الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهي (أي النفسي)
هو اقتضاء الكف عن فعل ودع
…
وما يضاهيه كذر قد امتنع
يعني: أن النهي النفسي هو اقتضاء كف عن فعل لا بقول كف ونحوه كذر ودع وخل واترك.
قوله وما يضاهيه .. أي ما يشابه دع كذر امتنع دخول مدلوله في النهي والمراد بالاقتضاء عندنا الجازم لأنه حقيقة في التحريم والمراد بالفعل نحو الأمر والشأن فيشمل القول والفعل المعروف والقصد وغيرهما قال في الآيات البينات ويحد اللفظي بالقول الدال على ما ذكر.
وهو للدوام والفور متى
…
عدم تقييد بضد ثبتا
يعني أن النهي النفسي يدل على الدوام دلالة الالتزام لا مطابقة للزوم الدوام لامتثال النهي فإذا قلت لغيرك: لا تسافر فقد منعته من إدخال ماهية السفر في الوجود ولا يتحقق امتثال جميع ذلك إلا بامتناعه من جميع أفراد السفر فكان لازما للامتثال ينتفي بانتفائه الامتثال وكذا بدل على الفور إجماعاً أو على المشهور ما لم يقيد بالمرة أو التراخي فغن قيد بالمرة كانت مدلوله وضعاً. وقيل: مجازاً وإن قيد بالتراخي حمل عليه مثالهما لا تسافر غدا فإنه متراخ والسفر فيه مرة من السفر باعتبار سفر كل يوم.
واللفظ للتحريم شرعا وافترق
…
للكره والشركة والقدر الفرق
يعني: أن صيغة النهي عندنا حقيقة في التحريم شرعا، وقيل: لغة، وقيل عقلا في التنقيح: وهو عندنا للتحريم نحو ((ولا تقربوا الزنا)) وافترقت مذاهب الفرق المخالفة لنا فمنهم من قال للكراهة نحو لا تأكل بشمالك ولم نقل خلاف الأولى لأنه مما أحدثه المتأخرون ولأنه إنما
يستفاد من أوامر الندب لا من صيغة النهي التي الكلام فيها ومنهم من قال مشترك بين التحريم والكراهة ومنهم من قال للقدر المشترك بين التحريم والكراهة وهو طلب الترك جازما أم لا؟
وهو عن فرد وعن ما عددا
…
جمعا وفرقا وجميعا وجدا
يعني: أن النهي قد يكون عن شيء واحد نحو لا تزن وقد يكون عن متعدد كالحرام المخير كالأختين نحو لا تتزوج هندا وأختها، فعليه ترك إحداهما فقط فلا مخالفة إلا بجمعهما وقد يكون عن متعدد فرقا كالنعلين تلبسان أو تنزعان، لا يفرق بينهما بلبس أو نزع إحداهما فقط فهو منهي عنه أخذا من حديث الصحيحين (لا يمشين أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا) وقد يكون عن متعدد جميعا كقوله تعالى ((ولا تطع منهم آثما أو كفورا)) فإن أو بمعنى الواو وقوله جمعا وفرقا وجميعا تمييزات محولات عن المضاف أي وعن جمع متعدد وفرقه وجميعه قاله في الآيات البينات قوله عن فرد متعلق بوجد المبنى للمفعول أي وجد النهي عن فرد.
وجاء في الصحيح للفساد
…
إن لم يجي الدليل للسداد
بعدم النفع وزيد الخلل
يعني: أن النهي لفظيا كان أو نفسيا تحريما كان أو تنزيها في العبادات والمعاملات مستلزم لفساد المنهي عنه والفساد ضد الصحة لكن المراد منه هنا لازمه وهو عدم الاعتداد بالمنهي عنه إذا وقع بمعنى الفساد في العبادات وقوعها على نوع من الخلل يوجب بقاء الذمة مشغولة بها ومعناه في المعاملات عدم ترتب آثارها عليها إلا أن يتصل بها ما يقرر آثارها على أصولنا في البيع وغيره. قال في التنقيح: ودلالته على الفساد إنما هي بالشرع إذ لا يفهم ذلك من غيره. وقيل: باللغة لفهم أهل اللغة لذلك من مجرد اللفظ، وقيل بالعقل لأن الشيء إنما ينهى عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده وإنما يدل على الفساد إذا كان النهي لأمر داخل في الذات أو لازم لها لا إن كان لأمر منفصل كما تقدم ودلالته على الفساد مع إثباته شبهة الملك هو الصحيح من مذهبنا وقال القاضي منا:
لا يقتضي صحة ولا فسادا. وقيل: يقتضي الفساد فيلا العبادات دون المعاملات وقال أبو حنيفة: يقتضي الصحة كما سيأتي قال في التنقيح لنا أن النهي إنما يكون لدرء المفاسد الكائنة في المنهي عنه والمتضمن للمفسدة فاسد والخلاف في النهي المطلق الذي لم يقيد بما يدل على صحة أو فساد، أما ما قيد بما يدل على السداد أي الصحة فهو لها كالطلاق في الحيض يترتب عليه أثره الذي هو وقوع الطلاق وإنما يدل على الفساد لعدم النفع أي المصلحة في المنهي عنه أو لزيادة الخلل بالتحريك أي لزيادة المفسدة فيه على المصلحة.
