الأباطل

إلى غير ذلك من شعره واستشكله أيضا فيمن كان كفره فعلا فقط كإلقاء مصحف في القذر وكالتردد إلى الكنيسة مع شد الزنا فإن هذا القسم والذي قبله لم يتعذر منهما الإيمان وإنما هو متعذر في القسمين الأخيرين من أقسام الكفر وهما الكفر بالظاهر والباطن كما في أبي جهل والكفر بالباطن كما في المنافق كذا قاله في "شرح التنقيح".

ص: 176

قلت: ومثلهما من كفر بلسانه وآمن بقلبه الذين قا الله تعالى فيهم ((وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)) ((فأنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بئايات الله يجحدون)).

والرأي عندي أن يكون المدرك

نفى قبولها فذا مشترك

بفتح الراء من مشترك ومدرك مع ضم ميم الثاني وفتحها من الأول يعني أن الذي يظهر لي أن الأولى أن يعللوا منع تكليفهم بالفروع بعدم قبول الله تعالى إياها منهم لأجل كفرهم فلا يكلفهم بها كما ابداه في شرح التنقيح احتمالا وعدم قبولها قدر مشترك بين جميع أقسام الكفر.

تكليف من أحدث بالصلاة

عليه مجمع لدى الثقاة

يعني: أن الثقاة أي المجتهدين اجمعوا على تكليف المحدث بالإتيان بالصلاة مع تعذرها في تلك الحالة لكنه مكلف بالطهارة قبلها ولا يشترط في التكليف تقدم الطهارة ولو اشترط التمكن الناجز لما صح التكليف بعبادة ذات إجزاء وما ذكر من الإجماع هو ما عليه أكثرهم ونقل البرماوي اخلاف فيه عن جماعة وهذا الإجماع حجة لمن قال يصح التكليف بالمشروط حال عدم الشرط.

وربطه بالموجب العقلي

حتم بوفق قد أتى جلى

ربطة مبتدأ وبالموجب بكسر الجيم متعلق به وخبره حتم هذا محترز قوله موجبه شرعا يعني أن ربط التكليف لكل واحد بالموجب العقلي كالحياة للعلم وكفهم الخطاب واجب باتفاق واضح لا نزاع فيه وكالشرط العقلي الشرط اللغوي نحو أن دخلت المسجد فصل ركعتين فإن حصوله شرط لصحة التكليف اتفاقا وإما الشرط العادي كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه فليس حصوله بشرط في صحة التكليف اتفاقا وإنما الخلاف في الشرط الشرعي كما رأيت والمراد بالموجب بكسر الجيم الشرط والسبب.

دخول ذي كراهة فيما أمر

به بلا قيد وفصل قد حظر

ص: 177

دخول مبتدأ خبره جملة حظر مبني للمفعول وأمر مبني له أيضا يعني أن المأمور به إذا كان بعض جزئياته منهيا عنه نهي تنزيه أو تحريم لا يدخل ذلك المنهي عنه منها في المأمور به إذا كان الأمر غير مقيد بغير المكروه، خلافا للحنفية في قولهم أنه يتناوله أما أن قيد بغير المكروه فلا يدخل اتفاقا ولا يجوز الأقدام عليه اتفاقا لقول الزركشي أن الأقدام على العبادة التي لا تصح حرام بالاتفاق لكونه تلاعبا ونعني بالمكروه الذي لم يدخل في مطلق الأمر المكروه الخالي من الفصل أي الانفصال والخالي منه ما كان له جهة أو جهتان بينهما لزوم وحجة الجمهور أن المكروه مطلوب تركه فلا يدخل تحت ما طلب فعله وإلا كان الشيء الواحد مطلوب الفعل والترك من جهة واحدة وذلك تناقض.

