الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن شعره:
أخو العلم حي خالد بعد موته
…
وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ماش على الثرى
…
يظن من الأحياء وهو عديم
ذكر في جمع الجوامع. انتهى كلام السيوطي في الطبقات.
ترجمة ابن السيد البطليوسي للفتح بن خاقان
.
ورأيت تأليفا بديعا للفتح صاحب القلائد والمطمح ضمنه التعريف بهذا الإمام ابن السيد خاصة وهأنا أورده بجملته لغرابته وفصاحته وبلاغته وإنْ كان فيه بعض ما هو من قبيل الهزل الذي الإعراض عند أول وقد جرت عادة الأشياخ بذكر مثل ذلك وحسبك ما ذكره الإمام السيوطي آنفا في حق ابن السيد. وقد اغتفر الناس المقامات مع ما فيها من سخيف المقالات والأعمال بالنيات.
قال ذو الوزارتين الكاتب أبو نصر الفتح بن عبيد الله المعروف بابن خاقان رحمه الله: أما بعد حمد الله الذي جعل الليل لباسا وأزال عن قلوبنا شكا والتباسا
وأرانا من الهدى منارا وجعل لنا من الشجر الأخضر نارا وخلقنا أطوارا وأطلع لنا شموسا وأقمارا تدل على حكمته ويستدل بها على مقدار نعمته.
والصلاة على نبيه الذي بعثنا من مرقد الضلالة وجلى عنا غياهب الجهالة فظهر الرشاد بعد احتجابه وتوارى الغي في حجابه صلى الله عليه وسلم تسليما.
فإني لمّا فرغت من الكتاب الذي أبديت به للإحسان مبسما وجعلته لمحاسن الثمان موسما وجلوت فيه أبكار المفاخر وعونها وخصصت به نكت المآثر وعيونها وشعشعت فيه المحاسن وروقتها وفتقت فيه كمائم البدائع وشققتها حتى أتت أزهى من الحديقة وأبهى من ملك النعمان بين الشقيقة يتمنى السحر أنْ يحلها والعيون النجل أنْ تكحلها فصارت به لأهل الأندلس السن مفتخرة وانتشرت لمعاليهم عظام نخرة ورأيت فيه فضل الأواخر على الأوائل وجريت به أمام سبحان وائل وملكت بسببه كل قياد وتركت ورائي قس أياد وكان لي فيه أمل ثناني أنْ يجلى وعداني أنْ ينص ويتلى فطويته طي السجل ولويته لي محيا الخجل وتركته كالبدر في السرار وأخفيته كما خفى في الغمد ماضي الغرار والخواطر تهيم به أعظم هيم وتستمطره أستمطار المحل المديم والنفوس تتشوف إليه تشوف الضال للمرشد والآذان تصيخ إليه إصاخة الناشد للمنشد وأنا أجعل لقاحه حيالا ولا أريه طيف ولا خيالا ثم خشيت أنْ يكسو الزمان جوهره عرضا ويتخذ الحدثان بدره عرضا فتمحى من وجهه الزمان غرته وتسقط عن جبين الدهر درته ومالمح منه عنان ولا شيم منه ما فيه سلوان فتذوب النفوس عليه عيون الذكاء بعد رمدا فرأيت أنْ أستخرج من أخباره دلالة اللفظ على المعنى واللحظ على المغنى وينبئ عنه إنباء
النسيم على الزهر ويشير إليه إشارة الشاطئ إلى النهر.
ولمّا كان الفقيه الأجل أبو محمّد عبد الله بن السيد أدام الله علوه تاج مفرقه وهلال أفقه ومهب نفح صواره ومحلى أنواره ومجلى أنجاده وأغواره وأنت قد أحكمت نسق أخباره وسردها وفوفت مطرفها وبردها وأطلقتها قمرا وجعلتها سمرا إذ هو أزخر علمائنا بحرا وأوسعهم نحرا وأحسنهم خواطرا وأكسبهم مواطرا وأسيرهم أمثالا وأعدمهم مثالا وأصدقهم لسانا وأعمهم إحسانا وأرفعهم راية وأبعدهم راية وأبعدهم غاية ومحاسنه أعذب جماما وأصفى غماما وأظهر إعجازا وأحسن صدورا وأعجازا رأيت أنَّ أفرد كتابا في أخباره وأجرد ذبابا في إعظامه وإكباره ليبين به فضل من ضمنته تصنيفي ويعلم بأخباره ما أودعت عن تأليفي ويرى أنه قطرة من غمام ودرة من نظام وصبح يدل على النهار ونفح صدر عن حقائق وأزهار.
والله المولى العون والكيل بالكلاءة والصون لا رب غيره.
الفقيه الحافظ الإمام الأوحد أبو محمّد هو عبد الله بن محمّد بن السيد البطليوسي وشلب بيضته ومنها كانت حركة أبيه ونهضته وفيها كان قرارهم ومنها نم آسهم وعرارهم ونسب إلى بطليوس امولده بها ومن حيث كان فقد طبق الأرض علما وملأها ذكاء وفهما.
