المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌روضة الأقحوان في ذكر حاله في المنشأ والعنفوان - أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض - جـ ٣

[المقري التلمساني]

فهرس الكتاب

- ‌روضة الأقحوان في ذكر حاله في المنشأ والعنفوان

- ‌صناعة التأليف بالمغرب

- ‌ترجمة الفيروزأبادي

- ‌عن الشقائق النعمانية

- ‌ترجمة ثانية للفيروزابادي، عن الضوء اللامع للسنحاري

- ‌ترجمة ثالثة للفيروز ابادي عن انباء الغمر لابن حجر

- ‌التجديد والمجدود

- ‌روضة البهار في ذكر جملة من شيوخه

- ‌الذين فضلهم أظهر من شمس النهار

- ‌شيوخ عياض

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض:

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله:

- ‌استطراد وتحقيق

- ‌تنبيهات

- ‌ترجمة ابن السيد البطليوسي للفتح بن خاقان

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله:

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله تعالى:

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله تعالى:

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله:

- ‌فمنهم في حرف الهمزة:

- ‌ومنهم في حرف الحاء:

- ‌ومنهم في حرف الخاء:

- ‌ومنهم في حرف الميم:

- ‌ومنهم في حرف العين:

- ‌ومنهم في حرف الغين:

- ‌ومنهم في حرف السين:

- ‌ومنهم في حرف الشين:

- ‌ومنهم في حرف الهاء:

- ‌ومنهم في حرف الياء:

- ‌وممن أجاز القاضي أبا عياض ولم يلقه:

- ‌‌‌وممن أجاز القاضي عياض ولم يلقه:

- ‌وممن أجاز القاضي عياض ولم يلقه:

- ‌الخبر عن مقتل ابن الأبار

- ‌وسياقته الأولية:

- ‌رجع إلى كلام ابن الآبار

- ‌رجع إلى كلام ابن الآبار

- ‌قافية الهمزة

- ‌قافية الباء

- ‌قافية التاء

- ‌قافية الثاء

- ‌قافية الجيم

- ‌قافية الحاء

- ‌قافية الخاء

- ‌قافية الدال

- ‌قافية الذال

- ‌قافية الراء

- ‌قافية الزاي وهي متجانسة

- ‌قافية الطاء

- ‌قافية الظاء

- ‌قافية الكاف

- ‌قافية الميم

- ‌قافية النون

- ‌قافية الصاد

- ‌قافية الضاد

- ‌قافية العين

- ‌قافية الغين

- ‌قافية الفاء

- ‌قافية القاف

- ‌قافية السين

- ‌قافية الشين

- ‌قافية الهاء

- ‌ما كتب في المثال الأيمن

- ‌ما كتب في المثال الأيسر

- ‌قافية الواو

- ‌قافية لام الألف

- ‌قافيه الياء

- ‌بين القاضي عياض والزمخشري

- ‌بين الحافظ السلفي والزمخشري

- ‌بين الزمخشري وأهل السنة

- ‌دعاء مبارك لتفريج الأزمات

- ‌تنبيه

- ‌عود إلى الرد على بيتي الزمخشري

الفصل: ‌روضة الأقحوان في ذكر حاله في المنشأ والعنفوان

‌روضة الأقحوان في ذكر حاله في المنشأ والعنفوان

أقول ومن الله أسأل التأييد والعون والوقاية والصون: عقدنا هذه الترجمة الثانية لبيان حاله في حله وترحاله.