فنفى صحة ونفى الأجر

في وقت كره للصلاة يجري

أي يجري على عدم الدخول الذي هو مذهب الجمهور يعني أن الصلاة لا تصح ولا يثاب عليها إذا وقعت في الأوقات امكروهة التي ذكرها خليل بقوله: ومنع نفل وقت طلوع شمس وغروبها وخطبة جمعة وكره بعد فجر وفرض عصر إلى أن ترتفع قيد رمح وتصلي المغرب. والصحة أعم من الثواب عند الجمهور وقيل بترادفهما وإنما لم تصح في الأوقات المنهي عنها فيها لخارج لازم وهو الأوقات دون الأماكن كما في الآيات البينات ومثله للمحشي أنه يمكن ارتفاع النهي عن الأمكنة قبل فعل الصلاة فيها بأن تجعل الحمامات مساجد ولا يضر زوال الاسم بأن الأمكنة باقية بحالها وأنه يمكن فيها حال إيجاد الفعل نقله من ذلك المكان إلى مكان آخر ولا يمكن واحد من هذين الأمرين في الزمان وقال بعضهم النهي في الأمكنة ليس لنفسها بل لخارج كالغصب في المكان ووسوسة الشيطان في الحمام وتشويش المرور في الطريق ونجاسة المجزرة بخلاف الأزمنة وأورد عليه النهي ساعة الطلوع والغروب فإن النهي فيهما لموافقة عباد الشمس فهو راجع لمعنى خارج لا لنفس الزمان وأجيب بأن موافقة عباد الشمس في سجودهم عبارة عن ايقاع الصلاة في هذا الزمان الخاص من حيث هو ايقاع فيه بخلاف الصلاة في الحمام مثلا فإن متعلق النهي فيها وهو التعرض لوسوسة الشيطان

ص: 178

لشغلها القلب وإخلالها عان كمتعلق النهي عن الصلاة في إمكان المغصوب وهو شغل ملك الغير ومعنى عمومه أنه يحصل بغير ذلك المهني عنه وهو الصلاة في غير الأمكنة المذكورة فليس النهي الخارج لازم حتى يقتضي الفساد لان المراد باللازم ما لا يحصل بغير ذلك الفعل فمرجع النهي للزمان أعم من أن يرجع إليه بنفسه أو بواسطة كونه متعلق المرجع اهـ. مع اختصار.

وأن يك الأمر عن النهي انفصل

فالفعل بالصحة لا الأجر اتصل

يعني: أن الأمر إذا انفصل عن النهي بأن تعددت جهتها فالمفعول حينئذ صحيح وليس فيه الأجر لانفكاك جهة النهي عن جهة الأمر كالصلاة في الدار المغصوبة إذ الصلاة والغضب يوجد كل منهما بدون الآخر وتعدد الجهات كتعدد الذات فهي مأمور بها من جهة أنها صلاة ومنها عنها من جهة الغصب وكل من الجهتين منفصلة أي منفردة عن الأخرى ولا غرو في الحكم بالصحة مع نفي الثواب فقد قال زكرياء ذلك في الزكاة إذا أخذت قهرا فأنها تصح ولا ثواب فيها ويسقط عنه العقاب بل معاقبته كالمصلي في الأمكنة المكروهة الصلاة فيها حرمان الصلاة.

وذا إلى الجمهور ذو انتساب

يعني أن هذا الذي ذكر من الصحة وعدم الثواب هو مذهب الجمهور من المالكية وغيرهم.

وقيل بالأجر مع العقاب

وقد روى البطلان والقضاء

وقيل ذا فقط له انتفاء

يعني: أن بعضهم قال أن الصلاة في الأمكنة المكروهة صحيحة مثاب عليها من جهة أنها صلاة مأمور بها وأن عوقب من جعة الغضب ونحوه من كل منهي عنه نهي تحريم فقد يعاقب بغير حرمان الثواب أو بحرمان بعضه فلا خلاف في المعنى بين هذا ومذهب الجمهور قال القرافي: ينبغي أن يقابل بين الثواب والإثم فأن تكافئا قال زكرياء أي

ص: 179

أو زاد الاثم كما فهم بالأولي أحبط الإثم الثواب وأن زاد الثواب بقي له قدر منه. قوله (وقد روى) يعني أن الصلاة في الأمكنة المكروهة روي ابن العربي عن الأمام مالك رحمه الله تعالى أنها باطلة يجب قضاؤها وهو مذهب الأمام أحمد وأكثر المتكلمين قال إمام الحرمين وكان في السلف متعمقون في التقوى يأمرون بقضائها.

