الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنَّه إنما دفن في خارج باب المحروق من فاس، وما وقع من دفنه بباب الجيسة، وهم من ابن الزبير وغلط، وقد زرناه وشاهدنا قبره بحيث ذكرناه.
أرضاه الله وغفر لنا وله. انتهى.
قلت: وقد سبق ابن الزبير إلى ذلك القاضي أبو الفضل عياض في الغنية، فانه قال: دفن جارج باب الحبيسة. واعتذر عنه بعض الأكابر، بأن باب المحروق لم يكن إذ ذاك فتح، لأنه من بناء أمير المؤمنين الناصر بن أمير المؤمنين يعقوب المنصور بن أمير المؤمنين يوسف بن أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي، ولا شك أنَّ ذلك متأخر عن زمان عياض قطعاً، ويبقى الإشكال في كلام ابن الزبير، لتأخر زمانه عن ذلك.
استطراد وتحقيق
بين الشيخين: ابن غازي والوانشريشي وبع ما كتبت هذا هنا، وقفت على تأليف لطيف صغير الجرم، مثير العلم للشيخ الإمام العالم أبي عبد الله محمّد بن غازي رحمه الله تعالى ألم في آخره بالمسألة المذكورة، فرأيت أنْ أورده بطوله، لمّا اشتمل عليه من الفوائد، وإنْ كانت أجنبيه عما نحن فيه، ولكن لا يخلو من فوائد جمة، وختمته بهذا الغرض الذي ذكرتناه، وخاطب به الشيخ الحافظ الإمام سيدي أحمد بن يحيى الوانشريشي الملد، التلمساني المنشأ والقراءة، الفاسي القبر والدار آخر عمره، بل أوسط عمره، وسماه:" بالإشارات الحسان، المرفوعة إلى حبر فاس وتلمسان " يعني بحبر فاس وتلمسان: الشيخ الوانشريشي المذكور؛ وقد كتب بطرره الشيخ الوانشريشي المذكور زوائد، هاأنا أذكرها في محلها، تتميماً للغرض، ونصه:
بسم الله الرحم الرحيم صلى الله على سيدنا ومولانا محمّد وآله وصحبه وسلم.
الحمد لله حمداً كثراً طيباً مباركاً في حق حمده، والصلاة والسلام على سيدنا محمّد نبيه وعبده.
إلى السيد الفقيه، العلم، المحقق، المدرس، المفتي الصدر، الحجة، الكبير، الخطير، الأحضى، الملحوظ، الأحفل الأكمل، أبي العباس سيدي أحمد بن سيدي يحيى الوانشريشي، حفظ الله سبحانه وتعالى كماله، وبلغه في الدارين آماله، من محبة طبعاً وشرعاً، أصلاً وفرعاً، وتراً وشفعاً، إفراداً وجمعاً، محمّد بن أحمد بن غازي، سمح الله سبحانه وتعالى له، مسلماً عليكم أكمل السلام، مخصصاً لكم بمحض البر والإكرام.
سيدي متى صار النهر يستمد من الساقية؟ وكيف السيح يفتقر إلى السانية؟
في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
ليس التكحل في العينين كالكحل
كتبت، كتب الله لك السعادة، وبلغك منها الحسنى والزيادة، تشارك محبكم في أمر سعيد برداً بإسكات عمر بن عبد العزيز، أو إخراجه من المسجد، هل كان ذلك في خلافة، أو في إمرته بالمدينة؟ ومن برد هذا، ون عرف به؟ ومن قال بإسلام أبي طالب غير المسعودي؟ ومن أبو العباس العشاب، الذي نقل عنه ابن عرفة في فصل الاستثناء من كتاب الطلاق؟ ومن الآبلي المصري؟ وهل ألف أحد في التعريف برجال أهل السنة والمعتزلة؟
فتوزع فكر محبكم في أرادكم شذر مذر، ولم يكن بد من إسعاف ردكم، ولو بالتشدق والهذر.
1 -
أما قضية سعيد بن المسيب بن حزن مع عمر بن عبد العزيز بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، المذكور في سماع القرينين من صلاة العتبيه، فليس عند محبكم في طرده، إلاّ ما فسر به القاضي أبو الوليد بن رشد: أنَّه من جواره، لا من المسجد جملة؛ فإنَّ وقفتم على تفسير أحد له بالإخراج من المسجد، فلكم الفضل في إفادتنا به، ثم لا مرية أنْ سعيداً مدني، وأنَّ عمر كان عاملا على المدينة، إلى أنْ عزل عنها سنة ثلاث وتسعين، حسبما هو في ترجمة مالك من المدارك، عن مصعب لن عبد الله.
وفي جامع الموطأ لمالك، أنه بلغه أنَّ عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة، التفت إليها فبكى، ثم قال: يا مزاحم، أتخشى أنْ نكون ممن نفت المدينة؟ قال أبو عمر: ذكر أهل السير أنَّ خروج عمر مع مزاحم مولاه من المدينة، كان في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين، وذلك أنْ الحجاج كتب إلى الوليد: إنَّ عمر بن عبد الله العزيز بالمدينة كهف لأهل النفاق، وأهل البغضاء والعداوة لأمير المؤمنين. فجاوبه الوليد: إني أعزله. فعزله، وولى عثمان بن حيان المري؛ وذلك في شهر رمضان المذكور. فلما صار عمر بالسويداء قال لوزاحم: يا مزاحم أتخاف أنْ نكون ممن نفت المدينة؟ وقال ميمون بن مهران: ما رأيت ثلاثة مجتمعين خيراً من عمر بن
عبد العزيز، وابنه عبد الملك، ومولاه مزاحم. انتهى.
