الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله عز وجل سائلك عن النقير والقطمير والفتيل وأعلم أنَّ الله عز وجل آتي سليمان بن داود ملك الدنيا بحذافيرها فسخر له الإنس والجن والشياطين والطير والوحش والبهائم وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ورفع عنه حساب ذلك أجمع فقال عز من قائل:) هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب (فما عد ذلك نعمة كما عدد تموها ولا حسبها كرامة كما حسبتموها بل خاف أنْ يكون استدراجا من الله عز وجل فقال:) هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر (فافتح الباب وسهل الحجاب وانصر المظلوم وكان إلى جانب الأفضل رجل نصراني فأنشده:
يا ذا الذي طاعته قربة
…
وحقه مفترض واجب
إنَّ الذي شرفت من أجله
…
يزعم هذا أنه كاذب
وأشار إلى ذلك النصراني فأقام الأفضل من موضعه.
وتوفي الطرطوشي سنة عشرين وخمس مائة بالإسكندرية.
انتهى كلام ابن خلكان. وذكرته برمته وإنْ كان بعضه قد تقدم تكميلا للغرض وقد يقع لي مثل هذا في هذا الموضع كثيرا والقصد به التقوية لمّا تكرر معه أو غير ذلك كارتباط الكلام بعضه ببعض وعلى الله قصد السبيل.
وممن أجاز القاضي عياض ولم يلقه:
الشيخ الإمام المجتهد أبو عبد الله المازري محمّد بن عليّ بن عمر بم محمّد التميمي المازري بفتح الزاي عند الأكثر وجوز كسرها جماعة نسبة إلى مازر بليدة بجزيرة صقلية أعادها ا. أخذ عن الشيخين أبي الحسن
اللخمي وأبي محمّد بن عبد الحميد القروي المعروف بالصائغ وكان إماما محدثا وهو أحد الأئمة الأعلام المشار إليهم في حفظ الحديث والكلام عليه عمدة النظار وتحفة الأمصار المشهور في الآفاق والأقطار حتى عد في المذهب إماما وملك من مسائله زماما. وله تآليف مفيدة عظيمة النفع منها كتاب المعلم بفوائد مسلم وكتاب التعليقة على المدونة وكتاب شرح التلقين وكتاب الرد على الإحياء للغزالي المسمى بكتاب الكشف والإنباء عن المترجم بالإحياء وكشف الغطا عن لمس الخطا وكتاب إيضاح المحصول من برهان الأصول وتعليقة على أحاديث الجوزقي وله أيضاً إملاء على شيء من رسائل إخوان الصفا سأله السلطان تميم عنه وكتاب النكت القطعية في الرد على الحشوية والذين بقدم الأصوات والحروف وفتاوى.
توفي ثامن عشر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وخمس مائة وقيل يوم الاثنين ثامن الشهر المذكور بالمهدية وعمره ثلاث وثمانون سنة رحمه الله ورضي عنه.
وحكى أنَّ بعض طلبة الأندلس ورد على المهدية وكان يحضر مجلس المازري ودخل شعاع الشمس من كوة فوقع على رجل الشيخ المازري فقال الشيخ: هذا شعاع منعكس فذيل الطالب المذكور حين رآه متزنا فقال:
هذا شعاع منعكس
…
لعلة لا تلتبس
لمّا رآك عنصرا
…
من كل علم ينبجس
أتى يمد ساعدا
…
من نور علم يقتبس
وأظن أني رأيت هذه الحكاية في نظم الدر والعيقان للشيخ الحافظ
أبي عبد الله التلمساني فلتراجع ثم لأني نقلتها بالمعنى.
وممن أجاز القاضي عياض ولم يلقه:
الشيخ الحافظ إمام المحدثين أبو الطاهر السلفي أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم سلفة الأصبهاني الملقب صدر الدين.
قال ابن خلكان: هو أحمد الحفاظ المكثرين. رحل في طلب الحديث ولقي أعيان المشايخ وكان شافعي المذهب. ورد بغداد واشتغل بها على الكيا أبي الحسن على الهراسي في الفقه وعلى الخطيب أبي زكريا يحيى بن عليّ التبريزي اللغوي باللغة وروى عن أبي محمّد جعفر بن السراج وغيره من الأئمة الأماثل وجاب البلاد وطاف الآفاق ودخل الإسكندرية سنة إحدى عشرة وخمس مائة في ذي القعدة وكان قدومه إليها في البحر من مدينة صور وأقام بها وقصده الناس من الأماكن البعيدة وسمعوا عليه وانتفعوا به ولم يكن في آخر عمره في عصره مثله. وبني له العادل أبو الحسن عليّ بن السلار وزير الظافر العبيدي صاحب مصر في سنة ست وأربعين وخمس مائة مدرسة بالثغر المذكور وفوضها إليه وهي معروفة به الآن. وأدركت جماعة من أصحابه بالشام والديار المصرية وسمعت عليهم وأجازوني وكان قد كتب الكثير ونفلت من خطة فوائد جمة ومن جملة ما نقلت من خطة لأبي عبد الله محمّد بن عبد الجبار الأندلسي في قصيدة:
لولا اشتغالي بالأمير ومدحه
…
لأطلت في ذاك الغزال تغزلي
لكن أوصاف الجلال عذبن لي
…
فتركت أوصاف الجمال بمعزل
ونقلت من خطه أيضاً لبثينة صاحبة جميل ترثيه:
وإنَّ سلوى عن جميل لساعة
…
من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر
…
إذا مت بأساء الحياة ولينها
وكان كثيرا ما ينشد:
قالوا نفوس الدار ساكنها
…
وأنتم عندي نفوس النفوس
وأماليه وتعاليقه كثيرة والاختصار بالمختصر أولى.
وكانت ولادته اثنتين وسبعين وأربع مائة تقريبا بأصبهان وتوفي ضحوة نهار الجمعة وقيل ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمس مائة بثغر الإسكندرية. ودفن في وعلة وهي مقبرة داخل السور عند الباب الأخضر فيها جماعة من الصالحين كالطرطوشي وغيره وهي بفتح الواو وسكون العين المهملة وبعدها لام ثم هاء. ويقال إنَّ هذه المقبرة منسوبة إلى عبد الرحمن بن وعلة السبئي المصري صاحب ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل غير ذلك رحمه الله تعالى آمين.
قلت: وجدت العلماء المحدثين بالديار المصرية من جملتهم الحافظ زكي الدين أبو محمّد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المحدث محدث مصر في زمانه يقولون في مولد الحافظ السفي هذه المقالة. ثم وجدت في كتاب: زهر الرياض المفصح عن المقاصد والأغراض تأليف الشيخ جمال الدين أبي القاسم عبد الرحمن ابن أبي الفضل عبد المجيد بن إسماعيل بن جفص الصفراوي الإسكندري وأنَّ
الحافظ السلفي المذكور وهو شيخه كان يقول: مولدي بالتخمين لا باليقين سنة ثمان وسبعين فيكون مبلغ عمره على مقتضى ذلك ثمانيا وتسعين سنة. هذا آخر كلام الصفراوي المذكور.
ورأيت في تاريخ الحافظ محب الدين محمّد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي ما يدل على صحة ما قاله الصفراوي فإنه قال: قال عبد الغني المقدسي: سألت الحافظ السلفي عن مولده فقال: أنا أذكر قتل نظام الملك في سنة خمس وثمانين وأربع مائة وكان لي من العمر حدود عشر سنين.
قلت: ولو كان مولده على ما يقوله أهل مصر إنَّه في سنة اثنتين وسبعين ما كان يقول أذكر قتل نظام الملك في سنة خمس وثمانين وأربع مائة فإنه على ما يقولونه قد كان عمره ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة ولم تجر العادة أنْ من يكون في هذا السنة يقول: أنا أذكر القضية الفلانية وإنما يقول ذلك من يكون عمره تقديرا أربع أو خمس أو ست سنين.
فقد ظهر بهذا أنَّ قول الفراوي تلميذه أقرب إلى الصحة وقد سمع منه أنَّه قال: مولدي في سنة ثمان وسبعين وليس الصفراوي ممن يشك في قوله ولا يرتاب في صحته مع أننا ما علمنا أنَّ أحدا منذ ثلاث مائة سنة إلى الآن بلغ المائة فضلا عن أنَّه زاد عليها سوى القاضي أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري فإنه عاش مائة سنة وسنتين وكما سيأتي في ترجمته.
