المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأول من الحزب السادس عشرفي المصحف (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٢

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌الربع الأول من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المائدة

- ‌الربع الثاني من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني عشرمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثانيفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني عشرفى المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث عشرمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنعام

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس عشرفي المصحف (ق)

- ‌ سورة الأعراف

- ‌الربع الأول من الحزب السادس عشرفي المصحف (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنفال

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التوبة

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأول من الحزب السادس عشرفي المصحف (ت)

‌الربع الأول من الحزب السادس عشر

في المصحف (ت)

في حصة هذا اليوم نشرع في تفسير الحزب السادس عشر في المصحف الكريم، وأول ربع فيه يبتدئ بقوله تعالى في فاتحة سورة الأعراف:{بسم الله الرحمن الرحيم المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} وينتهي بقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} .

ــ

وأحسن ما ينبغي تقديمه في مطلع هذا الحديث هو التعريف بسورة الأعراف قبل الشروع في تفسير آياتها على وجه التفصيل.

لقد كانت (سورة الأعراف) هي أطول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، وهي ثالث سورة مكية تقع في المصحف الكريم حسب ترتيبه المعهود، بالإضافة إلى سورة الفاتحة وسورة الأنعام المكيتين، وتعتبر أوفى سورة عالج فيها الوحي الإلهي بالشرح والتوضيح مجموع العقائد الأساسية للدعوة الإسلامية التي هي خاتم الرسالات الإلهية. وهي في نفس الوقت أول سورة اعتنت عناية خاصة بعرض قصص الأنبياء السابقين مع أممهم على أنظار الأمة

ص: 196

الإسلامية، وجميع الأجناس البشرية، إعانة لها على التبصر والاعتبار، وتجنب الموبقات والأخطار، فتحدثت عن آدم، ونوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى عليهم الصلاة والسلام، وقد خصصت سورة الأعراف التي نحن بصدد تفسيرها من بين هذه القصص قصة موسى وبني إسرائيل، بمزيد من الاستيعاب والتفصيل، مما يساعد على تفهم الأطوار الغريبة التي مر بها هذا العنصر المتمرد العليل، كقوله تعالى:{قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} وقوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} ، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} وقوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} وقوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} .

والطابع الغالب على هذه السور هو طابع الإنذار، والوعيد بالهلاك والدمار، لكل من يكذب بآيات الله، ولا يشكر نعمة الله، ويستكبر عن طاعة الله، ويتولى غير الله، كقوله تعالى:{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، وكقوله تعالى:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ

ص: 197

حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}.

وأطلق على هذه السورة اسم {سورة الأعراف} أخذا من قوله تعالى فيها {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} ، وقوله تعالى أيضا:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} .

وسورة الأعراف هي إحدى السور التسع والعشرين في كتاب الله التي بدأت ببعض حروف التهجي، وكما بدئت بها سورة البقرة:{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} بدئت سورة الأعراف أيضا {المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} وكأن في ذلك المطلع تنبيها إلى أن كتاب الله وإن كان مؤلفا في ظاهره من جنس حروف التهجي التي هي في متناول كل من ينطق باللسان العربي من مختلف الأجناس، إلا أن البشر لا يستطيعون أن يؤلفوا من تلك الحروف إلا كلاما عاديا وأوزانا، بينما الحق سبحانه وتعالى ينزل بها على رسوله قرآنا معجزا وفرقانا، ويودع فيها من سر علمه وحكمته هدى وتبيانا.

وكما تحدثت سورة الأعراف في بدايتها عن كتاب الله فكان براعة الاستهلال {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} تحدثت في نهايتها عن كتاب الله أيضا، فكان مسك الختام وفصل المقال {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .

ص: 198

والآن فلنتجول في هذا البستان الإلهي النضير، تجول المتبصر المستنير، ولنقف ولو وقفة قصيرة عند بعض زهراته، عسى أن نستمتع بعبير نفحاته.

يقول الله تعالى: في خطابه لنبيه خطاب القريب للقريب: {المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} فها هنا يمتن الحق سبحانه وتعالى على نبيه باختياره للنبوة من بين سائر العرب، واصطفائه للرسالة من بين كافة البشر، ومعنى ذلك أنه قد وقع الاختيار عليه بدلا من غيره لحكمة إلهية، وأنه مكلف في هذه الأرض بأداء رسالة سماوية سامية {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} إليك يا محمد، لا إلى غيرك من العرب والعجم، فأنت خاتم الرسل إلى كافة الشعوب والأمم. والبشر بالنسبة إلى هذا الكتاب الإلهي الحكيم نوعان:{مؤمنون} يتوجه إليهم كتاب الله بالتذكير والوعد والبشارة، و {مكذبون} يتوجه إليهم بالتحذير والوعيد والنذارة {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} .

