الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألا ما لهذا في اللغات متشابه
…
فما هو إلاّ كاسمه زاخر بحر
أحاط بما يحوي سواه وفاقه
…
بمبدع لفظ مع لغات بها كثر
جزى الله خيرا من تصدى لجمعه
…
وآتاه فضلا زاد ما اتصل الدهر
قلت: هذه الأبيات لتقي الدين الواسطينظمها تجاه الكعبة المشرفة. وأنشدني أيضاً رحمه الله تعالى وكتبها بخطه:
وما جاء القاموس رمزا فستة
…
لموضعهم عين ومعروف الميم
وجج لجمع الجمع دال لبلدة
…
وقريتهم هاء وجمع له الجيم
انتهى.
قلك: ومن غرب ما منح الله تعالى المجد مؤلف القاموس المذكور أنّه بدمشق بين باب النصر والفرج تجاه بغل النبي صلى الله عليه وسلم على ناصر الدين أبا عبد الله محمّد بن جهبل صحيح مسلم في ثلاثة أيام وتبجح فقال:
قرأت بحمد الله جامع مسلم
…
بجوف دمشق الشام جوفا لإسلام
على ناصر الدين الإمام بن جهبل
…
بحضرة حفاظ مشاهير أعلام
وتم بتوفيق الإله بفضله
…
قراءة ضبط في ثلاثة أيام
فسبحان المانح الذي يؤتي فضله من يشاء.
ترجمة ثالثة للفيروز ابادي عن انباء الغمر لابن حجر
وبعد أنْ كتبت هذه الترجمة وقفت على كلام تلميذه الإمام ابن حجر " إنباء الغمر بأنباء العمر " فأوردته هنا وإنْ كان مخالفا في بعض المواقع قدمها إذ لا يخلو من فائدة ونصه: محمّد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمر الشيرازي الشيخ العلامة
مجد الدين أبو الطاهر الفيروزابادي كان يرفع نسبه إلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه ويذكر أنَّ بعد عمر أبا بكر بن أحمد بن أحمد بن فضل الله بن الشيخ أبي إسحاق. ولم أزل اسمع مشاهير مشيخنا يطعنون في ذلك مستندين إلى أنَّ الشيخ أبا إسحاق لم يعقب.
ثم ارتقى الشيخ مجد الدين درجة فادعى بعد أنْ ولي قضاء اليمن بمدة طويلة أنّه من ذرية أبا بكر الصديق رضي الله عنه. وزاد إلى أنْ رأيت بخطه لبعض نوابه في بعض كتبه: " محمّد الصديق " ولم يكن مدفوعا عن معرفة إلاّ أنَّ النفس تأبى قبول ذلك.
ولد الشيخ مجد الدين سنة تسع وعشرين وسبع مائة بكارزين وتفقه ببلاده وسمع بها من محمّد بن يوسف الزرندي المدني صحيح البخاري وعلى بعض أصحاب الرشيد بن أبي القاسم ونظر في اللغة فكانت جل قصده في التحصيل فمهر فيها إلى أنْ تميز وفلق أقرانه ودخل الديار الشامية بعد الخمسين فسمع بها وظهرت فضائله وكثر الآخذون عنه ثم دخل القاهرة ثم جال في البلاد الشمالية والمشرقية ودخل الهند وعاد منها على طريق اليمن قاصدا مكة المشرفة ودخل زبيد فتلقاه الملك الأشرف إسماعيل بالقبول وكان ذلك بعد وفاة جمال الدين الريمي قاضي الأقضية باليمن كله فقرره الأشرف مكانه وبالغ في إكرامه فاستقرت قدمه بزبيد واستمر في ذلك إلى أنْ مات. وقدم هذه المدة مكة مرارا وأقام بها وبالطائف ثم رجع وصنف القاموس المحيط في اللغة لا مزيد عليه في حسن الاختصار وميز فيه
زياداته في الصحاح بحيث لو أفردت لكانت قدر الصحاح وأكثر في عدد الكلمات وقرئ غليه. وكان أولا أبتدا بكتاب كبير في اللغة سماه: " اللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب " وكان يقول: لو كمل لكان مائة مجلد. وذكر عنه الشيخ برهان الدين الحلبي أنّه تتبع أوهام المجمل لابن فارس في ألف موضع وكان مع ذلك يعظم ابن فارس ويثني عليه.