فاعلم أرشدنا الله وإياك إلى طريق الرضوان وجنب جميعنا مسالك الذل والهوان أن حال هذا الإمام لا تفي بها عبارتي القاصرة ولا تحيط إشارتي بمن عقد الفضل عليه خناصره. وما أجد لبعض ذلك مثلاً إلاّ بعض قول الرئيس القاضي الكاتب أبي يحيى بن عاصم عند ما عرف بأبيه صاحب التحفة وقال فيه ما نصه: مولاي الوالد يكنى أبا بكر إن بسطت القول وعددت الطول وأحكمت الأوصاف وتوخيت الإنصاف أنفدت الطروس وكنت كما

ص: 5

يقول الناس في المثل: " من مدح العروس ". وإن أضربت عن ذلك صفحا وآثرت غضا من البنوة وسفحا فلبئسما صنعت ولشد ما أمسكت المعروف ومنعت ولكم من حقوق الأبوة أضعت ومن ثدي المعقة رضعت ومن شيطان لغمصة الحق أطعت ولم أرد إلاّ الإصلاح ما استطعت وإن توسطت واقتصرت وأوجزت واختصرت فلا الحق نصرت ولا أفنان البلاغة هصرت ولا سبيل الرشد أبصرت ولا عن هوى الحسدة أقصرت. هذا ولو أني أجهدت ألسنة البلاغة فجهدت وأيقظت عيون الإجادة فسدت واستعرت مواقف عكاظ على ما عهدت لمّا قررت من الفضل إلاّ ما به الأعداء قد شهدت ولا استقصيت من المجد إلاّ ما ما أوصت به الفئة الشانئة لخلفها الأبتر وعهدت فقد كان رحمه الله علم الكمال ورجل الحقيقة وقارا لا يخف راسية ولا يعرى كاسيه وسكونا لا يطرق جانبه ولا يرهب غالبه وحلما لا تزل حصاته ولا تهمل وصاته وانقباضا لا يتعدى رسمه ولا يتجاوز حكمه ونزاهة لا ترخص قيمتها ولا تلين عزيمتها وديانة لا تحسر أذيالها ولا يشف سربالها وإدراكا لا يفل نصه ولا يدرك خصله وذهنا لا يخبو نوره ولا ينبو مطوره وفهما لا يخفى فلقه ولا يلحق طلقه وصدقا لا يخلف موعده ويأسن مورده وحفظا لا يسبر غوره ولا يذبل نوره بل لا يطرق بحره ولا يعطل فخره

ص: 6

وتحصيلا لا يفلت قنيصه ولا يسأم حريصه بل لا يحل عقاله ولا يصدأ صقاله وطلبا لا تتحد فنونه ولا تتعين عيونه بل لا تحصر معارفه ولا تقصر مصارفه.

انتهى المقصود منه وبعض كلامه أردت لا كله إذ هو اللائق بوصفه القاضي أبي الفضل عياض إمام الملة.

قال الملاحي: كان القاضي عياض رحمه الله تعالى بحر علم وهضبة دين وحلم أحكم قراءة كتاب الله تعالى بالسبع وبلغ من معرفته الطول والعرض وبرز في علم الحديث وحمل راية الرأي ورأس في الأصول وحفظ أسماء الرجال وثقب في علم النحو وقيد اللغة وأشرف على مذاهب الفقهاء وأنحاء العلماء وأغراض الأدباء.

انتهى كلام الملاحي.

وقال ابنه القاضي أبو عبد الله بن عياض رحمه الله: نشأ أبي علي عفة وصيانة مرضى الحال محمود الأقوال والأفعال موصوفا بالنبل والفهم والحذق طالبا للعلم حريصا عليه مجتهدا فيه معظما عند الأشياخ من أهل العلم كثير المجالسة لهم والاختلاف إليهم إلى أن برع أهل زمانه وساد جملة أقرانه فكان من حفاظ كتاب الله تعالى مع القراءة الحسنة والنغمة العذبة والصوت الجهير والحظ الوافر من تفسيره وجميع علومه وكان من أئمة الحديث في وقته أصوليا متكلما فقيها حافظا للمسائل عاقدا للشروط بصيرا بالأحكام نحويا ريان من الأدب شاعرا مجيدا كاتبا خطيبا حافظا للغة والأخبار والتواريخ حسن المجلس

ص: 7

نبيل النادرة حلو الدعابة صبورا حليما جميل العشرة جوادا سمحا كثير الصداقة دءوبا على العمل صليبا في الحق وبلغ في التفنن في العلوم ما هو مشهور وفي العالم معلوم.