وأنا أقول: لو أنَّ للأيام ألسنا ناطقة وأوصافا متناسقة تردد فنون بيانهاكالطير ترجع على أفنانها ما جرت إلى إنصافه ولا درت بعض أوصافه ولو أني أمددت ببيان سحبان وأيدت تأييد لسان حسان وأغراني
ابن صوحان الفصاحة وعلمني خالد صفوان إيضاحه لمّا أعربت عن مقداره الرفيع ولا أغربت بما له من التعظيم والترفيع فكيف بلسان قد فل غراره وبنان قد ذوى رنده وعراره وخاطر قد ارتمى في لجج الأخطار ووخز بأطراف القنا الخطار فما تذل له عصي إحسانه ولا تحل النوائب عقدة لسانه فحسبي أنْ أقتصر من وصفه على لمحة وأعطر من عرفه بنفحة فأقول: إنَّه ضارب قداح العلوم ومجيلها وغرة أيامنا البهية وتحجيلها لو أدركه قيس لمّا قضى للحلم وترا ولا شفعا ولو عاصره ابن العاصي لمّا ادعى ضرا ولانفعا حلب الدهر أشطره وتلا حروفه وأسطره وخذم الياسات وعلم طرق السياسات ونفق وكسد ووقف وتوسد. وهو اليوم شيخ المعارف وإمامها ومن في يديه مقودها وزمامها لديه تنشد ضوال الأعراب وتوجد شوارذ اللغات والأعراب إلى مقطع دمث ومنزع من النفاسة غير منتكث وندى خرق به العوائد وأورق في يد الرائد وعفاف كف حتى عن الطيف وحكى المحرمين بالخيف ولقد نزلت منه بالتقى الطاهر ولقيت منه ما لقي عوف بن محلم من ابن طاهر ورأيت نار مكارمه تتألق وبت كأنما على النار الندى والمحلق وله تحقيق بالعلوم الحديثة والقديمة وتصرف في طرقها المستقيمة ما خرج بمعرفتها عن مضمار شرع ولا نكب عن أصل للسنة ولا فرع. وتواليفه
في الشروحات وغيرها صنوف وهي اليوم في آذان الأيام شنوف. فمنها المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس والاقتضاب في شرح أدب الكتاب. وكتاب التنبيه على السبب الموجب لاختلاف العلماء في اعتقاداتهم وآرائهم وسائر أغراضهم وأنحائهم وغير ذلك مما يشتمل عليه هذا الموضوع ويخفيه ويوقف على تفسيره فيه.
وقد أثبت من محاسنه التي تدور جريالا ويصير الحبر بقصتها نيالا وما ينشي ويسكر وبحمده الوسمي المبكر.
فمن ذلك أنَّه حضر مع القادر بالله بد ذي النون بمجلس الناعورة بطليطلة في المنية المتناهية البهاء والإشراق المباهية لزوراء العراق التي ينفح شذاها العطر ويكاد من الغضارة يمطر والقادر بالله رحمه الله قد التحف الوتار وارتداه وحكم العقار في جوده ونداه والمجلس يشرق كالشمس في الحمل ومن حواه يبتهج كالنفس عند منال الأمال والزهر عبق وعلى ماء النهر مصطبح ومغتبق والدولاب يئن كناقة إثر حوار أو كثكلى من حر الأوار والجو قد عنبرته أنواؤه والروض قد بللته أنداؤه والأسد قد فغرت أفواهها ومجت أمواهها فقال رحمه الله يصف الحال:
يا منظرا إنْ رمقت بهجته
…
أذكرني حسن جنة الخلد
تربة مسك وجو عنبر
…
وغيم ند وطش ما ورد
والماء كاللازورد قد نظمت
…
فيه اللآلئ فواغر الأسد
كأنما جائل الحباب به
…
يلعب في حافتيه بالنرم
تراه يزهى إذا يحل به ال
…
تادر زهو الكعاب بالعقاد
تخاله إنْ بدا به قمرا
…
تما بدا في مطالع السعد
كألأنما ألبست حدائقه
…
ما حاز من شيمة ومن مجد
كأنما جادها فروضها
…
بوابل من يمينه رغد
لا زال في عزة مضاعفة
…
ميمم الرفد واري الزند
وله يصف فرسا وهو مما أبدع في التمثيل له والتشبيه ونبه خاطره فيه أحسن تنبيه وخلع عليه شيات لاحق والوجيه وعمه بالمحاسن وتوج ونسبة إلى الخاطر أعوج:
