الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواجب الموسع
بفتح السين المشددة وهو راجع إلى الواجب المخير قاله الفهري ولذا ذكرت بعده مسألة الأمر بواحد مبهم من أشياء معينة وبيان ذلك أن المكلف مخير في أجزاء الوقت كتخييره في المفعول في خصال كفارة اليمين.
ما وقته يسع منه أكثرا
…
وهو محدودا وغيره جرى
حد الواجب الموسع كما في التنقيح: أنه الذي يسع وقته المقدر له شرعا أكثر منه وذلك الوقت منه محدود كأوقات الصلاة ومنه ما هو غير محدود بل مقيد بالعمر كوقت الحج وقضاء الفوائت بناء على أنهما على التراخي لكن القول به في الفوائت للشافعية.
فجوزوا الادا بلا اضطرار
…
في كل حصة من المختار
يعني: إن الذي ذهب إليه الأكثر من الفقهاء ومن المتكلمين وهو مذهب مالك القول بالواجب الموسع فجميع وقت الظهر ونحوه كالعصر وقت لأدائه لقوله صلى الله عليه وسلم لما بين الوقت ما بين هذين الوقتين وقت فيجوز إيقاع الواجب الموسع في كل جزء من مختاره دون اشتراط ضرورة كما في الضروري ولا يشترط في جواز التأخير العزم على الفعل لأن الأمر دل على وجوب الفعل والأصل عدم وجوب غيره والقول بالوجوب الموسع قول الباجي مع جمهور المالكية.
وقائل منا يقول العزم
…
على وقوع الفرض فيه حتم
قائل: مجرور بواو رب أو برب ويصح رفعه مبتدأ والنكرة على كل للتعظيم والخبر يقول يعني: أن جمهور المالكية قائلون بالواجب الموسع وقته لكن منهم من قال بعدم اشتراط العزم على الفعل في وقت
الاختيار كالباجي مع غيره ومنهم من قال بوجوب الأداء أول الوقت والعزم أول الوقت على الأداء في المختار والعزم بدل عن التقديم لا عن الفعل، قال في الذخيرة وهو الذي تقتضيه أصول مالك لأن من توجه عليه الأمر ولم يفعل ولم يعزم على الفعل فهو معرض عن الأمر بالضرورة والمعرض عنه عاص والعاصي يستحق العقاب وفي ترك العزم أيضا عدم التمييز بين الواجب الموسع والمندوب في جواز الترك وأجيب بحصول التمييز بغيره وهو أن تأخير الواجب عن جميع الوقت المقدر يؤثم والقائل بوجوب العزم منا هو القاضيان عبد الوهاب والباقلاني. قال في التنقيح: ومذهبنا جوازه يعني: جواز التأخير وقال في شرحه والقول بالتوسعة واشتراط البدل مذهبنا ومذهب الشافعية قال في التنقيح، والخطاب عندنا متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء الزمان الكائنة بين الحدين فلا جرم صح أول الوقت لوجود المشترك والأياثم بالتأخير لبقاء المشترك ويأثم إذا فوت جملة الوقت بتعطيل المشترك الذي هو متعلق الوجوب فلا ترد علينا مخالفة قاعدة البتة بخلاف غيرنا أنتهى.
ثم ذكر في الشرح قولي هذه الفرقة باشتراط العزم وعدمه والضمير في قوله البيت فيه للمختار (فائدة) قال الكمال قال الأصحاب في جمع التأخير: أنه يجب على المسافر أن يقصد في وقت الأولى الإتيان بها في وقت الثانية جمعا لتمييز تأخير الواجب عن غيره.
أو هو ما مكلف يعين
يعني: أن وقت الأداء هو ما يعنيه المكلف للأداء لا تعيين له غير ذلك نقله الباجي عن بعض المالكية.
