الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال ابن خلكان: وحدث بعض الأصحاب أنه رأى بجزيرة سواكن تربة ملكها عزيز الدولة ريحان وعلى قبره مكتوب:
يا أيها الناس كان لي أمل
…
قصر بي عن بلوغه الأجل
فليتق الله ربه رجل
…
أكنه قبل موته العمل
ما أنا وحدي نقلت حيث ترى
…
كل إلى ما نقلت ينتقل
توفي الزمخشري ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة.
انتهى كلام ابن خلكان.
وقد تقدم في التأليف الذي نقلناه عن الشيخ ابن غازي رحمه الله بعض إلمام بحال الزمخشري سامحه الله.
ومن نظم الزمخشري قوله يمدح كتاب سيبويه رحمه الله:
ألا صلى الإله صلاة حق
…
على عمرو بن عثمان بن قنبر
فإنَّ كتابه لم يغن عنه
…
بنو قلم ولا ابناء منبر
بين الزمخشري وأهل السنة
وأنشد الزمخشري في كشافه لبعض العدلية يعرض بأهل السنة والجماعة المفلحين وينصر مذهبه الفاسد:
لجماعة سموا هواهم سنة
…
وجماعة حمر لعمري موكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا
…
شنع الورى فتستروا بالبلكفة
ود تصدى للرد عليه من أهل السنة رضي الله عنهم جم وافر وأبدوا ما يؤيد مذهبهم الظافر وتركوا المبتدع يحك رأسه بغير أظافر.
ولنذكر الآن ما حضرنا من ذلك كقول صاحب الانتصاف من لكشاف وهو ناصر الدين بن المنير الإسكندراني رحمه الله تعالى:
وجماعة كفروا برؤية ربهم
…
هذا ووعد الله ما أنْ يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا أجل
…
عدلوا بربهم فحسبهم سفه
وتلقبوا الناجين كلا انهم
…
إنْ لم يكونوا في لظى فعلى شفه
وكقوله أيضاً أعني أصحاب الانتصاف:
عجبا لقوم ظالمين تلقبوا
…
بالعدل ما فيهم لعمري معرفة
قد جاءهم من حيث لا يدرونه
…
تعطيل ذات الله مع نفي الصفة
وكقول الشيخ الإمام أبي عليّ عمر بن محمّد خليل السكوني الأصولي رحمه الله:
سميت جهلا صدر أمة أحمد
…
وذوي البصائر بالحمير المؤكفة
ورميتهم عن نبعة سويتها
…
رمي الوليد غدا يمزق مصحفة
وزعمت إنْ قد شيهوه بخلقه
…
وتخوفوا فتستروا بالبلكفة
نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى
…
فهو الهوى بك في المهاوي المتلفة
وجب الجسار عليك فانظر منصفا
…
في آية الأعراف فهي المنصفة
أترى الكليم أتى بجهل ما أتى
…
وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفة
وقول القاضي أبي عمر بن عبد الرفيع:
جورية وتلقبت عدلية
…
وعن الصواب عدولها للسفسفه
نفوا الصفات وعطلوا وتمجسوا
…
ويكابرون وشأنهم جلب السفه
هكذا وجد بخط الإمام أبي عبد الله بن مرزوق ورأيته بخط بعض الأصحاب: وشأنهم حال السفه، والأمر في ذلك قريب.
