المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس في تأويلاتهم الفاسدة وكذباتهم ومضحكاتهم - الحجج الباهرة في إفحام الطائفة الكافرة الفاجرة

[جلال الدين الدواني]

فهرس الكتاب

- ‌(إمامة أبي بكر)

- ‌الأول

- ‌الثاني:

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌السادس

- ‌السابع

- ‌الثامن

- ‌التاسع

- ‌(خلافة عمر)

- ‌الأول

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌السادس

- ‌(خلافة عثمان)

- ‌(إمامة علي)

- ‌الفصل الأول في رد حججهم وفي جواب إمامة علي رضي الله عنه دون من تقدمه من الثلاثة

- ‌(الاحتجاج بآية إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)

- ‌(الاحتجاج بآية وأنفسنا وأنفسكم)

- ‌(الاحتجاج بحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى)

- ‌(الاحتجاج بحديث من كنت مولاه فعلي مولاه)

- ‌(دعوى الوصية لعلي)

- ‌(غدير خم)

- ‌(حديث سأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله)

- ‌(النسب)

- ‌(العلم)

- ‌(اتخاذ الغلاة عليا إلها)

- ‌(الإخاء)

- ‌(الشجاعة)

- ‌(المصاهرة)

- ‌(دعوى العصمة)

- ‌الفصل الثاني فيما يوجب ترجيحهم عليا على أصحابه المقدمين عليه

- ‌(النوم في الفراش)

- ‌(حمل النبي عليا حين رمى الأصنام عن البيت)

- ‌(آية النجوى)

- ‌(آية ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)

- ‌(آية التطهير)

- ‌(آية لا أسالكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)

- ‌(حديث الطائر)

- ‌(حديث حب علي حسنة لا تضر معها سيئة)

- ‌(سقي الماء يوم القيامة)

- ‌(دعواهم رد الشمس لعلي)

- ‌(دعواهم أن سلمان الفارسي كان من حزب علي)

- ‌(قولهم إن عليا لم يشرك بالله)

- ‌(قولهم إن الله تعالى ليلة المعراج خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بلغة علي)

- ‌الفصل الثالث فيما خالفوا فيه من مسائل الأصول

- ‌(نفي الرؤية)

- ‌(خلق القرآن)

- ‌(أن المعاصي واقعة بإرادة إبليس والعبد لا بإرادة الله)

- ‌(أن أفعال العباد مخلوقة لهم وليست مخلوقة لله)

- ‌الفصل الرابع فيما خالفوا فيه من مسائل الفروع

- ‌(المسح على الرجلين في الوضوء)

- ‌(حل المتعة)

- ‌(حل وطء الدبر)

- ‌(عدم وقوع الطلاق إذا لم يشهد)

- ‌(نجاسة الكافر)

- ‌(الصوم في السفر)

- ‌(فساد الصوم في الجنابة)

- ‌الفصل الخامس فيما ذكروه من مثالب الخلفاء الثلاثة

- ‌(ما ذكروه عن الصديق)

- ‌(قصة الغار)

- ‌(صلاة أبي بكر بالناس)

- ‌(أن الإجماع لم يكن من كل الأمة)

- ‌(الدفن)

- ‌(قتاله مانعي الزكاة)

- ‌(فدك)

- ‌(إنفاذ علي بالنداء بسورة براءة)

- ‌(أن أبا بكر قال لست بخيركم)

- ‌(دعواهم أن الله سلطهم على أبي بكر وعمر باللعن والسب)

- ‌(أن أبا بكر قال أعينوني وأقيموني وعلي قال سلوني)

- ‌(ما ذكروه في عمر)

- ‌(أنه منع كتاب رسول الله في مرض موته)

- ‌(أنه قاد عليا ببند سيفه وحصر فاطمة في باب فأسقطت المحسن)

- ‌(أن عمر قال لولا علي لهلك عمر)

- ‌(ما ذكروه في عثمان)

- ‌(تغيبه عن بدر وبيعة الرضوان وفراره يوم أحد)

- ‌(أنه كتب بقتل محمد بن أبي بكر)

- ‌(أن المسلمين أجمعوا على قتله وترك ثلاثة أيام لم يدفن)

- ‌(أنه ولى أقاربه)

- ‌(عابوا على عائشة خروجها من المدينة)

- ‌(ما ذكروه في أهل السنة)

- ‌(المذاهب الأربعة)

- ‌(الدف والتولة والرقص)

- ‌(كفر أبوي النبي)

- ‌(كفر أبي طالب)

- ‌(قولهم لم يكن للنبي بنات غير فاطمة)

- ‌الفصل السادس في تأويلاتهم الفاسدة وكذباتهم ومضحكاتهم

- ‌الفصل السابع في عدد فرق الرافضة وبيان ضلال فرقهم

الفصل: ‌الفصل السادس في تأويلاتهم الفاسدة وكذباتهم ومضحكاتهم

‌الفصل السادس في تأويلاتهم الفاسدة وكذباتهم ومضحكاتهم

فمنها قولهم إن الحسن والحسين خير من الأنبياء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» ، وكل أهل الجنة شباب، الأنبياء وغيرهم.

قلنا: هذا تأويل فاسد من وجهين:

الأول أنه يستلزم أن يكونا خيرا من أبيهما ومن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا باطل بالاتفاق. وإنما معناه أنهما سيدا من مات شابا في الدنيا من أهل الجنة. وكذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم:«إن أبا بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة» ، أي

ص: 321

سيدا من مات كهلا في الدنيا من أهل الجنة، وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم ماتوا كهولا.

الثاني أن الدليل لا يكون تقمشا، وإنما الدليل ينبغي أن يكون قطعيا ظاهرا، كقوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} والحسن والحسين رضي الله عنهما لم ينفقوا ولم يقاتلوا لا قبل الفتح ولا بعده. فمن أردت من السابقين الأولين أفضل منهما، فضلا عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فضلا عن الأنبياء.

ومنها قولهم إن قوله تعالى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} أي في علي، وكانت في المصاحف فأسقطها أهل السنة.

انظر إلى هذا الكفر، كيف يطعنون في القرآن، والله تعالى يقول:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}

ومنها قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ} أي علي {أَمَّنْ لَا

ص: 322

يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} أي عمر.

وهذا فسق ظاهر محض، لأن السابق على هذه الآية واللاحق في بحث الله تعالى والأصنام التي جعلوها شركاء له. فمن أين جاء ذكر علي وعمر رضي الله عنهما إلا من ضلال الرافضة وكذبهم.

ومنها قولهم إن السنية يفسرون القرآن على غير معناه.

