الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النسخ
يكون لغة بمعنى الرفع والإزالة ومنه نسخت الشمس الظل ونسخت الريح آثار القوم وبمعنى النقل والتحويل ومنه تناسخ المواريث وتناسخ الأرواح وقيل حقيقة في الرفع مجاز في النقل واصطلاحا هو ما أشار له بقوله:
رفع لحكم أو بيان الزمن
…
بمحكم القرآن أو بالسنن
رفع خبر مبتدأ محذوف أي هو رفع وبيان معطوف على خبر، والسنن جمع سنة بالضم، يعني: أن النسخ قال القاضي أبو بكر الباقلاني منا: أنه رفع الحكم الثابت بطريان الحكم اللاحق المضاد له مع تراخيه عنه لأن الله تعالى شرع الحكم السابق دائما على خلقه إلى قيام الساعة والحكم الثاني الناسخ اقتضى عدم دوام الحكم الأول فعدم الحكم الأول مضاف إلى وجود الحكم الثاني، واحترز بقوله مع تراخيه عما لو قال فعلوا لا تفعلوا مثلا فليس بنسخ مع أنه لا يكون في كلام الشارع التهافت واختار بعضهم هذا القول لشموله النسخ قبل التمكن من الفعل الذي هو جائز على الصحيح وذهب جمهور الفقهاء وغيرهم إلى أن النسخ بيان لانتهاء زمان الحكم السابق بالخطاب الثاني لا رافع لحكم الخطاب بل الخطاب الأول انتهى بذاته وخلف بدله الخطاب الثاني لأن الله تعالى شرع الحكم إلى وقت ورود الناسخ، فالخطاب الأول يدل بظهوره على الدوام فلما ورد الناسخ تبين عدم الدوام فعدم الحكم الأول ليس مضافا لوجود الحكم الثاني لأنه كان مغيبا إلى غاية معلةمة لله تعالى غير معلومة عندنا وإنما نعلمها نحن بورود الحكم المتأخر المضاد للحكم الأول فيرجع النسخ في هذا المذهب إلى التخصيص في الأزمان وهذا الخلاف هو فرع اختلافهم في أن زوال الأعراض بالذات أو بالضد فمن قال ببقائها قال أنما ينعدم الضد
المتقدم بطريان الطاري ولولاه لبقي، ومن لم يقل بالبقاء قال: ينعدم بنفسه ثم يحدث الضد الطاري قال في الآيات البينات: ونظيره الخلاف في الحدث هل الوضوء ينتقض به أو ينتهي بنفسه وجه شمول القول الأول للنسخ قبل حضور وقت العمل به وذلك يمنع كون النسخ عبارة عن انتهاء مدة العبادة لأن بيان انتهاء مدة العبادة إنما يكون بعد حصول المدة فقبل حصولها يستحيل بيان انتهائها ..
فإن قيل: يتصور النسخ قبل التمكين على القول الثاني أيضا بأن يقع النسخ بعد دخول الوقت قبل مضي زمن يمكن فيه الفعل فالجواب كما في الآيات البينات أنه على تسليم صدقة بذلك يبقى النسخ قبل دخول الوقت، فكونه رفعا أعم مطلقا من كونه بيانا لانتهاء أمد الحكم كما رأيت وهو التحقيق خلاف ما ذهب إليه بعضهم من أن التعريفين متلازمان لأنه إذا رفع تعلق الحكم فقد بين انتهاؤه وإذا ببين انتهاؤه فقد رفع تعلقه.
قوله بمحكم القرآن الخ المراد بالحكم المتضح المعنى فخرجت الإباحة الأصلية كشربهم الخمر في صدر الإسلام قبل أن يرد في إباحتها نص من تقرير أو غيره كما تقدم في قولنا: وما من البراءة الأصلية الخ، وخرج الرفع بالموت والجنون والغفلة ولا نسخ بالعقل وقول الإمام من سقط رجلاه نسخ غسلهما مدخول أي فيه دخل بفتح فسكون وبالتحريك فإن قيل: أن تفسير النسخ برفع الحكم لا يشمل نسخ بعض القرآن، تلاوة لا حكما إذ ليس رفعا لحكم فلا يكون جامعا فالجواب كما في حواشي العضد للسعد ومثله في الآيات البينات أن النسخ تلاوة فقط معناه نسخ حرفه قراءته على الجنب ومسه على المحدث ونحو ذلك وهذه أحكام فنسخ التلاوة كنسخ الحكم فيصدق عليه التعريف فإن قيل: ينافي ذلك قولهم نسخ تلاوة لا حكما أجيب بأن لا منافاة لأن مرادهم بالحكم المنفي حكم خاص وهو مدلول اللفظ لا مطلقا والمراد بقولهم رفع الحكم رفع تعلقه بالفعل لا رفعه في نفسه لأن الخطاب قديم فلا يرتفع.
(فلم يكن بالعقل .. )
يعني أن النسخ لا يكون بالعقل كما تقدم في شرح البيت قبل هذا.
أو مجرد الإجماع بل ينمي إلى المستند.
يعني أن الإجماع لا ينسخ به لأنه أنما ينعقد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إذ في حياته الحجة في قوله دونهم ولا نسخ بعد وفاته لكن ينسب النسخ غلى مستند الإجماع بفتح النون فالدليل الذي استند الإجماع إليه في مخالفتهم النص هو الناسخ، وكما أن الإجماع لا ينسخ به كذلك لا ينسخه هو غيره وكما لا ينسخ الكتاب والسنة بالإجماع كذلك لا يخصصان به ولا يقيدان فمعنى قولهم يجوز تخصيص الكتاب والسنة بالإجماع أنهم يجمعون على تخصيص العام بدليل آخر فالمخصص في الحقيقة هو سند الإجماع ثم يلزم من بعدهم متابعتهم وأن جهلوا المخصص فالمراد إجماع على التخصيص لا التخصيص بالإجماع من الآيات البينات ملخص.
