الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخصص المتصل
المخصص عرفا: الدليل المفيد للتخصيص وفي الأصل المتكلم بالتخصيص والمتصل هو ما لا يستقل من اللفظ بنفسه بأن يقارن العام معنى بأن يحتاج إلى مقارنته لعدم تأتي انفراده عنه فيخرج ما لو قيل اقتلوا المشركين.
حروف الاستثناء والمضارع
…
من فعل الاستثناء وما يضارع
أي: من المخصص المتصل حروف الاستثناء مثل إلا وسوى وغير وخلا وعدا إذا جرا مدخولهما وكذلك الفعل المضارع من الاستثناء كاستثنى وكذلك ما يضارع أي يشابهه من الماضي كخلا وعدا إذا نصبا ويكون المستثنى والمستثنى منه من متكلم واحد وقيل مطلقا فقول القائل إلا زيد عقب قول غيره جاء الرجال استثناء على الثاني، لغو على الأول، وإذا قال الله تعالى {اقتلوا المشركين} فقال النبي صلى الله عليه وسلم متصلا به (إلا أهل الذمة) فالذي رجح القاضي والفى الهندي أنه من المخصصات المنفصلات وجعله في المحصول محل تردد وقال المحلى أنه استثناء قطعا أي اتفاقا وأنه متصل لأنه ذكره في الكلام على استثناء المقتصد قال شهاب الدين عميرة ولعل هذا على القول بأنه لا يجوز له الاجتهاد. قال في الآيات البينات لكن الظاهر عدم اختصاصه بالتول المذكور لأن اجتهاده على القول بجوازه لا يكون إلا مطابقا للحق ولا يقر إلا ما هو الحق منه على الخلاف في المسألة فهو على هذا القول بمنزلة المبلغ بل هو مبلغ في المعنى فالاستثناء هنا أيضا من متكلم واحد بحسب المعنى وهو الله سبحانه اهـ.
فائدة: الاستثناء مأخوذ من الثني كالضرب وزنا والثني: العطف تقول تثيت الحبل إذا عطفت بعضه على بعض وقيل من ثنيته على الشيء صرفته عنه قاله زكرياء.
والحكم بالنقيض للحكم حصل
…
لما عليه الحكم قبل متصل
الحكم الأول مبتدأ وبالنقيض متعلق به أي بنقيض الحكم وحصل فاعله ضمير الحكم بالنقيض وهو صفة الحكم ولما بكسر اللام متعلق بحصل والحكم بعده مبتدأ نعت بقبل وعليه خبره وهو متعلق بواقع محذوفا والجملة صلة ومتصل خبر الحكم الأول يعني أن الاستثناء المتصل هو أن تحكم بنقيض ما حكمت به أولا على جنس ما حكمت عليه أولا قاله في التنقيح وغيره منقطع يعني أن غير المتصل منقطع وهو أن تحكم على غير جنس ما حكمت عليه أولا أو بغير نقيض ما حكمت به أولا قال في التنقيح فأن قوله تعالى {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} منقطع على الأصح مع أن المحكوم عليه بعد إلا هو المحكوم عليه أولا وكذلك قوله تعالى {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة} الآية وإنما كان منقطعا في الآيتين للحكم فيهما بغير النقيض فأن نقيض لا يذوقون فيها الموت يذوقون فيها الموت ولم يحكم به بل بالذوق في الدنيا ونقي لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل كلوها بالباطل ولم يحكم به وعلى هذا الضابط تخرج أقوال العلماء في الكتاب والسنة ولسان العرب هـ. باختصار قال في شرحه فيكون الانقطاع على قسمين تارة يحصل بسبب الحكم على غير الجنس نحو رأيت أخوتك إلا زيدا لم يسافرهـ.
ومعنى الآية: لا يدكون الموتة الأولى قائمة بهم في الجنة بل كان ذلك في الدنيا.
ورجحًا
…
جوازه وهو مجازًا واضحًا
ببناء رجح للمفعول يعني أن الصحيح جواز وقوع الاستثناء المنقطع في لسان العرب وحكي الباجي عن ابن خويز منداد من المالكية منع وقوعه ونحوه لابن رشد في المقدمات واختار القاضي عبد الوهاب
أن المنقطع مجاز والاستثناء حقيقة في المتصل لتبادره إلى الذهن لانصراف اسم الاستثناء إليه عند الاطلاق ولا يطلق على المنقطع إلا مقيدا به. وجعل محل الخلاف لفظ الاستثناء هو صريح كلام المحلى ومقتضى كلام الجماعة كالشيرازي في شرح المختصر لكن أنكره التفتازاني في التلويح فقال: اشتهر فيما بينهم أن الاستثناء حقيقة في المتصل مجاز في المنقطع ومرادهم صيغ الاستثناء يعني: إلا وأخواتها.
وأما لفظ الاستثناء فحقيقة اصطلاحا في القسمين بلا نزاع هـ. وما ذكره هو ظاهر كلام العضد.
فلتنم ثوبا بعد ألف درهم
…
للحذف والمجاز أو لتندم
فلتنم جزم بلام الأمر من نماه أي نسبة يعني: أ، نحو قول القائل له على ألف درهم إلا ثوبا بالنصب للإضمار بناء على تقديمه على المجاز أي إلا قيمة فيكون الثوب على هذا مستعملا في موضوعه حقيقة وهذا أحد القولين عندنا أرتكب فيه الإضمار وهو خلاف الأصل ليصير متصلا فالكلام لا يحمل على المنقطع إلا عند تعذر المتصل. وقال القاضي أنه مجاز ولعله من استعمال المقيد الذي هو هنا الإخراج من الجنس في المطلق الذي هو مطلق الإخراج فالثوب مراد بع قيمته من غير حذف بناء على الراجح من تقديمه على الإضمار والمعنى على هذين القولين واحد، وحكي المازري قولا آخر أنه تلزمه الألف ويعج قوله إلا ثوبا ندما.
وقيل بالحذف لدى الإقرار
…
والعقد معنى الواو فيه جار
يعني: أن في مسألة له على ألف درهم إلا ثوبا قولا رابعا بالتفصيل هو أن الاستثناء من غير الجنس يرجع في الإقرار إلى الحذف أي: إلا قيمته وفي العقد يكون بمعني الواو وكونه بمعنى الواو في المعاملات ذكره الأبياري عن مالك وفي كتاب الصرف من المدونة إذا قلت بعتك هذه السلعة بدينار إلا قفير حنطة كان القفير مبيعا مع السلعة لأنه لو
استثنى من الدينار قيمة القفير لفسد البيع للجهل بالثمن وهذا جار على أصل مالك من أنه لا يراعي مناسبة الألفاظ من جهة اللغة في صحة العقود إذا فهم المقصود قاله حلولو ولهذا يقولون المناقشة في الألفاظ ليست من دأب المحققين إذا فهم المقصود.