وهذا بهت وزور. نحن كانت أئمتنا متلبسة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى حين موته، وهذا تأويلنا وتفسيرنا. ثم بعد النبي صلى الله عليه وسلم تلبس بالحكم أئمتنا وهذا تأويلنا وتفسيرنا. ثم حكم علي خمس سنين وهذا تأويلنا وتفسيرنا، لم يغير شيئا من تأليف القرآن الذي ألفه عثمان رضي الله عنه ولا من تأويلنا. ثم حكمت بنو أمية إحدى وثمانين سنة وهذا تأويلنا وتفسيرنا. [ثم حكم بنو العباس خمسمائة سنة وهذا تأويلنا وتفسيرنا.] فمن أين جاء للرافضة صحة التأويل وقد حدثوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لفوق أربعمائة سنة. فانظر أيها

ص: 323

المنصف إلى القول الفاسد، ومن أحق بصحة التأويل. ولو عددنا فساد تأويلهم لطال. وفي الجملة نحن قلنا وسمع، وضربت طبولنا شرقا وغربا اليوم فوق ثمانمائة سنة؛ وهم أذلاء محقورون تحت الحكم والقهر منا كاليهود والنصارى. إذا قلنا لعن الله الرافضة وأحد منهم حاضر ينافق ويخاف ويدعي أنه سني أو يلعن نفسه ويقول: نعم، لعن الله الرافضي. وفي القائم ليسوا بشيء. وفي هذا المعنى قيل شعر:

يقولون هذا مذهب الحق عندنا

ومن أنتم حتى يكون لكم عند

وما هم في فشارهم هذا وقولهم إلا كالمثل المضروب، وهو: لو لم يعب الماشي على الراكب لانفطرت بطنه، وإن الساقط في الحفر لا بد وأن يصيح لعل أحدا يأخذ بيده وهو بعيد النجاة، والظاهر المرتفع لا يهمه صياح الهاوي في الأسفل.

ومنها تسمية أنفسهم مؤمنين.

ومن أين جاءهم الإيمان ولم يكن عندهم شيء من شروطه:

الأول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ

ص: 324

فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وهم تاركون الجمعة. وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا} وهم لا يعتنون بالجهاد أصلا ويقولون حتى يظهر الإمام المعصوم. وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} وهم إذا تليت عليهم الآيات زادتهم فسقا، ويقولون عن القرآن: هذا شعر عثمان. وأمثال ذلك كثير.

الثاني أنهم لا يعرفون إلا باسم الرفض من حين ظهورهم. ولو ذكر أحد

ص: 325

لفظ الرافضي لم ينصرف الذهن إلا إليهم. سموا الرافضة لأنهم تركوا السنة، والرفض في اللغة الترك. وسُمينا سنية للزومنا السنة. فخذ قبحهم وحسننا من التسمية. وإن كان باعتبار أنهم أتباع علي رضي الله عنه، وعلي أمير المؤمنين، فأول من سمي أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فأتباعه أحق بتسميتهم مؤمنين. وبالجملة ما هم إلا كالنفاطين. قالوا: نحن عصافير الجنة. وأنى لهم ذلك.

ومنها قولهم: نحن مغلوبون في الدنيا منصورون في الآخرة.

قلنا هذا دعوى باطلة يكذبها القرآن، لأن الله تعالى يقول:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} والسنية هم المنصورون في الدنيا. وكذلك هم المنصورون في الآخرة لما عرفت من الآية.

ومنها قولهم إنهم يحشرون مع علي رضي الله عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 326

قال: "لو أحب أحدكم حجرا لحشر معه".

قلنا: هذه أماني وطمع فاسد. إنما ذلك مع صحة الاعتقاد. فإن النصراني إذا أحب عيسى ويعتقد أنه إله ولم يكن من ذلك العيسويات إلها، لم يكن أحب عيسى فضلا عن الحشر معه. وكذلك الرافضي، فإنه إذا أحب عليا رضي الله عنه، الذي هو خير من الأنبياء ومن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويعلم الغيب، ولم يكن كذلك، لم يكن أحب عليا فضلا عن الحشر معه. لأنه يكون أحب واحدا موصوفا بهذه الصفات وهو معدوم، فلا حظ له من علي رضي الله عنه لأنه يخالف صفتهم. وبالجملة فإن السنية يحبون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يريدون يحشرون مع أحد خير منه، ويحبون عليا أيضا باعتقاد صحيح، وفي تقديم أبي بكر هم أتباع علي، لأن عليا رضي الله عنه لم يعارض في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ولم يظهر نزاعا. وكذلك السنية. وأما الرافضة فقد خالفوا عليا في ذلك وعارضوا فلم يكونوا تبعا له. وناصر من لم ينصر نفسه فضولي. ومدعي حق لمن لم يدعه لنفسه كذاب. ولم يطلع من يدهم نصر لعلي غير صفق الحنك. فلو استحوا سكتوا. ولا أحد أحب لعلي من أبيه وهو في النار يغلي دماغه.

ص: 327

ومن كذباتهم أنهم يبيتون على صندوق الحسين رضي الله عنه عميانا وزمنى ينجسون ويقذرون على الصندوق، ومن حقه كان يلثم بالعيون. ويتفق أن يكون فرج الرجل قبل فرج المرأة الأجنبية وأخس من ذلك. ويزعمون أن العميان والزمنى يشفون بذلك. ويأمرونهم باللعن للصحابة.

وهذا زور من وجوه:

الأول مضادة لفعل الله تعالى من جهة أن الله تعالى يعمي ويقعد، والحسين يشفي.

الثاني أن العراق فيه مئات ألوف. ولم نعهد نحن ولا آباؤنا أعمى أو مقعدا شفي على صندوقه.

ص: 328

الثالث أنهم يأمرونهم باللعن والسب للخلفاء والصحابة. وحاشا لله تعالى أن يعطى على الفعل المحرم كرامة.

الرابع أن الشفاء من صنع الله تعالى. فإذا ادعوه للحسين جعلوه شريكا له. فيستلزم كفر الرافضة المعتقدين لمثل هذا.

الخامس أن هذا إن صح يوقع في القلب إيهام النقص في قبر علي رضي الله عنه وقبر النبي صلى الله عليه وسلم. إذ هما خير من الحسين ولم يحصل شيء من ذلك عند قبر أحدهما. فتعين تزوير الرافضة.

ومن ضحكاتهم ومضحكاتهم أنهم يحرمون لحوم الحيوانات المأكولة أيام العشر حتى يقرأوا كتابا لهم يسمونه مصرعا، وفيه من المنكر والكذب ما لا يرضى الله تعالى به. فإذا فرغوا قالوا انطبق المصرع ويحللون اللحم.

وهل إذا فتش من مخلوقات الله تعالى تلقى أحدا أقل عقلا منهم. إنسان قتل من نحو ثمانمائة سنة، ما معنى تحريم اللحم في يوم مثل يومه؟ فأي تشبه بين لحم الآدمي ولحم البقر والغنم. أجلَّ الله قدر الحسين عن مثل هذا التشبيه. وفي أي نص أن اللحم يحرم أو يكره في يوم أو قبل قراءة كتاب أو بعده؟ هل هذا إلا مذهب مبني على المضحكة.

ومنها أنهم يعملون عزاء كل سنة في أيام العشر ويقيمون نائحات

ص: 329

ينشدن أشعار ويختلط بهن الأجانب من الرجال والنساء. فإذا رجعن رجعن باللطم والشموع المعلقة وأصوات النساء العاليات. ويقع فيه بين الرجال والنساء من الحرام ما فيه غليظ المعاصي. ويزعمون أن ذلك عبادة وأن الدرهم الذي تعطى النائحة بسبعين درهما. وأي عقل أو نقل يقبل هذا، وأي دين يعطى فيه بالفعل المحرم أجر؟ أجل الله تعالى دين الإسلام عن مثل هذه الضحكة.

