الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستحي من الحي- بل إذا مت فمروا بجنازتي على بابها فإن أذنت وإلا ردوني إلى مقابر المسلمين. فلما مُر بجنازته على بابها واستؤذنت له فأذنت ودفن مع صاحبيه إلى جانب أبي بكر رضي الله عنهما.
وكانت مدة خلافته عشر سنين، ومدة عمره ثلاثا وستين سنة كعمر صاحبيه.
(خلافة عثمان)
وأما خلافة عثمان رضي الله عنه فالدليل عليها أيضا من وجوه:
وهو ما سبق من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}
وقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ} وقوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} وقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، فهذه أربعة.
والوجه الخامس تنصيص عبد الرحمن بن عوف الحكم في قصة الشورى.
وذلك لما ضرب عمر رضي الله عنه قيل له: يا أمير المؤمنين استخلف. قال: إن أترك الاستخلاف فقد تركه من هو خير مني -يعني النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يستخلف أحدا- وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني -يعني أبا بكر، فإنه استخلف عمر- وإن كانت شرا فقد كفانا ما حملنا منها، بل الأمر في هذه الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم. عدّ عليا وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف
وسعيد بن زيد بن الخطاب، لكن أخرجه عمر منهم لكونه ابن عمه. وقال: يحضره عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء، فمن ارتضت الأمة من هذه الستة كان حاكما.
فلما دفن عمر امتدت الرقاب إلى الستة تريد الإمامة لها. فقال عبد الرحمن: الأمر يطول بين ستة، أيكم ينزل عن حقه فيجعله لصاحبه حتى يقرب الاختيار؟
فقال الزبير: جعلت حقي لعلي. وقال طلحة: جعلت حقي لعثمان. وقال سعد: جعلت حقي لعبد الرحمن. فقال عبد الرحمن: صار الأمر لثلاثة، فأيكم ينزل عن حقه لصاحبه تقريبا للأمر حتى يبقى في اثنين نختار واحدا منهما؟ فأمسك الشيخان، يعني عليا وعثمان. فقال عبد الرحمن: أنزل لكما وتحكّماني في أمركما ولكما الله علي أن لا آل الأمر عن أفضلكما؟ فقالا: حكمناك. فقال: حقي لكما.
ثم صبر ثلاثة أيام يشاور الناس ليلا ونهارا، والأبصار والرقاب ممتدة إليه، لا يوطأ عقب علي ولا يوطأ عقب عثمان، بل عاكفون عليه ومترددون إليه. ثم إن الناس في اليوم الثالث اجتمعوا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ينظرون وينتظرون ما يحكم به عبد الرحمن. ثم إن عبد الرحمن خطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا عثمان، آلله عليك إن أمّرتك لتعدلن وإن أمرت عليك لتسمعن وتطيعن؟ فقال: الله علي. فقال: يا عثمان مد يدك لأبايعك. ثم التفت إلى علي وقال: يا علي لا تجعل لنفسك عليها سبيلا، فإني والله منذ ثلاثة أيام أشاور الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان أحدا. فبايع عثمانَ
وانقاد الناس إليه انقيادهم لصاحبيه.
حتى جاء أهل مصر وشكوا عنده عبد الله [بن سعد] بن أبي سرح، وكان حاكما عليهم من قبل عثمان، وهو أخ لعثمان رضي الله عنه من الرضاع، فقال: ما يريضيكم؟ قالوا: اعزله.
قال: عزلته عنكم، من تختارون أولي عليكم؟ قالوا: محمد بن أبي بكر. فولاه ونفذه معهم. وسيّر معه جمعا من الصحابة. وخرجوا متوجهين إلى مصر. فبينا هم على نحو مرحلة من المدينة إذا بشبح يلوح على بعد، فركبت الخيل إليه، إذا هو عبد لعثمان. فقالوا: أين تريد؟ قال: أريد حاكم مصر، قالوا: هو عندنا. فلما جاءوا به إليه ورآه قال: لا أريد هذا، أريد الأمير الذي بمصر. ففتشوه إذا معه إداوة فيها كتاب. فكسروا الإداوة، إذا فيها مكتوب: من عثمان، عليه ختم عثمان، إلى عبد الله بن [أبي] سرح، إذا وصل إليك محمد بن أبي بكر ومن معه اقتل الجميع واستمر على حكمك. قالوا: أمير المؤمنين يسعى في قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجعوا وذكروا لعثمان، فأنكر وحلف.
فقالوا: لا نقبل لك هذه العثرة، عبدك وبعيرك وخاتمك، إن كنت بريئا فالغريم مروان، أخرجه إلينا. وكان مروان كاتبا له والخاتم عنده. فقال: لا أخرجه إليكم، إن أخرجته تقتلنه قبل أن يثبت عليه شيء.
فتغلظ الأمر. وجاء أهل مصر في أربع فرق عليها أربعة أمراء، عبد الرحمن بن عديس وكنانة بن بشر الليثي وسودان بن حمران،
والمقدم على الكل الغافقي بن حرب. وكانوا ستمائة. وقيل ألفا. وقيل ألفين.
وأهل الكوفة في أربع فرق، عليهم زيد بن صوحان العبدي ومالك الأشتر النخعي وزياد بن نضر الحارثي وعبد الله بن [الأصم]. وعددهم كعدد الأول.
