الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الخلافة. ولم يأت لفظ المولى للحكم. فبطل الاستدلال به على الإمامة.
(دعوى الوصية لعلي)
الخامس: دعوى الرافضة بالوصية لعلي رضي الله عنه.
قالوا ذلك في موضعين:
أحدها في كتب السنة. ذكره الفراء في تفسيره المسمى بمعالم التنزيل عند قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال: قال علي رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجمع بني عبد المطلب فجمعتهم وهم حينئذ أربعون رجلا يزيدون واحدا أو ينقصونه. فقال لهم بعد أن أضافهم برجل شاة وبعس من لبن، شبعا وريا، وإن كان أحدهم ليأكله ويشربه:"يا بني عبد المطلب، إني قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني عليه فيكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا؟ "
فقاموا يضحكون وقالوا لأبي طالب: أمرك أن تسمع لابنك وتطيعه.
قلنا: الجواب عن ذلك من وجوه:
الأول: أن يقال هذه الرواية مكذوبة عن علي. والدليل عليه أن هذه الآية، أي {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ، أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بمجرد الإنذار
الخاص لمجموع أقرباء عشيرته، ولم يؤمر بطلب مؤازرة واحد منهم أو إنذاره. فكيف يخص بها واحدا منهم دون الباقين.
الثاني: أن الإيصاء والاستخلاف على ناس لا يكون إلا بعد الانقياد والطاعة منهم، وهم حينئذ على خلاف ذلك، فكيف يستحسن من أكمل الناس رأيا فعله.
الثالث: أن من يتحقق من واحد رد حكمه عليه وهو أصل، فكيف يجعل تابعه حاكما عليه ويأمره بالسمع والطاعة، وهل ذلك إلا سفه، كالمثل المضروب بين الناس، وهو: من قال لآخر أعطني دينارين بعلامة ما طلب أستاذي منك فلسا ما أعطيته.
الرابع أن صاحب المعالم ذكر عنه في تفسير هذه الآية أربع روايات، واحدة عن علي رضي الله عنه وفيها ما ذكرتم من الوصية والاستخلاف، والثلاث الأخر عن غيره، اثنتان عن ابن عباس
عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأخرى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وليس في الثلاث شيء مما روي عن علي رضي الله عنه. فروايته معارضة بهن.
الخامس أن الروايات المذكورة عن غير علي مقدمة راجحة على الرويات المذكورة عنه، لأن الآية آمرة بالإنذار، والثلاثة منذرة بقوله صلى الله عليه وسلم:"إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". والرواية عن علي رضي الله عنه مبشرة بقوله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة"، وبقوله:"أيكم يوازرني عليه فيكون خليفتي". والثلاث مطابقة مقصود الآية، وهذه مضادة وضعيفة.
السادس أن صاحب المعالم لم يسند الرواية عن علي رضي الله عنه إلى نقله بأن يقول أخبرنا ونحوه، بل نسبها إلى نقل غيره غير متصل به. قال:"روى محمد بن إسحاق".
ونسب الثلاث المعارضة لها إليه: "أخبرنا عبد الواحد المليحي". فوجب العمل بهن دون تلك. ولم يقم علينا بها حجة، لأنها جاءت مجيء النقل من المكتوب طريق التواريخ والحكايات، ومحمد بن إسحاق الناقل معروف بذلك. فسقط الاحتجاج بها.
فإن قيل: كيف نقلها هذا العالم منكم -يعني صاحب المعالم- وهو يعرف أنها غير صحيحة؟
قلت: نقلها ونقل ما يعارضها حتى [يتبين] الزيف من الخالص فيسقط احتجاج الغير بها، فلا بأس عليه في ذلك، إذ هو دأب العلماء في محل
الخصام. وأيضا ذكر الروايات الضعيفة والموضوعة هو دأب المفسرين الكبار. ألا ترى ما أورده البيضاوي من الأحاديث الموضوعة في أواخر السور وفي سورة هل أتى وغيرها.
السابع أن الرافضة يدعون أن عليا رضي الله عنه لم يزل مسلما. والذي تدل عليه الرواية عنه أن النبي رضي الله عنه إنما طلب المؤازرة من أقاربه الكفار. فما معنى جواب علي رضي الله عنه وهو ليس منهم في الاعتقاد ولم يتناوله الطلب ولا الخطاب.
الثامن أن عليا رضي الله عنه كان قد أسلم وآمن قبل ذلك، وهو المأمور بجمع الكفار من بني عبد المطلب على حسب روايته. والرافضة يدعونه أبلغ البلغاء. ومقالته هذه لا تطابق هذا المقام. وحاشا مثله. وهو بليغ في مثلها.