ومنها أنهم يستحسنون الشنيع المستقبح على أهل البيت، مثل قطع رأس ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدويره في البلاد منصوبا على خشبة، وعري المصونات الشريفات من أهل البيت وركوبهم على أقتاب الجمال من العراق إلى الشام. ونحو ذلك مما يبغض الله تعالى ويستنكف عن ذكره ويستنكف منه أهل النخوة من عوام الناس، فكيف بمخاديم الناس من أهل

ص: 330

البيت رضوان الله عليهم. وهل عقل يستحسن هذا إلا من كان عقله من أنقص العقول، إذ هو المثل المضروب بين الناس بعينه:"أي ناصحي أي فاضحي".

ومنها أن لهم يوما يسمونه يوم البَقْر، يعملون حلوى ويجعلون في جوفها دهنا ويزعمون أنه عمر رضي الله عنه، ثم يبقرون جوفه ويأكلونه. وحكي أنه جاء أعرابي فأكل منه وقال: رحم الله عمرا ما أطيبه حيا وميتا. فانظر إلى هذا العقل الناقص.

ومنها أنها ينصبون أصبع الشهادة للسني ويجعلون الاستقامة علامة مذهب السنة، ويعوجونها ويجعلون علامة مذهبهم التعويج. ويشبهون التعويج بسجود الملائكة لآدم عليه السلام، والاستقامة بامتناع إبليس من السجود له.

ص: 331

فتفكر أيها العاقل لهذه السخرية والسخافة.

ومنها لزوم عقد الإبهام بعقد الإبهام للمصافحة. ويسمون ذلك عقد علي ويجعلونه علامة على الرفض. والمصافحة مشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ببسط الراحتين، ويجعلون لعلي هيئة غير هيئة النبي صلى الله عليه وسلم. قبحهم الله من طائفة.

ومنها تعويجهم إلى الشق الأيسر في الهوي للسجود والقعود في التشهد، ويختلج الريح في بطنه وهو يريد خروجه. فهل لمن يجعل التعويج ويرجحه علامة لمذهبه على الاستقامة عقل.

ومنها عمل السبح والقبل من الطين الذي ينسبونه إلى تربة الحسين رضي الله عنه يسجدون عليها، إذا سجدوا وضعوها وإذا قاموا أخذوها بأيديهم. ويبالغون في تفضيل ذلك الطين على غيره من تراب الأنبياء والأولياء. وهل هذا إلا من أكبر البدع. لأن هذه التربة الشريفة لم تكن زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بعده بجملة سنين. والحادث من عمل السبح والقبل التي يبنونها على غير مدفون ويسمونها بأسامي الموتى ويزعمون أنهم ظهروا. وهذا كذب محض ومضحكة، لأن الله تعالى لا يبعث الأجسام إلى يوم القيامة.

ص: 332

ومن أقبح ما يصنعون التبرك بذلك المقام والتهسج به وتقبيل عتبته والنذر له. وهم يبنونه ويضعونه بأيديهم تشبيها بالأصنام للكفار.

ومنها أنهم ينسبون إلى الحسن العسكري ولدا ويسمونه محمدا ويلقبونه بالمهدي وبالمنتظر وبالقائم وبصاحب الزمان. وإذا ذكر قاموا له.

وهذا من الكذب المحض من وجوه:

ص: 333

الأول أن أهل التاريخ جميعا، مثل عبد الرزاق وابن قانع ومحمد بن إسحاق وابن الجوزي، مجمعون على أن الحسن العسكري مات ولا عقب له ولا نسل.

الثاني أنهم يزعمون أنه انهزم من المأمون وهو ابن سنتين ودخل سرداب سامراء. وهذا بحسب زعمهم أنه دون البلوغ يجب الحجر عليه في بدنه وماله حتى يبلغ رشدا. فكيف له إمامة فضلا عن المهدية؟

الثالث أن هذا بحسب زعمهم يكون له اليوم نحوا من ثمانمائة سنة، وهلم جرا حتى ظهوره. ولم يعلم موته. ولم يعلم أن أحدا عاش من هذه

ص: 334

الأمة خمسمائة سنة أو فوقها حتى يقاس به. ولم يكن كذلك إلا الخضر عليه السلام، وفي بقائه خلاف، والعلماء المحدثون المحققون مجمعون على أنه مات، إذ لم ينقل أحد أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لو كان أخي الخضر حيا لزارني" ولا كان يسعه لو كان حيا غير الوصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى قول من يزعم بحياته، فليس هو من هذه الأمة. ولم يكن أحد منتظرا متفقا على بقائه غير إبليس لعنه الله. وحاشا أن يشبه أحد من المسلمين به فضلا عن أئمة أهل البيت.

ص: 335

الرابع الذي نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي» يعني يكون اسمه محمد بن عبد الله، وليس محمد بن الحسن.

الخامس أن الرافضة على سبع فرق في هذا المسمى بالمهدي. ويخالفون هؤلاء هؤلاء إلا لغيرته. فالإسماعيلية

ص: 336

يدعونه لإسماعيل بن جعفر. والقرامطة يدعونه لمحمد بن إسماعيل.

ص: 337

والمحمدية ترى أن القائم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن. والناووسية يدعونه لأبي جعفر.

ص: 338

والممطورية يدعونه لموسى بن جعفر. والكريبية يدعونه لمحمد بن الحنفية.

ص: 339

ومنهم كثير غزة، وهو القائل شعرا:

ألا أن الأئمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ما فيهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبر

وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الجيش يقدمها اللواء

تغيب لا يرى فيهم زمانا

برضوى عنده عسل وماء

يزعمون أن محمد بن الحنفية هو المهدي المبشر به وهو في جبل رضوى عند عين عسل وعين ماء وعن يمينه أسد وعن شماله أسد يحفظانه حتى يظهر أمره.

ص: 340

وفرقة تدعي لغير هؤلاء. وكلهم أقرب إلى القبول لأنهم يدعون البقاء لمعدوم كل فرق المسلمين تخالف في خلقه، فكيف ببقائه، فكيف ببلوغه، فكيف برشده، فكيف بإيمانه، فكيف بإمامته، فكيف بعصمته، فكيف بمهديته. وهم لا يقدورن على إثبات واحدة منها على فرقهم؛ فكيف يقدرون على الإثبات علينا. وحينئذ فيسقط كل فرقة بتناقض الأخرى.

السادس: من أكبر الفسوق تسمية هذا المفقود بصاحب الزمان. ولا صاحب للزمان غير الله. قبحهم الله تعالى.

ومنها أنهم يدقون لمهديهم هذا طبلا ويسرجون له فرسا ليخرج إليهم فيركب. ومنها أنهم يدخرون له سيوفا.

ومن أعظم المضحكات أنهم يجعلون له من أموالهم سهما ثم يحذفونها في المياه العميقة كالدجلة ويزعمون

ص: 341

أنه إذا ظهر يمشي المال إليه أو هو يجيء إلى المال.

