الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصص بالإمامة الأقرب إليه حتى سقط الاحتجاج بالأبعد، بل قال:«الأئمة من قريش» ، والقرشية في علي ومن ساواه من المتقدمين عليه واحد، وقد ترجح المتقدمون بترجيح الأمة. ويؤيد ذلك أن موسى عليه السلام استخلف بعده يوشع بن نون عليه السلام، وأولاده وأولاد هارون موجودون لم يستخلف أحدا منهم.
الثالث: إن كان الحكم للأقرب لزم الرافضة أن يقولوا: ليس لعلي بعد النبي صلى الله عليه وسلم حكم، إذ العباس أقرب منه كونه عما وعلي ابن عمه. وكل من أبي بكر وعمر وعثمان أفضل من عباس.
(العلم)
الثامن: العلم. احتجوا أنه أعلم الصحابة بوجوه:
الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أقضاكم علي" والقضاء لا يكون إلا عن
علم. وكل ما ثبت أنه أقضى ثبت أنه أعلم. والأعلم تجب له الإمامة.
والجواب عنه أيضا من وجوه:
منها أن نسلم أن عليا أعلم الصحابة جدلا، ثم لا نسلم أن الأعلم تجب له الإمامة بدليل قصة الخضر وموسى عليهما السلام، كان صاحب الإمامة والنبوة العامة موسى، والخضر دونه ومن رعيته. وقد سأل موسى الخضر أن يعلمه فعلمه. ومنها قصة الهدهد وسليمان بقوله {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} الآية.
ومنها قصة سليمان وداود عليهما السلام في حكم الغنم والحرث، وداود صاحب النبوة والإمامة العامة وسليمان من أتباعه. وقد قال تعالى:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} . ومنها أن عمر رضي الله عنه حين عزم الخروج إلى العراق ولى عليا رضي الله عنه القضاء على المدينة، وعمر صاحب الإمامة العامة. والرافضة يدعون أن عليا أعلم، وقد تولى القضاء من جهة عمر رضي الله عنه.
الثاني: حديث: "أقضاكم علي" ورد مع جملة خصائص في غيره من الصحابة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أقضاكم علي، أفرضكم زيد، أقرأكم أبي، أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، أرفقكم في دين الله أبو بكر، أشدكم عمر".
وحينئذ فثبت أن معاذا أعلم من علي بالحلال والحرام. والعلم بالحلال والحرام يعم سائر الأحكام، والقضاء مندرج تحته. فإن رضيت الرافضة بذلك بطل احتجاج الرافضة أنه أعلم. وإن لم يرضوا كانوا ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض. ولا ينفعهم ذلك بل يسقط احتجاجهم على رغم منهم.
الثالث: أن نقول: لا نسلم أن عليا أعلم الصحابة لأن الأمة اجتمعت على كل من أبي بكر وعمر وعثمان بالتقديم. والمجمع على تقديمه مجمع على أنه أعلم ممن بعده.
الرابع: أن أبا بكر قُدم في الصلاة حياة النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الآل والصحب وصلوا وراءه. والصلاة بنص جميع الفقهاء الأعلم مستحق للتقديم فيها. وقد قدم، فثبت أنه الأعلم.
الخامس: أن الصديق كان يفتي في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ويقر فتواه. وبيّن موته بعد إنكار من أنكره وموضع دفنه فلم ينازع. ولا خولف لا في إمامته ولا في مسائل الفروع والأصول، فدل على علمه بالأدلة التي تقطع النزاع.
وعلي رضي الله عنه خولف في مسألة بيع أم الولد وفي مسألة ابن السنابل مع سبيعة بنت الحارث من أن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بأقصى الأجلين، وغير ذلك. ونوزع في مسألة الإمامة، وتغلظ النزاع حتى تضاربوا بالسيوف، ولم يقطع عنه احتجاج عمرو بن العاص. وعمر رضي الله عنه مع علمه فإنه وافق القرآن في جملة مواضع:
منها قوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} . ومنها آية ضرب الحجاب على نساء النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} ومنها أسارى بدر، وهي قوله تعالى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الآية.
وعثمان رضي الله عنه جمع القرآن. وهو على تأليفه إلى يوم القيامة. ورأى بعض أصحابه امرأة أجنبية ثم دخل عثمان فرأى وجهه فقال: أيزني أحدكم ويدخل علي. قال: يا أمير المؤمنين أبعد رسول الله وحي؟
قال: لا وإنما هي فراسة.
وأمثال ذلك عن الخلفاء رضي الله عنهم أجمعين.