قال ابنه وابن خاتمة في مزية المرية:

وأخذ عن أشياخ بلدته سبتة كالقاضي أبي عبد الله بن عيسى والخطيب أبي القاسم والفقيه أبي إسحاق بن الفاسي وغيرهم. ثم رحل إلى الأندلس وكان خروجه من سبتة يوم الثلاثاء منتصف جمادى الأولى سنة سبع وخمس مائة فوصل إلى قرطبة يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخرة فأخذ بها عن ابن عتاب وابن حمدين وابن الحاج وابن رشد وأبي الحسين بن سراج وأبي الحسن بن مغيث وأبي القاسم بن النحاس وأبي بحر الأسدي وأبي القاسم بن بقي وأبي الوليد هشام بن أحمد بن العواد وغيرهم من أعلام قرطبة. ثم خرج منها إلى مرسية يوم الاثنين لخمس بقين من المحرم سنة ثمان من التاريخ فوصل مرسية يوم الثلاثاء الثالث من صفر بعده.

كذا قال ولده وهو أعرف.

وقال ابن خاتمة في مزية المرية: إنه وصل مرسية في غرة صفر فوجد الحافظ أبا هلي الصدفي مختفيا قال ابن خاتمة: وكان اختفى قبل ذلك بأيام لنبذة خطة القضاء من غير أن يعفى ووجد الرحالين إليه قد نفذت نفقات بعضهم ومنهم من ابتدأ كتابا لم يتمه فأخذ أكثرهم في الرجوع إلى مواطنهم وتربص بعضهم فمكث هو بقية صفر وشهر ربيع الأول لا يقع له على خبر سوى الظن بكونه هنالك وقابل أثناء ذلك بأصوله وكتب منها

ص: 8

ما أمكن على يد خاصته من أهله ولا يشك أنَّ تصرفه في ذلك لم يكن إلاّ بأمره إلى أن وصل كتاب قاضي الجماعة أبي محمّد بن منصور بحل القاضي أبي علي عن القضاء.

قال ابنه: ووصل كتابه إلى أبي معلما له بذلك إذ كان يكرم عليه وعلم برحلته إليه فخرج أبو علي من اختفائه وجلس للتسميع فسمع عليه كثيرا وزمه وكان له به اختصاص فحصل له سماع كثير في أمد يسير.

قال ابن خاتمة: سمع عليه الصحيحين والمؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة لعبد الغني والشهاب للقضاعي وغير ذلك وكتب عنه فوائد كثيرة عارض بأصوله وأجاز له جميع رواياته.

قال ابنه رحمه الله: حكى أبو الفضل عياض رحمه الله أنَّ القاضي أبا علي الصدفي رحمه الله قال له: لولا يسر خروجي بلطفه لكنت عزمت أن أشعرك بموضع يقع عليه الاختيار من بلاد الأندلس لا يؤبه لكوني فيه فتدخل إليه وأخرج مختفيا إليه بأصولي فتجد ما ترغب لمّا كان في نفسي من تعطيل رحلتك وإخفاق رغبتك.

ولقي في رحلته هذا قولهم: جماعة من أعلام الأندلس وأجاز أبو علي الجياني

ص: 9

وشريح وابن شبرين وغيرهم من أعلام غرب الأندلس وأجاز أيضاً أبو جعفر بن بشتغير وابن الأدقر وأبو زيد بن منتال وغيره من أعلام شرق الأندلس.

قال ابن خاتمة: وفي رحلته هذه دخل المرية وبها لقيه القاضي أبو جعفر بن مضاء.

