الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الربع الأول من الحزب العشرين
في المصحف الكريم (ت)
عباد الله
حديث هذا اليوم يتناول الربع الأول من الحزب العشرين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} .
ــ
في بداية هذا الربع، يتحدث كتاب الله من جديد عن الأحبار والرهبان، فيكشف النقاب عن استغلالهم للناس وتضليلهم إياهم، وقد سبق في الربع الماضي استنكار قوي واستهجان بالغ للاعتقاد الفاسد الذي يعتقده فيهم أتباعهم المغرورون، وذلك قوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} ففي هذه الآية الكريمة نعى الله على اليهود ما ينسبونه إلى أحبارهم، وعلى النصارى ما ينسبونه إلى رهبانهم من نفع وضر، وما يعلقونه عليهم من رجاء باطل في الشفاعة والمغفرة وحسن الثواب، وما يطيعونهم فيه من
أحكام، تتصل بجوهر الحلال والحرام، مع أن أحكامهم تلك لا سند لها من الدين، وإنما هي من بنات أفكارهم ومحدثات أهوائهم، فهذا معنى اتخاذهم لأحبارهم ورهبانهم {أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} .
روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والطبري من عدة طرق عن عدي بن حاتم الطائي الذي كان أبوه مشهورا بالكرم بين العرب، حتى أصبح " الكرم الحاتمي " بينهم مضرب المثل، أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم وفي عنقه صليب من فضة، إذ كان على النصرانية قبل دخوله في الإسلام، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} فقال عدي مدافعا عن النصارى: " أنهم لم يعبدوهم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم). ثم أقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وكان من جملة ما قال له:(يا عدي ما تقول؟ أيضرك أن يقال: الله أكبر؟ فهل تعلم شيئا أكبر من الله؟ ما يضرك؟ أيضرك أن يقال لا إله إلا الله؟ فهل تعلم إلها غيره؟) ولم يلبث عدي بعد سماعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالسته إياه أن أسلم وشهد شهادة الحق. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون).
وأما عقيدة التثليث التي يعتقدها النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام فالشرك فيها بالله واضح كل الوضوح، متجاوز كل الحدود، وسبق في شأنها قوله تعالى:{وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} الآية، وكذلك ما نسبه اليهود قبلهم
من بنوة عزير لله الذي لم يلد ولم يولد: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} .
وتولى كتاب الله في هذا الربع وصف الأحبار والرهبان، بما ليس فوق بيانه بيان، فقال تعالى معرفا للمؤمنين بحقيقتهم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فالأحبار والرهبان أغلبهم عبارة عن مستغلين للشعوب يستنزفون أموال الناس بشتى الوسائل، وقد كان لأحبار اليهود على عهد الجاهلية شفوف واعتبار ومكانة خاصة بين المشركين العرب، وكان لهم عندهم هدايا وضرائب تجبي إليهم، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استمروا على ضلالهم واستغلالهم، وبذلوا كل ما في وسعهم من الدسائس والمؤامرات للقضاء على الإسلام في مهده، ولاغتيال رسوله قبل حلول أجله، طمعا في أن تبقى لهم مراكزهم العالية، ورياساتهم الزائفة، التي تمتعوا بها زمنا طويلا، لكن الله سلبهم كل ذلك، وعوضهم عنه مزيدا من الغضب والتشريد، وأما رهبان النصارى فرغما عن أن الإسلام كشف عنهم النقاب، وألقى عليهم الأضواء، لم يزالوا يستغلون ضعفاء العقول من أتباعهم إلى الآن وحتى الآن، في مختلف البلدان، ولا سيما في فترة " الاعتراف بالذنوب " أمامهم، عندما يخيلون للمذنبين وأتباعهم أنهم سيمنحونهم " صك التوبة والغفران "، ويتقاضون منهم مقابل ذلك أغلى الأثمان. وما الثروة الهائلة المكدسة التي كانت تملكها الكنيسة في العصور الغابرة، والتي لا تزال تملكها حتى اليوم، ممثلة في العقارات والمنقولات والمعادن
النفيسة والأحجار الكريمة إلا شاهد ناطق بصدق هذه الآية منطوقا ومفهوما.