ونسبة السلفي إلى جدة إبراهيم سلفة بكسر السين المهملة وفتح اللام والفاء وفي آخره الهاء وهو لفظ عجمي ومعناه بالعربي ثلاث شفاه لأن شفته الواحدة كانت مشقوقة فصارت مثل شفتين غير الأخرى الأصلية
والأصل فيه سلبة بالباء فأبدلت بالفاء.
انتهى كلام ابن خلكان.
قلت: ولا يخلو ما ذكره من بحث لأن السلفي قال: أنا أذكر قتل نظام الملك وأنا في حدود العشر سنين وبحث ابن خلكان يقتضي أنَّه ابن ست سنين ونحوها بل قد يقال: إنَّ قول السلفي وكان في حدود عشر سنين لا ينافي قول الآخرين لمّا جرت العادة به من العلماء من إلغاء الكسر الزائد. سلمنا عدم ذلك فلا ذليل فيه لواحد منهما فتأمله منصفا والله سبحانه أعلم.
وكأن ابن قنفذ اعتمد في وفاته على قول المصريين في مولد أبي الطاهر السلفي فلذا قال ما نصه: " وتوفي القاضي بغرناطة أبو عبد الله بن محمّد بن القاضي عياض سنة خمس وسبعين وخمس مائة وعرف في تاريخه بأبيه وفي التي تليها توفي الشيخ أبو الطاهر السلفي وعمره مائة وأربع سنين وكان أجاز لكل أدركه حياته. وسلفة بكسر السين المهملة: قرية في المشرق ".
انتهى.
وما قاله في سلفة مخالف لمّا سبق قريبا لابن خلكان ولعل قول ابن خلكان هو الصواب والله تعالى اعلم.
ومن المشهور نظم السلفي رحمه الله قوله:
ليس على الأرض في زماني
…
من شأن في الحديث شاني
علما ونقدا ولا علوا
…
فيه على رغم كل شاني
ومن ذلك قوله رحمه الله:
بالله يا معشر أصحابي
…
اغتنموا علمي وآدابي
إنَّ نذير الموت جاء وقد
…
حلف لا يرحل إلاّ بي
ومن نظمه رحمه الله ما أجاب به القاضي عياضا حين استجازه بقصيدة على روى القاف أولها:
أبا طاهر خذها على البعد والنوى
…
تحية مشتاق لذكراك شيق
فأجابه أبو الطاهر بقوله:
أتاني نظم الألمعي الموفق
…
يميس اختيالا بين غرب ومشرق
وسيأتيان معال عند تعرضنا لذكر نظم عياض رحم الله الجميع.
أقول: ولم يزل الفضلاء من الأئمة والنبهاء من أعلام هذه الأمة يستجيزون الأشياخ الأخيار عند تعذر اللقاء وبعد الديار ولو تتبعنا ذكر من قعل ذلك لضاق عنه هذا الموضوع ولمّا احتمله هذا المجموع. وقد استجاز الإمام الشهير الأديب الكبير الشيخ العلامة أبو الحسن حازم صاحب المقصورة وجيه الدين منصور فكتب إليه الوجيه رحمه الله بقوله:
إني أجزت لحازم بن محمّد
…
صدر الأفاضل والإمام السيد
مجموع ما رويته فرويته
…
عن ألف شيخ من رواة المسند
في مصرها مع شامها وعراقها
…
وحجازها من متهم أو منجد
وجميع ما صنفته وجمعته
…
في علم فقه الشافعي محمّد
فليروا عني ما رويت رواية
…
مشروطة بتوثيق وتشدد
وليبق في روض العلوم منعما
…
بسعادة وسيادة وتأيد
وإذا جرى ذكر حازم فلا بد أنْ نورد بعض التعريف به فنقول:
قال السيوطي في الطبقات: حازم بن محمّد بن حسن بن محمّد بن خلف بن حازم الأنصاري القرطاجي النحوي أبو الحسن شيخ البلاغة والأدب.
قال أبو حيان: كان أوحد زمانه في النظم والنثر والنحو واللغة والعروض وعلم البيان. روى عن جماعة يقاربون الألف وروى عنه أبو حيان وابن رشد وذكره في رحلته فقال: حبر البلغاء وبحر الأدباء ذو اختيارات فائقة واختراقات رائقة لا نعلم أحد ممن لقيناه جمع من علم اللسان ما جمع ولا أحكم من معاقد علم البيان ما أحكم من منقول ومبتدع وأما البلاغة فهو بحرها العذب والمتفرد بحمل راياتها أميرا في الشرق والغرب وأما حفظ لغات العرب وأشعارها وأخبارها فهو حماد روايتها أوقارها يجمع إلى ذلك جودة التصنيف وبراعة الخط ويضرب بسهم في العقليات والدراية أغلب عليه من الرواية.
صنف سراج البلغاء في البلاغة وكتاب في القوافي وقصيدة في النحو على روى الميم ذكر منها ابن هشام في المغني أبياتا في المسألة الزنبورية وقد ذكرناها في الطبقات الكبرى مع أبيات أخر.
مولده سنة ثمان وست مائة ومات ليلة السبت الرابع والعشرين من رمضان سنة أربع وثمانين وست مائة.
ومن شعره:
من قال حسبي من الورى بشر
…
فحسبي الله حسبي الله
كم آية للإله شاهدة
…
بأنه لا إله إلاّ هو
انتهى كلام السيوطي.
ولنرد نحن ما أمكننا، حيث لم يوف السيوطي بحقه في الطبقات الصغرى، لأنها مبنية على الاختصار، وليس نقف على الطبقات الكبرى التي أحال عليها؛ فنقول: قال بعض المؤرخين: هو حازم بن محمّد بن الحسن بن حازم الأنصاري، فجعل والد الحسن حازماً، وجعله السيوطي محمداً، فلا ندري هل هذا من النسبة إلى الجد، فيرجع مع ما عند السيوطي إلى وفاق، أو هما مختلفان؟ القرطاجني: منسوب إلى قرطاجنة من سواحل كورة تدمير، من شرقي الأندلس. وهو خاتمة شعراء الأندلس الفحول، مع تقدمه في معرفة لسان العرب وأخبارها، ونزل إفريقية بعد خروجه من بلده فطار بها صيت، وعمر إلى أنْ مات بتونس، حضره ملوكها، ليلة الرابع والعشرين من رمضان، من سنة أربع وثمانين وست مائة. وفي بعض المجاميع الأدبية من تأليف ابن المرابط نزل تونس، أنَّه كان في حضرة مراكش أيام الرشيد، انتهى.
قلت: وله في الرشيد أمداح كثيرة، أنشدها في الإشادة، ومدح الأمير أبا زكريا صاحب إفريقية، وولده أبا عبد الله المتنصر، وله ألف المقصورة المشهورة، وقصر محاسنها على مدحه، ومدح أخاه أبا يحيى.
ومطلعها:
لله ما قد هجت يا يوم النوى
…
على فؤادي من تباريح الجوى
قلت: قد كنت ضمنت مطلعها باكتفاء وتورية فقات:
لم أنس يمواً للنوى عيوبه
…
في نهر فارس شجن هاج الجوى
فقلت إذ ذكرني معاهاً
…
" لله ما قد هجت يا يوم النوى "
ومقصورته تدل على اطلاعه، وصدرها بخطبة بليغة جداً، وتولى شرح هذه المقصورة الشيخ أبو القاسم الشريف الحسني القاضي كان بغرناطة، وسمي شرحه هذا رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة، وملأه بكل غريبة، وقد طالعته غير مرة. وقد ألف الإمام المكودى شارح الألفية، مقصورة بديعة نبوية؛ وعاب على ابن دريد وحازم جعلهما مقصورتيهما مدحاً في بني الدنيا، فكان من جملة أبياتها:
فحازم قد عد غير حازمٍ
…
وابن دريد لم يفده ما درى
وقد تولى شرح مقصورة المكودي بعض أصحابه وهو الكاتب الأديب أبو عبد الله المكلاني أعانه الله تعالى.