قال ابنه: ووصل بلده بعد هذه الرحلة ليلة السبت سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وخمس مائة وأجلسه أهل بلده للمناظرة عليه في المدونة وهو ابن اثنين وثلاثين عاما وبعد ذلك بيسير أجلس للشورى ثم ولى القضاء عام خمس عشر وخمس مائة لقلاق بقين من صفر فسار فيها أحسن سيرة محمود الطريق مشكور الحالة أقام جميع الحدود على ضروبها واختلاف أنواعها وبنى الزيادة الغربية في جامع سبتة التي كمل بها جماله وبنى في جبل المينا الرابطة المشهورة إلى غير ذلك من الآثار المحمودة والمساعي المرضية فعظم جاهه وبعد صيته.

ثم نقل إلى غرناطة ووصل إليه الكتاب بذلك في أوّل يوم من صفر عام أحد وثلاثين وخمس مائة فنهض إليها وتقلد خطة قضائها على المعتاد من شيمته السنية وأخلاقه المرضية مشكور عند جميع الناس لكن تاشفين ضاق به ذرعه وغص بمراقبته وصد أصحابه عن الباطل وخدمته عن الظلم وتشريدهم عن الأعمال فسعى في صرفه عن قضاء غرناطة فصرف بعد انفصاله عنها زائرا أهله وترك ابن أخيه الزاهد أبا عبد الله رحمه الله على الأحكام

ص: 10

وذلك في رمضان المعظم عام اثنين وثلاثين وخمس مائة.

ثم ولى قضاء سبتة ثانية في آخر عام تسعة وثلاثين وخمس مائة قدمه إبراهيم بن تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين فابتهج أهل بلده بذلك فسار فيهم السيرة التي عهدوا منه ثم بادر بالمسابقة إلى الدخول في نظام الموحدين والاعتصام بحبلهم المتين فأقره أمير المؤمنين أدام الله أمره على ما كان عليه وصوف أمور بلده إليه وخاطبه بالتنوية وحظى عنده وشكر بداره وسبقه. ثم رحل إليه فاجتمع به بمدينة سلا عند توجهه إلى محاصرة مراكش فأوسع له وأجزل صلته ولقي منه برا تاما وإكراما عاما وانصرف إلى أحسن حال إلى أن ثارت الفتنة.

انتهى كلام ولده وسنذكر بقيته في محله إن شاء الله تعالى.

وقال الشيخ العلامة أبو زيد عبد الله الرحمن الغرناطي المعروف بابن القصير رحمه الله لمّا ورد علينا القاضي عياض غرناطة خرج الناس للقائه وبرزوا تبريزا ما رأيت لأمير مثله وحزرت أعياد البلد الذين خرجوا إليه ركابا نيفا على مائتي راكب ومن سواد العامة ما لا يحصى كثرة وخرجت مع أبي رحمه الله تعالى في جملة من خرج فلقيناه شخصا بادي السيادة منبئا عن اكساب المعالي والإفادة. قال: وكان وروده علينا يوم الخميس لخمس بقين من ربيع الآخرة سنة ثلاثين وخمس مائة. انتهى.

وانظر قوله سنة ثلاثين مع ما تقدم لولده من أن ولايته قضاء غرناطة سنة إحدى وثلاثين فلا أدرى أيهما أصوب إلاّ أنَّ يقال أحدهما تحريف من الناسخ. والله اعلم.

ص: 11

ثم إني رأيت في الاحاطة أنه تولى قضاء غرناطة عام أحد وثلاثين فتبين أنَّ ذلك هو الصواب. ورأيت مثله غير موضع فبان أنّه لا تحريف فيه. ويبقى النظر في الآخر المنقول عن عبد الرحمن بن القصير وقد نقله ابن جابر الوادي آشي عن عبد الرحمن المذكور كما حكيته سنة ثلاثين فالله اعلم.

ثم قال عبد الرحمن المذكور: ولمّا استقر عندنا كان مثل التمرة كلما ليكت زاد حلاوة ولفظة عذب في كل ما صرف من الكلام للنفس إليه تتوق وله طلاوة وكان برا بلسانه جوادا ببنانه كثير التخشع في صلاته مواصلا لصلاته وقد جمعنا من سيره جملا في الكتاب الذي جمعنا فيه مناقب من أدركنا من أعيان عصرنا ونبهائه وذكرنا له ما يفاخر برونقه وبهائه وكان مع براعته في علوم الشريعة خطيبا في تحبير للخطب وفي لفظه ظاهر الخشوع عند التلاوة وفي لحظه سريع العبرة مديما للتفكير والعبرة كاتبا إذا نثر ناظما إذا شعر.

