الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْوَقْفِ
هُوَ لُغَةً: الْحَبْسُ، وَيُرَادِفُهُ التَّحْبِيسُ وَالتَّسْبِيلُ، وَأَوْقَفَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَأَحْبَسَ أَفْصَحُ مِنْ حَبَسَ عَلَى مَا نُقِلَ، لَكِنَّ حَبَسَ هِيَ الْوَارِدَةُ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَشَرْعًا: حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ مَوْجُودٍ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَلَمَّا سَمِعَهَا أَبُو طَلْحَةَ بَادَرَ إلَى وَقْفِ أَحَبِّ أَمْوَالِهِ بَيْرُحَا حَدِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَقَوْلُهُ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115] وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ أَيْ مُسْلِمٌ يَدْعُو لَهُ»
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: التَّحْبِيسُ) أَيْ وَالِاحْتِبَاسُ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لُغَةً رَدِيئَةً) عِبَارَةُ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ لُغَةُ تَمِيمٍ (قَوْلُهُ أَفْصَحُ مِنْ حَبَّسَ) أَيْ بِالتَّشْدِيدِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ مَوْجُودٍ) أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ، أَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ، وَلَوْ أَسْقَطَهُ لِيَتَأَتَّى عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فَعَلَ حَجّ (قَوْلُهُ: بَيْرُحَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ كَثِيرًا مَا تَخْتَلِطُ أَلْفَاظَ الْمُحَدِّثِينَ فِيهَا فَيَقُولُونَ بَيْرُحَا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهِمَا وَالْمَدِّ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا وَالْقَصْرِ، وَهِيَ اسْمُ مَالٍ وَمَوْضِعٍ بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْفَائِقِ: إنَّهَا فَيُعْلَى مِنْ الْبَرَاحِ، وَهِيَ الْأَرْضُ الظَّاهِرَةُ اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ» فَلَهُمَا رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ) زَادَ السُّيُوطِيّ عَلَى ذَلِكَ أُمُورًا وَنَظَمَهَا فَقَالَ:
إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ لَيْسَ يَجْرِي
…
عَلَيْهِ مِنْ فِعَالٍ غَيْرُ عَشْرِ
عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلِ
…
وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتُ تَجْرِي
وِرَاثَةُ مُصْحَفٍ وَرِبَاطُ ثَغْرِ
…
وَحَفْرُ الْبِئْرِ أَوْ إجْرَاءُ نَهْرِ
وَبَيْتٌ لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي
…
إلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحِلِّ ذِكْرِ
وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ
…
فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيثَ بِحَصْرِ
وَلَعَلَّ قَوْلَهُ وَبَيْتٌ: الْبَيْتُ هُوَ التَّاسِعُ فَلَا يُقَالُ هِيَ أَحَدَ عَشَرَ، وَقَوْلُهُ وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ: أَيْ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ.
وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِحَجِّ فِي التَّيَمُّمِ بَعْدَ كَلَامٍ قَرَّرَهُ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ نَازَعَ ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي تَفْضِيلِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْوَقْفِ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ فَسَّرُوا الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ بِهِ وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَعَنْهُ عَنْ الْمُحِبِّ السَّنْكَلُونِيِّ أَنَّ النَّفْعَ بِالتَّعْلِيمِ النَّاجِزِ أَوْلَى مِنْهُ بِالتَّصْنِيفِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الْمُعَجَّلَةِ، ثُمَّ عَضَّدَهُ بِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ «أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ» وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُنْتَفِعَ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّصْنِيفِ اهـ.
وَفِي هَذَا الْحَصْرِ نَظَرٌ، بَلْ التَّعْلِيمُ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَقُومُ عَنْهُ بِالتَّعْلِيمِ كَانَ التَّصْنِيفُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالتَّعْلِيمُ أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ: يَدْعُو لَهُ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «إذَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الْوَقْفِ]
ِ (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْحَبْسُ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْحَبْسِ فِي اللُّغَةِ
وَحَمَلَ الْعُلَمَاءُ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ دُونَ نَحْوِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ لِنُدْرَتِهَا. «وَوَقَفَ عُمَرُ رضي الله عنه أَرْضًا أَصَابَهَا بِخَيْبَرَ بِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَشَرَطَ فِيهَا شُرُوطًا: مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ وَأَنَّ مَنْ وَلِيَهَا يَأْكُلُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمُ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَهُوَ أَوَّلُ وَقْفٍ وُقِفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: بَلْ «وَقَفَهُ صلى الله عليه وسلم أَمْوَالَ مُخَيْرِيقٍ الَّتِي أَوْصَى بِهَا لَهُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ» . وَجَاءَ عَنْ جَابِرٍ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ مَقْدِرَةٌ حَتَّى وَقَفَ.
وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إلَى أَنَّ هَذَا الْوَقْفَ الْمَعْرُوفَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً لَمْ تَعْرِفْهُ الْجَاهِلِيَّةُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ خَبَرَ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا رَجَعَ عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه بِبَيْعِ الْوَقْفِ وَقَالَ: لَوْ سَمِعَهُ لَقَالَ بِهِ
وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: مَوْقُوفٌ، وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَصِيغَةٌ، وَوَاقِفٌ.
وَبَدَأَ بِهِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ فَقَالَ (شَرْطُ الْوَاقِفِ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ) وَلَوْ كَافِرًا لِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ قُرْبَةً كَمَسْجِدٍ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ (وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) فِي الْحَيَاةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ وَهَذَا أَخَصُّ مِمَّا قَبْلَهُ فَجَمْعُهُ بَيْنَهُمَا لِلْإِيضَاحِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَوْلُهُ: أَرْضًا) أَيْ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ أَرْضٍ أَصَابَهَا إلَخْ.
قَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيِّ: وَقْفُ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ اهـ.
لَكِنْ يُرَاجَعُ مِقْدَارُ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ مُجَزَّأَةً إلَى ذَلِكَ حَتَّى يُنْسَبَ إلَيْهَا مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: بِخَيْبَرَ) الَّذِي وَقَفَهُ عُمَرُ اسْمُهُ ثَمْغٌ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ اهـ شَرْحَ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ فِيهِ تَصَرُّفَ ذِي الْأَمْوَالِ، وَلَا يَحْسُنُ حَمْلُهُ عَلَى الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالصَّدِيقِ (قَوْلُهُ: الَّتِي أَوْصَى بِهَا لَهُ) هُوَ مُخَيْرِيقٌ. قَالَ فِي الْإِصَابَةِ: «مُخَيْرِيقٌ النَّضْرِيُّ بِفَتْحَتَيْنِ كَمَا فِي اللُّبِّ الْإِسْرَائِيلِيِّ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، وَيُقَالُ إنَّهُ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَيُقَالُ مِنْ بَنِي الْقَيْطُونِ، كَانَ عَالِمًا وَكَانَ أَوْصَى بِأَمْوَالِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ سَبْعُ حَوَائِطَ: الْمُثَبَّتَةُ، وَالصَّائِفَةُ، وَالدِّلَالُ، وَحِسْيٌ، وَيُومَةُ، وَالْأَعْوَانُ، وَسَرِيَّةُ أُمِّ إبْرَاهِيمَ، فَجَعَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةً» (قَوْلُهُ: مُقَدَّرَةٌ) أَيْ عَلَى الْوَقْفِ أَوَّلُهُ غِنًى فِي نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَعْرِفْهُ الْجَاهِلِيَّةُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِمْ هُنَا مَنْ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِكِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ لِمَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ مَا فَعَلَهُ ذِمِّيٌّ لَا نُبْطِلُهُ إلَّا إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا، إلَى قَوْلِهِ: لَا مَا وَقَفُوهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ عَلَى كَنَائِسِهِمْ إلَخْ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْوَقْفِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ لَوْ سَمِعَهُ لَقَالَ بِهِ) قَالَ حَجّ: وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ الرَّدُّ بِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ يَقُولُ بِبَيْعِهِ: أَيْ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَهُ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَافِرًا) لَوْ وَقَفَ ذِمِّيٌّ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَّا مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: رُفِعَتْ إلَيَّ فِي الْمُحَاكِمَاتِ فَأَبْقَيْت الْوَقْفَ وَأَلْغَيْت الشَّرْطَ، وَمَالَ م ر إلَى بُطْلَانِ الْوَقْفِ اهـ سم عَلَى مَنْهَج.
أَقُولُ: وَلَعَلَّ وَجْهَ مَا مَالَ إلَيْهِ م ر أَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ، وَبِتَقْدِيرِ مَعْرِفَتِهِمْ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ لَفْظُهُ مُشْعِرٌ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ: لِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ) هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ: كَمَسْجِدٍ) أَيْ وَكَوَقْفِ مُصْحَفٍ وَيُتَصَوَّرْ مِلْكُهُ لَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ هَذَا الْوَقْفَ الْمَعْرُوفَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ) قَدْ يُقَالُ: إنْ أَرَادَ بِالْمَعْرُوفِ هَذَا الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ الْمُسْتَوْفِي لِلشَّرَائِطِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْوَقْفِ بِذَلِكَ، بَلْ سَائِرُ الْعُقُودِ مِثْلُهُ يَكُونُ لَهَا مَعْنًى لُغَوِيٌّ أَعَمُّ فَيَنْقُلُهُ الشَّارِعُ إلَى مَا هُوَ أَخَصُّ بِاشْتِرَاطِ شُرُوطٍ فِيهِ تَقْتَضِي خُصُوصَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمَتْهُ دَارًا وَلَا أَرْضًا وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ: فِي الْحَيَاةِ) أَيْ: حَتَّى لَا يَرِدَ السَّفِيهُ الْآتِي إذْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ لَكِنْ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْوَصِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ هَذَا مُرَادَ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَرَّرَهُ؛ فَقَدْ خَرَجَ
فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَصِحَّةٍ نَحْوُ وَصِيَّتِهِ وَلَوْ بِوَقْفِ دَارِهِ لِارْتِفَاعِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَمُكْرَهٍ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ لَيْسَ صَحِيحَ الْعِبَارَةِ وَلَا أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ وَلَا لِغَيْرِهِ إذْ مَا يَقُولُهُ أَوْ يَفْعَلُهُ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ لَغْوٌ مِنْهُ، وَمُكَاتَبٍ وَمُفْلِسٍ وَوَلِيٍّ وَيَصِحُّ مِنْ مُبَعَّضٍ وَمِمَّنْ لَمْ يَرَ وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَأَى، وَمِنْ الْأَعْمَى قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وَإِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ
(وَ) شَرْطُ (الْمَوْقُوفِ) كَوْنُهُ عَيْنًا مُعَيَّنَةً مَمْلُوكَةً مِلْكًا يَقْبَلُ النَّقْلَ يَحْصُلُ مِنْهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا فَائِدَةٌ أَوْ مَنْفَعَةٌ تَصِحُّ إجَارَتُهَا كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ كَلَامُهُ الْآتِي بِذِكْرِهِ بَعْضَ مُحْتَرِزَاتِ مَا ذَكَرَ كَالْمَنْفَعَةِ وَإِنْ مَلَكَهَا مُؤَبَّدًا بِالْوَصِيَّةِ وَالْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ وَأَحَدِ عَبْدَيْهِ وَمَا لَا يُمْلَكُ كَكَلْبٍ.
نَعَمْ يَصِحُّ وَقْفُ الْإِمَامِ نَحْوَ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى جِهَةٍ وَمُعَيَّنٍ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمَعْمُولِ بِهِ بِشَرْطِ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ إذْ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مَنُوطٌ بِهَا كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ رَأَى تَمْلِيكَ ذَلِكَ لَهُمْ جَازَ، وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبٍ وَحَمْلٍ مُنْفَرِدٍ وَذِي مَنْفَعَةٍ لَا يُسْتَأْجَرُ لَهَا كَآلَةِ لَهْوٍ وَطَعَامٍ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِأَنْ كَتَبَهُ أَوْ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَمِثْلُ الْمُصْحَفِ الْكُتُبُ الْعِلْمِيَّةُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ وَصِيَّتِهِ) أَيْ السَّفِيهِ (قَوْلُهُ: وَمُفْلِسٌ) أَيْ وَإِنْ زَادَ مَالُهُ عَلَى دُيُونِهِ كَأَنْ طَرَأَ لَهُ مَالٌ بَعْدَ الْحَجْرِ أَوْ ارْتَفَعَ سِعْرُ مَالِهِ الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْأَعْمَى قِيَاسًا) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُسْقِطَ قِيَاسًا وَيَقُولَ وَيُؤْخَذُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ صِحَّةُ وَقْفِ الْأَعْمَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّقْدِيرَ وَيَصِيرُ لَمْ يَرَ لِأَنَّهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ
(قَوْلُهُ: مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا فَائِدَةٌ) أَيْ كَالْفَحْلِ لِلضِّرَابِ (قَوْلُهُ: تَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ الْمَنْفَعَةِ، وَقَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْخَلَوَاتُ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَصِحُّ وَقْفُ الْإِمَامِ) أَيْ وَحَيْثُ صَحَّ وَقْفُهُ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرٌ، وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مَا يَقَعُ الْآنَ كَثِيرًا مِنْ الرِّزْقِ الرَّصْدَةِ عَلَى أَمَاكِنَ أَوْ عَلَى طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ حَيْثُ تُغَيَّرُ وَتُجْعَلُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ أَوْ لَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِغَيْرِ مَنْ عُيِّنَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ الْأَوَّلِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ عِتْقِ عَبِيدِ بَيْتِ الْمَالِ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ هُنَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ فِيهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ بِشَرْطِ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فَوَقْفُهُ كَإِيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعِتْقُ نَفْسُهُ فَإِنَّهُ تَفْوِيتٌ لِلْمَالِ (قَوْلُهُ: نَحْوَ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ) كِتَابَتُهُ بِالْأَلِفِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ كَالْمَحَلِّيِّ بَعْدَ قَوْلِ، الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ وَلَوْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَضِيهمْ بِفَتْحِ الرَّاءِ بِلَا الْأَلِفِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَاهُ هُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ الْجَمْعَ يَقْتَضِي زِيَادَةَ الْعَلَامَةِ عَلَى الْمُفْرَدِ وَهِيَ هُنَا الْيَاءُ فَلَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ، وَلَكِنَّ فِي الْمِصْبَاحِ الْأَرْضُ مُؤَنَّثَةٌ وَالْجَمْعُ أَرَضُونَ بِفَتْحِ الرَّاءِ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَسَمِعْت الْعَرَبَ تَقُولُ فِي جَمْعِ الْأَرْضِ الْأَرَاضِي وَالْأُرُوضَ مِثْلَ فُلُوسٍ، وَجَمْعُ فَعْلٍ فَعَالِي فِي أَرْضٍ وَأَرَاضِي اهـ.
فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا جَارٍ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ (قَوْلُهُ: وَأُمُّ وَلَدٍ) عَطْفٌ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَيُشْكِلُ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، فَإِنَّ قِيَاسَ ذَلِكَ صِحَّةُ وَقْفِ أُمِّ الْوَلَدِ وَبُطْلَانُهُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ بَيْعُهَا حَالَ الْوَقْفِ أَشْبَهَتْ الْحُرَّةَ فَحُكِمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ وَقْفِهَا، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ فَإِنَّ كُلًّا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ وَالتَّعْلِيقُ بِالْعِتْقِ (قَوْلُهُ وَمُكَاتَبٌ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً كَمَا يَأْتِي، وَكَأَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ ذِكْرِ بَعْضِهَا فِي الْمَتْنِ كَأُمِّ الْوَلَدِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
السَّفِيهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اعْتِذَارٍ عَنْهُ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَصِحَّةُ نَحْوِ وَصِيَّتِهِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ) صَرَّحَ بِهِ الدَّمِيرِيِّ قَالَ: وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ
(قَوْلُهُ: نَحْوَ أَرَاضِيِ بَيْتِ الْمَالِ) هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَلَوْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَضِيهمْ مِنْ ضَبْطِهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ بِلَا أَلِفٍ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَبْطٌ لِمَا وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ هُنَاكَ فِي الْمِنْهَاجِ فَلَا يُنَافِي قِرَاءَتَهُ بِالْأَلِفِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الشَّارِحُ هُنَا خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَأُمُّ وَلَدٍ) أَيْ خَرَجَتْ بِقَبُولِ النَّقْلِ وَبِهِ فَارَقَتْ الْمُدَبَّرَ وَالْمُعَلَّقَ الْعِتْقَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَرْقٍ بَيْنَهُمَا
أَمَّا لَوْ وَقَفَ حَامِلًا صَحَّ فِيهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ. نَعَمْ يَصِحُّ وَقْفُ فَحْلٍ لِلضِّرَابِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهُ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْقُرْبَةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُعَاوَضَةِ وَ (دَوَامَ الِانْتِفَاعُ) الْمَذْكُورُ (بِهِ) الْمَقْصُودُ بِأَنْ تَحْصُلَ مِنْهُ فَائِدَةٌ مَعَ بَقَائِهِ مُدَّةً كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ، وَضَابِطُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى شَرْطِ ثُبُوتِ حَقِّ الْمَلِكِ فِي الرَّقَبَةِ، وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بَقَاؤُهُ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا تُقْصَدُ إجَارَتُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَقْفَ الْمُوصَى بِعَيْنِهِ مُدَّةً وَالْمَأْجُورِ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُمَا، وَنَحْوُ الْجَحْشِ الصَّغِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ لِتُصَاغَ حُلِيًّا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَنْفَعَةٌ حَالًّا كَالْمَغْصُوبِ وَلَوْ مِنْ عَاجِزٍ عَنْ انْتِزَاعِهِ، وَكَذَا وَقْفُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ عَتَقَا بِالْمَوْتِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ وَبَطَلَ الْوَقْفُ لَكِنْ فِيهِمَا دَوَامٌ نِسْبِيٌّ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
التَّنْبِيهُ عَلَى ذِكْرِ مُحْتَرِزَاتِ الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا مُجْتَمِعَةً كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ كَلَامُهُ الْآتِي بِذِكْرِهِ بَعْضَ مُحْتَرِزَاتِ مَا ذَكَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: صَحَّ فِيهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ اسْتَثْنَاهُ أَوْ جَعَلَهُ مَقْصُودًا بِأَنْ قَالَ وَقَفْتهَا وَحَمْلَهَا أَوْ كَانَتْ حَامِلًا بِحُرٍّ فَهَلْ يَبْطُلُ وَقْفُهَا قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ أَوْ لَا وَيُفَرَّقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَصِحُّ وَقْفٌ فَحْلٍ لِلضِّرَابِ) أَيْ وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى مَنْ يَكُونُ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْوَقْفِ حَالَ جِنَايَتِهِ إنْ نُسِبَ لِتَقْصِيرٍ حَتَّى أُتْلِفَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ إذَا جَنَى حَيْثُ قَالُوا أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْوَاقِفِ أَنَّهُ فِي وَقْفِ الْعَبْدِ فَوَّتَ مَحِلَّ تَعَلُّقِ الْأَرْشِ وَهُوَ الرَّقَبَةُ، وَلَا كَذَلِكَ الْفَحْلُ فَإِنَّ مَا أَتْلَفَهُ الْفَحْلُ.
بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْوَقْفِ لَا يُبَاعُ فِيهِ بَلْ يَضْمَنُهُ مَنْ كَانَ الْفَحْلُ بِيَدِهِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا يُخَالِفُهُ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا قَالَهُ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ.
أَقُولُ: وَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرٌ وَيُوَافِقُ مَا فَرَّقَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ حَجّ هُنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَرْشِ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ الْمَوْقُوفِ حَيْثُ لَزِمَ الْوَاقِفَ وَبَيْنَ أُجْرَةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةِ إذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِبَقَائِهِمَا بِأُجْرَةٍ حَيْثُ قُلْنَا بِعَدَمِ لُزُومِهَا، وَلَوْ وَصَلَ الْفَحْلُ الْمَوْقُوفُ عَلَى ذَلِكَ إلَى حَالَةٍ لَا يَصْلُحُ فِيهَا لِلضِّرَابِ فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَجُذُوعِهِ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِمَا أَنَّهُ هُنَا يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ مِثْلُهُ أَوْ جُزْءٌ مِنْ مِثْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ شِرَاءُ جُزْئِهِ لِقِلَّتِهِ رَجَعَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ إذَا قُلِعَا بَعْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى شَرْطِ ثُبُوتٍ) أَيْ تَقْدِيرِ ثُبُوتٍ (قَوْلُهُ: مُدَّةً) الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ، وَعَلَيْهِ فَيَخْرُجُ بِهَا مَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ فِيهِ كَوَقْفِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَمْ يُعْلَمْ وَقْتُهَا فَإِنَّ مُدَّةَ الْوَقْفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَجْهُولَةٌ، وَقِيلَ فِيهِمَا بِالصِّحَّةِ (قَوْلُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ بِأَنْ تَحْصُلَ مِنْهُ فَائِدَةٌ مَعَ بَقَاءِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مِنْ خَارِجٍ وَإِنْ تَكَلَّفَهُ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ (قَوْلُهُ: الْمَقْصُودُ بِأَنْ تَحْصُلَ مِنْهُ فَائِدَةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الشِّهَابِ حَجّ نَصُّهَا: وَدَوَامُ الِانْتِفَاعِ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ يَبْقَى مُدَّةً تُقْصَدُ بِالِاسْتِئْجَارِ غَالِبًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَدَخَلَ وَقْفُ عَيْنِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ، إلَى آخِرِ مَا فِي الشَّارِحِ، فَقَوْلُهُ: فَدَخَلَ وَقْفُ عَيْنِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ إلَخْ: أَيْ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ الَّذِي هُوَ غَايَةٌ فِي الِانْتِفَاعِ، وَقَوْلُهُ: وَكَذَا وَقْفُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ: أَيْ يَدْخُلَانِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَبْقَى مُدَّةٌ تُقْصَدُ بِالِاسْتِئْجَارِ غَالِبًا الَّذِي هُوَ تَفْسِيرٌ لِدَوَامِ الِانْتِفَاعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُهُ: وَخَرَجَ مَا لَمْ يَقْصِدْ إلَخْ أَيْ بِقَوْلِهِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ: أَيْ عُرْفًا، وَقَوْلُهُ: وَمَا لَا يُفِيدُ نَفْعًا إلَخْ: أَيْ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الِانْتِفَاعُ وَبِتَأَمُّلِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَحْصُلَ مِنْهُ فَائِدَةٌ مَعَ بَقَائِهِ مُدَّةً) عَدَلَ بِهِ عَمَّا مَرَّ عَنْ حَجّ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى شَرْطِ ثُبُوتِ حَقِّ الْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ) كَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَيْ بِشَرْطِ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَلَعَلَّ هَذَا أَصْوَبُ مِمَّا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُقْصَدْ إجَارَتُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ) أَيْ: بِأَنْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ فِيهَا لَا تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مِمَّا أَسْلَفْتُهُ عَنْ حَجّ أَنَّ
وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ وَقْفُ بِنَاءٍ وَغِرَاسٍ فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُمَا، وَإِنْ اسْتَحَقَّا الْقَلْعَ بَعْدِ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَفَارَقَ صِحَّةَ بَيْعِهِمَا وَعَدَمَ عِتْقِهِمَا مُطْلَقًا بِأَنَّهُ هُنَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ حَقَّانِ مُتَجَانِسَانِ فَقَدَّمْنَا أَقْوَاهُمَا مَعَ سَبْقِ مُقْتَضِيَةٍ، وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ أَوْلَدَ الْوَاقِفُ الْمَوْقُوفَةَ حَيْثُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ وَخَرَجَ مَا لَا يُقْصَدُ كَنَقْدٍ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ أَوْ الِاتِّجَارِ فِيهِ وَصُرِفَ رِبْحُهُ لِلْفُقَرَاءِ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِهِ كَمَا يَأْتِي وَمَا لَا يُفِيدُ نَفْعًا كَزَمِنٍ غَيْرِ مَرْجُوٍّ بُرْؤُهُ (لَا مَطْعُومٌ) بِالرَّفْعِ أَيْ وَقْفُهُ إذْ نَفْعُهُ بِإِهْلَاكِهِ (وَرَيْحَانٌ) مَحْصُودٌ لِسُرْعَةِ فَسَادِهِ، أَمَّا مَزْرُوعٌ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ لِلشَّمِّ لِبَقَائِهِ مُدَّةً كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ نَفْعٌ آخَرُ وَهُوَ التَّنَزُّهُ، وَلِهَذَا قَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَابْنُ الصَّلَاحِ: يَصِحُّ وَقْفُ الْمَشْمُومِ الدَّائِمِ النَّفْعِ كَالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ بِخِلَافِ عُودِ الْبَخُورِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهِ، فَإِلْحَاقُ جَمْعِ الْعُودِ بِالْعَنْبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى عُودٍ يُنْتَفَعُ بِهِ بِدَوَامِ شَمِّهِ
(وَيَصِحُّ وَقْفُ عَقَارٍ) بِالْإِجْمَاعِ (وَمَنْقُولٍ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ (وَمُشَاعٍ) وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ حِصَّتِهِ أَوْ صِفَتِهَا لِأَنَّ وَقْفَ عُمَرَ السَّابِقِ كَانَ مُشَاعًا، وَلَا يَسْرِي لِلْبَاقِي، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ وُقِفَ الْمُشَاعُ مَسْجِدًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُكْثُ فِيهِ وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا وَمَا نُوزِعَ بِهِ مَرْدُودٌ، وَتَجْوِيزُ الزَّرْكَشِيّ الْمُهَايَأَةَ هُنَا بَعِيدٌ إذْ لَا نَظِيرَ لِكَوْنِهِ مَسْجِدًا فِي يَوْمٍ وَغَيْرَ مَسْجِدٍ فِي آخَرَ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا مَرَّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ مَسْجِدًا هُوَ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَمْلِ تَفْسِيرٍ فِيهِ قُرْآنٌ بِأَنَّ الْمَسْجِدِيَّةَ هُنَا شَائِعَةٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَلَمْ يُمْكِنْ تَبَعِيَّةُ الْأَقَلِّ لِلْأَكْثَرِ إذْ لَا تَبَعِيَّةَ إلَّا مَعَ التَّمْيِيزِ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ عَنْ التَّفْسِيرِ، فَاعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ لِيَكُونَ الْبَاقِي تَابِعًا لَهُ.
أَمَّا جَعْلُ الْمَنْقُولِ مَسْجِدًا كَفُرُشٍ وَثِيَابٍ فَمَوْضِعُ تَوَقُّفٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ مِثْلُهُ، وَكُتُبُ الْأَصْحَابِ سَاكِتَةٌ عَنْ تَنْصِيصٍ بِجَوَازٍ أَوْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ صِحَّةَ إلَخْ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ ابْتِدَاءً وَبُطْلَانِهِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ لِحُصُولِ الْعِتْقِ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا: أَيْ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ السَّيِّدُ بَعْدَ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: حَقَّانِ مُتَجَانِسَانِ) وَهُمَا الْوَقْفُ وَالْعِتْقُ وَتَجَانُسُهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلًّا حَقُّ اللَّهِ (قَوْلُهُ كَنَقْدٍ لِلتَّزَيُّنِ) وَمِثْلُهُ وَقْفُ الْجَامِكِيَّةِ، لِأَنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ وَهِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ، وَمَا يَقَعُ مِنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ فِي الْفَرَاغِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْجَامِكِيَّةِ لِيَكُونَ لِبَعْضِ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ مِنْ وَقْفِهَا بَلْ بِفَرَاغِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا وَصَارَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِمَنْ شَاءَ حَيْثُ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً، وَلِغَيْرِهِ نَقْضُهُ إذَا رَأَى فِي النَّقْدِ مَصْلَحَةً
(قَوْلُهُ: وَمَنْقُولٌ) حَيَوَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ إذَا أَشْرَفَ الْحَيَوَانُ عَلَى الْمَوْتِ ذُبِحَ إنْ كَانَ مَأْكُولًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِي لَحْمِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَوْ الْمُعَارَةِ لَهُمَا إذَا قُلِعَا مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إلَخْ، وَمَحِلُّهُمَا حَيْثُ لَمْ يَتَأَتَّ شِرَاءُ حَيَوَانٍ أَوْ جُزْئِهِ بِثَمَنِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْرِي لِلْبَاقِي) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ مُوسِرًا بِخِلَافِ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُكْثُ فِيهِ) قَرَّرَ م ر أَنَّهُ يُطْلَبُ التَّحِيَّةُ لِدَاخِلِهِ وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَلَا الِاقْتِدَاءُ مَعَ التَّبَاعُدِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ اهـ سم عَلَى حَجّ، وَرَاجِعْ مَا ذَكَرَهُ فِي طَلَبِ التَّحِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ) أَيْ فَوْرًا، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إفْرَازًا وَهُوَ مُشْكِلٌ اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ آخَرَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ أَمْكَنَتْهُ الْقِسْمَةُ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ كَأَنْ جَهِلَ مِقْدَارَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَا يَشْمَلُ هَذَا بِمُجَرَّدِهِ
(قَوْلُهُ: أَوْ صِفَتُهَا) لَعَلَّ صُورَتَهُ أَنَّهُ يَجْهَلُ صِفَةَ مَا مِنْهُ الْحِصَّةُ بِأَنْ لَمْ يَرَهُ. (قَوْلُهُ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ حُرْمَةُ مُكْثِ الْجُنُبِ فِيهِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ مَسْجِدًا هُوَ الْأَقَلُّ. (قَوْلُهُ: فَمَوْضِعُ تَوَقُّفٍ) أَيْ: مَا لَمْ يَثْبُتْ بِنَحْوِ سَهْوٍ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ كَذَلِكَ فَلَا تُوقَفُ فِيهِ صِحَّةُ وَقْفِيَّتِهِ مَسْجِدًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّارِحُ
مَنْعٍ، وَإِنْ فُهِمَ مِنْ إطْلَاقِهِمْ الْجَوَازُ فَالْأَحْوَطُ الْمَنْعُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَاوِي، وَمَا نُسِبَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ إفْتَائِهِ بِالْجَوَازِ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ (لَا) وَقْفُ (عَبْدٍ وَثَوْبٍ فِي الذِّمَّةِ) لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ عَيْنٍ، نَعَمْ يَجُوزُ الْتِزَامُهُ فِيهَا بِالنَّذْرِ (وَلَا وَقْفُ حُرٍّ نَفْسَهُ) لِأَنَّ رَقَبَتَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُ (وَكَذَا مُسْتَوْلَدَةٌ) لِعَدَمِ قَبُولِهَا لِلنَّقْلِ كَالْحُرِّ وَمِثْلُهَا الْمُكَاتَبُ، أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً عَلَى الْأَوْجَهِ، بِخِلَافِ ذِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ إذْ الْمُغَلِّبُ فِيهِ التَّعْلِيقُ، وَمَرَّ فِي الْمُعَلَّقِ صِحَّةُ وَقْفِهِ (وَكَلْبٌ مُعَلَّمٌ) أَوْ غَيْرُ مُعَلَّمٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُعَلَّمِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ (وَأَحَدُ عَبْدَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) كَالْبَيْعِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهِ يَقِيسُ الْوَقْفَ عَلَى الْعِتْقِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ يَقِيسُ وَقْفَهُ عَلَى إجَارَتِهِ: أَيْ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ فِيهَا، وَفَارَقَ الْعِتْقُ بِأَنَّهُ أَقْوَى وَأَنْفَذُ لِسِرَايَتِهِ وَقَبُولِهِ التَّعْلِيقَ
(وَلَوْ)(وَقَفَ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ) إجَارَةً صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً أَوْ مُسْتَعَارَةً مَثَلًا (لَهُمَا) ثَنَّاهُ مَعَ أَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ لِأَنَّهَا بَيْنَ ضِدَّيْنِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ) لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ إذْ لِمَالِكِ الْأَرْضِ قَلْعُهُمَا فَلَا يَدُومُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا.