ومنع نسخ النص بالقياس
…
هو الذي ارتضاه جل الناس
يعني: أن نسخ النص بالقياس لا يجوز شرعا عند الأكثر واختاره القاضي والباجي وهو مذهب الشافعي حذرا من تقديمه على النص الذي هو أصل له في الجملة، ومقابل قول الجمهور ثلاثة أقوال، أحدها أنه يجوز شرعا مطلقا لإسناده إلى النص الدال على علية العلة مع حكم الأصل فكان ذلك النص هو الناسخ كما لو ورد نص بإباحة التفاضل في الأرز ثم ورد نص آخر بتحريم التفاضل في البر، فالقياس يمنع التفاضل في الأرز لوجود الطعم فيه الذي هو علة الربا عند الشافعية وهذا القول صححه السبكي لكنه خلاف ما عليه جمهور أصحابهم من المنع مطلقا منهم الصيرفي والكيا وابن الصباغ وسلم الرازي وأبو منصور البغدادي وابن السمعاني فأنهم قالوا أن القياس
لا ينسخ به نص ولا إجماع ولم يقل مجيز بنسخ النص بالنص في القياس مثل ما قالوا في الإجماع لأن نستند الإجماع صدر من الشارع قبل اتفاق المجتهدين وبمجرد صدوره عند تحقق النسخ وأن تأخر اطلاعنا عليه فلذلك قالوا أن الإجماع لا ينسخ به بخلاف القياس فإن مستنده الذي هو دليل أصله لم يدل على نقيص حكم النص المنسوخ ولا رفعه وإنما الدال على ذلك إلحاق ذلك الفرع الذي هو محل الحكم المنسوخ بذلك الأصل في حكمه فمع قطع النظر عن ذلك الإلحاق الذي هو القياس لا يثبت نقيض حكم النص المنسوخ ولا يتحقق رفعه ولهذا قالوا: أن نفس القياس ناسخ قاله في الآيات البينات. الثاني يجوز أن كان القياس جليا ومنه المساوي بخلاف الجنس لضعفه.
الثالث يجوز أن كان القياس في زمنه صلى الله عليه وسلم والعلة منصوصة بخلاف ما علته مستنبطة لضعفه وما وجد بعد زمنه لانتفاء النسخ حينئذ.
ونسخ بعض الذكر مطلقا ورد.
يعني: أنه قد وقع في الشرع نسخ بعض الذكر آي القرآن تلاوة وحكما أحدهما فقط وقيل: لا يجوز نسخ بعضه شرعا ككله.
الجمع على منع نسخ تلاوته أو أحكامه شرعا وهو جائز عقلا وحكم نسخ جميع السنة كحكم نسخ جميع القرآن، مثال نسخ التلاوة والحكم ما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها كان فيما نزل آي من القرآن عشر رضعات معلومات أي يحرمن فنسخن تلاوة وحكما عند مالك وتلاوة فقط عند الشافعي، ومثال منسوخ التلاوة وحكما عند مالك وتلاوة فقط عند الشافعي، ومثال منسوخ التلاوة فقط الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة والمراد بالشيخ والشيخة المحصنان لأمره صلى الله عليه وسلم برجم المحصنين وست وستون آية ناسخ ومنسوخ والمراد بنسخ الحكم نسخ العمل به واختلف في منسوخ التلاوة، فقال ابن الحاجب الأشبه جواز حمل المحدث له وقال الآمدي من الحنابلة إلا شبه المنع.
والنسخ بالنص لنص معتمد.
أي قوى مشهور جوازا أو وقوعا على تفصي يأتي، أما نسخ القرآن بالقرآن فالصحيح جوازه ووقوعه كنسخ الاعتداد بالحول بأربعة أشهر وعشر وأما نسخ السنة متواترة أو آحادا بالسنة المتواترة أو نسخ الآحاد بالآحاد فجائز اتفاقا أو عند الأكثر وقال الأسنوي: احتلفوا في وقوعه على مذهبين وممن ذكر الاتفاق على جوازه الأمدي في الأحكام ومنتهى السؤال وعبارة السبكي وابن الحاجب توهم أن الخلاف في الجواز ويدل له أن القاضي حكى عن بعضهم أنه منعه عقلا ولا فرق في هذا كله بين القرآن والسنة المتواترة والخلاف في وقوع نسخ المتواترة بالآحاد يدل بالأولى على وقوعه بالمتواترة لمثلها أو للآحاد وأما نسخ القرآن للسنة متواترة أم لا فجائز وواقع على الصحيح ودليل الجواز قوله تعالى: ((ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)) وأن خص من عمومه ما نسخ أو بين بغير القرآن، ويجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة على الصحيح ومذهب الجمهور وقوعه ووجه منع نسخ المتواترة بالآحاد أن المتواتر مقطوع به والآحاد مظنون والنسخ إبطال وشرط المبطل أن يكون مساويا أو أقوى بخلاف الرفع فإنه يحصل لأدنى دافع وأجيب بوجهين: الأول أن محل النسخ الحكم ودلالة القرآن عليه ظنية، والثاني تضعيف القول بأن المبطل لابد أن يكون أقوى أو مساويا بأوجه منها ما ذكره القاضي في مختصر التقريب بأنا نقول وجوب العمل بخبر الواحد مقطوع فما يضرنا التردد في أصل الحديث مع أنا نعلم قطعا وجوب العمل به ومنها أنا لا نسلم أن المقطوع لا يدفع بالمظنون لأن انتفاء الأحكام قبل ورود الشرع مقطوع به عندنا وثبوت الحظر أو الإباحة مقطوع به عند آخرين ثم إذا نقل خبر عنه صلى الله عليه وسلم يثبت العمل به ويرتفع ما تقرر قبل ورود الشرع ذكره القاضي أيضا.
فولنا ودلالة القرآن عليه ظنية فإن قيل يؤخذ منه منع نسخ التلاوة بالآحاد لأن نسخها يتضمن إسقاط قرآنيتها وهي ثابتة قطعا فلا تنسخ بالآحاد فالجواب منع ذلك كما في الآيات البينات بأن الثابت
بالقطع هو أصل قرآنيتها لا دوامها الذي ينسخ بالآحاد على تقدير القول به هو الثاني دون الأول.
