الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ عُلَمَاء السّلف: قَالَ اللَّه عز وجل: {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} فَفرق بَين الْخلق وَالْأَمر، وَأَعْلَمنَا فِي كِتَابه أَنه يخلق الْخلق بِكَلَامِهِ وَقَوله فَقَالَ:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كن فَيكون} أعلمنَا أَنه يكون كل مكون من خلقه بقوله: كن، وَقَوله: كن هُوَ كَلَامه الَّذِي يكون الْخلق، فَكَلَامه الَّذِي يكون بِهِ الْخلق غير الْخلق الَّذِي يكون مكونا بِكَلَامِهِ، وَفِيمَا روينَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
بَيَان أَن كَلَام اللَّه غير مَخْلُوق. قَالَ: " سُبْحَانَ الله عدد خلقه ورضى نَفسه وزنة عَرْشه ومداد كَلِمَاته "، وَلَو كَانَت كَلِمَات اللَّه من خلقه، لما فرق بَينهمَا، أَلا ترى حِين ذكر الْعَرْش الَّذِي هُوَ مَخْلُوق ذكره بِلَفْظَة لَا تقع عَلَى الْعدَد، فَقَالَ:" زنة عَرْشه " وَالْوَزْن غير
الْعدَد. وَقَالَ فِي كِتَابه: {قل لَو كَانَ الْبَحْر مداراً لكلمات رَبِّي} الْآيَة، يفسره قَوْله تَعَالَى:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} الْآيَة يَعْنِي يكْتب بهَا كَلِمَات اللَّه، وَكَانَ الْبَحْر مداداً، فنفد مَاء الْبَحْر لَو كَانَ مدادا لم ينْفد كَلِمَات رَبنَا وَلم يرد بالبحر بحرا وَاحِدًا، أعلم اللَّه تَعَالَى: أَنه لَو جِيءَ بِمثل الْبَحْر مدادا، وَزيد عَلَى مَائه سَبْعَة أبحر لم تنفد كَلِمَات اللَّه، فَدلَّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاء أَن كَلِمَات رَبنَا لَيست بمخلوقه.
وَأخْبرنَا طَلْحَة بْن الْحُسَيْن الصالحاني، أَنا جدي أَبُو ذَر الصالحاني، أَنا أَبُو الشَّيْخ قَالَ: " إِن الْقُرْآن كَلَام اللَّه تكلم بِهِ، فِيهِ أمره وَنَهْيه ووعده ووعيده، وَذكر رَحمته ونقمته، وعذابه وَسخطه، وَذكر النَّعيم والمنن، والأهوال والشدائد فِي التَّرْغِيب والترهيب، بقوله الصَّادِق وَعلمه النَّافِذ ومشيئته السَّابِقَة وحجته الْبَالِغَة، وَذكر سُلْطَانه الدَّائِم، وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء مَخْلُوق لأَنَّهَا كلهَا قَوْله من علمه الأزلي من أَوله إِلَى آخِره كَلَام اللَّه غير مَخْلُوق، فالمنكر فِيهِ كالشاك، وَالشَّكّ والإِنكار فِيهِ كفر، فالمنكر الجهمي والشاك الوَاقِفِي، وَهُوَ كَلَامه فِي الْأَحْوَال كلهَا حَيْثُ تلِي وَتصرف فِي الدفتين بَين اللَّوْحَيْنِ، وَفِي صُدُور الرِّجَال، وَحَيْثُ مَا قرئَ فِي المحاريب وَغَيرهَا، وَحَيْثُ مَا
سمع أَو حفظ، أَو كتب، أَو تلِي، مِنْهُ بدا وإِلَيْهِ يعود، وَمن زعم أَن الْقُرْآن أَو بعضه، أَو شَيْئا من مَخْلُوق، فَلَا يشك فِيهِ عندنَا وَعند أهل الْعلم من أهل السّنة وَالْفضل وَالدّين أَنه كَافِر كفرا انْتقل بِهِ عَنِ الْملَّة، وَمن زعم أَن الْقُرْآن كَلَام اللَّه ووقف وَلم يقل غير مَخْلُوق فَهُوَ جهمي أَخبث قولا من الأول وَشر مِنْهُ، وَمن
قَالَ: لَا أَقُول مَخْلُوق وَلَا غير مَخْلُوق فَهُوَ جهمي، وَمن شكّ فِي كفر من قَالَ: الْقُرْآن مَخْلُوق بعد علمه وَبعد أَن سمع من الْعلمَاء المرضيين ذَلِك فَهُوَ مثله، وَمن وقف عِنْد اللَّفْظ فَهُوَ واقفي وَمن وقف عِنْد الْقُرْآن فَهُوَ جهمي.
قَالَ أَبُو الشَّيْخ: نَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا، نَا مُوسَى بْن عَبْد اللَّهِ الطرسوسي، قَالَ: سَمِعت أَحْمَد بْن حَنْبَل رحمه الله يَقُول: " من قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ جهمي، وَمن زعم أَن هَذِه الْآيَة مخلوقة {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فاعبدني} فقد كفر، وَمن زعم أَن هَذِه الْآيَة مخلوقة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى، إِذْ نَادَاهُ ربه} وَقَالَ الله: {وَلَكِن حق القَوْل مني} فَالْقَوْل مِمَّن هُوَ؟ إِنما هُوَ مِنْهُ، وَالْقُرْآن من علم اللَّه فَمن زعم أَن من علم اللَّه شَيْئا مَخْلُوق فقد كفر.