ومنها أنهم يجيئون إلى قباب الدور التي يبنونها ويندبونه إلى الخروج من تلك القباب. ماتت الآباء على ذلك وستموت الأولاد وأولاد الأولاء ولا يرون أحدا يخرج إليهم.

ومنها أن كم ادعى واحد أنه المهدي أو نائبه ومات وتبين كذبه. وأمثال ذلك من المضحكات.

ومنها أنهم يزعمون أنه ظهر في جزائر العرب، وأنه يرحل وينزل، وأنه حاضر في كل مكان ولو تشاور اثنان أو اجتمع جماعة كان معهم.

ص: 342

ومنها دعاويهم له ولسائر أئمتهم علم الغيب. ويحتجون بما قال الله تعالى عن اللوح المحفوظ: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} أي علي وكل من أئمتهم.

السابع أنه نقل الإمام الأعظم ابن تيمية الحنبلي رحمه الله تعالى أن

ص: 343

مهدي الرافضة لا خير فيه على قرارهم: أما هم فلا ينتفعون به لا في دين ولا في دنيا لغيبته عنهم، وأما السنية فإنهم كفار عندهم بسببه. ومن أكبر قلة عقول الرافضة أنهم يقولون غيبته لا من الله ولا من نفسه بل من قلة الناصر. وهذا سخف عظيم. فليموتوا بدائهم ولا يجدون لهم ناصرا ولذلتهم وقلتهم إلى يوم القيامة.

ومنها أنهم وضعوا في صندوق هذا المشهد الذي نسبوه إلى علي رضي الله عنه واحدا من الجعدية في أيام بعض سلاطين المغول وكلم السلطان وشكى من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومن السنية حتى ترفض السلطان أياما وحمل رعيته على الرفض. فتوصل جمال الدين أو محيي الدين العاقولي، وهو من علماء السنية الكبار، وقد وضعوا ذلك الجعدي فيه مرة

ص: 344

أخرى وكلم السلطان أيضا، إلى أن كسر الصندوق وأخرج الجعدي. وتبين زورهم وصودروا بدراهم كثيرة.

ومنها أنهم زوروا هذا المشهد الذي هو الآن وجعلوه لعلي رضي الله عنه. وقد قال ابن الجوزي رحمه الله: لو علمت الرافضة هذا قبر من لرجموه بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة، وإنما قبره رضي الله عنه في جامع الكوفة بين القبلة وقصر الإمارة، وذلك موضع قتله. والسر في أن الله تعالى أظهر هذا المزور وأخفى قبره الحقيقي على الرافضة لعلمه سبحانه وتعالى بأنهم ينقلون موتاهم إليه، فأظهر هذا القبر المزور لهم حتى لا يكون لهم به اتصال لا في الحياة ولا في الممات.

ومنها قولهم لعوام السنية: أنتم ما لكم قباب.

ص: 345

ويالله العجب ما أبهتهم بالزور. ألم ينظروا إلى أتباع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كالأولياء من أهل السنة مثل سيدي أحمد والهواري

ص: 346

والشنبكي وأبي الوفاء وعبد القادر الجيلاني وابن الهيتي وابن إدريس وأبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل. وأمثالهم أصحاب قباب كثيرة في العراق لو عددنا ذكرهم لطال. وهم ما لهم غير ثلاث

ص: 347

قباب ظاهرة في العراق: الحسين وموسى والجواد. وعلي رضي الله عنه، قبره هذا الذي في النجف مزور كما عرفت، وقباب صاحب زمانهم مزورة. وأما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم قبة يضرب عليها أكباد الإبل من مشارق الأرض ومغاربها كل سنة ستمائة ألف، وإن نقص القدر من البشر كمل من الملائكة. وقد سأل بعض الخلفاء بعض العلماء: أين مكان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته؟ قال: مكانهما منه حال مماته. ومن أي مثل هذا البخت الذي لا منقبة أكبر منه.

ص: 348

ومنها أنهم يفترون على السيد الجليل المجمع على جلالته بين علماء الظاهر والباطن الحسيب النسيب الذي تواترت كراماته الشيخ عبد القادر الجيلي بأنه أفتى بقتل موسى الكاظم بن جعفر الصادق. والشيخ عبد القادر ولد بعد موت موسى الكاظم بمائة وستين سنة. وهكذا دأبهم دائما إذا أرادوا أن يسبوا أحدا من الكبار يفترون عليه بأنواء الافتراءات حتى تتمكن العامة من سبهم، حتى أنهم افتروا على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب بنحو سبعمائة شيء كما سيأتي بعضها.

ومنها قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن: "أبعد الله مزارك".

ص: 349

فانظر إلى قول هذا العقل الناقص، أيه أبعد، مزار الذي في البقيع عند جده موضع وطنه الذي هو التخت، أو الذي في كربلاء أو النجف في العراق؟ ما هذا إلا سخف عظيم.

ومنها تفيضلهم الحسين على الحسن رضي الله عنهما.

والحسن هو الأكبر والأعلم وصاحب الشورى والرأي السديد، وهو الذي سمى النبي صلى الله عليه وسلم، والحسين قياسا عليه. وشكره النبي صلى الله عليه وسلم حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وجاء الحسن وهو صبي فعثر، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم عن منبره وحمله وصعد به ووضعه إلى جانبه على المنبر وقال:«إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين» وكان كذلك حين سلم الخلافة لمعاوية لحقن دماء المسلمين وانقطعت الفتنة. والحسين طلب الحكم حتى حصل ما عرفت من قبله. فانظر أي الاثنين أفضل وأعلم.

ومنها أنهم يعلقون قنديلا ليلا في قبة من قبابهم المزورة ويتركونه حتى يطلع النهار عليه، ويضربون له طبلا. ويزعمون أن ذلك الظاهر أعلقه نهارا.

ص: 350

وهذا من تضييع المال المنهي عنه، كقول الناس: إعلاق الشمع بالشمس ضايع. حتى بمعرفتي فعلوا ذلك في قبة يسمونها ليحيى بن الحسين في واسط العراق وخرجوا عنه ليعلموا الناس ويضربوا له طبلا، فوقعت الشعلة التي زوروها على صندوق المشهد فأحرقته وأحرقت القبة ووقعت. وبنوها مجددا.

ومنها أنه إذا كان سنيا في حبس أو مرض أو امرأة لا تحبل ولا يعيش لها ولد أو نحو ذلك، فيقولون له: أطع رافضيا حتى يزول ذلك عنك. فيخرجونه من حقه إلى باطلهم. وما يحصل غرضه.

ومنها أنهم يقولون للسني: أطع رافضيا ونضمن لك الجنة. وهل أعظم من هذا تجرؤا على الله تعالى. ومن أين لك الجنة حتى تضمن لغيرك، والله تعالى يقول:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} ، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} ويقول عن نبيه عليه الصلاة والسلام:{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} وهل قولهم هذا إلا كقوله تعالى عن الكفار:

ص: 351

معاني. والله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} بطريق الحصر من تقديم الخبر على المبتدإ، أي لا لغيره. ويقول:{وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

ومنها قولهم إن عليا أمير الله لأن اسمه المؤمن وعلي أمير المؤمنين. وهذا مما أعمى الله قلوبهم به، إذ اسم الله المؤمن ليس من الإيمان وإنما هو من الأمن، هو ضد الخوف، أي الله يؤمن الخائف.