والنسخ بالآحاد للكتاب
…
ليس بواقع على صواب
يعني أن نسخ القرآن بخبر الآحاد وإن كان جائزًا فليس بواقع على الصواب أي الصحيح وهذا مستثنى مما دل عليه البيت قبله قال السبكي: والحق لم يقع إلا بالمتواترة بخلاف نسخ القرآن والسنة المتواترة بالآحاد كنسخ حديث «لا وصية لوارث» لقوله تعالى: (كتب عليهم إذا حضر أحدكم الموت) إلى (والأقربين) وكنسخ نهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع لقوله: (قل لا أجد فيما أوحي إلي) الآية وكنسخ حديث «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» لقوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) واحتج أيضًا القائلون بالوقوع بأنه يخصص فينسخ وأجاب النافون للوقوع بعدم تسليم كون ذلك ونحوه غير متواتر للمجتهدين الحاكمين بالنسخ لقرابتهم من زمان النبي صلى الله عليه وسلم قلت: وذلك لا يكفي بالنسبة إلى أهل الأعصار المتأخرة بكثير إذ التواتر يشترط في كل الطبقات كما هو معلوم إلا أن يقال المدار هنا في التواتر وغيره على زمانه عليه السلام. وممن قال بالوقوع الباجي منا وعليه مشى القرافي في «التنقيح» وأهل الظاهر والغزالي.
(وينسخ الخف بما له ثقل) الخف بكسر الخاء المعجمة بمعنى الخفيف وثقل بكسر ففتح يعني أنه يجوز نسخ الخفيف من الأحكام ببدل أثقل منه وقال بعض المعتزلة لا يجوز إذ لا مصلحة في الانتقال من سهل إلى عسر وأجبت بأنه إن سلم رعاية المصلحة في مشروعية الأحكام فلا يسلم عدم المصلحة في ذلك لأن من فوائده كثرة الثواب وقد تكون له فائدة في علمه تعالى كما يسقمهم بعد الصحة ويضعفهم بعد القوة لا كنا لا نسلم رعاية المصلحة إلا تفضلا لا وجوبا وقد وقع كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية بتعيين الصوم ومن النسخ
بالأثقل نسخ الحبس في البيوت بالجلد والرجم ووافق الظاهرية بعض المعتزلة في المنع محتجين بقوله تعالى: ((نأت بخير منها أو مثلها)) وبقوله ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)). وأجيب عن الأول بأن الأثقل قد يكون أفضل بكثرة الثواب وإصلاحه لأخلاقه ومعاده ومعاشه وعن الثاني بحمله على اليسر في الآخرة ولا خلاف في جواز النسخ بالأخف والمساوي.
(وقد يجيء عاريا من البدل)
يعني أن النسخ يجوز بلا بدل أصلا عند الجمهور خلافا لبعض المعتزلة في الجواز وللشافعي في الوقوع، حجة المعتزلة عدم المصلحة فيه وأجيب بأنها الراحة من التكليف مثال وقوعه نسخ وجوب تقديم الصدقة على مناجاة الرسول إذ لا بدل لوجوبه فيرجع الأمر إلى ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام من تحريم الفعل أن كان مضرة وأباحته إن كان منفعة وأجيب من جهة المانع بعدم تسليم أنه لا بدل للوجوب بل بدله الجواز الصادق هنا بالإباحة والاستحباب فالقائل بالوقوع معترف بأن الأمر في نسخ الوجوب يرجع إلى مقتضى الدليل العام وأن ذلك المقتضى ليس من البدل المراد هنا وإلا كان مناقضا لقوله بالوقوع. والشافعي القائل أن النسخ لا يقع إلا ببدل لا يكفي عنده ما هو مقتضى الدليل العام بل لابد عنده أن يكون البدل مستفادا من النسخ نصا أو اقتضاء:((إذا ناجيتم الرسول)) من قبيل الاقتضاء فإن قضية رفع الوجوب بقاء الجواز أي عدم الحرج الصادق بالإباحة والاستحباب بخلاف ما دل عليه الدليل العام فليس مفادا من النسخ لا نصا ولا اقتضاء بل هو أمر منفصل عنه البتة قاله في الآيات البينات.
حاصلة أن النسخ لم يعد البدل نصا أو اقتضاء كما تقرر يكون محل الخلاف حتى يكون ممتنعا عند المعتزلة وأن ثبت حكم آخر بمقتضى الدليل العام لكن ما نقل السبكي في شرح المنهاج عن القاضي حيث قال واستدل القاضي في مختصر التقريب على تجويز نسخ الشيء لا إلى بدل بأنا نجوز ارتفاع التكليف عن المخاطبين جملة فلا نجوز
ارتفاع عبادة لا بعينها لا إلى بدل أولى والمخالفون في ذلك وهم المعتزلة لا يجوزون ارتفاع التكليف فلهذا خالفونا في المسألة فهذا مثار الخلاف في هذه المسألة قد يقتضي خلاف ذلك لأنه حيث ثبت حكم بمقتضى الدليل العام لم يلزم ارتفاع التكليف قاله في الآيات البينات، ومن حجج المانعين قوله تعالى:((ما ننسخ من آية أو ننسهانات بخير منها أو مثلها)) وأجيب بأن الجواب لا يجب أن يكون ممكنا فضلا عن أن يكون واقعا نحو أن كان الواحد نصف العشرة فالعشرة اثنان.
وانسخ من قبل وقوع الفعل
…
جاء وقوعا في صحيح النقل
النسخ مبتدأ، وجملة جاء وقوعا خبره، ووقوعا تمييز محول عن الفاعل.
