المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العام ما استغرق الصالح دفعة بلا … حصر من اللفظ كعشر - نشر البنود على مراقي السعود - جـ ١

[الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم]

الفصل: ‌ ‌العام ما استغرق الصالح دفعة بلا … حصر من اللفظ كعشر

‌العام

ما استغرق الصالح دفعة بلا

حصر من اللفظ كعشر مثلا

يعني: أن العام لفظ يستغرق جميع المعاني الصالحة له أو الصالح هو للدلالة عليها دفعة من غير حصر. قوله: من اللفظ. بيان لما والمراد بالصالح له جميع الأفراد باعتبار الوضع الذي استعمل اللفظ باعتباره حتى لو استعمل اللفظ في معناه الحقيقي كان العبرة بإفراد المعنى الحقيقي أو في معناه المجازي كان العبرة بإفراده أو فيهما كان العبرة بإفرادهما لكن لو تحقق الاستغراق لإفراد أحدهما فقط تحقق العموم باعتباره فقط. وحينئذ فالمراد بما لا يصلح له ما يشمل أفراد الوضع الذي لم يستعمل اللفظ باعتباره ف يقدح في عمومه عدم تناولها وإن صح استعماله فيها وتحقق عمومه باعتبارها أيضا.

قولنا والمراد بالصالح جميع الأفراد أعني ولو فرضنا ليدخل ما لم يتحقق معناه في الخارج وما لا يمكن تحققه فيه وما انحصر معناه فيه في بعض الأفراد كفرد الشمس والقمر والسماء والأرض فخرج بقوله ما استغرق الصالح دفعة النكرة في الإثبات مفردة أو مثناة أو مجموعة واسم عدد لا من حيث الآحاد فإنها تتناول ما تصلح له على سبيل البدل لا الاستغراق. قوله بلا حصر أي في اللفظ ودلالة العبارة، وليس المراد الحصر في الواقع، فالمراد أن لا يكون في اللفظ دلالة على انحصاره في عدد معين وإلا فالكثير نحو، كل رجل في البلد محصور وليس المراد بغير المحصور ما لا يدخل تحت العد فخرج بقيد نفي الحصر كألف ومثله النكرة المثناة من حيث الآحاد كرجلين وأما النكرة المجموعة كرجال فلا حصر فيها من جهة الآحاد مع أن فيها قولا بالعموم وبحث شهاب الدين عميرة في خروج اسم العدد من جهة الآحاد بان اللفظ لا يصلح لكل جزء من مدلوله فهو خارج بالصالح وإن أراد أي

ص: 206

السبكي أنه يصلح للمجموع فهذا لا يسمى استغراقاً فيخرج بالاستغراق، وأجاب في «الآيات البينات» ناقلاً عن التلويح، أن المراد بالصلاحية أعم من صلوح الكلي لجزئياته والكل لأجزائه فاعتبر الدلالة مطابقة وتضمناً وبهذا الاعتبار صار صيغ الجموع وأسمائها مثل الرجال والمسلمين والرهط والقوم بالنسبة إلى الآحاد مستغرقة لما تصلح له فدخلت في الحد. يعني بالحد قول السبكي: العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر ومن العام اللفظ المستعمل في حقيقته أو حقيقتيه ومجازه أو مجازيه فيكون عموم هذه الأقسام بالنظر لشمول اللفظ أفراد الحقيقتين وما ذكر معهما ولا يمنع من ذلك تعدد الوضع كما يكون منه المشترك المستعمل في أفراد معنى واحد لأنه مع القرينة لا يصلح لغيره قاله المحلي. وبحث فيه في «الآيات البينات» بأن قرينة الواحد إنما تدفع إرادة غيره ولا تدفع تناول اللفظ له والمعتبر في التعريف تناول اللفظ للمعنى لا إرادته على ما اقتضاه تفسيره السابق وقياس هذا البحث دخول العام المراد به الخصوص كالعام المخصوص في تعريف العام وكونه من أفراده والحاصل أن اللفظ مع قرينة المعنى الواحد أو المعنى المجازي لا يصلح لإرادة غيره ولكنه يصلح للدلالة على غيره وفرق بين صلوح الإرادة وصلوح الدلالة اللهم إلا أن يكونوا أرادوا بالاستغراق في حد العام الاستغراق باعتبار المراد لا مطلقًا وهو في غاية البعد اهـ. باختصار.

وهو من عوارض المباني

وقيل للألفاظ والمعاني

يعني: أن الصحيح عند السبكي أن العموم من عوارض المباني أي الألفاظ والذي اختاره ابن الحاجب والعضد وغيرهما أنه من عوارض المعاني أيضا حقيقة فكما يصدق لفظ عام يصدق معنى عام حقيقة ذهنيًا كان كمعنى الإنسان أو خارجيًا كمعنى المطر والخصب لما شاع من قولهم الإنسان يعم الرجل والمرأة وعم المطر والخصب وقيل بعروض العموم في المعنى الذهني حقيقة لوجود الشمول المتعدد فيه بخلاف الخارجي والمطر والخصب مثلا في محل غيرهما في آخر، فاستعمال العموم فيه مجازي من باب إطلاق الدال على المدلول وكون معنى الإنسان ذهنيا والمطر والخصب خارجيا فيه نظر ظاهر لأن كلا

ص: 207

من الإنسان والمطر والخصب له معنى ذهني وخارجي، فما معنى هذه التفرقة؟ قال في الآيات البينات: إلا أن يكون المقصود مجرد التمثيل مع صحة جريان ما قيل في كل في الآخر أو يقال أن شمول كل من المطر والخصب الخارجي للأماكن أظهر من شمول الإنسان الخارجي والمعنى أنهم اختلفوا هل يطلق لفظ العام على المعنى حقيقة لتحقق معنى العموم فيه بمعنى شمول أمر واحد لأمور متعددة وللاكتفاء في حقيقته بتحقق الشمول للمتعدد وإن لم يتحقق أمر واحد شامل للمتعدد أو لا يطلق لفظ العام حقيقة إلا على اللفظ ولا يطلق على المعنى حقيقة مطلقا أو يفصل في المعنى بين الذهني فيطلق عليه حقيقة لوجود أمر واحد شامل لأمور متعددة وبين الخارجي فلا يطلق عليه إلا مجازا لعدم وجود أمر واحد شامل لمتعدد وإن تحقق فيه الشمول في الجملة.