ومنها قولهم إن عليا كان يعلم أن ابن ملجم يقتله وسكت عنه. ونسبة مثل هذا إلى علي رضي الله عنه سفه من الرافضة. وهل يجوز لمسلم [أن] يلقي نفسه إلى التهلكة، فضلا عن مثل أمير المؤمنين العالم المدقق.

ص: 353

ومنها دعواهم أن سيف علي المسمى بذي الفقار نزل من السماء. وهو سيف من سيوف أبي جهل، غنمته المسلمون يوم بدر. سمي ذا الفقار لأنه كان في فقاره، أي ظهره، فلول. وهل تجد عقلا أنقص ممن يزعم أن القرآن غير منزل وأن سيف علي رضي الله عنه -قطعة من حديد- منزل. ومنهم من يقول للحسين: يا من كان الله حدادا لأبيه.

ومنها أن عليا كان مواتيا على قتل عثمان. وفي ذلك جهل عظيم وخطأ على علي رضي الله عنه، لأنه حلف أني ما قتلت عثمان ولا مالئت على قتله وهو الصادق المصدوق. الثاني أنهم يجوزون بذلك مسبة علي رضي الله عنه للناصبي ولمن يرى صحة خلافة عثمان ويرفعون الخطأ عن معاوية في حربه له وعن بني أمية في سبهم لعلي على المنابر والمنائر على رؤوس الأشهاد، ويرفعون اللوم عند أهل الحكم عن بني أمية في قتلهم الحسين رضي الله عنه.

ومنها نسبتهم قتل الحسين إلى يزيد.

ص: 354

والحسين في العراق ويزيد في الشام مسيرة شهر أو فوقه ذهابا وإيابا. والحسين رضي الله عنه لم يمهل ثلاثة أيام حتى قتلوه. فكيف يمكن.

ومنها قولهم إن طوس تحولت إلى علي بن موسى رضي الله عنهما. ولا أكذب من هذا قول. ولم لا حوّل النبي صلى الله عليه وسلم مكة إلى المدينة وهو يريدها. فانظر إلى هذا الجهل والضحك.

ومنها قولهم إن عليا دفع أبا لؤلؤة حين قتل إلى قم. ولا أكذب من هذا القول لأنه قتل في المسجد من ساعته كما عرفت.

ومنها المد والجزر ينسبونه إلى علي رضي الله عنه. وهو بآلاف سنين

ص: 355

أصلي في البحر من حين خلقته.

ومنها أنه إذا هب هواء الغرب قالوا يا شمال علي.

ومنها أنهم يشدون في رصافة مشهد علي خرقة حرير ويسمونها غرزة لعلي ويزعمون أنها دائما منصوبة ممتدة إلى الغرب وأن الشمال لا يقلبها إلى الشرق. وقد سمعت بعض الرافضة يحلفون بها، يقول:"وحق من لا يكسر غرزته الشمال". ولا شك أن هذا كذب لأنها مشرقة مع الشمال مغربة مع الجنوب.

ومنها أن عامة أيمانهم: "وحق ولاية علي" عوضا عن الحلف بالله، بل هي أبلغ منه عندهم.

ومنها تسمية زيارة قبر الحسين عليه السلام بالحج الأكبر، ببقاء الحج إلى الكعبة هو الأصغر، وبعضهم يجعلها

ص: 356

بسبعين حجة. وينصبون عندها شعار الحج من الطواف والدعاء عند أركان الصندوق ونحو ذلك. وما معنى زيارة قبر رجل صالح بشعار الحج؟ وذلك بدعة يدفعها العقل والنقل. وأعظم بدعة من يعتاض عن أرض مكة والحرم وعرفة ومنى بأرض كربلاء، ويعتاض بالحسين عن جده، ويزعم أن ذلك أفضل وأعظم.

ومنها أنهم يجيئون إلى زيارة قبر الحسين بالثياب الرثة والجربان المقطعة عفاة عراة شعثا غبرا لعلمهم أنهم محقورون مبغوضون من رآهم آذاهم وأخذ ما معهم ولعنهم وسبهم. ويحرفون جنائزهم المنقولة إلى قبر النجف.

ص: 357

فهذه صفة حجهم. ولا حاصل لهم في ذلك غير الإثم لاعتقادهم أن ذلك حج أكبر، وحج أهل السنة إلى مكة وإلى النبي صلى الله عليه وسلم بالجمال المزينة والخيل والأموال والطبول والأعلام والعدد والعدد لا يهولهم عدو. فانظر أيها اللبيب أي الهيئتين أجل وأي الحجتين أفضل.

ومنها نقلهم موتاهم من البلاد البعيدة إلى حول قبر النجف المنسوب إلى علي رضي الله عنه، يزعمون أنه يحميهم. والنقل حرام إلا إلى حرم مكة وحرم المدينة إن قرب. ويدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم لا جاه له ولا حماية على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما معه في حجرته. ولا شك أن اعتقاد مثل هذا فسوق ونقيصة في العقل.

ومنها قولهم إنه لا يكون أحد إماما أو صالحا إلا إذا كان من نسل علي رضي الله عنه. وذلك مثل قول اليهود: لا يكون أحد نبيا إلا إذا كان من نسل إسحاق عليه السلام. حتى رد الله عليهم بقوله: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}

ص: 358

ومنها أن فيهم من يسمي جبريل عليه السلام المغلطن، ويزعم أن الله تعالى أعطاه النبوة لينفذها إلى علي فغلط فنفذها إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك قال شاعرهم:

غلط الأمين فردها عن حيدر

لكن ما كان الأمين أمينا

وهل معتقد هذا إلا مسخرة كافر. وهلا استدرك الله غلط جبريل عليه السلام. قبحهم الله ما أجرأهم على الكذب.

ومنها أنهم يشكرون القلة كونهم قليلين، ويتمثلون بقوله تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وذلك تقميش وقلة حياء، كمن ضاع سبيله لا يجد إلى الاستقامة دليلا. لوجوه:

ص: 359

الأول أن هذا الدين موصوف بالعزة وقهر الأعداء وظهوره على الدين كله. والقليل يخالف حاله حال هذا الدين لمخالفته أوصافه.

الثاني أن اليهود والنصارى، وكلا من فرق أعداء الإسلام، لو اتكل حاله إلى الرافضة لقهروا دين الإسلام وطمثوا آثاره من قديم العصر وظهروا عليه لقلة الرافضة وذلتهم. وهل مظهره وحاميه إلا فرق الجمهور لكثرتهم وظهورهم بالقهر والغلبة وإظهارهم أقسامه في الحج والغزو والمساجد والجمع والجماعات وغيرها مما لا يعتني به الرافضة. فانظر أيها العاقل أي الطائفتين أحق بالشكر.

الثالث أن مفهوم الآية ليس كما زعمه الرافضة، لأن الله تعالى لم يقل:"وشكور من عبادي القليل"، بل قال:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فيكون المعنى: كل شكور قليل، ولا عكس. أي وقد يكون القليل غير شكور، من باب خصوصية الشكور وعمومية القليل.