وأقب من آل الوجيه ولاحف
…
قيد العيون وغاية المتمثل
ملك النواظر والقلوب بحسنه
…
فمتى ترق العين فيه تسهل
ذو منخر رحب وزور ضيق
…
وسماوة خضب وأرض ممحل
قصرت له تسع وطالت أربع
…
وصفت ثلاث منه للمتأمل
وتراه أحيانا لعزة نفسه
…
يرنو بلا قبل بعين الأقبل
وكأنما سال الظلام بمتنه
…
وبدا الصبح بوجهه المتهلل
ز كأن راكبه على ظهر الصبا
…
من سرعة أو فوق ظهر الشمأل
وله يصف فرسا للظافر عبد الرحمن بن عبيد الله بن ذي النون رحمه الله:
وأدهم من آل الوجيه ولاحق
…
له الليل لون والصبح حجول
تحير ماء الحسن فوق أديمه
…
فلولا التهاب الخصر ظل يسيل
كأن هلال الفطر لاح بوجهه
…
فأعيننا شوقا إليه تميل
كأن الرياح العاصفات تقله
…
إذا ابتل منه محزم وتليل
إذا الظافر الميمون في متنه علا
…
بدا الزهو في الطفين منه يجول
فمن رام تشبيها له قال موجزا
…
وإنْ كان وصف الحسن منه يطول
هو الفلك الدوار في صهواته
…
لبدر الدياجي مطلع وأوفل
وما أبدع قوله في وصف الراح والحض على النبذ للهموم والاطراح بمعاطاة كئوسها وموالاة تأنيسها ومعاقرة دنانها واهتصار ثمار الفتوة وأفنانها والإعراض عن الأيام وأنكادها والجري في ميدان الصهوة إلى أبعد آمادها:
سل الهموم إذا نبا زمن
…
بمدامة صفراء كالذهب
مزجت فمن در على ذهب
…
طاف ومن حبب على لهب
وكأن ساقيها يثير شذا
…
مسك لدى الأقوام منتهب
ولله هو فقد ندب إلى المندوب وذهب إلى داواة القلوب من الندوب وإبارئها من الآلام وإهدائها كل تحية وسلام وابهاجها بآصال وبكر وعلاجها من هموم وفكر في زمن حلى عاطله وجلى في أحسن الصور باطله ونفقت محالاته وطبقت أرضه وسماءه استحالتها فليبد كأسد وذيبه مستاسد وأحفاسه تنمر وبعاثه قد استنسر استراحة إلاّ في معاطاة حميا ومؤاخاة وسيم المحيا وقد كان ابن عمار ذهب مذهبه وفضضه بالإبداع وذهبه حين دخل سرقسطه ورى غباره أهلها وتكاثف جهلها وشاهد منها من لا يعلم معنى ولا فصلا وواصل من لا يعرف قطعا ولا وصلا فأقبل على راحة يتعاطاها
وعكف عليها ما تعداه ولا تخطاها حتى بلغه أنهم نقموا معاقرته للعقار وجالت ألسنتهم في توبيخه مجال ذي الفقار فقال:
نقمتم على الراح أدمن شربها
…
وقلتم فتى راح وليس فتى مجد
ومن ذا الذي قاد الجياد إلى الوغى
…
سوى من أعطى الكثير ولم يكد
فديتكم لم تفهوا السر إنما
…
قليتكم جهدي فأبعدتم جهدي
ودخل ليلة إلى مجلس قد احتشد فيه الأنس والطرب وقرع السرور نبعه بالغرب ولاحت نجوم أكواسه وفاح نسيم رنده وآسه وأبدت صدور أباريقه أسرارها وضمت عليه المجالس أزرارها والراح يديرها أهيف وأوطف والأماني تجنى وتقطف فقال:
يا رب ليل قد هتكت حجابه
…
بمدامة وقاد كالكواكب
يسعى بها أحوى الجفون كأنها
…
من خده ورضاب فيه الأشنب
بدران: بدر قد أمنت غروبه
…
يسعى ببدر جانح للمغرب
فإذا نعمت برشف بدر غارب
…
فانعم برشفة طالع لم يغرب
حتى ترى زهر النجوم كأنها
…
حول المجرة ربرب في مشرب
والليل منحفز يطير غرابه
…
والصبح يطرده أشهب
وقال يمدح بعض الأعيان وهي قصيدة اشتملت على المحاسن اشتمال الليل وانفردت بالمحاسن انفراد سهيل ودرت فيها أخلاف الإبداع وزرت عليها جيوب الانقطاع وأفصح لسان الإحسان وسح عليها عنان الأفتنان فجاءت بالأغراب محفوفة ولاحت كالخريدة المزفوفة.
