المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في حكم المنافع المشتركة] - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - جـ ٥

[الرملي، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ بَعْدَ صِحَّتِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَوَازِ الْوَكَالَةِ وَمَا تَنْفَسِخُ بِهِ

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي صِيغَةِ الْإِقْرَارُ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوط الْمُقَرِّ بِهِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةُ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ جَوَازِ الْعَارِيَّةِ وَمَا لِلْمُعِيرِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ حُكْمِ الْغَصْبِ وَانْقِسَامِ الْمَغْصُوبِ

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَضَمَانِ الْمَغْصُوبِ]

- ‌فَصْلٌ) فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَةٍ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَدَلِ الشِّقْصِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِ

- ‌كِتَابُ الْقِرَاضِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْعَاقِدَيْنِ وَأَحْكَامِ الْقِرَاضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْقِرَاضَ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]

- ‌كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ وَلُزُومِ الْمُسَاقَاةِ وَهَرَبِ الْعَامِلِ

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَقِيَّةِ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي مَنَافِعَ يَمْتَنِعُ الِاسْتِئْجَارُ لَهَا

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ أَوْ الْمُكْتَرِيَ لِعَقَارٍ أَوْ دَابَّةٍ

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ غَايَةِ الْمُدَّةِ الَّتِي تُقَدَّرُ بِهَا الْمَنْفَعَةُ

- ‌(فَصْلٌ) فِيمَا يَقْتَضِي انْفِسَاخَ الْإِجَارَةِ

- ‌كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْأَرْضِ

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ اللَّفْظِيَّةِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ الْمَعْنَوِيَّةِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ النَّظَرِ عَلَى الْوَقْفِ وَشَرْطِهِ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ لقط الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ

- ‌[فَصْلٌ فِي تَمَلُّكِ وَغُرْم اللُّقَطَةَ]

- ‌ كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ حُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ وَرِقِّهِ وَاسْتِلْحَاقِهِ

- ‌كِتَابُ الْجَعَالَةِ

الفصل: ‌[فصل في حكم المنافع المشتركة]

صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَيْسَ ذَلِكَ هِبَةً بَلْ تَوْلِيَةٌ وَإِيثَارٌ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لِلْإِمَامِ) وَنَائِبِهِ وَلَوْ وَالَى نَاحِيَةٍ (أَنْ يَحْمِيَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ: أَيْ يَمْنَعَ، وَبِضَمِّهِ: أَيْ يَجْعَلَ حِمَى (بُقْعَةِ مَوَاتٍ لِرَعْيِ) خَيْلِ جِهَادٍ وَ (نَعَمِ جِزْيَةٍ) وَفَيْءٍ (وَصَدَقَةٍ وَ) نَعَمٍ (ضَالَّةٍ وَ) نَعَمٍ إنْسَانٍ (ضَعِيفٍ عَنْ النُّجْعَةِ) بِضَمِّ النُّونِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ فِي الذَّهَابِ لِطَلَبِ الرَّعْيِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حِمَى النَّقِيعِ بِالنُّونِ وَقِيلَ بِالْبَاءِ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ بِقُرْبِ وَادِي الْعَقِيقِ عَلَى عِشْرِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ عَلَى عِشْرِينَ فَرْسَخًا، وَمَعْنَى خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» لَا حِمَى إلَّا مِثْلُ حِمَاهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَكُونَ لِمَا ذُكِرَ، وَمَعَ كَثْرَةِ الْمَرْعَى بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ مَا بَقِيَ وَإِنْ احْتَاجُوا لِلتَّبَاعُدِ لِلرَّعْيِ، وَذِكْرُ النَّعَمِ فِيمَا عَدَا الصَّدَقَةِ لِلْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الْمَاشِيَةِ. وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُ عِوَضٍ مِمَّنْ يَرْعَى فِي حِمًى أَوْ مَوَاتٍ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِيَ الْمَاءَ الْعِدَّ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ كَمَاءِ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ لِشُرْبِ خَيْلِ الْجِهَادِ وَإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (نَقْضُ حِمَاهُ) وَحِمَى غَيْرِهِ إذَا كَانَ النَّقْضُ (لِلْحَاجَةِ) بِأَنْ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِهَا فِي الْحِمَى رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ.

وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِتَعَيُّنِهِ لِتِلْكَ الْجِهَةِ كَمَا لَوْ عَيَّنَ بُقْعَةً لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ.

أَمَّا مَا حَمَاهُ عليه الصلاة والسلام فَلَا يُنْقَضُ وَلَا يُغَيَّرُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ نَصَّ بِخِلَافِ حِمَى غَيْرِهِ وَلَوْ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ رضي الله عنهم (وَلَا يَحْمِي) الْإِمَامُ وَنَائِبُهُ (لِنَفْسِهِ) قَطْعًا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُدْخِلَ مَوَاشِيَهُ مَا حَمَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ، وَيُنْدَبُ لَهُ نَصْبُ أَمِينٍ يُدْخِلُ دَوَابَّ الضُّعَفَاءِ وَيَمْنَعُ دَوَابَّ الْأَقْوِيَاءِ، فَإِنْ رَعَاهُ قَوِيٌّ مُنِعَ مِنْهُ، وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا وَلَا يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ الْبَقِيعِ ضَمِنَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ مَا هُنَا فِي الرَّعْيِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا حُمِيَ بِهِ، وَمَا هُنَاكَ فِي الْإِتْلَافِ بِغَيْرِهِ وَلَا يُعَزَّرُ أَيْضًا، وَحَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى جَاهِلِ التَّحْرِيمِ.

قَالَ وَإِلَّا فَلَا رَيْبَ فِي التَّعْزِيرِ انْتَهَى.

وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ حُرْمَةُ الرَّعْيِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَقَدْ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ فِي الْمُحَرَّمِ لِعَارِضٍ، وَلَعَلَّهُمْ سَامَحُوا فِيهِ كَمُسَامَحَتِهِمْ فِي الْغُرْمِ.

