المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأخير من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٢

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌الربع الأول من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المائدة

- ‌الربع الثاني من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني عشرمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثانيفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني عشرفى المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث عشرمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنعام

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس عشرفي المصحف (ق)

- ‌ سورة الأعراف

- ‌الربع الأول من الحزب السادس عشرفي المصحف (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنفال

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التوبة

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأخير من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأخير من الحزب السادس عشر

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتناول الربع الأخير من الحزب السادس عشر في المصحف الكريم ابتداء من قوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} إلى قوله تعالى: {فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} .

ــ

مما يستحق التنبيه في بداية هذا الربع، أن الآيات الأولى منه استمرار في حكاية قصة هود مع قومه عاد، وتتمة لرده عليهم، وتذكيره إياهم. والذي يقرأ قصة نوح وقصة هود بتمعن وتأمل في نهاية الربع الماضي وبداية هذا الربع، ثم يقرأ ما سيرد في ثنايا هذه السورة الكريمة {سورة الأعراف} من قصص بقية الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، يرى رأي العين أن كتاب الله أراد أن يكشف الستار عن جملة من الحقائق كلها تستحق النظر والاعتبار، فمن تصوير لوحدة طبيعة الإيمان ووحدة طبيعة الكفر ثانيا، ومن تصوير للغفلة عن النذر وإهمال للشكر على نعمة الاستخلاف في الأرض ثالثا، ومن تصوير لمصارع المكذبين وكونها تجري على سنة واحدة لا تتبدل ولا تتخلف رابعا، وها هو كتاب الله يصف لنا دعوة نوح إلى قومه

ص: 230

فيقول: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ، ثم يصف لنا دعوة هود إلى قومه بنفس المعنى والأسلوب فيقول {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} .

وها نحن نرى قوم هود يتعجبون ويستغربون من أن ينزل الوحي على رجل منهم لينذرهم، فيخاطبهم هود، كما في بداية هذا الربع قائلا:{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} على غرار ما قاله نوح مخاطبا لقومه ومستغربا من استغرابهم كما في الربع الماضي {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .

ونفس الشيء نلاحظه في موقف كبراء القوم وسادتهم من هود كما حكاه عنهم كتاب الله {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} ، وفي موقف كبراء القوم وسادتهم من نوح قبله، كما حكاه عنهم كتاب الله أيضا {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} فالموقفان متماثلان إن لم يكونا عبارة عن موقف واحد، ولفظ " الملأ " الوارد هنا وفي سورة سبأ {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ} يطلق في اللغة على القادة والسادة، لما لهم من مكانة وهيبة " تملأ " الأبصار، وتستلفت الأنظار.

ثم يأتي جواب كل من هود ونوح قبله لقومهما على ما رموا به الأول من سفاهة، وما رموا به الثاني من ضلالة، على نمط متشابه ومتقارب، إن لم يكن واحدا، فيرد نوح على قومه: {قَالَ يَا قَوْمِ

ص: 231

لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ويرد هود على قومه: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

وكما تصف قصة نوح تكذيب قومه له، ومصرعهم بعد الإصرار والاستكبار، ونجاته ومن معه من المؤمنين، {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ} تصف قصة هود تكذيب قومه له، ومصرعهم بعد الإنذار والأعذار، ونجاته ومن معه من المؤمنين {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} - {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} .

وعندما تنتهي قصة هود مع قومه عاد، وتبتدئ قصة صالح مع قومه ثمود نجد نفس المواقف ونفس الانطباعات، فالتشابه تام، والوحدة قائمة، فها هو صالح يدعو قومه بنفس الدعوة قائلا:{يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} وكما ذكر هود قومه بنعم الله عليهم، ولاسيما نعمة الاستخلاف في الأرض، عسى أن يشكروا النعم قائلا:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} نجد صالحا أيضا يذكر قومه بنعم الله عليهم، طبقا لنفس الأسلوب إذ يقول:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} .

ص: 232

ونفس الموقف الذي وقفه الملأ - وهم القادة والسادة من نوح وهود، يقفه الملأ من صالح أيضا، كما حكى كتاب الله ذلك عنهم:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا} - أي المؤمنون المستضعفون - {إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} - وهم الملأ - {إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} .

وكما كان مصرع قوم نوح وقوم هود بعد الإنذار لهم والإنكار منهم جاء مصرع قوم صالح بنفس التدريج ونفس الترتيب {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} - {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} . وترتيب هذه الآية كما في التلاوة جاء على أسلوب التقديم والتأخير، كما نبه على ذلك القاضي عبد الجبار، وهو مستعمل كثيرا في لسان العرب.

وتمضي الآيات الكريمة في هذا الربع وما بعده فتعرض علينا قصة لوط عليه السلام مع قومه، ولوط هو ابن أخ إبراهيم الخليل عليه السلام، كما تعرض علينا قصة شعيب مع قومه أيضا، وفي كلتا القصتين نجد ملامح مشتركة مع ما في القصص السابقة لبقية الأنبياء، فعن موقف قوم لوط من نبيهم يقول كتاب الله:{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} ، وعن موقف قوم شعيب من نبيهم يقول كتاب الله:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا} .