قُلْنَا يَكْفِي دَوَامُهُ إلَى الْقَلْعِ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَلَوْ قَلَعَ ذَلِكَ وَبَقِيَ مُنْتَفَعًا بِهِ فَهُوَ وَقْفٌ كَمَا كَانَ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَهُوَ يَصِيرُ مِلْكًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَوْقُوفِ بَقِيَ عَلَى شُيُوعِهِ وَلَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ قَبْلُ وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ حِصَّتِهِ لَكِنْ يَنْظُرُ طَرِيقَ انْتِفَاعِ الشَّرِيكِ بِحِصَّتِهِ وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: يَنْتَفِعُ مِنْهُ بِمَا لَا يُنَافِي حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ كَالصَّلَاةِ فِيهِ وَالْجُلُوسِ لِمَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ، وَلَا يَجْلِسُ فِيهِ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يُجَامِعُ زَوْجَتَهُ، وَيَجِبُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي شُغُلِهِ لَهُ عَلَى مَا يَتَحَقَّقُ أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: فَالْأَحْوَطُ الْمَنْعُ) أَيْ مَنْعُ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِيَّةِ، وَطَرِيقُ الصِّحَّةِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَنْ تَثْبُتَ فِي مَكَان بِنَحْوِ سَمْرٍ ثُمَّ تُوقَفَ وَلَا تَزُولُ وَقْفِيَّتُهَا بَعْدُ بِزَوَالِ سَمْرِهَا لِأَنَّ الْوَقْفِيَّةَ إذَا ثَبَتَتْ لَا تَزُولُ ثُمَّ مَا نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ أَجَابَ بِهِ م ر عَنْ سُؤَالٍ، صُورَتُهُ: لَوْ فَرَشَ إنْسَانٌ بِسَاطًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَسَمَّرَهُ ثُمَّ وَقَفَهُ مَسْجِدًا هَلْ يَصِحُّ وَقْفُهُ؟ فَأَجَابَ حَيْثُ وَقَفَ ذَلِكَ مَسْجِدًا بَعْدَ إثْبَاتِهِ صَحَّ اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فِي الشَّرْحِ أَمَّا جَعْلُ الْمَنْقُولِ إلَخْ مَحِلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ عَنْ الشَّيْخِ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ أَوْ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ وَلَوْ مَعَ إثْبَاتِهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْفَتَاوَى بِصِحَّةِ وَقْفِهِ مَعَ الْإِثْبَاتِ مُسْتَنِدًا فِيهِ لِغَيْرِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: إذْ الْمُغَلَّبُ فِيهِ التَّعْلِيقُ) قَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِ بِالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ لَا تُبْطِلُ، فَإِذَا أَدَّى النُّجُومَ عَتَقَ وَبَطَلَ الْوَقْفُ كَوُجُودِ الصِّفَةِ فِي وَقْفِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا قَبْلَهُ) أَيْ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ فِيهَا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَلْبِ دُونَ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ إجَارَتَهَا تَصِحُّ وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ وَفَارَقَ) أَيْ الْوَقْفَ
(قَوْلُهُ: أَوْ فَاسِدَةٌ) يُتَأَمَّلْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِنَاءً وَلَا غِرَاسًا حَتَّى لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلِّفَ الْقَلْعَ مَجَّانًا، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَبِنَاءٌ وَغِرَاسٌ وُضِعَا بِأَرْضٍ بِحَقٍّ اهـ.
وَالْبِنَاءُ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ إجَارَةً فَاسِدَةً لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ، هَذَا وَقَدْ مَرَّ لِلشَّارِحِ أَنَّ مَا قُبِضَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لَوْ بُنِيَ فِيهِ أَوْ غُرِسَ لَمْ يُقْلَعْ مَجَّانًا لِأَنَّ الْبَيْعَ وَلَوْ فَاسِدًا يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَالْمُعَارِ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، لَكِنْ قُدِّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ، فَمَا هُنَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ بِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بَيْنَ ضِدَّيْنِ) زَادَ حَجّ وَالِاسْتِحَالَةُ اجْتِمَاعُ حَقِيقَتِهِمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ) هُوَ وَاضِحٌ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ لِتَعَيُّنِ بَقَائِهَا، أَمَّا الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ وَالْعَارِيَّةُ فَالْمَالِكُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَلْعِهِمَا حَالًا فَلَا بَقَاءَ لَهُمَا فَأَشْبَهَا الْمَغْصُوبَ اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى.
أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَغْصُوبِ بِأَنَّ لِمَالِكِ الْمَغْصُوبِ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مَجَّانًا، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَبَقِيَ مُنْتَفَعًا بِهِ) أَيْ: مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ لَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ
لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ يَرْجِعُ لِلْوَاقِفِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا، وَقَوْلُ الْجَمَّالِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ الصَّحِيحَ غَيْرُهُمَا وَهُوَ شِرَاءُ عَقَارٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْ عَقَارٍ وَهُوَ قِيَاسُ النَّظَائِرِ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَنَقَلَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ: وَيَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ مِنْ جِنْسِهِ مَا يُوقَفُ مَكَانَهُ مَحْمُولٌ عَلَى إمْكَانِ الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ، وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِهِ وَيَلْزَمُهُ بِالْقَلْعِ أَرْشُ نَقْصِهِ يُصْرَفُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَخَرَجَ بِنَحْوِ الْمُسْتَأْجَرَةِ الْمَغْصُوبَةُ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَا فِيهَا لِعَدَمِ دَوَامِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَهَذَا مُسْتَحِقُّ الْإِزَالَةِ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
لَا يُقَالُ: غَايَةُ أَمْرِهِ أَنْ يَكُونَ مَقْلُوعًا وَهُوَ يَصِحُّ وَقْفُهُ لِأَنَّا نَقُولُ: وَقْفُهُ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ مُلَاحَظٌ فِيهِ كَوْنُهُ غِرَاسًا قَائِمًا، بِخِلَافِ الْمَقْلُوعِ فَغَيْرُ مُلَاحَظٍ فِيهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ وَقْفٌ مَنْقُولٌ، وَيَصِحُّ شَرْطُ الْوَاقِفِ صَرْفَ أُجْرَةِ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لَهُمَا مِنْ رَيْعِهِمَا إنْ لَمْ تَلْزَمْ ذِمَّتَهُ الْأُجْرَةُ.
بِخِلَافِ مَا لَزِمَ ذَلِكَ بِعَقْدِ إجَارَةٍ أَوْ بِدُونِهِ فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ صَرْفِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ يُحْمَلُ الْكَلَامَانِ الْمُخْتَلِفَانِ
(فَإِنْ وَقَفَ) عَلَى جِهَةٍ فَسَيَأْتِي أَوْ (عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمْعٍ) هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ أَصْلِهِ جَمَاعَةً، وَحُصُولُ الْجَمَاعَةِ بِاثْنَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا اصْطِلَاحٌ يَخُصُّ ذَلِكَ الْبَابَ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ بِهِ، وَحُكْمُ الِاثْنَيْنِ يُعْلَمُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْوَاحِدِ الصَّادِقِ مَجَازًا بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ بِالِاثْنَيْنِ (اُشْتُرِطَ) عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ وَتَعْيِينُهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ مُعَيَّنٌ وَ (إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ) مِنْ الْوَاقِفِ فِي الْخَارِجِ بِأَنْ يُوجَدَ خَارِجًا مُتَأَهِّلًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ (فَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ عَلَى مَعْدُومٍ كَعَلَى مَسْجِدٍ سَيُبْنَى، أَوْ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدٍ لَهُ، أَوْ عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ فِيهِمْ فَقِيرٌ، أَوْ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ أَوْ قَبْرِ أَبِيهِ الْحَيِّ.
فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَفِيهِمْ فَقِيرٌ صَحَّ وَصُرِفَ لِلْحَادِثِ وُجُودُهُ فِي الْأُولَى أَوْ فَقْرُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَعْدُومِ تَبَعًا كَوَقَفْتُهُ عَلَى وَلَدِي ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ لَهُ كَعَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَكُلِّ مَسْجِدٍ سَيُبْنَى فِي تِلْكَ الْمُحَلَّةِ، وَسَيَذْكُرُ فِي نَحْوِ الْحَرْبِيِّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الشَّرْطَ بَقَاؤُهُ فَلَا يُرَدُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَيَلْزَمُهُ بِالْقَلْعِ أَرْشُ نَقْصِهِ.
فَكَانَ احْتِمَالُ الْبَقَاءِ فِيهِمَا بِالْأُجْرَةِ أَقْرَبَ مِنْهُ فِي الْمَغْصُوبِ فَصَحَّ وَقْفُهُمَا دُونَهُ، ثُمَّ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ وَيَلْزَمُهُ إلَخْ مِنْ وُجُوبِ الْأَرْشِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مُوَافِقٌ لِمَا نُقِلَ عَنْ الْبَغَوِيّ فِيمَا لَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي الْأَرْضِ الْمَقْبُوضَةِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ يُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْقَلْعِ وَغُرْمِ أَرْشِ النَّقْصِ وَالتَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ وَالتَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ كَالْعَارِيَّةِ، وَمُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ لِلشَّارِحِ مِنْ أَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يَقْلَعُ مَجَّانًا (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ بِالْقَلْعِ) أَيْ الْمَالِكَ لِلْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ أَرْشُ نَقْصِهِ: أَيْ الْقَلْعُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مُسْتَحِقُّ الْإِزَالَةِ) وَمِنْهُ مَا لَوْ بَنَى فِي حَرِيمِ النَّهْرِ بِنَاءً وَوَقَفَهُ مَسْجِدًا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الزَّوَالِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْمَقْلُوعُ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَلْزَمْ ذِمَّتَهُ) أَيْ بِأَنْ وَجَبَتْ بَعْدَ الْوَقْفِ، بِخِلَافِ الَّتِي لَزِمَتْ ذِمَّتَهُ قَبْلُ فَإِنَّهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَشَرْطُ وَفَاءِ دَيْنِ الْوَاقِفِ مِنْ وَقْفِهِ بَاطِلٌ اهـ سم عَلَى حَجّ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ صَرْفِهِ) أَيْ بَلْ وَلَا الْوَقْفُ أَيْضًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى شَرْطِ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِهِ
(قَوْلُهُ: أَوْ قَبْرُ أَبِيهِ الْحَيِّ) وَوَجْهُ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهِ أَنَّ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ، قَالَ حَجّ هُنَا: عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي تَفْصِيلٌ فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ: أَيْ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ إلَخْ، وَعِبَارَتُهُ ثَمَّةَ: وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي أَوْ قَبْرِ أَبِي وَأَبُوهُ حَيٌّ، بِخِلَافِ وَقَفْته الْآنَ أَوْ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي فَإِنَّهُ وَصِيَّةٌ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أُجِيزَ وَعُرِفَ قَبْرُهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ بِدُونِهِ) لَعَلَّ صُورَتَهُ أَنَّهُ تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ أُجْرَةٌ فِي إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ ثُمَّ وَقَفَ وَشَرَطَ صَرْفَهَا مِنْ الْوَقْفِ
(قَوْلُهُ: فِي الْخَارِجِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ حَجّ
عَلَيْهِ هُنَا إيهَامُهُ الصِّحَّةَ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ تَمْلِيكِهِ وَلَا (عَلَى) أَحَدِ هَذَيْنِ وَلَا عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْهُ، بِخِلَافِ دَارِي عَلَى مَنْ أَرَادَ سُكْنَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَلَى مَيِّتٍ وَلَا عَلَى (جَنِينٍ) لِأَنَّ الْوَقْفَ تَسْلِيطٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ إذْ لَا يُسَمَّى وَلَدًا وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ.
نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ اسْتَحَقَّ مَعَهُمْ قَطْعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ قَدْ سَمَّى الْمَوْجُودِينَ أَوْ ذَكَرَ عَدَدَهُمْ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَدْخُلُ الْحَمْلُ الْحَادِثُ عُلُوقُهُ بَعْدَ الْوَقْفِ، فَإِذَا انْفَصَلَ اسْتَحَقَّ مِنْ غَلَّةِ مَا بَعْدَ انْفِصَالِهِ كَمَا مَرَّ.
وَأَمَّا إطْلَاقُ السُّبْكِيّ بَحْثًا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فَيُصْرَفُ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَنْفَصِلَ فَمُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ الرَّيْعِ يُوقَفُ لِانْفِصَالِهِ وَبَنُو زَيْدٍ لَا يَشْمَلُ بَنَاتِهِ، بِخِلَافِ بَنِي تَمِيمٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْقَبِيلَةِ (وَلَا عَلَى الْعَبْدِ) وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمِّ وَلَدٍ (لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ أَهْلٍ لِلْمِلْكِ.
نَعَمْ إنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ قُرْبَةٍ كَخِدْمَةِ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ صَحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ تِلْكَ الْجِهَةُ، أَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً وَصَدَّرَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَكَالْحُرِّ، أَوْ يَوْمَ نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَكَالْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً وُزِّعَ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ ابْنِ خَيْرَانَ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْبَعْضِ أَنْ يَقِفَ نِصْفَهُ الرَّقِيقَ عَلَى نِصْفِهِ الْحُرِّ فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِنِصْفِهِ الْحُرِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْأَوْجَهَ صِحَّتُهُ عَلَى مُكَاتَبِ غَيْرِهِ كِتَابَةً صَحِيحَةً لِأَنَّهُ يُمْلَكُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ نُقِلَ خِلَافُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ثُمَّ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْكِتَابَةِ صَرْفٌ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ أَيْضًا، وَإِلَّا فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ فَيَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ، هَذَا إنْ لَمْ يَعْجِزْ وَإِلَّا بَانَ بُطْلَانُهُ لِكَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ غَلَّتِهِ، أَمَّا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: الصِّحَّةُ عَلَيْهِ) أَيْ الْحَرْبِيِّ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُبَيِّنْهُ) أَيْ الْمَسْجِدَ (قَوْلُهُ: أَرَادَ سُكْنَاهَا) أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُعَيِّنُ مَنْ يَسْكُنُ فِيهَا مِمَّنْ أَرَادَ السُّكْنَى حَيْثُ نَازَعُوا النَّاظِرَ عَلَى الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ) أَيْ بِخِلَافِ نَحْوِ الذُّرِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْعُبَابِ كَالرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَكَذَا: أَيْ يَدْخُلُ فِي الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقِبِ الْحَمْلُ الْحَادِثُ فَتُوقَفُ حِصَّتُهُ اهـ.
وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَادِثِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الْمَوْجُودِ حَالَ الْوَقْفِ اهـ سم عَلَى حَجّ وَقَوْلُهُ فَتُوقَفُ حِصَّتُهُ يُخَالِفُ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِي فَإِنْ انْفَصَلَ اسْتَحَقَّ مِنْ غَلَّةِ مَا بَعْدَ انْفِصَالِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِتَوَقُّفِ حِصَّتِهِ عَدَمَ حِرْمَانِهِ إذَا انْفَصَلَ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْوَقْفِ) زَادَ فِي نُسْخَةٍ: يَعْنِي أَنَّهُ يُصْرَفُ لَهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ اهـ.