وأهل البصرة أربع فرق، عليهم حكيم بن جبلة العبدي وذريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح بن الحكم و [ابن محرش] بن عمرو الحنفي. وعددهم كعدد الأول. فأهل مصر يشتهون عليا أميرا. وأهل البصرة يشتهون طلحة. وأهل الكوفة يشتهون الزبير.
وجاءت أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم على بغلة لها. فضربوا وجه بغلتها فسقطت، فأخذوها وذهبوا بها إلى بيتها.
وتجهزت عائشة رضي الله عنها خارجة للحج هاربة من المدينة خائفة من انتشار الشر إليها. فجاءها مروان متخفيا فقال: يا أم المؤمنين لو تقفين لمراقبة عثمان حتى تنفك الفتنة. فقالت: أتريدون أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة؟ وخرجت.
ورأى عثمان ليلة قتله النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "يا عثمان الليلة فطورك عندنا".
واشتد الحصار عليه. فسأل الصحابة عثمان الخروج للجهاد فقال: يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. ودخل عليه علي رضي الله عنه وهو مقلد بسيفه فقال: يا أمير المؤمنين، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلحق هذا الأمر حتى ضرب بالمقبل المدبر، وإن في الباب فئة منصورة، مرنا فلنقاتل. فقال عثمان: الله الله في من رمى بسببي مثل محجمة من دم. فخرج علي وهو يقول: اللهم إنك تعلم أن منا المعذور. فهرعت الناس إليه للصلاة فقال: لا أصلي بكم والإمام محصور. ودخل عليه أبو هريرة يستأذنه في القتال، قال: فأقسم أن ألقي سيفي، فألقيته، والله لا أعلم من أخذه.
ودخل عليه المغيرة بن شعبة فقال: إن القوم قاتلوك وإني مشير عليك بأحد ثلاثة أمور، فقال: ما هي؟ قال: أفتح لك بابا تخرج به إلى حرم مكة. قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يلحد بالحرم رجل عليه نصف عذاب أهل النار» ، ولا أكون ذلك الرجل إن شاء الله تعالى. قال: تخرج إلى الشام فإن بها معاوية ينصرك. قال: المدينة دار هجرتي ولا أفارق دار هجرتي. قال: اخرج نقاتل هؤلاء. قال: لا أكون أول من خلف محمدا في أمته بالسيف. وقال لعبيده: من أغمد سيفه فهو حر. وبعث إلى علي يطلب الماء. فنفذ إليه ثلاث قرب مملوءة ماء والحسن معها. فرمى القوم بالسهام، فقطعت منها قربتين، وأصاب الحسن سهم فأدمى وجهه.
فلما رأى محمد بن أبي بكر وجه الحسن داميا قال لأصحابه: فات الأمر الذي تبغونه، الساعة بنو هاشم يرون وجه الحسن داميا فيرفعونكم عن غرضكم ويهزمونكم. فأخذ منهم الغافقي وسودان بن حمران، وتسلقوا عليه من دار من دور الأنصار كانت في جواره، ودخلوا عليه من غير علم أحد بهم، وما عنده غير زوجته، فصاحت زوجته فلم يسمعها أحد. فجذب محمد بن أبي بكر بلحيته حتى سمع وقع أضراسه، فقال عثمان: لقد أخذت مأخذا ما كان أبوك ليأخذه. فخرج وقال: إني بريء من قتل عثمان.
وضربه الغافقي بحديدة على ركبته، وضرب المصحف برجله. وجاء سودان بن حمران ليضربه بالسيف، فأكبت عليه زوجته نائلة بنت الفرافصة فأصابها بالسيف في يدها، فنحاها عنه، وضرب عثمان فقتله. أما صاحب العصا فإن الأكلة وقعت في رقبته حتى أكلت جميع بدنه. وأما صاحب السيف فقتل بالسيف.
وأما محمد بن أبي بكر فأدخل في مصر في بطن حمار وأحرق هو والحمار.
ثم إن القوم ندموا على قتله. وقيل ندمهم لعلي فقال علي: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ} الآية. وقال سعد: أولئك {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
كانت مدة حصاره اثنين وعشرين يوما. وقيل قتل بين عصر ليلة الجمعة ومغربها، ودفن بين مغربها وعشائها.
وهرعت الناس إلى علي يطلبون أميرا، فقال: ليس ذلك إليكم، ذاك إلى أهل بدر، أمّروا غيري فإني أكون وزيرا لكم خيرا من أن أكون أميرا عليكم. وخرج إلى باب عثمان، فلقي طلحة والزبير فغلظ لهما وقال: يُقتل أمير المؤمنين وأنتم ممسكون عنه؟ فقالا: لو أخرج إليهم مروان ما قتلوه. ولقي ابن طلحة وابن الزبير كانا في الباب، فانتهرهما، ولطم ابنيه
الحسن والحسين، أحدهما على صدره والآخر على وجهه. فاعتذر جميع من كان في الباب لحراسته أن لا علم لنا بقتله. والقاعدون عنهم من الصحابة بعضهم لتخذيله وبعضهم غيظا عليه حيث لم يُخرج مروان.
وكان مدة خلافته اثنتي عشرة سنة، وعمره خمس وثمانون سنة. ودفن في البقيع.