المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المجاز وتركت كثيرا من مباحثه لكونها مذكورة في علم البيان. ومنه جائز - نشر البنود على مراقي السعود - جـ ١

[الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم]

الفصل: ‌ ‌المجاز وتركت كثيرا من مباحثه لكونها مذكورة في علم البيان. ومنه جائز

‌المجاز

وتركت كثيرا من مباحثه لكونها مذكورة في علم البيان.

ومنه جائز وما قد منعوا

وكل واحد عليه اجمعوا

يعني أن المجاز ثلاثة أقسام: قسم مختلف فيه وهو الجمع بين حقيقتين أو مجازين أو حقيقة ومجاز فهذا جائز عندنا كما تقدم وعند الشافعية وممنوع عند الغير، وقسم مجمع على منعه كما سيأتي، وقسم مجمع على جوازه وأشار له بقوله:

ماذا اتحاد فيه جاء المحمل

وللعلاقة ظهور أول

المحمل بفتح الميمين والمراد به هنا المعنى الذي يحمل عليه اللفظ أي قصد به وما مبتدأ خبره أول وذا حال من المحمل وللعلاقة ظهور مبتدأ وخبره اعترض بهما بين المبتدأ والخبر والعلاقة اتصال أمر بأمر في معنى كاتصال الرجل الشجاع بالأسد في الشبه في الشجاعة، فاحترز باتحاد المحمل عما تعدد محمله بأن حمل على حقيقته أو مجازيه أو حقيقته ومجازه، واحترز بظهور العلاقة عن خفائها كما أشار له بقوله:

ثانيهما ما ليس بالمفيد

لمنع الانتقال بالتعقيد

يعني أن ثاني القسمين المذكورين في قوله فمنه .. الخ وهو الثالث بحسب القسمة في الحقيقة ما كان غير مفيد للمقصود لأجل تعذر الانتقال من معنى اللفظ الحقيقي إلى المعنى اللازم المقصود وإنما تعذر الانتقال فيه بسبب التعقيد المعنوي وهو أن يقصد المتكلم

ص: 130

بالكلمة لازماً لها ليس من اللوازم التي تقصدها الناس بها فيتعذر بذلك فهم المقصود لأن تعارفهم على خلافه يمنع ذهن السامع له من فهم المراد منه فالمدار على خفاء القرينة لا على قلة الوسائط وكثرتها فلو اتضحت لم يكن تعقيدا وكذا إذا لم يكن للفظ لازم معهود استعماله فيه، وهذا النوع المنوع إجماعا يسمى مجاز التعقيد، وأهل البيان يسمونه التعقيد المعنوي والمراد بالانتقال من معنى إلى آخر توجيه النفس من المعنى الأصلي للفظ إلى المعنى المراد لعلاقة بينهما.

وحيثما استحال الأصل ينتقل

إلى المجاز أولا قرب حصل

يعني: أنه حيث استحال حمل اللفظ على حقيقته وجب عندنا وعند الحنفية حمله على مجازه إن لم يتعدد وعلى الأقرب أن تعدد وسواء استحال عقلا أو شرعا أو عادة، قال الحطاب: عند قوله ولا ينقض ضفره رجل ولا امرأة إن مسحت على الوقاية أو حناء أو مسح رجل على العمامة وصلى لم تصح صلاته وبطل وضوءه إن كان فعل ذلك عمدا وإن فعل جهلا فقولان، ثم قال ذكر ابن ناجي أن ابن رشد حضر درس بعض الحنفية فقال المدرس الدليل لنا على مالك في المسح على العمامة أنه مسح على حائل أصله الشعر فإنه حائل فأجابه ابن شرد بأن الحقيقة إذا تعذرت انتقل إلى المجاز إن لم يتعدد وإلى الأقرب منه إن تعدد والشعر هنا أقرب والعمامة أبعد فيتعين الحمل على الشعر فلم يجد جوابا قائما وأجلسه بإزائه. فالحقيقة هي جلدة الرأس وقول الحنفي أصله الشرع يريد أنه مقيس عليه بجامع كون كل منهما حائلا بين المسح والجلدة والظاهر أن الحنفي موافق على وجوب الانتقال إلى الأقرب وإلا لما تأتي الاستدلال عليه بما ذكر لأن محل النزاع لا يستدل به كما هو معلوم. وقالت الشافعية: أن المجاز لا يتعين في العمل حيث استحالت الحقيقة بل هو لغو قاله السبكي وذكر كثير ممن تكلم عليه أن الشافعية لم يذكروا هذا الأصل.

