الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصول الفقه
الأصل لغة: ما يبنى الشيء عليه حسًا كالجدار للسقف، ومعنى كالحقيقة للمجاز والدليل للمدلول.
ولما كان تصور المطلوب في النفس أو الشعور به شرطًا في تصور المطلب عقلًا جرت عادة المحققين في التصنيف بالبداءة بتعريف الحقيقة. فالشارع في فن لابد أن يتصوره أولا بوجه ما وإلا امتنع الشروع فيه.
وأصول الفقه مركب إضافي، يطلق تارة على جزأي الإضافة، وتارة لقبًا لهذا العلم وعلمًا له. واختلف في المركب الإضافي هل يتوقف حده اللقبي على معرفة جزأيه أو لا؟ إذ التسمية به سلبت كلا من جزأيه عن معناه الإفرادي وصيرت الجميع اسمًا لمعنى آخر، وعلى الأول فلابد من معرفة جزأيه ولذلك قال:(أصوله دلائل الإجمال).
يعني: أن أصول الفقه أدلته الإجمالية، لأن الأصل في الاصطلاح هو: الدليل، أو الأمر الراجح كما يأتي. والدليل الإجمالي هو، الذي لا يعين مسألة جزأيه كقاعدة مطلق الأمر والنهي، وفعله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس والاستصحاب والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والظاهر والمؤول والناسخ والمنسوخ وخبر الآحاد، فالتحقيق أن الأدلة نفسها ليست أصولًا، لأنها موضوع الفن وموضوع الشيء غيره ضرورة، وكذا معرفة الدلائل ليست هي الأصول على التحقيق. فمراد من قال: أن أصول الفقه معرفة دلائل الفقه الإجمالية، التصديق بتلك القواعد، أي العلم بثبوت المحمول للموضوع ومراد الأكثر القائلين أنها الأدلة: القواعد الباحثة عن أحوال الأدلة.
والقاعدة قضية كلية تعرف منها أحكام جزئياتها، نحو مطلق الأمر للوجوب ومطلق النهي للتحريم، والإجماع والقياس والاستصحاب حجة، والعام يقبل التخصيص والخاص يقضي على العام والمطلق يحمل على المقيد بشرطه، وخبر الآحاد يجب العمل به إلى غير ذلك مما يعلم في مواضعه واحترز بالإجمالية عن التفصيلية نحو ((أقيموا الصلاة)) ((ولا تقربوا الزنى)) وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة، والإجماع على أن لابنة الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب، وقياس الأرز على البر في امتناع ربا الفضل والنساء.
قال العابدي في الآيات البينات، والشيخ زكرياء: ليس بين الإجمالية والتفصيلية تغاير بالذات بل بالاعتبار، إذ هما شيء واحد له جهتان فأقيموا الصلاة له جهة إجمال طي كونه أمرًا وجهة تفصيل هي كون متعلقة خاصًا. وهي: إقامة الصلاة. فالأصولي يعرف الدلائل من الجهة الأولى والفقيه من الثانية.
تنبيه: اعلم أن أسماء العلوم كالفقه والبيان والأصول والنحو مثلًا يطلق كل واحد منها مرادًا به قواعد ذلك الفن وتارة مرادًا به إدراك تلك القواعد، وتارة مرادًا بها الملكة -بالتحريك -وهي سجية راسخة في النفس تحصل للمدرك بعد إدراك مسائل الفن وممارستها. فمن عرف أصول الفقه بأنه أدلة الفقه الإجمالية نظرًا إلى المعنى الأول ومن قال معرفة أدلة الفقه الإجمالية نظر إلى الثاني (وطرق الترجيح قيد تال).
يعني: أن طرق الترجيح للأدلة عند تعارضها قيد تابع للدلائل الإجمالية في الاندراج في حقيقة الأصول. والمراد بالطرق وجوه الترجيح. (وما للاجتهاد من شرط وضح).
ما مبتدأ، ووضح خبره. يعني: أن شروط الاجتهاد الآتي ذكرها في كتابه وضح، أي ظهر دخولها في مسمى الأصول. يعني: أن أصول الفقه هي الأدلة الإجمالية وكيفيات الترجيح وشروط الاجتهاد. وقيل: معرفة كل من الثلاثة. وقال ابن أبي شريف: أن التحقيق دخول مباحث الترجيح في مسمى الأصول دون مباحث الاجتهاد فإنما
هي تتمات. وعليه فيقال: أصول الفقه أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وقيل العلم بها اهـ.
وأما مسائل الاجتهاد فبعضها فقهية موضوعها فعل المكلف محمولها الحكم الشرعي، كمسألة جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم ولغيره في عصره ومسألة لزوم التقليد لغير المجتهد، وبعضها اعتقاديه كقولهم: المجتهد فيما لا قاطع فيه مصيب، وقولهم: خلو الزمان عن المجتهد غير جائز، ونحوهما. قال القشيري: لكن جرت العادة بإدخال شروط الاجتهاد في الأصول وضعا فأدخلت فيه حدًا، وإنما أدخلت فيه وضعًا لأن غاية فن الأصول الإقدار عل الاستنباط، والاستنباط متوقف على شروط الاجتهاد، وليست داخلة في قواعد الفن بخلاف مباحث الترجيح، فإن البحث فيها عن أحوال الأدلة التفصيلية على وجه كلي باعتبار تعارضها، ولا يدخل في الأصول علم الخلاف، إذ لا يتوصل به إلى الفقه توصلًا قريبًا لأن الجدلي إما مجيب بحفظ حكم أو متعرض بإبطاله كان الحكم فقهًا أو غيره. لكن الفقهاء أكثروا فيه من مسائل الفقه وبنو أركانها عليها، حتى توهم اختصاصه بالفقه. وأصول الفقه، وإن كان أصلًا للفقه لاحتياجه إليه فرع لأصول الدين لاحتياج كون الأدلة حجة إلى معرفة الصانع وصفاته.
(ويطلق الأصل على ما قد رجح)
يعني: أن الأصل يطلق في الاصطلاح أيضًا على الأمر الراجح نحو: الأصل براءة الذمة، والأصل عدم المجاز والأصل إبقاء ما كان على ما كان عليه قاله القرافي في التنقيح.