الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمعة لاثني عشرة ليلة خلت من شعبان وقال أبو جعفر بن الباذش لعشرة خلون منه سنة ثمان وتسعين وأربع مائة؛ ودفن يوم الجمعة بمقبرة الربض عند الشريعة القديمة؛ ومولده في المحرم سنة سبع وعشرين وأربع مائة؛ وكان لزم داره قبل موته لزمانته.
ذكر ذلك كله ابن بشكوال؛ وفيه عن غيره، وهذا هو الصحيح الذي لا يلتفت إلى غيره، ممن قال إنْ وفاته سنة ست وتسعين وأربع مائة. والله أعلم.
ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله تعالى:
القاضي الشهير الشهيد أبو علي الصدفي. وهو حسين بن محمّد بن فيره ابن حيون بن سكرة. وفيره " بكسر أوله، وياء مثناة في أسفل، وراء مضمومة مشددة، وهاء ساكنة ": قيل معناه الحديد بلغة العجم، وقد صرح بذلك صاحب الديباج المذهب. وحيون بحاء مهملة، وياء مثناة من أسفل مشددة. وسكرة:" بضم السين المهملة، وفتح الكاف المشددة، وآخره تاء تأنيث ": مؤنت سكر. والصدفي: بفتح أوله وثانيع. وهو من أهل سرقسطة، سكن مرسية، وروى بسرقسطة عن أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وأبي محمّد عبد الله بن محمّد بن إسماعيل وغيرهما، وسمع ببانسية من أبي العباس العذري، وسمع بالمرية من أبي عبد الله محمّد بن سعدون القروي، وأبي عبد الله بن المرابط، وغيرهما.
ورحل إلى المشرق أول المحرم من سنة إحدى وثمانين وأربع مائة، وحج من عامه، ولقي بمكة أبا عبد الله الحسين بن عليّ الطبري: إمام الحرمين، وأبا بكر الطرطوشي، وغيرهما، ثم صار إلى البصرة، فلقي بها أبا يعلى المالكي، وأبا العباس الجرجاني، وأبا القاسم بن شعبة، وغيرهم؛ وخرج إلى بغداد،
فسمع بواسط من أبي المعالي محمّد بن عبد الله السلام الأصبهاني وغيره، ودخل بغداد يوم الأحد السادس عشر لجمادى الآخرة، سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة، فأطال الإقامة بها خمس سنين كاملة، وسمع بها من أبي الفضل أحمد بن الحسن ابن خيرون مسند بغداد، ومن أبي الحسين بن البارك بن عبد الجبار الصيرفي، وأبي محمّد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، وأبي الفوارس طراد بن محمّد الزينبي، وأبي عبد الله الحميدي؛ وتفقه على الفقيه أبي بكر الشاشي وغيره، وسمع من جماعة سواهم من رجال بغداد ومن القاديمين عليها أيام كونه بها. ثم رحل عنها في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وأربع ملئة، فسمع بدمشق من أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبي الفرج سهل بن بشر السفرائني وغيرهما، وسمع بمصر من القاضي أبي الحسن عليّ بن الحسين الخلعي، وأبي العباس أحمد بن إبراهيم الرازي وأجازه له أبو إسحاق الحبال مسند مصر في وقته ومكثرها؛ وسمع بالإسكندرية من أبي القاسم مهدي بن يوسف الوراق، ومن أبي القاسم شعيب بن سعد وغيرهما.
ووصل إلى الأندلس في صفر من سنة تسعين وأربع مائة؛ وقصد مرسية، فاستوطنها، وقعد يحدث الناس بجامعها؛ ورحل الناس من البلدان إليه، وكثر سماعهم عليه، وكان عالماً بالحديث وطرقه، عارفاً بعلله وأسماء رجاله ونقلته، بصيراً بالمعدلين؛ وكان حسن الخط، جيد الضبط وكتب بيده علماً مثيراً وقيده؛ وكان حافظاً لمصنفات الحديث، قائماً عليها، ذاكراً لمتونها وأسانيدها ورواتها، وكتب منها صحيح البخاري في سفر، وصحيح مسلم في سفر، وكان قائماً على الكتابين، مع مصنف أبي عيسى الترمذي. وكان فاضلاً ديناً، متواضعاً حليماً، وقوراً عالماً عاملاً؛ واستقضي بمرسية ثم
استعفي فأعفى؛ وأقبل على نشر العلم وبثه.
قال ابن الأبار: وقد ذكره أبو القاسم بن عساكر في تاريخه، لدخوله الشام. قال: وبعد أنْ استقرت به النوى، واستمرت إفادته بما قيد وروى؛ رفعته ملوك أوانه، وشفعته في مطالب إخوانه؛ فأوسعته رعياً، وحسنت فيه رأياً؛ ومن ابنائهم من جعل يقصده، لسماع مسنده. وعلى وقاره الذي كان به يعرف، ندر له مع بعضهم ما يستظرف، وهو أنْ فتى منهم يسمى يوسف، لازم مجلسه، معطراً رائحته، ومنظفاً ملبسه، ثم غاب لمرض قطعه، أو شغل منعه؛ ولمّا فرغ أو أبل، عاود ذلك النادي المبارك والمحل؛ وقبل إفضائه إليه دل طيبه عليه؛ فقال الشيخ، على نزاهته من المجون، وسلامته من الفتون:" إني لأجد ريح يوسف لولا أنْ تفندون ". وهي من طرف نوادره، رحمة الله عليه.
ولمّا قلد الشيخ أبو عليّ قضاء مرسية، وعزم عليه في توليه، ولم يوسعه عذراً في استعفائه مقدمه لذلك وموليه؛ خرج منها إلى المرية، فأقام بها، سنة خمس وبعض سنة وخمس مائة. وفي سنة ست قبل قضاءها على كره، إلى أنْ استعفى آخر سنة سبع، في قصة يطول إيرادها. ولطول مقامه بالمرية أخذ الناس عنه فيها، فلما كانت وقعة كتندة، ويقال قتندة بالقاف، من خيز دورقة، من عمل سرقسطة، من الثغر الأعلى، وذلك سنة أربع عشرة وخمس مائة وكان الشيخ أبو هلي ممن حضرها هو وقرينه في الفضل أبو عبد الله بن الفرج، خرجا مع الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين غازيين، فكانا فيمن فقد فيها واختلف فيها أصحابه، فجعلها أبو جعفر بن الباذش بعد العصر، من يوم الأربعاء السابع عشر من ربيع الآخر، من السنة المذكورة، وتابعه أبو عبد الله بن عبد الرحيم؛ وجعلها القاضي أبو الفضل عياض بن موسى يوم الخميس، لست