واعلم أن منشأ الخلاف في كون العموم من عوارض المعاني الذهنية دون الخارجية هو الخلاف في وحدة الأمر الشامل لمتعدد، فمن اعتبر وحدته شخصية منع الإطلاق في المعاني الخارجية ومن فهم من اللغة أن وحدته أعم من الشخصية والنوعية أجاز الإطلاق حقيقة لقولهم مطر عام وخصب عام والوحدة فيهما نوعية وصوت عام والوحدة فيه شخصية واستشكل الفرق بين المطر والصوت حيث كانت وحدة الأول نوعية والثاني شخصية لأن كلا منهما كلي نظرا إلى مفهومه وجزئي نظرا إلى شخصه. وأجاب في الآيات البينات بأن الخارجي منهما لا يتصور أن يكون كليا إذ المطر الخارجي الواقع في المحال المتعددة أشخاص متعددة لكنها من نوع واحد بخلاف الصوت المسموع في المحال المتعددة فإنه شخص واحد عم جميع المحال التي يسمع فيها.

هل نادر في ذي العموم يدخل

ومطلق أو لا خلاف ينقل

فما لغير لذة والفيل

ومشبه فيه تنافى القيل

يعني: أن في دخول الصورة النادرة في حكم العام والمطلق خلافا منقولا عن أهل المذهب والنادر هو ما لا يخطر غالبا ببال المتكلم لندرة وقوعه. ولذا قال بعضهم: لا تجوز المسابقة على الفيل وجوزها بعضهم

ص: 208

والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل) السبق بالتحريك المأخوذ في المسابقة جعل بعضهم الحديث مثالا للمطلق لأن الخف في قوله إلا في خف نكرة واقعة في الإثبات وجعله بعضهم عاما قال زكرياء: وجه عمومه مع أنه نكرة واقعة في الإثبات أنه في حيز الشرط معنى إذ التقدير إلا إن كان في خف والنكرة في سياق الشرط تعم اهـ. وكذا ينبني على الخلاف في دخول النادر في حكم المطلق والعام الخلاف الذي بين أهل المذهب في وجوب الغسل من المني الخارج لغير لذة أو لذة غير معتادة هو قاله ابن عبد السلام. وعدم وجوب الغسل من المني الخارج للذة غير معتادة هو المشهور. وقال سحنون وابن شعبان بوجوبه به وكذا من أوصى بعتق رقبة أجزأه عتق الخنثى بناء على دخوله لتناول اللفظ له وعدم إجزائه لأنه نادر لا يخطر ببال المتكلم وإلى الفرع الأخير وشبهه أشار بقوله: ومشبه بالرفع عطف على ما المبتدأ والضمير في قوله فيه أفرد باعتبار ما ذكر.

وما من القصد خلا فيه اختلف

بالبناء للفاعل أي اختلف قول الأصوليين أيضا في دخول غير المقصود في حكم العام وعدم دخوله حكى ذلك الخلاف القاضي عبد الوهاب، ومحل الخلاف في هذه وفي النادر حيث قامت القرينة على عدم قصدهما قامت قرينة على قصد النادرة دخلت اتفاقا أو قامت قرينة على قصد انتفاء صورة لم تدخل اتفاقا وعدم قصدها لا يستلزم قصد انتفائها فيلزم إخراجها عن الحكم وقد يقال أن المراد بقيام القرينة على عدم قصدها كون تلك الصورة مما شأنه أن لا يقصد لوجود ما يناسب عدم القصد مثال غير المقصودة ما لو وكله على شراء عبيد فلان وفيهم من يعتق عليه هل يصح شراؤه أو لا؟ والاختلاف في اعتبار غير المقصود مبني على الخلاف في تعارض اللفظ والقصد هل يعتبر اللفظ أو القصد قال ميارة في التكميل.

وهذه قاعدة اللفظ إذا

عارضه القصد فقيل ذا وذا

ومال أبو إسحاق الشاطبي إلى عدم دخول النادر وغير المقصود.

ص: 209

فائدة: جعل بعضهم النادر وغير المقصود متحدين وليس بصواب إذ غير المقصود أعم مطلقا من النادر لأن ما لا يقصده المتكلم مما يتناوله اللفظ العام قد يكون عدم قصده لندوره فلا يخطر بالبال غالبا وقد يكون لقرينة دالة عليه وإن لم يكن نادرا كما يشير له كلام المحلى وكلام السبكي في منع يدل على أن بينهما عموما من وجه وصرح به البرماوي قال لأن النادر قد يقصد وقد لا يقصد وغير المقصود قد يكون نادرا وقد لا يكون.

وقد يجيء بالمجاز متصف

يعني أن اللفظ العام قد يكون مجازا كأن يقترن بالمجاز أداة عموم نحو: جاءني الأسود الرماة إلا زيدا خلافا لبعض الحنفية الزاعم أن المجاز لا يكون عاما لأنه خلاف الأصل فيقتصر به على محل الضرورة وهي تندفع بإرادة بعض الأفراد ورد بأنه ليس خاصا بمحل الضرورة.

مدلوله كلية إن حكما

عليه في التركيب من تكلما

يعني: أن مدلول العام في التركيب من جهة الحكم كلية أي محكوم فيه مدلول العام على كل فرد مطابقة إثباتا أو سلبا والإثبات الخبر والأمر والسلب النفي والنهي نحو جاء عبيدي وما خالفوا فأكرمهم ولا تهنهم لأن الأول جمع معرف بالإضافة والضمائر الباقية عائدة عليه والعائد على عام عام، فالأمثلة الأربعة دلالة كل واحد منها على كل فرد من أفراده دلالة مطابقة لأن كل واحد في قوة قضايا بعدد أفراده أي جاء فلان وجاء فلان إلى آخر الأفراد. وهكذا في بقية الصيغ وكل منها محكوم فيه على فرده دال عليه مطابقة فما هو في قوتها محكوم فيه على كل فرد دال عليه مطابقة وهذا جواب للمحلى عن سؤال للقرافي وهو أن دلالة المشركين في قوله تعالى:((اقتلوا المشركين)) على زيد منهم ليست مطابقة، لأن المطابقة دلالة اللفظ على تمام ما وضع له ولفظ العموم لم يوضع لزيد فقط ولا تضمنا لأن التضمن دلالته على جزء مسماه والجزء لا يصدق إلا إذا كان المسمى كلا ومدلول لفظ العموم ليس كلا بل كلية ولا التزاما لأن دلالة الالتزام على أمر خارج

ص: 210

لازم وزيد ليس خارجا عن معنى العام بل داخلا فإما أن يبطل انحصار دلالة اللفظ في الثلاث وإما أن لا يدل العام على شيء من أفراده. وأجاب الأصبهاني في شرح المحصول: بمثل ما أجاب به المحلى من أن القضية المحكوم فيها على العام في قوة قضايا كل منها يدل على حكم المفرد مطابقة والمراد بالعام في قولهم مدلول العام كلية كل عام استعمل في معناه من الأفراد الصالح هو لها قال في الآيات البينات: ومنه لفظ العام في نحو قولنا العام يقبل التخصيص بخلافه في نحو قولنا العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر إذ لا حكم فيه على الأفراد حتى تتصور الكلية.