ومن بديع نظمه رحمه الله قصيدة جيمية، غريبة المنزع، لها صيت عظيم عند الحذاق من أهل الأدب، والنجارين من الفضلاء، عارض بها في المعنى رائية ابن عمار الوزير؛ للمعتمد بن عباد. وفضل غير واحد هذه الجيمية الحازمية، على تلك الرائة العمارية:
أدر المدامة فالنسيم مؤرج
…
والروض مرقوم البرود مدبجُ
والأرض قد لبست برود جمالها
…
فكأنما هي كاعب تتبرجُ
والنهر مما ارتاح معطفه الللى
…
لقيا النسيم عبابه متموجُ
يمسي الأصيل بعسجدي شعاعه
…
ابداً يوشي صفحه ويدبجُ
وتروم أيدي الريح تسلب ما اكتسى
…
فتزيده حسناً بما هي تنسجُ
فارتح لشرب كؤس راح نورها
…
بل نارها في مائها تتوهجُ
واسكر بنشوة لحظ من أحببته
…
أو كأس خمر من لماه تمزجُ
وايمع إلى نغمات عود تطبى
…
قلب الخلي إلى الهوى وتهيجُ
بم وزير يسعدان مثانياً
…
ومثالثاً طبقاتها تتدرجُ
من لم يهيج قلبه هذا فما
…
للقلب منه محرك ومهيجُ
فأجب فقد نادى بألس حاله
…
للأنس دهر للهموم مفرجُ
طربت جمادات وأفصح أعجم
…
فرحاً وأصبح من سرور يهزجُ
أفيفضل الحي الجماد مسرة
…
والحي للسراء منه أحوجُ
ما العيش إلاّ نعمت به وما
…
عاطاك فيه الكأس ظبي أدعجُ
ممن يروقك منه ردف مردف
…
عبل وخصر ذو اختصار مدمجُ
فإذا نظرت لطرة ولغرة
…
ولصفحة منه بدت تتأججُ
أبقيت أنْ ثلاثهن وما غدا
…
من تحتها ينآد أو يتموجُ
ليل على صبح على بدر على
…
غضن تحمله مثيب رجرجُ
كأس ومحبوب يظل بلحظه
…
قلب الخلي إلى الهوى يستدرجُ
يا صاح ما قلبي بصاح عن هوى
…
شيئين بينهما المنى تستنتجُ
وبمهجتي الظبي الذي في أضلعي
…
قد حل وهو يشبها ويؤججُ
ناديت حادي عيسه يوم النوى
…
والعيس تحدي والمطايا تحدجُ
قف أيها لاحادي أودع مهجة
…
قد حازها دون الجوانح هودجُ
لمّا تواقفنا وفي أحداجها
…
قمر منير بالهلال متوجُ
ناديتهم قولوا لبدركم الذي
…
بضيائه تسري الركاب وتدلجُ
يحيا العليل بلفظةٍ أو لحظةٍ
…
تطفي غليلاً في الحشا يتأججُ
قالوا نخاف يزيد قلبك لاعجاً
…
فأجبتهم خلوا اللواعج تلعجُ
وبكيت واستبكيت حتى ظل من
…
عبراتنا بحر ببحر يمزجُ
وبقيت أفتح بعدهم باب المنى
…
ما بيننا طورا وطورا يرتجُ
وأقول يا نفس اصبري فعسى النوى
…
بصباح قرب ليلها يتبلجُ
فترقب السراء من دهر شجا
…
والدهر من ضد لضد يخرجُ
وترج فرجة كل هم طارقٍ
…
فلكل هم في الزمان تفرجُ
وتذكرت بهذه الجيمية قصيدة ابن قلاقس الإسكندري رحمه الله تعالى:
عرضت لمعترض الصباح الأبلج
…
حوراء في طرف الظلام الأدلجِ
فتمزقت شية الدجا عن غرتي
…
شمسين في أفق وكلة هودجِ
ووراء أستار الحمول لواحظ
…
غزلان معتدل الوشيج الأعوجِ
من كل مبتسم السنان إذا جرى
…
دمع النجيع من الكمى الأهوجِ
ولقد صحبت الليل قلص برده
…
لعباب بحر صاحبه المتموجِ
وكأن منتثر النجوم الآلي
…
نظمت على صرح من الفيروزجِ
وسهرت أرقب من سهيل خافقاً
…
متفرداً وكأنه قلب الشجي
واستعبرت مقل السحاب فأضحكت
…
منها ثعور مفوف ومدبجِ
وابن قلاقس هذا له في النظم البارع المديد؛ ومن محاسنه قوله رحمه الله تعالى:
سددها من القلوب رمحا
…
وانتضوها من الجفون صفاحا
يا لها حالة من السلم حالت
…
فاستحالت ولا كفاح كفاحا
صح إذ أذرت العيون دماءً
…
انهم أثحنوا القلوب جراحا
يا فؤادي وقد أخذت أسيراً
…
أتفطرت أم وضعت سلاحا
قل لأعتادك التي أقسموها
…
ضربوا فيك بالعيون قداحا
عجبا للجفون وهي مراض
…
كيف تستأسر القلوب الصحاحا
آه من موقف يود به المغرم
…
لو مات قبله فاستراحا
حيث يخشى أنَّ ينظم اللثم عقداً
…
فيه أو يعقد العناق وشاحا
رجع إلى قول حازم رحمه الله تعالى: فمن قوله من قصيدة:
فتق النسيم لطائم الظلماء
…
عن مسكةٍ قطرت مع الأنداء
وغدا الصباح يفض خاتم عنبر
…
بالشرق عن كافورةٍ بيضاء
والكوكب الدري يزهو سابحا
…
في مائه كالدرة الزهراء
وكأنما ابن ذكاء مجمراً
…
منه يفيد الريح طيب ذكاء
وقال سامحه الله من قصيدة في المستنصر:
أمن بارق أورى بجنح الدجى سقطا
…
تذكرت من حل الأبارق فالسقطا
وبان ولكن لم يبن عنك ذكره
…
وشط ولكن طيفه عنك ما شطا
حبيب لو أنَّ البدر جاراه في مدى
…
من الحسن لأستدني من البدر واستبطا
سقى الله عيشا قد سقانا من الهوى
…
كئوسا بمعسول اللمى خلطت خلطا
وله مطلع قصيدة:
سلطان حسن عليه للصبا علم
…
إذا رأته جيوش الصبر تنهزم
وقال رحمه الله يصف وردة بيضاء:
ومبيضة الأثواب بوردةٍ
…
تقل لها الأشباه عند التماسها
أنافت على ساق لتشرب عندما
…
أشارت لها كف البروق بكاسها
كجاريةٍ قامت ببيض غلائلٍ
…
مرفعةٍ أذيالها حول رأسها
ومن بديع نظمه رحمه الله تعالى تضمينه قصيدة امرئ القيس، وصرف معناها إلى مدح المصطفى) ، وهي من غر القصائد:
لعينيك قل إنَّ زرت أفضل مرسل
…
" قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل "
وفي طيبة فانزل ولا تغش منزلا
…
" بسقط اللوى بين الدخول فحومل "
وزر قد طالما طاب نشرها
…
" لمّا نسجتها من جنوب وشمأل "
وأثوابك أخلع محرما ومصدقا
…
" لدى الستر إلاّ لبسة المتفضل "
لدى كعبة قد فاض دمعي لبعدها
…
" على النحر حتى بل دمعي محملي "
فحيا حادي الآبال سربي ولا تقل
…
" عقرت بعيري يامرأ القيس فانزل "
فقد حلفت نفسي بذاك وأقسمت
…
" على وآلت حلفة لم تحلل "
فقلت لها لا شك أني طائع
…
" وأنك مهما تأمري القلب يفعل "
وكم حملت في أظهر العزم وحلها
…
" فيا عجبا من كورها المتحتل "
وعاتبت العجز الذي عاق عزمها
…
" فقالت لك الويلات إنك مرجلي "
نبي هدى قد قال للكفر نوره
…
" إلاّ أيّها الليل الطويل ألا انجل "
تلا سوراً ما قولها بمعارضٍ
…
" إذا هي نصته ولا بعطل "
لقد نزلت في الأرض ملة هديه
…
" نزول اليماني ذي العياب المحمل "
أتت مغربا من مشرق وتعرضت
…
" تعرضت أثناء الوشاح المفضل "
ففازت بلاد الشرق من زينة بها
…
" بشيق وشق عندنا لم يحول "
فصلى عليه الله ما لاح بارق
…
" كلمع اليدين في حبي مكلل "
نبي غزا الأعداء بين تلائح
…
" وبين إكام بعد ما نتأمل "
فكم ملك وفاه في منجدٍ
…
" بمنجرد قيد الأوابد هياكل "
وكم من يمان واضح جاءه اكتسى
…
" بضاف فويق الأرض ليس بأعزل "
ومن أبطحي نيط منه نجاده
…
" بجيد معم في العشيرة مخول "
ومن أبطاحي نيط منه نجاده
…
" بجيد معمم في العشيرة مخول "
أوالوا ببدر عن سروجهم العدا
…
" كما زالت الصفواء بالمتنزل "
ونادوا ظباهم لا يفتك فتى ولا
…
" كبير أناس في بجادٍ مزمل
وفض جموعا قد غدا جامعاً بها
…
" لنا بطن ذي قفاف عفنقل "
وأحموا وطيساً في حنين كأنه
…
" إذا جاش فيه حمية غلي مرجل "
ونادوا بنات النبع بالنصر أثمري
…
" ولا تبعدينا من جناك المعلل "
وممن له سددت سهمين فاضربي
…
" بسهميك في أعشار قلبٍ مقتل "
فما أغنت الأبدان بها أكتست
…
" ترائبها مصقولة كالسجنجل "
وأضحت لواليها ومالكها العدا
…
" ويقولون لا تهتك أسى وتجمل "