وَهِيَ شَامِلَةٌ لِمَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ فِي مُدَّةِ كَوْنِهِ حَمْلًا (قَوْلُهُ: فَيُصْرَفُ لِغَيْرِهِ) أَيْ مِنْ الْمَذْكُورِينَ فِي الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ إلَخْ) هَذَا يُخَالِفُ مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ انْفَصَلَ اسْتَحَقَّ مِنْ غَلَّةِ مَا بَعْدَ انْفِصَالِهِ فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ مُدَّةَ الْحَمْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَإِذَا قُلْنَا يُوقَفُ لِانْفِصَالِهِ فَأَيُّ جُزْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ يُوقَفُ مَعَ الْجَهْلِ بِعَدَدِ الْحَمْلِ مِنْ كَوْنِهِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ الْمُؤَدِّي إلَى تَعَذُّرِ الصَّرْفِ، وَقِيَاسُ الْمُعَامَلَةِ بِالْإِضْرَارِ فِي إرْثِ الْحَمْلِ أَنْ تُوقَفَ جَمِيعُ الْغَلَّةِ حَتَّى يَنْفَصِلَ وَتُقَدَّمَ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) أَيْ حَالَ كَوْنِهَا رَقِيقَةً كَمَا هُوَ الْفَرْضُ، وَأَمَّا مَا فِي الرَّوْضِ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِهِ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: وَقَفْت دَارِي مَثَلًا بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِي، أَوْ يُوصِي بِالْوَقْفِ عَلَيْهِنَّ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فَكَالْحُرِّ) يَنْبَغِي أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ عَيَّنَ الْوَاقِفُ شَيْئًا أُتْبِعَ حَتَّى لَوْ وَقَفَ فِي نَوْبَةِ الْمُبَعَّضِ عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ لِلْعَبْدِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الْمُهَايَأَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عُمِلَ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: الْأَوْجَهُ صِحَّتُهُ) أَيْ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: بِمَا أَخَذَهُ مِنْ غَلَّتِهِ) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْغَلَّةِ بَاقِيًا أَخَذَ مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ يُطَالِبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْيَسَارِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِإِمْكَانِ تَمْلِيكِهِ) عِلَّةٌ لِلْإِيهَامِ. (قَوْلُهُ: فَمُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ هُوَ عَيْنُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَحَاصِلُ الِاعْتِرَاضِ يُنَاقِضُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ) هَذَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهِ
مُكَاتَبُ نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وُقِفَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَيَأْتِي فِي إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لَهُ (فَإِنْ أُطْلِقَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ) كَمَا لَوْ وَهَبَ مِنْهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ وَيُقْبَلُ هُوَ إنْ شَرَطْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْآتِي وَإِنْ نَهَاهُ، سَيِّدُهُ عَنْهُ دُونَ السَّيِّدِ إنْ امْتَنَعَ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْوَصِيَّةِ
(وَلَوْ)(أُطْلِقَ الْوَقْفُ عَلَى بَهِيمَةٍ) مَمْلُوكَةٍ (لَغَا) لِاسْتِحَالَةِ مِلْكِهَا (وَقِيلَ هُوَ وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا) كَالْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ قَابِلٌ لَأَنْ يُمْلَكَ بِخِلَافِهَا، وَخَرَجَ بِأَطْلَقَ الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا أَوْ عَلَيْهَا بِقَصْدِ مَالِكِهَا وَبِالْمَمْلُوكَةِ الْمُسَبَّلَةِ فِي ثَغْرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيَصِحُّ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُسَبَّلَةِ وَمِنْ ثَمَّ نَقْلًا عَنْ الْمَتْبُولِيِّ عَدَمُ صِحَّتِهِ عَلَى الْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ، وَمَا نُوزِعَا بِهِ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا يَأْتِي أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْجِهَةِ عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ يُرَدُّ بِأَنَّ هَذِهِ الْجِهَةَ لَا يُقْصَدُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا عُرْفًا وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا قُصِدَ حَمَّامُ مَكَّةَ بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ عُرْفًا كَانَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ صِحَّتَهُ عَلَيْهِ.
أَمَّا الْمُبَاحَةُ الْمُعَيَّنَةُ فَلَا يَصِحُّ عَلَيْهِ جَزْمًا عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ
(وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ وَلَوْ مِنْ مُسْلِمٍ (عَلَى ذِمِّيٍّ) مُعَيَّنٍ مُتَّحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ كَمَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ.
نَعَمْ لَوْ ظَهَرَ فِي تَعْيِينِهِ قَصْدُ مَعْصِيَةٍ كَالْوَقْفِ عَلَى خَادِمِ كَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ لَغَا كَالْوَقْفِ عَلَى تَرْمِيمِهَا أَوْ وَقُودِهَا أَوْ حَصْرِهَا، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ كَقِنٍّ مُسْلِمٍ وَنَحْوِ مُصْحَفٍ فَلَوْ حَارَبَ ذِمِّيٌّ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ صَارَ الْوَقْفُ كَمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ أَوْ الْآخِرِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكَاتَبِ إذَا رُقَّ ظَاهِرٌ (لَا مُرْتَدٌّ وَحَرْبِيٌّ) لِأَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَلَا بَقَاءَ لَهُمَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ نَحْوِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَإِنْ كَانَا دُونَهُ فِي الْإِهْدَارِ إذْ لَا تُمْكِنُ عِصْمَتُهُ بِحَالٍ بِخِلَافِهِمَا بِأَنَّ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا مُنَابَذَةً لِعِزَّةِ الْإِسْلَامِ لِتَمَامِ مُعَانَدَتِهِمَا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِهِ لَا سِيَّمَا وَالِارْتِدَادُ يُنَافِي الْمِلْكَ وَالْحِرَابَةُ سَبَبُ زَوَالِهِ فَلَا يُنَاسِبُهُمَا التَّحْصِيلُ، أَمَّا الْمُعَاهَدُ وَالْمُؤَمَّنُ فَيَلْحَقَانِ بِالْحَرْبِيِّ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الدَّمِيرِيِّ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ الْمَفْهُومُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ) أَيْ فَلَوْ قَصَدَ بِالْوَقْفِ سَيِّدَ الْعَبْدِ أَوْ أَطْلَقَ وَقُلْنَا بِالْمَصْلَحَةِ أَوْ وَقَفَ عَلَى الْبَهِيمَةِ وَقَصَدَ مَالِكَهَا أَوْ عَلَى عَلَفِهَا ثُمَّ بَاعَ الْمَالِكُ لِلْعَبْدِ أَوْ الْبَهِيمَةِ إيَّاهُمَا فَهَلْ يَبْقَى الْمَوْقُوفُ لَهُ أَوْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ تَفْصِيلًا وَلَا يَبْعُدُ مَجِيئُهُ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ بِأَنَّ الْوَقْفَ (قَوْلُهُ: كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ فِي الْوَصِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى بَهِيمَةٍ وَلَوْ أَطْلَقَ أَوْ وَقَفَ عَلَى عَلَفِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلْمِلْكِ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَالِكَهَا فَهُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: يَقْصِدُ مَالِكُهَا) يَنْبَغِي رُجُوعُهُ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُبَاحَةُ) أَيْ الطُّيُورُ الْمُبَاحَةُ
(قَوْلُهُ: عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ) وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: يُشْرَطُ الْوَسَطُ) أَيْ إنْ ذَكَرَ بَعْدَ الذِّمِّيِّ مَصْرِفًا: أَيْ فَيُصْرَفُ لِأَقْرَبِ رَحِمِ الْوَاقِفِ مَا دَامَ حَيًّا، ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ الذِّمِّيِّ لِمَنْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ بَعْدَهُ أَوْ الْآخَرِ فَيُصْرَفُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْآنَ إنْ عَيَّنَ الْوَاقِفُ جِهَةً وَإِلَّا فَلِأَقْرَبِ رَحِمِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) أَيْ مَا بَحَثَهُ مِنْ أَنَّهُ كَمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ أَوْ الْآخِرِ، ثُمَّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ تَرَكَ الْمُحَارَبَةَ وَالْتَزَمَ الْجِزْيَةَ هَلْ يَعُودُ اسْتِحْقَاقُهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ فَفَسَقَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ عَادَ عَدْلًا مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ اسْتِحْقَاقُهُ هُنَا (قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ) وَهُوَ أَنَّهُ بِالْعَجْزِ عَنْ الْكِتَابَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ حَتَّى إنَّ السَّيِّدَ يَسْتَحِقُّ مَا كَسَبَهُ فِي مُدَّةِ كِتَابَتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِحَرَابَتِهِ الْآنَ بَقَاءَ حِرَابَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا مُرْتَدٌّ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْهُ.
لَا يُقَالُ: إنَّهُ مَوْقُوفٌ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَ صِحَّتَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَاكَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُهُ كَالْبَيْعِ وَالْوَقْفِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِبُطْلَانِهِ مِنْ الْمُرْتَدِّ مِنْ أَصْلِهِ وَلَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَبَيَّنَ نَحْوَ الزَّانِي الْمُحْصَنِ) أَيْ حَيْثُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ دُونَهُمَا (قَوْلُهُ: فَيَلْحَقَانِ بِالْحَرْبِيِّ) أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مُنْقَطِعَ الْآخِرِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مُتَجَوِّزٌ بِقَوْلِهِ فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ وَالِاقْتِصَارَ عَلَى قَوْلِهِ فَيَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ إلَخْ
. (قَوْلُهُ: وَمَا نُوزِعَا بِهِ مُسْتَدِلِّينَ) أَيْ: الْمُنَازَعِينَ، وَفِيهِ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْ الْفَاعِلِ الْمَحْذُوفِ فَانْظُرْ هَلْ هُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْتِحَاقِهِ
مِنْ كَلَامِهِمْ، وَرَجَّحَ الْغَزِّيِّ إلْحَاقَهُمَا بِالذِّمِّيِّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ إنْ حَلَّ بِدَارِنَا مَا دَامَ فِيهَا، فَإِذَا رَجَعَ صُرِفَ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَخَصَّ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ اللُّبَابِ، أَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى الْحَرْبِيَّيْنِ أَوْ الْمُرْتَدَّيْنِ فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ فِيمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ بِالْمُحَارَبَةِ أَنَّهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ
(وَنَفْسُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ أَوْ مَنَافِعَ مِلْكِهِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ، وَيَمْتَنِعُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَاخْتِلَافُ الْجِهَةِ إذْ اسْتِحْقَاقُهُ وَقْفًا غَيْرُهُ مِلْكًا الَّذِي نُظِرَ لَهُ مُقَابِلٌ الْأَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ، وَمِنْهُ أَنْ يَشْتَرِطَ نَحْوَ قَضَاءِ دَيْنِهِ مِمَّا وَقَفَهُ، أَوْ انْتِقَاعِهِ بِهِ، أَوْ شُرْبِهِ مِنْهُ، أَوْ مُطَالَعَتِهِ فِي الْكِتَابِ، أَوْ طَبْخِهِ فِي الْقِدْرِ، أَوْ اسْتِعْمَالِهِ مِنْ بِئْرٍ أَوْ كُوزٍ وُقِفَ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ الْفُقَرَاءِ، فَيَبْطُلُ الْوَقْفُ بِذَلِكَ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ هُنَا، وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ جَوَازَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ فِي وَقْفِهِ لِبِئْرِ رُومَةَ دَلْوِي فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ بَلْ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ الِانْتِفَاعَ بِوَقْفِهِ الْعَامِّ كَالصَّلَاةِ بِمَسْجِدٍ وَقَفَهُ وَالشُّرْبِ مِنْ بِئْرٍ وَقَفَهَا.
نَعَمْ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُضَحَّى عَنْهُ صَحَّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ بِصِحَّةِ شَرْطِ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْهُ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الثَّوَابِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَقْفِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا حَالَ الْوَقْفِ كَمَا فِي الْكَافِي وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيَصِحُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَلَا يَصِحُّ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: إنْ حَلَّ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُ فَإِذَا رَجَعَ أَيْ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: صُرِفَ لِمَنْ بَعْدَهُ) أَيْ وَهُوَ الْفُقَرَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الذِّمِّيِّ إذَا حَارَبَ أَنَّهُ يَصِيرُ كَمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ حَيْثُ ذَكَرَ بَعْدَهُ جِهَةً يُصْرَفُ إلَيْهَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَوْضُوعَ الذِّمَّةِ عَلَى عَدَمِ النَّقْصِ مَا بَقِيَ الذِّمِّيُّ، بِخِلَافِ الْعَهْدِ وَالْأَمَانِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْضُوعُهُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَانْتِقَالُهُ لِدَارِ الْحَرْبِ كَالْمُحَقَّقِ، فَكَأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الِاسْتِحْقَاقَ إلَّا بِالْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ فَلَمْ يُجْزِ فِيهِ كَوْنُهُ كَمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ بَلْ جَزَمَ فِيهِ بِانْتِقَالِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْمُدَّةَ الْأُولَى (قَوْلُهُ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ الْحَرْبِيِّ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لَفْظَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ مِنْ جُمْلَةِ صِيغَتِهِ فَلَا تَتَقَيَّدُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا الَّذِي قَالَ بِهِ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ بِمَا لَوْ قَالَ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَصْفَ بِالْحَرْبِيِّ أَوْ الْمُرْتَدِّ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْوَقْفِ عَلَيْهِ الْحِرَابَةِ أَوْ الرِّدَّةُ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِعَلِيَّةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ وَقَفْت دَارِي عَلَى مَنْ يَرْتَدُّ أَوْ يُحَارِبُ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُهُ بِالْمُحَارَبَةِ: أَيْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَوْلُهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ أَيْ فَيَصِحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ) لَا يَقْوَى عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ التَّعَذُّرِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ انْتِفَاعُهُ) أَيْ وَلَوْ بِالصَّلَاةِ فِيمَا وَقَفَهُ مَسْجِدًا اهـ حَجّ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَبْطُلُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَنَقَلَهُ عَنْ تَصْرِيحِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ رَادًّا بِهِ عَلَى مَنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ صِحَّةَ الْوَقْفِ وَبُطْلَانَ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: فَيَبْطُلُ الْوَقْفُ) وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبُطْلَانِ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ أَنَّ شَخْصًا وَقَفَ نَخِيلًا عَلَى مَسْجِدٍ بِشَرْطِ أَنْ تَكُون ثَمَرَتُهَا لَهُ وَالْجَرِيدُ وَاللِّيفُ وَالْخَشَبُ وَنَحْوُهَا لِلْمَسْجِدِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ وَقَفَ جَرِيدَ النَّخْلِ أَوْ لِيفَهُ مَثَلًا هَلْ يَشْمَلُ الْحَادِثَ وَالْمَوْجُودَ أَوْ الْمَوْجُودَ فَقَطْ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.
وَمَحِلُّ التَّرَدُّدِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمَوْجُودِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْجَرِيدُ، فَإِنْ نَصَّ عَلَيْهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَادِثُ (قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ) هَذَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِنَفْسِهِ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ فِي وَقْفِ نَحْوِ الْبِئْرِ وَالْمَسْجِدِ يَضُرُّ فَتَأَمَّلْهُ وَرَاجِعْهُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ بِشَرْطِهِ ذَلِكَ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ فَأَشْبَهَ الْوَقْفَ عَلَى نَفْسِهِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: أَوْ شُرْبُهُ مِنْهُ أَوْ مُطَالَعَتُهُ فِي الْكِتَابِ، صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ) أَيْ كَأَحَدِهِمْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ صَحَّ) اُنْظُرْ هَلْ لِهَذِهِ الْأُضْحِيَّةَ حُكْمُ سَائِرِ الضَّحَايَا وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ
شَرْطُهُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِمُقَابِلٍ إنْ كَانَ بِقَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ كَمَا قَيَّدَهُ بِذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ.