فَصْلٌ (مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ) الْأَصْلِيَّةُ (الْمُرُورِ) فِيهِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ، وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الصُّلْحِ وَذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. أَمَّا غَيْرُ الْأَصْلِيَّةِ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ بِهِ) وَلَوْ بِوَسَطِهِ (لِاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَانْتِظَارِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْوَظَائِفِ بِعِوَضٍ، وَحَيْثُ وَقَعَ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدُ لِأَنَّهُ سَقَطَ حَقُّهُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ مَا بَقِيَ) أَيْ فَلَوْ عَرَضَ بَعْدَ حِمَى الْإِمَامِ ضِيقُ الْمَرْعَى لِجَدْبٍ أَصَابَهُمْ أَوْ لِعُرُوضِ كَثْرَةِ مَوَاشِيهِمْ هَلْ يَبْطُلُ الْحِمَى بِذَلِكَ أَوْ لَا، وَيُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِعْلَهُ إنَّمَا هُوَ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ بِدَوَامِ الْحِمَى (قَوْلُهُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ) وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِ مَا حَمَى بِهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُعَزَّرُ) أَيْ الْقَوِيُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ عَلَى مَا يَأْتِي.

[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ]

(قَوْلُهُ: مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ الْأَصْلِيَّةُ) فِيهِ دَفْعُ إشْكَالِ الْحَصْرِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ الْعِبَارَةِ وَقَرِينَةِ التَّقْيِيدِ اهـ سم عَلَى حَجّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

فَصْلٌ) فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ

ص: 342

رَفِيقٍ وَسُؤَالٍ، وَلَهُ الْوُقُوفُ فِيهِ أَيْضًا.

نَعَمْ فِي الشَّامِلِ أَنَّ لِلْإِمَامِ مُطَالَبَةَ الْوَاقِفِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَالِانْصِرَافَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ تَوَلَّدَ مِنْ قَوْلِهِ ضَرَرٌ وَلَوْ عَلَى نُدُورٍ، هَذَا كُلُّهُ (إذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ) فِيهِ لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ تَقَادَمَ الْعَهْدُ» (وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ) وَشَمِلَ كَلَامُهُ الذِّمِّيَّ فَيَثْبُتَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَتَبِعْهُ السُّبْكِيُّ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ أَخْذُ عِوَضٍ مِمَّنْ يَرْتَفِقُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِبَيْعٍ أَمْ لَا، وَإِنْ فَعَلَهُ وُكَلَاءُ بَيْتِ الْمَالِ زَاعِمِينَ أَنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ لِاسْتِدْعَاءِ الْبَيْعِ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَيْعُ الْمَوَاتِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، قَالَهُ السُّبْكِيُّ كَابْنِ الرِّفْعَةِ. قَالَ: وَلَا أَدْرَى بِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَى اللَّهَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي مَعْنَاهُ الرِّحَابُ الْوَاسِعَةُ بَيْنَ الدُّورِ (وَلَهُ) أَيْ الْجَالِسِ فِي الشَّارِعِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: أَنَّ لِلْإِمَامِ مُطَالَبَةَ الْوَاقِفِ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ جَوَازِهِ لِلْآحَادِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحِلَّهُ إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَإِلَّا جَازَ، ثُمَّ قَوْلُهُ لِلْإِمَامِ يُشْعِرُ بِالْجَوَازِ فَقَطْ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّ مَا اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ يَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْإِمَامِ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا أَشْعَرَ بِهِ مِنْ الْجَوَازِ جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ وَهُوَ لَا يُنَافَى الْوُجُوبَ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى نَصْبِ جَمَاعَةٍ يَطْلُبُونَ ذَلِكَ وَجَبَ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّ مِثْلَهُ الْجَالِسُ بِالْأَوْلَى.

[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يَقَعُ بِمِصْرِنَا كَثِيرًا مِنْ الْمُنَادَاةِ مِنْ جَانِبِ السَّلْطَنَةِ بِقَطْعِ الطُّرُقَاتِ الْقَدْرَ الْفُلَانِيَّ هَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَهَلْ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَصْلَحَةٌ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ ثُمَّ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْجَوَازُ، بَلْ الْوُجُوبُ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ، وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ عَلَى الْإِمَامِ فَيَجِبُ صَرْفُهُ أُجْرَةَ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ ذَلِكَ لِظُلْمِ مُتَوَلِّيهِ فَعَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ.

وَأَمَّا مَا يَقَعُ الْآنَ مِنْ إكْرَاهِ كُلِّ شَخْصٍ مِنْ سُكَّانِ الدَّكَاكِينِ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ فَهُوَ ظُلْمٌ مَحْضٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى مَالِكِ الدُّكَّانِ بِمَا غَرِمَهُ إذَا كَانَ مُسْتَأْجِرًا لَهَا، لِأَنَّ الظَّالِمَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ، وَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ ضَرَرٌ بِعُثُورِ الْمَارَّةِ بِمَا يَفْعَلُهُ مِنْ حَفْرِ الْأَرْضِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ أَمَرَهُ بِمُعَاوَنَتِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِدُونِهَا لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ جَائِزٌ، بَلْ قَدْ يَجِبُ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ وَإِنْ حَصَلَ الظُّلْمُ بِإِكْرَاهِ أَرْبَابِ الدَّكَاكِينِ عَلَى دَفْعِ الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ إنَّ الْمَأْمُورِينَ إذَا بَادَرَ بَعْضُهُمْ لِلْفِعْلِ بِحَيْثُ صَارَ الْمَحِلُّ الَّذِي حَفَرَهُ حُفْرَةً تَضُرُّ بِالْمَارَّةِ بِالنُّزُولِ فِيهَا ثُمَّ الصُّعُودُ مِنْهَا لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ صَبَرَ شَارَكَهُ جِيرَانُهُ فِي الْحَفْرِ دَفْعَةً بِحَيْثُ تَصِيرُ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً لَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا ضَرَرٌ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ لَا ضَرَرَ) أَيْ جَائِزٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَقَادَمَ الْعَهْدُ) أَيْ وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُ الْإِسْلَامِ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ الضَّرَرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ فَلْيُرَاجِعْ، وَفِي ابْنِ حَجَرٍ إسْقَاطُ قَوْلِهِ وَإِنْ تَقَادَمَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ) أَيْ فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَوْ لِذِمِّيٍّ أَذِنَ الْإِمَامُ لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ بِدُونِ إذْنِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ إذَا اُعْتِيدَ إذْنُهُ تَعَيَّنَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا كَذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ النَّظَرَ فِي أَحْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ دُونَ الْجَالِسِينَ فِي الطُّرُقِ اهـ.

أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ ظَاهِرٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ جُلُوسُ الذِّمِّيِّ فِي الشَّوَارِعِ عَلَى إذْنٍ بَلْ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: زَاعِمِينَ أَنَّهُ) أَيْ مَا أُخِذَ وَعِوَضُهُ (قَوْلُهُ: تَقَدَّمَ الْمِلْكُ) أَيْ وَاسْتِدْعَاءُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ قَالَ وَلَا أَدْرَى) أَيْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: الرِّحَابُ الْوَاسِعَةُ بَيْنَ الدُّورِ) وَحَكَى الْأَذْرَعِيُّ قَوْلَيْنِ فِي حِلِّ الْجُلُوسِ فِي أَفْنِيَةِ الْمَنَازِلِ وَحَرِيمِهَا بِغَيْرِ إذْنِ مُلَّاكِهَا،

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَإِنْ تَقَادَمَ الْعَهْدُ) أَيْ: وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْجُلُوسِ مَثَلًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلَهُ) يَعْنِي الْبَيْعَ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ. .

ص: 343

(تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ) أَيْ مَوْضِعِ قُعُودِهِ فِي الشَّارِعِ (بِبَارِيَّةٍ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ، وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا: نَوْعٌ يُنْسَجُ مِنْ قَصَبٍ كَالْحَصِيرِ (وَغَيْرُهَا) مِمَّا لَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ عُرْفًا فِيمَا يَظْهَرُ كَثَوْبٍ وَعَبَاءَةٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، فَلَوْ كَانَ مُثَبَّتًا بِبِنَاءٍ كَالدِّكَّةِ امْتَنَعَ، وَلَهُ وَضْعُ سَرِيرٍ اُعْتِيدَ وَضْعُهُ فِيهِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ تَرَدُّدٍ فِيهِ، وَيَخْتَصُّ الْجَالِسُ بِمَحِلِّهِ وَمَحِلِّ أَمْتِعَتِهِ وَمُعَامِلِيهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ فِيهِ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَالْعَطَاءِ، وَلَهُ مَنْعُ وَاقِفٍ بِقُرْبِهِ إنْ مَنَعَ رُؤْيَةً أَوْ وُصُولَ مُعَامِلِيهِ إلَيْهِ لَا مَنْ قَعَدَ لِبَيْعٍ مِثْلَ مَتَاعِهِ وَلَمْ يُزَاحِمْهُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ، وَلِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَقْطَعَ بُقْعَةً مِنْ الشَّارِع لِمَنْ يَرْتَفِقُ فِيهَا بِالْمُعَامَلَةِ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا وَاجْتِهَادَهُ فِي أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهَا مُضِرٌّ أَوْ لَا وَهَذَا يُزْعِجُ مَنْ يَرَى جُلُوسَهُ مُضِرًّا.

(وَلَوْ)(سَبَقَ إلَيْهِ) أَيْ مَوْضِعٍ مِنْ الشَّارِعِ (اثْنَانِ) وَتَنَازَعَا وَلَمْ يَسْعَهُمَا مَعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا وُجُوبًا لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا قُدِّمَ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ، لِأَنَّ انْتِفَاعَ الذِّمِّيِّ بِدَارِنَا إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لَنَا، وَإِنْ تَرَتَّبَا قُدِّمَ السَّابِقُ (وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ) أَحَدَهُمَا (بِرَأْيِهِ) أَيْ اجْتِهَادِهِ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ (وَلَوْ جَلَسَ) فِي الشَّارِعِ لِنَحْوِ اسْتِرَاحَةٍ بَطَلَ حَقُّهُ بِمُجَرَّدِ مُفَارَقَتِهِ وَإِنْ نَوَى الْعَوْدَ أَوْ (لِمُعَامَلَةٍ) أَوْ صِنَاعَةِ مَحِلٍّ وَإِنْ أَلِفَهُ (ثُمَّ فَارَقَهُ تَارِكًا الْحِرْفَةَ أَوْ مُنْتَقِلًا إلَى غَيْرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ) مِنْهُ وَلَوْ مُقْطَعًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَإِنْ فَارَقَهُ) أَيْ مَحِلَّ جُلُوسِهِ الَّذِي أَلِفَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ (لِيَعُودَ) إلَيْهِ، وَيَلْحَقَ بِهِ مَا لَوْ فَارَقَهُ لَا بِقَصْدِ الْعَوْدِ (لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَيَجْرِي هَذَا فِي السُّوقِ الَّذِي يُقَامُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ مَرَّةً مَثَلًا (إلَّا أَنْ تَطُولَ مُفَارَقَتُهُ) وَلَوْ لِعُذْرٍ، وَإِنْ تَرَكَ فِيهِ مَتَاعَهُ (بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ مُعَامِلُوهُ عَنْهُ وَيَأْلَفُونَ غَيْرَهُ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي إنْ عُلِمَ الْحَرِيمُ.

أَمَّا فِي وَقْتِنَا هَذَا فِي الْأَمْصَارِ وَنَحْوِهَا الَّتِي لَا يَدْرِي كَيْفَ صَارَ الشَّارِعُ فِيهَا شَارِعًا فَيَجِبُ الْجَزْمُ بِجَوَازِ الْقُعُودِ فِي أَفْنِيَتِهَا، وَأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ لِأَرْبَابِهَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ انْتَهَى وَاعْتَمَدُوهُ.