وقول الإمام القاضي أبي عبد الله محمّد بن عليّ الأجمي التونسي قاضي الأنكحة رحمه الله تعالى:
لهواتف هتفوا وظنوا هتفهم
…
عدلا لقد بلغوا النهاية في السفه
زعموا بأن الذات قام بغيرها
…
صفة وفيها أوجبوا حكم الصفة
خرقوا سياجا شاده سلف الهدى
…
وتمذهبوا بمذاهب مستنكفة
وأتى الأخير الغمر من أتباعهم
…
يبغي الحجاج معرضا بالبلكفة
أعني الخوارزمي ذا الصلفال
…
لم يتئد من جهله بالمعرفة
بل تاه في بيدا الجهالة معرضا
…
كحمار وحش في مهامة متلفة
وقول الفقيه أبي زكريا يحيى بن منصور التونسي قال الشيخ ابن مرزوق رحمه الله: وفي جوابه تعريض بجواب الأجمي فوقه:
عجبا لحبر في البلاغو ذائق
…
علم الفصاحة فرده ومؤلفه
جمع المعاني والبيان مكشفا
…
أسرار قرآن بأكمل معرفة
وأضل الله العظيم فراغ عن
…
سنن الصواب وحاد عنه وحرفه
فأحق قدرة حادث وأحال رؤ
…
ية واجب أو أنْ تكون له صفة
ما ذاك إلاّ فعل قهار به
…
قوم ذوو رشد وقوم في سفه
والله أسأل رحمة لجميعنا
…
ودخولنا فيمن حباه وشرفه
متوسلين بأحمد خير الورى
…
صلى عليه الله ما نطقت شفة
وقوله الفقيه أبي محمّد عبد الواحد اليفرني:
قل للذي جمع النظام وخلفه
…
من بعده لك موعد لن تخلفه
أثبت عدل جماعة في جورهم
…
والجور أثبته لهم نفي الصفة
ستكون من تلك الجماعة يوم هم
…
حمر لغي أو لكي موقفه
وقوله شيخ الإسلام أبي عبد الله بن عرفة رحمه الله:
لحثالة سموا هواهم معدلا
…
وحثالة حمر لكي موقفه
قد شهوه بالمحال وعطلوا
…
وتستروا باللذات عن نفي الصفة
قوله: " قد شبهوه بالمحال " أي لقولهم: " عالم لا بعلم " ونفي العلم يستلزم أنْ يكون محالا. هكذا ألفي في بعض المقيدات والله اعلم.
وقول خطيب الخطباء الرئيس الحاجب الفيه المحدث الرحال سيدي أبي عبد الله بن مرزوق التلمساني رحمه الله تعالى:
وجماعة عرفت لعمري بالسفه
…
وتمسك بظلال أهل الفلسفة
عدلت عن النهج القويم فلقبت
…
عدلية وعدولها عن معرفة
ضلت وقالت لن يرى ربي الورى
…
يوم الجزاء فألزت نفي الصفة
هذا وكم من زلة زلت وكم
…
من مذهب ذهبت به في متلفه
وكذاك أسلمت الأمور لنفسها
…
هيهات تنقذ نفسها من متلفه
كيف السبيل لصرفها عن غيها
…
والعدل يمنع صرفها والمعرفة
وقال سعد الدين الالتفتزاني رحمه الله عند ذكر البيتين اللذين أنشدهما
الزمخشري ما نصه: ولقد عورض ما أنشده وأنشأه من الهذيان. قال الإمام المحقق محي السنة قامع البديعة كامل الدين المظفر ردا عليهم:
لجماعة كفروا برؤية ربهم
…
ولقائه حمر لعمري موكفة
هم عطلوه عن الصفات وعطلوا
…
عنه الفعال فيها لها من منكفة
هم نازعوا الخلق حتى أشركوا
…
بالله زمرة حاكة وأساكفه
هذا غلقوا أبواب رحمته التي
…
هي لا تزال على العصاة موكفة
ولهم قواعد في العقائد رذلة
…
ومذاهب مجهولة مستنكفة
يبكي كتاب الله من تأويلهم
…
بدموعهم المنهلة المستوكفة
وكذا أحاديث النبي دموعها
…
منهم على الخدين غير مكفكفه
فالله أمطر في سحاب عذابه
…
وعقابه أبدا عليهم أوكفه
انتهى لكلام السعد رحمه الله.
وقال الطيبي رحمه الله: وأجابه بعض أهل السنة بقوله:
عبا لقوم ظالمين تستروا
…
بالعدل ما فيهم لعمري معرفة
البيتين وقد تقدم أنهما لصاحب الانتصاف حسبما صرح بذلك الإمام ابن مرزوق فبان أنه المعنى بقول الطيبي: أجاب بعض أهل السنة والله اعلم.