وسمعت السيئ الاعتقاد الغبي الفهم والانتقاد الكافر الملحد النافر لمن يعظم الله ويوحد الذي ما نطق متشرعا ورمق متورعا ولا أقر بباريه ولا قر عن جريه في ميدان الغي وتباريه بدعى مدحه ويقول: أنَّه إليه بعث نفحها وإنَّه الذي افتض عذرتها وقطف زهرتها. وحاشا لقائلها أنْ يمدح المذموم وينضح بكوثرها نفح سموم أو يشرف بها وضيعا ويرضع ثديها من غذا للؤم رضيعا وهي:
أما إنَّه لولا الدموع الموامع
…
لمّا بان مني ما تجن الأضالع
وكم هتكت ستر الهوى أعين ألمها
…
وهاجت لي الشوق الديار اللاقع
خليلي مالي كلما لاح بارق
…
تضلى الحشا وارفض مني المدامع
هل الأفق في جبيني بالبرق لامع
…
أم المزن في جفني بالودق هامع
ففي القلب من نار الشجون مصايف
…
وفي الخد من ماء الشئون مرابع
وما هاج هذا الشوق إلاّ مهفهف
…
هو البدر أو بدر الدجى منه طالع
إذا غاب يوما فالقلوب مغارب
…
وإنْ لاح يوما فالجيوب مطالع
يضرج خديه الحياء كأنما
…
بخديه من فتك الجفن وقائع
رماني عن قوس المحاجر لحظه
…
بسهم غدا من مهجتي وهو وادع
وما زلت من ألأحاظه متوقيا
…
ولكنه ما حم لا بد واقع
يرق فتور اللحظ منه كأنه
…
إلى قلبه من قسوة الهجر شافع
كما رق بالآداب طبع محمّد
…
فحاكت لمى الأحباب منه الطبائع
رخيم حواشي الطرف حلو كأنه
…
سجايا أيام السرور الرواجع
أبا بكر استوفيت زهر محاسن
…
تنافسها زهر النجوم الطوالع
قدحت زنادا من ذكائك لم يزل
…
ينير فتعشى البارقات اللوامع
وما ذلك عن نيل لذيك رجوته
…
فيصدق ظن أو يكذب طامع
ولا أنا ممن يرتضي الشعر خطه
…
فتجذبه نحو الملوك المطالع
ولكن قلبا بين جنبي قد غدا
…
يجاذبني فيك الهوى وينازع
طوى لك من محض الوداد كمائنا
…
تبدت لها فوق اللسان طلائع
أنَّ أزعم في نظم البديع ولم يزل
…
لك السبق فيه والورى لك تابع
وأي مقال لي وقولك سائر
…
وأي بديع لي ومنك البدائع
وقال يتغزل وتصرف فيه غيلات مي ووصف كل حواء وحي وذكر العشق وارتاد الإبداع حتى عدا به مصره فأجاد معانيه وأشاد مبانيه:
تأوبه من همه ما تأوبا
…
فبات على جمر الأسى متقلبا
مرت مزن عينيه غداة تحملوا
…
عواصف ريح الشوق حتى تصببا
دموع هتكن الستر عن مضمر الجوى
…
وأبدين من سر الهوى ما تغيبا
حليلي مالي كلما لا بارق
…
تذكرت برقا بالعقيق وزينبا
أؤنس بالنائين نوما مشردا
…
وأطمع بالثاوين قلبا معذبا
ومن لي برد الخل إذ جدت النوى
…
به وبوصل الحبل أنْ يتقضبا
أفي كل حين أمترى غرب مقلة
…
أبى الوجد إلاّ أنْ تجود فتغربا
إذا عن لي ظبي بوجرة شادن
…
تذكرت من عنى الفؤاد وعذبا
وأرتاح للأرواح من نحو أرضها
…
وتثني عنان للصبا نفحة الصبا
ولولا التهاب الشوق بين جوانحي
…
لأمرع خدي بالدموع وأعشبا
ألا قاتل الله الهوى كيف قادني
…
إلى مصرعي طوعا وقد كنت مصعبا
وما كنت أخشى أنْ أبيت معذبا
…
بعذب رضاب من حمى الثغر أشنبا
وخذ الاقي دون شم رياضه
…
من اللحظ هنديا وللصدغ عقربا
أجدك لم تبصر تألق بارق
…
يجد نشاطا في ذرى الأفق أهدبا
إذا ما بدا في الجو أحمر ساطعا
…
حسبت الظلام ابنوسا مذهبا
كأن رياض الحو غب سمائه
…
تردين وشي العبقري المخلبا
كأن الشقيق والفجر ساطع
…
خدود زهاها الحسن أنْ تتنقبا
تمتع بريعان الشباب وظله
…
فلا بد يوما أنْ يبينا ويذهبا
فما العيش إلاّ أنْ تروح وتغتدي
…
محبا براه سقمه أو محببا
وكتب إلى الكاتب أبي الحسن راشد يستدعيه إلى مجلس قد لاحت قد لاحت شموس مدامه وارتاحت نفوس ندامه وتأودت تأود الغصون قدود خدامه:
عندي مشكود من الخمر مبق
فيه مني مصطبح ومغتبق
يحكي شذا المسك إذا المسك فتق
كأنه من خلقك الحلو خلق
كأنما كئوسه تحت الغسق
في راحة الساقي نجوم تأتلق
تخالها وهي تلظي كالحرق
أحشاء صب ملئت من الحرق
ترى لدى المزج إذا الماء انفق
فيها حبابا لاح كالدر النسق
وأنت أنسي والمفدى بالحدق
فاطلع طلوع القمر التم اتسق
في يومنا هذا إذا الظهر نطق
يا راشدا إذا دجى الغي غسق
وماجدا حاز السبق السبق
لله معنى طابق اسما لك حق