وقولنا العام من موضوع أصول الفقه إذ لا حكم فيه على الأفراد حتى تتصور الكلية بخلاف العام المراد به الخاص إذ لا تتأتى فيه الكلية فظهر أن المراد بالعام هنا ما صدقاته أي أفراده وليس المراد به المفهوم المعرف بما سبق إذ لا يتصور كونه كلية. قولنا في التركيب إحرازاً عنه قبل التركيب إذ لا يتصور كونه حينئذ وليس معنى الاحتراز أنه قبل التركيب ليس مدلوله كل الأفراد.

قولنا من جهة الحكم نعني به محكوما به نحو الساكن في الدار عبيدي أو محكوماً عليه ولو بحسب المعنى فيشمل المفعول به مثلا.

قله كلية أي لا كل ولا كلي، والكل: هو الحكم على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع، ومراد الأصوليين بالكلي المنفي هنا هو الماهية من حيث هي مع قطع النظر عن الأفراد والمعنى ليس محكوما فيه على الماهية من حيث هي من غير نظر إلى الأفراد وإنما لم يكن كليا لأن النظر في العام إلى الأفراد.

وهو على فرد يدل حتما

وفهم الاستغراق ليس جزما

بل هو عند الجل بالرجحان

والقطع فيه مذهب النعمان

يعني: أن دلالة العام على أصل معناه وهو فرد واحد قطعية لوجوب بقائه في التخصيص والمراد بالفرد الواحد فيما ليس جمعاً ولا

ص: 211

تثنية، والاثنان في التثنية أو الثلاثة في الجمع وإليه الإشارة بقولنا: وهو على فرد، يدل حتما أي قطعا ويقينا وأما فهمنا من العام استغراقه لجميع أفراده فليس مقطوعا به بل هو أمر راجع أي مظنون لأن ألفاظه ظواهر فلا تدل على القطع إلا بالقرائن كما أنها لا تسقط دلالتها إلا بالقرائن وهذا هو المختار عند المالكية قاله الإبياري.

وقال مشايخ العراق من الحنفية وعامة متأخريهم أن العام يدل على ثبوت الحكم في جميع ما تناوله من الأفراد قطعا للزوم معنى اللفظ له قطعا حتى يقوم الدليل على خلافه ومرادهم بالقطع عدم الاحتمال الناشئ عن الدليل لا عدم الاحتمال مطلقا كما صرحوا به ومشايخ سمر قند منهم موافقون للجمهور من المالكية وغيرهم في أن دلالته على كل فرد بخصوصه ظنية كما تقدم فعلى أن دلالة العام على جميع الأفراد قطعية يمتنع تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد وبالقياس وقال إمام الحرمين أن أدوات الشرط تدل على استغراق جميع الأفراد دلالة قطعية بخلاف غيرها.

ويلزم العموم في الزمان

والحل للأفراد والمكان

يعني أن عموم العام لجميع أفراده يدل بالالتزام لا المطابقة على عموم الأزمان والأحوال والأمكنة إذ لا غنى للأفراد عنها وهذا مذهب السبكي ووالده والسمعاني ويدل عليه كلام المحصول كقوله تعالى ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد)) الآية، أي كل زان على أي حال كان من طول وقصر وبياض وسواد وغير ذلك وفي أي زمان كان وفي أي مكان وخص منه المحصن فيرجم، وقوله ((اقتلوا المشركين)) أي كل مشرك على أي حال كان وفي أي زمان ومكان كان وخص منه البعض كأهل الذمة وإنما عبرت بالأفراد دون الأشخاص لشموله المعاني كأفراد الضرب إذا وقع عاما نحو كل ضرب بغير حق فهو حرام.

إطلاقه في تلك للقرافي

وعمم التقي إذا ينافي

يعني: أن القرافي والآمدي والأصبهاني شارح المحصول للإمام الرازي قالوا أن العام في الأفراد مطلق في الأحوال والأزمنة والبقاع

ص: 212

لانتفاء صيغة العموم فيها فما خص به العام على الأول مبين للمراد بما أطلق فيه على هذا وأورد القرافي على من قال أنه مطلق في المتعلقات أنه يلزم عدم العمل بجميع العمومات في هذا الزمان لأنه قد عمل بها في زمن ما والمطلق يخرج عن عهدة العمل به صورة ورده تقي الدين بن دقيق العيد بما أشرنا له بقولنا وعمم التقي إذا ينافي يعني أنه قال ما حاصله تخصيص الاكتفاء في المطلق بصورة محله فيما إذا لم يخالف الاقتصار عليها مقتضى صيغة العموم وإن كان العمل به مرة واحدة يخالف مقتضى صيغة العموم قلنا بالعموم محافظة على مقتضى صيغته لا من حيث أن المطلق يعم فإذا قال من دخل داري فأعطه درهما فدخل قوم في أول النهار وأعطاهم لم يجز حرمان غيرهم ممن دخل آخر النهار لكونه مطلقا فيما ذكر لما يلزم عليه من إخراج بعض الأشخاص بغير مخصص بمحل كونه مطلقا في ذلك في أشخاص عمل به فيهم لا في أشخاص آخرين حتى إذا عمل به في شخص في حالة ما في مكان ما لا يعمل به في غيره فيه مرة أخرى ما لم يخالف مقتضى صيغة العموم فلو جلد زان لا يجلد ثانيا إلا بزنى آخر انظر زكرياء ذكر ذلك تقي الدين في الكلام على حديث أبي أيوب من أهل اللسان والشرع وقد فهم العموم في الأمكنة من عموم النكرة في سياق النفي في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها" ويظهر الفرق بين القول الأول وقول القرافي فيما إذا ورد الحكم مطلقا ببعض أفراد المذكورات فعلى القول بالعموم لا يكون ذلك مخصصا لما سيأتي أن ذكر بعض أفراد العام بحكمه لا يخصصه وعلى القول بالإطلاق يكون ذلك مقيداً لما سيأتي من حمل المطلق على المقيد على التفصيل الآتي قاله في الآيات البينات، قوله وعمم التقى .. يعني: أنه قال بعموم الأفراد في المتعلقات إذا ينافي الإطلاق أي ما يلزم عليه من الاكتفاء بالعمل المطلق مرة واحدة أي ينافي الإطلاق العموم.

