الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْعَارِيَّةُ]
بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ عَارَةٌ بِوَزْنِ نَاقَةٍ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ وَلِلْعَقْدِ الْمُتَضَمِّنِ لِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لِيَرُدَّهُ مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ بِسُرْعَةٍ، وَمِنْ التَّعَاوُرِ: أَيْ التَّنَاوُبِ لَا مِنْ الْعَارِ لِأَنَّهُ يَائِيٌّ وَهِيَ وَاوِيَّةٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: وَهُوَ مَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ «وَاسْتِعَارَتُهُ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، «وَدِرْعًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ: أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: لَا بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَهِيَ سُنَّةٌ وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً كَإِعَارَةِ نَحْوِ ثَوْبٍ لِدَفْعِ مُؤْذٍ كَحَرٍّ وَمُصْحَفٍ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ تَبَعًا لِلْكِفَايَةِ، أَوْ ثَوْبٍ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا لُغَةٌ) يُشْعِرُ تَعْبِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ بِقِلَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّخْفِيفِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ) أَيْ شَرْعًا (قَوْلُهُ: وَلِلْعَقْدِ) أَيْ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَعَدَمِ الضَّمَانِ وَهَذَا مَوْرِدُ الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ التَّعَاوُرِ) أَيْ وَمَأْخُوذَةٌ أَيْضًا مِنْ التَّعَاوُرِ فَمَأْخَذُهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: وَهِيَ وَاوِيَّةٌ) هَذَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُدْخِلُونَ بَنَاتِ الْيَاءِ عَلَى بَنَاتِ الْوَاوِ كَمَا فِي الْبَيْعِ مِنْ مَدِّ الْبَاعِ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يَائِيٌّ وَالْبَاعَ وَاوِيٌّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ) فَسَّرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِالزَّكَاةِ، وَحَكَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِقِيلَ (قَوْلُهُ: وَدِرْعًا مِنْ صَفْوَانَ) أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ وَإِلَّا فَالْمَأْخُوذَةُ مِنْ صَفْوَانَ مِائَةُ دِرْعٍ (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً) أَيْ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا قَدْ تُبَاحُ اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: وَقَدْ تُصَوَّرُ الْإِبَاحَةُ بِإِعَارَةِ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ بِالْمُعَارِ بِوَجْهٍ (قَوْلُهُ: لِدَفْعِ مُؤْذٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ الْأَذَى، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِأَذًى لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً أَوْ يُبِيحُ مَحْذُورَ تَيَمُّمٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي عَنْ الأذرعي فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ ثَوْبٍ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَإِنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ إلَخْ نَصُّهَا: حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ إلَّا مُصْحَفٌ وَاحِدٌ وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ التَّعَلُّمُ إلَّا مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْ مَالِكَهُ إعَارَتُهُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ إلَّا مُعَلِّمٌ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّعْلِيمُ إلَّا بِأُجْرَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ احْتَاجَ إلَى السُّتْرَةِ أَوْ الْوُضُوءِ وَمَعَ غَيْرِهِ ثَوْبٌ أَوْ مَاءٌ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْبَلَدِ اهـ.
وَحَمَلَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ؛ لِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَلَعَلَّ قَوْلَهُ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ سَقَطَ مِنْ نُسَّاخِ الشَّارِحِ؛ لِانْتِقَالِ النَّظَرِ مِنْ الِانْتِفَاعِ إلَى الِانْتِفَاعِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ) الَّذِي فِي الْعُبَابِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَكَذَلِكَ الْكِفَايَةُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهَا غَيْرُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُصْحَفِ أَوْ الثَّوْبِ
إعَارَةِ كُلِّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ، وَكَذَا إعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ يُخْشَى مَوْتُهُ وَكَإِعَارَةِ مَا كَتَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ فِيهِ سَمَاعُ غَيْرِهِ أَوْ رِوَايَتُهُ لِيَنْسَخَهُ مِنْهُ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَتَحْرُمُ كَإِعَارَةِ غَيْرِ صَغِيرَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَتُكْرَهُ كَإِعَارَةِ مُسْلِمٍ لِكَافِرِ، وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: مُعِيرٌ، وَمُسْتَعِيرٌ، وَمُعَارٌ، وَصِيغَةٌ.
(شَرْطُ الْمُعِيرِ) الِاخْتِيَارُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ مُكْرَهٍ، وَ (صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ) بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِالْمَنَافِعِ فَلَا يَصِحُّ إعَارَةُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ إعَارَةُ السَّفِيهِ لِبَدَنِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ مَقْصُودًا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِمَالِهِ، وَلَا حَاجَةَ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى اسْتِثْنَائِهِ لِأَنَّ بَدَنَهُ فِي يَدِهِ فَلَا عَارِيَّةَ، وَكَذَا لِلْمُفْلِسِ إعَارَةُ عَيْنٍ زَمَنًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ، وَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ مُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا فِي نَظِيرِ مَا مَرَّ فِي الْمُفْلِسِ فِيمَا يَظْهَرُ.
وَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا فَلَا تَصِحُّ اسْتِعَارَةُ مَحْجُورٍ وَلَوْ سَفِيهًا وَلَا اسْتِعَارَةُ وَلِيِّهِ لَهُ إلَّا إنْ انْتَفَى الضَّمَانُ كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْ نَحْوِ مُسْتَأْجِرٍ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، وَتَعْيِينُهُ، فَلَوْ فَرَشَ بِسَاطَهُ لِمَنْ لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَارِيَّةً بَلْ مُجَرَّدَ إبَاحَةٍ (وَمِلْكُهُ لِلْمَنْفَعَةِ) وَلَوْ لَمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
حَجّ الْوُجُوبَ عَلَى مَا إذَا أَعَارَ ذَلِكَ زَمَنًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ) لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْإِعَارَةِ هُنَا أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ لِأَنَّهَا بِالتَّرْكِ هُنَا، وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ اسْتِعَارَتِهِ إذَا أَرَادَ حِفْظَ مَالِهِ كَمَا يَجِبُ الِاسْتِيدَاعُ إذَا تَعَيَّنَ لِلْحِفْظِ وَإِنْ جَازَ لِلْمَالِكِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ إلَى التَّلَفِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ الْمُنَافَاةَ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: لِيَنْسَخَهُ) أَيْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: كَإِعَارَةِ غَيْرِ صَغِيرَةٍ) وَكَالصَّغِيرَةِ الْقَبِيحَةُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ مَعَ فَسَادِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَقْسَامِ الْعَارِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، فَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ لَهُ بِإِعَارَةِ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ لِحَرْبِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: كَإِعَارَةِ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ) لِيَخْدُمَهُ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ مُكْرَهٍ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَمَّا بِهِ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إعَارَةٍ وَاجِبَةٍ فَتَصِحُّ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَدَنَهُ فِي يَدِهِ فَلَا عَارِيَّةَ) قَدْ يُشْكِلُ بِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ رُكِّبَ مُنْقَطِعًا مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَارِيَّةِ كَوْنُ الْمُعَارِ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ، بَلْ حُكْمُ الْعَارِيَّةِ ثَابِتٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُعِيرِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ سَأَلَ شَخْصٌ صَاحِبَ الدَّابَّةِ فِي حَمْلِ مَتَاعٍ لَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا كَانَ إعَارَةً لَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَهَا السَّائِلُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: السَّفِيهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ حُرًّا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَكَأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لِلْمُفْلِسِ إعَارَةُ عَيْنٍ إلَخْ) هَلَّا قِيلَ بِالِامْتِنَاعِ مُطْلَقًا فِيهِ وَفِي الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهَا قَدْ تَتْلَفُ فَتَفُوتُ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَعَلَى السَّيِّدِ وَلَوْ قِيلَ بِذَلِكَ لَكَانَ وَجِيهًا (قَوْلُهُ: إلَّا فِي نَظِيرِ مَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ زَمَنًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَفِيهًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، أَمَّا الْمُفْلِسُ فَتَصِحُّ اسْتِعَارَتُهُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ تَلَفًا مُضَمَّنًا لَا يُزَاحِمُ الْمُعِيرُ الْغُرَمَاءَ بِبَدَلِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ انْتَفَى الضَّمَانُ) أَيْ أَوْ لِضَرُورَةٍ كَبَرْدٍ مُهْلِكٍ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (قَوْلُهُ: وَتَعْيِينُهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ، وَقَوْلُهُ بَلْ مُجَرَّدُ إبَاحَةٍ، وَلَوْ أَرْسَلَ صَبِيًّا لِيَسْتَعِيرَ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ هُوَ وَلَا مُرْسِلُهُ: أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ كَذَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَنَظَرَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ، وَالنَّظَرُ وَاضِحٌ إذْ الْإِعَارَةُ مِمَّنْ عَلِمَ أَنَّهُ رَسُولٌ لَا تَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ: أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ رَسُولٌ اهـ حَجّ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلَهُ فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ إلَخْ، أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَقْتَضِي تَسْلِيطَ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الْإِتْلَافِ: أَيْ فَيَضْمَنُ فِيهِ إلَّا فِي التَّلَفِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ بِالتَّلَفِ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِعْمَالِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ) أَمَّا الَّذِي لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَيْضًا لَكِنْ لَا بِالْعَارِيَّةِ بَلْ بِالْأُجْرَةِ
(قَوْلُهُ: فَلَا عَارِيَّةَ) فِيهِ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ اغْسِلْ ثَوْبِي كَانَ اسْتِعَارَةً لِبَدَنِهِ
يَمْلِكْ الرَّقَبَةَ، إذْ الْإِعَارَةُ إنَّمَا تُرَدُّ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَذْرَعِيُّ امْتِنَاعَ إعَارَةِ فَقِيهٍ أَوْ صُوفِيٍّ سَكَنُهُمَا فِي مَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ.