منهم من يعبر عن هذه المسألة بنسخ الفعل قبل التمكن منه ومنهم من يعبر بالنسخ قبل الفعل ومنهم من يقول قبل وقت الفعل أو قبل مجيء وقته يعني أنه يجوز على الصحيح نسخ الفعل قبل التمكن منه بأن أمر به فورا فنسخ قبل الشروع فيه أو غيره على التراخي ولم يدخل وقته أو دخل ولم يخص منه زمن يسع الفعل أو كان الفعل يتكرر مرارا ففعل ثم نسخ كنسخ القبلة وفاقا للمعتزلة في هذه الأخيرة لحصول مصلحة الفعل بتلك المرات الواقعة في الأزمنة الماضية ومنعوا الثلاث قبلها لعدم حصول المصلحة قال القرافي وأما بعد الشروع وقبل الكمال فلم أر فيه نقلا ومقتضى مذهبنا جواز النسخ فيه وفي غيره وتعليل المعتزلة المنع بعدم حصول المصلحة قريب من تعليل بعضهم له بعدم استقرار التكليف لأن هذا مبني على ذلك أي على وجوب ظهور المصلحة للعقل في أفعال الله تعالى وهو ممنوع عند أهل السنة ولهذا أجابوا بأنه يكفي للنسخ وجود أصل التكليف وأن لم يستقر والصواب في تفسير استقرار التكليف ما فسره به الكمال من أنه يكون بدخول الوقت ومضي زمن يسع الفعل قال في الآيات البينات وهو ظاهر لأن معنى استقرار التكليف من سقوطه مما يعرض من نحو جنون أن إغماء وذلك متوقف على مضي الزمن المذكور إذ بعد
مضيه تلزم العبادة وأن عرض ما ذكر قبل فعلها واستغرق الوقت بخلاف ما قبل مضيه فإن عروض ما ذكر يسقطها إذ استغرق الوقت ومن أدلة وقوع النسخ قبل التمكن قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام ((يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك)) ثم نسخ بقوله تعالى ((وفديناه بذبح عظيم)) ومنها رفع الصلوات الخمسين ليلة الإسراء بالخمس والذبيح قول الأكثر أنه إسحاق لكنه سرى إليهم من أهل الكتاب حسدا للعرب أن يكون جدهم الذبيح والصواب أنه إسماعيل لأن البشارة بإسحاق معطوفة على البشارة بالغلام المذبوح ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا ابن الذبيحين)) والأصل الحقيقة ولأن ذلك كان بمكة وكانا قرنا الكبش معلقين بالكعبة حتى احترقا أيام ابن الزبير ولم يكن إسحاق بمكة ويروي عن خلق كثير من الصحابة والتابعين وكونه إسحاق مردود بأكثر من عشرين وجها وأما نسخ الفعل بعد خروج وقته بلا عمل فمتفق على جوازه كما صرح به الآمدي في الأحكام لكن جزم ابن الحاجب بأنه لا يجوز واقتضى كلامه الاتفاق عليه قال في الآيات لبينات بعد ذكر تصريح الآمدي بالاتفاق على الجواز ما نصه وهذا يتأتى إذا صرح بوجوب القضاء أو قلنا الأمر بالأداء يستلزمه ويجوز النسخ في الوقت بعد مضي زمن يسعه عند الجميع إلا الكرخي من الحنفية فغنه قال لا يجوز النسخ قبل الفعل، سواء مضي من الوقت مقدار ما يسعه أم لا (وجاز بالفحوى) يعني أن النسخ بمفهوم الموافقة بقسميه جائز بالاتفاق عند الآمدي والرازي وحكي أبو إسحاق الشيرازي قولا بمنع النسخ به بناء على أنه قياس لمحل الفحوى على محل المنطوق والقياس لا يجوز النسخ به.
ونسخه بلا
…
أصل وعكسه جوازه انجلا
ورأى الأكثرين الاستلزام
نسخه مبتدأ وعكسه معطوف عليه وجوازه مبتدأ ثان وجملة جلا المبتدأ والثاني وخبره خبر عن الأول يعني أنه يجوز نسخ الفحوى أي مفهوم الموافقة بقسميه ولو بالفحوى دون نسخ أصله الذي هو
المنطوق وكذا عكسه وهو نسخ الأصل دونه على الصحيح فيهما لأن الفحوى وأصله مدلولان متغايران مجاز نسخ كل واحد منهما فقط كنسخ تحريم ضرب الوالدين دون تحريم التأفيف والعكي فلا ارتباط عقلا بين حكمين من هذه الأحكام بحيث يمتنع انفكاك أحدهما عن الآخر بل الارتباط بينهما إنما هو بمعنى التبعية في الدلالة والانتقال من المنطوق إلى الفحوى وهو لا يوجب اللزوم في الحكم قال سعد الدين التفتزاني ولو سلم فعند الإطلاق دون التنصيص كما إذا قيل اقتل فلانا ولا تستخف به قوله ورأى الأكثرين الاستلزام يعني أن ما مضي من جواز نسخ كل من المنطوق ومفهوم الموافقة دون الآخر مبني على عدم استلزام كل منهما الآخر وأن مذهب الأكثرين هو الاستلام فلا يجوز نسخ واحد منهما دون الآخر لن الفحوى لازم لأصله وتابع له ورفع اللازم يستلزم رفع الملزوم ورف المتبوع يستلزم رفع التابع أما نسخهما معا فجائز اتفاقا.
(وبالمخالفة لا يرام)
يعني أن النسخ بمفهوم المخالفة لا يقصد لعدم جوازه لضعفها عن مقاومة النص.
وهي عن الأصل لها تجرد
…
في النسخ وانعكاسه مستبعد
يعني: أنه يجوز المخالفة أي الحكم المفهوم على طريق المخالفة دون نسخ الأصل وهو حكم المنطوق وأحرى في الجواز إذا نسخت مع أصلها مثال نسخها دونه حديث إنما الماء من الماء فإن المنسوخ مفهومه وهو عدم لزوم الغسل عند عدم الإنزال ومثال نسخهما معا أن ينسخ مثلا وجوب الزكاة في السائمة ونفيه في المعلوفة عند القائل به قوله وانعكاسه الخ يعني أن الأصل وهو حكم المنطوق دون المخالفة أمر بعيد فالظاهر منعه لأنها تابعة له فترتفع بارتفاعه ولا يرتفع هو بارتفاعها واستشكل منع نسخ الأصل دونها مع جواز نسخ الأصل دون الفحوى فلابد من التسوية بينهما في الجواز والامتناع أو من إبداء
فرق واضح بينهما فإن العلة المذكورة لمنع نسخ الأصل دونها غير مسلمة وما أراد بسط ذلك فليطالع الآيات البينات. وقيل يجوز نسخ الأصل دونها.