صيغة كل أو الجميع

وقد تلا الذي التي الفروع

هذا شروع في الكلام على أدوات العموم قال في التنقيح وهي في نحو العشرين صيغة فمنها كل وهي أقوى صيغ العموم ولذا قدمت، والجميع

ص: 213

ولا بد من إضافة كل منهما للفظ حتى يحصل العموم فيه. وكذلك من صيغة الذي والتي وتثنيتهما وجمعهما المرادان بالفروع نحو أكرم الذي يأتيك والتي تأتيك أي كل آت وآتية لك حيث لم تكن الصلة للعهد وإلا فعموم.

أين وحيثما ومن أي وما

شرطا ووصلا وسؤالا أفهما

يعني: أن أين وحيثما من صيغ العموم وهما للمكان شرطتين نحو أين وحيثما كنت آتيك، وتزيد أين بالاستفهام نحو أين كنت وأما مكانية حيثما تستقم يقدر .. البيت فاعتبارية بأن الأحوال قد تعد أمكنة ومن صيغ العموم من وأي وما سواء كان كل من الثلاثة شرطيا أو استفهاميا أو موصولا فشرطا مفعول أفهم واللفظان بعده عطف عليه أي أفهم اللفظ المذكور من من وأي وما الشرطية أو كونه موصولا أو مستفهما به وقد لا يعم أي ومن الموصولتان نحو مررت بأيهم قام ومررت بمن قام أي الذي قام ونحوه من العام الذي أريد يه الخصوص لقيام القرينة على إرادته بخلاف الخالي عنها نحو ((لننزعن من كل شيعة أيهم أشد)) فإنه عام في الأشد ونحو أحسن إلى من يمكنك الإحسان إليه، واستشكل جعل الموصول من صيغ العموم مع اشتراطهم في صلته أن تكون معهودة وأجيب بأن العهد ليس في الموصول بل في صلته وقيد العهد فيها لا يسقط عموم الموصول بل يخصصه قاله زكرياء، وفي الآيات البينات أن كون الموصولات معارف لا ينافي العموم بأن يكون الموضوع له الحقيقة الكلية المعنية المعهودة في ضمن كل فرد وإن خالف ظاهر كلام المصنف في أن دلالة العام كلية إلا أن الظاهر أن ذلك لا يوافق مرادهم ولا يطرد في جميع أمثلتهم. ووجه عموم ما ومن في الاستفهام أن معنى من في الدار مثلا السؤال عن كل أحد يتصور كونه في الدار سواء كان فردا أو أكثر وكذا ما وكذا أين ومتى سؤال عن كل مكان وزمان يتصور كونه فيه.

متى وقيل لا وبعض قيدا

وما معرفا بال قد وجدا

أو بإضافة إلى المعرف

إذا تحقق الخصوص قد نفى

يعني: إن متى من صيغ العموم وهي للزمان المبهم فلا يقال متى زالت الشمس فاتني ولا فرق فيها بين الشرطية والاستفهامية

ص: 214

نحو متى تجئ ومتى تجئني أكرمك لكن هي وأين وحيث المعلق عليها مطلق فماذا قال متى أو حيثما دخلت الدار فأنت طالق فهو ملتزم مطلق الطلاق في جميع الأزمنة أو البقاع فإذا لزمه طلقة واحدة فقد وقع ما التزمه من مطلق الطلاق فلا يلزم طلقة اخرى بل ينحل اليمين كما لو قال أنت طالق في جميع الأيام طلقة فالظرف في هذا وغيمًا قبله عام والمظروف مطلق قاله في شرح التنقيح، وقيل: أن متى ليست للعموم بل معنى أن وإذا فمدخولها من القضايا مهملة وبعضهم قيد كونها للعموم بأن تكون معها ما.

قوله وما معرفًا بال قد وجدو .. الخ، ببناء وجد للمفعول ومعرفًا بفتح الراء مفعوله الثاني وبال متعلق به يعني أن من صيغ العموم المعرف بال وبالإضافة نحو ((قد أفلح المؤمنون)) ((ويوصيكم الله في أولادكم)) سواء كان كل منهما مفردًا أو تثنية أو جمعًا ما لم يتحقق حصوص أي عهد فإن تحقق صرف إليه اتفاقا لانتقاء صيغة العموم عنه حينئذ وبهذا فارق العام إذا ورد على سبب خاص حيث لم ينتف به عمومه على الراجح لبقاء صيغته غايته انه هل يتخصص به أو لا قاله زكريا وإنما كان المعرف بقسميه للعموم لتبادره منه إلى الذهن والتبادر علامة الحقيقة وهذا مذهب أكثر أهل الأصول وعزاه القرافي للمذهب وقد احتج مالك على من قال أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد بنى بقوله ((وأنتم عاكفون في المساجد)) ولا فرق بين جمع التكسير والسلامة ومثاله في المضاف أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في قول المصلي السلام علينا وعلى عباده الله الصالحين فإنه إذا قال ذلك أصابت كل عبد لله صالح السموات والأرض أو كما قال خلافًا لأبي هاشم من المعتزلة في نفيه العموم عن المعرف المذكور احتمل عهدًا أو لا فهو عنده للجنس الصادق ببعض الأفراد كما في ملكت العبيد لأنه المتيقن

ما لم تقم قرينه على العموم فهو له كالأمثلة السابقة وخلافًا لإمام الحرميين في نفيه العموم عن المفرد إذا لم يكن واحدة بالتاء كالماء، زاد الغزالي أو تميز واحدة بالوحدة كالرجل إذ يقال رجل واحد

ص: 215

فهو في ذلك للجنس الصادق بالبعض ما لم تقم قرينة على العموم نحو الدينار خير من الدرهم أي كل دينار خير من درهم.

وفي سياق النفي منها يذكر

إذا بنى أو زيد من منكر

يعني: أن المنكر في سياق النفي ذكر أهل الفن كونه من صيغ العموم إذا بني المنكر مع لا التي لنفي الجنس أو زيد من قبله نحو ما في الدار من رجل.