وليس بالغالب في اللغات

والخلف فيه لأن جنى آت

يعني أن المجاز ليس غالبا في اللغات أي المفردات والمركبات خلافا لابن جنى بكسر الجيم وسكون الياء معرب كنى بين الكاف والجيم

ص: 131

في قوله أنه غالب في كل لغة على الحقيقة أي ما من لفظ إلا واستعماله مجازا مقرونا بالقرينة أكثر من استعماله حقيقة بالاستقراء أما بالنسبة لكلام الفصحاء في نظمهم ونثرهم فظاهر لأن أكثرها تشبيهات واستعارات وكنايات وإسناد قول وفعل إلى من لا يصلح أن يكون فاعلا لذلك كالحيوانات والدهر والأطلال ولا شك أن كل ذلك تجوز وأما بالنسبة للعرف فكذلك تقول سافرت إلى البلاد ورأيت العباد ولبست الثياب وملكت العبيد والدواب وما سافرت إلى كل البلاد ولا رأيك كل العباد ولا لبست جميع الثياب ولا ملكت كل العبيد الدواب، وكذلك تقول ضربت زيدا وما ضربت إلا جزءا منه وكذلك إذا عنيت جزءا كان تقول ضربت رأسه وكذلك قولهم طاب الهواء وبرد الماء ومات زيد ومرض بكر بل إسناد الأفعال الاختيارية كلها إلى الحيوانات على مذهب أهل السنة مجاز لأن فاعلها في الحقيقة هو الله تعالى فإسنادها إلى غيره مجاز عقلي هذا الكلام من قوله بالاستقراء إلى هنا استدل به الصفي الهندي لمذهب ابن جنى ثم قال الصفي: أن الغلبة لو ثبتت للمجاز فإنما تثبت لمجموع مجاز الأفراد والتركيب أما مجاز الأفراد وحده فلا إلا أن إسناد الفعل في نحو مرض زيد ومات بكر مما قام فيه الفعل بذات الفعل فيما ظهر للسامع من حال المتكلم حقيقة لا مجاز عقلي كما هو معلوم في علم البلاغة، قوله ما من لفظ إلا واستعماله مجازا مقرونا بالقرينة يندفع به استشكال أن المجاز خلاف الأصل أي الغالب لأن المراد بما هو خلاف الأصل ما كان مجردا عن القرينة وبالغالب على قول ابن جنى ما كان مقرونا بها.

وبعد تخصيص مجاز فيلي

الإضمار فالنقل على المعول

يعني: أن اللفظ إذا احتمل التخصيص والمجاز فالراجح حمله على التخصيص من وجهين: أحدهما أن اللفظ يبقى في بعض الحقيقة كلفظ المشركين في ((اقتلوا المشركين)) خرج أهل الذمة وبقى الحربيون وهم بعض المشركين فعلى أنه تخصيص فهو أقرب للحقيقة. الثاني: إذا خرج بعض بالتخصيص بقى اللفظ مستصحبا في الباقي من غير احتياج إلى القرينة، قال القرافي وهذان الوجهان لا يوجدان في غير التخصيص مثاله قوله تعالى ((ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله

ص: 132

عليه)) خص عند مالك وأبي حنيفة الناسي للتسمية فتوكل ذبحته وحمله بعضهم على المجاز أي مما لم يذبح.

قوله فيلي الإضمار بالرفع على الفاعلية والمفعول محذوف أي فيلي الإضمار المجاز والمعنى أن المجاز مقدم على الإضمار عند احتمال اللفظ لهما فيلي الإضمار المجاز في الرتبة فيقدم على النقل عند احتماله لهما وإنما قدم المجاز على الإضمار لأن المجاز أكثر منه في الكلام.

قال القرافي: والكثرة تدل على الجرحان وقيل الإضمار أولى من المجاز لأن قرينته متصلة به. قال اللقاني: لأن الإضمار هو المسمى سابقا بالاقتضاء وقد سبق أن قرينته توقف الصدق والصحة العقلية أو الشرعية عليه وتوقف صدق الكلام وصحته وصف له لازم وذلك غاية الاتصال، بخلاف قرينة المجاز فإنها منفصلة خارجة عنه اهـ.