قلت: وقد رأيت بتلمستان بخط الفقيه أبي عبد الله محمّد بن الحداد الوادي
آشي ثم الغرناطي نزيل تلمستان رحمه الله جوابا بديعا جدا للشيخ الإمام ابن الجبير اليحصبي أحد أعلام المناخرين بالأندلس ونقلته ن خطه الحسن وهو:
وجماعة منشوءة بدعية
…
مصروفة عن رشدها متعسفة
حاروا وسموا قومهم عدلية
…
عدلوا ولكن عن طريق المعرفة
قوم نفوا عن ربهم أحكامه
…
في خلقه لمّا نفوا عنه الصفة
غطوا على التعطيل بالتنزيه إذ
…
ضلوا ضلال الأسرة المتفلسفة
فطريقهم أس الضلال وقولهم
…
عين المحال محض السفه
الحق جب سنام جبائيهم
…
وقناة نجل عبيدهم متقصفة
وتناثرت خرزات نظام لهم
…
والكودن العلاف بل المعلفة
والشيخ محمود هو الفيل الذي
…
كادوا به المعنى الذي في البلكفة
ما منهم إلاّ حمار صوتت
…
في فيه جحفلة ويحسبها شفة
قال وكتب بخطه الرائق تحت قوله إلاّ حمار ما نصه: البادي أظلم. انتهى.
ولا خفاء ببراعة هذا النظم وحسن مساه وتوطئته للتورية البديعة التي هي قوله: " والشيخ محمود " الخ فإنَّ هذا التلميح لقصة الفيل المذكورة في القرآن في قوله تعالى:) ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل (وقد صرح غير واحد من أهل التفسير والسير أنْ اسم ذلك الفيل الذي جاء به أبرهة لهدم الكعبة محمود فجبر بذلك ابن الجبير ما ضاع ن الاتفاق الغريب والله تعالى يجازيه أفضل جزائه وجميع أهل السنة بما أتوا به ن الحجج التي جدعت أنف كل مستريب.
وبعد أنْ كتب ما ذكرته من حفظي راجعت مقيداتي فألفيت بها مما نقلته من خط الوادي آشي المذكور ما نصه: أنشدنا شيخنا وبركتنا العالم الجليل الخطيب المصقع البليغ المفيد إمام
وقته في العلوم والتحصيل والفهوم قاضي الجماعة سيدنا أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن الازرق رضي الله عنه وأمتع ببقائه وإفادته ووصل أسباب سعادته. قال: أنشدني شيخ الأدباء وحجة البلغاء الكاتب المجيد الأبرع أبو عبد الله محمّد بن الجبير اليحصبي معارضا للبيتين الشهيرين اللذين أنشدهما الزمخشري فعارضهما ابن الجبير بقوله:
وجماعة منشوءة بدعية
…
مصروفة عن رشدها متعسفة
الأبيات. قال شيخنا: ولمّا أنشده الأبيات ناظمها كتبها له بخطه الحسن وكتب تحت قول إلاّ حمار البادي أظلم انتهى.
ثم قال الوادي آشي المذكور: ولسيدي ابن الجبير المذكور ومن خطه قيدت:
كلما رمت أنْ أقدم خيرا
…
لمعادي ورمت أني أتوب
صرفتني بواعث النفس قسرا
…
فتقاعست والذنوب ذنوب
رُبَّ قلب قلبي لعزة خير
…
بمتاب ففي يديك القلوب
وله أيضاً وقد أشار عليه الرئيس الكاتب أبو عبد الله الشران بإنشاء صدر لمكاتبات سلطانية:
ذرعي وصدري بالصدور
…
هذا يضيق وذا يدور
أنت الملئ بكتبها
…
ما للصدور سوى الصدور
فأجابه الشران بقوله:
تجر اجتهادك لن يبور
…
فدع الكلام وكن صبور
إنَّ الصدور بك ازدهت
…
بالدر تزدان الصدور
نقلت هذا كله من خط الفقيه أبي عبد الله محمّد الوادي آشي المذكور آنفا رحمه الله تعالى.
ثم قال الوادي آشي المذكور: سمعت شيخنا الإمام سيدي بن الازرق اصبحي رحمه الله بمجلس تدريسه من الجامع الأعظم بغرناطة يقول: كان أبو محمّد عوف بن يوسف الخزاعي من أهل القيران يقول: الخلائق كلهم أعداء بني آدم وبنو آدم كلهم أعداء المسلمين وجميعهم أعداء أهل السنة. انتهى.