بَلْ قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا، وَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ خَرْقَ الْإِجْمَاعِ الْفِعْلِيِّ كَالْقَوْلِيِّ، وَهُوَ الْوَجْهُ انْتَهَى.

وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ ذَلِكَ فِي إجْمَاعٍ فَعَلِيٍّ عُلِمَ صُدُورُهُ مِنْ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ فَلَا عِبْرَةَ بِإِجْمَاعِ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا لِأَنَّ الْأَذْرَعِيَّ وَغَيْرَهُ كَثِيرًا مَا يَعْتَرِضُونَ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَصْحَابَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْفِعْلِيَّ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ، فَإِذَا عَلِمْت ضَابِطَهُ الَّذِي ذَكَرْته لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِمْ الِاعْتِرَاضُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ أَمْ لَا.

نَعَمْ مَا ثَبَتَ فِيهِ أَنَّ الْعَامَّةَ تَفْعَلُهُ وَجَرَتْ أَعْصَارُ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ وَعَدَمِ إنْكَارِهِمْ لَهُ يُعْطِي حُكْمَ فِعْلِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ اهـ جج (قَوْلُهُ: تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ) قَدْ يَشْمَلُ إطْلَاقُهُ الذِّمِّيَّ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ التَّظْلِيلِ بِمُثَبِّتٍ فَيَمْتَنِعُ كَالْجَنَاحِ وَغَيْرِهِ كَثَوْبٍ مَعَ إزَالَتِهَا عِنْدَ انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ بِلَا تَضْيِيقٍ فَلَا يَمْتَنِعُ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْجَنَاحِ وَمَا هُنَا بِأَنَّ فِي الْجَنَاحِ اسْتِعْلَاءً عَلَى مَنْ يَمُرُّ تَحْتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمُنِعَ مِنْهُ، وَمَا يُظَلَّلُ بِهِ لَا يَتِمُّ انْتِفَاعُهُ إلَّا بِهِ، فَحَيْثُ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَالْقِيَاسُ جَوَازُ التَّظْلِيلِ مُطْلَقًا بِالْمُثَبِّتِ وَغَيْرِهِ.

وَأَمَّا مَحِلُّ الْجَنَاحِ فَمِلْكٌ فَيَدُومُ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِ الْمُخْرِجِ لَهُ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ فِي الْمِلْكِ لِوَرَثَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ مُثَبَّتًا بِبِنَاءٍ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ بِنَاءٍ جَازَ لِكُلٍّ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِعْلُهُ وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ مِنْ امْتِنَاعِ الْإِثْبَاتِ بِبِنَاءٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إثْبَاتِهِ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ الِارْتِفَاقِ، وَفِي كَلَامِ سم عَلَى حَجّ اسْتِنْبَاطٌ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضِ أَنَّ بِنَاءَ الْبُيُوتِ فِي حَرِيمِ الْأَنْهَارِ، وَفِي مِنًى إذَا كَانَ لِلِارْتِفَاقِ لَا يَمْتَنِعُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْكَلَامُ، بَلْ يَقْتَضِي جَوَازَ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي حَرِيمِ الْأَنْهَارِ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ لِلتَّمَلُّكِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِامْتِنَاعِهِ فَلْيُرَاجِعْ (قَوْلُهُ: اُعْتِيدَ وَضْعُهُ فِيهِ) أَيْ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: وَالْعَطَاءُ) أَيْ الْأَخْذُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَتَّبَا قُدِّمَ السَّابِقُ) وَلَوْ ذِمِّيًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَهُوَ السَّبْقُ، وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ (قَوْلُهُ: لَا بِقَصْدِ الْعَوْدِ) أَيْ وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ إلَخْ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 344

هُوَ لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ فَيَبْطُلَ حَقُّهُ حِينَئِذٍ وَلَوْ مُقْطَعًا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ أَطَالَ جَمْعٌ فِي رَدِّهِ لِانْتِفَاءِ تَعَيُّنِ غَرَضِ الْمَوْضِعِ مِنْ كَوْنِهِ يُعْرَفُ فَيُعَامَلَ وَخَرَجَ يَجْلِسُ لِمُعَامَلَةٍ مَا لَوْ جَلَسَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَيَبْطُلَ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ كَمَا مَرَّ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ جَوَّالًا يَقْعُدُ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ السُّوقِ.

وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي الشَّارِعِ لِحَدِيثٍ أَوْ نَحْوِهِ إنْ لَمْ يُعْطِهِ حَقَّهُ مِنْ غَضِّ بَصَرٍ وَكَفِّ أَذًى وَرَدِّ سَلَامٍ وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ.

(وَمَنْ أَلِفَ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَسَاجِدِ الْعِظَامِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ، وَمِثْلُهُ الْمُدَرِّسَةُ (مَوْضِعًا يُفْتَى فِيهِ) النَّاسُ (أَوْ يَقْرَأُ) فِيهِ قُرْآنًا أَوْ عِلْمًا شَرْعِيًّا أَوْ آلَةً لَهُ، أَوْ لِتَعَلُّمِ مَا ذُكِرَ كَسَمَاعِ دَرْسٍ بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُفِيدَ أَوْ يَسْتَفِيدَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا (كَالْجَالِسِ فِي شَارِعٍ لِمُعَامَلَةٍ) فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي مُلَازَمَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَأْلَفَهُ النَّاسُ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ وَطَنًا يَسْتَحِقُّ مَخْصُوصٌ بِمَا عَدَا ذَلِكَ،

وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ كَبِيرٍ أَوْ جَامِعٍ اُعْتِيدَ الْجُلُوسُ فِيهِ بِإِذْنِهِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] وَلِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِي مَقْعَدِهِ، وَمَحِلُّ تَدْرِيسِهِ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ الَّتِي لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِهَا لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَةُ الْمَوْضِعِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا حَالُ جُلُوسِهِ لِغَيْرِ الْإِقْرَاءِ أَوْ الْإِفْتَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الْجُلُوسَ فِيهِ لِذَلِكَ لَا مُطْلَقًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَسْجِدِ هُوَ الْمَنْقُولُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَالْغَزَالِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخَانِ: إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَأْخَذِ الْبَابِ، وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ (وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُقْطَعَ الْأُلَّافُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعُوا مِنْ ابْتِدَاءِ الْغَيْبَةِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: هُوَ لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ) فِيهِ نَظَرٌ، إذْ قَدْ يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ لِعَدَمِ حُضُورِهِ وَلَا يَأْلَفُونَ غَيْرَهُ بَلْ يَنْتَظِرُونَ عَوْدَهُ لِيَعُودُوا إلَى مُعَامَلَتِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْغَالِبُ بَلْ قَدْ يُقَالُ مَا دَامُوا يَنْتَظِرُونَهُ لَا يُقَالُ انْقَطَعَ أُلَّافُهُ (قَوْلُهُ: يَقْعُدُ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَوْضِعٍ) أَيْ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ (قَوْلُهُ: مِنْ غَضِّ بَصَرٍ إلَخْ) وَقَدْ نَظَمَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ آدَابَ الْجُلُوسِ عَلَى الطَّرِيقِ، فَقَالَ:

نَظَمْت آدَابَ مَنْ رَامَ الْجُلُوسَ عَلَى

الطَّرِيقِ فِي قَوْلِ خَيْرِ الْخَلْقِ إنْسَانَا

أَفْشِ السَّلَامَ وَأَحْسِنْ فِي الْكَلَامِ لِعَا

وَشَمِّتْ الْعَاطِسَ الْحَمَّادَ إيمَانَا

فِي الْحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ وَأَغِثْ

لَهْفَانَ رَدَّ سَلَامًا وَاهْدِ حَيْرَانَا

بِالْعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عَنْ نُكْرٍ وَكُفَّ أَذًى

وَغُضَّ طَرْفًا وَأَكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلَانَا

أَيْ فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ كَانَ جُلُوسُهُ مُبَاحًا حَيْثُ جَلَسَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَاتَّفَقَ فِيهِ اجْتِمَاعُ الشُّرُوطِ، فَإِنْ قَصَدَ بِجُلُوسِهِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْقُرْبِ كَانَ مَنْدُوبًا.

وَقَوْلُهُ فِي النَّظْمِ لِعَا: أَيْ بِأَنْ يَقُولَ لِلْعَاثِرِ لَعَا لَك عَالِيًا دُعَاءٌ لَهُ بِأَنْ يَنْتَعِشَ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ نَاظِمَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ يَقْرَأُ فِيهِ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَلَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قِرَاءَةُ الْأَسْبَاعِ الَّتِي تُفْعَلُ بِالْمَسَاجِدِ مَا لَمْ يَكُنْ الشَّارِطُ لِمَحِلِّهِ بِعَيْنِهِ الْوَاقِفَ لِلْمَسْجِدِ، قَالَ سم عَلَى حَجّ: وَقَدْ يَشْمَلُ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ بِحِفْظِهِ فِي الْأَلْوَاحِ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِتَعَلُّمِ مَا ذُكِرَ) وَمِنْهُ الْمُطَالَعَةُ فِي كِتَابٍ لِلتَّعَلُّمِ مِنْهُ فَلْيُرَاجِعْ م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: الَّتِي لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِهَا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ وَلَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ.

وَلَيْسَ مِنْ الْغَيْبَةِ تَرْكُ الْجُلُوسِ فِيهِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَطَالَتِهَا وَلَوْ أَشْهُرًا كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي قِرَاءَةِ الْفِقْهِ فِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ، وَمِمَّا لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّهُ أَيْضًا مَا لَوْ اعْتَادَ الْمُدَرِّسُ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ فِي سَنَتَيْنِ وَتَعَلَّقَ غَرَضُ بَعْضِ الطَّلَبَةِ بِحُضُورِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مَثَلًا فِي سَنَتِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ بِغَيْبَتِهِ فِي الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ) مِنْ أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهِ كَالْجُلُوسِ فِي الشَّارِعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 345

(لِصَلَاةٍ) وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا أَوْ كَانَ الْجَالِسُ صَبِيًّا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ اسْتِمَاعِ حَدِيثٍ أَوْ وَعْظٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ عَادَةٌ بِالْجُلُوسِ بِقُرْبِ كَبِيرِ الْمَجْلِسِ وَانْتَفَعَ الْحَاضِرُونَ بِقُرْبِهِ مِنْهُ لِعِلْمِهِ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ (لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِهِ فِي غَيْرِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا مَرَّ لِأَنَّ لُزُومَ بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِلصَّلَاةِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ جُلُوسًا جَائِزًا لَا كَخَلْفِ الْمَقَامِ الْمَانِعِ لِلطَّائِفَيْنِ مِنْ فَضِيلَةِ سُنَّةِ الطَّوَافِ ثُمَّ فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَبِهِ جَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَلْحَقُوا بِهِ بَسْطَ السَّجَّادَةِ وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ.

قَالُوا: وَيُعَزَّرُ فَاعِلُ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِمَنْعِهِ، وَنُوزِعَ فِي تَحْرِيمِ الْجُلُوسِ بِمَا لَا يُجْدِي، وَمِنْهُ التَّرْدِيدُ فِي الْمَزَارِ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عُرْفًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَنَّهُ مَوْضِعٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَيْفَ يُعَطَّلُ عَمَّا وُضِعَ الْمَسْجِدُ لَهُ، وَأَنَّ صَلَاةَ سُنَّةِ الطَّوَافِ لَا تَخْتَصُّ بِهِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ امْتَازَ عَنْ بَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ بِكَوْنِ الشَّارِعِ عَيْنَهُ مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةُ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ وَوُقُوفِ إمَامِ الْجُمُعَةِ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ تَفْوِيتُهُ بِجُلُوسٍ بَلْ وَلَا صَلَاةٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ الشَّارِعُ لَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةُ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْطِيلُ مَحِلٍّ مِنْ الْمَسْجِدِ عَنْ الْعِبَادَةِ فِيهِ لِاحْتِمَالِ فِعْلِ عِبَادَةٍ أُخْرَى.

وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَحِلَّ التَّحْرِيمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْجُلُوسِ فِيهِ فِي وَقْتٍ يَحْتَاجُ الطَّائِفُونَ لِصَلَاةِ سُنَّةِ الطَّوَافِ فِيهِ، وَالْكَلَامُ فِي جُلُوسٍ لِغَيْرِ دُعَاءٍ عَقِبَ سُنَّةِ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهَا اهـ حَجّ.

أَقُولُ: وَكَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْجُلُوسِ خَلْفَ الْمَقَامِ عَلَى مَا ذَكَرَ يُمْنَعُ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الْمِحْرَابِ وَقْتَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِيهِ وَكَذَا يُمْنَعُ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ جُلُوسُهُ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ أَوْ يَقْطَعُ الصَّفَّ عَلَى الْمُصَلِّينَ، وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ اعْتَادَ النَّاسُ الصَّلَاةَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ مَعَ إمْكَانِ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِهِ كَبَحْرَةِ رُوَاقِ ابْنِ الْمُعَمَّرِ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ فَيَزْعَجَ مِنْهُ مَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِيهِ فِي وَقْتٍ يُفَوِّتُ عَلَى النَّاسِ الْجَمَاعَةَ فِيهِ، فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْإِلْحَاقُ فَلْيُرَاجَعْ.

وَفِي سم عَلَى حَجّ: فَرْعٌ: أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِجَوَازِ وَضْعِ الْخِزَانَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ تُضَيِّقْ وَحَصَلَ بِسَبَبِهَا نَفْعٌ عَامٌّ كَمُدَرِّسٍ أَوْ مُفْتٍ يَضَعُ فِيهَا مِنْ الْكُتُبِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّدْرِيسِ وَالْإِفْتَاءِ انْتَهَى.

[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ فِي قُرَى مِصْرَ مِنْ وَضْعِ الْقَمْحِ فِي الْجَرِينِ، هَلْ يَسْتَحِقُّ مَنْ اعْتَادَ الْوَضْعَ بِمَحِلٍّ مِنْهُ وَضْعُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحَيْثُ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى مَنْ سَبَقَهُ إلَى وَضْعِ غَلَّتِهِ فِيهِ مَنَعَهُ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَنْ اعْتَادَ الصَّلَاةَ بِمَحِلٍّ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِالْوَضْعِ فِي جَمِيعِ الْمَحَالِّ كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ فِي جَمِيعِ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ غَرَضُهُ بِمَوْضِعٍ مِنْهُ كَقُرْبِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ أَطْرَافِ الْمَحَالِّ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةٌ لِلسَّرِقَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَغْرَاضَ لَا نَظَرَ إلَيْهَا، كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا فِي بِقَاعِ الْمَسْجِدِ إلَى حُصُولِ الثَّوَابِ بِالْقُرْبِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ كَوْنِهِ بِمَيْمَنَةِ الصَّفِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ إنَّمَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا لِتَوَلُّدِ الضَّرَرِ بِانْقِطَاعِ أُلَّافِهِ عِنْدَ عَدَمِ اهْتِدَائِهِمْ لِمَحِلِّهِ، فَمَنْ سَبَقَهُ إلَيْهِ اسْتَحَقَّهُ، وَلَا يَحْصُلُ السَّبْقُ بِوَضْعِ عَلَامَةٍ فِي الْمَحِلِّ كَمَا لَا يَحْصُلُ الِالْتِقَاطُ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوفِ عَلَى اللُّقَطَةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ السَّبْقُ بِالشُّرُوعِ فِي شَغْلِ الْمَحِلِّ كَوَضْعِ شَيْءٍ مِنْ الزَّرْعِ الَّذِي يُرَادُ وَضْعُهُ فِي الْمَحِلِّ بِحَيْثُ يُعَدُّ أَنَّهُ شَرْعٌ فِي التَّجْرِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِمَاعُ حَدِيثٍ) خَرَجَ بِالِاسْتِمَاعِ مَا لَوْ جَلَسَ لِتَعَلُّمِهِ مِنْ الْمُحَدِّثِ بِأَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْهٍ يُبَيِّنُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا أَوْ كَانَ الْجَالِسُ صَبِيًّا) هَاتَانِ الْغَايَتَانِ إنَّمَا يَظْهَرُ مَعْنَاهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، فَلَوْ فَارَقَهُ لِحَاجَةٍ لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ اخْتِصَاصُهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ إلَخْ لَا بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِهِ فِي غَيْرِهَا إذْ الْمُنَاسِبُ فِيهِ غَايَةٌ إنَّمَا هُوَ عَكْسُ مَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ سِيَاقُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَرْجِيحٍ.

ص: 346

وَحِينَئِذٍ فَلَا نَظَرَ لِأَفْضَلِيَّةِ الْقُرْبِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ جِهَةِ الْيَمِينِ وَإِنْ انْحَصَرَ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ النَّهْيِ الشَّامِلِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فَزَالَ اخْتِصَاصُهُ عَنْهَا بِمُفَارَقَتِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَأْلَفَهَا فَيَقَعَ فِي رِيَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَفَارَقَ مَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ بِأَنَّ غَرَضَ الْمُعَامَلَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، وَالصَّلَاةُ بِبِقَاعِ الْمَسْجِدِ لَا تَخْتَلِفُ، وَاعْتِرَاضُ الرَّافِعِيِّ بِأَنَّ ثَوَابَهَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ رُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ لَهُ مَوْضِعَهُ مِنْهُ وَأُقِيمَتْ لَزِمَ عَدَمُ اتِّصَالِ الصَّفِّ الْمُسْتَلْزِمِ لِنَقْصِهَا فَإِنَّ تَسْوِيَتَهُ مِنْ تَمَامِهَا وَمَجِيئُهُ فِي أَثْنَائِهَا لَا يَجْبُرُ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ فِي أَوَّلِهَا وَبِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مَحِلٌّ مِنْ الْمَسْجِدِ بَلْ هُوَ مَا يَلِي الْإِمَامَ فِي أَيِّ مَحِلٍّ كَانَ مِنْهُ، فَثَوَابُهُ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ بِاخْتِلَافِ بِقَاعِهِ، بِخِلَافِ مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَاتِهَا مِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصِ بَعْضِهَا بِكَثْرَةِ الْوَارِدِينَ فِيهِ وَبِالْوِقَايَةِ مِنْ نَحْوِ حَرٍّ وَبَرْدٍ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ قَائِلَهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَجِيئِهِ قَبْلُ فَيَبْقَى حَقُّهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْإِقَامَةِ فَيَبْطُلَ حَقُّهُ، وَهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ.