وقيل: سيان لاحتياج كل منهما إلى قرينة. واستواؤهما لا ينافي ترجيح أحدهما لمدرك يخصه، وكذا يقال في تقديم الإضمار على النقل لا ينافي ترجيح النقل في بعض الصور بمدرك يخصه وأيضا فقد تكون قرينة المجاز الاستحالة والاستحالة إن لم تكن من قبيل المتصلة كانت مثلها إن لم تكن أبلغ قاله في الآيات البينات وإنما قدم الإضمار على النقل لسلامته من نسخ المعنى الأول ولأنه من باب البلاغة بخلاف النقل وقيل يقدم النقل على الإضمار. مثال تعارض المجاز والإضمار قول السيد لعبده، الذي هو أكبر منه سنا: أنت أبي يحتمل المجاز من باب التعبير عن اللازم بالملزوم أي عتيق ويحمل الإضمار أي مثل أي عتيق ويحتمل الإضمار أي مثل أي في الشفقة والتعظيم فلا يعتق ومثال تعارض الإضمار والنقل قوله ((وحرم الربا)) قال الحنفي: أخذ الربا وهو الزيادة في بيع درهم بدرهمين مثلا فإذا أسقطت صح البيع وارتفع الإثم. وقال غيره نقل الربا شرعا إلى العقد فهو فاسد، وإن أسقطت الزيادة والإثم باق، وقوله صلى الله عليه وسلم:(الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) قال الشافعي: يجوز إبطال الصوم المتطوع به لأنه وكله إلى مشيئته بعد نقله الصوم عن معناه لغة وهو مطلق الإمساك. وقال المالكي: ليس منقولا والمراد الذي من شأنه أن يتطوع أمير نفسه سماع متطوعا باسم ما يؤول إليه.

ص: 133

قوله فالنقل على المعول راجع لتقديم الإضمار على النقل يعني أن النقل مقدم على الاشتراك لا خلال الاشتراك بالفهم اليقيني كلفظ الزكاة إذا استعمل في الجزء المخرج دار بين اشتراكه بين النماء وبين النقل:

فالاشتراك بعده النسخ جرى

لكونه يحتاط فيه أكثر

يعني: أن يشترك مقدم على آخر المراتب الذي هو النسخ لكونه النسخ يحتاط فيه أكثر لتصييره اللفظ باطلا فتكون مقدماته أكثر قاله في التنقيح. وقد قال بعضهم:

يقدم التخصيص مجاز ومضمر

ونقل تلا والاشتراك على النسخ

* * *

وحيثما قصد المجاز قد غلب

تعيينه لدى القرافي منتخب

ومذهب النعمان عكس ما مضى

والقول بالإجمال فيه مرتضى

يعني: أنه إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح بأن كان استعمال الناس إياه في مجازه أكثر من استعماله في معناه الحقيقي تعين الحمل على المجاز عند أبي يوسف نظرا لرجحانه ولا يحمل على الحقيقة إلا بنية وقرينة واختاره القرافي، ومذهب النعمان أبي حنيفة الحمل على الحقيقة لأصالتها ولا يحمل على الأبنية أو قرينة. وقال الإمام واختاره السبكي في جمع الجوامع: أنه مجمل فلا يحمل على واحد منهما إلا بقرينة لرجحان كل واحد من وجه وعند التساوي تقدم الحقيقة عند الحنفية لأن الأصل تقديمها. وقال القرافي: الحق الواقف للإجمال لأن الحقيقة إنما قدمت لأنها أسبق للذهن من المجاز وهذا السبق هو معنى قولهم الأصل أي الراجح في الكلام الحقيقة إذا ذهب الراجح بالتساوي بطل تقديم الحقيقة، وتعين أن يكون الحق الإجمال. والتوقف وإن كان المجاز مرجوحا لا يفهم إلا بقرينة قدمت الحقيقة إجماعا، مثال المجاز الراجح لفظ الدابة حقيقة مرجوحة في كل مادب مجاز راجح في ذوات الحافر في أكثر البلاد وفي بعضها للحمار وفي بعضها للحية بالتحية، ومثال المساوى لو حلف لا نكح والنكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد:

ص: 134

أجمع أن حقيقة تمات

على التقدم له الإثبات

فاعل أجمع الإثبات جمع ثبت وإن شرطية يعني: أن الحقيقة إذا أميتت أي هجرت بالكلية قدم المجاز عليها باتفاق الإثبات أي العلماء كمن حلف لا يأكل من هذه النخلة فيحنت بثمرها دون خشبها الذي هو الحقيقة المهجورة حيث لا نية.