أو كان صيغة لها نفس النفي لزم

وغير ذا لدى القرافي لا يعم

يعني: أن النكرة في سياق النفي لا يفيد العموم منها إلا ما ذكره في البيت قبله، وإلا النكرات الملازمة للنفي هذا مذهب القرافي فقال: أن أكثر اطلاقات النحاة والأصوليين أن النكرة في سياق النفي تعم باطل ونقل عن سيبويه وابن السيد ما يشهد له، وأن الجرجاني قال أن الحرف قد يكون زائدًا من جهة العمل دون المعنى كقولك ما جاءني من رجل فإن من هنا للعموم ولو حذفتها وقلت: ما جاءني رجل لم يحصل على العموم فهذه نكرة في سياق النفي ونقل عن الزمخشري وغيره في قوله تعالى: ((مالكم من الاه غيره)) لو قال ما لكم من الاه بحذف من لم يحصل العموم وكذلك قوله تعالى: ((وما تأتيهم من آية من آيات ربهم)) لو قال ما تأتيهم آية بحذف من لم يحصل العموم ونقل عن صاحب إصلاح المنطق وغيره أن الألفاظ الملازمة للنفي وهي نحو الثلاثين هي الموضوعة للعموم وما عداها لا يفيد العموم إلا بواسطة من. والصيغ الملازمة للنفي. أحد بمعنى إنسان لا بمعنى متوحد نحو ((قل هو الله أحد)) ووابر قال في القاموس ما به وابر أي أحد وصافر قال في القاموس: ما به صافر، أحد. قال القرافي من الصفير وهو الصوت الخاص وعريب من الأعراب الذي هو البيان أو من النسبة إلى يعرب بن قحطان، وقال في القاموس ما به عريب أو معرب أحد وكتيع من التكتع وهو التجمع ومنه ومنه أكتعون أبصعون وفي القاموس ما به كتيع وكتاع كغراب أحد وهو مشكول فيه بشكل المؤلف على وزن زبير بضم الزاي وفتح الباء ودبي بالضم وبكسر مع تشديد الموحدة من الدبيب

ص: 216

بمعنى أحد ودبيج كسكين وديار من الدار منسوب إليها وطوري بضم الطاء من الطور وهو الجبل يقال ما به طوري أي أحد ودوري من الدور جمع دار وهكذا داري وديوري وتموري بضم التاء والميم من التامور وهو دم القلب وداع ومجيب من الدعاء والإجابة يقال ما بها من داع ولا مجيب وناخر يقال ما بها ناخر من النخير وراغ وثاغ وشفرة وشفر وأرم محركة وأريم كأمير وأرمى بكسر الهمزة وفتح الراء مقصورًا ويرمى بفتح الهمزة وتكسر الراء مفتوحة مع القصر وصوات وطوى بضم الطاء وواو ساكنة بعدها همزة مكسورة فياء مشددة وطوي بإبدال الهمزة واوًا وطاوي بألف بعد الطاء فواو مكسورة وطاوي كجهني ودعوي كتركي وأوبن بموحدة كصاحب وعين بفتح العين المهملة سكون المثناة التحتية وأمر محركة وتامر وتومور ونمي بضم النون وكسر الميم المشددة وباليا المشددة أيضا وكراب كشداد وبد البد الانفكاك وكلها بمعنى أحد غير بد وثاغ وراغ يقال ما بها من راغ ولا ثاغ أي شاة وبعير وتختص هذه الأمثلة بعد نفي محض أو نهي أو شبههما بعموم من يعقل لازمة الأفراد والتذكير إلا راغيا وثاغيا وبدًا فليست للعاقل وقد يعني عن نفي ما قبلها نفي ما بعدها أن تضمن ضميره نحو أن أحدا لا يقول ذلك، قال سيبويه وهو ضعيف خبيث.

وقيل بالظهور في العموم

وهو مفاد الوضع لا اللزوم

يعني: أن السبكي قال فيما قال القرافي لا يفيد العموم من النكرات في سياق النفي أنه ظاهر في العموم ويحتمل الوحدة مرجوحاُ ولفظه: والنكرة في سياق النفي أنه ظاهر في العموم فقولك: لا رجل في الدار بالرفع ظاهر في العموم ويحتمل الوحدة مرجوحا ولفظه: والنكرة في سياق النفي للعموم وضعًا وقيل لزومًا وعليه الشيخ الإمام نصًا أن بنيت على الفتح وظاهرا أن لم تبن.

قوله وهو مفاد الوضع معناه أن عموم النكرة في سياق النفسي مدلول عليه بدلالة الوضع أي المطابقة بمعنى أن اللفظ وضع لسلب كل فرد من الأفراد وهذا هو مختار القرافي. وقيل: بالالتزام نظرًا إلى أن النفي أولًا للماهية ويلزم منه نفي كل فرد ضرورة وهو محكي عن

ص: 217

الحنفية واختاره والد السبكي. وشهد القول الثاني قول النحاة: أن لا في نحو لا رجل لنفي الجنس فإن قضيته أن العموم بطريق اللزوم دون الوضع. ويجلب أن مراد النحاة نفي الجنس في ضمن كل فرد واختار بعضهم أنه باللزوم في المبنية على الفتح بالوضع في غيرها ولا يخفى أن كونه بالوضع هو الموافق لما تقدم من أن دلالة العام كلية أي محكوم فيه على كل فرد مطابقة قاله في الآيات البينات وينبني على كون الخلاف في دلالة النكرة على العموم بالوضع أو بالالتزام ما أشار له بقوله:

بالقصد خصص التزامًا

قد أبى تخصيصه إياه بعض النجيان

خصص فعل أمر وبالقصد متعلق به والتزامًا مفعوله وبعض الفاعل أبى وتخصيصه مفعوله مصدر مضاف إلى فاعله وإياه مفعوله يعني أنه يجوز أي يصح التخصيص بالقصد أي النية لما دل عليه اللفظ بالالتزام او بالتضمن واحرى بالمطابقة باتفاق المالكية والشافعية وقد منع بعض النجباء، وهم الحنفية تخصيص النية لما دل عليه بالالتزام وكذا التضمن فيما يظهر والتقييد كالتخصيص في الصحة والمنع فالحنفية عندهم عموم النكرة في سياق النفي وما هو بمعناه من نهي أو استفهام مراد به النفي بالزوم فلا يقبل التخصيص فرع العموم. لكن من العلماء المتعدي الواقع بعد نفي أو شرط دون تقييد بمفعول نحو والله لا أكلت. كالمحشيين من جعل خلاف الحنفية حيث لم تذكر النكرة صريحا كالفعل اما المصرح بها كلا أكلت طعامًا ونوي طعامًا مخصوصًا فتقبل اتفاقًا ومنهم من لم يفرق كالمحلي تبعًا لشيخه البرماوي ورد على الحنفية بقوله صلى الله عليه وسلم (وإنما لكل إمرء في ما نوى) وهذا قد نوى شيئا فيكون له.

ولتعلم ان النكرة المذكورة عامة عندنا بالوضع ولا أشكال في تخصيصها حينئذ بالنية ولو فرضنا أنه بالالتزام لم يكن مانعًا من التخصيص بها عندنا أيضًا إذ لا مانع من صحة قصد نفي الماهية باعتبار وجودها في بعض أفرادها فقط.