الرابع أن هذه الحجة منتقضة عليهم بكون أن من أردت من فرق الضلال أقل من الرافضة، سواء الفرق المخالفة للإسلام كاليهود

ص: 360

والنصارى والصابئة والمجوس، والمنتسبة إلى الإسلام كالجبرية والمعتزلة

ص: 361

والزنادقة وغيرهم. وهم على باطل اتفاقا. فيلزم أن تكون الرافضة [ضالة] على حسب تقريرهم في القلة لهم. وكفاهم ذلك خزيا.

ومنها أنهم يرجحون الاحتجاج بالحديث والعمل به على الاحتجاج بالقرآن والعمل به. وما ذلك إلا لباطلهم وحيلهم ليكذبوا ويضعوا أحاديث على قدر هواهم وضيعة سبيلهم. أيضا لفقدهم ما يتمسكون به من القرآن الذي هو حبل الله المتين.

الأول أن القرآن مقطوع المتن لا يحتمل زيادة ونقصانا في متنه ونظمه، بل تحتمل الزيادة في معناه لأنه يقذف المعاني شيئا شيئا يستخرج منه أهل كل عصر معاني مجددة إلى يوم القيامة، كالبحر في الجوهر والموج، وذلك على حسب التأويلات المحتملة. والحديث مظنون المتن يحتمل الزيادة

ص: 362

والنقصان به، والكذب المحض يجوز للخصم دفعه ودعواه الكذب له. فمن أين يجوز الاحتجاج به لأهل الأهواء فضلا عن الرجحان على القرآن. وهل ذلك إلا من ضيعة السبيل وفقده ما يتمسك به من القرآن القطعي.

الثاني أن احتجاج الرافضة لا يجوز علينا قطعا. لأنه إن كان من نقل أئمتهم فلا يقوم علينا حجة، إذ هم عندنا ليسوا بعدول، وكذبهم وهواهم ثابت عندنا. وإن كان من نقل أئمتنا فكذلك لا يجوز علينا على حسب اعتقادهم وتقريرهم، بل نجوزه إن أجازوا جميع ما نقله ذلك الإمام. وجميع أئمتنا ينقلون فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتقديمهم على علي رضي الله عنه وهم يثبتون ذلك. فسقط احتجاجهم بالحديث قطعا. وإن قالوا:{نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} فلا يحتاجون إلى ذلك كما أن الله تعالى لم يجب الكفار إلى مثله وأوعدهم عليه الخزي في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة بقوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}

ومنها قولهم إن جميع الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت إلا ستة: أبا الدرداء

ص: 363

وحذيفة بن اليمان والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي وصهيب بن سنان الرومي.

ص: 364

وكذب ذلك وقبحه من وجوه:

الأول إذا جعلت الرافضة فضلا لعلي رضي الله عنه ومنقصة لأبي بكر رضي الله عنه كون هذه الستة الذين أكثرهم من ضعفاء الصحابة وصعاليكهم اتبعوا عليا رضي الله عنه وتركوا أبا بكر، كان ذلك من أكبر الرد عليهم والنقص بهم. إذ مفهومه أن الباقي من الصحابة -وهم مائة وعشرون ألفا إلا ستة، وهم مخاديم الصحابة وأمراؤها وأهل غناها وكبارها كأهل بدر وأهل بيعة الرضوان وكافة المهاجرين والأنصار الذين نزل القرآن في مدحهم- تبعوا أبا بكر رضي الله عنه وتركوا عليا رضي الله عنه. وهذا من أكبر النقيض في حق أمير المؤمنين علي رضي الله عنه على حسب تقرير الرافضة. وحاشاه من ذلك.

الثاني أن عليا رضي الله عنه ليس بإمامته نص جلي من القرآن، بل كذبة كذبها الرافضة من حديث صنعوه في الوصية بالنص عليه لم يعرفه أحد من الصحابة الذين كانوا مشاهدي الوحي. فإذا جاز الارتداد بجحوده وهو مظنون مجحود المتن، كان الارتداد إلى من جحد إمامة أبي بكر رضي الله عنه التي قال بها مائة وعشرون ألفا، مخاديم الصحابة مشاهدو الوحي عدول زكاهم الله تعالى بقوله:{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} أقرب وأقرب. وحاشا هذه الستة من مثل ذلك. فاللعنة إلى من نسبه إليهم.

ص: 365

الثالث: أن ادعاء أن هذه الستة لم يكونوا أتباعا لأبي بكر رضي الله عنه من جملة نصب الرافضة وتلبيسهم، لأنه لم يعهد لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما منازع في إمامتهما، لا هؤلاء ولا غيرهم. وهذا سلمان كان أميرا على مدائن كسرى من قبل عمر يدعو إلى إمامته وطاعته كما قدمنا. وهذا صهيب خصيص بعمر استخلفه حين ضرب، وفي أيام الشورى يصلي بالناس من الآل والصحب. وحين قعد مخاديم الصحابة وضعفاؤهم في باب عمر لإذن الدخول خرج الإذن لصهيب وبلال، فوجد أبو سفيان وقال لسهيل بن عمرو: ما هذا؟ قال: لا بأس فإنهم دعوا إلى الإسلام ودعينا فتقدموا وتأخرنا، فاستحقوا هذا بذلك [واستحقينا هذا بذلك]. وهذا حذيفة بن اليمان من مختصي عثمان رضي الله عنه، وهو المشير عليه بجمع القرآن. وهذا عمار كان أميرا من قبل عثمان رضي الله عنه على الكوفة. وهذا المقداد وأبو الدرداء والجميع منهم كانوا في عساكر الصحابة وغزواتهم، فكيف يمشي تلبيس الرافضة علينا.

الرابع أن القرآن هو النص المقطوع. وقد نزل بمدح الصحابة رضي الله

ص: 366

عنهم ورضاهم عنه بقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} وأمثال ذلك في القرآن كثير. والنبي صلى الله عليه وسلم كان راضيا عنهم ومادحا ومحبا لهم، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي والأمر كذلك. فمن أين بعد ذلك علم ارتدادهم؟ وهل يعارض هذا المقطوعَ مظنونُ الوصية الذي نصبه الرافضة ولم يعرفه أحد من الصحابة. نعم، إن أتت الرافضة بقرآن نزل بعد القرآن ناسخ له أو نبي بعد محمد ناسخ شريعة المسلمين مقطوعين بهما، ونقل عن أحدهما ارتداد الصحابة إلا الستة أمكن ذلك. وهو محال. فثبت كذبهم.

الخامس أن الرافضة يدعون أن عند بيعة أبي بكر رضي الله عنه كان مع علي رضي الله عنه سبعمائة من الصحابة ومن مخاديمهم مثل العباس وأبي سفيان وغيرهم رضي الله عنهم يريدون البيعة لعلي رضي الله عنه. وهم الآن يقولون ارتدت الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم باتباع أبي بكر رضي الله عنه إلا ستة. فانظر إلى هذا التناقض.

السادس أن هذا الدين ثبت بشهادة الصحابة وبسيوفهم. فإذا ادعى الرافضة كفرهم لم يقم على أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم هذا الدين حجة وأمكنهم الطعن به. وحاشا هذا الدين القويم من مثل ذلك. فجازى الله الرافضة أشد الجزاء على ما يخبطون به ويعمهون.