وقد فر منصاع كما فر خاضب
…
" لدى سمرات الحي ناقف حنظل "
وكم قال يا ليل الوغى طلت فانبلج
…
" بصبح وما الإصباح منك بأمثل "
فليت جوادي لم يسر بي إلى الوغى
…
" وبات بعيني قائما غير مرسل "
وكم مرتق أوطاس منهم بمسرجٍ
…
" متى ما ترق فيه تسهل
وقرطه خرصا كمصباح مسرج
…
" أهان السليط في الذبال المفتل "
فيزهو لهاد فوق هاديه طرفه
…
" بناظرة من وحش وجرة مطفل "
ويسمع من كافورتين بجانبي
…
" أثنيت كقنو النخلة المتعثكل "
ترفع أنَّ يعزى له شد شدان
…
" وإرزاخه سرحان وتقريب تتفل "
ولكنه يمضي كما مر مزبد
…
" يكب على الأذقان دوح الكنهبل "
ويغشى العدا كالسهم أو كالشهاب أو
…
" كجلمود صخرٍ حطه السيل من عل
جياد أعادت رسم رستم دارسا
…
" وهل عند رسم دارس من معول "
وريعت بها خيل القياصر فاختفت
…
" جواهر في صرة لم تزيل "
سبت عربا من نسوة العرب تستبي
…
" إذا ما اسبكرت بين درع ومجول "
وكم من سجايا الفرس والصفر أسهرت
…
" نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل "
والحزن بدوراً من ليالي شعورها
…
" تضل المداري في مثنى ومرسل "
وأبقت بأرض الشام هاما كأنها
…
" بأرجائها القصوى أنابيش عنصل "
لخضراء ما دبت ولا نبتت بها
…
" أساريع ظبي أو مساويك إسحل
شدا طيرها في مثمري ذي أرومة
…
" وساق مغار الفتل شد بيذبل "
وكم هجرت في القيظ تحكى دوارعاً
…
" عذاري دوار في الملاء المذيل "
وكم أدلجت والقطر يهفو هزيرة
…
" ويلوى بأثواب العنيف المثقل "
وخضن سيولا فضن بالبيد بعد ما
…
" أثرن غباراً بالكديد المركل "
وكم ركزوا ومحا بدعص كأنه
…
" من السيل والغثاء فلكة مغزل "
فلم تبن حصنا خوف حصنهم العدا
…
" ولا أطماً إلاّ مشيد بجندل "
فهدت بغضب شد بعد صقاله
…
" بأمراس كتان إلى صم جندل "
وجيش بأقصى الأرض ألقى جرانه
…
" وأردف أعجازا وناء بكلكل "
يداك الصفا دكا ولو مر بعضه
…
" وأيسره على الستار فيذبل "
دعا النصر والتأبيد راياته اسحبي
…
" على أثرينا ذيل مرطٍ مرحل "
لواء منير النصل طاوٍ كأنه
…
" منارة ممسي راهب متبتل "
كأن دما الأعداء في عذباته
…
" عصارة حناء بشيب مرجل "
صحاب بروا هام العداة وكم قروا
…
" صفيف شواة قدير معجل "
وكم أكثروا ما طاب من لحم جفرةٍ
…
" وشحم كهذاب الدمقس المفتل "
وكم جبن من غبراء لم يسق نبتها
…
" دراكا ولم ينضح بماء فيغسل "
حكى طيب ذكراهم ومر كفاحهم
…
" مداك عروس أو صلابة حنظل "
لأمداح خير الخلق قلبي قد صبا
…
" وليس صباي عن هواها بمنسل "
فدع من لأيام صلحن له صبا
…
" ولا سيما يوم بدارة جلجل "
وأصبح عن أم الحويرث ما سلا
…
" وجارتها أم الرباب بمأسل "
وكن في مديح المصطفى كمديح
…
" يقلب كفيه بخيط موصل "
وأمل به الأخرى ودنياك دع فقد
…
" تمتعت من لهو بها غير معجل "
وكم لنبيث للفؤاد منابثٍ
…
" نصيح على تعذاله غير مؤتل "
ينادي إلهي إنَّ ذنبي قد عدا
…
" على بأنواع الهموم ليبتلى "
فكن لي مجيرا من شياطين شهوةٍ
…
" على حراص لو يشرون مقتلي "
وينشد دنياه إذا ما تدللت
…
" أفاطم مهلا بعض هذا التدلل "
فإنَّ تصلي حبلى بخير وصلته
…
" وإنَّ كنت قد أزمعت صرمي فأجملي "
وأحسن بقطع الحبل منك وبته
…
" فسلى ثيابي من ثيابك تنسل "
أيا سامعي مدح الرسول تنشقوا
…
" نسيم الصبا بريا القرنفل "
وروضة حمد للنبي محمّد
…
" غذاها نمير الماء غير المحلل "
ويا من أبي الإصغاء ما أنت مهتدٍ
…
" وما إنَّ أرى عنك العماية تنجلي "
فلو مطفلا انشدتها لفظها أرعوت
…
" فألهيتها عن ذي تمائم محول "
ولو سمعته عصم طود أمالها
…
" فأنزل منها العصم من كل منزل "
وقال رحمه الله في مثل هذا الغرض، مؤديا من مدح رسول الله) المفترض، مضمناً قصيدة أخرى لامرئ القيس:
أقول لعزمي أو لصالح أعمالي
…
" ألا عم صباحا أيّها الطال البالي "
أما وأعظى شيب سما فوق لمتي
…
" سمو حباب الماء حالا على حال "
انار به ليل الشباب كأنه
…
" مصابيح رهبان تشب لقفال "
نهاني عن غي وقال منها
…
" ألست ترى السمار والناس أحوالي "
يقولون غيره لتنعم برهة
…
" وهل يمعن من كان في العصر الخالي "
أغالط دهري وهو يعلم إنني
…
" كبرت وإلاّ يحسن اللهو أمثالي "
ومؤنس نار الشيب يقبح لهوه
…
" بآنسة كأنها خط تمثال "
أشيخا وتأتى فعل من كان عمره
…
" ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال "
وتشغفك الدنيا وما إنَّ شغفتها
…
" كما شغف المهنوءة الرجل الطالي "
ألا إنها الدنيا ما أعتبرتها
…
" ديار لسلمى عافيات بذي خال "
فأين الذين استأثروا قبلنا بها
…
" لناموا فما إنَّ من حديث ولا صال "
ذهلت بها غيا فكيف الخلاص من
…
" لعوب تنسيني إذا قمت سربالي "
وقد علمت مني مواعيد توبتي
…
" بأن الفتى يهذي وليس بفعال "
ومذ وثقت نفسي بحب محمّد
…
" هصرت بغصن ذي شماريخ ميال "
وأصبح شيطان الغواية خاسئا
…
" عليه القتام سيئ الطن والبال "
ألا ليت شعري هل تقول عزائمي
…
" لخيلي كرى كرة بعد إجفال
فأنزل داراً للرسول نزيلها
…
" قليل الهموم ما يبيت بأوجال "
فطوبى لنفس جاورت خير مرسلٍ
…
" بيثرب أدنى دارها نظر عالي "
ومن ذكره عند القبول تعطرت
…
" صبا وشمائل في منازل قفال "
جوار رسول الله مجد مؤثل
…
" وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي "
ومن ذا الذي يثني عنان السرى وقد
…
" كفاني ولم أطلب قليل من المال "
ألم تر أنَّ الظبية استشفعت به
…
" تميل عليه هونة غير مجفال "
وقال لها عودي فقالت له نعم
…
" ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي "
فعادت إليه والهوى قائل لها
…
" وكان عدائي الوحش مني عليّ بالي "
ويا لبعير قال أزمع مالكي
…
" ليقتلني والمرء ليس يقتال "
وثور ذبيح بالرسالة شاهدٍ
…
" طويل القوا والروق أخنس ذيال "
وحن إليه الجذع حنة عاطش
…
" لغيث من الوسمى رائدة خال "
وأصلين من نخل قد التأما له
…
" بما احتسبا من لين وتسهال "
وقبضة ترب منه ذلت لها الظبا
…
" ومسنونة زرق كأنياب أغوال "
وأضحى ابن جحش بالعسيب مقاتلا
…
" وليس بذي رمح وليس بنبال "
وبذت به العجفاء كل مطهم
…
" له حجبات مشرفات على الفال "
ويا خسف أرض تحت باغيه علا
…
" على يكل نهد الجزارة جوال "
وقد أخمدت نار لفارس طالما
…
" أصابت غضى جز لا وكف بأجزال "
أبان سبيل الرشد إذ سبل الهدى
…
" يقلن لأهل الحلم ضلا بتضلال "
لأحمد خير المرسلين انتقيتها
…
" ورضت فذلت صعبة أي إذلال "
وإنَّ رجائي أنَّ ألاقيه غداً
…
" ولست بمقلي الخلال ولا قالي "
فأدرك آمالي وما كل آمل
…
" بمقدرك أطراف الخطوب ولا آلي "
قلت: هكذا وجدت بخط بعض أعلام مراكش نسبة هذه القصيدة لأبي الحسن حازم المذكور، واعتمدت على هذه النسبة، ثم بان لي خطؤها، وإنّما هذه القصيدة من نظم العلامة أبي بكر بن جزي الكلبي الغرناطي، حسبما نص على ذلك غير واحد.