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى عَارِيَّةً حَقِيقَةً، فَإِنْ أَرَادَ حُرْمَتَهُ فَمَمْنُوعٌ حَيْثُ لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى شَيْءٍ وَلَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِ عَادَةٌ مُطَّرِدَةٌ بِمَنْعِ ذَلِكَ، وَيَلْحَقُ بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ اخْتِصَاصُهُ بِهَا لِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ جَوَازِ إعَارَةِ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ نَذَرَهُ مَعَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَمِثْلُهُ إعَارَةُ كَلْبٍ لِصَيْدٍ وَأَبٍ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا إذَا كَانَ الزَّمَنُ غَيْرَ مُقَابِلٍ بِأُجْرَةٍ وَلَا يَضُرُّ بِهِ لِجَوَازِ اسْتِخْدَامِهِ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيُّ حِلَّ إعَارَتِهِ لِخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ لِقِصَّةِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ تَسْمِيَةَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَارِيَّةً فِيهِ نَوْعُ تَجَوُّزٍ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بِإِعَارَةِ الْإِمَامِ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ التَّمْلِيكُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَأْذُونِ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِ التَّسْلِيطَ بِالْإِتْلَافِ لَكِنَّهَا اقْتَضَتْهُ بِالتَّسْلِيطِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ بِوُجُوهِ الِانْتِفَاعِ الْمُعْتَادِ فَأَشْبَهَتْ الْمَبِيعَ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهِ بِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مِنْ السَّفِيهِ لَا يَضْمَنُهُ إذَا أَتْلَفَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ جَوَازِ إعَارَةِ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ) لَوْ تَلِفَ ضَمِنَهُ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَلَيْسَ لَنَا مُعِيرٌ يَضْمَنُ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَمُرَادُهُ إنْ كَانَ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَأَنَّ الْقَرَارَ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ اسْتِخْدَامِهِ فِي ذَلِكَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ اسْتِخْدَامُ وَلَدِهِ فِيمَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ أَوْ كَانَ يَضُرُّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الثَّانِي، وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ فِي الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْمُعَلِّمِ الْآتِي، وَبِتَسْلِيمِ الْأَوَّلِ فَيَنْبَغِي لِلْأَبِ إذَا اسْتَخْدَمَ مَنْ ذَكَرَ أَنْ يَحْسِبَ أُجْرَةَ مِثْلِهِ مُدَّةَ اسْتِخْدَامِهِ ثُمَّ يُمَلِّكَهَا لَهُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَصْرِفَهَا عَلَيْهِ فِيمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ.
وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى أَنْ يَمُوتَ إنْسَانٌ وَيَتْرُكَ أَوْلَادًا صِغَارًا فَتَتَوَلَّى أُمُّهُمْ أَمَرَهُمْ بِلَا وِصَايَةٍ، أَوْ كَبِيرُ الْإِخْوَةِ أَوْ عَمٌّ لَهُمْ مَثَلًا وَيَسْتَخْدِمُونَهُ م فِي رَعْيِ دَوَابَّ إمَّا لَهُمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ.
وَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْأُجْرَةِ عَلَى مَنْ اسْتَخْدَمَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ قَرِيبًا، وَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بِقَبْضِ الْأُمِّ أَوْ كَبِيرِ الْإِخْوَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا حَيْثُ لَا وِصَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ مِنْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيُّ حِلَّ إعَارَتِهِ) أَيْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَقَوْلُهُ لِخِدْمَتِهِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى الْفَقِيهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ رِضَاهُ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ اسْتِخْدَامُهُ يُعَدُّ إزْرَاءً بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ، وَبَقِيَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْمُعَلِّمَ يَأْمُرُ بَعْضَ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ بِتَعْلِيمِ بَعْضٍ آخَرَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْوَلَدِ بِإِتْقَانِهِ لِلصَّنْعَةِ بِتَكْرَارِهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُعَلِّمَ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بِإِعَارَةٍ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَذْرَعِيُّ امْتِنَاعَ إعَارَةِ فَقِيهٍ إلَخْ) إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ أَنَّهُ أَعَارَ لِمُسْتَحِقِّ السُّكْنَى فِي الْمَدْرَسَةِ، أَوْ الرِّبَاطِ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا الْجَوَازُ، لَكِنْ هَذَا لَيْسَ عَارِيَّةً وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطُ حَقٍّ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ الصُّورَةُ أَنَّهُ أَعَارَ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا الْمَنْعُ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَذْرَعِيِّ فَلَمْ يَتَوَارَدْ مَعَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الصُّورَةَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ الْفَقِيهَ أَوْ الصُّوفِيَّ يَخْرُجُ مِنْ السَّكَنِ الْمَذْكُورِ وَيُعِيرُهُ لِغَيْرِهِ.
أَمَّا كَوْنُهُ يَدْخُلُ عِنْدَهُ نَحْوُ ضَيْفٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا نِزَاعَ فِي جَوَازِهِ، ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الْأَذْرَعِيِّ وَنَصَّهَا: قَوْلُهُ: أَيْ الْمُصَنِّفُ وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الصُّوفِيِّ، وَالْفَقِيهِ سَكَنَهُمَا بِالرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ انْتَهَتْ.
وَهُوَ كَمَا تَرَى لَمْ يُثْبِتْ حُكْمًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إلَخْ، وَأَيْضًا إذَا كَانَتْ عِبَارَتُهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الصُّوفِيِّ إلَخْ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَبٌ لِابْنِهِ) أَيْ وَأَنْ يُعِيرَ الْأَبُ ابْنَهُ لِلْغَيْرِ
فَالْإِعَارَةُ أَوْلَى مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ إيصَالُ حَقٍّ لِمُسْتَحِقِّهِ فَلَا يُسَمَّى عَارِيَّةً، أَوْ لِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِيهِ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ إعَارَةُ شَيْءٍ مِنْهُ مُطْلَقًا.
وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الصَّوَابُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِهِ لِقِنِّ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ وَلَوْ بِعِوَضٍ كَالْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِبَعْضِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِبَعْضٍ آخَرَ لِمِلْكِهِ أَكْسَابَهُ لَوْلَا الْبَيْعُ، وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا بَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ، وَهَذَا مِثْلُهُ لِأَنَّ الْقِنَّ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا مِلْكَ لَهُ وَبَعْدَهُ قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا، فَالْمَصْلَحَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي ذَلِكَ لِبَيْتِ الْمَالِ رَأْسًا، وَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ عَدَمَ وُجُوبِ مُرَاعَاةِ شُرُوطِ أَوْقَافِ الْأَتْرَاكِ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُمْ أَرِقَّاءٌ لَهُ، فَمَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ حَلَّتْ لَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَصَلَتْ إلَيْهِ، وَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مُطْلَقًا اهـ.
وَالْأَوْجَهُ اتِّبَاعُ شُرُوطِهِمْ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ رِقُّهُمْ، وَفَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ فِي نَظَرِهِمْ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُمْ فِي ذَلِكَ لِإِخْرَاجِهِمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَشْبِيهِ الْإِمَامِ بِالْوَلِيِّ إعْطَاؤُهُ أَحْكَامَهُ مِنْ سَائِرِ أَوْجُهِهِ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى إعْتَاقِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ مَمْنُوعٌ (فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ) إجَارَةً صَحِيحَةً لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ وَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي بَابِهِ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَمْ يَشْرُطْ الْوَاقِفُ اسْتِيفَاءَهُ بِنَفْسِهِ لَكِنْ بِإِذْنِ النَّاظِرِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (لَا مُسْتَعِيرٌ) بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُؤَجِّرْ وَلَمْ تَبْطُلْ عَارِيَّتُهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَهُ فِيهَا وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الثَّانِيَ كَمَا أَفَادَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
وَالثَّانِي: يُعِيرُ كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ) كَأَنْ يَرْكَبَ مِثْلُهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ بِجَوَازِ إعَارَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ إعَارَةُ شَيْءٍ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا أَعَارَهُ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْسِهِ) أَيْ الْقِنِّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ) مِنْهُمْ حَجّ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ سَائِرِ أَوْجُهِهِ) يَظْهَرُ مِنْ هَذَا اعْتِرَاضُ مَا رَدَّ بِهِ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِيمَا سَبَقَ اعْتِمَادُ الرَّدِّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الرَّدُّ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ تَسْمِيَةِ الْإِسْنَوِيِّ دَفَعَ الْإِمَامُ شَيْئًا لِمُسْتَحِقِّهِ عَارِيَّةً (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى إعْتَاقِ الْعَبْدِ) الْأَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ كَمَا قَدَّمَهُ، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْحَقِيقَةِ إعْتَاقٌ (قَوْلُهُ: وَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ) إلَّا مُدَّةَ حَيَاتِهِ عَلَى تَنَاقُضٍ فِيهِ اهـ حَجّ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: هَذَا مُسْلِمٌ إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى مُبَاشَرَةِ الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ كَأَنْ أَوْصَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَإِلَّا فَلَهُ الْإِعَارَةُ وَإِنْ قُيِّدَ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِ اهـ.
وَقَوْلُ سم: وَإِلَّا أَيْ كَأَنْ أَوْصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ.
وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْإِعَارَةِ الْإِجَارَةُ حَيْثُ قُيِّدَتْ بِمُدَّةٍ أَوْ بِمَحَلِّ عَمَلٍ ثُمَّ إنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِإِذْنِ النَّاظِرِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ النَّاظِرَ لَا يُعِيرُ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا بِأَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَانْحَصَرَ فِيهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْإِعَارَةُ، لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ نَاظِرًا بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِلْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ الْمَالِكُ لَهُ: أَيْ الْمُسْتَعِيرَ، وَقَوْلُهُ الثَّانِي مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَهُ لَهُ وَأَعَارَهُ انْتَهَتْ عَارِيَّتُهُ وَانْتَفَى الضَّمَانُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَرْكَبَ مِثْلُهُ) أَشَارَ بِهِ لِتَقْيِيدِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَفَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ إلَخْ) هَذَا يُعَرِّفُكَ أَنَّ وُجُوبَ اتِّبَاعِ شُرُوطِهِمْ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ حَيْثِيَّةِ الْوَقْفِ؛ إذْ الْوَاقِفُ لَا يَشْتَرِطُ فِي صِحَّةِ وَقْفِهِ مُرَاعَاةَ مَصْلَحَةٍ وَلَا غَيْرَهَا وَإِنَّمَا ذَاكَ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُمْ الْوِلَايَةَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَقَدْ أَخْرَجُوا مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ؛ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الصُّورَةَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ دَخْلٌ فِي أُمُورِ بَيْتِ الْمَالِ، فَمُرَادُهُ بِالْأَتْرَاكِ الْفَاعِلِينَ لِذَلِكَ السَّلَاطِينَ وَأَتْبَاعَهُمْ فَتَنَبَّهْ
أَوْ دُونَهُ لِحَاجَتِهِ دَابَّةً اسْتَعَارَهَا لِلرُّكُوبِ.
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَكَذَا زَوْجَتُهُ وَخَادِمُهُ لِرُجُوعِ الِانْتِفَاعِ إلَيْهِ أَيْضًا.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ يُرْكِبُهَا زَوْجَتَهُ زَيْنَبَ وَهِيَ بِنْتُ الْمُعِيرِ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ نَحْوُهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ إرْكَابُ ضَرَّتِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُعِيرَ لَا يَسْمَحُ بِهَا لِضَرَّتِهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ إرْكَابِ ضَرَّةِ الْمُسْتَعَارِ لِرُكُوبِهَا حَيْثُ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ دُونَهَا وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى التَّخْصِيصِ كَكَوْنِ الْمُسَمَّاةِ أَجْنَبِيَّةً مِنْ الْمُعِيرِ.
(وَشَرْطُ الْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ) انْتِفَاعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا فَلَا يُعَارُ مَا لَا نَفْعَ بِهِ كَحِمَارٍ زَمِنٍ.