ص: 218

تنبيه: النكرة العامة هي ما يتعلق الحكم بكل فرد من أفرادها دفعة سواء صلح حلول كل محلها أو لا كقوله تعالى: ((وإن أحد من المشركين استجارك فأجره)) فإن طلب الإجارة منه صلى الله عليه وسلم ثابت لأستجارة جميع الأفراد فمهما وجدت الاستجارة من الجميع أو البعض طلبت الإجارة منه ولو عبر بكل أحد لافهم الشرط عدم طلب الاجارة عند وجود الاستجارة من البعض وإنما عبر المحلي في هذه الآية بكل واحد منهم تنبيهًا على أن المراد تتعلق الحكم بكل فرد دفعة لا انه يشترط في عموم النكرة صلاحية حلول كل محلها كما توهمه بعضهم واعترض بذلك التوهم عليه. وأما نفسي السبكي وأقره المحلي العموم من مثال أمام الحرمين فالحق انه محل نظر قاله في الآيات البينات ولفظ أمام الحرمين: والنكرة في سياق الشرط للعموم نحو من يأتني بمال اجازه فلا يختص بمال.

ونحو لا شربت أو ان شربا

واتفقوا أن مصدر قد جلبا

برفع نحو عطفًا على كل يعني أن من صيغ العموم كلا ونحو والله لا شربت أو أن شرب زيد فزوجتي طالق فيعمان جميع المشروبات وكذلك كل فعل متعد ليس مقيدًا بشيء وقع في سياق النفي وكذا في سياق الشرط عند ابن الحاجب والإبياري. ولا فرق بين الفعل المتعدي والقاصر عند القاضي عبد الوهاب وجماعة خلافا لمن خص الخلاف بالمتعدي كالغزالي. فقولك لا أكلت لنفي جميع المأكولات بنفي جميع أراد الأكل لأن الفعل يدل بالتضمن على نكرة واقعة في سياق النفي، وكذا أن أكلت فزوجتي طالق مثلًا فهو للمنع من جميع المأكولات عند ابن الحاجب والإبياري وكذا الفعل اللازم لأن نفي الفعل نفي لمصدره فإذا قلنا لا يقوم زيد عم النفي أفراد المصدر فكأنما قلنا لا قيام. قال بعض المصنفين أن جعل القاصر من محل الخلاف هو الحق وإذا قلنا الأمثلة المذكورة عامة صح تحصيص بعض أفراد العام فيما الحكم لإرادته باللفظ وإخراج ما عداه ويصدق في إرادة ذلك البعض على تفصيل مذكور في الفروع. وقال أبو حنيفة: لا تعميم في المسألتين وضعًا بل فيهما تعميم عقلي بطريق دلالة الالتزام فلا يصح التخصيص بالنية لأن النفي

ص: 219

في المنفى، والمنع في الشرط لحقيقة الأكل وإن لزم منه النفي والمنع لجميع المأكولات والنية لا تؤثر عندهم تخصيصا وتقييدا إلا فيما دل عليه اللفظ بالمطابقة لا بالالتزام.

ورد عليهم القرافي بحديث (وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا نوى شيئا فيكون له والأصل عدم المانع من النية حتى يدل عليه دليل ولا دليل لهم في هذه القاعدة بل هي دعوى مجردة اهـ بتقديم وتأخير.

قوله واتفقوا يعني أن القرافي والرهوني وغيرهما نقلوا اتفاق الحنفية وغيرهم على العموم إذا ذكر المصدر، وقبول التخصيص بالنية نحو: والله لا أكلت أكلا ونوى به شيئا معينا فلا خلاف بين الحنفية وغيرهم أنه لا يحنث بغيره قال في شرح التفتيح: وأما استدلال أصحابنا عليهم بالمصدر إذا نطق به نحو لا أكلت أكلا فإلزام ظاهر لأن النحاة اتفقوا على أن ذكر المصدر بعد الأفعال إنما هو تأكيد للفعل والتأكيد لا ينشئ حكما بل ما هو ثابت معه ثابت قبله فإذا صح اعتبار النية معه وجب اعتبارها قبله فهذا كلام حق اهـ. وعموم الفعل المنفي إذا ذكر مصدره عند أبي حنيفة بالمطابقة لا بالالتزام لقبوله التخصيص بالنية عنده لكن من العجب قوله بالعموم في هذه بالمطابقة دون النكرة في سياق النفي. وقد نصر الإمام الرازي في محصوله مذهب أبي حنيفة في عدم عموم نحو لا أكلت أو أن أكلت بأشياء واهية لا يصح التمسك بها فضلا عن الترجيح بها فأنظرها في الآيات البينات مع ردودها.

ونزلن ترك الاستفصال

منزلة العموم في الأقوال

يعني: أن ترك الشارع الاستفصال أي طلب التفصيل في حكاية الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في الأقوال والمراد بالحكاية الذكر والتلفظ وبالحال حال الشخص وشمل حكاية الحال كون الحاكي صاحب الحال أو غيره. وإنما قلنا ينزل منزلة العموم إشارة إلي أنه ليس من العام المصطلح لاختصاصه بالمقال كما في قوله صلي الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة الثقفي وقد أسلم على عشر نسوة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) لم يستفصله عليه الصلاة والسلام هل

ص: 220

تزوجهن معا أو مرتبا فلولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق الكلام أي الجواب لامتناع الإطلاق في موضع التفصيل المحتاج إليه وكذلك كل من أسلم على أكثر من أربع نسوة كقيس بن الحارث الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أختر منهن أربعا) وكعروة بن مسعود الثقفي وكنوفل بن معاوية الديلي، ومن ترك الاستفصال في حكاية الأحوال حديث فاطمة بنت أبي حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وقد ذكرت له أنها تستحاض (أن دم الحيض أسود يعرف فإذا كان كذلك فامسكي عن الصلاة وإذا كان الأخر فاغتسلي وصلي) لم يستفصلها هل لها عادة في ذلك أم لا فيكون حكمه باعتبار التمييز شاملا للمعتادة وغيرها ومنه حديث بريرة رضي الله عنها عند مسلم أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم (إن أمي ماتت ولم تحج أفيجزئ أن أحج عنها قال نعم) ولم يستفصل هل أوصت بذلك أم لا فيعم الحالين عند الشافعية وقال أبو حنيفة أن ترك الإستفصال لا ينزل منزلة العموم بل يكون الكلام مجملا وقد تأول أمسك بابتدئ نكاح أربع منهن في الميعة واستمر على الأربع الأول في الترتيب لأن نكاح الخامسة ومن بعدها فاسد. قال في شرح التنقيح: ونحن نقول انكحه الكفار كلها باطلة وإنما يصححها الإسلام وإذا كانت باطلة فلا تقرر الأربع فيكون من عداهن يبطل عقده والحديث لم يفصل مع أنه تأسيس قاعدة وابتداء حكم وشأن الشارع في هذا رفع البيان إلى أقصى الغاية فلولا أن الأحوال كلها يعمها هذا الاختيار لما أطلق صاحب الشرع القول فيها كما لو قال صاحب الشرع: اعتقوا رقبة في الكفارة ولم يفصل استدللنا بذلك على عتق الطويلة والقصيرة والبيضاء والسوداء من جهة عدم التفصيل لا لأن اللفظ عام بل مطلق.