بشركة وبالتواطي قالا
…
بعض
يعني: أن أبا الحسن الأبياري المالكي اختار أن الاستثناء المنقطع حقيقة وهو الظاهر من كلام أهل العربية وعلى أنه حقيقة فقيل الاستثناء متواطئ به وفي المتصل والمنقطع لأن الحقيقة هي الأصل في الاستعمال ويحمل المنقطع لأن الحقيقة هي الأصل في الاستعمال ويحمل المنقطع عليه بالمخالفة المذكورة من غير إخراج من المنطوق فلا ينافي الإخراج من مفهوم الكلام عرفا وهذا القيد لإخراج المتصل.
وأجب فيه الاتصال
وفي البواقي دون ما اضطرار
…
وأبطلن بالصمت للتذكار
يعني: أنه يجب على الأصح الاتصال عادة في الاستثناء وكذا يجب في البواقي من المخصصات المتصلة اتفاقا في غير الشرط عند بعضهم وقد حكي المازري وتاج الدين السبكي الاتفاق على وجوب اتصال الشرط أيضا وحكي المازري وجوبه في كل التوابع من نعت وعطف وتوكيد وبدل لجامع كون كل منها فضلة في الكلام غير مستقلة ووجب الاتصال في الاستثناء لقوله صلى الله عليه وسلم (من حلف على شيء ثم رأى غيره خيرا منه فيعمل به وليكفر عن يمينه) أو كما قال فلو جاز الانفصال لم يوجب التفكير عنه بل يقول فليستثن أو ليكفر لأنه لن جنث مع الاستثناء بل ذكره أولى لأنه أسهل قاله في الآيات البينات ثم قال
مع الاستثناء بل ذكره أولى لأنه أسهل قاله في الآيات البينات ثم قال وأيضاً لو جاز الانفصال لما ثبتت الإقرارات والطلاق والعتق لعدم الجزم بثبوت شيء منها بجواز الاستثناء المنفصل ولم يعلق صدق خبر ولا كذبه أصلا لجواز استثناء يرد عليه يصرفه إلى ما يصيره صادقا وبالعكس في العكس، وقال السعد: وما يقال أنه وجبت الكفارة لكونها أنفع وثبتت أحكام الإقرارات لوجود القرينة على عدم الاستثناء ليس بشيء هـ. أنظر دليله في الآيات البينات.
قوله دون ما اضطرار يعني أنه لا يجب اتصال المستثنى بالمستثنى منه عند الاضطرار إلى الإنفصال بتنفس أو سعال أو عطف الجمل بعضها على بعض ثم يستثنى ونحوه مما لا يعد انفصالا عادة.
قوله: وابطلن إلخ يعني أن السكوت لأجل التذكار مبطل للاستثناء
قال ابن عرفه: ظاهر أقوال أهل المذهب أن سكتة التذكار مانعة مطلقا ومقابل الأصح في الاستثناء مروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مع انفصاله في المجلس وعن مجاهد إلى سنتين وقيل ما لم يأخذ في كلام آخر وقيل يجوز في كلام الله تعالى بأنه لا يعيب عنه شيء فهو مراد أولا بخلاف غيره ودليل جواز الانفصال قوله صلى الله عليه وسلم (من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف) أي قال إن شاء الله وذكر المفسرون أن قوله تعالى {غير أولى الضرر} نزل بعدما قبله في المجلس والاصل فيما روى عن ابن عباس قوله تعالى {وأذكر ربك إذا نسيت} أي إذا نسيت قول إن شاء الله ومثله الاستثناء وإذا تذكرت فاذكره ولم يعين وقتا فاختلف آراءه وآراء أصحاب الأقوال المذكورة. قال ابن رشد: ومن أهل العلم من شذ فأجاز الاستثناء في القلب بمشيئة الله تعالى وعلى هذا يحمل ما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من إجازة الاستثناء بعد عام أنه أظهر بعد عام من الاستثناء ما كان اعتقده حين اليمين منه إذ لا إختلاف بين احد من أخل العلم في أن الاستثناء لابد أن يكون موصولا باليمن بل قال ابن المواز لابد أن ينويه قبل آخر حرف من اليمين يريد من الكلام الذي تمت به اليمين هذا معنى قوله الذي يجب أن يحمل عليه كلامه هـ. من البيان.
فائدة قال ابن العربي: سمعت فتاة ببغداد تقول لجارتها لو كان مذهب ابن عباس صحيحا في الاستثناء ما قال الله تعالى {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) بل يقول استثن.
وعدد مع كالا قد وجب
…
له الخصوص عند جل من ذهب
لما كان في الكلام الاستثنائي المتصل شبه الناقض حيث يثبت المستثنى في ضمن المستثنى منه ثم ينفي صريحا وبالعكس في النفي والتناقض غير جائز في كلام الله تعالى وكان ذلك أزهر في العدد لنصوصيته في آحاده اضطر العلماء إلى تقدير دلالة الاستثناء دون تناقض واختلفوا في ذلك على ثلاثة مذاهب فجل من ذهب أي مضي من العلماء قال أن العدد مع أداة الاستثناء يتعين كونه مرادا به الخصوص، فالمراد بعشرة في قوله عشرة على عشرة سبعة وإلا ثلاثة قرينة على تلك الإرادة لا للإخراج وإنما قيد شبه التناقض بالاستثناء المتصل لأنه لا يظهر في المنقطع نحو جاء القوم إلا الحمير ولا خصوصية للاستثناء المتصل لأنه لا يظهر في المنقطع نحو جاء القوم إلا الحمير ولا خصوصية للاستثناء دون سائر المخصصات المتصلة فقولك مثلا أكرم بني تميم إن جاءوك فيع شبه التناقض حيث يثبت غير الجاءي منهم في ضمن بني تميم ثم ينفي بمضمون الشرط.