أَمَّا مَا يُتَوَقَّعُ نَفْعُهُ كَجَحْشٍ صَغِيرٍ فَالْأَوْجَهُ صِحَّةُ إعَارَتِهِ إنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً زَمَنًا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اشْتِرَاطُ وُجُودِ النَّفْعِ حَالَ الْعَقْدِ فِي الْإِجَارَةِ لِمُقَابَلَتِهَا بِعِوَضٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَلَا قَوْلُ الرُّويَانِيِّ كُلُّ مَا جَازَتْ إجَارَتُهُ جَازَتْ إعَارَتُهُ وَمَا لَا فَلَا، وَاسْتَثْنَى فُرُوعًا لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ لِقَبُولِهِ التَّخْصِيصَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا آلَةُ لَهْوٍ وَأَمَةٌ لِخِدْمَةِ أَجْنَبِيٍّ وَنَقْدٌ إذْ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ. نَعَمْ لَوْ صَرَّحَ بِإِعَارَتِهِ لِلتَّزْيِينِ بِهِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِ صَحَّ، وَنِيَّةُ ذَلِكَ كَافِيَةٌ عَنْ التَّصْرِيحِ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ لِاِتِّخَاذِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مَقْصِدًا وَإِنْ ضَعُفَتْ.
قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا جَوَازُ اسْتِعَارَة الْخَطِّ أَوْ الثَّوْبِ الْمُطَرَّزِ لِيَكْتُبَ وَيُخَاطَ عَلَى صُورَتِهِ، وَحَيْثُ لَمْ تَصِحَّ الْعَارِيَّةُ فَجَرَتْ ضَمِنَتْ لِأَنَّ لِلْفَاسِدِ حُكْمَ الصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا مَعَ اخْتِلَالِ شَرْطٍ أَوْ شُرُوطٍ مِمَّا ذَكَرُوهُ تَكُونُ فَاسِدَةً مَضْمُونَةً، بِخِلَافِ الْبَاطِلَةِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا وَالْمُسْتَعِيرُ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ وَهِيَ الَّتِي اخْتَلَّ فِيهَا بَعْضُ الْأَرْكَانِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ: إنَّ مِنْ الْفَاسِدَةِ الْإِعَارَةَ بِشَرْطِ رَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ صَحِيحِ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا مُفَرَّعٌ فِيمَا يَظْهَرُ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ مِنْ صِحَّةِ ضَمَانِ الدَّرْكِ فِيهَا، وَإِنْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي شَرْطِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَمَا هُنَا فِي شَرْطِهِ دَوَامًا (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) كَثَوْبٍ وَعَبْدٍ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ طَعَامٍ لِأَكْلٍ وَنَحْوِ شَمْعَةٍ لِوَقُودٍ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا بِاسْتِهْلَاكِهِمَا وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ لِلتَّزْيِينِ بِهِمَا كَالنَّقْدِ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ، وَكَوْنُ الْإِعَارَةِ لِاسْتِفَادَةِ الْمُسْتَعِيرِ مَحْضَ الْمَنْفَعَةِ هُوَ الْغَالِبَ، فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَفِيدُ عَيْنًا مِنْ الْمُعَارِ كَإِعَارَةِ شَجَرَةٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ بِئْرٍ لِأَخْذِ ثَمَرَةٍ وَدَرٍّ وَنَسْلٍ أَوْ مَاءٍ، إذْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَتْنِ بِأَنَّ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ضَرَرٌ زَائِدٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعِيرِ (قَوْلُهُ: أَوْ دُونَهُ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ عَدُوًّا لِلْمُعِيرِ فِيمَا يَظْهَرُ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ، وَقَوْلُ سم: مَا لَمْ يَكُنْ عَدُوًّا: أَيْ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: لِرُجُوعِ الِانْتِفَاعِ إلَيْهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَرْكَبَ زَوْجَتَهُ أَوْ خَادِمَهُ لِقَضَاءِ مَصَالِحِهِ.
أَمَّا لَوْ أَرْكَبَهُمَا لِمَا لَا تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ إلَيْهِ كَأَنْ أَرْكَبَ زَوْجَتَهُ لِسَفَرِهَا لِحَاجَتِهَا لَمْ يَجُزْ.
(قَوْلُهُ: كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ) أَيْ حَالَ الْعَقْدِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لِقَبُولِهِ التَّخْصِيصَ) أَيْ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ، وَقَوْلُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ: أَيْ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْجَحْشِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ: أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِ) أَيْ صُورَتِهِ، وَقَوْلُهُ نِيَّةُ ذَلِكَ: أَيْ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا: أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ) كَذَا شَرْحُ م ر وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْوَجْهُ الضَّمَانُ لِأَنَّ الْيَدَ يَدُ ضَمَانٍ، ثُمَّ رَأَيْت م ر تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ وَافَقَهُ ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَحَيْثُ لَمْ تَصِحَّ الْعَارِيَّةُ فَجَرَتْ إلَى هُنَا مِنْ شَرْحِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَعِيرُ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ) الْأَوْلَى وَالْمُعِيرُ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا) أَيْ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيِّ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الْإِعَارَةِ لِاسْتِفَادَةِ الْمُسْتَعِيرِ إلَخْ) وَيَجُوزُ أَيْضًا إعَارَةُ الْوَرَقِ لِلْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ إعَارَةُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ مَثَلًا وَلِغَسْلِ مَتَاعٍ وَنَجَاسَةٍ لَا يُنَجَّسُ بِهَا كَأَنْ يَكُونَ وَارِدًا وَالنَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةٌ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ) مُرَادُهُ حَجّ (قَوْلُهُ: كَإِعَارَةِ شَجَرَةٍ أَوْ شَاةٍ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إعَارَةُ الدَّوَاةِ لِلْكِتَابَةِ مِنْهَا وَالْمُكْحُلَةِ لِلِاكْتِحَالِ مِنْهَا اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَاءٍ) أَيْ لِلْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: مُنْتَفَعًا بِهِ) أَيْ وَلَوْ مَآلًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَهُوَ مُخَالِفٌ فِي هَذَا لحج خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: بِمَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِمَّا يُتَوَقَّعُ نَفْعُهُ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ إنَّ مِنْ الْفَاسِدَةِ إلَخْ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ، وَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى كَلَامٍ كَانَ أَثْبَتَهُ فِي الشَّارِحِ تَبَّ تَبَعًا لِلتُّحْفَةِ ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ سم
الْأَصْلُ فِي الْعَارِيَّةُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِهْلَاكُ الْمُعَارِ، لَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْصُودُ فِيهَا اسْتِثْنَاءَ عَيْنٍ، وَحَقَّقَ الْأُشْمُونِيُّ فَقَالَ: إنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لَيْسَ مُسْتَفَادًا بِالْعَارِيَّةِ بَلْ بِالْإِبَاحَةِ، وَالْمُسْتَعَارُ هُوَ الشَّاةُ لِمَنْفَعَةٍ وَهِيَ التَّوَصُّلُ لِمَا أُبِيحَ وَكَذَا الْبَاقِي، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُسْتَعَارِ فَيَكْفِي خُذْ مَا شِئْت مِنْ دَوَابِّي بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ.
(وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ) لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ وَسَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ حُرْمَةُ نَظَرِ كَافِرَةٍ لِمَا لَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ مِنْ مُسْلِمَةٍ فَيَمْتَنِعُ إعَارَتُهَا لَهَا فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ (أَوْ) ذَكَرٍ (مُحَرَّمٍ) لِلْجَارِيَةِ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَمِثْلُ الْمُحَرَّمِ مَالِكُهَا بِأَنْ يَسْتَعِيرَهَا مِنْ مُسْتَأْجِرٍ، وَكَذَا مِنْ مُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحْبَلُ لِجَوَازِ وَطْئِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَنْ تَحْبَلُ لِأَنَّهَا قَدْ تَلِدُ فَتَكُونُ مَنَافِعُ وَلَدِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، أَوْ زَوْجٍ وَيَضْمَنُهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْلِ إلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا لِسَيِّدِهَا أَوْ نَائِبِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، بِخِلَافِ إعَارَتِهَا لِأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ شَيْخًا أَوْ مُرَاهِقًا أَوْ خَصِيًّا لِخِدْمَتِهِ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ نَظَرًا وَخَلْوَةً مُحَرَّمَةً وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَتَضَمَّنْ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَفِي مَعْنَى الْمُحَرَّمِ وَنَحْوِهِ الْمَمْسُوحُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَسَكَتُوا عَنْ إعَارَةِ الْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ كَعَكْسِهِ بِلَا شَكٍّ، وَلَوْ كَانَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَثَلًا، وَلَا نَظَرَ لِمَا تَتَشَرَّبُهُ الْأَعْضَاءُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْزَاءِ الذَّاهِبَةِ بِلُبْسِ الثَّوْبِ، وَقَوْلُهُ وَحَقَّقَ الْأُشْمُونِيُّ إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْإِبَاحَةِ يَقُولُ بِمِلْكِهِ مِلْكًا مُرَاعًى فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ لِغَيْرِهِ، كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ أَبَاحَ ثَمَرَةَ بُسْتَانِهِ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْلُهُ لِغَيْرِهِ، وَالْقَائِلُ بِالْمِلْكِ يَقُولُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: حُرْمَةُ نَظَرِ كَافِرَةٍ) فِي حَجّ أَنَّ مِثْلَهَا الْفَاسِقَةُ بِفُجُورٍ أَوْ قِيَادَةٍ اهـ.
وَفِي عَدَمِ ذِكْرِ الشَّارِحِ لِلْفَاسِقَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْكَافِرَةِ فَيَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ كَالْعَفِيفَةِ (قَوْلُهُ: فَتَكُونُ مَنَافِعُ وَلَدِهِ لِلْمُوصَى لَهُ) فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْإِرْقَاقِ كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا أَوَلَدَهَا يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِيَشْتَرِيَ بِمَا مِثْلَهُ، وَأَنَّ حُرْمَةَ وَطْئِهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحْبَلُ لَيْسَتْ لِذَلِكَ بَلْ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ أَوْ النَّقْصِ وَالضَّعْفِ أَوْ زَوْجٍ إلَخْ حَجّ.
وَقَدْ يُقَالُ: حَيْثُ كَانَتْ الْحُرْمَةُ لِمَا ذُكِرَ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ عِنْدَ إذْنِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لِرِضَاهُ بِإِتْلَافِهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَضِيَّةِ إطْلَاقِهِ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ زَوْجٍ) عُطِفَ عَلَى مَحْرَمٍ وَهَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عَنْهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا أَيَّ وَقْتٍ أَرَادَهُ، وَبِفَرْضِ اسْتِخْدَامِهَا فِي وَقْتٍ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ بِهَا فِيهِ فَهُوَ الْمُفَوِّتُ لِلْمَنْفَعَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ اسْتَعَارَهَا لِخِدْمَةِ نَفْسِهِ بَطَلَتْ الْعَارِيَّةُ، كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ أَمَةً أَجْنَبِيَّةً بَلْ هَذِهِ أَوْلَى لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْأُلْفَةِ السَّابِقَةِ، وَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِتَرْبِيَةِ وَلَدِهِ مَثَلًا لَا تَبْطُلُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا فِيمَا اسْتَعَارَهَا لَهُ خَلْوَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَلَا نَظَرٌ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ ظَاهِرٌ إنْ تَمَتَّعَ بِهَا وَأَعْرَضَ عَنْ الْعَارِيَّةِ، أَمَّا لَوْ تَمَتَّعَ بِهَا مُلَاحِظًا الْعَارِيَّةَ فَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا مُسَلَّمَةٌ عَنْ جِهَةِ الْعَارِيَّةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا مَا نُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ الزِّيَادِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا تُسَلِّمُهَا عَنْ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ) نَعَمْ لِامْرَأَةٍ خِدْمَةُ مَرِيضٍ مُنْقَطِعٍ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ وَلِسَيِّدِ أَمَةٍ إعَارَتُهَا لِخِدْمَتِهِ اهـ حَجّ.
وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ كَإِعَارَةِ الذَّكَرِ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ مُنْقَطِعَةٍ، وَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهَا النَّظَرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فَكَانَ يَنْبَغِي الضَّرْبُ عَلَى هَذَا أَيْضًا أَوْ سِيَاقُهُ عَلَى وَجْهٍ مُسْتَقِلٍّ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا قَدْ تَلِدُ فَتَكُونُ مَنَافِعُ وَلَدِهِ لِلْمُوصَى لَهُ) هَذَا قَدْ تَبِعَ فِيهِ الشَّارِحُ مَا كَانَ فِي التُّحْفَةِ أَوَّلًا، إلَّا أَنَّ الشِّهَابَ حَجّ أَلْحَقَ عَقِبَ هَذَا مَا نَصُّهُ: كَذَا قَالَ شَارِحٌ وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا أَوْلَدَهَا يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مِثْلَهُ، وَأَنَّ حُرْمَةَ وَطْئِهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحْبَلُ لَيْسَتْ لِذَلِكَ بَلْ لِجَوَازِ الْهَلَاكِ أَوْ النَّقْصِ أَوْ الضَّعْفِ اهـ. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ سم (قَوْلُهُ: أَوْ زَوْجٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَالِكِهَا
الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُعَارُ خُنْثَى امْتَنَعَ احْتِيَاطًا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الِامْتِنَاعِ فِيهِ وَفِي الْأَمَةِ الْفَسَادُ كَالْإِجَارَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي صُورَةِ الْأَمَةِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ نَفْيَ الْجَوَازِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وُجُوبُ الْأُجْرَةِ فِي الْفَاسِدَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدَّمْت فِي الرَّهْنِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إنَّ فَاسِدَ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَإِنْ زَعَمَ الْمُخَالَفَةَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَجُوزُ إعَارَةُ صَغِيرَةٍ وَقَبِيحَةٍ يُؤْمَنُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمُشْتَهَاةِ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ وَلَوْ لِمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْفُجُورِ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ تَقْيِيدَ الْمَنْعِ بِمَنْ عُرِفَ بِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ إيجَارُ حَسْنَاءَ لِأَجْنَبِيٍّ وَالْإِيصَاءُ لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ فَيَنْقُلُهَا لِمَنْ شَاءَ، وَالْمُعِيرُ لَا يُعِيرُ فَيَنْحَصِرُ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ: أَيْ أَصَالَةً حَتَّى لَا يُنَافِيَ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ إنَابَتِهِ.
(وَتُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (إعَارَةٌ) وَإِجَارَةُ (عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرِ) وَاسْتِعَارَتُهُ لِأَنَّ فِيهَا نَوْعُ امْتِهَانٍ لَهُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَيُكْرَهُ اسْتِعَارَةُ وَإِعَارَةُ فَرْعِ أَصْلِهِ مَا لَمْ يَقْصِدْ تَرْفِيهَهُ فَيُنْدَبُ، وَإِعَارَةُ أَصْلِ نَفْسِهِ لِفَرْعِهِ وَاسْتِعَارَةُ فَرْعٍ أَبَاهُ مِنْهُ لَيْسَتْ حَقِيقَةَ عَارِيَّةٍ لِمَا مَرَّ فِي السَّفِيهِ فَلَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي نَظَرِ الطَّبِيبِ لِلْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَعَكْسِهِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ مَفْرُوضٌ فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا تَعَدِّيَ فِيهَا فَتَخْرُجُ بِهَا الْمَنَافِعُ وَالِاسْتِئْجَارُ مِنْ غَاصِبٍ مَثَلًا، وَحِينَئِذٍ فَالْمَقْبُوضَةُ بِالْإِعَارَةِ الْفَاسِدَةِ إنْ تَلِفَتْ بِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ لَمْ تُضَمْنَ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِهِ ضُمِنَتْ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَمَّا مَنْفَعَتُهَا فَمَضْمُونَةٌ مُطْلَقًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَشْبِيهِ الْفَاسِدِ بِالصَّحِيحِ عَدَمُ الضَّمَانِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، عَلَى أَنَّ حَجّ قَالَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ لِلْمَنْفَعَةِ كَالْعَيْنِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا وَضَعَ يَدَهُ بِإِذْنٍ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ قَبَضَ مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِإِذْنِهِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ ضَمِنَ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ إعَارَةُ صَغِيرَةٍ وَقَبِيحَةٍ) لَعَلَّ قِيَاسَ ذَلِكَ جَوَازُ إعَارَةِ الْقِنِّ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَغِيرًا وَلَا قَبِيحًا مِنْ صَغِيرَةٍ أَوْ قَبِيحَةٍ مَعَ الْأَمْنِ الْمَذْكُورِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْفُجُورِ) قَيَّدَهُ حَجّ بِمَا إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ لِخِدْمَةٍ ضَمِنَتْ خَلْوَةً أَوْ نَظَرًا مُحَرَّمًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ) هَذَا يُفِيدُ جَوَازَ خِدْمَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْإِعَارَةِ أَنَّهُ يَسْتَخْدِمُهُ فِيمَا يُرِيدُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ لِخِدْمَتِهِ كَصَبِّ مَاءٍ عَلَى يَدَيْهِ وَتَقْدِيمِ نَعْلٍ لَهُ أَوْ كَغَيْرِ ذَلِكَ كَإِرْسَالِهِ فِي حَوَائِجِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَرْطُ الْعَاقِدِ الرُّشْدُ إلَخْ أَنَّهُ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ، وَهُوَ يُفِيدُ حُرْمَةَ خِدْمَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ، وَعَلَيْهِ فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ بِأَنَّ الْإِذْلَالَ فِي الْإِجَارَةِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْعَارِيَّةِ لِلُزُومِهَا، فَلَا يُمْكِنُ مِنْ بَقَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ وَتُجْعَلُ تَحْتَهَا فِي الْعَارِيَّةِ لِاحْتِمَالِ التَّخَلُّصِ مِنْهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى هَذَا أَنَّ فِي مُجَرَّدِ خِدْمَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ تَعْظِيمًا لَهُ وَهُوَ حَرَامٌ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْإِعَارَةِ جَعْلُهُ تَحْتَ يَدِهِ وَخِدْمَتُهُ لَهُ لِجَوَازِ أَنْ يُعِيرَهُ لِمُسْلِمٍ بِإِذْنٍ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ يَسْتَنِيبُ مُسْلِمًا فِي اسْتِخْدَامِهِ فِيمَا تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ عَلَيْهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلْيُرَاجَعْ، وَفِي عِبَارَةِ الْمَحَلِّيِّ مَا يُصَرِّحُ بِحُرْمَةِ خِدْمَتِهِ حَيْثُ قَالَ: وَعَلَّلَ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمَ الْجَوَازِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْدُمَهُ، وَقَوْلُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ: أَيْ لِلْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِعَارَةُ فَرْعِ أَصْلِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ (قَوْلُهُ: وَاسْتِعَارَةُ فَرْعٍ) لَا تَخْفَى مُغَايَرَةُ هَذَا لِقَوْلِهِ السَّابِقِ وَتُكْرَهُ اسْتِعَارَةُ فَرْعِ أَصْلِهِ، إذْ صُورَةُ هَذِهِ أَنَّهُ اسْتَعَارَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ إعَارَةُ صَغِيرَةٍ وَقَبِيحَةٍ إلَخْ) صَرِيحُ الْإِطْلَاقِ هُنَا، وَتَقْيِيدُ الْمَنْعِ فِيمَا مَرَّ فِي غَيْرِ الصَّغِيرَةِ، وَالْقَبِيحَةِ بِمَا إذَا تَضَمَّنَ نَظَرًا أَوْ خَلْوَةً مُحَرَّمَةً أَنَّهُ تَجُوزُ إعَارَةُ الْقَبِيحَةِ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ نَظَرًا أَوْ خَلْوَةً مُحَرَّمَةً، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّهُمَا وَغَيْرُهُمَا سَوَاءٌ فِي التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ مِثْلُهُ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الشَّارِحِ فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ فَلْيُرَاجَعْ
كَرَاهَةَ فِيهِمَا.
وَتَحْرُمُ إعَارَةُ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ لِحَرْبِيٍّ وَنَحْوُ مُصْحَفٍ لِكَافِرٍ وَإِنْ صَحَّتْ وَفَارَقَتْ الْمُسْلِمَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ دَفْعُ الذُّلِّ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِهَا.
(وَالْأَصَحُّ) فِي نَاطِقٍ (اشْتِرَاطُ لَفْظِ) يُشْعِرُ بِالْإِذْنِ أَوْ بِطَلَبِهِ إذْ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ كِتَابَةٌ مَعَ نِيَّةٍ وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ وَاللَّفْظُ الْمُشْعِرُ بِذَلِكَ (كَأَعَرْتُكَ) هَذَا أَوْ أَعَرْتُك مَنْفَعَتَهُ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ لِلْعَيْنِ كَنَظِيرِهِ فِي الْإِجَارَةِ (أَوْ أَعِرْنِي) أَوْ خُذْهُ لِتَنْتَفِعَ بِهِ أَوْ أَبَحْتُك مَنْفَعَتَهُ وَكَارْكَبْ وَأَرْكِبْنِي، وَلَوْ شَاعَ أَعِرْنِي فِي الْقَرْضِ كَمَا فِي الْحِجَازِ كَانَ صَرِيحًا فِيهِ، قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ فِي الطَّلَاقِ لَا أَثَرَ لِلْإِشَاعَةِ فِي الصَّرَاحَةِ بِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلْأَبْضَاعِ مَا لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ صَرَاحَةُ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَنَحْوِهَا وَأَنَّهُ لَا كِنَايَةَ لِلْعَارِيَّةِ، وَفِيهِ تَوَقُّفٌ ظَاهِرٌ.
(وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ) وَإِنْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَالْوَدِيعَةِ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إذْ ظَنُّ الرِّضَا حَاصِلٌ حِينَئِذٍ، وَقَدْ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ ضَمِنَا كَأَنْ فَرَشَ لَهُ ثَوْبًا لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ نَقْلَ الْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ إبَاحَةً لَا عَارِيَّةً، وَلَا دَلِيلَ لِلْأَوَّلِ فِيمَا يَأْتِي فِيمَنْ أَرْكَبَ مُنْقَطِعًا دَابَّتَهُ بِلَا سُؤَالٍ لِإِمْكَانِ حَمْلِ نَفْيِ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَصْلَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ أَصْلُهُ حُرًّا، وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَعَارَ أَصْلَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِأَنْ كَانَ رَقِيقًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ عِبَارَتِهِ، لَكِنِّي نَبَّهْت عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَفِيَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الطَّلَبَةِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِ مُصْحَفٍ لِكَافِرٍ وَإِنْ صَحَّتْ) لَعَلَّ مَحَلَّ الصِّحَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ اسْتِعَارَةُ الْحَرْبِيِّ الْخَيْلَ أَوْ السِّلَاحَ لِمُقَاتَلَتِنَا وَالْكَافِرِ الْمُصْحَفَ لِقِرَاءَتِهِ فِيهِ مَعَ الْمَسِّ وَالْحَمْلِ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمَهُ فِي اسْتِعَارَةِ الْأَمَةِ الْكَبِيرَةِ لِخِدْمَةِ نَفْسِهِ مَعَ نَظَرٍ أَوْ خَلْوَةٍ أَوْ يُفَرَّقُ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ قِتَالُهُ، وَلَنَا تَحْرُمُ إعَارَتُهُ لَهُ وَتَصِحُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ حَيْثُ ظَنَّ ذَلِكَ لَا وَجْهَ لِلْحُرْمَةِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الزِّيَادِيُّ: إنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عِصْيَانُهُ بِمَا ذُكِرَ حَرُمَتْ إعَارَتُهُ لَهُ وَلَمْ تَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّتْ وَلَا حُرْمَةَ، وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ مَا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَآلَةِ لَهْوٍ وَفَرَسٍ وَسِلَاحٍ لِحَرْبِيٍّ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنْ يُقَاتِلَنَا بِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فَلَا تَصِحَّ إعَارَةٌ إلَخْ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ يُقَاتِلُنَا بِهِ.
(قَوْلُهُ: كَانَ صَرِيحًا) وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَتَمَيَّزُ الْعَارِيَّةُ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ عَنْهَا بِمَعْنَى الْقَرْضِ بِالْقَرَائِنِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تُعَيِّنُ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَيَنْبَغِي عَدَمُ الصِّحَّةِ أَوْ يُقَيَّدُ حَمْلُهُ عَلَى الْفَرْضِ بِمَا اُشْتُهِرَ فِيهِ بِحَيْثُ هَجَرَ مَعَهُ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْعَارِيَّةِ إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ شَائِعٌ حَتَّى فِي غَيْرِ الدَّرَاهِمِ كَأَعِرْنِي دَابَّتَك مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَوَقُّفٌ) وَلَوْ قِيلَ: إنَّ نَحْوَ خُذْهُ أَوْ ارْتَفِقْ بِهِ كِنَايَةٌ لَمْ يَبْعُدْ وَلَا يَضُرُّ صَلَاحِيَّةُ خُذْهُ لِلْكِتَابَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ جِدًّا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ حَيْثُ حَصَلَتْ الصِّيغَةُ لَا يَضُرُّ التَّأَخُّرُ إنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُعِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ وَلَا مِنْ الْمُسْتَعِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّدِّ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ ذَلِكَ إبَاحَةً)
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ لِلْعَيْنِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَعَرْتُكَهُ أَوْ عَيْنَهُ مَثَلًا فَهُوَ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ أَعَرْتُكَ مَنْفَعَتَهُ (قَوْلُهُ: كَانَ صَرِيحًا فِيهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِيمَا يُعَارُ كَالدَّابَّةِ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ مَعَ الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلْأَبْضَاعِ) أَيْ: فَلَا نُوقِعُ الطَّلَاقَ بِمَا اُشْتُهِرَ مُطْلَقًا بَلْ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْقَوْلُ بِحِلِّ الْبُضْعِ لِآخَرَ وَهُوَ خِلَافُ الِاحْتِيَاطِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأَخُّرِ هُنَا التَّرَاخِي، وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ التَّأَخُّرِ: أَيْ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْفِعْلُ عَنْ الْقَوْلِ أَوْ عَكْسِهِ. (قَوْلُهُ: لِإِمْكَانِ حَمْلِ نَفْيِ ذَلِكَ إلَخْ) لَمْ يَظْهَرْ الْمُرَادُ
عَلَى الْجِهَتَيْنِ.
أَمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ كَوْنُهَا بِيَدِ الْمُسْتَعِيرِ، وَخَرَجَ مِنْهُ جُلُوسُهُ عَلَى مَفْرُوشٍ لِلْعُمُومِ فَهُوَ إبَاحَةٌ حَتَّى عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَكَأَنْ أَذِنَ لَهُ فِي حَلْبِ دَابَّتِهِ وَاللَّبَنُ لِلْحَالِبِ فَهِيَ مُدَّةُ الْحَلْبِ عَارِيَّةٌ تَحْتَ يَدِهِ، وَكَأَنْ سَلَّمَهُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي ظَرْفٍ فَهُوَ عَارِيَّةٌ، وَكَأَنْ أَكَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ ظَرْفِهَا الْمُعْتَادِ أَكْلُهَا مِنْهُ وَقَبْلَ أَكْلِهَا هُوَ أَمَانَةٌ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ حَتَّى لَوْ رَآهُ حَافِيًا فَأَعْطَاهُ نَعْلًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَانَ عَارِيَّةً.
(وَلَوْ)(قَالَ أَعَرْتُكَهُ) أَيْ فَرَسِي مَثَلًا (لِتَعْلِفَهُ) أَوْ عَلَى أَنْ تَعْلِفَهُ (أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَك)(فَهُوَ إجَارَةٌ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَهُوَ وُجُودُ الْعِوَضِ (فَاسِدَةٌ) لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَالْعِوَضُ مَعَ التَّعْلِيقِ فِي الثَّانِيَةِ (تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ) إذَا مَضَى بَعْدَ قَبْضِهِ زَمَنٌ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِتَلَفِهَا كَالْمُؤَجَّرَةِ، وَكَلَامُهُمْ هَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ مُؤْنَةِ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُعِيرِ دُونَ الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْعَارِيَّةُ صَحِيحَةً أَمْ فَاسِدَةً، فَإِنْ أَنْفَقَ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِإِذْنِ حَاكِمٍ أَوْ إشْهَادِ بَيِّنَةِ الرُّجُوعِ عِنْدَ فَقْدِهِ.
أَمَّا لَوْ عَيَّنَ الْمُدَّةَ وَالْعِوَضَ كَأَعَرْتُكَ هَذِهِ شَهْرًا مِنْ الْآنَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ لِتُعِيرَنِي ثَوْبَكَ هَذَا شَهْرًا مِنْ الْآنِ فَقَبِلَ فَهُوَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِرَدِّهَا لِلْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ دُونَ نَحْوِ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ فَيَضْمَنَاهَا وَهُوَ طَرِيقٌ. نَعَمْ يَبْرَأُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ بِرَدِّهَا لِمَا أَخَذَهَا مِنْهُ إنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ وَلَوْ بِخَبَرِ ثِقَةٍ فَتَرَكَهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ وَالْإِبَاحَةُ لَا تَقْتَضِي الضَّمَانَ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ مِنْهُ) أَيْ عَقْدُ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَبْلَ أَكْلِهَا هُوَ أَمَانَةٌ) وَكَذَا إنْ كَانَتْ عَرَضًا اهـ حَجّ.
قَالَ سم: اسْتَشْكَلَ بِمَسْأَلَةِ ظَرْفِ الْمَبِيعِ، وَفَرَّقَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّهُ لَمَّا اُعْتِيدَ الْأَكْلَ مِنْ ظَرْفِ الْهَدِيَّةِ قُدِّرَ أَنَّ عِوَضَهَا مُقَابِلٌ لَهَا مَعَ مَنْفَعَةِ ظَرْفِهَا، بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ عَارِيَّةً فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ: وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ هَدِيَّةَ تَطَوُّعٍ بِأَنْ كَانَ لَهَا عِوَضٌ، فَإِنْ اُعْتِيدَ الْأَكْلُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ بَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَإِلَّا ضَمِنَهُ بِحُكْمِ الْغَصْبِ: ثُمَّ قَالَ: وَحَيْثُ قُلْنَا بِضَمَانِهِ تَوَقَّفَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِلَّا كَانَ أَمَانَةً، وَإِنْ كَانَ بِلَا عِوَضٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ اهـ.
وَهُوَ حَاصِلُ مَا فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَشَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهَا.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّرْفَ أَمَانَةٌ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ مُطْلَقًا وَمَغْصُوبٌ بِالِاسْتِعْمَالِ الْغَيْرِ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا، وَعَارِيَّةٌ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ إنْ لَمْ يَكُنْ عِوَضٌ وَإِلَّا فَمُؤَجَّرٌ إجَارَةً فَاسِدَةً اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا حُكْمُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُرِيدَ الشِّرَاءِ يَدْفَعُ ظَرْفَهُ لِزَيَّاتٍ مَثَلًا فَيَتْلَفُ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ وَضْعِ الْمَبِيعِ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وَضْعِ الْمَبِيعِ فِيهِ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ الظَّرْفِ بَعْدَ أَكْلِ الْهَدِيَّةِ مِنْهُ وَلَا لِحُكْمِ الدَّابَّةِ قَبْلَ حَلْبِ اللَّبَنِ وَلَا بَعْدَهُ، وَلَا لِحُكْمِ ظَرْفِ الْمَبِيعِ بَعْدَ أَخْذِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْهُ، وَصَرِيحُ مَا يَأْتِي مِنْ الضَّمَانِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: دُونَ الْمُسْتَعِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ) عَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ بِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ أُجْرَةَ الْمُرَكَّبِ الَّذِي يُعَدَّى فِيهَا أَوْ مَنْ يَسُوقُهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ دُونَ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَنْفَقَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ فَقْدِهِ) أَيْ وَأَخْذِهِ دَرَاهِمَ وَإِنْ قُلْت: (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ عَيَّنَ) أَيْ الْمُعِيرُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِخَبَرِ ثِقَةٍ فَتَرَكَهَا الْمَالِكُ) أَيْ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ إبْقَاءَهَا فِيهِ فَلَا يُشْتَرَطُ مِنْهُ قَصْدُ التَّرْكِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الْعِلْمِ بِعَوْدِهَا لِمَحِلِّهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِهِ مَا فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ لِلشِّهَابِ سم وَإِنْ قَصُرَتْ عِبَارَتُهُ عَنْهُ، وَنَصُّ مَا فِي الْحَوَاشِي الْمَذْكُورَةِ لَك أَنْ تَحْمِلَ مَا يَأْتِي عَلَى مَا إذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا فِيمَا يَأْتِي بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ إلَخْ) أَيْ: وَلَا دَلِيلَ لِلْأَوَّلِ أَيْضًا فِيمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَخْ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي سِيَاقِ الشَّارِحِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَرُدُّ الِاسْتِدْلَالَ
فِيهِ، وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا فَرَكِبَهَا مَالِكُهَا مَعَهُ ضَمِنَ نِصْفَهَا فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ: أَعْطِهَا لِهَذَا لِيَجِيءَ مَعِي فِي شُغْلِي فَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ فِي شُغْلِهِ فَالرَّاكِبُ إنْ وَكَّلَهُ وَلَيْسَ طَرِيقًا كَوَكِيلِ السَّوْمِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ وَالْقَرَارُ عَلَى الرَّاكِبِ.
(وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ) لِلْعَارِيَّةِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ أَوْ عِنْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) مِنْ الْمَالِكِ أَوْ نَحْوِ مُسْتَأْجَرٍ رَدَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَلِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ.
أَمَّا إذَا رَدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ مُعِيرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ بُعْدِ دَارِ هَذَا عَنْ دَارِ مُعِيرِهِ وَعَدَمِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ مُعِيرِهِ، وَمُعِيرُهُ لَوْ كَانَ فِي مَحَلِّهِ لَمْ تَلْزَمْهُ مُؤْنَةٌ، فَسَقَطَ مَا لِلْأَذْرَعِيِّ هُنَا، وَيَجِبُ الرَّدُّ فَوْرًا عِنْدَ طَلَبِ مُعِيرٍ أَوْ مَوْتِهِ أَوْ عِنْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَيَرُدَّ لِوَلِيِّهِ، فَإِنْ أَخَّرَ بَعْدَ عِلْمِهِ وَتَمَكُّنِهِ ضَمِنَ مَعَ الْأُجْرَةِ وَمُؤْنَةِ الرَّدِّ.
نَعَمْ لَوْ اسْتَعَارَ نَحْوَ مُصْحَفٍ أَوْ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ مَالِكُهُ امْتَنَعَ رَدُّهُ إلَيْهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ لِلْحَاكِمِ.
(فَإِنْ)(تَلِفَتْ) الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَرْكَبَ مَالِكَهَا عَلَيْهَا مُنْقَطِعًا وَإِنْ قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَسْأَلْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِهِ (لَا بِاسْتِعْمَالِ) مَأْذُونٍ فِيهِ كَسُقُوطِهَا فِي بِئْرٍ حَالَةَ سَيْرِهَا، وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَهُ الْغَزِّيِّ: إنَّ عُثُورَهَا حَالَ الِاسْتِعْمَالِ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْ طَبْعِهَا أَوْ لَا، وَالْأَوْجَهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعُثُورُ مِمَّا أَذِنَ فِي حَمْلِهِ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ جَمْعًا اعْتَرَضُوهُ بِأَنَّ التَّعَثُّرَ يُعْتَادُ كَثِيرًا: أَيْ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ.
وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ شِدَّةِ إزْعَاجِهَا وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِنٌ لِتَقْصِيرِهِ وَكَأَنْ جَنَى الرَّقِيقُ أَوْ صَالَتْ الدَّابَّةُ فَقُتِلَا لِلدَّفْعِ وَلَوْ مِنْ مَالِكِهِمَا نَظِيرَ قَتْلِ الْمَالِكِ قِنَّهُ الْمَغْصُوبَ إذَا صَالَ عَلَيْهِ فَقَصَدَ دَفْعَهُ فَقَطْ (ضَمِنَهَا) بَدَلًا أَوْ أَرْشًا لِلْخَبَرِ الْمَارِّ بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ حَتَّى لَوْ أَعَارَهَا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً لَغَا الشَّرْطُ كَمَا ذَكَرَاهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِصِحَّتِهَا وَلَا فَسَادِهَا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ صِحَّتُهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَخْذِهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ نِصْفَهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَالِكِهَا أَوْ رَدِيفًا لَهُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ) أَيْ الْقَائِلُ. (قَوْلُهُ: فَالرَّاكِبُ) أَيْ هُوَ الْمُسْتَعِيرُ (قَوْلُهُ: إنْ وَكَّلَهُ) أَيْ الْقَائِلُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ (قَوْلُهُ: وَالْقَرَارُ عَلَى الرَّاكِبِ) لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ الْقَرَارُ عَلَيْهِ صَرِيحًا فِيمَا لَوْ كَانَ الشُّغْلُ لِلْآمِرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْآمِرُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْقَائِلَ هُوَ الْمُسْتَعِيرُ لَا الرَّاكِبُ.
(قَوْلُهُ أَمَّا إذَا رَدَّ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (قَوْلُهُ: فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَالِكِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْمُسْتَأْجِرِ بَاقِيًا (قَوْلُهُ: بَعْدَ دَارِ هَذَا) أَيْ الرَّادِّ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرَ (قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ مُعِيرِهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ: بَلْ يَتَعَيَّنُ لِلْحَاكِمِ) أَيْ إنْ كَانَ أَمِينًا، وَإِلَّا أَبْقَاهُ تَحْتَ يَدِهِ إنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَإِلَّا دَفَعَهُ لِأَمِينٍ يَحْفَظُهُ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْهَا) أَيْ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَسُقُوطِهَا) هُوَ مِثَالٌ لِلتَّلَفِ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَالْأَوْجَهُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ إلَخْ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مِنْ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ تَلَفٌ فِي اسْتِعْمَالٍ لَا بِهِ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ كَسُقُوطِهَا فِي بِئْرٍ، وَمِنْهُ مَا لَوْ اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِاسْتِعْمَالِهِ فِي سَاقِيَةٍ فَسَقَطَ فِي بِئْرِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ تَلِفَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِغَيْرِهِ لَا بِهِ، وَمِنْهُ أَيْضًا مَا لَوْ أَصَابَهُ السِّلَاحُ مَثَلًا مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ فَيَضْمَنُهُ كُلٌّ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَالْحَارِثِ وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْحَارِثِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُهُ) أَيْ قِيَاسُ سُقُوطِهَا فِي بِئْرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ مُضَمَّنُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ تَقْيِيدُهُ) أَيْ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ جَمْعًا اعْتَرَضُوهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (قَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَتَوَلَّدْ) أَيْ الضَّمَانُ (قَوْلُهُ: فَقُتِلَا) أَيْ فَيَضْمَنُهُمَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: ضَمِنَ مَعَ الْأُجْرَةِ) كَأَنَّهُ إنَّمَا صَرَّحَ بِالضَّمَانِ، مَعَ أَنَّ حُكْمَ الْعَارِيَّةِ الضَّمَانُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ مَعَ الْأُجْرَةِ؛ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا غَيْرُ الضَّمَانِ قَبْلَ الطَّلَبِ إذْ هُوَ حِينَئِذٍ ضَامِنٌ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ قَبْلَ حُدُوثِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ
(قَوْلُهُ: كَسُقُوطِهَا فِي بِئْرٍ إلَخْ) مِثَالٌ لِلِاسْتِعْمَالِ الْغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ
وَالْأَوْجَهُ فَسَادُهَا وَلَا يُعْتَبَرُ لِلضَّمَانِ التَّفْرِيطُ فَيَضْمَنُهَا (وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ) وَسَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ ضَمَانِهَا آخِرَ الْبَابِ وَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَمَعَهَا تَبَعٌ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ لِعُسْرِ حَبْسِهِ عَنْ أُمِّهِ، وَكَذَا لَوْ تَبِعَهَا وَلَدُهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ مَالِكُهَا لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَهُوَ أَمَانَةٌ: قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَا تُضْمَنُ ثِيَابُ الرَّقِيقِ الْمُسْتَعَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِاسْتِعْمَالِهَا، بِخِلَافِ إكَافِ الدَّابَّةِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُعِيرُ جِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ، وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ لَا بِنِتَاءِ يَدِهِ عَلَى يَدِ مَنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ، وَلَا الْمُسْتَعَارِ لِلرَّهْنِ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ نَظِيرَ مَا مَرَّ وَلَا صَيْدًا اسْتَعَارَهُ مِنْ مُحْرِمٍ، وَلَا مَا قَبَضَهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ، لَكِنْ مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ وَلَا كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ، وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَا مَا صَالَحَ بِهِ عَلَى مَنْفَعَةٍ أَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ مَنْفَعَةً أَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ الْمَنْفَعَةَ، فَإِنَّهُ إذَا أَعَارَ مُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ شَخْصًا وَتَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ.
(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرَ (لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ) أَيْ يَتْلَفُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ يَنْسَحِقُ) أَيْ يَنْقُصُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (بِاسْتِعْمَالٍ) مَأْذُونٍ فِيهِ لِحُدُوثِهِ بِإِذْنِ الْمَالِك فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: اُقْتُلْ عَبْدِي وَالثَّانِي يَضْمَنُ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ (يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ) دُونَ الْمُنْسَحِقَ، إذْ مُقْتَضَى الْإِعَارَةِ الرَّدُّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأَوَّلِ، وَمَوْتُ الدَّابَّةِ كَالِانْمِحَاقِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُسْتَعِيرُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ فَسَادُهَا) أَيْ فَيَضْمَنُ الْأُجْرَةَ لِمِثْلِهَا وَيَأْثَمُ بِاسْتِعْمَالِهَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ تَبِعَهَا وَلَدُهَا) عِبَارَةُ حَجّ: نَعَمْ إنْ تَبِعَهَا وَالْمَالِكُ سَاكِتٌ وَجَبَ رَدُّهُ فَوْرًا وَإِلَّا ضَمِنَ كَالْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ.
وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَشْبِيهُهُ بِالْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ مَالِكُهَا لَهُ) أَيْ وَقَدْ عَلِمَ تَبَعِيَّتَهُ لِأُمِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَجَبَ رَدُّهُ فَوْرًا وَإِلَّا ضَمِنَهُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُ مَالِكِهِ: أَيْ حَيْثُ عُدَّ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ لِمَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ حَيَوَانًا وَتَبِعَهُ وَلَدُهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا لَهُ لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضْمَنُ الْمُعِيرُ جِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ) وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ نَفْسِهَا عَنْ سم وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ، وَعَلَى هَذَا فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَجِلْدِهَا، وَلَعَلَّهُ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا ذَبْحَهَا وَتَفْرِقَةَ لَحْمِهَا أَشْبَهَتْ الْوَدِيعَةَ فَضُمِّنَتْ عَلَى الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ، بِخِلَافِ الْجِلْدِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مُجَرَّدُ الِانْتِفَاعِ فَأَشْبَهَ الْمُبَاحَاتِ فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ تَلِفَ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ فِكَاكِ الرَّهْنِ وَنَزَعَهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ فَيَضْمَنُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ) أَيْ فَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِهَا (قَوْلُهُ: وَلَا مَا صَالَحَ بِهِ عَلَى مَنْفَعَةٍ) قَضِيَّةُ تَخْصِيصِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ فِيهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَإِنْ كَانَتْ شَبِيهَةً بِالْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِعَدَمِ الضَّمَانِ.