توافقا فيك إذا الاسم اتفق
فراجعه راشد:
لبيك من داع إلى العيش الغدق
في سجسج من ظله غض الورق
ندير صفو الراح صرفا قد عتق
وشبهها لونا وطعما وعبق
وكان يجلى في ملاء من فلق
تحسده من حسنه بيض السرق
ثم كساه السهد ثوبا من شفق
بل من إياة الشمس من غير رنق
كأنه من خد من أهوى استرق
كأنه بريقه العذب فتق
فجاء يشفي من جوى ومن حرق
أحلى من الأمن أتى بعد الفرق
رضيته مصطبا ومغتبق
على رياض أدب ذات أنق
أجين ما أهوى وأذهبن القلق
عند فتى ندب عبير الخلق
مؤتزر بالمكرمات منتطق
إنْ قال قدسدت الورى قيل صدق
وقال يصف مجلس أنس وتصرف في وصفه سقاته وإقبال الصبح لميفاته ومدح الراح بأحسن أسمائها وطلوع الفجر هازما لدجى ليلتهم وظلمائها وإيقاظ أصحابه من نومه وترغيبه لهم في اصطباح يومهم:
صاح بنه كل صاح يصطبح
…
فضلة الزق الذي كان اغتبق
قهوة تحكي الذي في أضلعي
…
من جوى الحب ومن لفح الحرق
بيدي ساق ترى في طوقه
…
بدر تم في تجلى في غسق
خلتها إذ غربت في قغره
…
شمسها أبقت بخديه شفق
أفرغ الماء عليها فحكت
…
ذائب الإبريز أو ذوب ورق
إنْ مسك الليل قد أعقبه
…
من سنى الإصباح كافور عبق
فكأن الفجر عين تفجرت
…
وكأن الليل زنجي غرق
وكأن الأنجم الزهر مها
…
راعه السرحان صبحا فاقترق
وقال في الزهد وهو غرض قد أكثر القول فيه والضارعة لباريه وراش أنواعه وبرى وجلب فنونه ومرى وذلك مما يدل على ورعه وصفاء منهله التقي ومشرعه فكثيرا ما يعلن به ويسر ويطلع على لسانه متمما ولا يستسر:
إلهي إني شاكر لك حامد
…
وإني لساع في رضاك وجاهد
وإنك مهما زلت النعل بالفتى
…
على العائد التواب بالعفو عائد
تباعد مجدا وانيت تعطفا
…
وحلما فأنت المدني المتباعد
ومالي على شيء سواك معول
…
إذا دهمتني المعضلات الشدائد
أغيرك أدعو لي إلها وخالقا
…
وقد أوضح البرهان أنك واحد
وقدما دعا قوم سواك فلم يقم
…
على ذاك برهان ولا لاح شاهد
وبالفلك الدوار قد ضل معشر
…
وللنيرات السبع داع وساجد
وللعقل عباد وللنفس شيعة
…
وكلهم عن منهج الحق حائد
وكيف يضل القصد ذو العلم والنهى
…
ونهج الهدى من كان نحوك قاصد
وهل في التي طاعوا لها وتعبدوا
…
لأمرك عاص ولحقك جاحد
وهل يوجد المعلول من غير علة
…
إذا صح فكر أو رأى الرشد راشد
وهل غبت عن شيء فينكر منكر
…
وجودك أم لم تبد منك الشواهد
وفي كل معبود سواك دلائل
…
من الصنع تنبني أنَّه لك عابد
وكل وجود عن وجودك كائن
…
فواجد أصناف الورى لك واجد
سرت منك فيها وحدة لو منعتها
…
لأصبحت الأشياء وهي بوائد
ومولك في خلق الورى من دلائل
…
يراها الفتى في نفسه ويشاهد
كفى مكذبا للجاحدين نفوسهم
…
تخاصم إنْ أنكروا وتعاند
وقال يمدح الظافر عبد الرحمن بن عبيد الله بن ذي النون وهو مدح طايق الممدوح ووصف شاكله كالروض والغمام السفوح فنظم الدر بأبهى جيد ولد الفخر أعلى مجيد ووضع العلق في يدي مميزه وأجرى الجواد في ميدان مجوزه لم يحمل إلى غير موضع نفاق ولا شام به مخيله ذات إخفاق فإنه كان أندى من الغيث وأمضى من الليث وأذكى من الجسام وأبهى من البدر ليلة التمام حتى خاض هولا لم يسر فيه إلى صبح وسلك شعبا لم ينش منه بريح فصافح المنايا وطلع له غير معهود الثنايا والشعر قوله:
لعلكم بعد التجنب والهجر
…
تديلون من بعد وتشفون من ضر
فإن الذي غادرتم بين أضلعي
…
يزيد مر الزمان ويسترشي
ولم تنبكم عني النوى غير أنكم
…
رحلتم من اللجفن القريح إلى الفكر
ومن عجب أني أسائل عنكم
…
ومنزلكم بين الجوانح والصدر
واستعطف الأيام فيكم لعلها
…
تعيد الليالي السابقات كما أدري
وأطمع منها في الوصال ولم أزل
…
عليما بما يؤثر من شيم الغدر
ويوحشني الزمان لنأيكم
…
وإنْ كنت مأنوس الجوانح بالذكر
ولم أنس إذ صدت كما صد شادن
…
غرين من الربعي أوجس من ذعر
تميس كما ماس القضيب على القنا
…
وترنو كما أغضى الشريف من السكر
وما زلت صبا بالغواني تصيدني
…
ذوات الثنايا الغر والأوجه الزهر
وعندي أحشاء ملئن صبابة
…
كألحاط أجفان ملئن من السحر