وقال بعض بانتفا الخصوص
يعني: أن القول الثاني قول القاضي القائل أن له على عشرة إلا ثلاثة مثلا معناه بإزاء اسمين مفرد وهو سبعة ومركب وهو عشرة إلا ثلاثة ولا نفي أصلا على هذبن القولين فلا تناقض فالاستثناء على هذا القول ليس بتخصيص. والقول الثالث أن المراد بعشرة في قولك مثلا لع على عشرة إلا ثلاثة العشرة باعتبار الأفراد ثم أخرجت الثلاثة بقولك إلا ثلاثة فاسند لفظا إلى العشرة ومعنى إلى السبعة فكأنه قال له على الباقي من عشرة أخرج منها ثلاثة وليس في ذلك إلا إثبات ولا نفي أصلا فلا تناقض وهذا القول اختاره ابن الحاجب وتاج الدين السبكي لموافقته لما أجمع عليه النحاة من أن الاستثناء إخراج وعلى
هذا القول الثالث يحتمل كون الاستثناء تخصيصا نظرا إلى الحكم لأنه للعام في الظاهر والمراد الخصوص وكونه ليس بتخصيص إذ المفرد لم يرد به إلا العموم كما عند الأفراد قاله العضد. وكون الاستثناء لا نفي فيه أصلا مخالف لمذهب الجمهور من أن الاستثناء من الإثبات نفي وجوابه عندي أنه نفي بالنسبة لمستثنى منه قبل النطق به، وليس بنفي بالنسبة إلى مراد المتكام وخلاصة الكلام.
والظاهر الابقا من النصوص
معناه: أن الذي يظهر لي من النصوص، أي المذاهب الثلاثة المذكورة في الاستثناء أن المستثنى مبقى على الملك لا مشتري لأن عشرة إلا ثلاثة عند الأكثر عام مراد به الخصوص وعند القاضي بمعنى سبعة وعلى المختار فالعشرة وأن أريد بها جمع الأفراد فالعموم مراد تناولا لا حكما خلافا لما عند حلولو من أن المستثنى مبقى على قول القاضي مشترى على المختار.
والمثل عند الأكثرين مبطل
…
ولجوازه يدل المدخل
يعني: أن استثناء المثل مبطل للاستثناء ويدل على جوازه على أحد القولين كلام المدخل لابن طلحة الأندلسي منا. وقال الرهوني: وقع للخمي من أصحابنا ما يقتضي صحته فعنده لو قال: أنت طالق واحدة إلا واحدة ونوي قبل انعقاد اليمين لم يلزمه شيء في الفتوى وفي القضاء خلاف فأن تعقبه استثناء آخر نحو أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين فالخلاف مشهور هل تلزمه واحدة بناء على إلغاءه أو اثنتان بناء على أعماله.
وجوز الأكثر عند الجل
يعني: أنه يجوز استثناء الأكثر عن الأكثر والقاضي عبد الوهاب قال في التنقيح لنا في قوله تعالى {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} ومعلوم أنه الأكثر هـ.
ومالك أوجب للأقل
يعني: أن القول الثالث لمالك وهو وجوب استثناء الأقل من الأكثر، وغليه ذهب القاضي وغيره وهو مذهب البصريين وأكثر النحاة فاستثناء المساوي عندهم فضلا عن الأكثر لا يصح لغة فلا أثر لع في الحكم الواقع في المستثنى منه إذ هو لغو فلو قال له على عشرة إلا خمسة لزمه عشرة.
ومنع الأكثر من نص العدد
الأكثر نائب فاعل منع. يعني: أن اللخمي يمنه عنده استثناء الأكثر مما هو نص في العدد كله على ألف إلا سبعمائة والاجاز كعبيدي أحرار إلا الصقالبة والصقالبة أكثر وهذا هو القول الرابع والعقد منه عند بعض انفقد يعني: أن القول الخامس قول عبد الملك ابن الماجشون وهو أن العقد الصحيح من العدد ينفقد أي يمتنع استثناءه كمائة إلا عشرة فخرج بالعقد غيره كأثنى عشر وبالصحيح الكسر كنصف قاله زكرياء. فالمراد بذلك عقود كل مرتبة من مراتب الأعداد كالآحاد والعشرات والمئين والألوف فعلى هذا القول لا يقال: له على عشرة إلا واحدا ولا مائة إلا عشرة ولا ألفا إلا مائه لأن نسبة الواحد إلى العشرة منسبة العشرة إلى المائة والمائة إلى ألف ويقال له على عشرة إلا نصف واحد ونحوه ولو مع غيره ومائة إلا تسعة أو نحوها من الآحاد ولو مع العشرات، وألف إلا تسعين أو نحوها من العشرات ولو مع الآحاد، وحجة أهل هذا القول أنه لم يقع في الكتاب والسنة إلا هو قال الله تعالى {ألف سنة إلا خمسين عاما} وخمسون من ألف بعض عقد وقال صلى الله عليه وسلم (أن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا وحد) فاستثنى من المائة واحدا وهو بعض عقد المائة فأن عقدها عشرة.
وذا تعدد بعطف حصل
…
بالاتفاق مسجلا للأول
ذا من قوله ذا تعدد مفعول حصل وبعطف حال من ذلك المفعول، أيحال كونه متعددا تعددا ملتبسا بعطف وللأول متعلق بحصل يعني
أن الاستثناءات المتعددة إن تعاطفت فهي عائدة للأول أي المستثنى منه لا للأول من الاستثناءات وجعلها للأول أمر متفق عليه مسجلاً أي سواء كان المستثنى مستغرقاً أو غيره فيصح في الثاني نحو: له عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة وإلا اثنين ويبطل في المستغرق مطلقاً إن قلنا بجمع مفرقه وإلا ففي الذي حصل به الاستغراق مع ما بعده دون ما قبله. قاله زكرياء، ومعنى تعاطفت أن يتوسط حرف العطف بين كل اثنين منهما.
إلا فكل للذي له اتصل
يعني: أن الاستثناء إذا تعدد دون عطف كل مستثنى على ما قبله فكل منها عائد لما يليه ما لم يستغرقه نحو له علي عشرة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة فيلزمه ستة لأن الثلاثة تخرج من الأربعة فيبقى واحد فيخرج من الخمسة تبقى أربعة تخرج من العشرة تبقى ستة فإن استغرق كل ما يليه بطل الجميع كما أشار له بقوله:
وكلها عند التساوي قد بطل
…
نحوله على عشرة إلا عشرة فتلزم عشرة
إن كان غير الأول المستغرقا
…
فالكل للمخرج منه حققا
ببناء حقق للمفعول يعني: أن الاستثناء إذا تعدد واستغرق الأول عاد الكل إلى المخرج منه الذي هو المستثنى منه نحو له علي عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة فتلزم واحد فقط.