وهو حقيقة أو المجاز

وباعتبارين يجى الجواز

يعني أن اللفظ المستعمل في معنى لا يخلو أما أن يكون حقيقة فقط أو مجازا فقط كالأسد للحيوان المفترس أو للرجل الشجاع ويجوز أن يكون حقيقة ومجازا معا باعتبارين، كأن وضع لمعنى عام ثم خصه الشرع أو العرف بنوع منه كالصوم في اللغة للإمساك خصه الشرع بالإمساك المعروف فاستعماله في العام حقيقة لغوية مجاز شرعي في الخاص بالعكس وكالدابة في اللغة لكل ما يدب على الأرض خصها العرف بذات الحافر ويمتنع كونه حقيقة ومجازا باعتبار واحد للتنافي بين الوضع ابتداء والوضع ثانيا.

واللفظ محمل على الشرعي

إن لم يكن فمطلق العرفي

فاللغوي على الجلى

يعني: أن اللفظ إذا كان المخاطب به بكسر الطاء صاحب الشرع فهو محمول على معناه الشرعي لأن اللفظ محمول على عرف المخاطب بالكسر شارعا كان أو أهل اللغة أو أهل العرف والشارع عرفه الشرعيات لأنه بعث لبيانها وإن كان عربيا وكذا لو أوصى إنسان بدابة قضى بما هو المتعارف عندهم في مسمى الدابة وإذا ورد لفظ الصلاة مثلا من صاحب اللغة حمل على الدعاء بخير ولا يحمل على الشرعي ولا العرفي لو كان. ثم إن كان المخاطب الشارع ولم يكن للفظ مدلول شرعي، أو كان وصرف عنه صارف حمل على معناه العرفي العام أي الذي يتعارفه جميع الناس واشتراط المحلى استمرار التعارف إلى وقت الحمل غير محتاج إليه لأنه لو اختص بزمن الخطاب ولم يوجد بعده كان عاما لأن العام قد ينقطع ويتغير. قال اللقاني وارتضاه في الآيات البينات ثم إن لم يكن له معنى عرفي عام أو كان وصرف عنه

ص: 135

صارف فالمحمول عليه المعنى اللغوي لتعينه حينئذ. قال زكرياء: لا ينتقل من معنى من المعاني الثلاثة إلى ما بعده إلا إذا تعذر حمله على حقيقته ومجازه والعرف الخاص كالعام في ذلك فإن اجتمعا فالظاهر تقديم العام على الخاص. لكن العرف لا يريده الشارع بل إنما يأتي في كلام غيره وتقديم العام على الخاص محله حيث لم يكن المتكلم له عرف خاص وتكلم فيما يناسبه كالنحوي يتكلم في مسألة نحوية فإن كان كذلك حمل على عرفه الخاص كما في الآيات البينات.

قوله فمطلق العرفي يعني عاما كان أو خاصا قوليا كان أو فعليا على المشهور المراد بقوله على الجلي خلافا للقرافي بعدم اعتبار العرف الفعلي، وتبعه خليل في المختصر بقوله عرف قوله، وخلافا لمن قدم اللغوي على العرفي ولم أخر الشرعي في الجميع كما فعل خليل في مختصره، مثال الفعلي من حلف لا آكل خبزا وعادته أكل خبز البر فإنه يحنث عند القرافي بخبز الشعير وإن لم يأكله أبدا قال حلولو وقد اختلف عندنا يعني المالكية كالشافعية في تقديم العرفي على اللغوي في الأيمان ونحوها.

ولم يجب

بحث عن المجاز في الذي انتخب

بالبناء للمفعول أي اختير يعني: أنه يجوز حمل اللفظ على معناه الحقيقي قبل البحث هل هو مستعمل في معناه المجازي لأن الأصل عدم المجاز بلا قرينة كما يدل عليه كلام الفهري وذكر القرافي أنه لا يصح التمسك بالحقيقة إلا بعد الفحص عن المجاز كالعام مع المخصص وكذلك كل دليل مع معارضه. يعني مع معارضه المرجوح وإلا وجب اتفاقا وإنما وجب عند القرافي البحث هل مستعمل في مجازه خوف أن يكون المجاز راجحا فيقدم على الحقيقة أو مساويا فالوقف.