ويجب الرفع لحكم الفرع
…
أن حكم أصله يرى ذا رفع
يعني: أن المختار أن حكم الأصل المقيس عليه إذا نسخ لا يبقى مع نسخه حكم الفرع المقيس لانتفاء العلة التي ثبت بها بانتفاء حكم الأصل وقالت الحنفية يبقى لأن القياس مظهر له لا مثبت مثاله على ما حكاه الباجي عنهم جواز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض بالقياس على شهادتهم على المسلمين في السفر ثم نسخت شهادتهم على المسلمين وبقي حكم شهادة بعضهم على بعض قال الإبياري والخلاف في المسألة مبني على الخلاف في حكم الأصل هذا يضاف إلى العلة أو المضاف إلى العلة إنما هو حكم الفرع كما يقوله الحنفية فنسخ حكم الأصل ليس نسخا للعلة المضاف إليها حكم الفرع وإسقاط حكم الفرع لنسخ حكم الأصل سماه بعضهم نسخا والأحسن أن لا يسماه وذلك لأن مورد النسخ حكم الأصل ثم يترتب انتفاء حكم الفرع وعلى أنه يسماه نقول كما في الآيات البينات تسلط الناسخ على الحكمين معا ورفعهما معا لكن على أن حكم الفرع لا يبقى مع نسخ حكم الأصل يشكل جواز نسخ الأصل دون الفحوى بناء على أن دلالتهما قياسية قال في الآيات البينات. ويمكن أن يجاب بأن ثبوت الحكم في الفحوى أقوى من ثبوته هنا بدليل انه قيل أنها منطوق.
وينسخ الإنشا ولو مؤبدا
…
والقيد في الفعل أو الحكم بداً
مؤبدا بفتح الموحدة والقيد مبتدأ خيره جملة بدا وقوله في الفعل يتعلق بالخبر والحكم معطوف على الفعل يعني أنه يجوز نسخ الإنشاء ولا خلاف في جوازه ووقوعه في الجملة ولو قيد بالتأبيد وغيره عند الجمهور سواء كان القيد في الفعل نحو صوموا أبدا صوموا حتما أو في
الحكم نحو الصوم واجب مستمر أبدا أو واجب مستمر إذا قاله إنشاء لا خبرا فسيأتي ويتبين بورود الناسخ أن المراد أفعلوا إلى وجوده كما يقال لازم غريمك أبدا أي إلى أن يعطي الحق فإن قيل ذلك التقدير خلاف الظاهر فلابد له من قرينة، قلنا القرينة ظهور أن التكليف متوقف على مشيئة الشارع وأن له رفعه متى أراد حيث ثبت إمكان رفعه على أنه لا حاجة هنا إلى قرينة لأن المكلف مطالب بالمكلف به مطلقا إلى أن يعلم سقوطه عنه.
وفي الأخير منع ابن الحاجب
…
كمستمر بعد صوم واجب
يعني أن ابن الحاجب من المالكية وفاقا لقوم من الحنفية منعوا النسخ في الأخير وهو ما كان التأبيد فيه قيدا للحكم كان يقول الشارع أمرتم بصوم واجب مستمر أو الصوم واجب مستمر أبداً إذا قاله على سبيل الإنشاء لا الخبر لأن القيد هنا للحكم وهو الوجوب والاستمرار فلا يجوز نسخه عند ابن الحاجب ومن تبعه ولعل وجهه أن الحكم كلام نفسي بخلاف صوموا أبدا فإن التأبيد قيد الواجب وهو الصوم الذي هو فعل المكلف فلذا جاز نسخه عندهم وأجيب من جهة الجمهور بعدم الفارق لأنه إذا كان المراد بقوله الصوم واجب مستمر الإنشاء كان بمعنى صوموا صوما مستمرا أو صوموا أبدا وإنما يظهؤ الفرق بين كون التأبيد قيدا للواجب أو لو كان المراد به الخبر وهو محل وفاق قاله المحشي.
ونسخ الأخبار بإيجاب خبر
…
بناقض يجوز لا نسخ الخبر
يعني أنه يجوز نسخ إيجاب الأخبار بشيء بإيجاب الأخبار بناقض ذلك الشيء أي نقيضه قوله ونسخ الأخبار على حذف مضاف كما رأيت وقوله خبر آخر الشرط الأول بمعنى الأخبار كان يوجب الأخبار بقيام زيد ثم يوجب الأخبار بعدم قيامه قبل الأخبار كان يوجب الأخبار بقيام زيد ثم يوجب الأخبار بعدن قيامه قبل الأخبار بقيامه ومنعته المعتزلة فيما إذا كان المخبر به لا يتغير كحدوث العالم لأن الإخبار
المذكور كذب والتكليف بالكذب قبيح بناء على قاعدة التحسين والتقبيح ووجوب رعاية المصالح في أفعاله تعالى وجميع ذلك باطل عند أهل السنة مع أنه قد يدعو التكليف بالكذب غرض للمكلف صحيح فلا يكون قبيحا وقد ذكر الفقهاء مسائل يجب فيها الكذب وقد يندب وقد يكره ونظمها بعضهم بقوله:
لقد أوجبوا زورا لإنقاذ مسلم
…
وقال له إ هو بالجوز يطلب
ويكره تطيبا لخاطر أهله
…
وإما بإرهاب العدو فيندب
وجاز لإصلاح ويحرم ما سوى
…
أولاء فذا نظم لهن مهذب
قوله بإيجاب الأخبار بنقيضه خرج به مجرد نسخة من غير إيجاب الأخبار لنقيضه كما لو قال أخبر وأعن العالم بأنه حادث ثم قال لا تخبروا عنه بشيء البتة فلا خلاف في جوازه قاله في الآيات البينات ومثله لحاولوا قوله لا نسخ الخبر أي لا يجوز نسخ مدلول الخبر بخلاف لفظه فجائز لقولنا ونسخ بعض الذكر مطلقا ورد، قال السبكي: ويجوز على الصحيح نسخ بعض القرآن تلاوة وحكما أو أحدهما فقط وإنما منعوا نسخ مدلول الخبر وإن كان مما يتغير لنه يوهم الكذب أي يوقعه في الوهم أي أن الذهن والكذب على الله تعالى محال واعترض بأن نسخ الأمر يوهم البدء أي الظهور بعد الخفاء وهو محال على الله تعالى أيضا فلو كان مجرد الإيهام مانعا لامتنع النسخ هنا أيضا قال في الآيات البينات فإن قالوا النهي الذي ينسخ الأمر دال على أن الأمر لم يتناول ذلك الوقت قلنا الناسخ للخبر أيضا دال على أن الخبر المنسوخ لم يتناول تلك الصورة. وأجيب بأن الإيهام الذي في الأمر هو الإيهام المنافي للتحقيق والذي في الخبر هو الإيهام المجامع للتحقق (وكل حكم قابل له).