وحيثما استغرق الأول فقط
…
فالغ واعتبر بخلف في النمط
يعني: أنه إذا استغرق الأول فقط نحو له علي عشرة إلا عشرة إلا أربعة فقيل يلغى ما بعد المستغرق تبعًا له فليزم عشرة وقيل يعتبر
ما بعده واختلف في نمط أي طريق اعتباره هل يستثنى الثاني من الاستثناء الأول فيلزم أربعة أو يتبعه الثاني دون الأول فتلزم ستة.
وكل ما يكون فيه العطف
…
من قبل الاستثنا فكلا يقفه
دون دليل القعل أو ذي السمع
…
والحق الافتراق دون الجمع
يعني: أن الاستثناء الوارد بعد مفردات متعاطفات فهو عائد لجميعها حيث صلح له العدم استقلال المفردات واقتضى كلام الجماعة الاتفاق فيه وكذا الوارد بعد جمل متعاطفة يعود لكلها حيث صلح له لأنه الظاهر عند الإطلاق وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما والأكثر. مثال الوارد بعد المفردات قولك تصدق على العلماء والمساكين وأبناء السبيل إلا الفسقة منهم. ومثاله بعد الجمل وهو عائد إلى جميعه إجماعا قوله تعالى {والذين لا يدعون مع الله إلهاها آخر} إلى قوله إلا من تاب فهو عائد إلى جملة {يلق آثاما} وذلك عود إلى جميع ما تقدم من قوله لا يدعون إلى آخرها لتلق هذه الجملة بجميع ما تقدم بحسب المعنى لأن هذه الجملة بمنزلة أن يقال ومن يدعو مع الله إلاها آخر يلق آثاما ومن يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق يلق آثاما وهكذا في الثالثة إلا من تاب ومثاله وهو عائد إلى الأخيرة فقط قوله تعالى {ومن قتل مؤمنا خطئا} إلى قوله {إلا أن يصدقوا} فهو عائد إلى الدية دون الكفارة فليس الخلاف في جواز رده إلى الجميع والأخيرة خاصة وإنما الخلاف في الظهور عند الإطلاق أما أن صرفه دليل عقلي أو سمعي إلا بعضها أولا أوسطا أو أخيرا اختص به والي هذه الإشارة بقولنا دون دليل إلخ وقبل الاستثناء يعود لكل المتعاطفات بالواو لأنها للجميع بخلاف الفاء وثم فللأخير فقط والصواب على هذا القول أن لا يختص بالواو بل الضابط عنده العاطف الجماع بالوضع الواو والفاء وثم وحتى بخلاف بل ولكن وأو ولا. وقال أبو حنيفة أن الاستثناء يعود للأخير فقط، وقيل: مشترك بين العود للكل والعود للأخير.
قوله والحق الافتراق إلخ يعني: إذا قلنا يعود الاستثناء للجميع فالصواب عوده للجميع على تفريقه وقيل يعود إليه مجموعا قال حلولوا:
وتظهر ثمرته فيما إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا أربعا فأن قلنا أن المفرق لا يجمع وهو الأصح أوقعنا الثلاث لأن قوله إلا أربعا استثناء من كل منهما وهو باطل للاستغراق وأن جمعنا المفرق فكأنه قال ستا إلا أربعا فتقع اثنتان هـ.
أما قران اللفظ في المشهور
…
فلا يساوي في سوى المذكور
يعني: أن القرآن بين لفظ الجملتين أو الجمل أو المفردين أو المفردات لا يوجب التسوية بينهما في غير الحكم المذكور هذا هو المشهور، ومذهب الجمهور خلافا لبعض أصحابنا والمزني من الشافعية وأبي يوسف من الحنفية في قولهم يقتضي التسوية في ذلك، وعليه تكون العمرة واجبة كالحج لقرانها معه في قوله تعالى {وأتمو الحج والعمرة لله} مع أن الحكم المذكور معهما وجوب الإتمام قال ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن وجوب العمرة: إنما لقرينته في كتاب الله تعالي، وقال ما من أحد إلا وعليه حجة وعمرة وإنما جعلت المفردات كالجمل وأن لم أر من تعرض إلا للجمل لتمثيلهم بالمفردات كالآية المذكورة مع أن التسوية بينهما أولى. والذي في كتب الحنيفة تخصص تسوية بالجمل الناقصة نحو (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واسهدوا) فالجملتان كجملة واحدة والإشهاد في المفارقة غير واجب فكذا في الرجعة بخلاف نحو قوله أقيموا الصلاة وآتو الزكاة فأن كلا من الجملتين مستقلة فلا يقتضي ثبوت حكم في إحداهما ثبوته في الأخرى، أي فلا يقال لا تجب الزكاة فيما للصبي كما لا تجب عليه الصلاة.
ومنه ما كان من الشرط اعد
…
للكل عند الجل أو وفقا تفد
يعني: أن من المخصص المتصل ما شابه من أدوات الشرط أن بكسر وسكون أي شابههما في تضمن معناها كذا ولو وجوازم فعلين فالمراد بالشرط اداته مع دخولهما لأنهما إلى الآن على التخصيص أو المراد به تعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى.
اعلم أن الشرط المذكور هو الشرط اللغوي وهو المخصص المتصل لا الشرط العقلي كالحياة للعلم ولا شرعي كالطهارة لصحة الصلاة ولا العادي كنصب السلك لصعود السطح وإنما كان الأول لغويا لأن أهل اللغة وضعوا نحو أن دخلت الدار فأنت طالق يدل على أن ما دخلت عليه أن هو الشرط الآخر المعلق عليه هو الجزاء وتسمية الشرط اللغوي شرطا والشرط لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم إنما هو بالنظر إلى أصل وضعه وهو شرط بحسب الأصل ثم غلب استعماله بالسببية فيلزم من وجوده الوجود وإنما خص الكلام هنا بالشرط اللغوي لأنه المخصص المتصل إذ غيره لا يكون إلا منفصلا وإن كان قد يخصص. واستشكل تعريف الشرط بأنه ما يلزم من عدمه ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم وذلك شامل للركن إذ يلزم من عدم تكبيرة الإحرام مثلا عدم الصلاة والا يلزم من وجودها، ودجودها فهو غير مانع وأجاب في الآيات البينات بأنه تعريف بالأعم وقد أجازه إلا قدمون وبأن ما بمعنى خارج بقرينة اشتهار الشرط للخارج لا الداخل.