كذاك ما قابل ذا اعتلال

من التأصل والاستقلال

ومن تأسس عموم وبقا

الافراد والاطلاق مما ينتقى

كذاك ترتيب لا يجاب العمل

بماله الرجحان مما يحتمل

وعموم بالجر بمحدوف على التأصل والافراد مبتدأ عطف عليه الإطلاق خبره مما ينتقى بالباء للمفعول أي يختار تقدمه على

ص: 136

ضده يعني أنه كما يقدم الشرعي في كلام الشارع على العرفي والعرفي على اللغوي يقدم محتمل اللفظ الراجح الذي عارضه محتمل له مرجوح كالتأصل فإنه مقدم على الزيادة فيحمل عليه دونها كقوله تعالى: ((لا أقسم بهذا البلد)) قيل، لا زائدة وقيل: لا نافية وكذا يقدم الاستقلال على الإضمار كقوله تعالى: ((أن يقتلوا أو يصلبوا)) الآية قال الشافعي: يقتلون أن قتلوا وتقطع أيديهم إن سرقوا، ونحن نقول: الأصل عدم الإضمار أي الحذف وكذا يقدم التأسيس على التأكيد كقوله تعالى ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) من أول السورة إلى آخرها فتحمل الآلاء في كل موضع على ما تقدم قبل لفظ ذلك التكذيب فلا يتكرر منها لفظ وكذا يقال في سورة والمرسلات فيحمل على المكذبين بما ذكر قبل كل لفظ، وكذا يقدم العموم على الخصوص قبل البحث عن المخصص عند أكثر المالكية كقوله تعالى:((وأن تجمعوا بين الأختين)) أي سواء كانتا حرتين أو مملوكتين ولا يختص بالحرتين دون المملوكتين، وكذا يقدم البقاء على النسخ كقوله تعالى:((قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما)) الآية فحصر التحريم في الأربعة يقتضي إباحة ما سواها ومن جملته سباع الطير وورد نهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب ومخلب من الطير فاختلفوا فيه هل هو ناسخ للإباحة أو لا؟ والأكل مصدر مضاف إلى فاعله وذلك الأصل في إضافة المصدر فيكون الحديث مثل قوله تعالى ((وما أكل السبع)).

ويقدم الإفراد على ضده الذي هو الاشتراك فجعل النكاح مثلا لمعنى واحد وهو الوطء أرجح من كونه مشتركا بينه وبين سببه الذي هو العقد ويقدم الإطلاق على التقييد كقوله تعالى ((لئن أشركت ليحبطن عملك)) فعند المالكية أن مطلق الشرك محبط، وقيده الشافعي بالموت على الكفر وأجيب بأن الأصل عدم التقييد، ويقدم الترتيب على التقديم والتأخير كقوله تعالى ((والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا)) الآية ظاهرها أن الكفارة لا تجب إلا بالظهار والعود معا وقيل فيها تقديم وتأخير تقديره والذين يظهرون من نسائهم فتحرير رقبة ثم يعودون لما قالوا قبل الظهار سالمين من الإثم بسبب الكفارة وعلى هذا لا يكون العود شرطا في كفارة الظهار وإنما قدم ما

ص: 137

ذكر لأجل إيجاب العمل بالراجح من محملات اللفظ وكون ما ذكر هو الراجح لأنه الأصل.

وإن يجى الدليل للخلاف

فقد منه بلا اختلاف

يعني أن محل ترجيح المذكورات على مقابلاتها المرجوحة على الأصل حيث لا دليل يرجحه على الأصل والأرجح ووجب المصير إليه بلا خلاف.