قوله وقيل ذا .. الخ يعني. أن القاضي والإمام الرازي قالا بنفي هذا الأخير الذي هو القضاء فقط أي باطلة ولا قضاء فيها باطلة من جهة النهي والإقضاء فيها لأن السلف لم يأمروا بقضائها مع علمهم بها.

مثل الصلاة بالحرير والذهب

أو في مكان الغصب والوضو انقلب

ومعطن ومنهج ومقبرة

كنيسة وذي حميم مجزرة

هذه أمثلة ما انفردت فيه جهة النهي عن جهة الأمر منها الصلاة بالحرير والذهب مأمور بها من جهة أنها صلاة ومنهي عنها من جهة الآخر وكذلك الصلاة في المكان المعصوب أو الثوب المغصوب وكذلك الوضوء المنقلب أي المنعكس مأمور به من جهة الطهارة منهي عنه من جهة مخالفة السلف الصالح وكذلك الصلاة في معطن الإبل منهي عنها لنفار الإبل أو لأن الناقة تحيض والجمل يمني والعرب تستتر بها والمعطن بكسر الطاء وكذلك الصلاة في المنهج بفتح الهاء أي الطريق لخوف النجاسة أو لتشويش المصلي بمرور الناس وكذا الصلاة بمقبرة مثلثلة الباء والكسر قليل إذا شك في نجاستها وكذا الصلاة في الكنيسة فأنها مكروهة خوف النجاسة وكذا الصلاة في ذي الحميم كشريف وهو الحمام لوسوسة الشيطان أو محل كراهتها فيه حيث شك في نجاسته وكذا الصلاة في المكان الشديد الحر أو البرد بحيث لا يتمكن فيه من الركوع والسجود وكذا في بطن الوادي كما في الجواهر لأن بطون الأودية مأوى الشياطين والمشهور عدم كراهتها.

من تاب بعد أن تعاطي السببا

فقد أتى بما عليه وجبا

ص: 180

وإن بقي فساده كمن رجع

عن بث بدعة عليها يتبع

أو تاب خارجا مكان الغصب

أو تاب بعد الرمي قبل الضرب

قال أو إسحاق الشاطبي: أن من تاب بعد أن تعاطي السبب على كماله كالخارج من المكان المغصوب تائبا أي نادما على الدخول فيه عازما على عدم العود إليه فقد أتى بواجب عليه لأن فيه تقليل الضرر بشرط الخروج بسرعة وسلوك أقرب الطرق وأقلها ضررا وبشرط قصد ترك الغصب سواء كان قبل وجود مفسدته أو بعده، وارتفعت بل وأن بقي فساده أي لم يرتفع مثاله من تاب من بدعة بعد ما بثها في الناس وقبل أخذهم بها أو بعده وقبل رجوعهم عنها إذ لا توجد حقيقة التوبة الواجبة إلا بما أتى به من الخروج وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وكذا من تاب حال خروجه من المكان المغصوب فهو ءات بواجب وكذا من تاب لعد رمي السهم عن القوس وقبل الضرب أي الإصابة أما لو قصد بالخروج التصرف في ملك الغير دون التوبة فهو عاص اتفاقا كالماكث وقال أبو هاشم وهو من أكابر المعتزلة كأبيه أبي علي الجيائي: أنه ءات كالمكث والتوبة إنما تحقق عند انتهائه إذ لا أقلاع إلا حينئذ والإقلاع ترك المنهي عنه وذلك عنده قبيح فهو منهي عنه لذلك ومأمور به لأنه انفصال عن المكث وهذا بناه على أصله الفاسد وهو القبح العقلي لكنه أخل بأصل له آخر فاسد وهو منع التكليف بالمحال فأنه قال أن خرج عسى وأن مكث عصى فقد حرم عليه الضدين جميعا