ولنورد كلام بعض الأئمة في حقه، لأن فيه المطلوب وزيادة، ونصه: محمّد بن أحمد عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي،
يكنا أبا القاسم، من أهل غرناطة، وذوي الأصالة والنباهة فيها، وأصل سلفه من ولبه، من حصن البراجلة، نزل بها أولهم عند الفتح، صحبة قريبهم أبي الخطار حسام بن ضرار الكلبي، وعند خلع دعوة المرابطين كان لجدهم يحيى بجيان، رياسة وانفراد بالتدبير.
وكان رحمه الله على طريقة مثلى، من العكوف على العلم، والاقتيات من حر النشب، والاشتغال بالنظر والتقييد والتدوين، فقيها حافظا، قائما على التدريس، مشاركاً في فنون من العربية والفقه والأصول والقراءات والحديث والأدب، حافظا للتفسير للأقوال جماعة للكتب، موكلي الخزانة، حسن المجلس، ممتع المحاضرة، قريب الغور، صحيح الباطن؛ تقدم خطيباً بالمسجد الأعظم من بلده، على حداثة سنه، فاتفق على فضله، وجرى على سنن أصالته. ومن شيوخه الأستاذ أبو جعفر بن الزبير وابن الكماد وابن رشيد والحضرمي وابن أبي الأحوص وابن برطال، وأبو عامر بن ربيع الأشعري والوالي أبو عبد الله الطنجالي، وابن الشاط.
تواليفه: كتاب " وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم "؛ و " الأنوار السنية في الكلمات السنية "؛ وكتاب " الدعوات والأذكار "؛ وكتاب " القوانين الفقهية "؛ وكتاب " تقريب الوصول إلى علو الأصول "؛ وكتاب " النور المبين في قواعد عقائد الدين "؛ إلى غير ذلك مما قيده في التفسير والقراءات.
شعره: قال في الأبيات الغنية، ذاهبا مذهب الجماعة، كأبي العلاء المعري والرئيس ابن المظفر، وأبي الطاهر السلفي، وأبي الحجاج بن الشيخ، وأبي الربيع
ابن سالم، وأبي عليّ بن أبي الأحوص، وغيرهم:
لكل بني الدنيا مراد ومقصد
…
وإنَّ مرادي صحة وفراغ
لأبلغ في علم الشريعة مبلغا
…
يكون به لي للجنان بلاغ
ففي مثل هذا فلينافس ذوو النهى
…
وحسبي من دار الغرور بلاغ
فما الفوز إلاّ في النعيم مؤبد
…
به رغد والشرب يساغ
وقال في مذهب الفخر:
وكم من صفحة كالشمس تبدو
…
فيسلى حسنها قلب الحزين
غضضت الطرف عن نظري إليها
…
محافظة على عرضي وديني
انتهى.
ومن مشهور نظمه رحمه الله:
أروم امتداح المصطفى فيردني
…
قصوري عن إدراك تلك المناقب
ومن لي بحضر البحر والبحر زاخر
…
ومن لي بإحصاء الحصى والكواكب
ولو أنَّ أعضائي غدت وهي ألسن
…
لمّا بلغت في القول بعض مآربي
ولو أنَّ كل العالمين تألفوا
…
على مدحه لم يبلغوا بعض واجب
فأقصرت عنه كان فيه بلاغة
…
ورب كلام فيه عبي لعائب
ورأيت بخط الإمام ابن داود أنَّ قوله وكم من صفحة البيتين، ليس
من كلامه، بل من كلام ابنه أبي بكر وهو خطأ لابن ابن الخطيب ذكر في الكتيبة أنَّ البيتين للشيخ أبي القاسم لا لابنه أبي بكر والله الموفق.
ثم قال هذا المعرف بابن جزي: مولده: يوم الخميس التاسع لربيع الثاني من عام ثلاثة وتسعين وست مائة.
وفاته: فقد وهو يحرض الناس ويشحذ بصائرهم ويثبتهم يوم الكائنة بطريف ضحوة يوم الاثنين السابع لجمادى الأولى عام واحد وأربعين وسبع مائة. تقبل الله شهادته. انتهى.
ولنختم ترجمته بقوله رحمه الله تعالى وعفا عنا وعنه بمنه:
يا رب إنَّ ذنوبي اليوم قد عظمت
…
فما أطيق لها حصرا ولا عددا
وليس لي بعذاب النار من قبل
…
ولا أطيق لها صبرا ولا جلدا
فانظر إلهي إلى ضعفي ومسكنتي
…
ولا تذيقنني حر الجحيم غدا
ثم قال في التعريف بولده أبي بكر المقصود ذكره هنا وهو الذي ألف له أبوه الأنوار السنية ما نصه: هو أحمد بن محمّد بن أحمد بن جزي الكلبي يكنى أبا بكر من أهل الفضل والنزاهة والهمة وحسن السمت واستقامة الطريق غرب في الوقار ومال إلى الانقباض وله مشاركة حسنة في فنون من فقه وعربية وخط ورواية وأدب وشعر وتسمو بعظمة الإجادة إلى غاية بعيدة وقرأ على والده ولازمه واستظهر ببعض تأليفه وتفقه وتأدب به وقرأ على بعض معاصري أبيه ثم ارتسم في
الكتابة السلطانية لأول دولة السلطان أبي الحجاج بن نصر وولى القضاء ببرجة وبأندرش ثم بوادي آش مشكور السيرة معروف النزاهة.
ومن شعره:
أرى الناس يولون الغنى كرامة
…
وإنْ لم يكن أهلا لرفعة مقدار
ويلوون عن وجه الفقير وجوههم
…
وإنْ كان أهلا أنْ يلاقي بإكبار
بنو الدهر جاءتهم أحاديث جمة
…
فما صححوا إلاّ حديث ابن دينار
ومن بديع ما صدر عنه تصدير أعجاز قصيدة امرئ القيس بقوله:
أقول لعزمي أو لصالح أعمالي
…
" ألا عم صباحا أيّها الطلل البالي "
ثم سرد منها أحد عشر بيتا إلى قوله:
فأين الذين استأثروا قبلنا بها
…
" لناموا فما إنْ من حديث ولا صال "
ثم قال ما نصه: وهي ثمانية وأربعون بيتا ولا خفاء ببراعة هذا النظم وإحكام هذا النسيج وشدة هذه المعارضة.
وله تقييد على كتاب والده المسمى بالقوانين الفقهية ورجز في الفرائض وإحسان كثير.
وتقدم قاضيا للجماعة بحضرة غرناطة ثامن شوال عام ستين وسبع مائة ثم صرف عنها. ثم لمّا توفي الأستاذ الخطيب العالم الشهير أبو سعيد فرج بن لب رحمه الله تعالى وكان خطيب الجامع الأعظم بغرناطة ولي عوضا منه أستاذا وخطيبا عام اثنين وثمانين وسبع مائة فبقي في الخطابة ثلاثة أعوام ثم توفي. وأظن أنَّ وفاته إنما كانت في أواخر عام خمسة وثمانين وسبع مائة رحمه الله تعالى. انتهى.