قوله أعد إلخ يعني أن الشرط يعود لكل الجمل المتقدمة عند الجمهور وقيل يعود لها اتفاقا ووجه عوده للكل أن الشرط له صدر الكلام فهو متقدم على مشروطه تقديرا لأن مشروطه دليل الجواب عند البصريين أو هو الجواب عند الكوفيين وضعف بأن الشرط مقدر تقديمه على ما يرجع إليه فلو كان للأخيرة قدم عليها فقط دون الجميع فلا يصح فارقا بين الشرط والاستثناء. مثاله أكره بني تميم وأحسن إلى ربيعة وأخلع على مضر إن جاؤك.
أخرج به وأن على النصف سما
…
كالقوم أكرم أن يكونوا كرما
يعني: أنه يجوز الإخراج بالشرط وأن كان المخرج أكثر من النصف نحو أكرم القوم أن يكونوا كرماء واللؤماء أكثر قال السبكي ويجوز إخراج الأكثر به وفاقا وفي حكاية الوفاق تجوز لما قدمه من القول بأنه لابد أن يبقى قريب من دملوله العام. قال المحلى إلا أن يريد وفاق من خالف في الاستثناء فقط فالمراد حينئذ حقيقة الوفاق إلا
أنه وفاق مخصوص وعلى التحوز أراد بالوفاق قول الأكثر فهو قريب من الوفاق قال حلولو وإلا قرب في الجواب أن يحمل ما في التخصيص على ما سوى الشرط.
وأن ترتب علي شرطين
…
شيء فبالحصول للشرطين
يعني: أنه إذا ترتب مشروط على شرطين على وجه الجمع بينهما فلا يحصل إلا بحصول ذينك الشرطين معا نحو إن دخلت الدار وكلمت زيدا فأنت طالق ولا مفهوم للتثنية فالشروط كذلك.
وأن على البدل قد تعلقا
…
فبحصول واحد تحققا
يعني: أنه إذا علق مشروط على شرطين على سبيل البدل نحو أن كلمت زيدا أو أن دخلت الدار فأنت طالق فأن المعلق يحصل بحصول أحد الأمرين فقط قوله تحقق بالبناء للمفعول أي وجدت حقيقة. ذكر هذه المسألة والت قبلها في شرح التنقيح.
ومنه في الإخراج والعود يرى
…
كالشرط قل وصف وأن قبل جرى
يعني: أن الوصف مخصص متصل نحو أكرم بني تميم الفقهاء خرج بالفقهاء غيرهم وهو كالشرط في جواز إخراج الأكثر وفي العود إلى جميع المفردات اتفاقا وإلى جميع الجمل المتقدمة على الأصح هذا حيث تأخر الوصف نحو وقفت هذا على أولادي وأولادهم المحتاجين بل وأن جرى الوصف أولا نحو وقفت هذا على محتاجي أولادي وأولادهم فيعود الوصف الأول للأولاد مع أولادهم وفي الثاني إلى أولاد الأولاد مع الأولا.
وحيثما مخصص توسطا
…
خصصه بما يلي من ضبحا
يعني: أن المخصص المتصل المتوسط من صفه واستثناء وشرط وغاية فقد خصصه بعضهم بما قبله كالسبكي قال في الصفة فالمتوسطة ما وليها أيضا والسبكي قال بعد أن تعود إلى ما وليها أيضا والسبكي قال ما قال بعد أن قال لا نعلم فيه نقلا. وقال في الآيات البينات: وسكت المصنف يعني السبكي عن بيان حكم المتوسط من غير الصفة كالاستثناء والشرط والغاية، والظاهر أن الحكم واحد هـ.
وقد صار الشافعي إلى أن الطعام يعطي لمساكين الحرم عملا بقوله تعالى في الهدى {هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين} فقد جعل ما ذكر في الأول يجري فيما يعده وضبط الشيء حفظه.
ومنه عاية عموم يشمل
…
لو كان تصريح به لا يحصل
حصل من باب مصر يعني: أن الغاية من قسم المخصص المتصل والغاية منتهى الشيء، والمراد بالغاية غاية صحبها عموم بحيث يشملها من جهة الحكم إذا لم تذكر سواء تقدمت الغاية كأن تقول إلى أن يفسق أولادي وقفت بستاني على أولادي إلى أن يفسقوا فلو لم تأت الغاية لكان وقفا عليهم فسقوا أم لا وكذا قوله تعالى {حتى يعطوا الجزية عن يد} قوله غاية عموم مضاف ومضاف إليه. وقولنا يشملها من جهة الحكم يعني: ومن جهة لتناول أيضا، وعند الآتيان فيها لا يشملها إلا من جهة التناول فقط لأنه عام مخصوص
وما لتحقيق العموم فدع
…
نحو سلام هي حتى مطلع
أي دع التخصيص بالغاية المذكورة لتحقيق العموم فيما قبلها إذ ليست مخصصة والتي لتحقيق العموم فيما قبلها قد تكون غير مشمولة لما قبلها كقوله تعالى {سلام هي حتى مطلع الفجر} وقد تكون مشمولة له كما لو قيل: سلام هي إلى آخرها لأن الليلة شاملة لجميع أجزائها، فعلم أن المراد بالعام هنا أعم من العام المحدود أولا الذي هو لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر.
تنبيه مقتضى كلام شهاب الدين عميرة أن المراد بالغاية في قولهم ابتداء الغاية وانتهاء الغاية هو الفعل كالسفر في قولهم سافرت من البصرة إلى الكوفة لا محل الفعل من مكان أو زمان وقال الرضى أن المراد بالغاية المسافة.
وهي لما قبل خلا تعود
…
وكونها لما تلى بعيد
يعني: أن الغاية تعود لجميع ما تقدمها مما يمكن عودها له على رأي الأكثر والقول بأنها تعود لما وليته فقط بعيد لضعفه وقولنا مما يكن إحترازًا عما لا يمكن عودها له فلا تعود له اتفاقًا كسائر المخصوصات.
وبدل البعض من الكل يفي
…
مخصصًا لدى أناس فاعرف
يعني: أن بدل البعض من الكل ذكره من المخصصات المتصلة أناس من الأصوليين الإمام الشافعي وابن الحاجب، نحو أكرم الناس العلماء. وفي قصيدة أبي حيان التي امتدح بها الشافعي أنه الذي استنبط علم الأصول وأنه الذي يقول بتخصيص العموم ببدل البعض وبدل الإشتمال نحو أعجبني أهل المجلس حديثهم فإنه يرجع إلى بدل البعض. قال السبكي ولم يذكر الأكثرون وهو به الشيخ الإمام لأن المبدل منه في نية الطرح فلا تحقق فيه لمحل يخرج منه فلا تخصيص به فكأن المبدل منه معدوم حقيقة وكأن البدل ذكر ابتداء وهذا لا يجرى في الاستثناء لأن المستثنى منه ليس في نية الطرح بل هو المقصود بالذات.