وذكر الرشاطي بسند متصل إلى أنس بن مال رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى:) وإنَّ جندنا لهم الغالبون (قال: هم أهل السنة والجماعة.
انتهى ما قيدته من خط الوادي آشي المذكور رحمه الله.
وكان رحمه الله ممن حل بتلمستان بعد أخذ غرناطة أعادها الله وحصلت له بها مصاهرة مع أعيانها بني مرزوق ثم آلت إلى مقاطعة حسبما ذكر ذلك في بعض ما له من النظم وكان له نظم لا بأس به فمن ذلك قوله رحمه الله بعد بيت سقط من حفظي مضمنه أنَّ الناس لاموه عندما طلق بنت ابن مرزوق أظنه هكذا:
يلومني الأقوام من بعد مثال سطا
…
عليّ ابن مرزوق ومن بإنفاق
فقلت لهم كفوا الملام فإنني
…
تركت ابن مرزوق وأممت رزاقي
ومن ذلك قوله يرثي الشيخ الإمام الحافظ بل حافظ الإسلام سيدي أحمد بن يحيى الونشريشي الأصل التلمساني نزيل فاس صاحب المعيار وغيره:
لد أظلمت فاس بل الغرب كله
…
بموت الفقيه الونشريشي أحمد
رئيس ذوي الفتوى بغير منازع
…
وعارف أحكام النوازل الاوحد
له دربه فيها ورأى مسدد
…
بإرشاده الأعلام في ذاك تهتدي
وتالله ما في غربنا اليوم مثله
…
ولا من يدانيه بطول تردد
عليه من الرحمن أفضل رحمة
…
تروح على مثواه وتغتدي
وقوله في رثائه أيضاً:
أبعد ابن يحيى اليوم في الغرب عالم
…
يطبق بالفتيا المفاصل مثله
ويعرف من فقه النوازل غاية
…
يوقع منها ما به بان نبله
وإنْ جئت للإنصاف لم يبق مثله
…
وهذا الجليل ليس ينكر فضله
فإذ كان جاء الموت فالصبر والرضا
…
على ما قضي فالحول حوله
وقوله في ذلك:
رأيت نجوم الدين تبكي حزينة
…
على فقد حبر كان قطب أولي العليا
فقلت ومن هذا فقال مجيببة
…
على الونشريشي رئيس ذوي الفتيا
فصحنا وقلنا: ويلنا ثم ويلنا
…
على فقده مذ غاب أظلمت الدنيا
عليه من الرحمن أفضل رحمة
…
تعاهد مثواه مع لجود والسقيا
وقوله وقد بدل القافية:
رأيت نجوم الدين تبكي حزينة
…
على فقد من قد كان قطب زمانه
فقلت ومن فقالت مجيبة
…
على الوانشريشي وحيد أوانه
إليه أنتهت في الفقه كل رياسة
…
ومعرفة زينت بحسن بيانه
ومذ غاب عنا أظلم الكون كله
…
وصار الضحى ليلا لفقد عيانه
وإنَّ عزائي فيه للخلق كلهم
…
خصوصا ذوي فقه لعز مكانه
وكانت وفاة الإمام الوانشريشي المذكور يوم الثلاثاء موفى عشرين من صفر من عام أربعة عشر وتسع مائة بمدينة فاس رحمه الله ونجب ولده شيخ شيخنا القاضي سيدي عبد الواحد رحمه الله.
ومن نظمه أعني الوادي آشي المذكور رحمه الله يمدح الفقيه أحمد العبادي يقول:
ومن مثله في العلم فنونه
…
مع الدين والتقوى على صغر السن
فأثبته المولى وأثبت أمره
…
وزكى علوما حاز في غير ما فن
ومن نظم الوادي آشي المذكور قوله:
يلمسان أرض لا تليق بحالنا
…
ولكن لطف الله نسأل في القضا
وكيف يحب المرء أرضا يسوسها
…
يهود وفجار ومن ليس يرتضى
وقوله رحمه الله:
غريب في تلمسان وحيد
…
من الأحباب ليس له مشاكل
وكم فيها من الأصحاب ولكن
…
عدمت بها المناسب والمماثل
وكان رحمه الله كثير النسخ والتقليد آية الله في ذلك حتى أني رأيت في خزائن أهل تلمسان بخطه نحو المائة سفر ورأيت بفاس نحو المثان مائة. وأخبرني مولانا شيخ الإسلام عمنا مفتي تلمسان سيدي سعيد بن أحمد المقري رحمه الله أنَّه نسخ بخطه نحو العشرين نسخة من توضيح خليل وكان يحترف بالنسخ رحمه الله ونظمه نظم فقيه وربما يقع له النادر ولولا الإطالة لجلبت أشياء من ذلك زيادة على ما سبق.