ولا شك أنَّ ما ذكره هذا الإمام في حق والده إنما هو من كلام ابن الخطيب في الإحاطة والله أعلم.
ولأبي بكر بن جزي هذا أخ كتاب مجيد من عجائب الزمن وهو الفقيه الكاتب محمّد بن محمّد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن الأمير أبي بكر عبد الرحمن الثائر بجيان ابن يوسف بن سعيد الغرناطي المتوفى بفاس في عام ثمانية وخمسين وسبع مائة رحمه الله وقيل بل توفي آخر شوال من السنة قبلها مبطونا رحمه الله.
قلت: وهذا هو الصواب في وفاته فإني رأيت بخط من يوثق به من الأعلام الذين عرفوا حاله أنه بداره من البيضاء قرب المغرب من يوم الثلاثاء التاسع والعشرين لشوال من عام سبعة وخمسين وسبع مائة وكان دفنه يوم الأربعاء بعد صلاة العصر وراء الحائط الشرقي الذي بالجامع الأعظم من المدينة البيضاء وكان مولده في شوال من عام واحد وعشرين وسبع مائة. انتهى.
يكنى أبا عبد الله. قال ابن الأحمر في نثير الجمان: أدركته ورأيته وهو من أهل بلدنا غرناطة وكان أبوه أبو القاسم محمّد أحد المفتين بها عالم الأندلس الطائرة فتياه منها إلى طرابلس وقتل شهيدا في المعترك في الوقيعة التي كانت للنصارى دمرهم الله بطريف على المسلمين في سنة إحدى وأربعين وسبع مائة بعد أنْ أبى بلاء حسنا.
وأبو عبد الله محمّد هذا كتب بالأندلس في حضرة ابن عم أبينا أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف وله فيه أمداح عجيبة ولم يزل كاتبا في الحضرة الأحمرية
النصرية إلى أنْ امتحنه أمير المسلمين أبو الحجاج ابن عم أبينا.
قلت: كان هذا الامتحان الذي ذكره ابن الأحمر هو أنَّه ضربه بالسياط من غير ذنب اقترفه بل ظلمه ظلما بينا. هكذا ألفيته في بعض المقيدات والله أعلم.
ثم قال ابن الأحمر: فقوض الرحال عن الأندلس، واستقر بالعدوة، فكتب بالحضرة المرينية، لأمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان، إلى أنْ توفي بها رحمه الله.
حاله رحمه الله: طلع في السماء العلوم بدراً مشرقاً وسارت براعته غرباً ومشرقاً، وسما بشعره فوق الفرقدين، كما أربى بنثره على الشعري والبطين، له باع مديد في التاريخ، واللخة، والحساب، والفقه والنحو والبيان والآداب بصيراً بالأصول والفروع والحديث عارفاً بالماضي من الشعر والحديث؛ إنْ نظم أنساك أبا ذؤيب برقته، ونصيباً بمنصبه ونخوته؛ وإنْ كتب أربى على ابن مقلة بخطه، وإنْ أنشأ رسالة أنساك العماد بحسن مساقها وضبطه؛ وهو رب هذا الشان، وفارس هذا الميدان؛ ومع تفقه في العلوم فهو في الشعر قد نبغ، وما بلغ أحد من الشعر عصره منه ما بلغ؛ بل سلموا التقدم فيه إليه، وألقوا زمام الاعتراف بذلك في يديه؛ ودخلوا تحت راية الأدب التي حمل، إذ ظهر ساطع براعته ظهور الشمس بالحمل.
أنشدني لنفسه يمدح أمير المسلمين أبا الحجاج يوسف بن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل عم أبينا ابن جدنا الرئيس الأمير سعيد فرح، ابن جدنا
الأمير أبي الوليد إسماعيل ابن جدنا الأمير أبي الحجاج يوسف الشهير بالأحمر، ابن جدنا أمير المؤمنين المنصور بالله أبي بكر، محمّد بن أحمد بن محمّد بن خميس بن نصر الخزرجي، هذه القصيدة البارعة، وحذف منها الراء المهملة:
قسماً بوضاح السنى وهاج
…
من تحت مسبول الذوائب داجِ
وبأبلج بالمسلك خطت نوره
…
من فوق وسنان اللواحظ ساجِ
وبحسن خد دبجت صفحاته
…
فغدت تحاكي مذهب الديباجِ
وبمبسم كالعقد نظم سلكه
…
ولمى حكى الصهباء دون مزاجِ
وبمنطق نصبو القلوب لحسنه
…
أنسى المسامع نغمة الأهزاجِ
وبمائس الأعطاف تثنيه الصبا
…
فيميس كالخطى يوم هياجِ
ومنعم مثل الثيب يقله
…
متضعف يشكو من الإدماجِ
وبموعد للوصول أنجز فجأة
…
من بعد طول تمنع ولجاجِ
ويا كؤوس أطلعن في جنح الدجى
…
شمس السلافة في سماء زجاجِ
وحدائق سحب السحاب ذيوله
…
فيما وبات لها النسيم يناجي
وجداول سلت سيوفاً عند ما
…
فجئت بجيش للصبا عجاجِ
وبأقحوان قد تضاحك إذ بكت
…
عين الغمام بمدمع ثجاحِ
وقدود أغصان يملن كأنها
…
تخفي حديثها بينها وتناجي
وحمائم يهتفن شجواً بالضحى
…
فهديلهن لذي الصبابة شاجي
إنَّ المعالي والعوالي والندى
…
والبأس طوع يدي أبي الحجاجِ
ملك تتوج بالمهابة عندما
…
لم يستجر في الدين لبس التاجِ
وأفاض حكم العدل في أيامه
…
فالحق أبلج وأوضح المنهاجِ
هو منقذ العاني ومغنى المعتفي
…
ومذلل العاتي وغوث اللاجي
ماضي العزيمة والسيوف كليلة
…
طلق المحيا والخطوب دواجي
علم الهدى والناس في عمياء قد
…
ضلوا لوقع الحادث المهتاجِ
غيث الندى والسحب تبخل بالحيا
…
والمحل يبدي فاقة المحتاجِ
ليث الوغى والخيل تزججى بالقنا
…
والبيض تنهل في دم الأوداجِ
يتقشع الإظلام إذ يبدو له
…
وجه كمثل الكوكب الوهاجِ
من آل قيلة من ذؤابة سعدها
…
أعلى بني قحطان دون خلاجِ
حيث العلا ممدوحة الأطناب لم
…
تخلق معالمها يد الإنهاجِ
والأعوجيات السوابق تمتطي
…
فتظلل الآفاق سحب عجاجِ
والبيض والأسل العوامل تقضي
…
مهج الكماة بأبلغ الإزعاجِ
مجد ليوسف جمعت أشتاته
…
أعيا سواه بعد طول علاجِ
مولاي هاك عقيلة تزهو على
…
أخواتها كالغادة المغناجِ
إنشاء عبد خالص لك حبه
…
ومن العبيد مداهن ومداجي
أوى إلى أكناف نعماك التي
…
ليست إليه صلاتها بخداجِ
سباق ميدان البلاغة والوغى
…
لشعاب كل منها ولاجِ
جانبت أخت الزاي فيها عامداً
…
فأتت من الإحسان في أفواجِ
فافتح لها باب القبول وأوّل من
…
أهداكما ما ينبغي من حاجِ
قال ابن الأحمر: وأنشدني أيضاً لنفسه، يمدح أمير المؤمنين المتوكل على الله أبا عنان فارساً ملك المغرب، رحمه الله:
إنَّ قلبي لعهدة الصبر ناكث
…
عن غزال في عقدة السحر نافث
أضرم النار في فؤادي وولى
…
قلائد لا تخف فإني عابث
ورماني من مقلته بسهمٍ
…
ثم قال اصطبر لثان وثالث
كم عذول أتى يناظر فيه
…
كان تعذاله على الحب باعث
ويمين آليتها بالتسلي
…
فقضى حسنه بأني حانث
جبر الله صدع قلب عميد
…
صدعت شمله صروف الحوادث
فهو يهفو إلى البروق ويروى
…
عن نسيم الصبا ضعاف الأحادث
سلبته الأشجان إلاّ بقايا
…
من أمان حبالهن رثائث
وبكاء على عهود مواض
…
ملأت صدره هموما حدائث
لست وحدي أشكو بليه وجدي
…
إنَّ داء الغرام ليس بحادث
يا مضيع العهود والله يعفو
…
عنك إني ارتضيت خطة ناكث