وقد أكثر المجاورة بالحرمين الشرفين وحصل دنيا طائلة وكتبا نفيسة لكنه كان كثير التبذير وكان لا يسافر إلاّ وصحبته عدة أحمال من الكتب ويخرج أكثرها من كل منزل فينظر فيها ويعيدها إذا رحل وكان إذا أملق باعها. وكان الأشرف كثير الإكرام له حتى إنَّه صنف له كتابا وأهداه له على أطباق فملأها له دراهم وصنف للناصر كتابا سماه: " تسهيل الوصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول " و " الإصعاد إلى رتبة الاجتهاد " في أربعة أسفار وشرع في شرح مطول على البخاري ملأه بغرائب المنقولات وذكر أنَّه بلغ عشرين سفرا. إلاّ أنَّه لمّا اشتهرت باليمن مقالة ابن عربي ودعا إليها الشيخ إسماعيل الجبرتي وغلب على علماء تلك البلاد صار الشيخ مجد الدين يدخل في شرح البخاري من كلام ابن عربي في الفتوحات ما كان سببا لشين الكتاب المذكور.
ولم أكن أتهم الشيخ بالمقالة المذكورة إلاّ أنَّه كان يحب المداراة. وكان الناشري فاضل الفقهاء بزبيد يبالغ في الإنكار على إسماعيل وشرح ذلك يطول. ولمّا اجتمعت بالشيخ مجد الدين أظهر لي إنكار مقالة ابن عربي وغض
منها ورأيته يصدق بوجود رتن الهندي وينكر على الذهبي قوله في الميزان إنَّه لا وجود ليس. قال الشيخ مجد الدين: إنَّه دخل قريته ورأى ذريته وهم مطبقون على تصديقه وقد أوضحت ذلك في ترجمة " رتن " من كتاب الإصابة.
ومن تصانيفه: " شوارق الأسرار في شرح مشارق الأنوار " و " الروض المسلوف قيما له اسمان إلى الألوف " و " تحبير الموشحين فيما يقال بالسين والشين ". وكان يقول: ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر ولم يقدر له قط أنَّه دخل بلدة إلاّ وأكرمه متوليها وبالغ في إكرامه مثل شاه شجاع صاحب تبريز والأشرف صاحب اليمن وابن عثمان صاحب التركية وأحمد بن أويس صاحب بغداد وغيرهم ومتعه الله بسمعه وبصره إلى أنْ مات.
سمع الشيخ مجد الدين من ابن الجبار وابن القيم وابن الحموي وأحمد ابن عبد الرحمن المرداوي وأحمد بن مطر النابلسي والشيخ تقي الدين السبكي ويحيى بن علي بن مجلى بن الحداد وغيرهم بدمشق في سنة نيف وخمسين وبالقدس من العلائي والبياني وبمصر من القلانسي ومظفر الدين
وناصر الدين التونسي وابن نباتة والفارقي والعرضي والعز بن جماعة وبمكة من خليل مالكي والتقى الحرازي ولقي بغريها من البلاد جمعا جما من الفضلاء وحمل عنهم شيئاً كثيرا وخرج له الجمال المراكشي مشيخة واعتنى بالحديث.
اجتمعت به بزبيد وفي وادي الخصيب وناولني جل القاموس وأذن لي مع المناولة أنْ أرويه عن وقرأت عليه من حديثه عدة أجزاء وسمعت منه المسلسل بالأولية لسماعه من السبكي وكتب لي قريظا على بعض تخريجاتي أبلغ فيه وأنشدني لنفسه في سنة ثمان مائة بيتين كتبهما عنه الصلاح الصفدي في سنة سبع وخمسين بدمشق وبين كتاباته عنه ووفاته ستون سنة رحمه الله:
أخلانا الأماجد إنْ رحلتم
…
ولم ترعوا لنا عهدا وإلاّ
نودعكم ونودعكم قلوبا
…
لعل الله يجمعنا وإلاّ
مات رحمه الله تعالى في ليلة العشرين من شوال وهو ممتع بحواسه وقد ناهز التسعين.
انتهى كلام ابن حجر في ترجمته سنة سبع عشرة وثمان مائة من " إنباء الغمر بأنباء العمر ".