قلت: مات ابنه ومولاه المذكوران قبله مطعونين ومات هو مسموما. ذكر ذلك أبو نعيم الحافظ في " حلية الأولياء ". وكان ميمون بن مهرا كاتبه رضي الله عنه.
وأفضت الخلافة إلى عمر باستخلاف سليمان النهم إياه فاستقر بالشام دار خلافة قومه بني أمية إلى أنْ قبض ودفن بدير سمعان.
قال ابن الخطيب في شرح رقم الحلل: من عمل حمص في أخريات رجب سنة إحدى ومائة. وقبره مشهور يغشاه الناس. انتهى.
وقال الشاعر يرثيه رضي الله عنه:
أقول لمّا نعى الناعون لي عمرا
…
لا يبعدن قوام الحق والدين
قد غيث الرامسون اليوم إذ رمسوا
…
بدير سمعان قسطاس الموازين
وفي رواية " جبران الموازين ". أنشدهما أبو نعيم في حلية. ورأيت في نسخة منها جريان بالياء آخر الحرف وأظنه تصحيفا لأن مصدر جريان جري جريان بفتح الراء والوزن يأباه مع ما فيه من القلق من جهة المعنى وصوابه والله تعالى اعلم جربان بضم الجيم وإسكان الراء وبالباء ثانية الحروف وأظن أنَّ منه اللفظ الذي في صرف العتيبة فيمن له على رجل دينار فأعطاه به نصفين وازنين قال: لا خير فيه إلاّ أنْ يكون للدينار جربان: كعيار عنده. قال اللقاضي أبو الوليد بن رشد: جربان أي وزن معلوم. وفي صحاح الجوهري: الجريب من الطعام والأرض: ممقدار معلوم والجمع أجربة وجربان. انتهى.
وبين التفسيرين فرق ولكنهما حول حقيقة واحدة يدندنان. وإنْ كان عند سيدنا في تحقيق هذا اللفظ غير هذا فعسى أنْ يفيدنا به.
فإذا تقرر سكناه بالمدينة أيام العمالة ثم بالشام أيام الخلافة فالأظهر أنْ طرد سعيد إياه كان أيام العمالة حيث كان ثاويا بالمدينة لقوله في الرواية: كان عمر بن عبد العزيز يخرج من الليل أراه في آخره وكان ظاهره في المثابرة ومظنتها الإقامة لولا أنَّ شيخ الحقيقة وإمام الطريقة القاضي أبا الوليد بن رشد قال: لم يهبه لمكانه من الخلافة لجزالته وقوته في الحق وقلة مبالاته باأئمة. فاقتضى كلامه أنَّ ذلك كان وهو خليفة لا وهو عامل. فإن صح ذلك فيحتمل أنْ يكون جاء ليزور المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام في أيام خلافته وأقام فيها للعبادة. وربما يتعين هذا بأن النافلة في البيوت افضل لغير الغرباء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وقد ذكر قول ابن رشد هذا محبكم ما في صحيح البخاري عن سعيد بن المسيب أنَّه قال: جاء جدي حزن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما اسمك؟ قال: حزن. قال أنت سهل. فقال: ما كنت أغير اسما سماني به أبواي. قال سعيد: فما زالت الحزونة فينا بعد. انتهى.
ولصلابته في الحق وشدته على الدين امتحنه عبد الملك بن مروان وضربه بالسياط ألبسه المسوح وتبانا من الشعر ونهى عن الجلوس إليه. وذلك أيام استعماله هذا بن إسماعيل على المدينة وهو صاحب المد الشامي
لا الدينار الهاشمي، خلافاً لمن نسبه له، وإلاّ قيل الشامي أيضاً وتغيرات النسب مقصورة على السماع، وبالله تعالى التوفيق.
قال عبيد الله أحمد بن محمّد المقري لطف الله به، وجدت بخط الإمام سيدي أحمد الوانشريشي في طرة: قول الإمام ابن غازي: " ولصلاته في الحق
…
الخ " ما نصه: قلت: ذكر أبو العرب في كتاب الملحن، أنَّه لمّا أراد عبد الملك بن مروان أنْ يكتب العهد لابنه الوليد، قيل له لا يتم لك هذا الأمر إلاّ بابن المسيب، فكتب له، فكتب إليه أنْ يبايع، فرد إليه: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أنْ نبايع لخليفتين، فإن أردتها لابنك، فاخلع نفسك، وإلاّ فلا. فكتب عبد الملك إلى عامل المدينة، هشام بن إسماعيل المخزومي: إنْ لم يبايع فأضربه مائة سوط، فضربه مائة، وحلق رأسه ولحيته، وكساه تباناً من شعر، ونادى عليه، وطيف به اى الليل، فأغلقت الدور، وكثر البكاء والتحسر، وما سمع يوئذ بالمدينة إلاّ نائحة أو هاتف، لمّا انتهك من حرمته. وكان أيضاً قبل ذلك ضربه جابر بن الأسود على البيعة لابن الزبير. انتهى.
ابن الحذاء: وكان جابر بن الأسود والي المدينة لابن الزبير، فدعاه إلى البيعة لابن الزبير، فضربه ستين سوطاً. ودعاه هشام بن إسماعيل أيضاً إلى البيعة للوليد وسليمان بالعهد، فلم يفعل؛ فضربه ستين سوطاً، وطاف به في المدينة، في تبان من شعر. انتهى.