المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٢

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌الربع الأول من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المائدة

- ‌الربع الثاني من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني عشرمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثانيفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني عشرفى المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث عشرمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنعام

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس عشرفي المصحف (ق)

- ‌ سورة الأعراف

- ‌الربع الأول من الحزب السادس عشرفي المصحف (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنفال

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التوبة

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشر

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتناول تفسير الربع الثاني من الحزب التاسع عشر في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى في سورة الأنفال المدنية:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} إلى قوله تعالى في سورة التوبة المدنية أيضا: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .

ــ

بعدما نبه كتاب الله في نهاية الربع الماضي إلى ما قد يتعرض له المؤمنون من دسائس ومؤامرات، يبيتها لهم أعداء الإسلام، وخاصة ما يقوم به أولئك الأعداء من خيانة متوالية للعهود، ونقض مستمر للمواثيق، إذ لا عهد لهم ولا ميثاق، فقال تعالى في شأنهم:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} .

وبعدما دعا كتاب الله إلى وجوب التنكيل بأعداء الإسلام

ص: 343

الخائنين للعهود، والضرب على أيديهم عند لقائهم دون هوادة، حتى يعتبر بهم غيرهم من بقية الأعداء، وحتى لا يحدثوا أنفسهم بالعدوان من جديد على المسلمين، فقال تعالى:{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} .

وبعدما أمر الله رسوله والمؤمنين بالاحتياط التام، من تحركات أعداء الإسلام، وبالمبادرة إلى نقض عهدهم عند توقع خيانتهم، بمجرد ظهور بوادر الخيانة وبروز آثارها، وإن لم يكونوا قد أعلنوا خيانتهم رسميا، فقال تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} جاءت الآيات الكريمة في أول هذا الربع بقاعدة قرآنية عامة، وخطاب إلهي موجه إلى كافة المومنين، بصفة مؤبدة ومستمرة إلى يوم الدين، وذلك قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} . ففي هذا الخطاب الإلهي الحكيم يأمر الله عباده المومنين أمرا قاطعا بإعداد كل ما في إمكانهم واستطاعتهم من وسائل القوة، الكافية لمجابهة أعداء الإسلام، وعدم الغفلة عن هذا الاستعداد، على مدى السنين والأعوام.

وكتاب الله في هذه الآية لا يحدد نوعا خاصا من أنواع " القوة " وإنما يأمر بإعداد القوة بكل ما في الوسع والطاقة، وعلى الإطلاق والشمول، دون تعيين لنوعها، ولا تحديد لشكلها، لأن أنواع القوة وأدواتها تختلف من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل، فلكل عصر نوع من القوة يقهر الأعداء، ونوع من السلاح يفيد في مقاومتهم ويردهم على أعقابهم. والله تعالى بمقتضى هذه الآية يلزم المسلمين بأن يكونوا أقوياء غير ضعفاء، وبأن يكونوا في

ص: 344

مستوى كاف من القوة يجعلهم في مأمن من طمع الطامعين، وعدوان المعتدين، إذ هو سبحانه وتعالى أعلم بما سيواجه الإسلام منذ ظهوره في العالم من أحلاف عدائية، ودسائس سياسية وعسكرية، ومؤامرات صليبية وصهيونية وإلحادية، دون انقطاع، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولذلك نزلت هذه الآية المحكمة واضحة كل الوضوح، صريحة كل الصراحة، تحذيرا للمسلمين من الغفلة عما يقويهم، وتذكيرا لهم بما يحيط بهم باستمرار من دسائس أعدائهم ومؤامراتهم، مما يلزم الاستعداد لرده والوقوف في وجهه في كل جيل، دون تهاون ولا إهمال ولا تردد. قال القاضي أبو بكر " ابن العربي ":" أمر الله سبحانه وتعالى بإعداد القوة للأعداء، بعد أن أكد في تقدمة التقوى، وأن الله تعالى لو شاء لهزمهم - أي الأعداء - بالكلام والتفل في الوجوه " إلى أن قال: " ولكنه أراد أن يبلو بعض الناس ببعض، بعلمه السابق، وقضائه النافذ، فأمر بإعداد القوى والآلة من فنون الحرب، التي تكون لنا عدة، وعليهم قوة، ووعد على الصبر والتقوى بإمداد الملائكة العليا ".