وَمِنْ الْحِيَلِ فِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ أَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ وَيَذْكُرَ صِفَاتِ نَفْسِهِ فَيَصِحَّ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَعَمِلَ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَوَقَفَ عَلَى الْأَفْقَهِ مِنْ بَنِي الرِّفْعَةِ وَكَانَ يَتَنَاوَلُهُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فَأَبْطَلُوهُ إنْ انْحَصَرَتْ الصِّفَةُ فِيهِ وَإِلَّا صَحَّ، قَالَ: وَهُوَ أَقْرَبُ لِبُعْدِهِ عَنْ قَصْدِ الْجِهَةِ وَأَنْ يُؤَجِّرَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ يَقِفَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا ثُمَّ يَتَصَرَّفَ فِي الْأُجْرَةِ أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ لِيَنْفَرِدَ بِالْيَدِ وَيَأْمَنَ خَطَرَ الدَّيْنِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَأَنْ يَسْتَحِكُمْ فِيهِ مَنْ يَرَاهُ، وَلَوْ أَقَرَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى جِهَاتٍ مُفَصَّلَةٍ بِأَنَّ حَاكِمًا يَرَاهُ حُكِمَ بِهِ وَبِلُزُومِهِ وَآخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ وَنُقِضَ الْوَقْفُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْبُرْهَانُ الْمَرَاغِيَّ، وَالْأَوْجَهُ مَا أَفْتَى بِهِ التَّاجُ الْفَزَارِيّ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَتَلَقَّى مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَالَ هَذَا وَقْفٌ عَلَيَّ وَسَيَأْتِي مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ لَا يَمْنَعُ الشَّافِعِيَّ بَاطِنًا مِنْ بَيْعِهِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ، قَالَ: لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَمْنَعُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ سِيَاسَةً شَرْعِيَّةً، وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ، لَكِنْ رَدَّهُ جَمْعٌ بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحِلِّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعْلِيلُهُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي مَوَاضِعِ نُفُوذِهِ بَاطِنًا، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَرَتُّبَ الْآثَارِ عَلَيْهِ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَنَحْوِهِمَا.
وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ بِرَفْعِ الْخِلَافِ وَيَصِيرُ الْأَمْرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ
(وَإِنْ)(وَقَفَ) مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ (عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ كَعِمَارَةِ) نَحْوِ (الْكَنَائِسِ) الْمَقْصُودَةِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بِقَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ) أَيْ أَمَّا إنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ وَجَعَلَ لِلنَّاظِرِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ يَمْتَنِعْ كَمَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ هَذِهِ الْأُمُورَ (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّ) أَيْ ابْنَ الرِّفْعَةِ، وَقَوْلَهُ يَتَنَاوَلُهُ: أَيْ يَأْخُذُ غَلَّتَهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَصَرَّفُ فِي الْأُجْرَةِ) وَلَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ الْوَقْفِ عَادَتْ الْمَنَافِعُ لِلْوَاقِفِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْإِجَارَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ: مَنْ يَرَاهُ) أَيْ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ كَالْحَنَفِيِّ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ يَتَلَقَّى) أَيْ فَلَا يَبْطُلُ فِي حَقِّهِ وَلَا حَقِّ مَنْ يَتَلَقَّى مِنْهُ (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي) قَالَ حَجّ قَبِيلَ الْفَصْلِ اهـ (قَوْلُهُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ) أَيْ وَلَوْ حَاكِمَ ضَرُورَةٍ.
وَمَحِلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ صَدَرَ حُكْمٌ صَحِيحٌ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ.
أَمَّا لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ الْحَنَفِيُّ مَثَلًا حَكَمْت بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَبِمُوجِبِهِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ دَعْوَى فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا بَلْ هُوَ إفْتَاءٌ مُجَرَّدٌ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَكَأَنْ لَا حُكْمَ فَيَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ
(قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ) اُنْظُرْ هَلْ الْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الْوَاقِفِ أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ بِعَقِيدَتِهِمَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْوَاقِفِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْفِعْلِ فَتُعْتَبَرُ عَقِيدَتُهُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَنْزِلُهُ الْمَارَّةُ فَيَصِحُّ أَوْ عَلَى مَا لِلتَّعَبُّدِ فَيَبْطُلُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ لِشَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ عَلَى عِمَارَةِ الْكَنَائِسِ لَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ فَهَلْ يَبْطُلُ، أَفْتَى شَيْخُنَا صَالِحٌ بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهَا الْوَقْفُ عَلَى مَصَالِحِهَا الْمَمْنُوعِ وَهُوَ مَا كَانَ يَظْهَرُ اهـ (قَوْلُهُ نَحْوَ الْكَنَائِسِ) وَصَرِيحُ مَا ذَكَرَ أَنَّ هَذَا إذَا صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ يَكُونُ مَعْصِيَةً فَقَطْ وَلَا يَكْفُرُ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ فَعَلَ أَمْرًا مُحَرَّمًا لَا يَتَضَمَّنُ قَطْعَ الْإِسْلَامِ، لَكِنْ نَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ شَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ أَنَّ عِمَارَةَ الْكَنِيسَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَعْظِيمٌ لِغَيْرِ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُضَحَّى عَنْهُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِقَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ) أَيْ: وَإِلَّا بَطَلَ الْوَقْفُ، كَذَا فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَقْرَبُ) لَعَلَّهُ سَقَطَ قَبْلَ لَفْظِ قَالَ السُّبْكِيُّ إذْ هُوَ كَذَلِكَ فِي التُّحْفَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ اسْتَوْجَهَ هُوَ الصِّحَّةَ. (قَوْلُهُ: لِبُعْدِهِ عَنْ قَصْدِ الْجِهَةِ) تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ يَتَلَقَّى مِنْهُ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ مَنْ يَتَلَقَّى مِنْهُ
لِلتَّعَبُّدِ وَتَرْمِيمِهَا وَإِنْ مَكَّنَّاهُمْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَوْ قَنَادِيلِهَا أَوْ كِتَابَةِ نَحْوِ التَّوْرَاةِ (فَبَاطِلٌ) لِكَوْنِهِ إعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ.
نَعَمْ مَا فَعَلَهُ ذِمِّيٌّ لَا نُبْطِلُهُ إلَّا إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا وَإِنْ قَضَى بِهِ حَاكِمُهُمْ لَا مَا وَقَفُوهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ عَلَى كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ فَلَا نُبْطِلُهُ بَلْ نُقِرُّهُ حَيْثُ نُقِرُّهَا، أَمَّا نَحْوُ كَنِيسَةٍ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ أَوْ لِسُكْنَى قَوْمٍ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ فِيمَا يَظْهَرُ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَعَلَى نَحْوِ قَنَادِيلِهَا وَإِسْرَاجِهَا وَإِطْعَامِ مَنْ يَأْتِي إلَيْهَا مِنْهُمْ لِانْتِقَاءِ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ رِبَاطٌ لَا كَنِيسَةٌ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ جَرَى هُنَا جَمِيعُ مَا يَأْتِي ثُمَّ، وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَنَّهُ يَقِفُ مَا لَهُ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ حَالَ صِحَّتِهِ قَاصِدًا بِذَلِكَ حِرْمَانَ إنَاثِهِمْ، وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِ (أَوْ) عَلَى (جِهَةِ قُرْبَةٍ كَالْفُقَرَاءِ) وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا فُقَرَاءُ الزَّكَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ. نَعَمْ الْمُكْتَسِبُ كِفَايَتَهُ وَلَا مَالَ لَهُ يَأْخُذُهَا (وَالْعُلَمَاءُ) وَهُمْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْمَدَارِسِ وَالْكَعْبَةِ وَالْقَنَاطِرِ وَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى فَيَخْتَصُّ بِهِ مَنْ لَا تَرِكَةَ لَهُ وَلَا مُنْفِقَ (صَحَّ) لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْوَقْفِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ عَلَى جَمَادٍ لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ رَاجِعٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا لِانْقِطَاعِ الْعُلَمَاءِ دُونَ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الدَّوَامَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ إمْكَانِ حَصْرِ الْجِهَةِ، فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ كَالْوَقْفِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ صَحَّ كَذَلِكَ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ (أَوْ) عَلَى (جِهَةٍ لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِجِهَةِ الْقُرْبَةِ مَا ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُهَا وَإِلَّا فَالْوَقْفُ كُلُّهُ قُرْبَةٌ (كَالْأَغْنِيَاءِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا يَجُوزُ بَلْ تُسَنُّ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ، فَالْمُرَاعَى انْعِقَادُ الْمَعْصِيَةِ عَنْ الْجِهَةِ فَقَطْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ كَالْوَصِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحْسَنَّا بُطْلَانَهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْفُسَّاقِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَمَعْنًى، وَتَمْثِيلُ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ، وَمَنْ زَعَمَ عَدَمَ صِحَّتِهِ مَعَ سَنِّ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فَكَيْفَ لَا يَظْهَرُ فِيهِمْ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فَقَدْ وَهَمَ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَا يَظْهَرُ وَلَا يُوجَدُ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ فِيهِ تَعْظِيمُ غَيْرِ الْإِسْلَامِ مَعَ إنْكَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ وَبِتَسْلِيمِهِ فَمُجَرَّدُ تَعْظِيمِهِ مَعَ اعْتِقَادِ حَقِّيَّةَ الْإِسْلَامِ لَا يَضُرُّ أَيْضًا لِجَوَازِ كَوْنِ التَّعْظِيمِ لِضَرُورَةٍ فَهُوَ تَعْظِيمٌ ظَاهِرِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ، فَإِنْ صَحَّ مَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ حُمِلَ عَلَى تَعْظِيمٍ يُؤَدِّي إلَى حَقَارَةِ الْإِسْلَامِ كَاسْتِحْسَانِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دِينُهَا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ مَعَ التَّعْظِيمِ
(قَوْلُهُ: لِلتَّعَبُّدِ) أَيْ وَلَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ، وَقَوْلُهُ إلَّا إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا: أَيْ فَنُبْطِلُهُ وَإِنْ قَضَى إلَخْ (قَوْلُهُ: بَلْ نُقِرُّهُ حَيْثُ نُقِرُّهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ شُرُوطَهُ عِنْدَهُمْ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ فِي شَرِيعَتِنَا مُعْتَبَرًا فِي شَرِيعَتِهِمْ حِين كَانَتْ حَقًّا (قَوْلُهُ: لِنُزُولِ الْمَارَّةِ) أَيْ وَلَوْ ذِمِّيِّينَ (قَوْلُهُ: حَالَ صِحَّتِهِ) أَيْ أَمَّا فِي حَالِ مَرَضِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْإِنَاثِ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الْبَاقِينَ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ) أَيْ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَا مَالَ لَهُ) قَضِيَّةُ تَخْصِيصِ الِاسْتِدْرَاكِ بِمَا ذَكَرَ أَنَّ مَنْ لَهُ مَالٌ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ لَا يَأْخُذُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فَقِيرًا فِي الزَّكَاةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْفَقِيرِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْمِسْكِينَ فَمَنْ لَهُ مَالٌ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ لَكِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ فَقِيرٌ (قَوْلُهُ: وَالْعُلَمَاءُ) أَيْ وَيُصْرَفُ لَهُمْ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ (قَوْلُهُ: عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ صَحَّ) وَعَلَى الصِّحَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِي الصَّرْفَ لِثَلَاثَةٍ، لَكِنْ لَا يَتَّجِهُ هُنَا إذَا فَضَلَ الرُّبُعُ عَنْ كِفَايَتِهِمْ لَا سِيَّمَا مَعَ احْتِيَاجِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِجِهَةِ الْوَقْفِ خَاصَّةً حَتَّى يُخْرِجَ نَحْوَ الزَّوْجَةِ فَلَا يَسْرِي عَلَيْهِ أَوْ الْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَضَى بِهِ حَاكِمُهُمْ) أَيْ: فَنُبْطِلُهُ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا (قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ إلَخْ) هَذَا التَّعْبِيرُ يُوهِمُ ابْتِدَاءً أَنَّ مَا سَيَذْكُرُهُ يُخَالِفُ حُكْمَ مَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى خِلَافَ هَذَا التَّعْبِيرِ. (قَوْلُهُ: لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَظْهَرُ وَلَا يُوجَدُ) قَدْ يُقَالُ: لَيْسَ هَذَا حَقَّ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُمَا بَلْ ادَّعَى الظُّهُورَ فِي الْإِغْيَاءِ الَّذِي نَفَاهُ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ حَقُّ الْجَوَابِ إنَّمَا هُوَ
وَلَوْ حَصَرَهُمْ كَأَغْنِيَاءِ أَقَارِبِهِ صَحَّ جَزْمًا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَالْغَنِيُّ هُنَا مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، قَالَهُ الزَّبِيلِيُّ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ اعْتِبَارَ الْعُرْفِ ثُمَّ تَشَكَّكَ فِيهِ
(وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ مِنْ نَاطِقٍ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ (إلَّا بِلَفْظٍ) وَلَا يَأْتِي فِيهِ خِلَافُ الْمُعَاطَاةِ وَفَارَقَ نَحْوَ الْبَيْعِ بِأَنَّهَا عُهِدَتْ فِيهِ جَاهِلِيَّةٌ فَأَمْكَنَ تَنْزِيلُ النَّصِّ عَلَيْهَا، وَلَا كَذَلِكَ الْوَقْفُ، فَلَوْ بَنَى بِنَاءً عَلَى هَيْئَةِ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ وَأَذِنَ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَوْ الدَّفْنِ فِيهِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ مِلْكِهِ. نَعَمْ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي الْمَوَاتِ تَكْفِي النِّيَّةُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إخْرَاجُ الْأَرْضِ الْمَقْصُودَةِ بِالذَّاتِ عَنْ مِلْكِهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى لَفْظٍ قَوِيٍّ يُخْرِجُهُ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بِاسْتِقْرَارِهَا فِي مَحِلِّهَا مِنْ الْبِنَاءِ لَا قَبْلَهُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ؛ هِيَ لِلْمَسْجِدِ، وَيَقْبَلُ نَاظِرُهُ لَهُ ذَلِكَ وَيَقْبِضُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ، وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ: لَوْ عَمَرَ مَسْجِدًا خَرَابًا وَلَمْ يَقِفْ الْآلَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ، يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَبْنِ بِقَصْدِ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْلُ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا إذَا بَنَى بِقَصْدِ ذَلِكَ، وَفِي كَلَامِ الْبَغَوِيّ مَا يَرُدُّ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ، وَأَلْحَقَ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ الْمَدَارِسَ وَالرُّبُطَ وَالْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا مِنْهُ أَيْضًا الْبِئْرَ الْمَحْفُورَةَ لِلسَّبِيلِ وَالْبُقْعَةَ الْمُحَيَّاةَ مَقْبَرَةً.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَا لَوْ أَخَذَ مِنْ النَّاسِ شَيْئًا لِيَبْنِيَ بِهِ زَاوِيَةً أَوْ رِبَاطًا فَيَصِيرَ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ بِنَائِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
غَيْرِهِمْ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَظَاهِرُهُ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ لَهُمْ أَغْنِيَاءَ (قَوْلُهُ: مِنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ) أَيْ بِمَالٍ لَهُ لَا بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ لِمَا مَرَّ فِي الْفَقِيرِ اهـ.
لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَالْغَنِيُّ إلَخْ شَامِلٌ لِلْمُكْتَسِبِ السَّابِقِ إلْحَاقُهُ بِالْفُقَرَاءِ فِي الْأَخْذِ مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ، فَعَلَى هَذَا الشُّمُولِ يَلْزَمُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكْتَسِبُ الْمَذْكُورُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ وَمَعَ الْفُقَرَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَأْتِي فِيهِ) أَيْ الْوَقْفِ، وَقَوْلُهُ وَفَارَقَ الْبَيْعَ: أَيْ حَيْثُ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ فَأَمْكَنَ تَنْزِيلُ النَّصِّ عَلَيْهَا) وَهُوَ قَوْلُهُ " إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ " فَحُمِلَ عَلَى الْبَيْعِ الْمَعْرُوفِ لَهُمْ وَلَوْ بِالْمُعَاطَاةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَيَقْبِضُهُ) هُوَ وَاضِحٌ فِيمَا لَهُ نَاظِرٌ، أَمَّا مَا لَا نَاظِرَ لَهُ كَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا بِقَصْدِ الْمَسْجِدِيَّةِ فَإِنَّ مَا أَحْيَاهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا وَلَا نَاظِرَ لَهُ، فَإِذَا أَعَدَّ لَهُ آلَةً قَبْلَ الْإِحْيَاءِ ثُمَّ بَنَى بِهَا فِيهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَلَكَهَا مِنْ حِينِ الْإِعْدَادِ اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى: أَيْ وَأَمَّا مَا أَعَدَّهُ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ لِنَحْوِ تَرْمِيمِهِ أَوْ إكْمَالِ بِنَائِهِ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بِاسْتِقْرَارِهِ فِي مَحِلِّهِ إلَخْ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ يَكُونُ لَا نَاظِرَ لَهُ ظَاهِرٌ فِيمَنْ شَرَعَ فِي إحْيَاءِ مَسْجِدٍ فِي مَوَاتٍ فَإِنَّهُ قَبْلَ تَمَامِ الْإِحْيَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِيَّةِ فَلَا نَاظِرَ لَهُ، أَمَّا بَعْدَ تَمَامِ الْإِحْيَاءِ فَيَكُونُ نَاظِرُهُ الْحَاكِمَ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الْبِنَاءِ فِي الْمَوَاتِ (قَوْلُهُ: لِيَبْنِيَ بِهِ زَاوِيَةً) وَاشْتَهَرَ عُرْفًا فِي الزَّاوِيَةِ أَنَّهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
ادِّعَاءُ مَنْعِ الظُّهُورِ
(قَوْلُهُ: وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْكِفَايَةِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ قَوْلِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ إلَخْ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَاعْتِرَاضُ الْقَمُولِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ إلَخْ) لَيْسَ فِيمَا رَأَيْته مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ لِهَذَا خَبَرٌ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَاعْتَرَضَ الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي تَوَقُّفُ مِلْكِهِ لِلْآلَةِ عَلَى قَبُولِ نَاظِرِهِ وَقَبْضِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآلَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْإِحْيَاءُ وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا نَاظِرَ لَهُ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَسْجِدِيَّةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُوجَدَ مِنْ الْبِنَاءِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ؛ وَإِذَا تَعَذَّرَ النَّاظِرُ حِينَئِذٍ اقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ أَنَّ مَا سَيَصِيرُ مَسْجِدًا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَلَكَ تِلْكَ الْآلَةَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، فَمَا قَالَهُ: أَيْ الْمَاوَرْدِيُّ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ آخِرًا) يَعْنِي صَاحِبَ الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَقَوْلُهُ: آخِرًا: أَيْ قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَقُلْ هِيَ لِلْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِمَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقَمُولِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ: أَيْ وَاعْتِرَاضِ غَيْرِهِمَا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لَهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ؛ إذْ الَّذِي يُمْكِنُ حَمْلُهُ إنَّمَا هُوَ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ لَا الِاعْتِرَاضُ الْمُقَدَّرُ الَّذِي
أَمَّا الْأَخْرَسُ فَيَصِحُّ بِإِشَارَتِهِ وَأَمَّا الْكَاتِبُ فَبِكِتَابَتِهِ مَعَ النِّيَّةِ (وَصَرِيحُهُ) مَا اُشْتُقَّ مِنْ لَفْظِ الْوَقْفِ، نَحْوَ (وَقَفْت كَذَا) عَلَى كَذَا (أَوْ أَرْضِي) أَوْ أَمْلَاكِي (مَوْقُوفَةٌ) أَوْ وَقْفٌ (عَلَيْهِ وَالتَّسْبِيلُ وَالتَّحْبِيسُ) أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا كَأَمْلَاكِي حَبْسٌ عَلَيْهِ (صَرِيحَانِ عَلَى الصَّحِيحِ) فِيهِمَا لِاشْتِهَارِهِمَا شَرْعًا وَعُرْفًا فِيهِ.
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِمَا كَاشْتِهَارِ الْوَقْفِ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ كِنَايَةٌ وَالثَّانِي صَرِيحٌ (وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِكَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةً) أَوْ مُؤَبَّدَةً (أَوْ مَوْقُوفَةً) وَلَا يُشْكِلُ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ مَعَ صَرَاحَةِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ فِيهَا خِلَافًا أَيْضًا، وَعَلَى عَدَمِهِ فَمَوْقُوفَةٌ فِي الْأُولَى وَقَعَتْ مَقْصُودَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ وَقَعَتْ تَابِعَةً فَضَعَّفَتْ صَرَاحَتَهَا أَوْ مُسَبَّلَةً أَوْ مُحْبَسَةً أَوْ صَدَقَةَ حَبْسٍ أَوْ حَبْسٍ مُحَرَّمٍ أَوْ صَدَقَةً ثَابِتَةً أَوْ بَتَلَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانِ أَوْ لَا تُورَثُ (أَوْ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ) الْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَى أَوْ، إذْ أَحَدُهُمَا كَافٍ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَحْرِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ خَيْرَانِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ السُّبْكِيُّ (فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ لَفْظَ التَّصَدُّقِ مَعَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ لَا يَحْتَمِلُ سِوَى الْوَقْفِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ هَذَا صَرِيحًا بِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ بَائِنٌ مِنِّي بَيْنُونَةً مُحَرَّمَةً لَا تَحِلِّينَ لِي بَعْدَهَا أَبَدًا صَرِيحًا لِاحْتِمَالِهِ غَيْرِ الطَّلَاقِ كَالتَّحْرِيمِ بِالْفَسْخِ بِنَحْوِ رَضَاعٍ، وَالثَّانِي كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ تَأْكِيدِ مِلْكِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ لَا تَكْفِي صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ حَتَّى يَقُولَ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ (وَقَوْلُهُ تَصَدَّقْت فَقَطْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ) فِي الْوَقْفِ وَلَا كِنَايَةً فَلَا يَحْصُلُ وَقْفٌ بِهِ (وَإِنْ نَوَاهُ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ صَدَقَةِ الْفَرْضِ وَالنَّقْلِ وَالْوَقْفِ (إلَّا أَنْ يُضَيِّقَهُ إلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ) كَتَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ (وَيَنْوِي الْوَقْفَ) فَيَصِيرَ كِنَايَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَيَحْصُل الْوَقْفُ بِهِ لِظُهُورِ اللَّفْظِ حِينَئِذٍ فِيهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُضَافِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تُرَادِفُ الْمَسْجِدَ وَقَدْ تُرَادِفُ الْمَدْرَسَةَ وَقَدْ تُرَادِفُ الرِّبَاطَ فَيُعْمَلُ فِيهَا بِعُرْفِ مَحِلِّهَا الْمُطَّرِدِ وَإِلَّا فَبِعُرْفِ أَقْرَبِ مَحِلٍّ إلَيْهِ كَمَا هُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ اهـ حَجّ.
أَقُولُ: وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَخَذَ مِنْ جَمَاعَةٍ فِي بِلَادٍ مُتَفَرِّقَةٍ مَثَلًا لِيَبْنِيَ زَاوِيَةً فِي مُحَلَّةِ كَذَا كَانَ الْعِبْرَةُ بِعُرْفِ مُحَلَّةِ الزَّاوِيَةِ دُونَ الدَّافِعِينَ، لَكِنْ هَلْ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الدَّافِعِينَ بِعُرْفِ مُحَلَّةِ الزَّاوِيَةِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْآخِذُ مَحِلًّا بِعَيْنِهِ حَالَ الْأَخْذِ لِبِنَاءِ الزَّاوِيَةِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ وَيَتَخَيَّرُ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي يَبْنِي فِيهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الصِّحَّةُ وَكَرِهَ فِي النَّظَرِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ مَا أَمْكَنَ، ثُمَّ لَوْ بَقِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي أَخَذَهَا لِمَا ذَكَرً شَيْءٌ بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَيَنْبَغِي حِفْظُهُ لِيَصْرِفَ عَلَى مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْمَصَالِحِ، وَفِي سم عَلَى حَجّ: فَرْعٌ: فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةُ الْمَدَارِسِ الْمَبْنِيَّةِ الْآنَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُعْلَمُ لِلْوَاقِفِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهَا مَسْجِدٌ لِفَقْدِ كِتَابِ الْوَقْفِ وَلَا تُقَامُ بِهَا جُمُعَةٌ هَلْ تُعْطَى حُكْمُ الْمَسْجِدِ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ الْمَدَارِسُ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ حَالُهَا مَعْلُومٌ، فَمِنْهَا مَا عُلِمَ نَصُّ الْوَاقِفِ أَنَّهَا مَسْجِدٌ كَالشَّيْخُونِيَّة فِي الْإِيوَانَيْنِ خَاصَّةً دُونَ الصَّحْنِ، وَمِنْهَا مَا عُلِمَ نَصُّهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَسْجِدٍ كَالْكَامِلِيَّةِ وَالْبِيبَرْسِيَّة، فَإِنْ فَرَضَ مَا يُعْلَمُ فِيهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهَا مَسْجِدٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ اهـ.
وَأَفْهَم أَنَّ مَا لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ شَيْءٌ لَا بِالِاسْتِفَاضَةِ وَلَا غَيْرِهَا يُحْكَمُ بِمَسْجِدِيَّتِهِ اكْتِفَاءً بِظَاهِرِ الْحَالِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَخْرَسُ) مُحْتَرِزٌ مِنْ نَاطِقٍ (قَوْلُهُ حَبَسَ عَلَيْهِ) أَيْ مَحْبُوسَةً وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ مَصْدَرُ حَبَسَ إذَا وَقَفَ وَبِضَمِّهَا الْمَوْقُوفُ فَفِي الْمُخْتَارِ الْحَبْسُ بِوَزْنِ الْقَفْلِ مَا وُقِفَ (قَوْلُهُ: أَوْ حَبْسَ مُحَرَّمٍ) أَيْ أَوْ صَدَقَةَ حَبْسٍ مُحَرَّمٍ؟ (قَوْلُهُ: صَرِيحًا بِغَيْرِهِ) وَهُوَ مَا ضَمَّهُ إلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
هُوَ الْمُبْتَدَأُ (قَوْلُهُ: حُبُسٌ عَلَيْهِ) لَعَلَّهُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعًا لِحَبِيسٍ حَتَّى يُنَاسِبَ التَّفْسِيرَ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: مَعَ صَرَاحَةِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ بِلَا خِلَافٍ) أَيْ مَعَ ذِكْرِهِ صَرَاحَةَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى يُلَاقِيَ الْجَوَابَ بِأَنَّ فِيهَا خِلَافًا أَيْضًا عَلَى مَا فِيهِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا ثُمَّ يَدَّعِي فِيهِ الْخِلَافَ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِهِ غَيْرَ الطَّلَاقِ) وَالْقِيَاسُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الطَّلَاقَ يُمْنَعُ عَنْهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ يَسْتَفْسِرُ وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ
إلَى مُعَيَّنٍ وَلَوْ جَمَاعَةً لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَقْفِ وَإِنْ نَوَاهُ، إذْ هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّمْلِيكِ بِلَا عِوَضٍ، فَإِنْ قَبِلَ وَقَبَضَهُ مَلَكَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ جَمْعٍ أَنَّهُ مَتَى نَوَى بِهِ الْوَقْفَ كَانَ وَقْفًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ حَرَّمْته أَوْ أَبَدْته لَيْسَ بِصَرِيحٍ) لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ مُسْتَقِلًّا بَلْ مُؤَكَّدٍ كَمَا مَرَّ فَيَكُونَ كِنَايَةً لِاحْتِمَالِهِ وَإِتْيَانُهُ بِأَوْ لِدَفْعِ إيهَامِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِكِنَايَةٍ.
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا صَرِيحَانِ لِإِفَادَتِهِمَا الْغَرَضَ كَالتَّحْبِيسِ وَالتَّسْبِيلِ (وَ) الْأَصَحُّ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ (أَنَّ قَوْلَهُ جَعَلْت الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا) مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ صَرِيحٌ حِينَئِذٍ (تَصِيرُ بِهِ مَسْجِدًا) وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَكُونُ إلَّا وَقْفًا.
وَالثَّانِي لَا تَصِيرُ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِمَا وَصَفَهَا الشَّارِعُ بِقَوْلِهِ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ نَوَى بِهِ الْوَقْفَ أَوْ زَادَ لِلَّهِ صَارَ مَسْجِدًا قَطْعًا، وَالظَّاهِرُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَذِنْت فِي الِاعْتِكَافِ فِيهِ صَارَ مَسْجِدًا لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ صَيْرُورَتَهُ مَسْجِدًا بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِتَضَمُّنِ كَلَامِهِ الْإِقْرَارَ بِهِ لَا لِكَوْنِ ذَلِكَ صِيغَةَ إنْشَاءٍ لِوَقْفِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صِيغَةٌ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَقْفًا بَاطِنًا
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ)(الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ) وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ (يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ) إنْ كَانَ أَهْلًا، وَإِلَّا فَقَبُولُ وَلِيِّهِ عَقِبَ الْإِيجَابِ أَوْ بُلُوغِ الْخَبَرِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، إذْ دُخُولُ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ الْإِرْثِ بَعِيدٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ لِلْإِمَامِ وَآخَرِينَ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَنَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْهُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ فِي السَّرِقَةِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ بِالْقُرْبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْعُقُودِ، وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ النَّصِّ، وَانْتَصَرَ لَهُ جَمْعٌ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَاعْتَمَدُوهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولٌ مِنْ بَعْدِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ مِنْ الْوَاقِفِ، فَإِنْ رَدُّوا فَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ، فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ بَطَلَ الْوَقْفُ، وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ يَعُدْ لَهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ بَعْدَ قَبُولِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ فُلَانٍ وَمَنْ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَلَدُ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ وَرَثَةٍ حَائِزِينَ وَقَفَ عَلَيْهِمْ مُورِثُهُمْ مَا يَفِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَصَدَّقْت وَنَحْوِهِ، وَقَوْلُهُ إذْ هُوَ صَرِيحٌ مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ كَانَ وَقْفًا إلَخْ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: صَارَ مَسْجِدًا) قَضِيَّةُ قَوْلِهِ صَارَ أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي إنْشَاءِ وَقْفِهَا مَسْجِدًا، وَمِنْ ثَمَّ بَحَثَ فِيهِ الشَّارِحُ بِمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فِي الِاعْتِكَافِ) أَيْ أَوْ فِي صَلَاةِ التَّحِيَّةِ فِيهِ
(قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ) وَلَوْ مُتَرَاخِيًا وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ حَيْثُ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَائِبًا فَلَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ إلَّا بَعْدَ الطُّولِ.