انتهى. نقله ابن جابر وغير واحد كابن رشيد.

وقال في أوله ما نصه: قال أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن أحمد الأزدي: ولي عندنا ببلدنا غرناطة حرسها الله تعالى الفقيه الأجل الحافظ الأحفل القاضي الأكرم الأفضل الإمام الخطيب المصقع الأديب الأبرع أبو الفضل أبو الفضل عياض. انتهى.

ونقلت من خط بعض تلامذة ابن رشيد وهو محمّد بن البردعي ما نصه: وعبد الرحمن هذا قد سألت عنه شيخنا المذكور يعني ابن رشيد فقال

ص: 12

لي: لم يعرف به أحد من أهل الصلات. قلت: ولا المللاحي أيضاً.

انتهى ببعض اختصار.

وكان الإمام القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله كثير الإنصاف ومما يدل على إنصافه الحق وتواضعه ما حكاه عبد الرحمن المذكور آنفا إذ قال: دخلت مجلس القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله تعالى إذ كان قاضيا عندنا بغرناطة وبه جماعة من الطلبة الأعيان يسمعون تأليفه المسمى بالشفا فلما وصل القارئ إلى هذه الكلمات: " ومن قسم به أقسط " قرأه ثلاثين وكذلك كان في الأم التي كان يقرأ فيها فقلت للقاضي وصل الله توفيقه: هذا لا يجوز في هذا الموضع. فقال: ما تقول؟ فقلت: إنما هو أقسط لأن المراد في هذا الموضع " عدل " فالفعل منه رباعي كما قال الله تعالى:

) واقسطوا إنَّ الله يحب المقسطين (. وأما قسط فإنما هو " جار " كما قال تعالى:) وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا (. فتعجب وقال لمن حضر: إنَّ هذا الكتاب قد قرأه على من العالم ما لا يحصى كثرة ولا أقف على منتهى أعدادهم وما تنبه لهذه اللفظة. وفاه بلسان الإنصاف وشكر بفضله وأبلغ ببراعة علمه في تحسين المناقب والأوصاف وأورثني ذلك عنده كرامة كبيرة ومبرة ولم تزل مستمرة وصنع من المكارم أجزل صنيع وأبره رحمه الله من طود علم وهضبة فضل وحلم وتغمده إيانا برحمته ونفعه كما نفع في الدنيا والآخرة بعلمه. انتهى.

ص: 13

قلت: وقد رأيت نسخة من الشفا بخط هذا الشيخ عبد الرحمن المذكور وحكى هذه المسألة في الطرة بخطه كما نقلته حرفا حرفا إلاّ قوله: " المسمى بالشفا " فانه لم يقله. وألفيت في آخر هذه النسخة بخط الفقيه محمّد بن البردعي المتقدم الذكر، تلميذ ابن رشيد الفهري عندما ذكر هذه الحكاية، ما نصه:

وعبد الرحمن هذا هو كاتب هذه النسخة وقد عاناها أحسن معاناة إلاّ الكراسة الأخيرة فإنها ليست بخطه وقد ذكر هذه الحكاية في بعض طرره المتياسرة حيث وقعت اللفظة المذكورة منه وأثبتها هنالك بخطه كما أثبت غيرها مما يدل على علمه وتفننه في المعارف. وقد سألت عنه شيخنا أبا عبد الله المذكور يعني ابن رشيد فقال لي: لم يعرف به أحد من أهل الصلات. قلت: ولا الملاحي أيضاً.

انتهى ما ألفيته بخط ابن البردعي، وقد نقلت بعضه قبل هذا بأسطر، وأعدته هنا لارتباط بعضه ببعض، والله الموفق.