وإلى جانب ما عرف به أغلب الأحبار والرهبان من استغلال بالغ للضعف البشري، واستثمار فاحش للأزمات الروحية والعقد النفسية عند الناس أخذوا على عاتقهم منذ ظهور الإسلام القيام بصد الناس عن سبيل الله، واستعمال جميع الوسائل، للحيلولة بينهم وبين اتباع الحق، وذلك عن طريق إثارة الشبهات الباطلة، وإثارة الغرائز السافلة، وتشويه الحقائق الواضحة، واختلاق الأكاذيب الفاضحة.
وعلى سبيل المثال نذكر ما تطاول عليه الرهبان بإعانة اليهود من ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية ترجمة مختزلة محرفة مشوهة، مذيلة في نفس الوقت بالرد على عقائده بعدما حرفوها، وبالطعن في شرائعه بعدما شوهوها، إذ عرضوا ذلك كله في ترجمتهم وتعاليقهم عرضا ممسوخا فاسدا، وهذه الترجمة اللاتينية التي أشرنا إليها هي أول ترجمة مشوهة للقرآن وضعت بين أيدي قراء اللاتينية من الأوربيين، وذلك على أيدي تراجمة طليطلة من الرهبان واليهود، وكان المشرف على هذه الترجمة المزورة هو الراهب الشهير بطرس المبجل Pierre le vénérable من رهبان القرن الثاني عشر الميلادي، وقد صرح هذا الراهب نفسه بأن الغرض الأساسي من تلك الترجمة المشوهة هو الدعاية ضد الإسلام، وأهدى هذه الترجمة إلى سان بيرنار Saint Bernard ، وبعدها بأربع سنوات فقط أعلنت أوربا المسيحية الحرب الصليبية الثانية ضد المسلمين. ويقرر المستشرق
Régis Blachère في كتابه باللغة الفرنسية " مدخل إلى القرآن "" أن العارف باللغتين العربية واللاتينية عندما يقارن بين النص العربي للقرآن وهذه الترجمة اللاتينية لا يملك نفسه من الدهشة، إذ يجدها قليلة التشابه مع النص الأصلي، ولا يتردد عن القول بأنها ليست بترجمة مطلقا " ثم يعترف هذا المستشرق بعد ذلك صراحة " بأن العالم المسيحي قد استمر ضحية هذه الترجمة المشوهة الوحيدة خلال خمسة قرون كاملة، وأن العالم المسيحي ظل يعتمد عليها ويستعملها مباشرة أو بواسطة طوال هذه القرون الخمسة، في حملاته العنيفة والسخيفة ضد الإسلام "، وذلك على حد تعبير المستشرق المذكور، وقد استمر طبع هذه الترجمة اللاتينية المشوهة ونشرها حتى فيما يسمى بعهد " النهضة والإحياء " مما يدل على أن أقطاب النهضة الأوربية كانوا أيضا مرتاحين ومطمئنين إلى هذه الترجمة اللاتينية المشوهة للقرآن الكريم، وهذه الترجمة بالذات هي التي قام بطبعها في سويسرا سنة1543 أستاذ علم اللاهوت بوشمان Bushman وعن هذه الترجمة اللاتينية أخذت الترجمة الإيطالية التي نشرت سنة 1547، وعن الترجمة الإيطالية المأخوذة عن اللاتينية أخذت الترجمة الألمانية التي نشرت سنة 1616، وعن الترجمة الألمانية أخذت الترجمة الهولندية التي صدرت سنة 1641، وهكذا استمرت عملية التشويه والتزوير للقرآن الكريم التي دشنها الرهبان المسيحيون بإعانة إخوانهم التراجمة اليهود قرونا طوالا تعمل عملها وتؤتي أكلها في نفوس المسيحيين في العالم أجمع، فهذا مثال واحد مما قام به الرهبان وأعوانهم من صد الناس عن سبيل الله، والحيلولة بينهم وبين معرفة
جوهر الإسلام الصافي وحقيقته الساطعة، وهكذا أثبتت الأيام والوقائع باستمرار تحالف اليهودية والنصرانية ضد الإسلام قديما وحديثا، مصداقا لقوله تعالى في سورة المائدة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} . كما أثبتت نفس الوقائع والأحداث صدق كتاب الله في كل ما وصف به طائفة الأحبار والرهبان إذ قال: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} . قال القاضي أبو بكر " ابن العربي ": " ومعنى صدهم عن سبيل الله صدهم لأهل دينهم عن الدخول في الإسلام، بتبديلهم وتغييرهم، وإغوائهم وتضليلهم ".