يعني أنه يجوز عند الجمهور عقلا نسخ جميع الأحكام من وجوب وندب وتحريم وكراهة وإباحة شرعية ويبقى الأمر في الجميع على الإباحة الأصلية أي المأخوذة من براءة العقل وهي ليست بحكم شرعي كما تقدم ومنع الغزالي إلى نسخ جميع التكاليف لتوقف معرفة النسخ والناسخ وهو الله تعالى ومعرفة الدليل الدال على النسخ وهي من التكاليف فلا يتأتى نسخها وأجاب ابن الحاجب بأنه بحصول تلك المعرفة ينتهي التكليف بها فيصدق أنه لم يبق تكليف وهو المقصود بنسخ جميع التكاليف فلا نزاع في المعنى لأن الذي ادعاه الجمهور جواز ارتفاع جميع التكاليف عقلا بعضها بطريق النسخ وبعضها وهو وجوب معرفة النسخ والناسخ بالإتيان بالمأمور به والغزالي لا يخالف في ذلك والذي ادعاه الغزالي انه لا يمكن رفع جميعها بطريق النسخ بما فيه من التسلسل والجمهور لا يخالفون في ذلك ويدخل في نسخ كل الأحكام نسخ تلاوة جميع القرآن لما تقدم من رجوع نسخها إلى نسخ الحكم ولا ينافي ذلك الإجماع على منع نسخ كل القرآن لدى امتناع شرعي والمراد بالجواز الجواز العقلي قاله في الآيات البينات ومنعت المعتزلة نسخ ما كان حسنا لذاته أو قبيحا لها، الأول مثل معرفة الله تعالى وهو العلم بوجوده ووحدانيته واتصافه بصفاته ومثل العلة وسكر المنعم فهذا لا يجوز نسخ وجوبه والثاني مثل الظلم والكفر والكذب فهذا لا يجوز نسخ تحريمه لأن هذا لا يتغير بتغيير الأزمان بناء منهم على أصلهم الباطل أعني التحسين والتقبيح العلقيي.
وفي
…
نفي الوقوع الاتفاق قد نفى
الاتفاق مبتدأ خبره جملة قفى بالبناء للمفعول والجار والمجرور يتعلقان بالاتفاق يعني أن الاتفاق أي الإجماع على عدم وقوع نسخ جميع التكاليف إجماع مقفو أي متبع مسلم.
هل يستقل الحكم بالورود
…
أو ببلوغه إلى الموجود
يعني أنهم اختلفوا هل يستقل الحكم في حق المكلفين بنفس وروده أي تبليغ جبريل النبي إياه صلى الله عليه وسلم وقبل بلوغه الأمة قيل: يستقل أي يثبت بمعنى الاستقرار في الذمة لا بمعنى طلب الامتثال كما صلاة ونحوها أولاً أما من يمكنه علم الشرائع فقضاؤها واجب عليه في النائم وقت الصلاة فإنها مستقرة في ذمته مع أنه غير مخاطب بها وقيل لا يثبت الحكم في حق المكلفين حتى يبلغه من النبي صلى الله عليه وسلم لعدم عملهم به أما قبل بلوغه النبي فلا يثبت في حقهم اتفاقا إذا كان قبل بلوغه جبريل فإن كان بين التبليغين فكذلك على الصواب وينبني على الخلاف رفع الخمسين صلاة ليلة الإسراء هل يسمى نسخاً أولاً والذي عليه الجمهور واختاره ابن الحاجب والسبكي أن الناسخ قبل تبليغه صلى الله عليه وسلم الأمة لا يثبت في حقهم.
أعلم أن أن هذه المسألة فرضها بعضهم كالسبكي في ورود الناسخ قبل تبليغه صلى الله عليه وسلم الأمة وفرضها عياض في أول الوكالة من التنبهات فيما هو أعلم من النسخ وإياه تبعت في النظم تربية للفائدة.
فالعزل بالموت أو العزل عرض
…
كذا قضاء جاهل للمفترض
المفترض بفتح الراء يعني أنه ينبني على الخلاف المذكور عزل الوكيل أو الخطيب هل يكون بنفس موت الموكل أو المولى إذا حصل موت وبمجرد العزل إذا عزل احدهما بناء على أن الحكم يثبت بنفس الورود قبل البلاغ أولاً يثبت العزول بمجرد ما ذكر بل حتى يبلغهما العزل فيه خلاف، فائدته هل يمضي تصرف الوكيل قبل علمه بالعزل أو يرد قال خليل: وانعزل بموت موكله أن علم- والأفتا ويلان وفي عزله بعزله ولم يعلم خلاف. قوله عرض معناه ظهر بناء الخلاف عليه وهو خبر العزل الأول لا الثاني فإنه معطوف على الموت قوله كذا قضاء الخ معناه ينبني على الخلاف أيضا هل يقضي الجاهل بالشرائع لكونه أسلم بدار الكفر أو نشأ على شاهق جبل ما فاته من الفرائض من صلاة ونحوها أولاً، أما من يمكنه علم الشرائع، فقضاؤها واجب عليه وإن لم تبلغه.