وسم مستقله منفصلاً
…
للحس والعقل نماه الفضلا
هذا هو القسم الثاني وهو المخصص المنفصل وهو ما يستقل بنفسه من لفظ أو غيره، ومعنى استقلاله بنفسه أنه لا يحتاج إلى ذكر
العام معه. وبدئنا بغير اللفظ لقلته وهو حسي ونعني به غير الدليل السمعي من المشاهد واللمس والذوق والسمع غير الدليل السمي كما في قوله تعالى في الريح المرسلة على عاد ((تدمر كل شيء)) فإننا ندرك بالمشاهدة ما لا تدمير فيه أي هلاك كالسماء.
وعقلي كما في قوله تعالى ((الله خالق كل شيء)) فليس خالقًا لنفسه لاستحالته عقلاً. فالتخصيص بالعقل هو أن يكون العقل مانعًا من ثبوت الحكم لذلك المخصوص أي المخرج من العام.
والتخصيص بالحسن هو أن يكون الحسن كالمشاهدة مانعًا مما ذكر؟
وخصص الكتاب والحديث به
…
أو بالحديث مطلقًا فلتنتبه
خصص أمر للإباحة يعني: أنه يجوز تخصيص كل من الكتاب والحديث بكل واحد منهما وهذا وما بعده هو قسم المخصص اللفظي المنفصل أما تخصيص الكتاب به فكما في قوله تعالى ((والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)) خص من جهة شموله للحوامل بقوله تعالى ((وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)) ومن جهة شموله لغير المدخول بهن بقوله تعالى ((فما لكم عليهن من دة تعتدونها)) كما خص قوله تعالى ((والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا)) بقوله ((وأولات الأحمال)) الآية ومنع بعض الظاهرية تخصيص الكتاب به لأن التخصيص تبيين فلا يحصل إلا بالحديث لقوله تعالى ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)) ورد بأنه تبيينه يصدق لما نزل إليه من القرآن والحديث وكذا يجوز تخصيص الحديث متواترًا كان أو آحادًا كان قولاً أو فعلاً أو تقريرًا بالقرآن كما في خبر الحاكم وغيره (ما قطع من حي فهو ميت) خص عمومه بقوله تعالى ((ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها)) الآية وكذا يجوز تخصيص الحديث به كانا متواترين أو آحادًا أو مختلفين كما في حديث (فيما سقت السماء العشر) خص بقوله (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) وكذا يجوز تخصيص القرآن بالحديث ولو كان خبر آحاد قال في التنقيح: ويجوز عندنا وعند الشافعي وأبي حنيفة تخصيص
الكتاب بخبر الواحد، كما أشار له بقوله مطلقًا يعني متواترًا كان أم لا فيجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد عند الجمهور مطلقًا وقيل لا مطلقًا وإلا لترك القطعى بالظنى وأجيب بأن محل التخصيص دلالة العام وهي ظنية والعمل بالظنيين أولى من إلغاء أحدهما وبالوقوع أيضًا كتخصيص (يوصيكم الله في أولادكم) الشامل للأنبياء وللكافر بقوله صلى الله عليه وسلم (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة) وبقوله (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) ثالث الأقوال لابن أبان:
يجوز أن خص بقطعي كالعقل.
واعتبر الإجماع جل الناس
…
وقسمي المفهوم كالقياس
يعني: أن الجمهور جوزوا تخصيص الكتاب والسنة بالإجماع ومنع ذلك أهل الظاهر كقوله تعالى ((أو ما ملكت إيمانكم)) أخرج منه بالإجماع أخت الرضاع وموطوءة الآباء والأبناء قاله في التنقيح وشرحه، إلا أن هذه الأمثلة مخرجة بالكتاب أيضًا، إلا أن يقال يصح الاستشهاد بها من جهة كونها إجماعية مع أن التخصيص في الحقيقة بدليل الإجماع لا به ولذا لم يذكره السبكي.
قوله وقسمي المفهوم يعني أنه يجوز تخصيص الكتاب والسنة بمفهوم الموافقة أي باللفظ الدال عليه وسواء كان أولى أو مساويًا. وقد نقل السبكي في شرح المختصر الإجماع على جوازه وصرح به الآمدي، ودليل جوازه أن أعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما وقد وقع في حديث البخاري (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) العرض بقوله مطلني والعقوبة بالحبس خص بقوله تعالى ((فلا تقل لهما أف)) ففحواه تحريم أذاهما بالحبس فلا يحبس الوالد بدين الولد ولا فرق بين الأب والأم قال في المدينة: ولا يحسبان في دينه وكذا يجوز التخصيص بمفهوم المخالفة في الأرجح أي باللفظ الدال عليه وقيل لا لأن دلالة العام على ما دل عليه المفهوم بالمنطوق وهو مقدم على المفهوم وهو الذي نقله الباجي عن أكثر أصحابنا ويجاب بأن المقدم عليه منطوق خاص لا ما هو من أفراد العام فالمفهوم مقدم عليه لأن
إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما كتخصيص حديث (في أربعين شاة) بمفهوم حديث في الغنم السائمة زكاة عند من لا يرى الزكاة في المعلوفة.
قوله كالقياس يعني: أنه يجوز التخصيص لكتاب أو سنة بالقياس المسند إلى نص خاص ولو كان خبر واحد، وبه قال الأئمة الأربعة والأشعري والجمهور كتخصيص قوله تعالى ((الزانية والزاني)) الآية بقوله ((فإن اتين بفاحشة فعليهن)) الآية والحق العبد بالأمة في التشطير خلافًا للرازي من الشافعية من منعه مطلقًا وللجبائي من المعتزلة في منعه إن كان خفيًا، ولعيسى بن ابان من الحنفية أن لم يخص مطلقًا إلى غير ذلك من الأقوال.
(والعرف حيث قارن الخطاب). العرف بالنصب معطوف على الإجماع يعني أن نصوص الشريعة لا يخصصها من العوائد إلا ما كان مقارنًا لها في الوجود عند النطق بها. أما الطارية بعدها فلا تخصصها.
قال في التنقيح: وعندنا العوائد مخصصة للعموم. قال الإمام: إن علم وجودها في زمن الخطاب وهو متجه اه.