السابع أن القرآن يرد دعوى الرافضة بتكفير الصحابة رضي الله عنهم

ص: 367

بشهادة الله لهم بأنهم لا يكفرون، بقول الله تعالى:{فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}

ومنها دعواهم أن من السنية من يتشيع وليس من الرافضة من يتسنن.

قلنا: هذا مما يدل على خساسة الرفض وبطلانه، لأن هذا الذي عليه الجمهور هو كان دين الإسلام من أوله، ودخل فيه الصحابة والآل ثم كل من ولد بعدهم من المسلمين ثم كل من أسلم من اليهود والنصارى. ثم لم يزل كذلك مستمرا قرنا بعد قرن حتى صار آخر الدين، فظهرت هذه الرافضة ورسموا مذهبهم على مخالفة أول الدين، من سب الصحب وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبغضهم، الذي نطق القرآن بمدحهم ومحبتهم وانقطع الوحي وهو على ذلك، ومن ترك الجمعة والجماعة والاعتناء بالمساجد والحج والغزو وغير ذلك من القطعيات التي بني الإسلام عليها ونزل بها كلامه. ولا شك أن الخارج

ص: 368

عن ذلك الداخل في ضده خارج عن الإسلام. وهذا هو شأن كل الأديان المتقدمة: الداخل في أولها داخل فيها والخارج في آخرها خارج عنها حتى يعود الدين غريبا كما كان قبل البعثة حتى يبعث الله الرسول الثاني فيجددها. ولم يكن رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم ليجددها وما يعقب محمدا غير الساعة، لا شك أنها تقوم بعد فساد الدين. ولم يفسد هذا الدين بعبادة الأصنام وإنما فساده بالرفض الذي حدث في آخره. وهذا أيضا مما يؤكد خسة المترفض لدخوله فيما يهدم قواعد الإسلام كما عرفت ولانتقاله من العز إلى الذل الذي ضربه الله على الرافضة من اختفائهم واختفاء مذهبهم من سائر بلاد المسلمين، كما قال الله تعالى عن اليهود والنصارى:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} وأف لهمة عاقل يختار الباطل على الحق والاختفاء على الظهور والذل على العز بمجرد قول الرافضة كان الحق لعلي رضي الله عنه فأخذه أبو بكر. ولم يعلم لذلك ثبوت من قرآن أو غيره غير دعواهم، وهم أهل نصب وزور وأهواء. وأين قول من حدث بعد الوحي بمئات سنين من قول شاهدي الوحي ونزول جبريل عليه السلام الذين شهدوا لأبي بكر وقدموه، وكان المسلمون عليه بعد الوحي قرنا بعد قرن.

ومنها تكفيرهم لأهل السنة واعتقادهم نجاستهم كاعتقادهم لنجاسة

ص: 369

الكافر، حتى إذا صافحت أحدا منهم مسالما له أدخل يده في رديه وسلم عليك وصافحك بثوبه حائل بين راحتك وراحته. وإذا أضافهم أحد من السنية غسلوا الفراش بعده. وأمثل ذلك بمجرد قولهم إن السنية خالفوا عليا رضي الله عنه.

وفساد ذلك من وجوه:

الأول أن المسلم يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به وينهى ولا يكفر، ويخالف الله تعالى فيما يأمر به وينهى أيضا ولا يكفر. وهما واجبا الطاعة. فكيف يكفر بمخالفة مظنون الطاعة متروك الإمامة قبل أصحابه المتقدمين عليه.

الثاني أن الرافضة إذا وسمت بتكفير السنية وتنجيسهم بمخالفة علي رضي الله عنه الذي لم عثبت له إمامة قبل أصحابه وكان مكفوف اليد عن التصرف قبلهم. فقد رسمت السنية وجوزت لهم بالطريق الأولى تكفير الرافضة وتنجيسهم لمخالفة أبي بكر رضي الله عنه الذي ثبتت له الإمامة ووجوب الطاعة بشهادة مجموع الصحب والآل وكافة الأمة، وجهز العساكر وفتح البلاد ودانت له العباد وقسم الغنائم وتصرف بما كان يتصرف به النبي صلى الله عليه وسلم من غير منكر ولا مخالف.

ص: 370

الثالث أنه إذا كان التكفير على حسب تقرير الرافضة بمخالفة المظنون المكذوب من قول الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم نص في علي رضي الله عنه يوم خم، وقد بينا لك كذبه وبطلانه فيما تقدم من وجوه عدة، فلا يلومون في ذلك إلا أنفسهم إذا كفرناهم ونجسناهم من وجوه قطعية ثابتة في القرآن لأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم هذه الجناية وجروا عليهم هذه الجريرة.

فمن ذلك أنهم يكفرون بمقابلة الحج الثابت في القرآن كفر {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} واغتنائهم عنه بزيارة قبر الحسين رضي الله عنه التي يسمونها باتة لزعمهم أنها تغفر الذنوب باتة، وتسميتهم لها بالحج الأكبر.

ومن ذلك أنهم يكفرون بترك جهاد الكفار والغزو لهم الذي يزعمون أنه لا يجوز إلا بإمام معصوم، وهو غائب. وإذا خرجت الكفار ودخلت بلاد المسلمين أين نلقى هذا الغائب المفقود حتى يستنصر به؟ وهل ذلك إلا دمار الإسلام وبلاده. فانظر إلى رقاعتهم وترجيح كفرهم بمثل هذا الاعتقاد.

ومن ذلك أنهم يكفرون بإعابتهم السنن المتواتر فعلها عن النبي صلى الله عليه وسلم من الجماعة والضحى والوتر والرواتب قبل المكتوبات من الصلوات الخمس وبعدها وغير ذلك من السنن المؤكدات.

ومن ذلك أنهم يكفرون لمخالفة الإجماع على الصديق رضي الله عنه الثابت الوعيد النار لمخالفته في قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ

ص: 371

مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}

ومن ذلك أنهم يكفرون بقولهم في خلق القرآن الثابت في القرآن أنه كلام الله. وكلام الواحد صفته لأنه يخرج من ذاته. فالقائل بخلق القرآن قائل بأن صفاته مخلوقة، والصفات لوازم الذات، فتكون ذاته تعالى محلا للحوادث، وهو منزه عن مثل ذلك كونه قديما. فالقائل بمثله كافر لا محالة على حسب تقريرهم لأنه يخالف العقل والنقل.

ومن ذلك أنهم يكفرون بقولهم إن المعاصي واقعة بإرادة إبليس غالبة إرادة الله تعالى للطاعة، وذلك ظاهر لأن الله تعالى يريد من الزاني ترك الزنا والشيطان يريد منه الزنا، فإذا زنى الزاني حصل مراد الشيطان دون مراد الله تعالى فيكون مراد الشيطان أقوى. ولا [شك] أن اعتقاد مثل ذلك كفر محض.