وقال ذو البرهان أنه ارتبك

مع انقطاع النهي للذي سلك

البرهان لإمام الحرمين في الأصول يعني: أن الإمام الحرمين قال فمن تاب بعد تعاطي السبب على كماله كالأمثلة المذكورة أنه مرتبك أي مشتبك في المعصية مع انقطاع تكليف النهي الذي هو إلزام الكف عن الشغل وإنما انقطع لأجل أخذه في قطع المسافة للخروج تائبا المأمور به فلا يخلص به من المعصية لبقاء ما تسبب فيه بدخوله من ضرر المالك بشغل ملكه عدوانا الذي هو حكمة النهي فاعتبر أمام الحرمين في

ص: 181

الخروج جهة معصية وهي الإثم بحصول الضرر بالشكل المذكور وجهة طاعة وهي امتثال الأمر بقطع المسافة للخروج وإن لزمت الأولى الثانية إذ لا ينفك امتثال الأمر بالخروج عن الشغل بخروجه تائبا وإنما يكون ذلك من التكليف بالمحال إن لو تعلق الأمر والنهي معا بالخروج وتعلق النهي هنا وتعلق النهي هنا منتف لانقطاع تكليف النهي والجمهور ألغوا جهة المعصية التي هي الأضرار لدفعه ضرر المكث الأشد وإذا تقابل ضرران ارتكب أخفهما كما سيأتي كما ألغي ضرر زوال العقل في اساغة الخمر لغصة لم يوجد غيرها لدفعه ضرر تلف النفس الأشد قال الكمال فان قيل: لا معصية إلا بفعل منهي عنه أو ترك مأمور به فإذا سلم الإمام انقطاع تكليف النهي ثم يبق للمعصية جهة قلنا: أمام الحرمين لا يسلم إن دوام المعصية لا يكون إلا بفعل منهي عنه أو ترك مأمور بل يخص ذلك بابتداء المعصية ولهذا حكم ابن الحاجب وغيره على مذهب الإمام بأنه بعيد لا محال وكان مستند الاستبعاد إن استصحاب حكم النهي مع انقطاع تعلقه في صورة النزاع قول بما لا نظير له في الشرع وقد دفعوه بإبداء نظير وهو استصحاب حكم معصية الردة من انقطاع تعلق خطاب التكليف من النهي وغيره بالجنون وبيان قولهم إن ما قاله إمام الحرمين ليس من التكليف بالمحال ما قاله في الآيات البينات ولفظه وإنما يكون منه لو كانت المعصية هنا معصية حقيقية وهي فعل المنهي عنه مع قيام النهي عنه وعدن انقطاعه لأنه حينئذ يكون مأمورا بفعل ما منع منه وألزم بتركه وليس الأمر كذلك وإنما هي معصية حكمية بمعنى أنه استصحاب حكم السابقة تغليظا عليه لأضراره الآن بالمالك أضرارا ناشئا عن تعديه السابق مع انقطاع النعي الآن عنه وعدم إلزامه بالترك فالفعل مقدور له لأنه متمكن منه غير ممنوع عنه ولا مخاطب بتركه غاية الأمر أنه استصحب عصيانه ومجرد ذلك لا يقتضي عجزه عن الفعل حتى يكون ذلك من التكليف بالمحال. قوله مع انقطاع يعني أنه انقطع عنه لأجل ما فعل من خروجه بالفعل تائبا كما في الأرض المعصوبة أو بالعزم كما في غيرها.

ص: 182

وارتكب الأخف من ضرين

يعني: إن ارتكاب أخف الضررين عند تقابلهما من أصول مذهبنا ومن ثم جبر المحتكر على البيع عند احتياج الناس إليه وجار المسجد إذا ضاق وجار الطريق والساقية إذا أفسدهما السيل وصاحب الجارية والفرس يطلبهما السلطان وكذا يجبر أهل السفينة إذا خاف الناس فيها الغرق على رمي ما ثقل من المتاع وتوزع قيمة ما طرح على ما معهم من المتاع ومثل الضررين المكروهان والمحظوران والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (إذا التقى الضرران نفى الأصغر للأكبر)