غرني منك الجمال غرور
…
وظبا اللحظ في القلوب عوابث
مقل يقتسمن أعشار قلبي
…
بالرضا مني اقتسام الموارث
كيف غيرت بانتزاحك حالي
…
وتغيرت لي وليس بحارث
فرط حبي وفرط حبك إلاّ
…
أنَّ عينيك بالفتور نوافث
وندى فارس وحسنك ردا
…
قول من قال سد باب البواعث
ملك البأس والندى فهو بالسي
…
فِ وبالسيب عابث أو غائث
محرز المجد والثناء فهذا
…
سائر في الورى وذلك لابث
أوطأ الشهب رجله وترقى
…
صاعدا في سموه غير ماكث
فدرار تسري وما لحقه
…
ونجوم خلف القصور لوابث
وله المقربات لا بل هي العق
…
بان من فوقها الليوث الدلاهث
مطلعات من كل نعل هلالا
…
فلهذا تجلو دجى كل حادث
إنْ توافقن فالجبال الرواسي
…
أو تسابقن فالغيوث الحثائث
والمواضي كأنها قد أعيرت
…
حدة الذهن منه عند المباحث
هي نار محرقات الأعادي
…
وهي ماء مطهرات الخبائث
فبردن بالوغى ذكورا عطاشا
…
ثم يصدرن ناهلات طوامث
من معاليه قد رأينا عيانا
…
كل فضل ينصه من يحادث
خلق كالنسيم مر سحيرا
…
بالأزاهير في البطاح الدمائث
في سبيل الإله يقضى ويدنى
…
ويوالي في ذاته ويناكث
شرف الملك منه سام وحام
…
فقدته سام وحام ويافث
حاكها من بنات كسرى بكرا
…
ليس يسموها من الناس طامث
ذات لفظ لا يعتريه اختلال
…
ومعان لا تنتحيها المباحث
ذوو فريض أبقوا بقايا
…
كنت دون الورى لهن الوارث
من تقتادها فهي هذي
…
عرضة البحث فليكن جد باحث
إنْ السلطان أبا عنان أطل من برج يشاهد الحرب على ما جرت به عادة الملوك فقال ابن جزي هذا في وصف
الحال ما يكاد تعد معارضته من قبيل المحال وهو:
لله يوم بدار الملك مر به
…
من العجائب ما لم يجر في خلد
لاح الخليفة في برج العلا قمرا
…
يشاهد الحرب بين الثور والأسد
ومن بارع نظمه رحمه الله تعالى:
أبا حسن إنْ شتت الدهر شملنا
…
فليس لود بالفؤاد شتات
وإنْ حلت عن عهد الإخاء فلم أزل
…
لقلبي على حفظ العهود ثبات
وهبني سرت مني إليك إساءة
…
ألم تتقدم قبلها حسنات
وهو الذي ألف رحلة ابن بطوطة حسبما هو معلوم.
قال ابن الأحمر: ومن بارع نظمه رحمه الله تعالى قوله وهو بحال مرض:
إنْ يأخذ السقم من جسمي مآخذه
…
وأصبح القوم من أمري على خطر
فإنَّ قلبي بحمد الله مرتبط
…
بالصبر والشكر والتسليم للقدر
فالمرء في قبضة الأقدار مصرفه
…
للبرء والسقم أو للنفع والضرر
وحكى لي غير واحد أنَّ الفقيه الكاتب القاضي الحاج الرحال إسحاق ابن الحاج النميري بقي في خلوته جميع شهر رمضان المعظم من عام سبعة وخمسين وسبع مائة فلما خرج يوم عيد الفطر أنشده سيدي أبو عبد الله بن جزي المذكور لنفسه يخاطبه:
ما سرار البدور إلاّ ثلاث
…
فلماذا أرى سرارك شهرا
أتعجلته سرورا لعام
…
ثم تبقي في سائر العام بدرا
وحكى أنَّه كتب رحمه الله للرئيس الكاتب أبي القاسم بن رضوان يطلب منه شراب سكنجبين وقصد التصحيف بقوله: أحسن زان بيتك نجيب تسر به برء مرضى.
تصحيفه: أحب شراب سكنجبين شربه برء مرضى.
قال فجاوبه ابن رضوان بقوله: إنَّ برء نفيس تصحيفه مقلوبا: يشفيك ربنا.
وتذكرت بهذا ما وقع للرئيس ابن الجياب فإنه أهدى له الفقيه ابن قطبة رمانا ثم دخل عليه عائدا فلما رآه قال له: يا فقيه نعم بالهدنة زمانك أراد: نعمت الهدية رمانك. وكان هذا قبل موته من مرضه بيسير وهو مما يدل على ثقوب ذهنه حتى قرب الموت سامحه الله وغفر له.
ومن نظم أبي عبد الله بن جزي المذكور قوله:
رعي الله عهدا بالمرية لا أرى
…
له أبدا ما عشت في الناس بالناسي
وكيف ترى بالله صحبة معشر
…
مجاهد بعض منهم وابن عباس
ومن ذلك قوله رحمه الله في الزاوية التي أنشأها أبو عنان وهو مكتوب عليها إلى قرب هذا التاريخ:
هذا محل الفضل والإيثار
…
والرفق بالسكان والزوار
دار على الإحسان شيدت والتقى
…
فجزاؤها الحسنى وعقبى الدار
هي ملجأ للواردين ومورد
…
لابن السبيل وكل ركب ساري
آثار مولانا الخليفة فارس
…
أكرم بها في المجد من آثار
لا زال منصورا اللواء مظفرا
…
ماضي العزائم سامي المقدار
بنيت على يد عبدهم وخديم باَ
…
بهم العلي محمّد بن جدار
في عام أربعة وخمسين انقضت
…
من بعد سبع مئين في الأعصار
ومن بديع نظمه رحمه الله قوله:
وما أنسى الأحبة حين بانوا
…
تخوض مطيهم بحر الدموع
وقالوا اليوم منزلنا الحنايا
…
فقلت نعم ولكن من ضلوعي
وقوله رحمه الله:
ورب يهودي أتى متطببا
…
ليأخذ ثارات اليهود من الناس
إذا جس نبض المرء أودي بنفسه
…
سريعا ألم تسمع بفتكة جساس
وقوله رحمه الله:
من أي أشجان التي جنت الهوى
…
أشكو العذاب وهن في تنويع؟
من وصلي الموقوف أومن هجري ال
…
موصول أو من نومي المقطوع؟
وقوله رحمه الله:
فخدي وجسمي والفؤاد وأدمعي
…
شهود بهم دعوى الغرام تصحح
ومن عجب أنْ رجع الناس نقلهم
…
وكلهم ذو جرحة فيه تقدح
جسمي ضعيف والفؤاد مخلط
…
ودمعي مطروح وخدي مجرح
وقوله رحمه الله:
يا محيا كتب الحسن به
…
أحرفا أبدع فيها وبرع
ميم ثغر ثم نون حاجب
…
ثم عين هي تتميم البدع
أنا لا أطمع في وصلك لي
…
وعلى وجهك مكتوب منع
قال ابن الأحمر: ومن إنشاء البارع موريا بالكتب ورفعها لأمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان فارس رحمه الله يهنئه بإبلال ولده وولي عهده الأمير أبي زيان محمّد بن مرض:
ماذا عسى أدب الكتاب يوضح من
…
خصال مجدك وهو الزاهر الزاهي
وما الفصيح بكليات موعبا
…
كاف فيأتي بإنباء وإنباه
أبقى الله مولانا الخليفة ولسعادته القدح المعلى ولزاهر كماله التاج المحلى تجلى من حلاه نزهة الناظر ويسير بعلاه المثل السائر ويتسق من ثناه العقد المنظم ويتضح بهداه القصد الأمم ولا زالت مقدمات النصر له مبسوطة