ص: 233

وعن مصرع قوم لوط ونجاته دونهم في نهاية الأمر، يقول كتاب الله:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} .

وعن مصرع قوم شعيب ونجاته دونهم بعد نفاد الصبر، يقول كتاب الله:{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} - {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} .

وتحدث كتاب الله في هذا الربع عن أكبر فاحشة ارتكبها قوم لوط وانفردوا بها، تنفيرا منها وتحذيرا، ألا وهي فاحشة الشذوذ الجنسي المعروف باللواط التي لم يسبقهم بها أحد من الناس، والتي طالما أنكرها لوط عليهم وهم متمادون عليها {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} ، وبنفس هذا المعنى جاءت آية ثانية في سورة العنكبوت:{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} . وجاءت آية ثالثة في سورة الشعراء في سياق قوله تعالى {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} - {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} .

قال أبو بكر ابن عياش عن أبي جعفر: " استغنت رجال قوم

ص: 234

لوط بوطء رجالهم، واستغنت نساؤهم بنسائهم " ونقله الإمام النووي في كتابه " تهذيب الأسماء واللغات ".

وقال القاضي أبو بكر " ابن العربي ": " إن الله أخبر أن قوم لوط كانوا على معاص فأخذهم منها بهذه، وإنما أخذ الصغير والكبير، لسكوت الجملة عليه والجماهير، فكان منهم فاعل، وكان منهم راض، فعوقب الجميع، وبقي الأمر في العقوبة على الفاعلين مستمرا، وإنما ذكر الله هذه المعصية باسم الفاحشة {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}

ليبين أنها زنى، كما قال تعالى:{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}

ففاحشة اللواط مساوية للزنى في الاسم وهو " الفاحشة "، ومشاركة له في المعنى لأنه معنى محرم شرعا، فجاز أن يتعلق به الحد، وذلك للزجر عن الموضع المشتهى، بل هذا أحرم وأفحش، فكان بالعقوبة أولى وأحرى "، انتهى كلام ابن العربي.

وقد أحرق مرتكبي هذه المعصية خالد ابن الوليد في خلافة أبي بكر الصديق، وأحرقهم عبد الله ابن الزبير في زمانه، ثم أحرقهم هشام ابن عبد الملك، ثم أحرقهم خالد القسري بالعراق.

ومذهب مالك وجماعة منهم سعيد ابن المسيب والنخعي أن مرتكبها يرجم، أحصن أو لم يحصن، وقد سأل مالك ابن شهاب عن الذي يعمل عمل قوم لوط، فقال ابن شهاب " عليه الرجم أحصن أو لم يحصن "، ومذهب الشافعي وجماعة أنه يحد حد الزاني، إن كان محصنا فبجزائه وهو الرجم بالحجارة، وإن كان بكرا فبجزائه

ص: 235

وهو الجلد مائة. قال ابن العربي: " والذي صار إليه مالك أحق، وهو أصح سندا، وأقوى معتمدا ".

أما أخف الأقوال في مرتكب هذه المعصية فهو أن " يعزر " بدلا من أن يحد، كما ذهب إليه أبو حنيفة، باعتبار أن هذه المعصية لم يرد فيها حد مخصوص، ولا كفارة معينة، و " التعزير " عقوبة تأديبية، بدنية أو مالية، موكولة لاجتهاد الحاكم. لكن هذا القول الخفيف، خفيف الوزن أمام ما ورد في الحديث الشريف، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) رواه أبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

والسر في محاربة الدين والأخلاق لهذه الفاحشة النكراء، أنها تحدث انحرافا في الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وتشويها لها بإخراجها عن طريقها، وتؤدي في النهاية إلى تهديد النوع الإنساني بالانقراض تدريجيا، وتعطيل النسل من أصله، حيث أن هذه الفاحشة تعطل طاقة الإخصاب عند صاحبها عن نشاطها الأصلي، وتضييع طاقته في غير جدوى ودون ثمرة، لا للفرد ولا للمجتمع، وذلك مؤد بطبيعته إلى القضاء على أصل من الأصول الأساسية للملة، وهو حفظ النسل الذي يصونه الشرع بكل الوسائل.

قال حجة الإسلام الغزالي في كتابه الإحياء: " لو اجتمع الناس على الاكتفاء بالذكور في قضاء الشهوات لانقطع النسل، ورفع الوجود قريب من قطع الوجود "، وبين الغزالي في نفس السياق " أن فاحشة اللواط أخطر من فاحشة الزنى بهذا الاعتبار، لأن الزنى

ص: 236

لا يفوت أصل الوجود كما يفوته اللواط، وإذا كانت الشهوة داعية إلى الزنى من الجانبين الذكر والأنثى، وإن كان الزنى يشوش الأنساب ويخلطها، ويفوت على الناس تمييزها ".

وهكذا منذ ظهر الدين وعرفت الأخلاق، ظلت الدعوة قائمة مستمرة لحماية المؤمنين من مظاهر الخزي والعار، وتطهير المجتمع من مثل هذه الأوساخ والأقذار، حتى يكون مجتمعا فاضلا، متمسكا بالفطرة، نقيا من الموبقات والأوزار.

ص: 237