وكذلك تخصص غير النصوص الشرعية فإذا وقع البيع حمل الثمن على العادة الحاضرة في النقد لا على ما يطرأ من العادة بعده، قال في شرح التنقيح وكذلك النذر والإقرار والوصية إذا تأخرت العوائد عنها لا تعتبر اه.
(ودع ضمير البعض والأسبابا): أي اترك التخصيص برجوع الضمير إلى بعض أفراد العام لأنه لا يخصص في مذهب مالك والأكثر واختاره ابن الحاجب وغيره. وعن الشافي وأكثر الحنفية تخصيصه به وظاهر كلام ابن الحاجب أن إعادة ظاهرة الظاهر كإعادة الضمير وقال الرهوني: الظاهر أنه يحمل في الظاهر على المعهود كقوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ثم قال بعد ذلك: ((وبعولتهن أحق بردهن، فالضمير في بعولتهن وفي بردهن راجع للرجعيات ويشمل قوله: ((والمطلقات)) معهن البوائن وقيل: لا يشملهن ويؤخذ
حكمهن من دليل آخر، قوله: والا سبابًا، أي دع التخصيص بصور الأسباب التي ورد لأجلها العام فلا يختص العام بها بل يبقى على عمومه كما هو المشهور عن مالك والشافعي، وقيل: يقصر على سببه قال الأبهري وهو مذهب مالك ومحل الخلاف إذا لم تدل قرينة على قصره عليه وإلا اختص به بلا خلاف كقوله عليه الصلاة والسلام عند رؤية الرجل الذي ظلل عليه (ليس من البر الصيام في السفر) وكذا لا خلاف في عمومه إذا دلت قرينة على التعميم كقوله تعالى ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)) الآية، فإن سببها رجل سرق رداء صفوان ابن أمية فالإتيان بالسارقة معه قرينة دالة على التعميم ومثال المختلف فيه حديث الترمذي وغيره (قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة- وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن- فقال أن الماء طهور لا ينجسه شيء) أي مما ذكر وغيره وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره فمن عمم نظر لظاهر اللفظ ومن قصره على السبب نظر لوروده فيه وبضاعة بالضم والكسر اسم لصاحب البير أو لموضعها والحيض بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة مخففة الخرق التي يمسح بها دم الحيض والملقى له السيول أو الريح أو المنافقون والنتن بمعنى المنتن وذكر ما وافقه من مفرده يعني: فلتترك أيضًا التخصيص بذكر بعض أفراد العام بحكم العام قال في التنقيح: وذكر بعض العموم لا يخصصه خلافًا لأبي ثور يعني: أنه قال يقصره على ذلك البعض بمفهومه إذ لا فائدة لذكره إلا ذلك، ورد بأن مفهوم اللقب ليس بحجة عند الجمهور وفائدة ذكر البعض نفي احتمال إخراجه من العام وهذه المسألة أعم من مسألة عطف الخاص على العام والعكس فالمراد على أن يحكم على الخاص بما حكم به على العام سواء ذكرا في لفظ واحد كقوله تعالى ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)) أو ذكر كل على حدته كحديث الترمذي وغيره (أيما أهاب دبغ فقد طهر) مع حديث مسلم (أنه صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال هلا أخذتم أهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا أنها ميتة فقال إنما حرم أكلها) قال بعضهم الانتفاع يستلزم الطهارة لأن إطلاق الانتفاع يستلزم ذلك إذ من أفراده ما يتوقف على الطهارة كالصلاة فيه أو عليه وإرادة بعض الانتفاعات من غير بيان مما لا فائدة فيه قاله في الآيات البينات وأبو
ثور نقل عنه في التمهيد أنه يخرج بالحديث الثاني ما لايؤكل لحمه وفي المحصول عنه انه يخرج به غير جلود الشياه.
تنبيهان: الأول قول بعضهم أن قوله تعالى: ((فيهما فاكهة ونخل ورمان)) عطف خاص وهو الرمان على عام. إن أراد العام والخاص اللغويين فصحيح وإن أراد الاصطلاحين فلا لأن الأول مطلق والثاني مقيد، ورد القرافي في استدلال بعضهم بنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع ما لم يضمن ونهيه عن بيع الطعام قبل قبضه بأن الأول مطلق والثاني مقيد والمطلق يحمل على المقيد.
قال القرافي: هذا غلط بل هذا من ذكر بعض أنواع العام وهو لا يخصص وإنما التقييد زيادة قيد على الماهية نحو (تحرير رقبة) وفي آية أخرى (تحرير رقبة مؤمنة).
الثاني: ناظر إسحاق بن راهوية الشافعي وأحمد بن حنبل حاضر في جلود الميتة إذا دبغت فقال الشافعي دباغها طهورها واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم مر بشاه ميتة فقال هل انتفعتم بجلدها فقال إسحاق حديث ابن عليم كتب إلينا صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب أشبه أن يكون ناسخاً للحديث الأول لأن هذا قبل موته بشهر فقال الشافعي هذا الكتاب وذلك سماع فقال إسحاق: كتب صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم عند الله فسكت الشافعي فرجع أحمد إلى حديث إسحاق وأفتى به ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي أهـ. من الطبقات السبكية. (ومذهب الراوي على المعتمد).
مذهب النصب معطوف هو وقوله وذكر والأسباب على ضمير البعض يعني: أن قول الراوي للعام بخلافه لا يخصصه ولو كان من الراوي صحابيا. قال في التنقيح: ومذهب الراوي لا يخضض عند مالك والشافعي خلافاً لبعض أصحابنا وبعض أصحاب الشافي هـ. وقيل: إن كان صحابياً خصص مذهبه بخلاف التابعي واختاره القرافي. ومعنى تخصيصه له قصره على ما عدا محل المخالفة، حجة القول الثاني أن المخالفة لا تصدر إلا عن دليل واجب من جهة أهل القول الأول الذين هم مالك والجمهور بأن الدليل في ظن
المخالف لا في نفس الأمر وليس ليغره إتباعه فيه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدًا مع أن الأصل بقاء العام على عمومه وحجة التفصيل أن الصحابي إذا خالف مرويه دل ذلك على أنه أطلع منه صلى الله عليه وسلم على قرينة حالية دلت على تخصيص ذلك العام وأنه عليه السلام أطلق العام وأراد به الخاص وحده والتابعي الذي لم يشاهده لا يتأتي فيه ذلك مثاله حديث البخاري من رواية ابن عباس (من بدل دينه فاقتلواه) مع قوله أن ثبت عنه ان المرتدة لا تقتل.