وكلمة " أحبار " جمع حبر، ويقال بكسر الحاء وفتحها، ومعناه في الأصل الذي يحسن القول وينظمه ويتقنه، ومنه ثوب محبر أي جامع للزينة، وغلط بعضهم عندما قال إن الحبر سمي حبرا من حمل الحبر والكتابة به، والحبر هو المداد. و " الأحبار " من اليهود. وكلمة " رهبان " جمع راهب، أخذ من الرهبة، وأطلق في الأصل على من حمله خوف الله على أن يجعل عمله معه، وأنسه به. و " الرهبان " من النصارى. قال سفيان بن عيينة:" من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى ".
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن المتمولين الأشحاء الذين لا يؤدون حقوق الله ولا حقوق الخلق فيما رزقهم من الأموال، فقال
تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} روى البخاري وغيره عن ابن عمر رضي الله عنه أن أعرابيا قال له: " أخبرني عن قول الله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} فأجابه ابن عمر: " من كنزها، فلم يؤد زكاتها فويل له ". إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهرة للأموال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}. وروى الإمام مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أيضا هذا القول نفسه. ومجمل ما حرره القاضي أبو بكر " ابن العربي " في تفسير هذه الآية: " أن الكنز هو مال مجموع، وأنه لا حق في المال سوى الزكاة، فإخراج الزكاة من المال يخرج المال عن وصف " الكنزية "، وكل ذهب أو فضة أديت زكاتهما، أو اتخذا حليا، فليسا بكنز وعندما تؤدى الزكاة عن المال يصبح مطهرا. نعم هناك حقوق عارضة تتعلق بالمال، كفك الأسير وحق الجائع وغيرهما من مصالح المسلمين وحاجاتهم، مما لا تكفي فيه الزكاة أو تقصر دونه، فهذه الحقوق العارضة تعتبر مثل الحقوق الأصلية في المال، وكنز المال دون الوفاء بها يعد ذنبا كبيرا في الإسلام ". روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم) فلما سمع ذلك عمر كبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عمر ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها
أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته) رواه أبو داوود في سننه والحاكم في مستدركه، وقال الحاكم إنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
ومما ينبغي التنبيه إليه هنا من الناحية اللفظية في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} أن الضمير الوارد في هذه الآية يعود على الفضة دون الذهب رغما عن ذكرهما معا، ولو عاد الضمير على الذهب والفضة لقيل {وَلَا يُنْفِقُونَهَا} لكن اكتفت الآية بإعادة الضمير على أحدهما دون الآخر، على حد قوله تعالى في آية أخرى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} فها هنا شيئان: (اللهو والتجارة) لكن أعيد الضمير على التجارة وحدها، اكتفاء بذكر ضميرها عن الآخر. وهذا أسلوب متعارف في لسان العرب.
ثم تولى كتاب الله الحديث عن تقسيم الزمان إلى شهور وأعوام، علاوة على تقسيمه إلى ساعات وأيام، فقال تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} ، وتحقيق القول في هذا المقام أن الله تعالى جعل السنة اثني عشر شهرا، كما جعل البروج في السماء اثني عشر برجا، ورتب فيها سير الشمس والقمر. وعدد أيام السنة القمرية ربع يوم وأربعة وخمسون يوما وثلاثمائة يوم، وقوله تعالى هنا:{فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي معدودة في كتاب الله المحفوظ في الأزل، وقوله تعالى هنا:{مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} المراد به رجب الفرد،
وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم: ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب) وفي رواية: (ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) وإنما أطلق عليه في هذه الرواية (رجب مضر) لأن مضر هي التي اقتصرت في الجاهلية على تحريمه دون غيرها. قال القاضي أبو بكر " ابن العربي ": " وهذا كله إنما هو بيان لتحقيق الحال، وتنبيه على رفع ما كان وقع في الشهور من الاختلال ".
ومن هذا الموضوع انتقلت الآيات الكريمة إلى الحديث عن غزوة تبوك وما أحاط بها من ظروف وملابسات، وما لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عراقيل وعقبات، أثناء استعداده لها وعند خروجه لملاقاة الروم أعداء الإسلام، الذين كانوا يتربصون به الدوائر في الشام، قال تعالى:{مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} - {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} - {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} .