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي يَضْمَنُ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ تَلَفِ الْعَيْنِ أَوْ نُقْصَانِهَا الْمُفَسَّرِ بِهِمَا الِانْمِحَاقُ وَالِانْسِحَاقُ (قَوْلُهُ: وَمَوْتُ الدَّابَّةِ) أَيْ بِالِاسْتِعْمَالِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ) ظَاهِرُ ذِكْرِ هَذَا عَقِبَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِيمَا قَبْلَهُ لِلْمُعِيرِ وَهُوَ خِلَافُ السِّيَاقِ، فَلَوْ قَدَّمَ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ كَانَ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَلَا الْمُسْتَعَارُ لِلرَّهْنِ) أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعَارُ لِلرَّهْنِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ السِّيَاقِ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى خِلَافَ مَا عَبَّرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَا صَالَحَ بِهِ عَلَى مَنْفَعَةٍ إلَخْ) حَقُّ الْعِبَارَةِ وَلَا مَا صُولِحَ عَلَى مَنْفَعَةٍ، أَوْ جُعِلَتْ مَنْفَعَتُهُ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ أَوْ صَدَاقًا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ سَتَأْتِي
(قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ خَبَرِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ» (قَوْلُهُ: وَمَوْتُ الدَّابَّةِ) أَيْ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ سم وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنَّهُ حَمَلَهَا حَمْلًا ثَقِيلًا بِالْإِذْنِ فَمَاتَتْ بِسَبَبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَفِيفًا لَا تَمُوتُ بِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ فَاتَّفَقَ مَوْتُهَا لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ وَمَا إذَا مَاتَتْ فِي الِاسْتِعْمَالِ
وَتَقَرُّحُ ظَهْرِهَا وَعَرَجُهَا بِاسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَكَسْرُهُ سَيْفًا أَعَارَهُ لِيُقَاتِلَ بِهِ كَالِانْسِحَاقِ كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْأَخِيرَةِ، وَمَرَّ جَوَازُ إعَارَةِ الْمَنْذُورِ لَكِنْ يَضْمَنُ كُلٌّ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ رَقِيقًا لِتَنْظِيفِ نَحْوِ سَطْحٍ فَسَقَطَ مِنْ سُلَّمِهِ وَمَاتَ ضَمِنَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَعِيرِ كَوْنُ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ بَلْ يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْمَالِكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَفِي الرَّوْضَةِ لَوْ حَمَلَ مَتَاعَ غَيْرِهِ عَلَى دَابَّتِهِ بِسُؤَالِ الْغَيْرِ كَانَ مُسْتَعِيرًا لِكُلِّ الدَّابَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِغَيْرِ الْمُسْتَعِيرِ وَإِلَّا فَبِقَدْرِ مَتَاعِهِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ قَوْلُهُمَا نَقْلًا عَنْ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ: لَوْ سَخَّرَ رَجُلًا وَدَابَّتَهُ فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدِ صَاحِبِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُسَخِّرُ لِأَنَّهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا لِأَنَّ هَذَا مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ وَهُوَ مَفْقُودٌ، وَكَلَامُنَا هُنَا فِي ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ لِحُصُولِهَا بِدُونِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا أَشَارَ لَهُ الْقَمُولِيُّ مِنْ ضَعْفِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي حُصُولِ التَّلَفِ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوَّلًا صُدِّقَ الْمُسْتَعِيرُ بِيَمِينِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، خِلَافًا لِمَا عُزِيَ لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ مِنْ تَصْدِيقِ الْمُعِيرِ وَمَا وَجَّهَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَارِيَّةِ الضَّمَانُ حَتَّى يَثْبُتَ مُسْقِطُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ مَحَلُّ ضَمَانِهَا أَصَالَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَدِ لَا لِلذِّمَّةِ، وَكَلَامُ الْبُلْقِينِيِّ فِي تَعَلُّقِهِ بِالذِّمَّةِ وَهُوَ أَمْرٌ طَارِئٌ عَلَى الْأَصْلِ فَافْهَمْ.
(وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ) أَوْ مُوصًى لَهُ أَوْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ بِقَيْدَيْهِمَا السَّابِقَيْنِ أَوْ مُسْتَحَقِّ مَنْفَعَةٍ بِنَحْوِ صَدَاقٍ أَوْ سَلَمٍ أَوْ صُلْحٍ (لَا يَضْمَنُ) التَّالِفَ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدٍ غَيْرِ ضَامِنَةٍ، هَذَا إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً، فَلَوْ كَانَتْ فَاسِدَةً ضَمِنَا مَعًا وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُهُمْ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ، إذْ الْفَاسِدَةُ لَيْسَتْ حُكْمَ الصَّحِيحَةِ فِي كُلِّ مَا تَقْتَضِيهِ بَلْ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ لَا بِمَا اقْتَضَاهُ حُكْمُهُمَا، وَالثَّانِي يَضْمَنُ كَالْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمَالِكِ.
(وَلَوْ)(تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ) لَهُ (بَعَثَهُ فِي شُغْلِهِ أَوْ) تَلِفَتْ (فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضَهَا) أَيْ يُعَلِّمَهَا الْمَشْيَ الَّذِي يَسْتَرِيحُ بِهِ رَاكِبُهَا (فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّطْ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا لِغَرَضِ الْمَالِكِ، فَإِنْ تَعَدَّى كَمَا لَوْ رَكِبَهَا فِي غَيْرِ الرِّيَاضَةِ ضَمِنَ كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ قِنَّهُ لِيُعَلِّمَهُ حِرْفَةً فَاسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهَا.
(وَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (الِانْتِفَاعُ) بِالْمُعَارِ (بِحَسَبِ الْإِذْنِ) لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَوْ أَعَارَهُ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا لِمَحَلِّ كَذَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرُّكُوبِ فِي رُجُوعِهِ جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ فِيهِ كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْمَالِكِ) قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ إيَّاهَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَزِيدُ عَلَى نَحْوِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ لَيْسَ لَنَا شَيْءٌ تُضْمَنُ فِيهِ الْعَيْنُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، وَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ تَلَفَهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْتَعِيرِ وَبَقَاءِ حُكْمِ الْعَارِيَّةِ أَوْ قَبْلَ قَبْضِهَا بِالْفِعْلِ لَكِنْ اسْتَعْمَلَهَا الْمَالِكُ فِي شُغْلِ الْمُسْتَعِيرِ مُضَمَّنٌ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: كَانَ) أَيْ الْغَيْرُ مُسْتَعِيرًا إلَخْ (قَوْلُهُ: عَنْ أَبِي حَامِدٍ) الْإسْفَرايِينِيّ (قَوْلُهُ: وَمَا وَجَّهَ بِهِ) أَيْ الْبُلْقِينِيُّ.
(قَوْلُهُ: بِقَيْدَيْهِمَا السَّابِقَيْنِ) هُمَا قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى مَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمَوْقُوفِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ اسْتِيفَاءَهُ بِنَفْسِهِ لَكِنْ بِإِذْنِ النَّاظِرِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَحِقٍّ مَنْفَعَةً) هَذَا عَيْنُ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَا مَا صَالَحَ بِهِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَاسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهَا) أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرْمَةِ.
(قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ) أَيْ وَجَازَ لَهُ الذَّهَابُ وَالْعَوْدُ فِي أَيِّ طَرِيقٍ أَرَادَهُ إذَا تَعَدَّدَتْ الطُّرُقُ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْمُعِيرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِقَيْدَيْهِمَا السَّابِقَيْنِ) الْقَيْدُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَلَّا يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ اسْتِيفَاءَهُ بِنَفْسِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ حَجّ، وَأَمَّا قَيْدُ الْمُوصَى لَهُ فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا تَكُونَ مِمَّنْ تَحْبَلُ إذَا كَانَتْ أَمَةً وَاسْتَعَارَهَا مَالِكُهَا. (قَوْلُهُ: ضَمِنَا مَعًا) أَيْ ضَمَانَ غَصْبٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: بَلْ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ) أَيْ: وَالْإِذْنُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ اسْتِعْمَالَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ: لَا بِمَا اقْتَضَاهُ حُكْمُهُمَا: أَيْ: وَجَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْغَيْرِ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ
الْإِجَارَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لُزُومُ الرَّدِّ لِلْمُسْتَعِيرِ فَيَتَنَاوَلُ الْإِذْنُ الرُّكُوبَ فِي عَوْدِهِ عُرْفًا، وَلَا كَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَا رَدَّ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ رَدٌّ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ، وَلَوْ جَاوَزَ الْمَحَلَّ الْمَشْرُوطَ لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الذَّهَابِ مِنْهُ وَالْعَوْدِ إلَيْهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ مِنْهُ رَاكِبًا كَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَبْطُلُ بِالْمُخَالَفَةِ وَهُوَ مَا صَحَّحَاهُ (فَإِنْ أَعَارَهُ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ) مَثَلًا (زَرَعَهَا) لِإِذْنِهِ فِيهَا (وَمِثْلُهَا) أَوْ دُونَهَا بِالْأَوْلَى فِي الضَّرَرِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَنْ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِكُلِّهَا (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لُزُومُ الرَّدِّ لِلْمُسْتَعِيرِ) أَيْ وَإِذَا لَزِمَهُ الرَّدُّ فَهِيَ عَارِيَّةٌ قِبَلَهُ وَإِنْ انْتَهَى الِاسْتِعْمَالُ الْمَأْذُونُ فِيهِ، فَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِحَمْلِ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ فَوَضَعَهُ عَنْهَا وَرَبَطَهَا فِي الْخَانِ مَثَلًا إلَى أَنْ يَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا فَمَاتَتْ مَثَلًا ضَمِنَهَا (قَوْلُهُ: فَلَا رَدَّ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَرُدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا وَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِ الرُّكُوبِ فِي الْعَوْدِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ لَمْ يَبْعُدْ.
[فَرْعٌ] قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ: وَاعْتَمَدُوهُ فِي كِتَابٍ مُسْتَعَارٍ رَأَى فِيهِ خَطَأً لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الْمُصْحَفُ فَيَجِبُ، وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّ الْغَلَطِ فِي كِتَابِ الْغَيْرِ، وَقَيَّدَهُ الرِّيمِيُّ بِغَلَطٍ لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ وَإِلَّا رَدَّهُ، وَكُتُبَ الْوَقْفِ أَوْلَى وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ دُونَ مَا ظَنَّهُ فَلَا وَيَكْتُبُ لَعَلَّهُ كَذَا، وَرُدَّ بِأَنَّ كِتَابَةَ لَعَلَّهُ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي اللَّفْظِ لَا الْحُكْمِ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ الْمَمْلُوكَ غَيْرَ الْمُصْحَفِ لَا يُصْلِحُ فِيهِ شَيْئًا مُطْلَقًا إلَّا إنْ ظَنَّ رِضَا مَالِكِهِ بِهِ وَأَنَّهُ يَجِبُ إصْلَاحُ الْمُصْحَفِ لَكِنْ إنْ لَمْ يَنْقُصْهُ خَطُّهُ لِرَدَاءَتِهِ وَأَنَّ الْوَقْفَ يَجِبُ إصْلَاحُهُ إنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَكَانَ خَطُّهُ مُسْتَصْلَحًا سَوَاءٌ الْمُصْحَفُ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّهُ مَتَى تَرَدَّدَ فِي عَيْنِ لَفْظٍ أَوْ فِي الْحُكْمِ لَا يُصْلِحُ شَيْئًا وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ كِتَابَةٍ لَعَلَّهُ كَذَا لَعَلَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ فِي مِلْكِ الْكَاتِبِ اهـ حَجّ.