وملك ما بيع عليه ينجلي
إذا تغير بسوق أو بدن
…
أو حق غيره به قد اقترن
يعني أنه ينبني على كون النهي يفيد الفساد، وشبهة الصحة ملك المشتري لما بيع بيعا حراما إذا تغير سوقه أو بدنه بهلاك أو غيره أو تعلق حق غير المشتري به كما إذا وهبه أو باعه أو آجره أو أعتقه فيملكه المشتري حينئذ بالقيمة إما على أن النهي يفيد الصحة فيترتب على نفس البيع الملك وسائر الآثار من جواز التصرف ووطء الأمة ابتداء وأكل الطعام قال القرافي: قاعدة أهل المذهب أن النهي يدل على الفساد وتفاريعهم تقتضي أنه يدل على شبهة الصحة.
وبث للصحة في المدارس
…
معللا بالنهي حبر فارس
حبر بفتح الحاء وكسرها أفصح فاعل بث ومعللا بكسر اللام حال منه يعني أن حبر فارس وهو أبو حنيفة بث في مجالي درسه أن النهي يقتضي الصحة وعلل ذلك بأن النهي عن الشيء يقتضي إمكان وجوده شرعا وإلا امتنع النهي عنه ولهم في المسألة تفصيل أعرضت عنه إذ الغرض المهم عندنا في الشرح كأصله بيان أصول مذهب مالك وإن كنت أجلب غيرها مرارا استطرادا وتبعا.
والخلف فيما ينتمي للشرع
…
وليس فيما ينتمي للطبع
يعني: أن الخلاف بين من قال أن النهي يقتضي الفساد وأبي حنيفة القائل أنه يقتضي الصحة إنما هو في الصحة الشرعية التي قال في التنقيح أنها الإذن الشرعي في جواز الإقدام على الفعل وهو يشمل الأحكام الشرعية إلا التحريم فلا إذن فيه والأربعة الباقية فيها الإذن. قوله أنها الإذن لعل مراده أنها موافقة الإذن إذ الصحة كما تقدم موافقة ذي الوجهين الشرع أي الإذن.
وفي العبادة لدى الجمهور
…
أن يسقط القضا مدى الدهور
وليس ذا الخلاف في الصحة الطبيعية أي العادية قال القرافي: اتفق الناس على أنه ليس في الشريعة منهي عنه ولا مأمور به ولا مشروع على إطلاق إلا وفيه الصحة العادية وكذلك حصل الاتفاق أيضاً على أن اللغة لم يقع فيها طلب وجود ولا عدم إلا فيما يصح عادة وإن جوزنا تكليف ما لا يطاق فذلك بحسب ما يجوز على الله تعالى لا بحسب ما يجوز في اللغات فاللغات موضع إجماع. وقال القرافي أيضا: قال مالك والشافعي واحمد رحمهم الله تعالى بأن النهي يدل على الفساد وقال أبو حنيفة هو يدل على الصحة فالكل طردوا أصولهم إلا مالكا.
قال أبو حنيفة يجوز التصرف في المبيع فاسدا ابتداء وهذا هو الصحة يعني أثرها. وقال الشافعي ومن وافقه: بأن الملك لا يثبت أصلا ولو تداولته الملاك وهذا هو الفساد وقال مالك بالفساد في حالة عدم الأمور الأربعة المتقدم ذكرها وبعدمه وتقرر الملك إذا طرأ أحدها فلم يطرد أصله. والمراد بالأربعة المشار لها بقولنا إذا تغير بسوق .. وإنما كانت أربعة لن تغير البدن فيه عنده أمران الهلاك وغيره.
الإجزاء والقبول حين نفيا
…
لصحة وضدها قد رويا
يعني: أن نفي الإجزاء قد روي فيه عن أهل الأصول قولان قيل: يفيد الفساد بناء على أن الإجزاء الكفاية في سقوط الطلب. وقيل: يفيد الصحة بناء على أن الإجزاء إسقاط القضاء قال المحلى فإن ما لا يسقطه بأن يحتاج إلى الفعل. ثانيا: قد يصح كصلاة فاقد الطهورين. قال في الآيات البينات قال شيخنا العلامة يعني ناصر الدين اللقاني: قد
يقال صحته إن حصلت من خارج فلا يفيدها نفي الإجزاء كما هو المدعى، وأقول: لعل مراد القائل بأنه يفيد الصحة أنه يجامعها ولا ينافيها كما يدل على ذلك التعبير بقد يصح لأنه تصريح بأن الصحة قد توجد معه وقد لا توجد ومعلوم أن ما هو كذلك لا يدل على أحد الأمرين بخصومه وحينئذ يندفع ما أورده الشيخ عليه وقد يجاب أيضا بظهور نفي إسقاط القضاء وهو معنى نفي الإجزاء على هذا القول في حصول الصحة أو بإشعاره بذلك فعلى جوابه الأول يكون قد في قوله يصح للتقليل وعلى الثاني يكون للتحقيق وكذلك روي عنهم قولان في نفي القبول. قيل: يدل على الصحة لظهور نفي القبول في عدم الثواب دون عدم الاعتداد وقيل يدل على الفساد لظهوره في عدم الاعتداد فمن أدلة نفي الإجزاء على الفساد حديث (لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن) ومن أدلة نفي القبول على الفساد حديث الصحيحين (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا احدث حتى يتوضأ) ومن أدلته على الصحة حديث (من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم يقبل الله صلاته أربعين يوما) وحديث (إذا أبق العبد من مواليه لم تقبل له صلاة حتى يرجع إليهم) رواهما مسلم (وحديث: من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا) رواه ابن حبان والحاكم وقال على شرطهما. قال المحشي والظاهر أن نفي القبول في هذه الأحاديث ونحوها لكون إثم المعصية المتوعد عليها يعدل ثواب الصلاة تلك المدة فكأنه أحبطه وذلك لا ينافي كون الصلاة نفسها صحيحة لاستجماعها الشرائط.