أَمَّا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَيُشْتَرَطُ الْفَوْرُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ عَقِبَ الْإِيجَابِ، لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْوَاقِفُ هَلْ يَكْفِي قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ صِحَّةِ الْقَبُولِ لِإِلْحَاقِهِمْ الْوَقْفَ بِالْعُقُودِ دُونَ الْوَصِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ قَبُولُهُ: أَيْ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُعَيَّنُ وَلَا وَلِيُّهُ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ فِي حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ، وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَرْعٌ: مَالَ م ر إلَى بُطْلَانِ الْوَقْفِ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ رَدَّ الْوَاقِفُ، وَقَالَ: إنَّ فِي الْمَنْقُولِ مَا يُسَاعِدُهُ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سَمِّ عَلَى مَنْهَجٍ.
وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ بَطَلَ الْوَقْفُ، وَقَوْلُ سم رَدَّ الْوَاقِفُ: أَيْ رَجَعَ قَبْلَ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَقَبُولُ وَلِيِّهِ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلِيُّهُ بَطَلَ الْوَقْفُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ، وَمَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ خَاصٌّ فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي فَيَقْبَلُ لَهُ عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ أَوْ يُقِيمُ عَلَى الصَّبِيِّ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى جَمْعٍ فَقِبَل بَعْضُهُمْ دُونَ الْبَعْضِ بَطَلَ فِيمَا يَخُصُّ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (قَوْلُهُ: بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ الرَّدِّ) أَيْ فِيمَنْ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلَوْ رَدَّ بَطَلَ فِيمَا يَخُصُّهُ وَانْتَقَلَ لِمَنْ بَعْدَهُ وَيَكُونُ كَمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ (قَوْلُهُ: بَطَلَ الْوَقْفُ) هَذَا يُشْعِرُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ إنَّمَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ وَرَثَةٍ حَائِزِينَ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ فِي الْوَقْفِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ فَلْيُرَاجَعْ.
بِهِ الثُّلُثَ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ فَيَصِحُّ، وَيَلْزَمُ مِنْ جِهَتِهِمْ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ قَهْرًا عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوَقْفِ دَوَامَ الثَّوَابِ لِلْوَاقِفِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْوَارِثُ رَدَّهُ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ.
وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إخْرَاجَ الثُّلُثِ عَنْ الْوَارِثِ بِالْكُلِّيَّةِ فَوَقْفُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَلَوْ وَقَفَ جَمِيعَ أَمْلَاكِهِ كَذَلِكَ وَلَمْ يُجِيزُوهُ نَفَذَ فِي ثُلُثِ التَّرِكَةِ قَهْرًا عَلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَمَاتَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَبْرٌ بَطَلَ وَقْفُهُ، وَخَرَجَ بِالْمُعَيَّنِ الْجِهَةُ الْعَامَّةُ وَجِهَةُ التَّحْرِيرِ كَالْمَسْجِدِ فَلَا قَبُولَ فِيهِ جَزْمًا وَلَمْ يَنُبْ الْإِمَامُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ بِخِلَافِهِ فِي نَحْوِ الْقَوْدِ لِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُبَاشِرٍ، وَلَوْ وُقِفَ عَلَى مَسْجِدٍ لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُ نَاظِرِهِ بِخِلَافِ مَا وُهِبَ لَهُ (وَلَوْ رَدَّ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَقْفَ (بَطَلَ حَقُّهُ) مِنْهُ (شَرَطْنَا الْقَبُولَ أَمْ لَا) كَالْوَصِيَّةِ.
نَعَمْ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ الْحَائِزِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لَزِمَ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِرَدِّهِ كَمَا مَرَّ
وَلَمَّا تَمَّمَ الْكَلَامَ عَلَى أَرْكَانِهِ الْأَرْبَعَةِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ شُرُوطِهِ.
وَهِيَ: التَّأْبِيدُ، وَالتَّنْجِيزُ وَبَيَانُ الْمَصْرِفِ، وَالْإِلْزَامُ، فَقَالَ (وَلَوْ قَالَ وَقَفْت هَذَا) عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ مَثَلًا (سَنَةً) مَثَلًا (فَبَاطِلٌ) وَقْفُهُ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ، إذْ وَضْعُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ طَوِيلُ الْمُدَّةِ وَقَصِيرُهَا.
نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَوْ وَقَفَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَلْفَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا يَبْعُدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ صَحَّ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّأْبِيدُ دُونَ حَقِيقَةِ التَّأْقِيتِ، وَلَا أَثَرَ لِتَأْقِيتِ الِاسْتِحْقَاقِ كَعَلَى زَيْدٍ سَنَةً ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ.
أَوْ إلَّا أَنْ يُولَدَ لِي وَلَدٌ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْخُوَارِزْمِيَّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ.
وَلَا لِلتَّأْقِيتِ الضِّمْنِيِّ فِي مُنْقَطِعِ الْآخِرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ (وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي أَوْ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ نَسْلِهِ) أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَدُومُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ (فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْوَقْفِ) لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْقُرْبَةُ وَالدَّوَامُ فَإِذَا بَيَّنَ مَصْرِفَهُ ابْتِدَاءً سَهَّلَ إدَامَتَهُ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ (فَإِذَا انْقَرَضَ الْمَذْكُورُ) أَوْ لَمْ تُعْرَفْ أَرْبَابُ الْوَقْفِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْقَى وَقْفًا) لِأَنَّ وَضْعَ الْوَقْفِ الدَّوَامُ كَالْعِتْقِ وَلِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْهُ فَلَا يَعُودُ كَمَا لَوْ نَذَرَ هَدْيًا إلَى مَكَّةَ فَرَدَّهُ فُقَرَاؤُهَا.
وَالثَّانِي يَرْتَفِعُ الْوَقْفُ وَيَعُودُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَاتَ، لِأَنَّ بَقَاءَ الْوَقْفِ بِلَا مَصْرِفٍ مُتَعَذِّرٌ، وَإِثْبَاتُ مَصْرِفٍ لَمْ يَذْكُرْهُ الْوَاقِفُ بَعِيدٌ فَتَعَيَّنَ ارْتِفَاعُهُ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّ مَصْرِفَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَبْطُلُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَبْرٌ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ لَهُ قَبْرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ اسْتَمَرَّتْ الصِّحَّةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ الْبُطْلَانُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ أَوْ قَبْرِ أَبِيهِ الْحَيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَفِي حَجّ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَا عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ مَا نَصُّهُ: عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي تَفْصِيلُ فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ فَاعْلَمْ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي أَوْ عَلَى قَبْرِ أَبِي وَأَبُوهُ حَيٌّ، بِخِلَافِ وَقَفْته الْآنَ أَوْ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي فَإِنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أُجِيزَ وَعُرِفَ قَبْرُهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
فَيُحْمَلُ قَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا بِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ إلَخْ عَلَى مَا لَوْ كَانَ صُورَةُ الْوَقْفِ وَقَفْت الْآنَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي فَيَصِحُّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَوْ نجز وَعَلَّقَ إعْطَاءَهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ جَازَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَعَلَيْهِ فَالرِّيعُ الْحَاصِلُ فِي حَيَاتِهِ لِلْوَاقِفِ كَالْفَوَائِدِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْمُوصَى بِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ الرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ وَالْمَقْبَرَةُ لِمُشَابَهَتِهَا لِلْمَسْجِدِ فِي كَوْنِ الْحَقِّ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى
(قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهِمَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْوَقْفُ لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الْقُرْبَةَ الْمَحْضَةَ نَظَرُوا لِمَا يُقْصَدُ مِنْ اللَّفْظِ دُونَ مَدْلُولِهِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ مَصْرِفَهُ) أَيْ جَمِيعَ مَصْرِفِهِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى أَوَّلِهِ.
أَمَّا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفًا فَبَاطِلٌ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَقَفْت فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ (قَوْلُهُ: فَرَدَّهُ) أَيْ فَلَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أَقْرَبُ النَّاسِ) رَحِمًا لَا إرْثًا فَيُقَدَّمُ وُجُوبًا ابْنُ بِنْتٍ عَلَى ابْنِ عَمٍّ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ مَا أَفْتَى بِهِ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ أَوْ الْمُتَوَفَّى قُرْبُ الدَّرَجَةِ وَالرَّحِمِ لَا قُرْبُ الْإِرْثِ وَالْعُصُوبَةِ فَلَا تَرْجِيحَ بِهِمَا فِي مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْقُرْبِ مِنْ حَيْثُ الرَّحِمِ وَالدَّرَجَةِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: لَمْ يُرَجَّحْ عَمٌّ عَلَى خَالَةٍ بَلْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْفَقْرُ، وَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا يَظْهَرُ (إلَى الْوَاقِفِ) بِنَفْسِهِ (يَوْمَ انْقِرَاضِ الْمَذْكُورِ) لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ الْقُرُبَاتِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِلْوَاقِفِ تَعَيَّنَ أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ لِأَنَّ الْأَقَارِبَ مِمَّا حَثَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِمْ فِي جِنْسِ الْوَقْفِ لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ «أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ» وَبِهِ فَارَقَ عَدَمُ تَعَيُّنِهِمْ فِي نَحْوِ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّ لِهَذِهِ مَصْرِفًا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَلَوْ فُقِدَتْ أَقَارِبُهُ أَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ صُرِفَ الرُّبُعُ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ فِي الْأُولَى، أَوْ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ عَلَى مَا قَالَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ، أَوْ قَالَ لِيُصْرَفْ مِنْ غَلَّتِهِ لِفُلَانٍ كَذَا وَسَكَتَ عَنْ بَاقِيهَا فَكَذَلِكَ، وَصَرَّحَ فِي الْأَنْوَارِ بِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِفُقَرَاءِ بَلَدِ الْوَقْفِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، أَمَّا الْإِمَامُ إذَا وَقَفَ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ فَيُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ لَا لِأَقَارِبِهِ كَمَا أَفَادَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَوْ كَانَ)(الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي) أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ سَيُبْنَى ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا (فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ) لِتَعَذُّرِ الصَّرْفِ إلَيْهِ حَالًّا وَمَنْ بَعْدَهُ فَرَّعَهُ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا الصِّحَّةُ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ بَعْدَ الْأَوَّلِ مَصْرِفًا بَطَلَ قَطْعًا لِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَمَنْ سَيُولَدُ لِي عَلَى مَا أُفَصِّلُهُ فَفَصَّلَهُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ وَجَعَلَ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِلَا عَقِبٍ لِمَنْ سَيُولَدُ لَهُ صَحَّ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ قَوْلُهُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَمَنْ سَيُولَدُ لِي لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَهُ بَيَانٌ لَهُ (أَوْ) كَانَ الْوَقْفُ (مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ) بِالتَّحْرِيكِ (كَوَقَفْتُهُ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ) عَلَى (رَجُلٍ) مُبْهَمٍ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَرَدُّدٌ فِي صِفَةٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَعُودُ لِلنَّاذِرِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي حَجّ بِالْحَرْفِ (قَوْلُهُ: بَلْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ وَالْأَخَ لِلْأَبِ مُسْتَوِيَانِ لَكِنَّ (قَوْلَهُ بِنَفْسِهِ) أَوْ بِوَكِيلِهِ عَنْ نَفْسِهِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: صُرِفَ الرِّيعُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ) أَيْ كَمُنْقَطِعِ الْآخِرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ الْمُعَيَّنُ لِلصَّرْفِ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ فِيمَا زَادَ عَلَى مَنْ سَمَّاهُ بَلْ يُصْرَفُ لِأَقْرَبِ رَحِمِ الْوَاقِفِ تَبَعًا لِلْمُعَيَّنِ. [فَرْعٌ] فِي الزَّرْكَشِيّ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَقَارِبِ اخْتَصَّ بِالْفَقِيرِ مِنْهُمْ أَيْضًا خِلَافَ الْوَقْفِ عَلَى الْجِيرَانِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا الْمُرَادُ بِالْجِيرَانِ هُنَا، وَالْأَقْرَبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فِي الْوَصِيَّةِ لِمُشَابَهَةِ الْوَقْفِ لَهَا فِي التَّبَرُّعِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَا وَقَفَهُ الْإِمَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّظَرِ لِمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَحَيْثُ انْقَطَعَ مَنْ وَقَفَهُ عَلَيْهِمْ لِخُصُوصِ مَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ كَكَوْنِهِ عَالِمًا رَجَعَ إلَى عُمُومِ مَصْلَحَتِهِمْ لَا لِأَقَارِبِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا وَقَفَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَمَّا مَا وَقَفَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ كَغَيْرِهِ فِي الصَّرْفِ لِأَقَارِبِهِ (قَوْلُهُ: بِالتَّحْرِيكِ) أَيْ عَلَى الْأَفْصَحِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ بِنَفْسِهِ) أَوْ بِوَكِيلِهِ بَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَهُ الْوَقْفُ لَا مَنْ تَعَاطَى الْوَقْفَ كَالْوَكِيلِ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الْأَنْوَارِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي (قَوْلُهُ فَيُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ لَا لِأَقَارِبِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْوَقْفُ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَرَدُّدٌ) أَيْ فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِ بَأَنْ كَانَتْ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَهُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يَدُلُّ عَلَى ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَرَدُّدٌ) أَيْ فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِ بَأَنْ كَانَتْ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَهُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يَدُلُّ عَلَى
أَوْ شَرْطٍ أَوْ مَصْرِفٍ دَلَّتْ قَرِينَةٌ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى تَعَيُّنِهِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الِانْقِطَاعُ إلَّا مَعَ الْإِبْهَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (ثُمَّ الْفُقَرَاءُ فَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ) لِوُجُودِ الْمَصْرِفِ حَالًّا وَمَآلًا، وَمَصْرِفًا عِنْدَ الِانْقِطَاعِ كَمَصْرِفٍ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ إنْ عُرِفَ أَمَدُ انْقِطَاعِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَرَجُلٍ صَرَفَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ لِمَنْ بَعْدَ الْمُتَوَسِّطِ كَالْفُقَرَاءِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَإِطْلَاقُ الشَّارِحِ كَكَثِيرٍ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ (وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى) قَوْلِهِ (وَقَفْت) كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفًا أَوْ ذَكَرَ مَصْرِفًا مُتَعَذِّرًا كَوَقَفْتُ كَذَا عَلَى جَمَاعَةٍ (فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ مُتَمَلِّكًا بَطَلَ كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَصْرِفِ كَعَلَى مَنْ شِئْت وَلَمْ يُعَيِّنْهُ عِنْدَ الْوَقْفِ أَوْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ يُبْطِلُهُ فَعَدَمُهُ بِالْأَوْلَى، وَإِنَّمَا صَحَّ أَوْصَيْت بِثُلُثَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفًا حَيْثُ يُصْرَفُ لِلْمَسَاكِينِ الْقَائِلُ بِهِ مُقَابِلُ الْأَظْهَرِ هُنَا لِأَنَّ غَالِبَ الْوَصَايَا لَهُمْ فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا أَوْسَعُ لِصِحَّتِهَا بِالْمَجْهُولِ وَالنَّجِسِ، وَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْمَصْرِفَ وَاعْتَرَفَ بِهِ صَحَّ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ الْغَزِّيِّ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ طَالِقٌ وَنَوَى زَوْجَتَهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ مَعَ لَفْظٍ يَحْتَمِلُهَا وَلَا لَفْظَ هُنَا يَدُلُّ عَلَى الْمَصْرِفِ أَصْلًا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَاحِدٍ نَوَيْت مُعَيِّنًا لَا يَصِحُّ قِيلَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ
(وَلَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَحِلُّ وَلَا يَصِحُّ (تَعْلِيقُهُ) فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ (كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ وَقَفْت) كَذَا عَلَى كَذَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلًا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَالًّا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَجَعَلْتُهُ مَسْجِدًا إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِهِ كَوَقَفْتُ دَارِي بَعْدَ مَوْتِي عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَكَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِقَوْلِ الْقَفَّالِ لَوْ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ كَانَ رُجُوعًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ بِأَنَّ الْحَقَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ أَقْوَى، فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَّا بِنَحْوِ الْبَيْعِ دُونَ نَحْوِ الْعَرْضِ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ نَجَزَهُ وَعَلَّقَ إعْطَاءَهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ جَازَ كَالْوَكَالَةِ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ (وَلَوْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيَجُوزُ فِيهِ الْإِسْكَانُ (قَوْلُهُ: دَلَّتْ قَرِينَةٌ) فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ مَا فِيهِ التَّرَدُّدُ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ) قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَحِلُّ الْبُطْلَانِ مَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ اهـ شَرْحَ الرَّوْضِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ قِيلَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ) عِبَارَةُ حَجّ قَبْلَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ اهـ.