وخيرن لدي استوا هذين

كمن على الجريح في الجرحى سقط

وضعف المكث عليه من ضبط

يعني: أن المكلف مخير عند استواء الضررين ومن فروعها من سقط على جريح بين جرحى بحيث يقتله إذا بقي عليه وإن انتقل قتل كفؤا له في صفات القصاص لعدم موضع يعتمد عليه الأبدن كفء له وسواء كان السقوط باختيار أو بغير اختيار فهو مخير عند بعضهم لاستواء المقام والانتقال وقال قائلون يمكث وجوبا عند بعضهم لاستواء المقام والانتقال وقال قائلون يمكث وجوبا لأن الضرر لا يزال بالضرر مع إن الانتقال فعل مبتدأ بخلاف اللبث، وضعف هذا القول بعض من ضبط المسألة أي حققها بأن مكثه الاختياري كانتقاله ورجخه زكرياء بأن الانتقال استيناف فعل بالاختيار بخلاف المكث فإنه دوام ويعتفر فيه الابتداء قال في الآيات البينات بعد ما ذكر كلام زكرياء: ولا يبعد ترجيحه أيضا إذا كان السقوط باختياره ولأن الانتقال أو أحدهما لا حكم فيه من أذن أو منع لأن الأذن في الاستمرار والانتقال أو أحدهما يؤدي إلى القتل المحرم والمنع منهما لا قدرة على امتثاله مع استمرار عصيانه ببقاء ما تسبب فيه من الضرر بسقوطه إن كان باختياره وإلا فلا عصيان وقد سائل الغزالي أمام الحرمين عن قوله هنا لا حكم مع قوله لا تخلوا واقعة لله من حكم فقال له: حكم الله هنا أن لا حكم واعترض بأنه لو جاز أن يقال في الحكم

ص: 183

حكم لجاز ذلك قبل ورود الشرع وبعد وروده، وأجيب: بأن لا مانع من التزام جوازه قبل الشرع لاختلاف الحكم المثبت بقوله حكم الله والمنفي بقوله: أن لا حكم إذا المراد بالمثبت المعنى الأعم وهو الأمر الثالث والمراد بالمنفي أحد فرديه وهو إذن الشرع أو منعه وليس المراد بالأول هو الثاني فقط حتى يمتنع قوله قبل البعثة مع منافاته لقولهم لا حكم قبل البعثة الذي أريد به المعنى الثاني وعلى هذا فلا منافاة ولا تناقض في اثبات الحكم ونفيه إذ لا تناقض بين إثبات العام ونفي الخاص وبذلك يندفع جميع ما أعترض به الغزالي على إمام الحرمين كذا أجاب به في الآيات البينات.

وقولي قتل كفؤا له في صفات القصاص كذا قالوه فظاهره ولو كان أحدهما إماما أعظم أو عالما أو وليا لله تعالى دون الآخر قال في الآيات البينات لكن لا يبعد استثناء الإمام إذا ترتب على قتله مفاسد عظيمة وعدم من يقوم مقامه في دفع تلك المفاسد العظيمة فيجب الانتقال عنه ويمتنع الانتقال إليه وكذا يقال في العالم إذا لزم على قتله وهن في الدين أو ضياع العلم اما حيث لم يترتب على قتلهما ضرر مطلقا لوجود من يقوم مقامها فهو محل نظر وظاهر إطلاق الضبط بمجرد صفات القصاص جريان الخلاف فيهما، أما غير الكفء كالكافر فيجب الانتقال عن المسلم إليه لأن قتله أخف مفسدة وقد يكون لا مفسدة كما إذا كان حربيا.

الأخذ بالأول لا بالآخر

مرجح في مقتضى الأوامر

وما سواه ساقط أو مستحب

لذاك الاطمئنان والدلك انجلب

يعني: أنهم اختلفوا في مقتضى الأمر المعلق على أمر معنى كلي له جزيئات متباينة في القلة والكثرة هل هو الأول أي الأقل والأخف أو هو الآخر منها أي الأثقل والأكثر؟ والمرجح أي المختار عند القاضي عبد الوهاب كما في التنقيح أن الأمر المعلق على اسم يقتضي الاقتصار على أوله والزائد على ذلك إما مندوب أو ساقط أي غير معتبر فالساقط كزيادة الدلك فإن الشرع لم يندب زيادة الدلك والمستحب كزيادة