وَقَالَ سم عَلَى مَنْهَجِ: فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَعَارَ كِتَابًا فَرَأَى فِيهِ خَطَأً لَا يُصْلِحُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا.
أَقُولُ: وَالْحَدِيثُ فِي مَعْنَاهُ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ.
أَقُولُ: قَوْلُ حَجّ إنْ لِمَ يَنْقُصْهُ خَطُّهُ إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَهُ لِمَنْ يُصْلِحُهُ حَيْثُ كَانَ خَطُّهُ مُنَاسِبًا لِلْمُصْحَفِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَةُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَلَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ فِي سُؤَالِهِ، وَقَوْلُهُ وَكَانَ خَطُّهُ مُسْتَصْلَحًا: أَيْ وَخَرَجَ بِذَلِكَ كِتَابَةُ الْحَوَاشِي بِهَوَامِشِهِ فَلَا تَجُوزُ وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الْكِتَابِ عَنْ أَصْلِهِ وَلَا نَظَرَ لِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ بِفِعْلِهَا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
[فَرْعٌ اسْتِطْرَادِيٌّ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ الشَّرِيكَ فِي فَرَسٍ يَتَوَجَّهُ بِهَا إلَى عَدُوٍّ وَيُقَاتِلُهُ وَتَتْلَفُ الْفَرَسُ هَلْ يَضْمَنُ الشَّرِيكُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ جَاءَهُمْ الْعَدُوُّ إلَى بَلْدَتِهِمْ وَخَرَجُوا لِلدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَتَلِفَتْ الْفَرَسُ وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ خَرَجُوا ابْتِدَاءً وَقَصَدُوا الْعَدُوَّ عَلَى نِيَّةِ قِتَالِهِ وَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا لِأَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِ الشَّرِيكِ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ فِي الِانْتِفَاعِ.
[فَرْعٌ آخَرُ] وَقَعَ السُّؤَالُ أَيْضًا عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُسْتَعِيرَ الدَّابَّةِ إذَا نَزَلَ عَنْهَا بَعْدَ رُكُوبِهِ لَهَا يُرْسِلُهَا مَعَ تَابِعِهِ فَيَرْكَبُهَا التَّابِعُ فِي الْعَوْدِ ثُمَّ تَتْلَفُ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَهَلْ يَضْمَنُهَا الْمُسْتَعِيرُ أَمْ التَّابِعُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّ التَّابِعَ وَإِنْ رَكِبَهَا فَهُوَ فِي حَاجَةِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ إيصَالِهَا إلَى مَحَلِّ الْحِفْظِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ رَدٌّ) اُنْظُرْ أَيْ مُسْتَعِيرٌ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ اهـ سم عَلَى حَجّ: أَقُولُ: هُوَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِ إذَا رَدَّ عَلَى الْمَالِكِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ كَمُعِيرِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَاوَزَ الْمَحَلَّ الْمَشْرُوطَ) وَيَنْبَغِي ضَمَانُ تَلَفِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ حَالَ الْمُجَاوَزَةِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَلَهُ الرُّجُوعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَحَلِّ الْمَشْرُوطِ فَلَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَحْكَامِهَا ثَبَتَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ مُتَرَتِّبًا عَلَى صِحَّتِهِ فَلَا تُشَارِكُهَا فِيهِ الْفَاسِدَةُ
كَالْفُولِ وَالشَّعِيرِ لَا أَعْلَى مِنْهَا كَذُرَةٍ وَقُطْنٍ (إنْ لَمْ يَنْهَهُ) فَإِنْ نَهَاهُ عَنْ الْمِثْلِ وَالْأَدْوَنِ امْتَنَعَا أَيْضًا اتِّبَاعًا لِنَهْيِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ مَا صَرَّحَ بِهِ. أَصْلُهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ نَوْعًا وَنَهَى عَنْ غَيْرِهِ اتَّبَعَ (أَوْ) أَعَارَهُ أَرْضًا (لِشَعِيرٍ) يَزْرَعُهُ فِيهَا (لَمْ يَزْرَعْ فَوْقَهُ) ضَرَرًا (كَحِنْطَةٍ) بَلْ دُونَهُ وَمِثْلُهُ، وَنَكَّرَ الْمُصَنِّفُ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَإِنْ عَرَّفَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ إشَارَةً إلَى عَدَمِ الْفَرْقِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ أَعَرْتُك لِزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ أَوْ حِنْطَةٍ، وَتَرْجِيحُ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ إذَا أَشَارَ لِمُعَيَّنٍ مِنْهُمَا وَأَعَارَهُ لِزِرَاعَتِهِ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ.
قَالَ: وَلِهَذَا عَرَّفَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالصَّحِيحُ فِي الْإِجَارَةِ الْجَوَازُ فَكَذَا هُنَا، وَصَرَّحَ فِي الشَّعِيرِ بِمَا لَا يَجُوزُ فَقَطْ عَكْسُ الْحِنْطَةِ تَفَنُّنًا وَلِدَلَالَةِ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ فَفِيهِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ الْمَشْهُورَةِ وَحَيْثُ زَرَعَ مَا لَيْسَ لَهُ زَرْعُهُ فَلِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ لَزِمَهُ جَمِيعُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ هُوَ الْأَوْجَهُ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ أَرْجَحُ، وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ اسْتَوْفَى مَا كَانَ يَمْلِكُهُ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الرَّدَّ بِزِيَادَةٍ، وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، فَهُوَ بِعُدُولِهِ عَنْ الْجِنْسِ كَالرَّادِّ لِمَا أُبِيحَ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِإِزَائِهِ عَنْهُ شَيْءٌ (وَلَوْ)(أَطْلَقَ) الْمُعِيرُ (الزِّرَاعَةَ) أَيْ الْإِذْنَ فِيهَا كَأَعَرْتُكَ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا (صَحَّ) عَقْدُ الْإِعَارَةِ (فِي الْأَصَحِّ وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رحمه الله إذَا كَانَ مِمَّا يُعْتَادُ زَرْعُهُ ثُمَّ وَلَوْ نَادِرًا حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَى الرِّضَا.
وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِتَفَاوُتِ ضَرَرِ الْمَزْرُوعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكَلَّفْ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَخَفِّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا لِأَنَّ الْمُطْلَقَاتِ إنَّمَا لَمْ تَنْزِلْ عَلَى الْأَقَلِّ ضَرَرًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى النِّزَاعِ، وَالْعُقُودُ تُصَانُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِمَا لَوْ قِيلَ لَا يَزْرَعُ إلَّا أَقَلَّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا لَكَانَ مَذْهَبًا، وَلَوْ قَالَ لَهُ: لِتَزْرَعْ مَا شِئْت زَرَعَ مَا شَاءَ جَزْمًا.
(وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ) إنْ لَمْ يَنْهَهُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ (وَلَا عَكْسُ) لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ وَيُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ وَكَذَا الْعَكْسُ) لِاخْتِلَافِ الضَّرَرِ فَإِنَّ ضَرَرَ الْبِنَاءِ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ بَاطِنِهَا، وَالْغِرَاسُ بِالْعَكْسِ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهِ وَكَالزَّرْعِ مَا يُغْرَسُ فِي عَامِّهِ لِلنَّقْلِ وَيُسَمَّى الشَّتْلُ.
وَالثَّانِي يَجُوزُ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِلتَّأْبِيدِ، وَإِذَا اسْتَعَارَ لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ فَفَعَلَهُ ثُمَّ مَاتَ أَوْ قَلَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ صَرَّحَ لَهُ بِالتَّجْدِيدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَمْ يَجُزْ لَهُ فِعْلُ نَظِيرِهِ وَلَا إعَادَتُهُ مَرَّةً ثَانِيَةً إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَادَةُ الْأَرْضِ مُطْلَقَةً بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ) قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ.
نَعَمْ لَوْ عَمَّمَ فَقَالَ لِتَنْتَفِعْ بِهَا كَيْفَ شِئْت أَوْ بِمَا بَدَا لَك صَحَّ وَيَنْتَفِعُ بِمَا شَاءَ كَالْإِجَارَةِ، وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ تَقْيِيدُهُ بِمَا كَانَ مُعْتَادًا نَظِيرُ مَا مَرَّ، وَبِهِ جَزَمَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَرْكَبُ إلَّا بَعْدَ عَوْدِهِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَالْفُولِ وَالشَّعِيرِ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ اسْتَعَارَ لِلشَّعِيرِ هَلْ يَزْرَعُ الْفُولَ وَعَكْسُهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعَارَ الشَّعِيرَ لَا يَزْرَعُ فُولًا بِخِلَافِ عَكْسِهِ (قَوْلُهُ: فَفِيهِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ) أَيْ وَهُوَ الِاحْتِبَاكُ (قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْإِجَارَةِ) أَيْ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَلَا يَسْقُطُ بِأَدَائِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَفِي سم عَلَى مَنْهَجِ أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لحج مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا إبَاحَةٌ لَا هِبَةٌ لِلْمَنَافِعِ.
ثُمَّ قَالَ: فَإِنَّ قُلْت مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تُرَدُّ بِالرَّدِّ.
قُلْت: ذَاكَ فِي الْإِبَاحَةِ الْمَحْضَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ اهـ.
أَيْ وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهَا إبَاحَةٌ مَحْضَةٌ فَهُوَ لَمْ يَسْتَوْفِ مَا أُبِيحَ لَهُ وَقَدْ اسْتَوْفَى مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ خَاصَّةً (قَوْلُهُ: زَرْعُ مَا شَاءَ) أَيْ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى الشَّتْلُ) وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ الَّتِي يَبْقَى فِيهَا الشَّتْلُ قَبْلَ نَقْلِهِ عَلَى مُدَّةِ الزَّرْعِ الْمُعْتَادَةِ، وَإِلَّا فَبَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الزَّرْعِ يُقْلَعُ مَجَّانًا كَمَا يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ الْآتِي أَوْ زَرَعَ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ مِمَّا يُبْطِئُ أَكْثَرَ مِنْهُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: بِزِيَادَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِاسْتَوْفَى وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُطْلَقَاتِ) هُوَ تَعْلِيلٌ مِنْ جَانِبِ السَّائِلِ وَالْجَوَابُ قَوْلُهُ: