الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السادس
تنصيص الخليفة الأول الذي أثبتنا بالأدلة القاطعة صحة خلافته، وهو الصديق رضي الله عنه، مع انقياد جميع الناس لهذا التنصيص بالسمع والطاعة. ولم يزل كذلك حتى قُتل رضي الله عنه. قتله أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة.
وكان سبب قتله أن أبا لؤلؤة كان نصرانيا يحمي لسبي النصارى من الروم وغيرهم إذا وصلوا إلى المدينة، ويحسن إلى الأسارى منهم. ثم إنه جاء إلى عمر يشكو على سيده المغيرة فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة ضرب علي كل يوم ثلاثة دراهم وأنا عاجز عنها، فقال: ما تحترف؟ قال: إني نجار أعمل الرحى تدور في الهواء، فقال عمر: ما أرى هذه الضريبة كثيرة عليك مع احترافك هذا. فوجد عليه أكثر من الأول وعزم على
قتله ليريح النصارى أهل دينه، فقال: يا أمير المؤمنين إني إريد أن أعمل لك رحى تدور في الشرق والغرب، فقال: أوعدني العبد! فانصرف وهو عازم على قتله. ثم هيأ له سكينا قبضتها في وسطها وطرفاها محددان. فجاء كعب الأحبار إلى عمر قبل ضربه فقال: يا أمير المؤمنين تهيأ للموت فإنك ميت بعد ثلاث، فقال: وما يدريك؟ قال: وجدت ذلك في التوراة، فقال: أوعمر مذكور في التوراة؟ قال: لا، ولكن نعتك فيها، وصاحب هذا النعت لم يبق من أجله غير ثلاثة أيام، فقال: يا هذا لا أجد فيّ علة، قال: هو كذلك. فلما كان أول الثلاث تخفى أبو لؤلؤة ودخل الجامع مع المصلين ووقف قريبا منه في الصف الذي يليه مغيرا هيئته حتى لا يعرف. فلما ركع ضربه. وكان عمر جهوري الصوت يسمعه آخر صف، فاختفى صوته وأكب الناس على أبي لؤلؤة، فضرب يمينا وشمالا بحدي سكينه التي في يده، فقتل سبعة
غير عمر، فنشر أحد الناس برنسا كان معه وحذفه عليه، فغطى بصره وتكربل به، فقبضوه. قيل إنه قتل نفسه، وقيل بل قتلوه سريعا في المسجد وعمر حي حينئذ، ولم ينتظروا موت عمر حيث كان كافرا. فقال عمر: انظروا من ضربني، فقالوا: أبو لؤلؤة عبد المغيرة. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي على يد مسلم. ثم أتي إلى عمر بطبيب يختبر جرحه، فسقاه نبيذا فطلع من جوفه.
فقال: أوص يا أمير المؤمنين، إنك ميت. فأوصى بالمسلمين والأنصار وبلزوم الدين والتقوى؛ ثم قال: فاذهبوا إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وسلوها أن أدفن مع صاحبيّ. فلما جاءها الرسول قالت: كنت هيأته لنفسي، وإني اليوم أوثر به أمير المؤمنين. فأعلم بذلك عمر، فقال: ما كان علي أهم من ذلك، ولكن لا تكتفوا بهذا الإذن فإني حي الآن -يعني عين الحي