الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَن ترَاض مِنْهُم وَمن النَّاس وَإِقْرَار بالحقوق إِلَّا أَن الَّذين لَا سَابِقَة لَهُم وَلَا قدمة لَا يبلغو مبلغ أهل السَّابِقَة والقدمة فِي الْمجَالِس والحظوة والرئاسة ثمَّ كَانُوا يعيبون التَّفْضِيل ويجعلونه جفوة وهم فِي ذَلِك يحتجون بِهِ وَلَا يكادون يظهرونه لِأَنَّهُ لَا حجَّة لَهُم وَالنَّاس عَلَيْهِم فَكَانَ إِذا لحق بهم لَاحق من ناشيء أَو أَعْرَابِي أَو مُحَرر استحلى كَلَامهم فَكَانُوا فِي زِيَادَة وَالنَّاس فِي نُقْصَان حَتَّى غلب الشَّرّ
18 -
ذكر حَدِيث الْمَصَاحِف وتحريفها
وَفِي سنة ثَلَاثِينَ سَار حُذَيْفَة إِلَى غَزْو الْبَاب فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لسَعِيد ابْن الْعَاصِ لقد رَأَيْت فِي سَفَرِي هَذَا أمرا عجيبا وَلَئِن ترك النَّاس ليختلفن فِي الْقُرْآن ثمَّ لَا يقومُونَ عَلَيْهِ أبدا قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ رَأَيْت نَاسا من أهل حمص يَقُولُونَ قراءتهم خير من قِرَاءَة غَيرهم لأَنهم أخذوها عَن الْمِقْدَاد وَأهل دمشق يَقُولُونَ مثل ذَلِك وَأهل الْكُوفَة يَقُولُونَ مثل ذَلِك لأَنهم قرأوا على ابْن مَسْعُود وَأهل الْبَصْرَة يَقُولُونَ مثل ذَلِك وَأَنَّهُمْ قرأوا على أبي مُوسَى ويسمون مصحفه لباب الْقُلُوب وَوَافَقَ حُذَيْفَة أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكثير من التَّابِعين وَخَالفهُ أَصْحَاب ابْن مَسْعُود وَجرى بَين حُذَيْفَة وَابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه منافرة فَسَار حُذَيْفَة إِلَى عُثْمَان رض = وَأخْبرهُ بذلك وَقَالَ أَنا النذير الْعُرْيَان فَجمع عُثْمَان رض = الصَّحَابَة رض = عَنْهُم واستشارهم فَرَأَوْا مثل مَا رأى حُذَيْفَة فَأرْسل عُثْمَان رض = إِلَى حَفْصَة بنت عمر رض = عَنْهُمَا لترسل إِلَيْهِ بالصحف ينسخها وَكَانَ أَبُو بكر رض = قد جمعهَا لما كثر الْقَتْل فِي الْمُسلمين يَوْم الْيَمَامَة
فأرسلتها إِلَيْهِ فَأمر عُثْمَان رض = زيد بن ثَابت وإبن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام رض = عَنْهُم فنسخوها وَقَالَ لَهُم إِذا أختلفتم فِي حرف فاكتبوه بلغَة قُرَيْش فَفَعَلُوا فَأرْسل إِلَى كل مصر مُصحفا وَحرق مَا سوى ذَلِك فَشكر النَّاس هَذَا الْفِعْل إِلَّا أَصْحَاب إِبْنِ مَسْعُود وَمن وافقهم
وَلما قدم عَليّ رض = الْكُوفَة قَامَ إِلَيْهِ رجل وَعَابَ عُثْمَان رض = بِجمع الْمَصَاحِف وعزله ابْن مَسْعُود رض = فصاح بِهِ عَليّ رض = قَالَ عَن مَلأ منا فعل ذَلِك وَلَو وليت مَا ولي عُثْمَان لَسَلَكْت سَبيله
وروى سيف بِإِسْنَادِهِ عَن سُوَيْد بن غفله قَالَ سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب رض = يَقُول أَيهَا النَّاس الله الله إيَّاكُمْ والغلو فِي عُثْمَان وقولكم حراق الْمَصَاحِف فوَاللَّه مَا أحرقها إِلَّا عَن مَلأ منا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم جَمعنَا فَقَالَ مَا تَقولُونَ فِي هَذِه الْقِرَاءَة قد أختلف فِيهَا النَّاس يلقى الرجل الرجل فَيَقُول قراءتي خير من قراءتك وقراءتي أفضل من قراءتك وَهَذَا شَبيه بالْكفْر فَقُلْنَا مَا الرَّأْي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ أرى أَن أجمع النَّاس على مصحف وَاحِد فَإِنَّكُم أَن اختلفتم الْيَوْم كَانَ من بعدكم أَشد اخْتِلَافا فَقُلْنَا فَنعم مَا رَأَيْت فَأرْسل إِلَى زيد بن ثَابت وَسَعِيد بن العَاصِي فَقَالَ يكْتب أَحَدكُمَا ويملي الْأُخَر فَإِذا اختلفتما فِي شَيْء فارفعاه إِلَيّ فَكتب أَحدهمَا وأمل الْأُخَر فَمَا أختلفا فِي شَيْء من كتاب الله الا فِي سُورَة الْبَقَرَة فَقَالَ أَحدهمَا التابوه بِالْهَاءِ وَقَالَ الْأُخَر التابوت بِالتَّاءِ فرفعاه إِلَى عُثْمَان رض = فَقَالَ التابوت قَالَ قَالَ عَليّ ابْن آبي طَالب رض = وَالله لَو وليت مثل الَّذِي ولي لصنعت مثل الَّذِي صنع قَالَ فَقَالَ الْقَوْم لسويد الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لسمعت هَذَا من عَليّ قَالَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لسمعت هَذَا من عَليّ رض = وَعَن مُحَمَّد وَطَلْحَة قَالَا بلغ عُثْمَان رض = شدَّة ذَلِك على عبد الله
فَكتب إِلَيْهِ أَن الَّذِي أَتَاك من قبلي لَيْسَ بِرَأْي أبتدعته وَلَا حدث أحدثته وَلَكِن هَذَا الْقُرْآن وَاحِد جَاءَ من عِنْد وَاحِد وَهَؤُلَاء قراء الْقُرْآن عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأهل دَار الْهِجْرَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وصالحوا الْأَمْصَار قد رهصوا فِيهِ وَقَامُوا بِهِ فِي كل أفق وخافوا أَن يلبس من بعدهمْ وَأَن يَجعله النَّاس عضين وَلَيْسَ بهم أَنْت وَلَا أمثالك فَقَامَ إِبْنِ مَسْعُود رض = يَوْم خطبَته فَخَطب وحذر الْمُسلمين وَقَالَ إِن الله لَا ينْزع الْعلم إنتزاعا وَلَكِن يَنْزعهُ بذهاب الْعلمَاء وَإِن الله لَا يجمع أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم على ضَلَالَة فجامعوهم على مَا أجتمعوا عَلَيْهِ فوَاللَّه مَا تَابعه أَصْحَابه وَلَكِن أستعربوا فَكتب ابْن مَسْعُود بذلك إِلَى عُثْمَان رض = عَنْهُمَا واستأذنه فِي الرُّجُوع إِلَى الْمَدِينَة وأعلمه أَنه يكره الْمقَام بِالْكُوفَةِ لما يخَاف أَن يحدث فِيهَا بعد من فشو الْأَنْبِيَاء والأذاعة والتكلف ويأبى عُثْمَان رض = أَن يَأْذَن لَهُ حَتَّى أذن لَهُ قبل مَوته بأشهر لإكثاره عَلَيْهِ
وَكتب عُثْمَان رض = إِلَى الْأُمَرَاء أما بعد فَإِن الرّعية قد طغت فِي الأنتشار ونزعت إِلَى الشره وأعداها على ذَلِك ثَلَاث دنيا مُؤثرَة وَأَهْوَاء مسرعة وظعائن مَحْمُولَة ويوشك أَن تنفر فَتغير فَلَا تجْعَلُوا لَاحَدَّ عِلّة كفوا عَنْهُم مَا لم يحرفوا دينا وخذوا الْعَفو من أَخْلَاقهم وأجملوا لَهُم وَدين الله لَا تركبنه
وَكتب أَيْضا للعمال أستعينوا على النَّاس فِي كل ينوبكم بِالصبرِ وَالصَّلَاة وَأمر الله أقيموه وَلَا تدهنوا فِيهِ وَإِيَّاكُم والعجلة فِيمَا سوى ذَلِك وارضوا من الشَّرّ بأيسره فَإِن قَلِيل الشَّرّ كثيروا وأعلموا أَن الَّذِي ألف بَين الْقُلُوب هُوَ الَّذِي يفرقها ويباعد بَعْضهَا من بعض سِيرُوا سيرة قوم يُرِيدُونَ الله لِئَلَّا يكون لَهُم على الله حجَّة