وَالْمُرَادُ مِنْهَا ظَاهِرٌ، أَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَلَمْ يَظْهَرْ الْمُرَادُ مِنْهُ، فَإِنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ لَمْ تُؤْخَذْ مِمَّا ذَكَرَ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى جَمَاعَةٍ أَوْ وَاحِدٍ مُحْتَمَلٌ لِمَا نَوَاهُ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِلصِّحَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْيِينٌ كَانَ كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْت وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَحُكْمُهُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَإِنْ نَوَى مُعَيَّنًا فَيَكُونُ مَا ذَكَرَ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ إلَخْ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَأَنَّ مَا سَيَحْدُثُ فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ يَكُونُ وَقْفًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ تَنْجِيزِ وَقْفِيَّتِهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَانِي وَلَوْ كَانَ هُوَ الْوَاقِفُ، لَكِنْ سَيَأْتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَلْ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا إلَخْ أَنَّ مَا يَبْنِيهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فِي الْجُدَرَانِ الْمَوْقُوفَةِ يَصِيرُ وَقْفًا بِالْبِنَاءِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ: فَيَصِحُّ مُؤَبَّدًا كَمَا لَوْ ذَكَرَ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا، قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ اهـ.
وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءُ مَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ أَيْضًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَوْقَفَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ سم عَلَى حَجّ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
إرَادَتِهِ أَحَدَهُمَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَرَدُّدَ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَرَجُلٍ) أَيْ الَّذِي هُوَ صُورَةُ الْمَتْنِ وَمِثَالُ مَا يُعْرَفُ أَمَدُ انْقِطَاعِهِ كَأَنْ يَقُولَ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى عَبْدِ زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ كَوَقَفْتُ كَذَا عَلَى جَمَاعَةٍ) أَيْ وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَكَأَنَّهُ وَصِيُّهُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَصَايَا فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْهُ وَفِي عَدَمِ صَرْفِهِ
وَقَفَ) شَيْئًا (بِشَرْطِ الْخِيَارِ) لَهُ فِي الرُّجُوعِ عَنْهُ، أَوْ فِي بَيْعِهِ مَتَى شَاءَ، أَوْ فِي تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنْهُ بِوَصْفٍ، أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (بَطَلَ) الْوَقْفُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَفَارَقَ الْعِتْقُ حَيْثُ لَمْ يَفْسُدْ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ، بَلْ قَالَ إنَّ خِلَافَهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لَهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ) أَصْلًا أَوْ سَنَةً أَوْ لَا يُؤَجَّرَ مِنْ ذِي شَوْكَةٍ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، أَوْ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَسْكُنُ فِيهِ بِنَفْسِهِ (اُتُّبِعَ) فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ (شَرْطُهُ) كَسَائِرِ شُرُوطِهِ الَّتِي لَا تُخَالِفُ الشَّرْعَ وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ.
وَالثَّانِي لَا يُتَّبَعُ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ حَجْرٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَخَرَجَ بِغَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ مَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ لَا يَرْغَبُ فِيهِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ فَيَجُوزُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ تَعْطِيلَ وَقْفِهِ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ الْمَشْرُوطُ عَدَمُ إجَارَتِهَا إلَّا مِقْدَارَ كَذَا وَلَمْ تُمْكِنُ عِمَارَتُهَا إلَّا بِإِجَارَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أوجرت بِقَدْرِ مَا يَفِي بِالْعِمَارَةِ فَقَطْ مُرَاعِيًا مَصْلَحَةَ الْوَاقِفِ لَا مَصْلَحَةَ الْمُسْتَحِقِّ، وَيَجِبُ أَنْ يُعَدِّدَ الْعُقُودَ فِي مَنْعِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ مَثَلًا وَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ الِاسْتِئْنَافِ كَذَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَخَالَفَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ رَزِينٍ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ فَجَوَّزُوا ذَلِكَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً لِأَجْلِ عِمَارَتِهِ لِأَنَّ بِهَا يَنْفَسِخُ الْوَقْفُ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا يَقَعُ بِمَكَّةَ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ بَقَاءُ عَيْنِهِ وَإِنْ تَمَلَّكَ ظَاهِرًا بَقَاءَ الثَّوَابِ لَهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ اخْتِصَاصَهُ بِطَائِفَةٍ كَالشَّافِعِيَّةِ) وَزَادَ إنْ انْقَرَضُوا فَلِلْمُسْلِمِينَ مَثَلًا أَوْ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا (اُخْتُصَّ بِهِمْ) أَيْ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُصَلِّي وَلَا يَعْتَكِفُ بِهِ غَيْرُهُمْ رِعَايَةً لِغَرَضِهِ وَإِنْ كُرِهَ هَذَا الشَّرْطُ وَالثَّانِي لَا يَخْتَصُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ قَالَ وَقَفْت دَارِي كَوَقْفِ زَيْدٍ هَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ أَوْ يَبْطُلُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنْ عَلِمَ شُرُوطَ وَقْفِ زَيْدٍ قَبْلَ قَوْلِهِ ذَلِكَ صَحَّ الْوَقْفُ وَإِلَّا فَلَا، وَيَحْتَمِلُ صِحَّتَهُ مُطْلَقًا.
وَفِي حَالَةِ جَهْلِهِ يَبْحَثُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ فِي الْوَاقِعِ.
فَإِنْ عَرَفَ فَذَاكَ وَإِلَّا تَبَيَّنَ الْبُطْلَانُ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ فَلْيُرَاجَعْ.
وَقَوْلُ سم: فَيَصِحُّ مُؤَبَّدًا: أَيْ مِنْ الْآنَ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِغَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ مَنْ يَأْخُذُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيَسْتَأْجِرُ عَلَى مَا يُوَافِقُ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَمَنْ يَطْلُبُهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي إجَارَةٍ تُخَالِفُ شَرْطَ الْوَاقِفِ عَدَمَ الْجَوَازِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ، وَأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ مَنْ يَأْخُذُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيُوَافِقُ شَرْطَ الْوَاقِفِ فِي الْمُدَّةِ وَمَنْ يَأْخُذُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيُخَالِفُ شَرْطَ الْوَاقِفِ عَدَمَ الْجَوَازِ أَيْضًا رِعَايَةً لِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: فَجَوَّزُوا ذَلِكَ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ هَذَا الشَّرْطُ) فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ الْمَسْجِدُ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ هَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُهُ وَالصَّلَاةُ فِيهِ وَالِاعْتِكَافُ بِإِذْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ؟ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْأَلْغَازِ أَنَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ فِي فَتَاوِيهِ يُوهَمُ الْمَنْعَ، ثُمَّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ عِنْدِهِ: وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ.
وَأَقُولُ: الَّذِي يَتَرَجَّحُ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى أَشْخَاصٍ مُعَيَّنَةٍ كَزَيْدٍ وَعُمَرَ وَبَكْرٍ مَثَلًا أَوْ ذُرِّيَّتِهِ أَوْ ذُرِّيَّةِ فُلَانٍ جَازَ الدُّخُولُ بِإِذْنِهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَجْنَاسٍ مُعَيَّنَةٍ كَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالصُّوفِيَّةِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ هَذَا الْجِنْسِ الدُّخُولُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُمْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِمَنْعِ دُخُولِ غَيْرِهِمْ لَمْ يَطْرُقْهُ خِلَافٌ أَلْبَتَّةَ.
وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الدُّخُولِ بِالْإِذْنِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ كَانَ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ عَلَى نَحْوِ مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ لِلْمُعَيَّنِينَ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ وَهُمْ مُقَيَّدُونَ بِمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ اهـ.
وَتَقَدَّمَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ سُبِّلَ أَوْ فَقِيهٌ إلَى مَدْرَسَةٍ إلَخْ مَا نَصُّهُ: وَلِغَيْرِ أَهْلِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لِلْوَارِثِ وَحُكْمِ الْأَوْقَافِ فِي تَأْيِيدِهِ وَعَدَمِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَإِرْثِهِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ كَالْبَيْعِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَالْبَيْعِ فِي مُطْلَقِ عَدَمِ قَبُولِهِ لِلشَّرْطِ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ
الْمَسْجِدُ بِهِمْ لِأَنَّ جَعْلَ الْبُقْعَةِ مَسْجِدًا كَالتَّحْرِيرِ فَلَا مَعْنَى لِاخْتِصَاصِهِ بِجَمَاعَةٍ وَلَوْ خَصَّ الْمَقْبَرَةَ بِطَائِفَةٍ اُخْتُصَّتْ بِهِمْ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَوْ شَغَلَهُ شَخْصٌ بِمَتَاعِهِ لَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ وَهَلْ تَكُونُ لَهُمْ الْأَقْرَبُ لَا لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الِانْتِفَاعَ بِهِ لَا الْمَنْفَعَةَ، وَلَوْ انْقَرَضَ مَنْ ذَكَرَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدًا بَعْدَهُمْ، فَالْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ انْتِفَاعُ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَا يُرِيدُ تَعَطُّلَ وَقْفِهِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ (كَالْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ) وَالْمَقْبَرَةِ إذَا خَصَّصَهَا بِطَائِفَةٍ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِهِمْ قَطْعًا لِأَنَّ النَّفْعَ هُنَا عَائِدٌ إلَيْهِمْ، بِخِلَافِهِ ثُمَّ فَإِنَّ صَلَاتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ كَفِعْلِهَا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ (وَلَوْ وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ) كَهَذَيْنِ (ثُمَّ الْفُقَرَاءِ) مَثَلًا (فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّ نَصِيبَهُ يُصْرَفُ إلَى الْآخَرِ) لِأَنَّ شَرْطَ الِانْتِقَالِ إلَى الْفُقَرَاءِ انْقِرَاضُهُمَا جَمِيعًا وَلَمْ يُوجَدُوا إذَا امْتَنَعَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ، فَالصَّرْفُ لِمَنْ ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ أَوْلَى.
وَالثَّانِي يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ إذَا مَاتَا، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَفْصِلْ، وَإِلَّا بِأَنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَ هَذَا فَهُمَا وَقْفَانِ كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فَلَا يَكُونُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بَلْ الْأَقْرَبُ انْتِقَالُهُ لِلْفُقَرَاءِ إنْ قَالَ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَإِنْ قَالَ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَالْأَقْرَبُ انْتِقَالُهُ لِلْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمَا وَسَكَتَ عَمَّنْ يُصْرَفُ لَهُ بَعْدَهُمَا فَهَلْ نَصِيبُهُ لِلْآخَرِ أَوْ لِأَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ الْأَوَّلُ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا أَوْ بَانَ مَيِّتًا فَالْقِيَاسُ عَلَى الْأَصَحِّ صَرْفُهُ لِلْآخَرِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو ثُمًّ بَكْرٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ عَمْرٌو قَبْلَ زَيْدٍ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لَا شَيْءَ لِبَكْرِ وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ مِنْ زَيْدٍ إلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ رَتَّبَهُ بَعْدَ عَمْرٍو وَعَمْرٌو بِمَوْتِهِ أَوَّلًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَمَلَّكَ بَكْرٌ عَنْهُ شَيْئًا وَقَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى بَكْرٍ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفُقَرَاءِ مَشْرُوطٌ بِانْقِرَاضِهِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ وَلَدُ الْوَلَدِ ثُمَّ الْوَلَدُ يَرْجِعُ لِلْفُقَرَاءِ، وَيُوَافِقُهُ فَتْوَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَدْرَسَةِ مَا اُعْتِيدَ فِيهَا مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ بِهَا وَشُرْبٍ وَطُهْرٍ مِنْ مَائِهَا مَا لَمْ يَنْقُصُ الْمَاءُ عَنْ حَاجَةِ أَهْلِهَا عَلَى الْأَوْجَهِ اهـ.
وَكَأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يُشْرَطْ الِاخْتِصَاصُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ السُّيُوطِيّ، أَوْ هَذَا فِيمَا اُعْتِيدَ وَذَاكَ فِي غَيْرِهِ فَلْيُحَرَّرْ.
وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَإِنْ شَرَطَ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ اخْتِصَاصَ طَائِفَةٍ كَالشَّافِعِيَّةِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ صَحَّ وَكُرِهَ وَاخْتَصَّ بِهَا فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ الصَّلَاةُ فِيهِ كَمَا لَوْ خَصَّ الرِّبَاطَ وَالْمَدْرَسَةَ بِطَائِفَةٍ اهـ سَمِّ عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا ذَكَرَ فِي الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ الْمَنْعِ عَلَى مَا إذَا شَوَّشَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ (قَوْلُهُ وَلَوْ خَصَّ الْمَقْبَرَةَ بِطَائِفَةٍ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ دُفِنَ بِهَا غَيْرُ مِنْ اُخْتُصَّتْ بِهِ فَقِيَاسُ نَبْشُ الْمَغْصُوبِ لِإِخْرَاجِ مَنْ دُفِنَ بِهِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ، وَهَلْ مِنْ التَّخْصِيصِ مَا لَوْ اعْتَادَ أَهْلُ بَلَدٍ دَفْنًا بِمَحِلٍّ فَيَمْتَنِعَ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ الدَّفْنُ فِيهِ أَوْ يَصِيرَ مَقْبَرَةً مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصٍ بِأَحَدٍ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِمَالِك أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ، وَمُجَرَّدُ الْعَادَةِ إنَّمَا اقْتَضَتْ جَوَازَ الْإِقْدَامِ عَلَى الدَّفْنِ ثُمَّ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ (قَوْلُهُ الْأَقْرَبُ لَا) وَيَنْبَغِي حِفْظُهَا لِمَصَالِح الْمَوْقُوفِ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَغَلَهُ) أَيْ الْمَخْصُوصِ بِطَائِفَةٍ (قَوْلُهُ انْتِفَاعُ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِيهِ حَقًّا فَهُوَ كَالْمَسَاجِدِ الَّتِي لَمْ يَخُصَّهَا وَاقِفُهَا بِأَحَدٍ فَكُلُّ مَنْ سَبَقَ إلَى مَحِلٍّ مِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ (قَوْلُهُ: إلَى الْوَاقِفِ) أَيْ وَيَكُونُ كَمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَجُزْ) أَيْ بِنَاءٌ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ الَّتِي بَنَيَا عَلَيْهَا كَلَامَهُمَا (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي إلَخْ) مُعْتَمَدٌ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِهِمْ قَطْعًا) هَذَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا مِنْ نِسْبَتِهِ لِلْأَكْثَرِينَ وَهُوَ تَابِعٌ فِيمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ الْقَطْعِ