قلت: ما ذكره ابن رشيد وتلميذه ابن البردعي، من أنَّ عبد الرحمن المذكور لم يعرف به أحد من أهل الصلات، قصور واضح وكذا قول ابن البردعي إنَّ الملاحي لم يذكره، فقد ذكره الملاحي وأبو جعفر بن الزبير في صلة الصلة وكناه أبا جعفر، لا أبا القاسم، ولا أبا زيد، كما كناه ابن جابر وغيره مما ذكرناه.

ص: 14

ونص ما في صلة ابن الزبير: عبد الرحمن بن أحمد بن أحمد بن محمّد الأزدي، من أهل غرناطة، يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن القصير، من بيت شورى وجلالة، روى عن أبيه القاضي أبي الحسن أحمد بن أحمد، وعن عمه أبي مروان عبد الملك بن أحمد، وعن أبوي الحسن بن دري وابن الباذش، وأبي الوليد بن رشد، وأبي إسحاق إبراهيم بن رشيق الطليطلي، نزيل وادي آش، وأبي بكر بن العربي، وأبي الحسن بن موهب، وأبي محمّد عبد الحق بن غالب بن عطية، وأبي عبد الله بن أبي الخصال، وأبي الحسن يونس بن مغيث، وأبي القاسم بن ورد، وأبي بكر بن مسعود الخشني، وأبي القاسم بن بقي، وأبي الفضل عياض بن موسى وغيرهم، وكان فقيها مشاورا، رفيع القدر، جليلا بارع الأدب، عارفا بالوثيقة، ناقدا لها، صاحب رواية ودراية، تقلب ببلاد الأندلس، وأخذ الناس عنه بمرسيو وغيرها، ورحل الة مدينة فاس، فأخذ الناس عنه بها، ثم رحل إلى أفريقية وولى قضاء تقيوس، ببلاد الجريد، بمقربة من توزر، ثم ركب البحر قاصدا الحج، فتوفى شهيدا في البحر، قتلته الروم بمرسى تونس، مع جماعة من المسلمين، صبح يوم الأحد، في العشر الوسط من شهر ربيع الآخر، سنة ست وسبعين وخمس مائة.

وله تواليف وخطب ورسائل ومقامات، وجمع مناقب من أدركه من أهل عصره، واختصر كتاب الحيل لابن خاقان الأصبهاني، وغير ذلك، وألف برنامج يضم رواياته. ذكر أبو القاسم بن الملجوم في برنامجه، وروى عنه، واستوفى خبره، وذكره الملاحي، وذكره الشيخ في الذيل، فيمن أسمه أحمد،

ص: 15

وغلطه في ذلك الكنية، ثم ذكره فيمن اسمه عبد الرحمن، وظن أنمها رجلان. انتهى كلام صاحب الصلة.

قلت: ولعل الحامل لابن رشيد وتلميذه على هذا القصور، اعتمادها على الكنية، التي هي أبو زيد وأبو القاسم، وقد عرفت أنَّ صاحب الصلة قد كناه بأبي جعفر فقط، فلما فلعلهم لم يقفا على ما ذكرناه من التعريف به أصلا، أو وقفا على أوله، حين رأيا صاحب الصلة كناه أبا جعفر، ظنا أنه غيره، ولم يمعنا النظر في الترجمة إلى آخرها. وإلى الله مرجع العلم.

ثم إنَّ الغلط في أمره وقع قبلهما لصاحب الذيل، كما قاله ابن الزبير. والله سبحانه اعلم بالصواب.

قلت: وقد ذكرت في هذا الموضوع بعض فوائد عبد الرحمن المذكور، المكتوبة بهامش الشفا، الذي بخطه، فراجعه في ترجمة تآليف عياض، عند ذكر كتاب الشفا.