التاسع أن الخطاب بطلب المؤازرة المرتب عليه الوصية والاستخلاف المذكوران إنما كان للكفار. وحينئذ فلا يستقيم للرافضة حجة بذلك إلا إذا زعموا أن عليها كان حينئذ على مثل ما هم عليه. وحاشاه من مثل ذلك اتفاقا. فبطل الاحتجاج.
العاشر أن من شروط الوصية والاستخلاف الجزم بهما. وتعليق استحقاقهما بوجود شيء ينافي ذلك.
الحادي عشر: أن الوصية والاستخلاف يكونان لمعين مقطوع به اتفاقا. وطلبه من واحد من جماعة متعلق بصفة واحدة توجد به يوجب الجهالة. فتعين البطلان به.
الثاني عشر أن الخطاب بالصفة هو لواحد يكون فيه. فلو وجدت من اثنين أو أكثر دفعة واحدة أو مرتبا وقع الشقاق. فاستحال.
الثالث عشر أن من شروط الموصي والمستخلف العلم بما ينص عليه بهما. وطلبه من جماعة بصفة محمول على جهالة الموصي والمستخلف به. فتنافيا.
الرابع عشر أن الاستخلاف لا يكون إلا لبالغ، وعلي رضي الله عنه كان صبيا، والصبي محجور من مثله فامتنع.
الخامس عشر أن عليا رضي الله عنه كان صبيا ولم يكن أحد أبويه مسلما حتى يحكم بإسلامه تبعا لأصله، ولم يكن إسلامه إلا باعتقاده وإقراره وهو بالغ وكامل. فكيف يسوغ الأمر لكاملين بالسمع والطاعة. ولهذا نقل الراوي ضحك المجموعين من هذا الكلام.
السادس عشر أن دعوى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤلف ويستخلف جميع من دعاه إلى الإيمان. وقوله في الرواية: "أيكم يؤازرني فيكن وصيي وخليفتي فيكم" إذا أجيبت من واحد يوجب منافرة الباقين. فاستحال.
السابع عشر أن ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون بثواب يعم جميع من يؤمن به، كالجنة في الآخرة والتمكين في الدنيا مثلا. وقوله:"أيكم يؤازرني فيكن وصيي وخليفتي فيكم" لا يختص ثوابه إلا بواحد، وما يبقى فائدة للباقين. وهل يوجب ذلك إلا عدم الرغبة في الإيمان وانعدامه.
الثامن عشر أن الوصية بالاستخلاف، فأحدهما عين الآخر. وقد ذكرا في الرواية أحدهما معطوفا على الآخر. والعطف يوجب المغايرة والترادف. وكلاهما يمتنعان في التبليغ.
التاسع عشر: المؤازرة المرتب عليها الوصية والاستخلاف كانت ثابتة لعلي رضي الله عنه قبل الخمسة المذكورة لتقدم إيمانه عليها اتفاقا. فما معنى طلب النبي صلى الله عليه وسلم لها من غيره بعد ذلك. وهذان حالان متناقضان.
العشرون: إن كان غرض النبي صلى الله عليه وسلم ثبوت الوصية والاستخلاف لغير علي من الجماعة المخاطبين، فاستحال أن يكون له. وإن كان غرضه ثبوتها لعلي فهو تحصيل الحاصل لتقدم إيمانه رضي الله عنه على ذلك. ومثله لا يصلح من حكيم.
الحادي والعشرون: أن بعض هؤلاء المجموعين المخاطبين من بني عبد المطلب من أسلم كالعباس وغيره وبايع أبا بكر وتابعه وانقاد لمنصوصه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا مما يؤيد كذب هذه الرواية.
الثاني والعشرون: أن يقال هذه الرواية عن علي رضي الله عنه صحيحة على سبيل التسليم للجدال، ولكنها لا تقوم حجة علينا ولا على ثبوت وصية واستخلاف لعلي قبل أصحابه المتقدمين عليه رضي الله عنه من وجهين:
أحدهما أنها لم توجد إلا من نقله ولم توجد من نقل أحد غيره، فهي من قبل شهادة المرء لنفسه. فلم تقبل على الأخصام في محل الخصام. ولا يمنع جواز أن يطلب الخلافة لنفسه على ظن استحقاقه لها اجتهادا بالطلب إذا استحقت لغيره، إذ هو ليس بمعصوم.
ثانيهما: أن الآية آمرة بالإنذار الخاص لعشيرة النبي صلى الله عليه وسلم الأقربين، والخطاب بالوصية والاستخلاف لعلي رضي الله عنه هو عليهم وفيهم دون غيرهم في عشيرته البعيدة وغير عشيرته. ولا يدخل غيرهم في ذلك. ألا ترى أنهم قالوا لأبي طالب:"أمرك أن تسمع لابنك وتطيع" وهم