ومعونة السعد بإرشاته منوطة وهدايته متكفلة بإحياء علوم الدين وإيضاح منهاج العابدين وإرشاده يتولى تنبيه الغافلين ويأتي من شفاء الصدور بالنور المبين وميقات الخدمة ببابه مطمح الأنفس وملخص الجود من كفة بغية المتلمس قد حكم أدب الدين والدنيا بأنك سراج الملوك لمّا أتته عوارفك بالمشرع السلسل ومعارفك بنظم السلوك ووضحت معالم مجدك وضوح أنوار الفجر وزهت بعدلك المسالك والممالك زهو خريدة القصر فلك في جمهرة الشرف النسب الوسيط ومن جمل المآثر الخلاصة والبسيط وسبل الخيرات لها برعايتك تيسير ومحاسن الشريعة لها بتحصيلك تحبير وأنت حجة العلماء الذي تقصر عن قصي مآثره فطن الأذكياء إنْ أنبههم التفسير ففي يديك ملاك التأويل أو اعتاص تفريع الفقه فعندك فضل البيان له والتحصيل وإنْ تشعب التاريخ فلديك استيعابه أو تطاول الأدب ففي إيجاز بيانك اقتضابه وإنْ ذكر الكلام ففي انتقائك من برهانه المحصول أو المنطق ففي موجز أماليك لبابه المنخول وليس أساس البلاغة إلاّ ما تأتي به من فصل المقال ولا جامع الخير إلاّ ما حزته في تهذيب الكمال ولذلك صارت خدمتك غاية المطلوب وحبك قوت القلوب وغزو أنْ كنت من العلياء درتها المكنونة فأسلافك الكرام هم جواهرها الثمينة بحمامتهم أصيب مقاتل الفرسان وبجود جودهم تسني ري الظمآن وبتسهيل عدلهم وضحت شعب الإيمان وأنت المنتقى من سمط جمانها والواسطة في قلائد عقيانها عنك تؤثر سيرة الاكتفاء وعن فروعك السعداء تروى أخبار نجباء الأنباء فهم لمملكتك العلية بهجة مجالسها وانس مجالسها وقطب سرورها ومطالع نورها وولي عهدك درتهم الخطيرة وذخيرتهم الأثيرة
لا زال كمال سعادته بطول مقامك محكما وحرز أمانيه بالجمع بين الصحيحين: حبك ورضاك معلما وقد وجبت التهنئة بما كان في حيلة برئه من التيسير وما تهيأ في استقامه قانون صحته من نجح التدبير ولم يكن إلاّ أنْ بعدت به عنك المسالك وأعوز نور طرفه تقريب المدارك وتذكر ما عهده من الإيناس الموطأ جناية عند فضل مالك فوري من شوقه سقط الزند والتهب في جوانح القبس الوجد فأمددته من دعائك الصالح بحلية الأولياء فظفر لمّا شارف مشارق الأنوار من حضرتك بالشفاء وقد حاز إكمال الأجر بذلك العارض الوجيز وكان كتشبيب الإبريز وهاهو قادم بالطالع السعيد آئب بالمقصد الأسنى من الفتح والتمهيد يطلع بين يديك طلوع الشهاب ويبسم عن مفصل الثناء في الهناء بذلك زهر الآداب فأعد له تخفة القادم من إحسانك الكامل واخصصه بالتكملة من إيناسك الشامل فهو الكواكب الدرى المستمد من أنوارك السنية وفي تهذيب شمائله أيضاح للخلق الكريمة الفارسية لا زالت تزدان بصحاح مآثرك عيون الأخبار وتتعطر بنفحة الزهر من ثنائك روضة الأزهار وتتلى من محامدك الآيات البينات وتتولى عليك الألطاف الإلهيات بمن الله وفضله.
والسلام عليكم يعتمد المقام العلي ورحمة الله وبركاته. انتهى.
وقد قال أبو عبد الله بن جزي المذكور رحمه الله عدة قطع يوري فيها بأسماء الكتب منها قوله:
ظبي وهو الكامل في حسنه
…
وثغره أبهى من العقد
جماله المشرق لكنها
…
أخلاقه تحكي صبا نجد
وقوله رحمه الله:
لك الله من خل حباني برقعة
…
حبتني من آياتها بالنوادر
رسالة رمز في الجمال نهاية
…
ذخيرة نظم أتحفت بالجواهر
وقوله رحمه الله:
قصتي في الهوى المدونة الكب
…
رى وأخبار عشقي المبسوطة
حجتي في الغرام واضحة إذ
…
لم تزل مهجتي بوجد منوطة
أقول: ما أبدع هذا الفصل الذي حبره هذا الحبر في فن التورية وشاهده على استحقاق مبرز عدل لا يحتاج إلى تركية.
وتذكرت بهذه التورية بأسماء الكتب قول بعض الأكابر وأظنه الشيخ الكاتب أبا محمّد عبد المهيمن الحضرمي لأن الكاتب أبا إسحاق بن الحاج النميري رحمه الله قال حسبما وجدت بخطه ما نصه: أنشدني شيخنا الإمام أبو محمّد لنفسه:
من أغتدي موطأ أكنافه
…
صح له التمهيد في أحواله
وقابل استذكاره بالمنتقي
…
من رأيه المختار من أعماله
وأضحت المسالك الحسنى له
…
تدني تقصيا قصي آماله
وسار من مشارق الأنوار في
…
أدنى المدارك أو إلى إكماله
ثم قال أبو إسحاق بن الحاج المذكور: ولمّا وقف على ذلك صاحبنا الفاضل العالم أبو عليّ حُسَين بن صالح بن أبي دلامة أنشدني له هذه الأبيات وزاد ذكر القبس والمعلم:
قل للموطأ للورى أكنافه
…
بشرى بالتمهيد في الأحوال
وإذا اكتفى بالمنتقي استذكاره
…
وفي له المختار في الأعمال
ومسالك الحسنى تؤديه إلى
…
أقصى التقصي من قصي الآمال
ويلوح من قبس الهداية رشده
…
من معلم التفصيل والإجمال
انتهى كلام ابن الحاج.
ومن هذا المعنى قول الوزير أبي عبد الله بن الخطيب:
وظبي لأوضاع الجمال مدرس
…
عليم بأسرار المحاسن ماهر
أرى جيده نص المحلى وقررت
…
ثناياه ما ضمت صحاح الجواهر
وقول ابن خاتمة:
ومعطر الأنفاس يبسم دائما
…
عن در ثغر زانه ترتيب
من لم يشاهد منه عقد جواهر
…
لم يعر ما التنقيح والتهذيب
ومن قول ابن خاتمة أيضاً:
سفهني عاذلي عليه
…
وقال لي وده عليل
فقلت معتل أو صحيح
…
يودعه عينه الخليل
وقال بعضهم:
حاز الجمال بصورة قمرية
…
تجلو عليك مشارق الأنوار
وحوى الكمال بسيرة عمرية
…
تتلو عليك مناقب الأبرار
ولنرجع إلى نظم ابن جزي فنقول: وانشد في الإحاطة لأبي عبد الله بن جزي المذكور:
تلك الذؤابة ذبت من شوقي لها
…
واللحظ يحميها بأي سلاح
يا قلب فانج يوما إخالك ناجيا
…
من فتنة الجعدي والسفاح
وقوله رحمه الله تعالى:
وعاشق صلى ومحرابه
…
وجه غزال ظل يهواه
قالوا تعبدت فقلت نعم
…
تعبدا يفهم معناه
وقوله رحمه الله:
نصب الحبائل للورى بالحسن إذ
…
رفع اللثام وذيله مجرور
وأماله عني العواذل ضلة
…
فهو المحال وقلبي المكسور
وقوله رحمه الله:
لا تعد صنفك إنْ ذهبت لصاحب
…
تعتده لكن تخير وانتق
أوما ترى الأشجار مهما ركبت
…
إنْ خوالفت أصنافها لم تعلق
انتهى.
ولنختم ما أوردنا من نظمه بقوله:
أيتها النفس قفي عندما
…
ألزمت فعلا كان أو قولا
فمن يكن يرضى بما ساءه
…
أو سره فهو له الأولى
لا يترك العبد وما شاءه
…
إلاّ إذا أهمله المولى
وقوله رحمه الله:
لولا ثلاث قد شغفت بحبها
…
ما عفت في حوض المنية موردي
وهي الرواية للحديث وكتبه
…
والفقه فيه وذاك حسب المهتدي
ولنعد إلى ذكر حازم فنقول: كان أبو حسن حازم والكاتب الفقيه المحدث أبو عبد الله بن الأبار فرسا رهان في ميدان الآداب وقد جمعها الزمان وتعلقهما من الدولة الحفصية بأهداب.
وإذ قدمنا نبذة من أخبار أبي الحسن حازم فلا بأس أنْ نتبعها بمثلها من أخبار الإمام ابن الأبار.
وهو الفقيه الأجل الكاتب الحافل الراوية المحدث الفاضل الناقد البارع الحافظ الكامل أبو عبد الله محمّد بن عبد الله القضاعي البلنهسي المعروف بابن الآبار.
قال قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون في تاريخه الكبير الموسوم بديوان العبر وكتاب المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي لسلطان الأكبر ما نصه: