المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأول من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٢

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌الربع الأول من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة المائدة

- ‌الربع الثاني من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الحادي عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني عشرمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثانيفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني عشرفى المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث عشرمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنعام

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس عشرفي المصحف (ق)

- ‌ سورة الأعراف

- ‌الربع الأول من الحزب السادس عشرفي المصحف (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأنفال

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة التوبة

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب العشرينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأول من الحزب التاسع عشرفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأول من الحزب التاسع عشر

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

يتناول حديث هذا اليوم، ابتداء من قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} إلى قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} .

ــ

بعدما سجلت سورة الأنفال المدنية في مطلعها السابق أن " الأنفال " - وهي هنا المغانم التي غنمها المسلمون في غزوة بدر - موكول أمرها إلى الله ورسوله، لا إلى تقدير المجاهدين أنفسهم ورأيهم الخاص، وأنها ليست ملكا مباشرا لهم بمجرد الغزو والجهاد:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} جاءت الآيات في بداية هذا الربع، تعلن حكم الله ورسوله في شأن تلك الأنفال خاصة، وفي شأن غيرها من الغنائم التي يغنمها المسلمون في حروبهم عامة، وهذا الحكم يتلخص في قسم الغنائم على يد الإمام أو من يخلفه في قيادة الجيش، إلى خمسة أخماس، تكون أربعة أخماس منها لمجموع المجاهدين الذين قاتلوا في سبيل الله،

ص: 330

ويخصص الخمس الباقي لمصالح المسلمين العامة، ولاسيما لذوي الحاجات منهم، الذين يحمل بيت مال المسلمين عادة عبء الصرف على حاجاتهم الضرورية.

وهذا الخمس العام المردود على ذوي الحاجات من المسلمين هو الذي يطلق عليه كتاب الله هنا {خمس الله والرسول} كما يطلق في عرف الشرع على أي نوع من أنواع الحقوق العامة اسم " حق الله " وإن كان مآل ذلك الحق إلى عموم الناس. {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} وذلك قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وفيه تعيين لمصارف الخمس العام.

قال عمر ابن عبد العزيز: " قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} يعني في سبيل الله " وقال عطاء ابن أبي رباح: " خمس الله والرسول واحد ". وقال أبو بكر " ابن العربي ": " إنما ذكر الله نفسه في هذا المقام، تشريفا لهذا الكسب الذي جعله الله من أفضل وجوه الكسب ".

وكلمة " الغنيمة " يراد بها ما أخذ من أموال الكفار بقتال، بينما كلمة " الفيء " - وستأتي في آيات أخرى من كتاب الله - يراد بها ما أخذ منهم بغير قتال، كالأموال التي يصالحون عليها، أو يتوفون عنها ولا وارث لهم، وكالخراج والجزية، وهذا النوع لا يخمس مثل الغنيمة، وإنما يتصرف فيه الإمام بما فيه مصلحة المسلمين، ويطلق عليه لفظ " الفيء " لأن الله أفاءه ورده على رسوله والمؤمنين، ووضعه بين أيديهم لينتفعوا به في مصالحهم العامة، وهم أهل لكل خير،

ص: 331

وأحق بكل نفع. قال ابن كثير: " هذه الآية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} هي توكيد لتخميس كل قليل وكثير، حتى الخيط والمخيط، مصداقا لقوله تعالى:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية.

روى الإمام أحمد من حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه من غنائمكم، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط، وأكبر من ذلك وأصغر، ولا تغلوا، فإن الغلول عار ونار على أصحابه في الدنيا والآخرة) و"الغلول" بمعنى السرقة والاختلاس من الغنيمة.

وروى أبو داوود والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لي من غنائمكم - مثل هذه- إلا الخمس، والخمس مردود عليكم).

وروى البيهقي بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغنيمة فقال: (لله خمسها وأربعة أخماسها للجيش). ثم سئل فما أحد أولى به من أحد؟ فقال: (لا، ولا السهم تستخرجه من جيبك، ليس أنت أحق به من أخيك المسلم).

وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم فيكم).

وفي الصحيح: (إنما أنا قاسم بعثت أن أقسم بينكم، والله المعطي، فالله حاكم، والنبي قاسم، والحق للخلق).

والخطاب بالأمر في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ

ص: 332

شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} موجه إلى الذكور من المسلمين القادرين على القتال، فهم الذين منحهم الله بفضله أربعة أخماس الغنيمة، وإذا تطوعت المرأة بالقتال - رغما عن كونه لم يفرض عليها- كان لها نصيب من نفس الغنيمة، لكن بصفة عطية وهدية مجردة، لا بصفة سهم مفروض، كما ثبت في الصحيح:(أن النساء كن يحذين من الغنيمة ولا يسهم لهن) ومعنى يحذين - أي يعطين- من " الحذوة "، وهي العطية والهدية، واستحسن ابن حبيب من أئمة المالكية أن يكون لها سهم في الغنيمة أيضا.

والعبرة بالنسبة إلى التعبئة وحمل السلاح في الإسلام إنما هي بإطاقة القتال والقدرة عليه، بحيث يقبل فيه حتى المراهقون متى كانوا أقوياء على القتال، فقد عرض ابن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه صلى الله عليه وسلم، ثم جاء يوم الخندق وهو ابن خمسة عشرة سنة، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه، وأذن له بالمشاركة في المعركة مع كبار المجاهدين.

وإنما يثبت السهم في الغنيمة لمن حضر القتال دون من غاب، ولو كانت غيبته لعذر، اللهم إلا إذا كان الغائب قد تغيب في مصلحة الجيش، فإنه يشارك من حضر بسهمه، كما ذهب إليه محمد بن المواز من المالكية، ومن حضر مريضا كمن لم يحضر، اللهم إلا إذا كان له رأي يساهم به في تدبير الحرب، وذهب أشهب من المالكية إلى أن المجاهد الأسير يسهم له وإن كان مقيدا بالحديد.

وأما من يصحب الجيش للمعاش كالأجراء والصناع والتجار ممن لم يقصدوا القتال ولا خرجوا للجهاد، فلا حق لهم في الغنيمة،

ص: 333

مصداقا لقوله تعالى في سورة المزمل: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فقد ميز الله في هذه الآية المقاتلين عن أهل المعاش من المسلمين. وبين حال كل فريق وحكمه، نعم، إذا اشترك الأجراء والصناع والتجار في نفس القتال إلى جانب بقية المجاهدين - علاوة على ما يقومون به من كسب معاشهم - كان لهم حقهم في الغنيمة، لأن سبب الاستحقاق قد وجد منهم كما نص عليه المحققون.

وإذا كان كتاب الله لم ينص على أي تفصيل أو تفضيل في شأن الأربعة الأخماس التي منحها للمجاهدين الغانمين، فقد جاءت السنة النبوية الكريمة ببعض التفصيل والتفضيل، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فاضل بين الفارس والراجل من المجاهدين، فأعطى للراجل سهما واحدا، وأعطى للفارس سهمين اثنين.

قال أبو بكر (ابن العربي): (وذلك لكثرة العناء وعظم المنفعة " - أي بالنسبة للفارس - " فجعل الله التقدير في الغنيمة بقدر العناء في أخذها، حكمة منه سبحانه فيها، ووقف بعض العلماء عند الحد الذي فاضل به رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفارس والراجل، واستحسن البعض الآخر إعطاء الفارس بدلا من سهمين ثلاثة أسهم، له واحد ولفرسه اثنان، ومن له عدة أفراس أسهم لواحد منها، إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لأكثر من فرس واحد).

وهكذا أحكم الله أمر الغنيمة بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى

ص: 334

وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وبهذا الحكم الإلهي الحكيم في الغنائم، أسقط الله حكم الجاهلية الظالم:{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} .

وقوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} ذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد به نفس المعنى المقصود في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} وعن عمر بن عبد العزيز أن القرابة لا يعطون من الخمس إلا بالفقر، قال مالك: وبه أقول. واحتج مالك بأن ذلك جعل لهم عوضا عن الصدقة، لأنها لا تحل لآل البيت.

وقوله تعالى: {وَالْيَتَامَى} المراد به أيتام المسلمين الفقراء، واليتيم من فيه ثلاثة أوصاف: موت أبيه قبل بلوغه، ووجود الإسلام فيه أصلا أو تبعا لأبويه، وحاجته إلى المساعدة. وتوسع بعض العلماء فأدرج في اليتامى المستحقين حتى اليتامى الأغنياء، بوصف يتمهم، لا بوصف غناهم.

وقوله تعالى: {وَابْنَ السَّبِيلِ} المراد به المسافر الذي يجتاز الطريق محتاجا، وإن كان غنيا في بلده، ومثله من عزم على السفر إلى مسافة تقصر فيها الصلاة، دون أن يكون عنده ما ينفقه في ذلك السفر.

وقوله تعالى: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} إشارة إلى يوم بدر الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل، وأعلى كلمة الإيمان على كلمة الشرك، والمراد:{بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا} عدوة الوادي القريبة

ص: 335

إلى المدينة، وبها نزل المسلمون، والمراد:{بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} العدوة البعيدة عن المدينة والقريبة إلى ناحية مكة، وبها نزل المشركون.

وقوله تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} إشارة إلى العير التي كانت تحمل تجارة قريش من الشام في طريقها إلى مكة، محاذية لساحل البحر.

وقوله تعالى: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} أي ليقضي ما أراده من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، بقدرته ولطفه.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} يتضمن تلقين المؤمنين آداب المعركة وصدق اللقاء، وأمرهم بالثبات والتجلد عند مواجهة الأعداء. جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(فإذا لقيتموهم - أي الأعداء- فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف). وجاء في حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله، فإن صخبوا وصاحوا فعليكم بالصمت). وقال قتادة في تفسير هذه الآية: " افترض الله ذكره عند أشغل ما يكون، عند الضرب بالسيوف ". قال أبو بكر " ابن العربي ": " قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ} فيه ثلاث احتمالات:

1 -

اذكروا الله عند جزع قلوبكم، فإن ذكره يُثبِّت.

2 -

اذكروا الله بالقلب واللسان حتى يَثبُتَ القلبُ على اليقين

ص: 336

ويسكن، ويثبت اللسان على الذكر ولا يضطرب.

3 -

اذكروا ما عندكم من وعد الله لكم، بابتياعه أنفسكم منكم، ومثامنته لكم.

ثم عقب على هذه الاحتمالات قائلا: " وكلها مراد، وأقواها أوسطها، فإن ذلك إنما يكون عن قوة المعرفة، ونفاذ القريحة، واتقاد البصيرة، وهي الشجاعة المحمودة في الناس.

وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} يتضمن أفضل وصية من الله لعباده، وهي الوصية التي تمسك بها السابقون الأولون، وشدوا عليها يد الضنين، ومهما عاد المسلمون إلى التمسك بها أعاد الله إليهم ما عودهم من النصر والفتح المبين. ومن أصدق ما قيل في تحليل هذه الوصية الإلهية وتعليلها ما ذكره القاضي أبو بكر ابن العربي حيث قال:" هذه الوصية هي العمدة التي يكون معها النصر، ويظهر بها الحق، ويسلم معها القلب، وتستمر معها على الاستقامة الجوارح، فإنما يقاتل المسلمون بأعمالهم لا بأعدائهم، وباعتقادهم لا بأمدادهم "، ثم علق على ما نهى الله عنه من التنازع، وما ينشأ عن التنازع من فشل فقال:" وهذا أصل عظيم في المعقول والمشروع. . . فإذا ائتلفت القلوب على الأمر استتب وجوده، واستمر مريره، " يقال استمر مريره إذا استحكم عزمه " وإذا تخلخل القلب قصر عن النظر، وضعفت الحواس عن القبول، والائتلاف طمأنينة للنفس، وقوة للقلب، والاختلاف إضعاف له، فتضعف الحواس، فتقعد عن المطلوب، فيفوت

ص: 337

الغرض، وذلك قوله تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} وكنى {بالريح} عن اطراد الأمر ومضائه، بحكم استمرار القوة فيه، والعزيمة عليه، وأتبع ذلك بالأمر والصبر، الذي يبلغ العبد به إلى كل أمر متعذر، وذلك بوعده الصادق في أنه مع الصابرين:{وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .

وأخيرا أخبر الله عباده المؤمنين أنه منزه عن أن يظلم أحدا من الخلق، وأنه لا يغير نعمة أنعمها عليهم إلا إذا كفروا بأنعمه وتواطأوا على نصرة الباطل وإبطال الحق، وذلك قوله تعالى في أواخر هذا الربع:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، وقوله تعالى في ختامه:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} .

ص: 338