وبالتبادر يرى الأصيل

إن لم يك الدليل لا الدخيل

يرى بالبناء للمفعول، والدخيل معطوف على الأصيل يعني أنه يعرف الأصيل لا الدخيل أي الفرع الذي هو المجاز بالتبادر إلى الفهم حيث انفقد الدليل أي القرينة فالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن من اللفظ عند عدم القرينة هو المعنى الحقيقي له وغيره وهو ما لا يتبادر إليه إلا بالقرينة هو المجازي. قال المحلى ويؤخذ مما ذكر أن التبادر من غير قرينة تعرف به الحقيقة. يعني أنه إذا كان المجاز يعرف بتبادر غيره الذي هو بحسب الواقع الحقيقة لولا القرينة فالحقيقة التي هي ذلك الغير تعرف بتبادرها من غير قرينة فإن قيل لا نسلم إن ذلك الغير ينحصر في الحقيقة بل منه اللفظ الموضوع قبل استعماله، فالجواب: أن اللفظ قبل الاستعمال لا يوصف بتبادر المعنى منه لأن تبادر المعنى من الألفاظ إنما يتصور حين استعماله في المعنى منه وأما معرفة معناه كذا للعلم بأنه وضع له فليس من قبيل تبادر المعنى من اللفظ فاللفظ الذي يتبادر منه المعنى لا يكون إلا الحقيقة وتنتقض هذه العلامة للحقيقة بالمشترك لأنه لا يتبادر شيء من معانيه وأجيب بأن العلامة لا يجب انعكاسها فلا يضر تخلفها عن المشترك وأيضا فلا نسلم انتفاءها عنه عند من يجعله عند تجرده من القرائن ظاهرا في معنييه أو معانيه وإذا علمت ذلك علمت بطلان اعتراض اللقاني على المحلى في قوله: ويؤخذ مما ذكر .. الخ قوله لا الدخيل أي الفرع فيعرف بضد العلامة المذكورة.

وعدم النفي والاطراد

ان وسم اللفظ بالانفراد

ص: 138

يعني: أنه يعرف الأصل وهو المعنى الحقيقي للفظ بعدم صحة نفيه في نفس الأمر لا لفظا ولا لغة وبه احترز عن قوله: ما أنت بإنسان لصحته لغة قاله العضد. مثال صحة النفي قولك للبليد ليس بحمار واعترض على هذه العلامة بأنه يلزم عليها الدور لتوقفها على أن المجاز ليس من المعاني الحقيقية وكونه ليس منها يتوقف على كونه مجازا وأجيب: بأن المراد صحة النفي بالنسبة إلى من لم يعرف أنه معنى حقيقي لذلك اللفظ وكذلك يعرف المعنى الحقيقي بوجوب الاطراد فيما يدل عليه أن وسم اللفظ بالانفراد أي عرف بعدم الترادف وإلا فلا يجب الاطراد لجواز التعبير بكل من المترادفين مكان الآخر مع أن كلا منهما حقيقة لا مجاز فما لا يطرد أصلا مجاز قال المحلى كما في ((واسأل القرية)) أي أهلها ولا يقال: واسأل البساط أي صاحبه. قال في الآيات البينات ثم الاطراد فيه ولو وقع إنما هو باستعمال نظائره في نظائر معناه لا باستعماله هو في أفراد معناه كما هو حقيقة الاطراد. وكذا ما يطرد لا وجوبا كما في الأسد في الرجل الشجاع فيصح في جميع جزئياته من غير وجوب الجواز أن يعتبر في بعضها بالحقيقة كالتعبير بالشجاع بدل الأسد في بعض ذوي الشجاعة قال المحشى ولا شك أن مثل ذلك يأتي في الحقيقة التي لها مجاز فإنه يصلح التعبير في بعض جزئياته مدلولها بالمجاز بدلها. يعني كالتعبير بالأسد بدل الشجاع وأجيب: بأن المراد بعدم الاطراد صحة إطلاق اللفظ على كل فرد من أفراد ذلك المعنى مع إمكان العدول في بعض الافراد إلى إطلاق يكون حقيقيا وبوجوب الاطراد صحة إطلاق اللفظ على كل فرد من أفراد ذلك المعنى مع عدم إمكان العدول في بعض الإفراد إلى إطلاق يكون حقيقيا واعترض بعضهم وجوب الاطراد في الحقيقة بأن منها ما لا يطرد كالفاضل والسخي حقيقتان في الإنسان ولا يطلقان في حقه تعالى، وكالقارورة والدبر ان الأول حقيقة في الزجاجة ولا يطلق في كل ما فيه قرار، والثاني في منزلة القمر لا في كل ما فيه دبور وأجيب بأن عدم إطلاق الأولين عليه تعالى لأمر شرعي وهو أن أسماءه تعالى توقيفية ولإيهام النقص، لأن الفاضل يطلق في محل يقبل الجهل والسخي في محل يقبل البخر وعدم إطلاق الآخرين على غير ما ذكر لعدم وجود المعنى فيه لأن المحل المعين قد اعتبر

ص: 139

في وضعهما ولم يوجد فيما ذكر وقول المحلى لا يقال واسأل البساط قال القرافي في شرح المحصول لا نسلم أنه يمتنع بل كلام سيبويه وغيره يقتضي الجواز. قال ابن مالك:

وما يلي المضاف يأتي خلفا

البيت، فإن امتنع استقلال المضاف إليه بالحكم فقياسي نحو واسأل القرية وإلا فسماعي. وما يقوي الإشكال أن المعتبر في العلاقة نوعها وهي متحققة هنا والاستحالة قرينة فما وجه الامتناع.

والحاصل أن كلام الأصوليين مصرح بامتناع نحو واسأل البساط وكلام النحاة مصرح بجوازه مع ظهور وجهه

والضد بالوقف في الاستعمال

وكون الاطلاق على المحال

يعني أنه يعرف المعنى المجازي بتوقف اللفظ في إطلاقه عليه على المسمى الآخر الحقيقي وهذا هو المسمى عند أهل البديع بالمشاكلة وهي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ولفظ المشاكلة مجاز نحو ((ومكروا ومكر الله)) أي جازاهم على مكرهم حيث تواطؤا وهم اليهود على قتل عيسى عليه السلام بأن ألقى شبهة على من وكلوا بقتله، وإطلاق اللفظ على معناه الحقيقي لا يتوقف على غيره يعني أنك إذا وجدت معنيين للفظة إطلاقها على أحدهما لا يتوقف على مسمى آخر. وعلى أحدهما يتوقف فاحكم على غير المتوقف بأنه حقيقي وعلى الآخر بأنه مجازي فقوله ((ومكروا حقيقة ومكر الله مجاز)).

قوله وكون .. الخ يعني أنه يعرف المجازي بكون إطلاق اللفظ عليه إطلاقا على المستحيل عليه ذلك الإطلاق نحو ((واسأل القرية)) أطلق سؤال القرية على معنى هو استفهامها وهو مستحيل فاستحالته يعرف بها أن المراد استفهام أهلها.

قوله والضد .. الخ الضد مبتدأ خبره بالوقف وكون الإطلاق معطوف عليه، يعني أن الضد الذي هو المجاز يعرف بالوقف أي التوقف.

ص: 140

وواجب القيد وما قد جمعا

مخالف الأصل مجازا سمعا

وواجب بالجر عطف على الوقف يعني: أن المجازى يعرف بلزوم تقييد اللفظ الدال عليه كجناح الذل ونار الحرب، الأول بمعنى لين الجانب والثاني بمعنى شدة الحرب فإنه التزم تقييد كل من الجناح والنار بما أضيف هو إليه وتلك الإضافة قرينة المجاز والتزامها علامة تميز المجاز عن الحقيقة وعلى هذا فالعلاقة المشابهة في الصفة الظاهرة وهي كون الجناح آلة يحفها الطائر على فرخه لئلا يؤذيه شيء وكون النار شديدة الإفناء. والظاهر كما قال السعد التفتازاني أنهما ليسا من قبيل الاستعارة الحقيقية بل من قبيل الاستعارة التخيلية كأظفار المنية، والحققون على أن اللفظ فيه مستعمل في معناه الموضوع له وإنما التجوز في الاستعارة في إثباته لما ليس له بخلاف المشترك من الحقيقة فإنه يقيد من غير لزوم وكالعين الجارية.

قوله وما قد جمعا .. الخ ما مبتدأ وألف جمعا للإطلاق ومخالف الأصل حال من الضمير نائب فاعل جمع ومجازا حال من نائب فاعل سمع قدم وألفه للإطلاق أيضا وجملة سمع خبر يعني أن اللفظ جمعه على خلاف جمع الحقيقة مجاز كالأمر بمعنى الفعل مجازا يجمع على أمور بخلافه بمعنى القول فيجمع على أوامر وهذا مقيد، بما علم له معنى حقيقي، وتردد في معناه الآخر فيستدل على أنه مجاز باختلاف الجمع دفعا للاشتراك. قال زكرياء: وعليه فلا أثر لاختلاف الجمع في تمييز المجاز من الحقيقة مطلقا.

ص: 141