ومن ذلك أنهم يكفرون بتكفير الصحابة الثابت عصمتهم وتعديلهم وتزكيتهم في القرآن، بقوله تعالى:{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} ولشهادة

ص: 372

الله تعالى لهم أنهم لا يكفرون بقوله تعالى لهم: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}

ومن ذلك أنهم يكفرون بتكفير عائشة رضي الله عنها التي ثبت براءتها في القرآن وثبت أنها مغفور لها ولأمثالها، وأن لها ولأمثالها رزقا كريما وقصرا في الجنة وطعامها؛ بقوله تعالى:{أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} وأنها محبوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي صلى الله عليه وسلم بين سحرها ونحرها، وجمع الله بين ريقه وريقها عند خروج روحه الشريفة بالسواك الذي لينته له بريقها، وكانت الناس تؤخر الهدايا إلى نوبتها

ص: 373

وتهديها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لعلمهم بأنه يحبها، وجبريل عليه السلام لا ينزل في بيت غيرها من نسائه، ولم يغر الله تعالى كغيرته عليها حين رموها أهل الإفك حتى غلّظ عليهم بوعد العذاب الأليم في ست عشرة آية. وموسى عليه السلام لم ينزل في براءته غير آية واحدة بقوله تعالى:{لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى} وهو كليمه ورسوله. وأمر ضرب الحجاب عليها عند سؤالها متاعا، غيرةً عليها وصونا لها. وحرم نكاحها على الأمة.

ص: 374

وهي من أهل البيت المراد إذهاب الرجس عنهم. وأمثال ذلك.

ومن ذلك أنهم يكفرون بمناقضة القرآن في حق الصحابة وحق الجمهور من أهل السنة. فإن الله تعالى أخبر أنه راض عنهم بقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} والتابعون لهم هم أهل السنة بقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} وأمثال ذلك.

ومن ذلك أنهم يكفرون ببغضهم الصحابة حيث يخالفون الله تعالى في محبتهم ويكذبون بها ويزعمون أن الله تعالى يبغضهم، وهم على خلاف ما أخبر به من محبتهم بقوله تعالى:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}

ومن ذلك أنهم يكفرون بتكذيب المهاجرين في شهادتهم للصديق رضي الله عنه باستحقاقه الإمامة لأن الله تعالى أخبر بصدقهم في قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ} إلى قوله {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وأكد صدقهم بالإشارة وضمير الفصل والجملة الاسمية.

ومن ذلك أنهم يكفرون بدعواهم خسران الأنصار باتباعهم الصديق رضي الله عنه، والله تعالى أخبر بفلاحهم في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا

ص: 375

الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إلى قوله {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

ومن ذلك أنهم يكفرون باتصافهم بصفة تخالف ما وصف الله تعالى به المؤمنين الذين جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار -من لعنهم ووجود الغل في قلوبهم- بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}

ومن ذلك أنهم يكفرون بانفعال أنفسهم وبغضهم عند ذكر الصحابة وغيظهم منهم لشدة الصحابة عليهم، كما ذهب إليه مالك رحمه الله مستدلا بقوله تعالى:{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} إلى قوله {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}

ص: 376

ومن ذلك أنهم يكفرون بمقالاتهم في علي رضي الله عنه بأن يجعلوه أفضل من الأنبياء أولي العزم من الرسل نحو نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وغير أولي العزم. وهذا جهل غليظ. وأين علي من نوح الذي آتاه الله السفينة آية وأهلك كل ساكني الأرض بسببه غيرة عليه وانتصارا له. وأين علي من إبراهيم الذي جعل النار المحمى عليها شهرا عليه بردا وسلاما، وآتاه في الدنيا ذكرا حسنا وفي الآخرة لسان صدق وأنه فيها من الصالحين، وغل يد الملك الذي همّ بزوجته سارة، وأهلك النمرود

ص: 377

وأجناده وكان ممن ملك الدنيا كلها بأجمعها، غيرة عليه وانتصار له. وأين علي من موسى الذي جعل الله عصاه آية تصلح لمآرب كثيرة وجعل خروج يده بيضاء آية، وأرسل على أعدائه {الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ} ، وبرأه بالحجر الذي أخذ ثوبه حين رموه بالأدرة، وأهلك فرعون بدعوته، وفلق له البحر وأغرق فرعون وجنوده -وكان عدد عسكره ألف ألف وخمسمائة ألف، كل على حصان وعلى رأسه بيضة، وكانت كتيبته مائة ألف حصان أدهم- بسببه غيرة عليه وانتصارا له.

ص: 378

وأين علي من عيسى الذي نفخ الله فيه من روحه وجعله وأمه آية وكان يبرئ الأكمه والأبرض ويحيي الموتى ونزل عليه بطلبه المائدة وأيده بروح القدس ورفعه إليه حين طلب أعداؤه قتله انتصارا له. وعلي رضي الله عنه وإن كان صاحب المنزلة العالية والكرامات والولاية الحقة المقبولة عند الله تعالى لكن قتله خصماؤه ولم ينتصر له من معاوية حتى أخذ الحكم منه، ولم يكن كرامة واحدة تقابل شيئا من معجزات هؤلاء الأنبياء المذكورين.

فانظر إلى فسق الرافضة وتجرئهم على رسل الله تعالى: كيف جعلوا عليا رضي الله عنه أفضل منهم عليهم الصلاة والسلام. وأين درجة النبوة من درجة الولاية.

وأهل السنة يفضلون عثمان رضي الله عنه الذي مفضول الثلاثة على علي رضي الله عنه، والرافضة لا يقدرون أن يقيموا الحجة عليهم بمساواته له، فكيف ينطون إلى الأنبياء

ص: 379

الذين هم أعلى درجات المخلوقات. كان لهم من الله تعالى على هذا الاعتقاد أقبح الجزاء.

ومن ذلك أنهم يكفرون بدعواهم لعلي رضي الله عنه ولسائر أئمتهم علم الغيب وعدد الرمال وأوراق الأشجار وقطر الغمام. وذلك من خواص الله تعالى لقوله عز وجل: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وقوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}

ومن ذلك أنهم يكفرون بدعواهم لصاحب زمانهم المفقود حضوره في كل مكان وإن تناجى اثنان كان معهما. وذلك من خواص الله تعالى بقوله سبحانه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}

ومن ذلك أنهم كما كفرونا بمخالفة علي رضي الله عنه هم أيضا يكفرون بمخالفته، لأن عليا رضي الله عنه كان مقدِّما أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وكان لا يظهر منه بغض لهم ولا مسبة ولم ينازعهم في شيء، وكان يصلي الجمعة والجماعة والسنن وغير ذلك مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم. والرافضة على خلاف ذلك كله.

ص: 380

ومن ذلك أنهم يكفرون بدعوى الحماية من علي رضي الله عنه لمن يدفن في البقاع الذي وراء قبته المنسوبة إليه [من] أمواتهم، ويعجّزون النبي صلى الله عليه وسلم عن الحماية وينفونها عنه لمن يدفن عنده كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، يرمونهما باللعن ويزعمون أن ذلك يصل إليهما وهما في حجرته، بل في حجره وأنواره ونعيمه والرحمة عليه شاملة لهما. وهذا من أقبح الدعاوي الكبار عند الله تعالى.

وهذا القدر كاف في تكفيره المقرر على رسمهم. ولو ذهبنا إلى حصره لطال ولا يحتمله هذه المختصر.

ص: 381