ورأيت بخطه رحمه الله ما نصه: ولسيدي محمّد العربي أبقاه الله عند محاصرة النصارى للحضرة:
بالطبل في كل يوم
…
وبالنقير نراع
وليس من بعد هذا
…
وذاك إلاّ القراع
يا رب جبرك يرجو
…
من هيض منه الدراع
لا تسلبني صبرا
…
به لقلبي أدراع
وله أيضاً وقد ظفر ببعض المرتدين ممن صار والعياذ بالله غبيا يجره الناس بالحضرة حيا:
إلاّ رب مغمور تنصر ضلة
…
فحاق به شؤم الضلال وشره
فإنَّ يرتفع عند النصارى بالعتنا
…
فكم عندنا من حرف حبل يجره
وله أيضاً:
صور أنْ كنت نبيلا صورة
…
دام في تصويرها البحث وطالا
زوجة إنْ دخلت بيتا فقد
…
حرمت من بعد ما كانت حلالا
جوابه:
هي إنْ لم تلتبس زوج امرئ
…
بنسا بيت قد أعجزن الرجالا
حيث قد أنكرن طرا عصمة
…
منه قد ضمن دعواها المقالا
وله أيضاً ملغزا:
ما رجل يعجب من أمره
…
من لم يحقق نفسه أمره
حللت له وحرمت زوجته
…
في اليوم تثني عشرة مرة
انتهى.
قلت: وهذا أبو عبد الله المذكور هو صاحب الكتاب الذي بحث به سلطان الأندلس أبو عبد الله المخلوع آخر ملوك الأندلس إلى السلطان الشيخ الوطاسي صاحب فاس وقد تقدم ذكره في أول هذا الموضوع فراجعه إنْ شئت.
وقد حلاه الوادي آشي بقوله:
" بليغ العصر بل الدنيا وكالك زمامي النظم والنثر بلا ثنيا سيدي محمّد العربي أنسأ الله أجله وبلغه الله أمله ". انتهى.
ورأيت بخط الوادي آشي المذكور ما نصه: من الوثائق المجموعة: إنْ ذكر الموصي في تابه أنْ تنفذ وصيته من سكة كانت تجري في حين الوصية ثم توفي الموصي وقد انقطعت تلك السكة فإن وصيته إنما تنفذ من تلك السكة التي كانت تجري يوم الوصية إلاّ أنْ يكون نص في وصيته أنْ تكون وصيته من النقد الجاري يوم تنفذ الوصية فيكون الله عهد فإن وقعت وصيته مطلقة ولم يشترط صفة فإما يكون ذلك مما يجري يوم التنفيذ وذلك بخلاف الكوالي والديون. انتهى.
قال محمّد الوادي آشي قوله: " إنما تخرج مما يجري يوم التنفيذ إنْ لم يشترط الصفة " والذي في الكافئ لابي عمر خلافه وعلى ما في الكافي في ذلك العمل وبه شاهدت شيخنا المواق يفتي وشيخنا قاضي الجماعة ابن منظور رحمه الله يحكم. انتهى.
ورأيت بخطه رحمه الله ما نصه: وجد الرئيس القاضي أبي يحيى بن عاصم رحمه الله تعالى: الحمد لله.