ولوعة وجد ما تفيق وظمأة
…
لأشنب معسول اللمى طيب النشر
وكم في كناس السمهرية من رشا
…
أغن يقيم العذر في الخلع للعذر
وأهيف يثنيه النسيم إذا جرى
…
فلو شاء من لين تختم في الخصر
وساحرة الألفاظ لو أنها دعت
…
بنغمتها ميتا للبى من القبر
حسرت القناع الستر فيها ولم يكن
…
يطيب النوى يوما لمن دان بالستر
ولله ليل باللوى أبعد الجوى
…
وقرب نحرا من مشوق إلى نحر
فما شئت من شكوى أرق من الهوى
…
وما شئت من نجوى ألذ من الخمر
سرت لم تمس الطيب عجبا بحسنها
…
وقد أفعمت عرض البسيطة بالعطر
فقلت: عبيد الله أو نجله سرى
…
فذكرني ذارين أو بت بالشحر
كأن ضياء الصبح في الليل إذ سرى
…
بصيرة إيمان سرت في عمى كفر
كأن مها في الأفق ريعت وقد بدا
…
لها ذنوب السرحان من وضح الفجر
كأن سنى الشمس المنيرة إذ بدا
…
كسا ورق الإصباح ذؤبا من التبر
وإلاّ فوجه الظافر الملك انجلى
…
فجلى ظلام النقع في الجحفل المجر
عجبت لأيام تداعت خطبها
…
لتثلم من غربي وتقدح في وفري
ولم تدر أني في حمى الظافر الرضا
…
أرد العدى عني بصمصامتي عمرو
حللت جنايا منه مدينة ظلاله
…
علي وأعطاني أمانا من الدهر
جناب بكت فيه غمائم جوده
…
فأضحكن روض المجد عن زهر الشكر
وكم نلت مذ أصبحت ألثم كفه
…
بيمناه من يمن ويسراه من يسر
لدي ملك ما لاح ضوء جبينه
…
بجنح الدجى إلاّ كفى مطلع البدر
ومتقد الآراء جال في الوغى
…
بخاطره أغنى عن البيض والسمر
ولولا اضطرام البأس فيه غدا القنا
…
براحته يهتز بالورق الخضر
أرى عابد الحمن رخمة من قست
…
عليه الليالي أمن من ريع بالفقر
وكعبة آمال كثيرا حجيجها
…
لها حرم فيه مشاعر للشعر
له من حجاه بالسماحة آمر
…
ومن حلمه ناه عن اللغو والهجر
فتى لم يشمر قط إلاّ عنا له
…
عاه وساق الحرب مسبلة الأزار
ولم يعترك بخل بميدان عدله
…
وجدواه إلاّ فاز جدواه بالنصر
أبا عامر زلت للمجد عامرا
…
فإنك وسطى العقد في عنق الفخر
وقمت العدا عني برأفة ماجد
…
وغمر نوال سر إذ ساء ذا الغمر
وأوسعت نعمى ضقت ذرعا بحملها
…
فإن خففت عمري لقد أثقلت ظهري
ولمّا ارتقت بي في سمائك همتي
…
غذا أخمصي فوق النعائم والنسر
فحييت شمس الملك في فلك العلا
…
وشمست سحاب الجود في بارق البشر
أيرجو ضلالا أنْ يناويك حاسد
…
وقد حزت خصل السبق وهو على الإثر
وأرسى عبيد الله بيتك في العلا
…
وطنبه بين السماكين والغفر
وأصبحت كالمأمون تقنو سبيله
…
كأنك موسى تقتفي أثر الخضر
وما علت صبرا حين قلدك العلا
…
وجاء بأمر من بدائعه أمري
فلله ما شادوا وشدت من العلا
…
ولله ما حازوا وما حزت من ذكر
نظمت شتيت الملك بالعدل والتقي
…
وقمت بحق الله في السر والجهر
وجاءك صوم إثر فطر قضيته
…
بحظين من سعد جزيل ومن أجر
وأدبر سقم عنك بشر جسمه
…
بإقبال نعمى واتصال من العمر
سيملا شكرى كل قطر تحله
…
بنشر ثناء عنك أذكى من العطر
وتبقى لكم بين الضلوع محبة
…
ألاقي بها الرحمن في موقف الحشر
وكتب إلى ذي الوزارتين أبي عيسى بن لبون:
قم نصطبح من قهوة بكر
…
حتى نرى صرعى من السكر
أنف تنساها الورى حتى
…
لم تجر في بال ولا ذكر
فترى الدنان وما حوت منها
…
كجوانح طويت على فكر
نفحت فقلت المسك أو ما قد
…
أحيا أبو عيسى من الذكر
لا شيء يحكى طيبها إلاّ
…
شيم عذاب منه أو شكري
ما زلت أخبر من محاسنه
…
قدما بعرف ليس بالنكر
وأحن نحو لقائك طربا
…
كالطير إذ جنت إلى وكر
فالآن شاهدت الذي يحكى
…
ولقيت فيه الفضل للشكر
وكان أبو عيسى ممن رأس وما شف ووكف جوده وما كف وأعاد سوق البدائع نافقه ورفع الآمال راية من الندى خافقة وأوردهم منها جوده معينا وزف لهم من مبراته أبكار وعونا فلما بلغته قوله هذا وسمعه استنبله
واستبدعه؛ وأحضره إلى مجلس نام عنه الدهر وغفل، وقام لفرط أنسه واحتفل؛ قد بانت صروفه، ودنت في الزائرين قطوفه؛ وقال هلم بنا إلى الاجتماع بمذهبك، والاستماع بما شئته ببراعة أدبك؛ فأقاموا يعملون كأسهم، ويصلون إيناسهم؛ وباتوا ليليهم ما طرقهم نوم، ولا عداهم عن طيب اللذات سوم.