وليس نسخا كل ما أفادا
…
فيما رسى بالنص الازديادا
كل اسم وليس نسخا خبرها والازدياد مفعول أفاد يعني أن ملكا وأكثر أصحابه والشافعية والحنابلة لا يكون كل ما أفاد الازدياد أي الزيادة على ما ثبت بالنص نسخا عندهم للمزيد عليه لعدم منافاة الزيادة وما لا ينافي لا يكون ناسخاً أي رافعا للحكم الشرعي ومن شرط النسخ التنافي بحيث لا يمكن الجمع بين الناسخ والمنسوخ والمراد زيادة جزء من العبادة أو زيادة شرط لها مثال زيادة الجزء زيادة التقريب في حد الزنا وزيادة ركعتين بناء على أن الصلاة فرضت ركعتين ومثال زيادة الشرط زيادة الإيمان في صفات رقبة الكفارة خلافا للحنفية في قولهم أن تلك الزيادة نسخ واحتجوا بان السلام كان واجبا بعد الركعتين فبطل صلك وصار في موضع آخر وهو بعد الأربع فقد بطل حكم شرعي، وأجيب بان السلام يجب فيه أن يكون آخر الصلاة ثنائية كانت أو ثلاثية أو رباعية وكونه في آخر الصلاة لم يبطل، بل هو باق على حاله واحتجوا أيضا بأجزاء الركعتين الأوليين قبل والأجزاء حكم شرعي وقد ارتفع فيكون رفعه نسخا وبإباحة الأفعال بعد الركعتين ومع الزيادة بطلت هذه الإباحة والإباحة حكم شرعي ارتفع فيكون رفعه نسخا وأجيب عن الأول بأن معنى الأجزاء أنه لم يبق شيء آخر واجب على المكلف وذلك إشارة إلى عدم التكليف وعدم التكليف حكم عقلي لا شرعي والحكم العقلي رفعه ليس نسخا، بدليل أو وجوب العبادة ابتداء رافع للحكم العقلي رفعه ليس نسخا، بدليل أن وجوب العبادة ابتداء رافع للحكم العقلي الذي هو البراءة الأصلية وليس ذلك نسخا إجماعا قاله القرافي في شرح تنقيحه وأجيب عن الثاني بأن إباحة الاشتغال بعد الركعتين تابع لكونه ما وجب عليه شيء آخر وكونه ما وجب عليه شيء آخر إشارة إلى نفي الحكم الشرعي وبراءة الذمة التي هي حكم عقلي فلا يكون رفعه نسخا قاله فيه أيضا وكذا يقال أن زيادة التقريب رافعة لعدم وجوبة وعدم الوجوب حكم عقلي وتقييد الرقبة بالإيمان رافع لعدم لزوم تحصيل الإيمان فيها وذلك حكم عقلي فلا يكون رفعه نسخا كما تقدم وأما زيادة عبادة مستقلة مجانيسة كصلاة سادسة فليس محل خلاف للحنفية وإن خالف
فيه بعض أهل العراق وإنما جعل الحنفية الوتر ناسخًا حيث اعتقدوا وجوبه لما فيه من نسخ، قوله تعالى:(حافظوا على الصلاة الوسطى) فقد ذهبت المحافظة على الوسطى بصيرورتها غير وسطى لأن الصلاة صارت ستاً وكل عدد زوج لا توسط فيه وطلب المحافظة حكم شرعي قد ارتفع فيكون رفعه نسخًا وهذا بناء على أن تسميتها وسطى لتوسطها بين عددين وقيل لتوسطها بين الليل والنهار فهي الصبح وقيل لتوسطها بين الأعداد الثنائية الرباعية فهي المغرب، وأما زيادة عبادة مستقلة غير متجانسة كالحج زيد على العبادات في آخر الإسلام فليست نسخًا لما تقدمه من العبادات إجماعًا وقد صرح الآمدي وابن الحاجب في «المنتهى» بأن نسخ سنة من سنن العبادة لا يكون نسخًا لها ومثار الخلاف بين الجمهور والحنفية هل رفعت الزيادة حكمًا شرعيًا فعند الجمهور لا فليست بنسخ وعند الحنفية نعم نظرًا إلى أن الأمر بما دونها اقتضى تركها فالنص المثبت لها رافع لحكم ذلك المقتضى وأجاب الجمهور بعدم تسليم اقتضائه تركها والمقتضى الترك غيره كالبراءة الأصلية فعند الجمهور غير رافعة أبدًا لحكم شرعي وعند الحنفية رافعة أبدًا له وعند بعضهم ترفعه تارة وتارة لا، فلذلك قال إن غيرت حكم المزيد عليه شرعًا حتى صار وجوده وحده كالعدم كزيادة ركعة في الفجر فنسخ وإلا فلا كزيادة أربعين في حد الخمر واختاره القاضي هنا.
والنقض للجزء أو الشرط انتقى
…
نسخة للساقط لا للذبقى
يعني أن نقص جزء العبادة كركعة من الصلاة ونقص الشرط كالطهارة مثلاً انتفى بالبناء للمفعول أي اختير كونه نسخًا للساقط دون الباقي لأن الساقط هو الذي يترك وهذا مذهب المالكية والجمهور وقيل أنه نسخ لهما إلى بدل هو ذلك الناقص لجوازه أو وجوبه بعد تحريمه والجمهور يقولون أن إثبات الحكم للكل كإثباته للعموم فكما أن إخراج صورة من العموم لا يقدح كذلك إخراج جزء أو شرط.
الإجماع والنص على النسخ ولو
…
تضمنا كلا معرفا رأوا
الإجماع مبتدأ خبره جملة رأوا والنص معطوف على المبتدأ وكلا مفعول رأوا الأول ومعرفا بكسر الراء مفعوله الثاني أي معرفا للناسخ هذا شروع فيما يعرف به النسخ وما لا يعرف به يتعين الناسخ للشيء بتأخره عنه مع أنه لا يمكن الجمع بينهما وإلا وجب الجمع والعلم بتأخره يحصل بالإجماع بأن يجمعوا على أنه متأخر عنه لما قام عندهم على تأخره يحصل بالإجماع بأن يجمعوا على أنه متأخر عنه لما قام عندهم على تأخره أو يجمعوا على أن هذا ناسخ لذلك ومثله ابن السماع بنسخ وجوب الزكاة غيرها من الحقوق المالية وكذا يحصل العلم بتأخره بنص الشارع على نسخه نصا صريحا بل ولو كان بدلالة التضمن والالتزام مثال الأول أن يقول هذا ناسخ لذلك ومثال النص عليه التزاما قوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة أو هذا بعد هذا لكن في هذا الأخير بشرط أن لا يمكن الجمع ومنه النص على خلاف الأول بأن يذكر الشيء على خلاف ما ذكره فيه أولا بحيث لا يمكن الجمع حتى يصح النسخ كأن يقول في شيء أنه مباح ثم يقول فيه أنه حرام وإلا بمطلق الخلاف لا يقتضي المنافاة المصححة للنسخ كما لو قال في شيء أنه جائز ثم قال فيه أنه واجب فإن الوجوب خلاف الجواز مع أنه لا ينسخ لا مكان الجمع بينهما لأن الجواز يصدق بالوجوب قاله في الآيات البينات ومثله قول التنقيح يعرف أي النسخ بالنص على الرفع أو على ثبوت النقيض أو الضد.