السادس: أن جميع الأمة، عليا وغيره، كانت تبع أبي بكر وصاحبيه أيام خلافتهم، يرجعون إليهم في المسائل في دين ودنيا، ولا يسألون غيرهم، عليا كان أو غيره. ولو كان أحد أعلم منهم لسألته الناس. ولم يثبت شيء من ذلك فتعينت الأعلمية لهم.
الثاني من وجوه الرافضة بالعلم حديث: "أنا مدينة العلم وعلي بابها".
والجواب عنه أيضا من وجوه:
أحدها: أن هذا الحديث يتضمن ثبوت العلم لعلي رضي الله عنه. ولا شك أنه بحر علم زاخر لا يدرك قعره. إلا أنه لا يتضمن ثبوت الرجحان على غيره، بدليل ثبوت العلم لغيره على وجه المساواة بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن مجموع الأصحاب:"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". فثبت العلم لكلهم.
ثانيها: أن بعض أهل السنة يقولون زيادة على هذا القدر، وذلك قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا مدينة العلم وعلي بابها وأبو بكر وعمر وعثمان حيطانها وأركانها"، والباب فضاء فارغ والحيطان والأركان طرف محيط. فرجحانهن على الباب ظاهر.
ثالثها: وقع في تأويل "علي بابها" أي مرتفع، وعلى هذا يبطل الاحتجاج به للرافضة.
وأيضا ورد في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أمته في المنام وعليهم القمصان، فمنهم من قميصه إلى ركبتيه ومنهم إلى ساقيه ومنهم أقصر، ورأى عمر رضي الله عنه وعليه قميص يجره، فقالوا: بم أولت يا رسول الله؟ فقال: «بالعلم» . فثبت أعلمية عمر على علي
بحيث يخشى على منكره الكفر.
الثالث من وجوه احتجاجهم بالعلم: قولهم: إن عليا رضي الله عنه يأخذ بقوله العلماء والحكماء والمنجمون والمداح، يقصون أخبار علمه، كقصة الخاتم والسبع واليهودي، وأنه جاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أين جبريل؟ فنظر عن يمينه وشماله وفوقه وأسفله فقال: نظرت في السماوات السبع والأرضين السبع والغرب والشرق فلم أر جبريل، إن يكن فأنت هو! وأنه يعلم عدد الرمال والجبال والأوراق وقطر الغمام. ونحو ذلك.
والجواب عن ذلك أن نقول: إن قولهم إن العلماء والحكماء والمنجمين يأخذون بقوله، فذلك من البهت والزور.
وهذا التفسير منسوب إلى ابن عباس، إلى مقاتل، إلى مجاهد إلى الزهري،
إلى عمر، إلى نافع، وغيره من الصحابة. وعلي أحدهم. وهذا الفقه منسوب إلى أبي حنيفة، إلى مالك، إلى الشافعي،
إلى أحمد بن حنبل، وغيرهم من أتباعهم، والغزالي من أصحاب الشافعي بلغ من التصنيف في مجموع العلم فوق ألف كتاب، ولم يوجد علم إلا وله فيه كلام شرعي حقيقي معقول أو منقول. وابن الجوزي في مذهب أحمد بن حنبل على نحو ذلك. وهذا النحو منسوب إلى سيبويه،
إلى الأخفش، إلى البصريين، إلى الكوفيين، وبناؤه وتفاريعه إلى أبي الأسود الدؤلي. وما نقلوا من أن أصله لعلي رضي الله عنه، وذلك قوله:"الكلام ثلاثة أشياء اسم وفعل وحرف" فلم يوجد نقله في كتاب، بل من أفواه الرافضة. والله شهيد علي وكفى به شهيدا أني رأيته في كتاب عتيق منسوبا إلى عمر رضي الله عنه. وهذا علم العروض
منسوب إلى الخليل بن أحمد. وكل علم من باقي الفنون كالمنطق والأصلين والطب والنجوم ونحوها منسوب إلى أهل له غير علي رضي الله عنه. فكيف يجوز على الناس بهت الرافضة.
وأما قولهم عن المداح والقصاص، فهؤلاء طرقية وسوقية وأرذال لا يحتج بقولهم إلا من هو مثلهم وأرذل منهم، وكل ما يقولون كذب. ولما رأت الرافضة ما للسنة ولأئمتهم من ذكرهم على المنابر وفي الكتب الصحيحة المعتمدة أرادوا أن يوقفوا هذه الرذائل قبال تلك الفضائل، وكفى بذلك توبيخا وخزيا لهم وسقوط همة وقدر.
وأما حديث جبريل وأن عليا يعلم عدد الرمال وحوادث الليل والنهار ونحو ذلك، من أكبر الفسوق والتجري على الله تعالى، إذ العقل والنقل يكذبه.