وقال الفقيه الأجل، الراوي العدل، الزاهد الصالح، أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكول رحمه الله، في ذكر القاضيابي الفضل عياض في صلته، ما نصه:

عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، من أهل سبتة، يكنى أبا الفضل، قدم الأندلس طالبا للعلم، وأخذ بقرطبة عن القاضي أبي عبد الله مج بن علي، وغيرهم، وأجاز له أبو علي الغساني ما رواه، وأخذ بالمشرق عن القاضي علي حسين بن محمّد الصدفر كثيرا، وعن غيره، وعني بلقاء الشيوخ، والأخذ

ص: 16

عنهم، وجمع من الحديث كثيرا، وله عناية كبيرة بهم، واهتم بجمعه وتقييده، وهو من أهل التفنن في العلم، والذكاء واليقظة الفهم، واستقضى ببلده مدة طويلة، فحمدت سيرته فيها، ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة، فلم يطل أمده بها، وقدم علينا قرطبة في ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة، وأخذنا عنه بعض ما عنده. وسمعته يقول: سمعت القاضي أبا علي بن محمّد الصدفي يقول: سمعت الإمام أبا محمّد التميمي ببغداد يقول: ما لكم تأخذون العلم عنا، وتستفيدونه منه منا، ثم لا تترحمون علينا، فرحم الله جميع من أخذنا عنه، من شيوخنا وغيرهم.

ثم كتب إلى القاضي أبو الفضل بخطه، فذكر أنّه ولد في منتصف شعبان من سنة ست وسبعين وأربع مائة، وتوفي رحمه الله بمراكش، مغربا عن وطنه، وسط سنة أربع وأربعين وخمس مائة. انتهى كلام ابن بشكول في الصلة، وذكرته كله وإن كان بعضه قد تقدم ما يغني عنه، وبعضه يأتي، لأنه كلام أرتبط ببعضه.

ورأيت في كتاب " المرقبة العليا، في الأقضية والفتيا " للقاضي الخطيب أبي الحسن علي بن عبد الله بن الحسن النباهي الغرناطي، رحمه الله، بعد أن ذكر كلام صاحب الصلة السابق، ما نصه: قلت: وسكن القاضي أبو الفضل هذا بمالقة مدة، وتمول بها أملاكا، وأصله من مدينة بسطة، ذكر ذلك حفيده، في الجزء الذي صنفه في التعريف به وبتواليفه، وبعض أخباره وخطبه، تغمده الله وإيانا برحمته، انتهى.

ص: 17

وقال صاحب المطمح والقلائد في وصف القاضي عياض ما نصه: " جاء على القدر، وسبق إلى نيل المعالي وابتدر، فاستيقظ لها والناس نيام، وورد ماءها وهم حيام، وجلى من المعارف ما أشكل، وأقدم على ما أحجم عنه سواه ونكل، فتحلت به للعلوم نحور، وتجلت له منها حور، " كأنهن الياقوت والمرجان "، " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " قد ألحفته الأصالة رادءها، وسقته أنداءها، وألقت إليه الرياسة مقاليدها، وملكته طريفها وتليدها، فبذ على فتائه الكهول، سكونا وحلما، وسبقهم معرفة وعلما، وأزرت محاسنه بالبدر اللياح، وسرت بفضائله مسرى الرياح، فتشوقت لعلاه الأقطار، ووكفت تحكي نداه الأمطار، وهو على اعتناء بعلوم الشريعة، واختصاصه بهذه الرتبة الرفيعة، يعني بإقامة أود الأدب، وينسل إليه أربابه من كل حدب ".

قال ابن جابر: هكذا وصفه صاحب المطمح. انتهى.

وهذا يدل على أنَّ بعض ألفاظ المطمح كألفاظ القلائد لأن هذا الذي نقله ابن جابر عن المطمح، هو بعينه في قلائد العقيان، وزاد بعد قوله:" من كل حدب " ما نصه: إلى سكون ووقار كما رسا الطود، وجمال مجلس كما حليت الخود، وعفاف وصون، ما علما فساد بعد الكون، وبهاء، لو رأته الشمس ما باهت بأضواء، وخفر، لو كان للصبح ما لاح وأسفر. انتهى.

