الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتعين الغسل على الوجه في قراءة الجر أيضا. وإنما جاء الغسل هاهنا بلفظ المسح مع التعميم تنبيها على قلة النصب لترك السرف المعتاد في غسل الرجلين لكونهما قريبتين من الأرض التي هي محل النجاسة.
(حل المتعة)
ومنها حل المتعة. محتجين بدليلين:
أحدهما: كانت زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورُد بأنها كانت من أحكام الجاهلية كالخمر
ونكاح الأختين وزوجة الأب ونحو ذلك، وطن الإسلام عليها فاستمرت إلى حين نزول الناسخ كما في غيرها من الأحكام كالخمر ونحوه.
والناسخ في القرآن موضعان:
الأول قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} لم يبح الله
تعالى في الآية المذكورة غير الزوجة وملك اليمين.
قالوا: المستمتع بها زوجة.
قلنا: الزوجة يلحقها الطلاق، ولها نصف المهر المسمى قبل الدخول، وجميعه بالدخول، ويحرمها الطلاق ثلاث مرات، وتحتاج بالعود إلى الأول إلى محلل، ويحتاج بالفرقة إلى ذوي عدل عند
الرافضة، ويحتاج بالبائن إلى الإذن، وبالرجعى دون الإذن، وغير ذلك من الأحكام. والمستمتع بها ليست كذلك. فانتفى أن تكون زوجة.
الموضع الثاني: قوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} وقوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وأمثال ذلك في القرآن. وهذا صريح في تحريم التمتع.
فإن قيل: هذا ليس في هذا المعنى خاصة.
قلنا: داخل في عمومه.
الدليل الآخر: قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
ورُد من وجوه:
الأول: أن الآية فيها سين الاستفعال الدال على استيفاء المتعة، فيكون معناه: ما دخلتم به من النساء وحصل التمتع فآتوها أجرها وما لم تدخلوا ولم يحصل بها تمتع فآتوها نصف أجرها. وإلا لو كان مقصود الآية ما ذكرتم كان يقول تعالى: فما تمتعتم به منهم، لأن اسمها متعة، ما اسمها استمتاع.
الثاني: أن الله تعالى ذكر المال بقوله: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} وإذا ذكر المال وجب أداؤه سواء كان النكاح مؤبدا أو مؤقتا، فما فائدة تخصيص المؤقت بإيتاء الأجر دون المؤبد، ولو كان كذلك لخرج من مفهومه المؤبد عن إيتاء الأجر، وهو باطل. فتعين أن يكون المؤبد الحاصل به الاستمتاع بالدخول كونه لا خلاف في جوازه كما ذكر في الوجه قبله، [ولا يستقيم للرافضة في هذه الآية دليل على المؤقت لأنه نوى بالاستمتاع الدخول] ويجعل ذلك للمؤبد والمؤقت، ويعود الخلاف في المؤقت، وهو لا يجد دليلا غير الآية، فينقطع النزاع.
الثالث: لو سلمنا أن الآية في المتعة، فالفاء إن جعلت تفريعا من قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} ، خرج الإحصان المؤبد، وخروجه ممتنع كما عرفت في الوجه قبله. وإن جعلت استئنافا كان مدلول الآية في المستمتع بها إيتاء الأجر فقط من غير دلالة على حلها، وإيتاء الأجر للشبهة والحرمة تعليم من قوله تعالى:{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} ومن تنصيص كثير من العلماء عليها.
الرابع: أن الله تعالى شرط في نكاح الإماء العجز عن طول الحرة، وأجر المتعة في الحرة أقل من مهر الأمة في المؤبد، لأنه قد يحصل بأقل ما يكون من الدراهم من نحو درهمين أو ثلاثة لقصر المدة وضرورة الحرة المحتاجة، ولا لعجز أحد عن مثلها. فلو كان نكاح المتعة جائزا لم يبح نكاح الأمة قطعا، لأن طول الأمة لمالكها وصحة نكاحها موقوف على إذنه، ولا يملك الإماء إلا أولو الثروة، وصاحب الثروة لا يرضى بالدرهمين والثلاثة.
الخامس: أن الله تعالى منّ علينا بالتخفيف في نكاح الإماء لضعفنا بقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} ولا شك أن طول الأمة في النكاح المؤبد أثقل من أجر الحرة في المؤقت. فلو كان المؤقت جائزا لكانت المنة به أخف.
السادس: أن المتعة يستقبحها كل أحد من أولياء المرأة رافضيا كان أو سينا، ولا يسمح الرافضي نفسه -من الغيرة والنخوة والغضب- لو قال أحد: متعني ببنتك. ولم يجعل تعالى القبح والغضب في أمر أحله لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} قال الشارع صلى الله عليه وسلم: "رغم الشرع
أنف الغيرة"، فتبين فسادها.
فإن قيل: ابن عباس نقل عنه إباحتها.
قلنا: معارض من وجهين:
أحدهما أنه نقل عنه رجوعه أيضا.
الآخر تحريم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لها، وهو أعظم من ابن عباس أمرا ونهيا من غير منازع له في ذلك من الصحابة.