وقولنا أن ثبت عنه إشارة إلى تضعيفه فان في سنده عبد الله بن عيسي الجزري فانه كذاب يضع الأحاديث ويحتمل أنه يرى أن من الشرطية لا تتناول المؤنث فلا تكون مخالفة في المتدة أن ثبت من التخصيص لمرويه قاله المحشيان.
واجزم بادخال ذوات السبب
…
وأرو عن الإمام ظنا تصب
أما كون العام لا يقصر على صورة السبب التي ورد عليها فقد تقدم والمراد هنا أنها تدخل في ذلك العام جزماً أي قطعا عند الأكثر لوروده فيها لكنها قطعية بالقرينة لا بالوضع والمراد القرينة القطعية وإلا فمطلق القرينة لا يفيد القطع.
قوله وأرو أم من الراوية يعني: أن القرافي روى عن الإمام مالك أن دخول صورة السبب ظني ويعزي إلى الحنفية لدخولها في العام فعلى أنها قطعية لا تخرج منه بالاجتهاد وعلى القول الآخر بالعكس واستشكل محل الخلاف لأنه إن كان فرض المسألة وجود قرينة قطعية على ارادة السبب فكيف يسوغ القول بظن الدخول وإن كان غرضها انتفاء القرينة المذكورة فكيف يسوغ القول بالقطع وإن كان فرضها أعمل من وجود تلك القرينة وعدم وجودها فلا وجه لإطلاق واحد من القولين وأجاب في الآيات البينات بما لفظه اللهم إلا أن يكون منشأ الخلاف أن ورد العام بعد وجود ذلك السبب هل هو قرينة قطعية عادة على دخول أولا فادعي الجمهور الأول فلذا قالوا بقطعية الدخول والشيخ الإمام الثاني فلذا بظنيته.
واعلم أن قول أبي حنيفة أن ولد الأمة المستفرشة لا يظن إلا بالإقرار ليس إخراجا لصورة السبب من قوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش في أمة ابن زمعة المختصم فيها عبد ابن زمعة وسعد بن أبي وقاص لا ن الفراش عند أبي حنيفة هو المنكوحة وأم الولد وإطلاق الفراش في الحديث على وليده زمعة بعد قول عبد ابن زمعة ولد على فراش أبي لا يستلزم كون الأمة مطلقاً فراشاً لجواز كونها كانت أم ولده وقد قيل به ويشعر به أيضا لفظه وليده فعلية بمعني فاعله من الولادة قاله الكمال بن الهمام خلافاً للمحلي من أنه يلزم على قول أبي حنيفة أنه لا يلحق إلا بالإقرار إخراج صورة السبب من العام بناء على أن لازم المذهب يعد مذهبا.
وجاء في تخصيص ما قد جاورا
…
في الرسم ما يعم خلف النظرا
خلف فاعل جاء والنظر بمعنى: المتناظرين في العلم جمع نظير والجمع بضم ففتح يعني أن المالكية اختلفوا إذا ذكرت آية خاصة في القرآن ثم تبعها في الرسم أي الوضع عام وأن تأخر عنها النزول هل يبقي العام على عمومه او يقصر على الخاص المذكور قبله كما إذا ذكر الله فاعل محرم ثم يقول بعد ذكره إنه لا يفلح الظالمون أو يذكر فاعل مأمور ثم يقول بعد ذكره إن الله مع المحسنين قاله في شرح التنقيح. وعلى إبقاءه على عمومه قال تقى الدين السبكي: إنه يقرب من ورود العام على سبب الخاص بمقتضي المناسبة بين التالي والمتلو وعليه فهل يكون كالسبب في دعوى القطع او يكون كسائر العمومات قال: والحق أنه رتبه متوسطة دون السبب وفوق العموم المجرد بخلاف مالو تتقدم العام. قال في الآيات البيانات وكان وجهة انتفاء شبه الخاص حينئذ بصورة السبب إذ وضعها أن تتقدم هي على العام ثم يرد العام عليها بخلاف ما لو تأخرت عنه فيعمل به فيها لكن لا تكون قطعية الدخول لأن العام لم يرد لأجلها أهـ. وقال أيضاً لا يبعد أن التقييد بالقرآن ليس بشرط في هذا الحكم وإن ذلك يجرى أيضاً في السنة قلت: ويكون المراد المتلو في النزول لا في الرسم أو في الرسم بعد تدوين السنة وليس في هذه المسألة استدلال بالقرآن في الذكر
على توافق الأحكام وإن عدة الكوارني منه وقال بعضهم إن هذه المسألة قليلة الجدوى لأن النص على الخاص بخصوصه يعني عن إلحاقه بصورة السبب لأنه كما أن كون الشيء صورة السبب يمنع عند الجمهور من إخراجه بالاجتهاد من العموم فالنص عليه بخصوصه مانع من إلغائه وعدم العمل به بل هو أولى بذلك.
وأجيب بأن في الجمع بينهما من القوة ما ليس لأحدهما حتى يقدم الخاص على خاص آخر عارضة لم يدخل في ذلك العام ولكن العام تالياً له في الرسم قاله في الآيات البيانات.
وإن أتى ما خص بعد العمل
…
نسخ والغير مخصصا جلى
يعني: أنه إذا تعارض دليلان أحدهما خاص والآخر عام وتأخر الخاص عن أول وقت العمل بالعام نسخ الخاص العام بالنسبة إلى ما تعارض فيه وإنما لم يجعل مخصصاً له لأن التخصيص بيان المراد من العام وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع قاله المحشى وفي غير ذلك بأن تأخر الخاص عن الخطاب بالعام دون العمل أو تأخير العام عن الخاص مطلقاً أو تقارناً بأن عقب أحدهما الآخر أو جهل تاريخهما خصص الخاص العام.
وإن يك العموم من وجه ظهر
…
فالحكم بالترجيح حتما معتبر
يعني: أن الدليلين إذا كان بينهما عوم وخصوص من وجه فالمعتبر الترجيح بينهما كحديث البخاري: ((من بدل دينه فاقتلواه)) وحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم ((نهى عن قتل النساء)) فالأول عام في الرجال والنساء خاص في أهل الردة والثاني خاص في النساء عام في الحربيات والمرتدات، قلت يرجح الثاني باتفاق الشيخين عليه وكقوله تعالى ((وأن تجمعوا بين الأختين)) مع قوله ((أو ما ملكت أيمانكم)) فيترجح الأول بأنه لم يدخله تخصيص على الصحيح بخلاف الآخر فإنه مخصوص بالإجماع في ذات المحرم.