الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع فيما خالفوا فيه من مسائل الفروع
وسنذكر ما هو ظاهر التداول.
(المسح على الرجلين في الوضوء)
فمنها المسح على الرجلين في الوضوء، محتجين بقراءة الجر.
ويرد بأن يقال ليس في الآية ما يدل على المسح صريحا، لأن عامل المسح هاهنا لفظا بيان الفعل وهو لفظ {امسحوا} والحرف الباء التي {برؤسكم} ولم يتكرر واحد منهما بعد واو العطف التي مع {أرجلكم} ، فاحتمل العطف الغسل والمسح، ولذلك قرئت الأرجل بالنصب عطفا على اليدين المغسولتين وبالجر عطفا على الرأس الممسوح. لكن يترجح الغسل من وجوه:
الأول: أن يقال: الفرض في الأرجل الغسل، وإنما قرئت بالجر مناسبة، إذ فصل الرأس الذي فرضه المسح بين الأرجل وبين الأيدي اللواتي فرضهن الغسل، فقرئت بالجر لمجاورتها الرأس الذي هو مجرور، [و] الإعراب بالمجاورة واقع في كلام العرب، كقولهم جُحرُ ضبٍ خربٍ، بجر الخرب وهو صفة الجحر، وكقوله:{عذاب يوم أليم} على وجه، وهو صفة العذاب المرفوع.
الثاني: أن يقال الآية أوجبت المسح السنة أوجبت قدرا زائدا عليه وهو الغسل.
ويؤيد ذلك إجماع الأمة عليه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه بعده المسح. حتى أن أعرابيا ترك في وضوءه من رجله لمعة أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل» «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار» .
الثالث: الواجب الغسل، وإنما جاء بلفظ المسح لما بينه وبين المسح من معنى البلل. ومثله واقع في كلام العرب، كما جاء التبن الذي يعلف والماء الذي يسقى بلفظ العلف لما بينهما من معنى الطعم في قوله:
علفتها تبنا وماء باردا
والسيف الذي يتقلد والرمح الذي يعتقل بلفظ التقلد لما بينهما من معنى الحمل في:
رأيت زوجك في الوغا
…
ء مقلدا سيفا ورمحا
الرابع: أن الغسل أعم من المسح، والعام داخل تحت الخاص وحاصل منه من غير عكس، فيقال: كل غسل مسح، ولا ينعكس، كما يقال: كل ثمرة حلاوة، ولا ينعكس. فإذا عرفت ذلك كان الصواب لازما لنا قطعا، ولزم الرافضة الخطأ من وجه لأنه إن كان الواجب الغسل كنا على الصواب وكان الرافضة على الخطإ لأن المسح لا يجزئ عنه، وإن كان الواجب المسح كنا على الصواب أيضا لأن الغسل يجزئ عنه.
الخامس: أن فرض الرأس المسح اتفاقا، وفرض الرجلين المسح في قول الرافضة، والغسل فيهما يكفي عنه في الحدث الأكبر، ويندرج الأصغر تحته
ويحصل به الوضوء اتفاقا، وهذا دليل ظاهر على أن المسح يحصل بالغسل. فانتفى الخطأ عنها على كلا التقديرين.
السادس: أن الرخصة أضعف من العزيمة، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ترخص جواز المسح على الخف، وفي ترخص المسح على الخفين دليل على أن الغسل في الرجلين عزيمة إذ المسح أضعف من الغسل، ولو كانت العزيمة في الرجلين المسح لم يكف للخف لتساوي الرخصة والعزيمة فيهما، ومثله ممنوع.
السابع: الفرض في الرجلين وقع محدودا مع عدم تعين جهة المسح في القدم لقوله تعالى: {إلى الكعبين} بلا تعين لا على القدمين أو أسفله أو جوانبه، والتحديد من خواص الغسل في المسح مع إطلاق الجهة في الوضوء من خواص المسح العام، وإذا عم المسح صار غسلا بلا خلاف،