ونظرا لما يفرضه القيام بأداء هذه الرسالة الثقيلة الأعباء، من صبر وجلد وتضحية، وكفاح متواصل الحلقات، مع ما يستتبعه ذلك من مواجهة الصدمات والأزمات، وجه الحق سبحانه وتعالى خطابه الرقيق الرفيق إلى خاتم رسله، قائلا له تثبيتا لفؤاده، وتشجيعا له على بلوغ مراده، {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} أي فلا تتحرج في إبلاغه والإنذار به، لأن الله تعالى قد تعهد في الأزل بأن يشرح صدرك ويعصمك من الناس {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} - {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وإذن فما عليك أيها الرسول إلا أن تقوم

ص: 199

بأداء الأمانة وتبليغ الرسالة، ولا يضق صدرك بتكاليف الوحي المنزل، فإنك مؤيد معان، والله المستعان، على غرار قوله تعالى في آية أخرى {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} .

وبهذا التفسير الواضح يصبح وضع الآية في معناها المراد على النحو الآتي: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ، لتنذر به وذكرى للمؤمنين، فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} والتقديم والتأخير أسلوب من أساليب البلاغة المعروفة عند العرب، فقد يقدمون اللفظ على موضعه الطبيعي من الجملة، تنبيها إلى أن معناه هو محور الحديث، وإلى أن السياق مرتبط به أكثر من غيره، حتى يلتفت إليه ذهن المخاطب التفاتا خاصا.

قال القاضي أبو بكر " ابن العربي ": " إن كان " الحرج " هو الشك، فقد أنار الله فؤاده " أي النبي " باليقين، وإن كان هو التبرم، فقد حبب الله إليه الدين وخفف عليه ثقل العبادة، حتى جعلت قرة عينه في الصلاة، وإن كان هو الضيق، فقد وسع الله قلبه بالعلوم وشرح صدره بالمعارف، وذلك مما فتح الله عليه من علوم القرآن ".

وإذا كان الخطاب الإلهي قد توجه إلى رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم مباشرة بوجوب أداء الأمانة وتبليغ الرسالة، دون تهاون ولا تردد ولا اعتذار، فإن توجيه هذا الخطاب الإلهي عن طريقه إلى كافة ورثته من أمراء المؤمنين وعلماء المسلمين يكون من باب أولى وأحرى، إذ لا يبرر إهمال هذا الواجب أو التهاون فيه أي مبرر شرعي أو عقلي، قال القاضي عبد الجبار:" وإذا بعثه الله تعالى - أي بعث نبيه - على الأداء، وتوعده على تركه، فغيره بذلك أولى ".

ص: 200

وبمجرد ما انتهى الخطاب الإلهي من التوجه إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في شأن نزول القرآن عليه لنذارة المكذبين، وبشارة المؤمنين، انتقل الخطاب الإلهي مباشرة إلى المؤمنين بالله ورسوله، ليحدثهم في شأن نزول القرآن عليهم، إذ كما أنزل عليه لتبليغه والإنذار به أنزل عليهم لإتباعه وطاعته في السراء والضراء، والسير في حياتهم على محجته البيضاء، فقال تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} تنبيها على أن كتاب الله نزل للعمل قبل التبرك، ونزل للأحياء قبل الأموات، وتقريرا لكونه الدستور المقدس والقانون الأعلى، الحاكم على غيره، والمهيمن على سواه في جميع المجالات.

وفي التعبير بقوله تعالى: {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} إشارة إلى أن عناية الله بخلقه، ورعايته لهم، وإلى تمهيد جميع الوسائل لتربيتهم والأخذ بيدهم، وتقويم سلوكهم، حتى يسلكوا طريق السعادة، وينالوا الحسنى وزيادة.

قال القاضي أبو بكر " ابن العربي ": " قال علماؤنا معنى هذه الآية - اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم - أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، واستبيحوا مباحه، وارجوا وعده، وخافوا وعيده، واقتضوا حكمه، وانشروا علمه، وفضوا خاتمه، وألحقوا به ملائمه ".

وبعدما تناولت الآيات الكريمة مصرع الظالمين، وأكدت أن المرسل إليهم سيسألون يوم القيامة بمحضر الأنبياء والمرسلين، ووصفت ما تكون عليه موازين المفلحين وموازين الخاسرين، وبينت

ص: 201

ما خص الله به النوع الإنساني من تمكين وتكريم، وكيف خلقه في أحسن تقويم، وبعدما عرض كتاب الله قصة آدم وإبليس التي تناولناها من قبل، بمناسبة عرضها في سورة البقرة، وعند الإشارة إليها في سورة آل عمران، وبعدما لفت كتاب الله النظر إلى ما آثاره أمر الله لملائكته بالسجود لآدم من حوار واستفسار، وجه الحق سبحانه وتعالى أربعة نداءات إلهية إلى الناس كافة، يصفهم فيها بوصفهم المشترك العام، وهو بنوتهم جميعا لآدم عليه السلام، تذكيرا لهم بنعمة الوحدة، الوحدة الإنسانية المتمثلة في تناسلهم وتسلسلهم من أب واحد، واشتراكهم في رحم واحد، هو رحم الآدمية والإنسانية، ذلك الأمر الذي يجب أن يكون باعثا لهم على التعاطف والتراحم، لا على التقاطع والتلاحم، وهذه النداءات الأربعة هي الوحيدة من نوعها الواردة في كتاب الله بهذا الوصف الجامع {يَا بَنِي آدَمَ} ، أحدها سيرد في الربع القادم، وهو قوله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .

والثلاثة الباقية منها واردة في هذا الربع:

{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} .

{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} - الآية -.

{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} .

ص: 202