وكتاب الله عندما يتحدث عن " القوة " ويدعو المسلمين إلى إعدادها بكل الوسائل لا يقصد بلفظ القوة معناها المادي المجرد وحده، المتمثل في الآلات والأدوات الحربية، وإنما يقصد منها معناها المادي ومعناها الروحي في آن واحد، بل إن القوة الروحية عنده بالنسبة إلى القوة المادية تعتبر كالجوهر بالنسبة للعرض، والروح بالنسبة للجسد، فالقوة الروحية في نظر الدين والأخلاق، والروح المعنوية العالية، في نظر المختصين من رجال الدراسات

ص: 345

النفسية والأبحاث العسكرية، هي منبع كل قوة، وأساس كل نصر، وبدونها تضطرب القلوب وتنهار الأعصاب، وتصبح الهزيمة من كل جيش قاب قوسين وعلى الأبواب، لكن إذا كانت قوة الإيمان بالله وتقوى الله تقود جنود الإسلام، في خطواتهم إلى الأمام، فبشرهم من عند الله بالفتح المبين، والنصر والتمكين، ووقتئذ يتم وعد الله بالغلبة على الكافرين، ويصدق قول الله تعالى وهو أصدق القائلين:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} أي أنهم لا يعجزون الله، فهم في قبضته، وتحت قهره ومشيئته.

وبعدما أمر الله المسلمين بإعداد القوة لكبح جماح أعداء الإسلام، بشكل عام، خص كتاب الله بالذكر من بين أنواع القوة نوع الخيل، فقال تعالى، {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} وقد كانت الخيل في الحروب الماضية تحتل مكانا بالغ الأهمية، ولا تزال الخيل إلى اليوم تقوم بدور مهم في العمليات الحربية، ولا سيما عندما تتعذر الحركة على الأدوات الآلية. ولعل ذكر " الخيل " هو إنما ورد على وجه التنبيه، نظرا لأن الخيل كانت في العهد الإسلامي الأول أهم شيء في الحرب، وذلك حتى يقيس المسلمون عليها غيرها، ويهتموا في مستقبل الأيام بكل ما يحدث ويتجدد من أدوات القوة ووسائلها الفعالة، فالعبرة أولا وأخيرا إنما هي بإعداد القوة التي لا تضام، والاستعداد التام للعدو الظاهر والخفي على الدوام.

ومن اللطائف في هذا الباب ما قام به علماء الشريعة من مناقشات، وما شغلوا به أنفسهم من مقارنات بين أدوات الحرب

ص: 346

أيها أفضل، اهتماما بهذا الموضوع: هل أن ركوب الخيل أفضل من الرمي، أم أن الرمي أفضل من ركوب الخيل، فذهب الإمام مالك إلى الرأي الأول، استنادا فيما يظهر إلى قوله تعالى هنا:{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} وإلى قوله صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير، إلى يوم القيامة. الأجر والمغنم) وهذا الحديث رواه البخاري في صحيحه عن عروة ابن أبي الجعد.

وذهب غيره إلى الرأي الثاني، استنادا إلى أحاديث نبوية أخرى، فقد روى الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي. ثلاثا) وهذا الحديث مروي عن رسول الله في صحيح مسلم أيضا. وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن من حديث صالح بن كيسان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ارموا واركبوا، وأن ترموا خير من أن تركبوا).

وبعدما أمر كتاب الله المؤمنين من عباده بإعداد القوة لمواجهة خصوم الإسلام، حتى يصونوا البيضة ويحموا الذمار، أخذ يكشف الستار عن الحكمة الإلهية من وراء هذا الأمر القاطع، في إيجاز وإعجاز، فقال تعالى:{تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} ومعنى هذه الآية الكريمة أن الحكمة من وراء أمر المسلمين ببذل كل ما في المستطاع، للحصول على القوة المادية إلى جانب القوة المعنوية، هي تخويف أعدائهم من مواجهتهم، وقطع كل أمل في الطمع فيهم، وتحذيرهم من نتائج

ص: 347

أي عدوان يغامرون به ضد المسلمين، إذ إن ضعف الضعفاء يغري بهم ويطمع فيهم جميع الأقوياء، فالقوة مهما وجدت وتيقن العدو من وجودها وحسن استعمالها، فكر العدو في الأمر وقدر ولم يغامر في أغلب الظروف، بحيث متى راوده الطمع في المسلمين يوما من الأيام وجدهم على أهبة الاستعداد، ووقفوا له صفا واحدا بالمرصاد.