وَفَارَقَ أَيْضًا بَيْتَ الْمَدْرَسَةِ إذَا فَارَقَهُ سَاكِنُهُ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يُقْصَدُ السُّكْنَى فِيهِ، وَإِنَّمَا تُؤْلَفُ بِقَاعُهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا، بِخِلَافِ بُيُوتِ الْمَدَارِسِ تُقْصَدُ السُّكْنَى بِهَا فَاعْتُبِرَ مَا يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَهُوَ الْغَيْبَةُ الطَّوِيلَةُ (فَلَوْ فَارَقَهُ) وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِيمَا يَظْهَرُ (لِحَاجَةٍ) كَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَرُعَافٍ وَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ وَإِجَابَةِ دَاعٍ (لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ اخْتِصَاصُهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ) وَمَا أُلْحِقَ بِهَا (فِي الْأَصَحِّ) فَيَحْرُمَ عَلَى غَيْرِهِ الْعَالِمِ بِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَظَنَّ رِضَاهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إزَارَهُ فِيهِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ آنِفًا، وَالثَّانِي يَبْطُلُ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ.

نَعَمْ إنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ فَالْوَجْهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ سَدُّ الصَّفِّ مَكَانَهُ، وَمَا اسْتَثْنَاهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ حَقِّ السَّبَقِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِخْلَافِ أَوْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ فَيُؤَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ الْأَحَقُّ بِمَوْضِعِهِ لِخَبَرِ " لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى " مَرْدُودٌ، إذْ الِاسْتِخْلَافُ نَادِرٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَنْ هُوَ خَلْفَهُ، وَكَيْفَ يُتْرَكُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِمُتَوَهِّمٍ عَلَى أَنَّ عُمُومَ كَلَامِهِمْ صَرِيحٌ فِي رَدِّهِ، وَلَا شَاهِدَ لَهُ فِي الْخَبَرِ وَلَا غَيْرِهِ كَمَا أَفْهَمهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِفَرْشِ سَجَّادَةٍ لَهُ قَبْلَ حُضُورِهِ فَلِلْغَيْرِ تَنْحِيَتُهَا بِرِجْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهَا بِهَا عَنْ الْأَرْضِ لِئَلَّا تَدْخُلَ فِي ضَمَانِهِ وَلَوْ قِيلَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِيهِ الْعِلَلَ وَمَعَانِيَ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَالِسَ لَهُ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ، وَمِثْلُهُ فِي عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ مِنْ اتِّخَاذِ مَوْضِعٍ فِي الْمَسْجِدِ لِلذِّكْرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَثَلًا، فَإِذَا اجْتَمَعُوا نُظِرَ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ تَشْوِيشٌ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ فِي صَلَاتِهِمْ أَوْ قِرَاءَتِهِمْ مُنِعُوا مُطْلَقًا وَإِلَّا لَمْ يُمْنَعُوا مَا دَامُوا مُجْتَمَعِينَ فِيهِ، فَإِنْ فَارَقُوهُ سَقَطَ حَقُّهُمْ حَتَّى لَوْ عَادُوا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَوَجَدُوا غَيْرَهُمْ سَبَقَهُمْ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَتُهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلُ اخْتِصَاصُهُ) يُفِيدُ أَنَّ مَنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ ثُمَّ فَارَقَهُ لِحَاجَةٍ لِيَعُودَ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّهُ، وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ جَلَسَ مَكَانَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي أَرَادَ شَغْلَهُ بِتِلْكَ الْقِرَاءَةِ لَا فِي وَقْتٍ آخَرَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: وَمِنْهُ مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي تُوضَعُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَلَوْ أَحْدَثَ مَنْ يُرِيدُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ فَقَامَ لِيَتَطَهَّرَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعَهُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَهَتْ قِرَاءَتُهُ فِي يَوْمٍ فَفَارَقَهُ ثُمَّ عَادَ فَلَا حَقَّ لَهُ (قَوْلُهُ: وَمَا أُلْحِقَ بِهَا) أَيْ مِمَّا اُعْتِيدَ فِعْلُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْأَذْكَارِ وَنَحْوِهَا، أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ اسْتِمَاعِ الْحَدِيثِ وَالْوَعْظِ وَنَحْوِهِمَا، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَرَادَ صَلَاةَ الضُّحَى أَوْ الْوَتْرَ فَفَعَلَ بَعْضَهَا ثُمَّ طَرَأَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ بِذَهَابِهِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا كُلَّهَا تُعَدُّ صَلَاةً وَاحِدَةً، وَيَنْبَغِي أَنَّ النَّفَلَ الْمُطْلَقَ مِثْلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: الْجُلُوسُ فِيهِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُلُوسِ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُهُ مِنْهُ إذَا جَاءَ: أَمَّا إذَا جَلَسَ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ إذَا جَاءَ قَامَ لَهُ عَنْهُ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ اهـ سم.

أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ لَمْ يُؤَدِّ جُلُوسُهُ فِيهِ إلَى امْتِنَاعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَجِيءِ لَهُ حَيَاءً أَوْ خَوْفًا وَإِلَّا امْتَنَعَ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا تَدْخُلَ فِي ضَمَانِهِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 347

بِحُرْمَةِ فَرْشِهَا كَمَا يُفْعَلُ بِالرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَخَلْفَ مَقَامِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى نَبِيِّنَا لَمْ يَبْعُدْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ وَتَحْجِيرِ الْمَسْجِدِ، وَلَا نَظَرَ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ تَنْحِيَتِهَا لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَهَابُ ذَلِكَ فَهُوَ قِيَاسُ حُرْمَةِ صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِحَضْرَةِ زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ قَطْعُهُ لِأَنَّهُ يَهَابُهُ عَلَى أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا لَا يَخْفَى، وَخَرَجَ بِالصَّلَاةِ جُلُوسُهُ لِاعْتِكَافِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ مُدَّةً بَطَلَ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ وَلَوْ لِحَاجَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ أَثْنَاءَهَا لِحَاجَةٍ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِغَيْرِهَا نَاسِيًا كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيُسَنُّ مَنْعُ مَنْ جَلَسَ فِيهِ لِمُبَايَعَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ وَيُمْنَعُ مَنْ هُوَ بِحَرِيمِهِ إنْ أَضَرَّ بِأَهْلِهِ، وَيُنْدَبُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْ اسْتِطْرَاقِ حِلَقِ الْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي الْجَوَامِعِ وَغَيْرِهَا تَوْقِيرًا لَهُمْ

(وَلَوْ)(سَبَقَ رَجُلٌ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ) وَفِيهِ شَرْطٌ مَنْ يَدْخُلُهُ وَكَذَا الْبَاقِي (أَوْ فَقِيهٌ إلَى مَدْرَسَةٍ) أَوْ مُتَعَلِّمُ قُرْآنٍ إلَى مَا بُنِيَ لَهُ (أَوْ صُوفِيٌّ إلَى خَانِقَاهُ لَمْ يُزْعِجْ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ) مِنْهُ (بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَعْذَارِ وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعًا وَلَا نَائِبًا وَيَأْذَنُ الْإِمَامُ لِعُمُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ نَاظِرٌ أَوْ اسْتَأْذَنَهُ وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ، وَيُوَافِقُهُ اعْتِبَارُ الْمُصَنِّفِ كَابْنِ الصَّلَاحِ إذْنُهُ فِي سُكْنَى بُيُوتِ الْمَدْرَسَةِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْمُتَوَلِّي إذْنَهُ فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اُعْتِيدَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ، وَمَتَى عَيَّنَ الْوَاقِفُ مُدَّةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْيَدِ مَنْ هُوَ صِفَتُهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ شُغُورَ مَدْرَسَتِهِ، وَكَذَا كُلُّ شَرْطٍ شَهِدَ الْعُرْفُ بِتَخْصِيصِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُنْظَرُ إلَى الْغَرَضِ الْمُبْنَى لَهُ وَيُعْمَلُ بِالْمُعْتَادِ الْمُطَّرِدِ فِي مِثْلِهِ حَالَةَ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَلِمَ بِهَا تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ فَيُزْعَجَ فَقِيهٌ تَرَكَ التَّعَلُّمَ وَصُوفِيٌّ تَرَكَ التَّعَبُّدَ، وَلَا يُزَادُ فِي رِبَاطِ مَارَّةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ يَعْرِضْ نَحْوُ ثَلْجٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَضِيَّةُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهَا عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ لِئَلَّا تَدْخُلَ فِي إلَخْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا مَانِعَ مِنْ إزَالَتِهَا وَإِنْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَنْوِ مُدَّةً إلَخْ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ لِقِرَاءَةٍ مَثَلًا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ قَدْرًا بَطَلَ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ بِذَلِكَ بَلْ يَبْطُلُ حَقُّهُ إلَى الْإِتْيَانِ بِمَا قَصَدَهُ وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ وَعَادَ اهـ سم.

أَقُولُ: وَقَدْ يُمْنَعُ الْأَخْذُ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الِاعْتِكَافُ كَمَا يَصِحُّ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي فَارَقَهُ يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ، فَبِقَاعُ الْمَسْجِدِ بِالنِّسْبَةِ لِلِاعْتِكَافِ مُسْتَوِيَةٌ (قَوْلُهُ: بَطَلَ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ) وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ نِيَّةَ الْمُدَّةِ لِيَكُونَ أَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ إذَا عَادَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ وَإِنْ نَوَى الْعَوْدَ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَعُودَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ إذَا عَادَ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ مَنْعُ مَنْ جَلَسَ) أَيْ مَثَلًا، وَقَوْلُهُ فِيهِ: أَيْ الْمَسْجِدِ، وَقَوْلُهُ أَوْ حِرْفَةٌ: أَيْ لَا تَلِيقُ بِالْمَسْجِدِ كَخِيَاطَةٍ بِخِلَافِ نَسْخِ كُتُبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ مَنْ هُوَ إلَخْ) أَيْ فَيَحْرُم جُلُوسُهُ حِينَئِذٍ لِلْإِضْرَارِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَيُنْدَبُ مَنْعُ النَّاسِ) عِبَارَةُ حَجّ وَيُمْنَعُ مُسْتَطْرِقٌ لِحَلْقَةِ عِلْمٍ إلَخْ انْتَهَى: أَيْ نَدْبًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُرِدْ شُغُورَ مَدْرَسَتِهِ) أَيْ خُلُوَّهَا (قَوْلُهُ: يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ) أَيْ إذْ لَوْ أَرَادَ خِلَافَهُ لَذَكَرَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَابُ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لَنَا تَمْكِينُ الذِّمِّيِّ مِنْ التَّخَلِّي وَالِاغْتِسَالِ فِي فَسْقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ إذَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ يَمْتَنِعُ وَهُوَ الْجَوَازُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا جَارٍ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ وَعِلْمِهِ وَلَمْ يَشْرِطْ فِي وَقْفِهِ مَا يُخَالِفُهُ.

[فَرْعٌ] لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ دُخُولُ كَنِيسَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يُزَادُ فِي رِبَاطِ مَارَّةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ) أَيْ: بِأَنْ نَوَى مُدَّةً مُعَيَّنَةً

ص: 348