كذلك يعرف لدى المحرر
…
فالمنع للجمع مع التأخر
كقول رأوا سابق المحرر بكسر الراء معناه المحقق يعني أن النسخ يعرف عندهم بامتناع الجمع بين الدليلين مع العلم بالمتأخر منهما فالمتأخر ناسخ كقول رأو هذا سابق على ذلك وفي معناه ما لو رتب بثم كما في صحيح مسلم عن علي كرم الله وجهه قام النبي صلى الله عليه وسلم في الجنازة ثم قعد وقول جابر رضي الله تعالى عنه كان آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار.
والمحكي
…
بما يضاهي المدني والمكي
قوله والمحكي معطوف على قول رأو فهو من أمثلة ما علك المتأخر فيه يعني أن مما يعلم به التأخر ذكرهم الشيء بنحو هذا مكي وهذا مدني وهذا قبل الهجرة وهذا بعدها أو هذا كان عام ست والآخر عام سبع أو كان هذا في غزوة كذا والآخر غزوة كذا إذ الغزوات معلومات السنين لكن ما اختلف في ترتبه منها لا يدل ذكره على التأخر حتى يثبت به النسخ (وقوله الناسخ) يجر قوله عطفا على قول رأو والناسخ خبر مبتدأ محذوف أي هذا الناسخ يعني أن مما يعلم به التأخر ويثبت به النسخ قول الراوي فيما علم نسخه وجهل ناسخه هذا هو الناسخ لذلك سواء قاله بالتعريف أو التنكير بخلاف قوله هذا ناسخ أو الناسخ لما لم يعلم بنسخه فلا يثبت به النسخ خلافا لمن قال يثبت به مطلقا ولمن قال يثبت إذا قال هذا منسوخ فإن قال هذا ناسخ لهذا لم يثبت به النسخ وردهما الجمهور بأن قوله ذلك قد يكون عن اجتهاد لا يوافق عليه وفرق بين قبول قول الراوي هذا سابق على ذلك وعدم قبول قوله فيما لم يعلم نسخه هذا ناسخ على مذهب الأكثر بما ذكره في الآيات البينات ولفظه: قد يفرق بين قبول ذلك وعدم قبول. قوله: هذا ناسخ كما سيأتي بأن هذا أقرب إلى التحقيق لن العادة أن دعوى السبق لا تكون إلا عن طريق صحيح بخلاف دعوى النسخ يكثر كونها عن اجتهاد واعتماد قرائن قد تخطئ وقد لا يقول بها غير الراوي. ولا فرق بين الراوي الصحابي وغيره.
والتأثير دع
…
بوفق واحد للأصل تتبع
التأثير مفعول دع وقوله بوفق متعلق بالتأثير وللأصل متعلق بوقف وتتبع بالبناء للمفعول مجزوم لأنه جواب الأمر أي أترك التأثير في التأخير بموافقة واحد من النصين للأصل أي براءة الذمة يعني أن كون أحد النصين على براءة الذمة لا يدل على كونه متأخرا عن المخالف لها حتى يثبت النسخ به لذلك المخالف لها خلافا لمن زعم ذلك نظراً إلى أن الأصل مخالفة الشرع لها ورد بأنه لا يلزم لجواز العكس.
وكون رواية الصحابي يكتفي
كون بالجر عطفاً على قوله وفق والصحابي نعت رواية ويقتفي خبر لكون مفعوله محذوف أي يقتفي غيره ويتبعه في الإسلام، يعني أن كون أحد الراويين متأخر الإسلام لا يؤثر في التأخر فلا يكون حديثه متأخراً عن حديث متقدم الإسلام حتى ينسخه إذ لا يلزم من تأخر إسلامه تأخر مرويه كحديث أبي هريرة المتأخر الإسلام في الوضوء من مس الذكر مع حديث طلق ما لم تنقطع صحبة الأول قبل صحبة الثاني ولا تأثير أيضاً بحداثة سن الراوي.
(ومثله تأخر في المصحف)؟
يعني أن تأخر أحد الآيتين في المصحف عن الأخرى مثل تأخر إسلام الراوي في كون كل منهما لا يثبت به التأخر حتى ينسخ الآخر كآية العدة بالحول مع آية العدة بأربعة أشهر وعشر خلافاً لمن زعم أن تأخر إسلام الراوي يؤثر في تأخر مروية وكذا ثبوت إحدى الآيتين في المصحف بعد الأخرى نظرا إلى أنه الظاهر في الأول وأن الأصل موافقة الوضع للنزول في الثاني وأجيب بعدم وجوب ذلك لجواز العكس قال في الآيات البينات قد يجاب بأنه يكفي أن ذلك هو الظاهر والنسخ يكفي فيه الظاهر بدليل النسخ بحبر الواحد إلا أن يمنع أن ذلك هو الظاهر. قلت لا يستطيع أحد أن يمنعه لأنه هو الغالب هو الظاهر الراجح كما يدل عليه كلام صاحب الآيات البينات ويحتمل أنه لا يثبت بالاحتمال ولو راجحاً كما يدل عليه كلام المحلي.
كمل القسم الأول من كتاب نشر البنود بحمد الله تعالى وحسن عونه وتوفيقه الجميل ويتلوه بحول الله وقوته القسم الثاني وأوله.
"كتاب السنة"