وكتاب الله ينبه المسلمين إلى أن عدو الله هو عدو لهم في نفس الوقت كما قال تعالى هنا: {عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} والمراد بعدو الله دينه، وعدو رسوله، وعدو كتابه، وعدو الأمة المؤمنة. ومن خلل العقل وبلادة الذهن اعتقاد بعض البسطاء أن عدو الله يمكن أن يكون عدوا لدودا للإسلام، لكن يكون في نفس الوقت صديقا حميما للمسلمين. فهذه فكرة سخيفة لا تنسجم مع عقل ولا مع شرع.

وها هي الأحداث الأخيرة قد كشفت النقاب بما لا يدع الشك لمسلم، عن أمرين خطيرين:

الأمر الأول: ما لا يزال يحمله أعداء الإسلام للمسلمين من حقد وضغينة وشماتة، ونوايا سيئة ضدهم جميعا، وذلك بمناسبة نكبة فلسطين الكبرى، التي وجدتهم مضعضعي القوى ماديا وروحيا.

والأمر الثاني: صدق كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ووجوب تنفيذ أمره، بإعداد القوة والاستعداد للعدو، وبذل النفس والنفيس في هذا السبيل، وإلا حقت على

ص: 348

المسلمين كلمة العذاب، وطرقت ساحتهم المصائب والنوائب من كل باب.

وقوله تعالى في هذا السياق: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} إشارة إلى أن للإسلام والمسلمين أعداء ألداء غير ظاهرين، وإلى أنه كما يجب على المسلمين أن يستعدوا لأعدائهم التقليديين المعروفين، فعليهم أن يدخلوا في حسابهم دائما أولئك الأعداء المتسترين الذين يعملون ضدهم في السر والخفاء، بينما يواجهونهم بالكلام المعسول واللين لا بالجفاء:{يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} . وعداوة هؤلاء الأعداء المتسترين أدهى وأمر، وأنكى وأشد من الأعداء المكشوفين، لأنهم هم الذين يوجهون الآخرين عن طريق جمعياتهم السرية، ويرسمون للباقين خطط تخريب العالم الإسلامي وتدمير مقدساته، ويعرفونهم بالوسائل الفعالة لعرقلة نموه وتطوره:{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} . ومن هنا كان عبء المسلمين ثقيلا لاسيما في هذا العصر، وكانت اليقظة الدائمة والاستعداد المستمر أوجب الواجبات، على خاصة المسلمين وعامتهم في جميع الأوقات.

ثم نبه كتاب الله إلى التضامن التام القائم بين أعداء الإسلام، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} . ومقابل هذا التضامن القائم بين ملة الكفر، والموجه إلى أذى المسلمين، حض كتاب الله على توثيق أواصر الألفة بين المؤمنين، منوها بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، حتى يسلك طريقهم من جاء بعدهم من الأوفياء الأبرار، فقال تعالى: {إِنَّ

ص: 349

الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، إذ لا يقاوم تضامن أهل الباطل وتكتلهم، ولا يقضى على آثاره السيئة، إلا بتضامن أهل الحق وتكتلهم صفا واحدا، ولا يفل الحديد إلا الحديد:{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .

وأخيرا حذر كتاب الله من مخالفة هذه الأوامر الإلهية الصارمة، التي بامتثالها ينهض المسلمون وينصرون، وبمخالفتها تدول دولتهم ويقبرون، فقال تعالى:{إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} . ففي هذه الآية الكريمة آخر إنذار وجهه كتاب الله مباشرة إلى كافة المؤمنين، ومضمون هذا الإنذار الإلهي الخطير: إنكم أيها المسلمون إن ضيعتم الألفة التي عقدتها بينكم، وانقسمتم على أنفسكم، وواليتم أعداء الإسلام بدلا من موالاة بعضكم، وإن أهملتم إعداد القوة اللازمة لحفظ كيانكم، والعمل المتواصل لتدعيم سلطانكم، وإن تخاذلتم عن إعزاز ملتكم وحماية دولتكم، وإن تهاونتم في السعي إلى فرض هيبتكم وإعلاء كلمتكم {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} أي أن لا تفعلوا كل هذا:{تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ} أي تقم فتنة في أطراف العالم، وفي طليعة العالم الإسلامي، وذلك لتسلط قوات الشر والعدوان في كل مكان، ولفقدان التوازن بين القوات المتطاحنة في الميدان، وهكذا يسود البغي والفساد، في جميع أطراف البلاد:{تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} وهذا التفسير الذي فسرنا به

ص: 350