وخلف ذي الخلاف فيه بين
يعني: أنه نقل عن المخالفين لنا في المذهب الخلاف في الواجب الموسع وأشار إلى تفصيل ذلك بالبيت بعد فقال:
فقيل الآخر:
بكسر الخاء يعني: أن الحنفية قالوا أن وقت الأداء هو الآخر من الوقت المختار لانتفاء وجوب الفعل قبله كذا علله المحلى وفيه عندي الاستدلال على الشيء بنفسه وذلك هو المصادرة وهي غير مقبولة عند أهل الجدل فإن قدم عليه بأن فعل قبله في الوقت فتعجيل للواجب مسقط له كتعجيل الزكاة قبل وجوبها والذي حكاه ابن الحاجب عن الحنفية أنه نفل ناب مناب الفرض والصحيح عندهم وهو قول الجمهور منهم القول بالواجب الموسع كما نقله الزركشي وغيره عنهم، ورد عليهم في شرح التنقيح بأنه إذا عجل لم يفعل الواجب على قولهم وأجزاء غير الواجب عنه خلاف الأصل والقواعد.
وقيل الأول
يعني: أن بعض الشافعية قالوا أن وقت أدائه هو أول الوقت لوجوب الفعل بدخول الوقت فإن أخر عنه فقضاء وأن فعل في الوقت فيأثم بالتأخير عن أوله قال الفهري لا يعرف هذا القول في مذهب الشافعي.
وقيل مابه
…
الادا يتصل
يعني: أن المشهور عن الحنفية قول بعضهم أن وقت الأداء هو الجزء الذي اتصل به الأداء من الوقت أي لاقاه الفعل بأن وقع فيه وحيث لم يقع الفعل في الوقت فوقت أدائه الجزء الأخير من الوقت لتعيينه لفعل فيه حيث لم يقع فيما قبله.
وقال الكرخي من الحنفية: أن قدم الفعل على أخر الوقت وقع واجبا بشرط بقائه مكلفا إلى أخر الوقت فإن مات أو جن قبله وقع ما قدمه نفلا.
والأمر بالواحد من أشياء
…
يوجب واحدا على استواء
يعني أن الأمر بواحد مبهم من أشياء مختلفة معينة يوجب واحدا منها لا بعينه وهو القدر المشترك بينها في ضمن أي معين منها لأنه المأمور
به ولا فرق في ذلك الواحد المبهم بين المتواطئ كاعتق هذا العبد أو هذا العبد والمشكك كما في آية كفارة اليمين، فالواحد منها لا بعينه هو القدر المشترك بينها وأن اعترضه اللقاني بقوله في هذا الكلام وإن كان هو حاصل كلامهم نظر إذ المشترك بين أشياء ليس واحدا منها ضرورة بل ك منها واحد منه. وأجاب في الآيات البيانات بأن قولهم المذكور ليس معناه إلا أن مفهوم الواحد منها لا بعينه القدر المشترك بينها ضرورة تحقق هذا المفهوم في كل منها وصدقه عليه فيكون مشتركا بينها وليس معناه أن ذات الواحد منها القدر المشترك. وقولنا في ضمن أي معين هو ظاهر على مذهب ابن الحاجب من أن الأمر بالكلي أمر بجزئي مطابق له لامتناع وجود الكلي في الخارج، وأما على مذهب السيد من أن الواجب الأمر الكلي فإن المراد أن الواجب القدر المشترك لا من حيث تعيينه في بعض أفراده لكن التعيين من ضرورة تحققه. قاله في الآيات البينات. وذلك نظير أن الأمر لطلب الماهية لا لتكرار أو مرة والمرة ضرورية قال في الآيات البينات: بقي أنه هل المراد بالمفهوم الكلي الذي ذكر أنه الواجب أو هو الكلي المنطقي أو الكلي الطبيعي؟ والذي يظهر الثاني والكلي المنطقي هو ما لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه والطبيعي هو الحقيقة الكلية من حيث هي هي لا بقيد كلية فيها ولا جزئية وأن كانت في نفس الأمر كلية قاله اليوسي في نفائس الدرر وقولنا يوجب واحدا لا بعينه قال في الآيات البينات حيث كان للوجوب كما هو ظاهر فإن كان للندب كان المندوب واحدا لا بعينيه وقد صرح زكرياء بأنه القياس وهذه المسألة تعرف بمسألة الواجب المخير فالواجب هو القدر المشترك بينها وخصوصياتها متعلق التخيير فما هو واجب لا تخيير فيه وما هو مخير لا وجوب فيه قال في التنقيح قالت المعتزلة: الوجوب متعلق بجملة الخصال وعندنا وعند بقية أهل السنة بواحد لا بعينه ويحكى عن المعتزلة أيضا أنه متعلق بواحد متعين عند الله تعالى وهو ما علم أن المكلف سيوقعه وهم ينقلون أيضا هذا المذهب عنا. ثم قال يجزئه كل معين منها لتضمنه القدر المشترك وفاعل الأخص فاعل الأعم ولا يأثم بترك بعضها إذا فعل البعض لأنه تارك للمخصوص المباح فاعل المشترك الواجب ويأثم بترك الجميع لتعطيله المشترك بينها. ثم قال في شرحه أن القدر المشترك بين الخصال
المخير فيها متعلق خمسة أحكام الوجوب ولا يثاب ثواب الواجب إذا فعل الجميع إلا على القدر المشترك، ولا يعاقب عقاب تارك الواجب إذا ترك الجميع إلا على القدر المشترك ولا تبرأ ذمته إذا فعل إلا بالقدر المشترك ولا ينوي أداء الواجب إلا بالقدر المشترك.
قوله: «على استواء» أي: يوجب من تلك الأشياء واحدًا لا بعينه فالأشياء المخير فيها مستوية في ذلك الواحد لا بعينه لأنه قدر مشترك بينها خلافًا للمعتزلة في إنكارهم إيجاد واحد لا بعينه.
تنبيه: اعترض بعضهم الأمر بواحد من أشياء يوجب واحدًا لا بعينه بأن الأمر بواحد معناه إيجابه فيتحد الموضوع والمحمول. وأجيب بأن الموضوع مقيد بالواحد المبهم في الظاهر من أشياء والمحمول مقيد بواحد منها لا بعينه في الواقع وهما متغايران فكأنه قيل الأمر بواحد مبهم في الظاهر أمر بواحد لا بعينه في الواقع ويصح حمل الأمر على النفسي ولا يتعين حمله على اللفظي قاله في «الآيات البينات» .
فائدة: للتخيير والترتيب ألفاظ تدل عليهما في اللغة فإن الله تعالى إذا قال افعلوا كذا وكذا أو افعلوا إما كذا وإما كذا فهو للتخير وإذا قال فإن لم يجد كذا فليفعل كذا ونحوه فالأكثر فيه الترتيب وقد يأتي للحصر نحو «فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان» وإن لم يكن هذا العدد زوجًا فهو فرد ومعناه أن الحجة الشرعية الكاملة من الشهادة في الأموال منحصرة في الرجلين والرجل والمرأتين قال في «شرح التنقيح» : وأما الشاهد واليمين والنكول وغير ذلك فليس حجة تامة من الشهادة بل من الشهادة وغيرها وهو اليمين وكلها لا شهادة فيها كاليمين والنكول فتصير الآية دليلاً على عدم قبول أربع نسوة في الأموال كما نقل عن الشافعي. اهـ باختصار.
إذا تقرر ذلك علمت أن الشارع إذا قال اعتق عبدا أو أخرج شاة في الزكاة مثلا لا يكون واجبا مخيرا لعدم الصيغة وإن كان الكلام لم يوجب خصوص عبد ولا شاة بل مفهوم كل منهما من غير تعيين.