وقد رأيت بعض أوراق من المطمح، بخزانة الكتب من الجامع الأعظم بتلمستان، حرسها الله، أعني الخزانة الوسطى، التي فوق محراب الصحن، وهي التي يجلس بها الأشراف، أحفاد الشيخ الإمام، علم الأعلام

ص: 18

سيدي أبي عبد الله الشريف التلمستاني، رحمه الله تعالى، شارح جمل الخونجي، وصاحب التآليف المشهورة، المبرز على العلماء المعقول المنقول، وعادة هؤلاء الأشراف أن يجلسوا بها يوم الجمعة، بعد الصلاة وقبلها، فوجدت ألفاظ - أعني المطمح - كألفاظ القلائد، من غير فرق، غير أنّه في المطمح ذكر رجلاً لم يذكرهم في القلائد، فظهر من مقتضى ذلك أنَّ المطمح إنما زاد على القلائد في الرجال، وأما ما اتففنا عليه فلفظهما فيه واحد.

وذكر غير واحد من الأئمة أنَّ المطمح ثلاث نسخ: كبرى، ووسطى، وصغرى. وأصل تسميته:" مطمح الأنفس، ومسرح التأنس، في ذكر أعيان الأندلس ".

ولعلنا نذكر فيما يأتي من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، التعريف بصاحب المطمح والقلائد المذكور، وهو الفتح بن عبد الله، الكاتب المعروف بابن خاقان، في موضع أنسب من هذا، والله سبحانه المستعان، نسأله سبحانه أن ييسر علينا كرم الله وجهه مرام، ويغتمد بالعفو ما ارتكبناه من إصرار وإجرام، بجاه أشرف الخلق، ووسيلتهم إلى الحق، سيدنا محمّد بن عبد الله بن عبد الطلب ابن هاشم، عليه من الله أفضل صلوات وأزكى سلامة، وعلى جميع إخواننا المرسلين والنبيين، وعلى آله، وأصحابه، وأشياعه، وأنصاره، وأزواجه، وذريته، وأهل بيته الطاهرين.

وكان القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله حسن الإلقاء للمسائل،

ص: 19

كثير التحرير للنقول، وقد انتفع به من العلماء ما لا يحصى، كأبي زيد عبد الرحمن بن القصير، المتقدم الذكر.

وممن أخذ عنه القاضي الشهير أبو جعفر أحمد بن عبد الله الرحمن بن مضاء اللخمي رحمه الله، وقد قدمنا أنّه لقيه بالمرية.

وكان القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى وقورا، ذا سمت حسن، وهدي مستحسن، وربما تقع منه دعابة، كما تصدر من الفضلاء أمثاله.

ومن دعابته ما حكاه ولده، قال: قال بعض أصحابنا: صنعت أبياتا تغزلت فيها، والتفت إلى أبيك رضي الله عنه، ثم اجتمع بي، فاستشهدني إياها، فوجمت، فعزم علي، فأنشدته:

أيا مكثرا صدى ولم آت جفوة

وما أنا عن فعل الجفاء براضي

سأشكو الذي توليه من سوء عشرة

إلى حكم الدنيا وأعدل قاضي

ولا حكم بيني وبينك أرتضي

قضايا في الدنايا سوى ابن عياض

قال: فلما فرغت حسن وقال: ومتى عرفتني قوادا يا فلان، على طريق المداعبة، رحمه الله تعالى، ورضي عنه وأرضاه.

وكان القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى كثير الاعتناء بالتقييد والتحصيل.

قال ابن خاتمة: كان لا يبلغ شأوه، ويدرك مداه، في العناية بصناعة الحديث، وتقييد الآثار، وخدمة العلم، مع حسن التفنن فيه، والتصرف الكامل في فهم معانيه، إلى اضطلاعه بالآداب، وتحققه بالنظم والنثر، ومهارته في الفقه، ومشاركته في اللغة العربية.

ص: 20