ص: 184

الطمأنينة حجة المختار في الاقتصار على أول الرتب الجمع بين دلالة الأمر على الوجوب وكون الأصل براءة الذمة وحجة الأخذ بالآخر الاحتياط وقيل بالتخيير قوله لذلك .. اللام بمعنى على والإشارة للخلاف المذكور أي ينبني على الخلاف الطمأنينة المأمور بها في الصلاة هل يقتصر فيها على أقل ما تطلق عليه والزائد على ذلك مستحب لأن الشرع ندب إلى زيادتها أو لابد من الإتيان بأعلاها وينبني عليه أيضا الدلك المأمور به في قوله صلى الله عليه وسلم (خللوا الشعر وانقوا البشر) هل يقتصر على أدنى مراتب الدلك وما زاد ساقط عن الاعتبار أو لابد من أعلاه وعليه من نذر صوم شهر أو حلف به وحنث وبدأ بغير الهلال هل يكفيه صوم تسعة وعشرين أو لابد من ثلاثين وكذا سائر الإيمان المحتملة كانت إيمان طلاق أو غيره كالحلف باليمين وبالحرام وغير ذلك هل تحمل على محصل الماهية وهو طلاق واحد رجعي أو تلزم الثلاث للاحتياط لاسيما في الفروج؟ وحل الخلاف حيث لم يكن عرف للحالف وإلا وجب الحمل عليه وليست القاعدة خاصة بالأمر فلذلك فرضها السبكي في أعم منه حيث قال: وهل يجب الأخذ بالأخف أو لا الأثقل أو لا يجب شيء أقوال فتخصيصها بالأمر إنما هو من باب الفروض وهو تخصيص بعض صور النزاع بالاحتجاج ومحل الخلاف فيما تعارضت فيه الاحتمالات أو تعارضت فيه مذاهب العلماء إما تعارض الأخبار في النظم بكسر الخاء. ومقتضى بفتح الضاد.

وذلك في الحكم على الكلي

مع حصول كثرة الجزئي

يعني: أن الخلاف في الأخذ بالأخف أو الأثقل المذكور في الستين قبله محله في معنى كلي له جزيئات أكثر من واحد وتلك الجزيئات متفاوتة بالشدة والخفة كما رأيت وليس الخلاف في أجراء أحكام الجزيئات على الأجزاء كما غلط فيه بعضهم. قال رادا عليه في شرح التنقيح: ولا خلاف أن الحكم في الكل لا يقتصر به على جزئه فلا تجزئ ركعة عن ركعتين في الصبح، ولا يوم عن شهر رمضان في الصوم لأن الجزء لا يستلزم الكل والجزئي يستلزم الكلي.

ص: 185

وربما اجتماع أشياء انحظل

مما أتى الأمر بها على البدل

أو الترتب وقد يسن

وفيه قل أباحة تعن

يعني: أن الحكم قد بتعلق بأمرين فأكثر على البدل أو على الترتيب فيحرم الجمع بين تلك الأشياء في كل من الحالتين وقد يسن أي يستحب وقد يباح، فالصور ست: مثال ما حرم الجمع فيها مع أن الأمر بها على البدل تزويج المرأة من كفؤين ومثال ما يستحب فيها ستر المحرم عورته بهذين الثوبين لكن يندب له الجمع بينهما بأن يجعل أحدهما رداء والآخر إزاره ويباح ذلك لغير المحرم. ومثال ما حرم الجمع فيها مع أن الأمر بها على الترتيب أكل المذكي والميتة. ومثال ما يستحب فيها خصال كفارة رمضان عند الشافعية فإن كلا منها واجب الترتيب عندهم لا يجوز له الصيام إلا بعد الفجر عن الإعتاق ولا الإطعام إلا بعد العجز عن الصيام والجمع بينهما مستحب عندهم ومثال ما يباح فيها أيجاد صورة التيمم لا حقيقته مع الوضوء كأن يتيمم من جاز له التيمم بمرض ثم يتحمل المشقة فيتوضأ لكن تيممه باطل لانتفاء فائدته. والمعنى أنه أتى بكل منهما صحيحا وإن بطل التيمم بالفراغ من الوضوء قاله زكريا، وغيره. وكالجمع بين خصال كفارة اليمين.

ص: 186