قيام الاحتمال في الأفعال

قل مجمل مسقط الاستدلال

هذا تفسير للمراد من عبارة الشافعي وهي وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال فلا تعارض بينهما وبين قوله ترك الاستفصال في وقائع الأحوال مع قيام

ص: 221

الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال الذي نظمنا في البيت قبل هذا لأن الأولى محمولة غلى الوقائع التي فيها قول من النبي صلى الله عليه وسلم فتعم جميع الاحتمالات والثانية محمولة على الوقائع التي ليس فيها إلا مجرد فعله صلى الله عليه وسلم فلا تعم جميع الاحتمالات بل هي من المجمل فإن الفعل لا عموم له قاله المحشيان. ومحل العموم في الأولى والأجمال في الثانية حيث تساوت الاحتمالات فإن ترجح بعضها فالعمل بالراجح واجب اجماعا. فمن القسم الثاني الذي هو معنى قولنا قيام الاحتمال حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر فإنه يحتمل أن يكون لمرض وأن يكون جمعا صوريا قال المحشي وإذا احتمل كان حمله على بعض الأحوال كافيا ولا عموم له في الأحوال كلها.

وما أتى للمدح أو للذم

يعم عند جل أهل العلم

يعني: أن العام الذي سيق للمدح أو للذم أو لغرض آخر لا يصرفه ذلك عن العموم وعزاه الرهوني للأكثر وأختاره ابن الحاجب قال في التنقيح: وذكر العام في معرض المدح أو الذم لا يخصص خلافا لبعض الفقهاء نحو ((إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم)) وقيل لا يعم وعزاه غير واحد للشافعي لأنه سيق لقصد المبالغة في الحث والزجر ولهذا منع التمسك بقوله تعالى ((والذين يكنزون الذهب والفضة)) الآية في وجوب زكاة الحلي وقيل يعم إلا أن يعارضه عام أخر لم يسق للمدح أو الذم فإن عارضه ما ذكر احتيج إلى مرجح كقوله تعالى: ((وأن تجمعوا بين الأختين)) مع قوله تعالى: ((أو ما ملكت أيمانكم)) فإن عارضه عام غير مسوق للمدح أو الذم أو نحوهما قدم ذلك المعارض عليه لأنه أقوى وإذا عارضه عام سيق لذلك تساوي معه لضعف كل منهما بالخلاف فيه فلا بد من الترجيح وعلى القول الأول ينظر عند المعارضة إلى المرجح على القول الأول. والثالث: إذا عارضه خاص سيق لذلك أم لا قدم الخاص عليه قياسا.

وما به قد خوطب النبي

تعميمه في المذهب السني

ص: 222

يعني: أن السني بفتح السين أي المشهور في مذهب مالك تعميم الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم نحو ((يا أيها النبي أتق الله)) ((يا أيها المزمل)) فيتناول الأمة من جهة الحكم لا من جهة اللفظ إلا ما ثبت فيه الخاصية. قال الرهوني واختلف في تعميم القول الخاص به صلى الله عليه وسلم قول المالكية وظاهر قول مالك أنه عام واحتج في المدونة على أن ردة الزوجة مزيلة للعصمة بقوله تعالى ((لئن أشركت ليحبطن عملك)) وقال انكرت عائشة رضي الله عنها على من ذهب إلى أن نفس التخيير طلاق بقولها خير رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه فاخترنه فلم يعد ذلك طلاقا مع أنه ورد فيه خطاب خاص به صلى الله عليه وسلم أعنى قوله تعالى ((يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن .. )) الآيتين ومثال ما ثبتت فيه الخاصية تزويج تسع بالمثناة، وقال أحمد وأبوه حنيفة: أن ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم عام للأمة ظاهرا لأن أمر القدرة أمر لأتباعه معه عرفا كأمر السلطان أميرا بفتح بلد فيحمل على العموم إلا بديل خارجي يصرف ويوجب تخصصه به قال في الآيات البينات وقضية كون العموم ظاهرا والحمل عليه إلا بدليل أن المراد التناول لفظا ولعل المراد التناول لفظا بحسب العرف اهـ. وقال الشافعية لا يتناول الأمة من جهة الحكم لاختصاص الصيغة به وأجابوا عن كون أمر القدوة أمرا لأتباعه عرفا بأنه فيما يتوقف المأمور به على المشاركة وما نحن فيه ليس كذلك.

اعلم أن محل الخلاف كما قال زكريا ما يمكن فيه إرادة الأمة معه ولم تقم قرينة على ارادتهم معه بخلاف ما لا يمكن فيه ذلك نحو ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)) وما أمكن فيه ذلك وقامت قرينة على إرادتهم معه نحو ((يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)) وليس من محل الخلاف أيضا ما لا تمكن في إرادة النبي صلى الله عليه وسلم بل المراد به الأمة.

وما يعم يشمل الرسولا

وقيل لا ولنذكر التفصيلا

يعني: أن الأصح أن نحو يا أيها الناس مما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم من العمومات المتناولة له لغة شموله له صلى الله

ص: 223

عليه وسلم من جهة الحكم المستفاد من التركيب كما شمله لغة فخرج ما لا يتناوله نحو يا أيتها الأمة فلا يشمله بلا خلاف وقيل لا يشمله من جهة الحكم مطلقا لأنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره وقيل أن أقترن بنحو بلغ وقل فلا يشمله لظهوره في التبليغ وإلا فيشمله.

وأورد على هذا القول أن جميع الخطابات المنزلة عليه صلى الله عليه وسلم على تقدير قل فيلزم أن لا يدخل في شيء منها قال في الآيات البينات: ورد بالمنع ولو سلم فليس المقدر كالمذكور من كل وجه.