إنما تستقل العقود الصحيحة وتتم الموجبات الصريحة بثبوتها لدى الحاكم المنعقد ولايته عند تحصيل شروطها صحة وكمالا وذلك بأداء نصاب
شهادتها العادلة استتماماً واستكمالاً، فإذا كان أحد شهدائها السلطان الأعظم أو من أقامه السلطان مقامه، وهو قيوم الشرعة الذي ارتضاه الإمام لإنفاذ أحكامها عوضاً منه؛ فإنَّ العمل الجاري بهذه الحضرة عند أهل كتب الأحكام، وهو اللازم اقتفاؤه، إذا أريد ثبوت العقد فيه هذه الشهادة واكتفاؤه؛ أنْ يشهد القاضي الذي به نصاب هذه الشهادة عليها اثنين من شهداء العدالة أنها شهادته، ثم يؤدي عنده هذان العدلان، ويخطب هذا الرسم على ما مرت به شهادته، ويعلم للشهادة من شهد معه أداء وقبولاً، خطاباً عند غيره من القضاة مقبولاً، فإذا كان الفقه هكذا مقرراً، والعمل على هذه السنة محرراً؛ فمن أشهده الآن قاضي الجماعة بحضرة غرناطة فلان بن فلان الأول من شهيدي الرسم فوقه، على أنْ الشهادة الموضوعة فيه أولاً هي شهادته التي بها أشهد، وأنها مكتوبة بخط يده الذي منه تعود وأنَّه تحملها مسؤلة منه تحقيقياً ويؤدي عليها مطلقاً إيجاباً لها وتصديقاً في كذا.
قال الوادي أشي ومن خطه أيضاً: الحمد لله.
القول الظاهر الأدله، الدارج على ارتكاب القضاة الأجلة؛ الجاري لدينا به العمل فيما تقبل به العقود المستقلة، قبول خطاب الحكم العدل مطلقاً وإنْ عزل أو توفى، وخط القاضي المعلوم العدالة إذا ثبت أنَّه خطه بكفي. والقول الآخر هو الذي رجحه غير واحد، وأكثروا على صحته من الحجج والشواهد. وللخروج من الخلاف وصون موعده من الاختلاف؛ أشهد الآن قاضي الجماعة، وقيوم أحكامها المطاعة، فلان بن فلان وصل الله توفيقه، وكافأ
تثبته في النظر وتقيقه، بثبوت الرسم فوقه لديه، واستقلاله عنده الاستقلال الكافي المعتمد عليه، لثبوت الرسم فوقه، لصحة الشهادة الأولى، ولإعلامه المعرب عن صحة ثانية الشاهدتين هنالك أداء وقبولاً، فما كان كذلك لمن يرد عليه من القضاة أنْ يقبله على ثاني القولين اتفاقاً، هو الذي أشهد به الآن برهاناً لمّا ثبت لديه من ذلك ومصداقاً؛ تسجيلاً بإشهاده لصحة عقده، وذخيرة لليوم وما يأتي من بعده، وعمدة تقي الحكم على أمل الاحتمالين وأولاهما من إجازته أو رده؛ شهد على قاضي الجماعة المسمى بما فيه عنه من ثبوت وتسجيل وقبول وتعديل؛ وهو في مجلس أحكامه، ومظهر نقضه وإبرامه؛ في كذا. انتهى.
قال محمّد الوادي آشي رحمه الله: هذه المسألة فوق هذا تليه، قد صنف فيها الشيخ الفقيه القاضي الجليل سيدي الحاج أحمد بن عبد الجليل اللخمي - ممن أدركناه بغرناطة مدرساً ونائباً عن قاضي الجماعة بها، وأدينا مراراً شهادات، وحضرنا جنازته رحمه الله تصنيفاً مفيدا، لخص فيه المسألة وأستظهر بالنقول، ولم يبق لأحد ما يقول.
وأما من كان شاهدا في رسم ثم صادف أنْ صار قاضياً، وطولب بخطابه، فقد نزلت بي هذه بالمنكب، وأنا أنوب بها لضرورة بعض أيام، لمنيب قاضيها إذ ذاك بالحضرة، أواخر شعبان وأوائل رمضان عام سبعة وتسعين وثمان مائة، فصنعت طريقة مختصرة، كنت تلقيتها من شيخنا ابن منظور وأخبرني أنها طريقة شيخه البدوي: أشهدت عدلين على شهادتي، وأديا لدي بذلك فقبلتهما، وشهد على خط