الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأعراب، وعالماً بمعاني الأشعار والسير والأخبار. قال ابن بشكوال: قيد العلم عمره كله، وعنى به عناية كاملة، ما أعلم أحداً في وقته عنى كعنايته، قرأت عليه وسمعت، وأجازني بخطه؛ وكان له مجلس بالجامع بقرطبة، يسمع الناس فيه، وتقلد القضاء بقرطبة مرتين، وكان في ذاته ليناً صابراً، حليماً متواضعاً، لم يحفظ له جور في قضية، ولا ميل بهوى، ولا إصغاء إلى عناية، وكان كثير الخضوع والذكر لله تعالى، ولم يزل آخر عمره يتولى القضاء بقرطبة، إلى أنْ قتل ظلماً بالمسجد الجامع بقرطبة، يوم الجمعة وهو ساجد، لأربع بقين من صفر، من سنة تسع وعشرين وخمس مائة، ومولده في صفر سنة ثمان مثال خمسين وأربع مائة. وكتابه في نوازل الأحكام، المتداول لهذا العهد بأيدي الناس: من الدلائل على تقدمه في المعارف وبراعته. تغمدنا الله وإياه برحمته.
ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله:
القاضي الشهير الحافظ الإمام أبو بكر محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله ابن أحمد بن العربي المعافري الأشبيلي، رحل إلى المشرق مع أبيه يوم الأحد، مستهل شهر ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربع مائة، فدخل الشام، ولقي بها أبا بكر محمّد بن الوليد الطرطوشي، وتفقه عنده، ورحل إلى الحجاز في موسم سنة نسع وثمانين، ودخل بغداد مرتين، وصحب أبا بكر الشاشي، وأبا حامد الطوسي الغزالي، وغيرهما من العلماء والأدباء، فأخذ عنهم، ثم صدر عن بغداد، ولقي بمصر والأسكندرية جماعة، ثم عاد إلى الأندلس سنة ثلاث وتسعين، وقدم إلى إشبيلية بعلم كثير، لم يدخل به أحد قبله، ممن كان له رحلة إلى المشرق،
ولذا نقل عنه أنَّه قال: كل من رحل لم يأت بمثل ما أتيت به أنا والقاضي أبو الوليد الباجي، أو كلاهما هذا معناه. أو قال: لم يرحل غيري وغير الباجي، وأما غيرنا فقد تعب، أو نحو هذا، مما لم تحصني عباراته الآن.
وكان من أهل التفنن في العلوم، متقدما في المعارف كلها، متكلماً في أنواعها، حريصاً على نشرها. واستقصى بمدينة إشبيلية، فقام بما قلد أحمد قيام، وكان من أهل الصرامة في الحق، والشدة والقوة على الظالمين، والرفق بالمساكين، ثم صرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم وبثه.
قال المحدث أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال: قرأت عليه بإشبيلية، وسألته عن مولده، فقال لي: ولدت ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربع مائة؛ وتوفي رحمه الله بالعدوة، ودفن بمدينة فاس في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة. انتهى.
وقال ابن بشكوال أيضاً في حقه: هو الحافظ المستبحر ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها. انتهى.
ومن تكملة المحدث أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن الأبار، عن أبي عبد الله بن مجاهد الإشبيلي الزاهد العابد: أنَّه لازم القاضي أبا بكر بن العربي نحواً من ثلاثة أشهر، ثم تخلف عنه، فقيل له في ذلك، فقال كان يدرس وبغلته عند الباب، ينتظر الركوب إلى السلطان. انتهى.
وذكره الأستاذ أبو محمّد أحمد بن إبراهيم بن الزبير في صلته، وقال فيه: رحل مع أبيه أبي محمّد عند انقراض الدولة العبادية إلى الحج، سنة خمس وثمانين وأربع مائة، وسنه إذ ذاك نحو سبعة عشر عاماً، فلقى شيوخ مصر؛ وعدد أناساً ثم قال: وقيد الحديث، وضبط ما روى، وأتسع في الرواية
وأتقن مسائل الخلاف والأصول والكلام، على أئمة هذا الشأن، وعاد إلى بغداد بعد دخولها، وانصرف إلى الأندلس، فأقام بالإسكندرية، فمات أبوه بها أوّل سنة ثلاث وتسعين. ثم انصرف إلى الأندلس، فسكن بلده إشبيلية، وشوور فيه، وسمع ودرس الفقه والأصول، وجلس للوعظ والتفسير، وصنف في غير فن تصانيف مليحة، حسنة مقيدة، وولى القضاء مدة، أولها في رجب من سنة ثمان وعشرين، فنفع الله به، لصرامته ونفوذ أحكامه، والتزم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى أوذي في ذلك، بذهاب كتبه وماله، فأحسن الصبر على ذلك كله، ثم صرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم وبثه، وكان فصيحاًحافظاً، أديباً شاعراً، كثير الملح، مليح المجلس.
ثم قال: قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى - وقد وصفه بما ذكرته - ثم قال: ولكثرة حديثه وأخباره، وغريب حكاياته ورواياته، أكثر الناس فيه الكلام، وطعنوا في حديثه، وتوفي منصرفه من مراكش، من الوجهة التي توجه فيها مع أهل بلده إلى الحضرة، بعد دخول مدينة إشبيلية، فحبسوا بمراكش نحو عام، ثم سرحوا، فأدركته منيته بطريقه، على مقربة من فاس بمرحلة، وحمل ميتاً إلى مدينة فاس، فدفن بها، بباب الجيسة.
قال: وروى عنه الجم الغفير. فمن جملة من روى عنه من علماء المائة الخامسة، القاضي أبو الفضل عياض بن موسى، وأبو جعفر بن الباذش، وطائفة. انتهى.
قال القاضي أبو الحسن بن الحسن النباهي في كتاب " المرقبة العليا، في القضاء والفتيا " بعد أنْ ذكر ما قدمناه، ما نصه: والصحيح في القاضي أبي بكر