ووجدت في بعض المقيدات بخط بعض الفضلاء ممن يوثق بدينه وعلمه من أهل عصرنا ما نصه: سئل شيخ الإسلام الشيخ مجد الدين الفيروزبادي رضي الله عنه صاحب كتاب القاموس في اللغة بما نصه:
ما يقول سيدنا ومولانا شيخ الإسلام في الكتب المنسوبة إلى الشيخ محي الدين بن عربي كالفتوحات والفحوص هل تحل قراءتها وإقراؤها ومطالعتها؟ وهل هي من الكتب المسموعة المقروءة أم لا؟ فقال رضي الله عنه: الذي أقول وأتحققه وأدين الله به: أنَّ الشيخ محي الدين كان شيخ الطريقة حالا وعملا وإمام التحقيق حقيقة ورسما ومحيي رسوم العارفين فعلا واسما:
إذا تغلغل فكر المرء في طرف
…
من بحره غرقت فيه خواطره
فهو بحر لا تدركه الدلاء وسحاب لا تتقاصر عنه الأنواء كانت دعواته تخترق السبع الطباق وتفترق بركتها فتملأ الآفاق وإني أصفه وهو يقينا فوق ما وصفته وناطق بما كتبته وغالب ظني أني ما أنصفته:
وما علي إذا ما قلت معتقدي
…
دع الجهول يعد العدل عدوانا
والله والله والله العظيم ومن
…
أقامه حجة للدين برهانا
إنَّ الذي قلت بعض مناقبه
…
ما زدت إلاّ لعلي زدت نقصانا
وأما كتبه ومصنفاته فهي البحار الزواخر ما وضع الواضعون مثلها. انتهى. وباقي الجواب سقط سهل الله كماله.
قلت: ولمّا جرى ذكر الشيخ بن عربي الحاتمي فلا بأس من أنْ نلم ببعض حاله فنقول: قال ابن خاتمة: محمّد بن علي الطائي بن عربي الصوفي من أهل إشبيلية وأصله من سبتة يكنى أبا بكر ويعرف بابن عربي وبالحاتمي أيضاً.
أخذ عنه مشيخة بلده ومال إلى الأدب وكتب لبعض الولاة بالأندلس ثم رحل إلى المشرق حاجاً فأدى الفريضة ولم يعد بعدها إلى الأندلس وسمع الحديث من أبي القاسم الخرستاني وغيره وسمع صحيح مسلم من الشيخ أبي الحسن ابن أبي نصر في شوال سنة ست وست مائة وكان يحدث بالإجازة العامة عن أبي طاهر السفلفي ويقول بها وبرع في علم التصويف وله في ذلك تواليف كثيرة منها: " ملاك التأويل وحقائق التنزيل " و " الجذوة المقتبسة والحظوة المختلسة " و " كتاب المعارف الإلهية " و " كتاب الإسرا إلى المقام الأسرى " و " كتاب مواقع النجوم ومطالع أهلة أسرار العلوم " و " كتاب عنقاء مغرب في صفة ختم الأولياء وشمس المغرب " وكتاب في فضائل شيخه عبد العزيز بن أبي بكر القرشي المهدوي والرسالة الملقبة " بمشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية " في كتب أخر عديدة.
وقدم على المرية من مرسية مستهل شهر رمضان سنة خمس وتسعين وخمس مائة وبها ألف كتابه الموسوم بمواقع النجوم.
قال الأستاذ أبو جعفر: ولا نسلم له جميع مقالاته وموضوعاته وإنْ كان لعلو في الإعراب قد تكلم من وراء حجاب وتحصن من الرمز بسند
منيع الحرز ففي الإشارة الراجحة الدليل ما يقوم مقام العبارة الواضحة السبيل.
ولقد حكى لي بعض تقات أصحابنا عمن لقي من كبار شيوخ أهل العلم أنَّه كان يطعن عليهم ويرميه بوهن يقال دينه ويناسبه إليه والله اعلم بحقيقة ذلك إذ كل كلام يغلب المجاز والاستعارة عليه من غير قرينة فهو مستشعب المسالك. وعلى الجملة فهو الذي جرأ على نفسه لمآخذه المظلمة المدارك المشوشة على السالك.
قال ابن الأبار: وقد لقيته جماعة من العلماء والمتعبدين وأخذوا عنه وتوفي بعد الأربعين وست مائة.
ذكر ابن الأبار وقال: أفادني بعض أصحابنا أنَّه أجاز إجازة عامة لمن أحب الرواية عنه. انتهى كلام ابن خاتمة.
والذي عند كثير من الأخيار من أهل هذه الطريقة التسليم لهم ففيه السلامة وهو أحوط من إرسال العنان وقول يعود على صاحبه بالملامة.
وما وقع لأبي حيان وابن حجر في تفسيره من إطلاق اللسان في هذا الصديق وأنظاره فذلك من فلس الشيطان. والذي أعتقده ولا يصح غيره أنَّ الإمام أبي عربي ولي صالح وعلام ناصح وإنما فوق إليه سهام الملامة من لم يفهم كلامه.
على أنَّه دست في كتبه مقالات يجل قدرها عنها وقد عرض من المتأخرين ولي الله الرباني سيدي عبد الوهاب الشعراني نفعنا الله تعالى ببركاته