والعبد والموجود والذي كفر

مشمولة له لدي ذوي النظر

يعني: أن الخطاب بنحو يا أيها الناس يتناول شرعا ثلاثة أصناف ما يتناولهم لغة الأول: العبد على الصحيح عند السبكي وإليه ذهب كثر المالكية والشافعية والحنفية لأنه من القياس لغة والأصل عدم النقل وكونه عبدا لا يصلح مانعا وإنما خرجوا من خطاب الحج والجهاد بدليل منفصل وقيل لا يتناول العبيد بل يختص بالأحرار وإليه ذهب بعض المالكية وبعض متأخري الشافعية وينبني على الخلاف صحة الاستدلال بنصوص التكليف على ثبوتها في حقهم حيث يقع النزاع فيها بين العلماء كصلاة الجمعة فقد أختلف في وجوبها عليهم وكذلك اقراره فيما يتعلق ببدنه. وحجة من قال بعدم دخولهم قوله تعالى ((والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)) والأمة لا يلزمها ذلك وقال الرازي من الحنفية: إن كان لحق الله اندرجوا وإن كان لحق ءادمي لم يندرجوا والخلاف في الفروع لا في وجوب معرفة الله تعالى ونحوها الثاني: الكافر وقيل: لا، بناء على عدم تكليفه بالفروع الثالث: الموجود في زمن الوحي دون من بعدهم إلا بنص أو إجماع أو قياس قال في التنقيح: وخطاب المشافهة لا يتناول من يحدث بعد إلا بدليل لأن الخطاب موضوع للمشافهة هو تناوله لمن بعدهم لا من اللغة بل للعلم من الدين بالضرورة أن الشريعة عامة قال تعالى ((لأنذركم به ومن بلغ)) وللإجماع على تكليفهم بما كلف به الموجودون وقال الحنابلة: يتناولهم بالصيغة أيضا لمساواتهم للموجودين في حكمه إجماعا وأجيب: بأن المساواة بدليل أخر وهو مستند الإجماع لا منه.

ص: 224

وما شمول من للأنثى جنف

وفي شبيه المسلمين اختلفوا

يعني: أن من شرطية كانت أو استفهامية أو موصولة تتناول الإناث عند الأكثر. وقال إمام الحرمين باتفاق كل من ينتسب للتحقيق من أرباب اللسان والأصول. وقالت شر ذمة من الحنفية لا تتناولهن فقالوا في قوله صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) لا يتناولهن فالمرأة عندهم لا تقتل بالردة. ودليل الأكثر قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى} إذ لولا تناولها للأنثى وضعا لما صح أن يبين بالقسمين وقوله صلى الله عليه وسلم (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه فقالت أن سلمة كيف تصنع النساء بذيولهن) رواه الترمذي. ففهمت دخولهن في من واقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك. وأن من قال من دخل دراي فهو جر فدخل الإماء عتقن إجماعا قاله المحشي.

قوله وفي شبيه يعني أنهم اختلفوا في جمع المذكر السالم ونحوه هل يدخل فيه النساء ظاهرًا؟ قال في التنقيح: والصحيح عندنا اندراج النساء في خطاب التذكير قاله القاضي عبد الوهاب اهـ. وكذا الحنابلة وصححه بعض الشافعية لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما دل دليل على تخصيصه ولأن النحاة قالوا أن عادة العرب إذا قصدت الجمع بين المذكر والمؤنث ذكروا الجمع بصيغة المذكر ولا يفردون المؤنث بالذكر كما هو عادتهم في اغلب المتكلم على المخاطب والمخاطب علي الغائب والعقلاء على غيرهم وذلك مثل المسلمين، وفعلوا، وافعلوا.

والأصح عند السبكي أن جمع المذكر السالم ونحوه لا يدخل فيه النساء ظاهرًا وإنما يدخلن فيه بقرينة تغليب الذكور وبعدم دخولهن فيه قال القاضي والباجي من المالكية وأكثر الأصوليين واختاره ابن الحاجب لقوله تعالى {إن المسلمين والمسلمات} الآية ولا نزاع في الصيغة المخصصة بالذكور بحسب المادة نحو الرجال فلا تتناول اتفاقًا ولا فيما هو موضوع للذكور والإناث مثل الناس ومن إنما النزاع فيما هو بحسب المادة موضوع لهما وبحسب الصيغة موضوع للذكور خاصة وحاصله أن تغليب الذكور على الإناث والقصد إليهما جميعًا ظاهر

ص: 225

ومبني على قيام القرينة ومن المتنازع فيه نحو صوام وقوام من جموع التسكير بخلاف صوم وقوم فأنه لا يخص المذكر قال ابن مالك:

وفعل لفاعل وفاعلة

وصفين نحو عاذل وعاذلة

ومثله الفعال فيما ذكرا

فعلى عدم الدخول لو وقف على بني زيد لا تدخل فيه البنات والخلاف في ظهور التناول لا في صحته وإذا أطلق اللفظ عليهما فهل هو حقيقة فيهما كما يدل على قول العضد كغيره أو مجاز خلاف قوله جنف بالتحريك يعني أنه ليس ميلا عن الصواب.

وعمم المجموع للأنواع

إذا بمن جر على نزاع

كمن علوم الق بالتفصيل

للفقه والتفسير والأصول

يعني: أنه إذا اجتمعت صيغة تبغيض مع جمع معروف باللام أو بالإضافة على جميع أنواعه نظرا لمدلول العام من أنه كلية واسم العدد عام في المعنى. وإن كان لا يسماه اصطلاحا فقوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة} يقتضي الأخذ من كل نوع من مال كل واحد وقيل يقتضي الأخذ من نوع واحد من مال كل واحد واختاره ابن الحاجب والقرافي فصيغة التبغيض وهو يصدق ببعض مدخولها وهو نوع واحد وأجيب بأن من للتبغيض في العام أن يكون باعتبار كل جزء من جزئياته وينبني على الخلاف ما لو شرط على المدرس أن يلقي كل يوم ما تيسر من علوم ثلاثة وهي التفسير والفقه والأصول هل يجب عليه أن يلقي كل يوم من كل واحد منها أو يكفيه أن يلقي من واحد منها.

والمقتضي أعم جل للسلف

كذاك مفهوم بلا مختلف

جل: فاعل أعم ومختلف بفتح اللام بمعنى اختلاف يعني: أن المقتضي قال جل للسلف أي أكثر المالكية والشافعية بعمومه كما حكاه عنهم القاضي عبد الوهاب والمقتضي بكسر الضاد كلام يتوقف صدقه

ص: 226

أو صحته على تقدير أحد أمور يسمى ذلك الواحد مقتضي بفتح الضاد فأنه يعم تلك الأمور حذرا من الأجمال وقال ابن الحاجب والغزالي وغيرهما أنه لا يعمها لاندفاع الضرورة بواحد منها ويكون مجملا بينها يتعين بالقرينة، قوله كذاك مفهوم يعني أنه لا خلاف في عموم المفهوم موافقة كان أو مخالفة نحو {فلا تقل لهما أف} {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} الآية. نقلها العرف إلى تحريم جميع الإيذاءات والاتلافات ونحو قوله صلى الله عليه وسلم ((مطل الغني ظلم)) أي بخلاف مطل غيره والحاصل أن اللفظ الدال على مفهوم الموافقة والمخالفة صار عاما فيهما بواسطة العرف في الأول وبواسطة العقل الثاني والخلاف في أن المفهوم مطلقا لا عموم له لفظي.

ص: 227