ودخل سرقسطة أيام المستعين بالله وهي جنة الدنيا، وفتنة المحيا؛ ومنتهى الوصف وموقف السرور والقصف؛ ملك نمير البشاشة، كثير الهشاشة؛ وملك بهج الفناء، أرج الأرجاء؛ يروق المحتلى، ويفوق النجم المعتلى؛ وحضرة منسابة الماء، منجابة السماء؛ يبسم زهرها، وينساب نهرها؛ وتتفتح خمائلها، وتتوضع صباها وشمائلها؛ والحوادث لا تعترضها، والكوارث لا تقترضها؛ ونازلها من عرس إلى موسم، وآملها متصل بالأماني ومتسم؛ فنزل منها في مثل الخورنق والسدير، وتصرف فيها بين روضة وغدير؛ فلم يخف على المستعين اختلاله، ولم تخف لديه خلاله؛ فذكره معلماً به ومعرفاً، وأحضره منوها له ومشرفاً؛ وقد كان فر من ابن رزين، فرار للسرور من نفس الحزين؛ وخلص من اعتقاله، خلوص السيف من صقاله؛ فقال يمدحه:
هم سلبوني خنس صبري إذ بانوا
…
بأقمار أطواق مطالعها بان
لئن غادروني باللوى إنَّ منجتي
…
مسايرة أظغانهم حيثما كانوا
يقى عهدهم بالخيف عهد غمائم
…
ينازعها مزن من الدمع هتان
أنَّ أحبابنا هل ذلك العهد راجع
…
وهل لي عندكم آخر الدهر سلوان
ولي مقلة عبرى وبين جوانحي
…
فؤاد إلى لقياكم الدهر حنان
تنكرت الدنيا لنا بعد بعدكم
…
وحفت بنا من معضل الخطب ألوان
أناخت بنا في أرض شنت مريةٍ
…
هواجس ظن خن والظن خوان
وشمنا بروقا للمواعيد أتعبت
…
نواظرها دهراً، ولم يهم هتان
فسرنا وما نلوي على متعذر
…
إذا وطن أقصاك آوتك أوطان
ولا زاد إلاّ ما انتشته من الصبا
…
أنوف وحازته من الماء أجفان
رحلنا سوام الحمد عنها لغيرها
…
فلا ماؤها صدا ولا النبت سعدان
إلى ملك حاباه بالمجد يوسف
…
وشاد له البيت الرفيع سليمان
إلى مستعين بالإله مؤيد
…
له النصر حزب والمقادير أعوان
جفتنا بلا جرم كأن مودة
…
ثنى نحوها منها الأعنة شنآن
ولو لم تنفذ منا الشعر وحده
…
لحق لنا بر عليه وإحسان
فكيف ولم نجعل بها الشعر مكسبا
…
فيوجب للمكدى جفاء وحرمان
ولا نحن ممن يرتضى الشعر خطة
…
وإنْ قصرت عن شأوها فيه أعيان
ومن أوهمته غير ذاك ظنونه
…
فثم مجال للمقال وميدان
خليلي من يعدي على زمن له
…
إذا ما قضى حيف علي وعدوان
وهل راء من قبلي غريق مدامع
…
يفيض بعينيه الحيا وهو حران
وهل طرفت عين لمجد ولم تكن
…
لها مقلة من آل هود وإنسان
فوجه ابن هود كلما أعرض الورى
…
صحيفة إقبال لها البشر عنوان
فتى المجد في بردية بدر وضيغم
…
وبحر وقدس ذو الهضاب وثلان
من النفر الشم الذي أكفهم
…
غيوث ولكن الخواطر نيران
ليوث شرى ما زال منهم لدى الوغى
…
هزير بيمناه من السحر ثعبان
وهل فوق ما فد شاد مقتدر لهم
…
ومؤتمن بالله لقياه إيمان
ألا ليس فخري في الورى غير فخرهم
…
وإلاّ فإنَّ الآخر زور وبهتان
فيا مستعينا مستعاناً لمن نبا
…
به وطن يوما وعضته أزمان
كسوتك من نظمي قلائد مفخر
…
يباهى بها جيد المعالي ويزدان
وإنْ قصرت عما لبس فربما
…
تجاور در في النظام ومرجان
معان حكت غنج الحسان كأني
…
بهن حبيب أو بطليوس بغدان
إذا غرست كفاك غرس مكارم
…
بأرضي أجنتك الثنا منه أغصان
وكان عند وصوله إلى ابن رزين قد رفعه أرفع محل وأنزله منزلة أهل العقد والحل؛ وأطلعه في سمائه، وأقطعه ما شاء من نعمائه، وأورده أصفى مناهل مائه، وأخضره مع خواص ندمائه؛ وكانت دولته موقف البيان، ومقذف الأعيان؛ ومحصب جمار الآمال، وأعذب موارد الاجمال؛ لولا سطوته الباطشه، ونكباته البارية لسهام الرزء الرائشة؛ فقلما سلم منها مفاد الأموال، ولا أحمد عقباه معه صاحب ولا وال؛ فأحمد هو أوّل أمره معه، واستحسن مذهبه في جانبه ومنزعه؛ ولم يدر أنَّ بعد ذلك الشهد شرب علقم، وأنَّ السم تحت لسان ذلك الأرقم؛ فقال رحمه الله يمدحه:
عسى عطفة ممن جفاني يعيدها
…
فتقضي لباناتي ويدنو بعيدها
فقد تعتب الأيام بعد عتابها
…
ويمحى بوصل الغانيات صدودها
وكم للصبا عندي يد لست جاحدا
…
لها إنَّ كفران الأيادي جحودها
ليالي أسرى في ليالي غدائر
…
كواكبها حليي المها وخدودها
وأهصر أغصان القدود فتنثني
…
عليّ برمان النحور نهودها
فلله ليل بت فيه كأنني
…
بوجرة أغتال المها وأصيدها
أبيح ثغورا كالثغور ودونها
…
أسنة ألحاظ قناها قدودها
تشابه منها ما حوته مباسم
…
عذاب ولبات يروق فريدها
فإن تك من تلك العقود ثغورها
…
وإلاّ فمن تلك الثغور عقودها
وحمراء حلاها المزاج فخلتها
…
عقيلة خدر زين بالبدر جيدها
بدت في دلاص من حباب وأشرعت
…
سنان انسكاب والكئوس جنودها
فما برحت حتى كأن شروبها
…
من السكر صرعى أنعستها حدودها
ترى شربها جنح الظلام كأنهم
…
بها مصطلوا نار يشب وقودها
إذا أنكحوا من فضة الماء تبرها
…
أتى اللؤلؤ المكنون وهو وليدها
كما أنكحوا البدلا استقامت سعوده
…
هذيلا من الشمس استقامت سعودها
فجاءا بعبد الملك للملوك كوكبا
…
ليحمي سماء المجد ممن يكيدهل
رمى جنة الأعداء لمّا سموا لها
…
بشهب القنا حتى استشاط مريدها
حلفت بعليا عابدا الملك ذي الها
…
وأيد له كالقطر جم عديدها
لئن كان قد أبلت هذيلا يد الدى
…
فإن علاه ليس يبلى جديدها
وإنْ رفعت كفاه قبة مفخر
…
فإنَّ قنا عبد الملك عمودها
فتى أحرز العليا، وحاز مدى الندى
…
فما إنْ له من ريبة يستزيدها
سرى بارق من بشره غير خلب
…
إلى أرض آمالي فأورق عودها
وبوأني من مجده في مكانة
…
سعود النجوم الزاهرات صعيدها
فيا أيها الملى الذي أنا عبده
…
وقدما رجا طول الموالي عبيدها
أصخ نحو حر الشعر من عبد أنعم
…
بدائعه ما زال منك يفيدها
قوافً تروق السامعين كأنما
…
تحلى سجاياك الحسان قصيدها
ولولاك أضحت أرض شنت مريةٍ
…
مناخ خطوب لا ينادى وليدها
وما زلت يقظان الجفون لرعيلها
…
إذا أعين الأملاك طال هجودها
تكف الأذى عن أهلها وتحوطها
…
وتبدي الأيادي فيهم وتعيدها
وقال يرثي الوزير الأجل، أبا عبد الملك بن عبد العزيز، وبنو عبد العزيز بهذا الشرق، هم كانوا بدور غياهبه، وصدور مراتبه، وبحور مواهبه؛ نظمت فيهم المدائح، وعظمت منهم المنائح، ونفقت عندهم أقدار الأعلام، وتدفقت لديهم بحار الكلام؛ وخدمتهم الدنيا وبنوها، وأمنتهم الأيام ولم يأمنوها؛ فرقت جموعهم، وأخلت ربوعهم ونثرت ملكهم ومزقت ملكهم؛ وهدت مشيد بنائهم، واحتلت الحوادث في فنائهم؛ وبقي أبو عبد الملك هذا آخرهم، فأحيا مفاخرهم؛ وكان بدر الأفق وشمسه، وروح هذا القطر ونفسه؛ أبدى لذلك السنى لمعاً، وأعاد من تلك العلا جمعاً؛ إلى أنْ دب إليه الحمام واستسر بدره بعد التمام؛ والقصيدة:
فؤادي قريح قد جفاه اصطباره
…
ودمعي أبت إلاّ انسكابا غزاره
يسر الفتى بالعيش وهو مبيده
…
ويغتر بالدنيا وما هي داره
وفي عبر الأيام للمرء واعظ
…
إذا صح فيها فكره واعتباره
فلا تحسبن يا غافل الدهر صامتاً
…
فأفصح شيء ليله ونهاره
أصخ لمناجات الزمان فإنه
…
سيغنيك عن جهر المقال سراره
أدار على الماضين كأساً فكلهم
…
أبيحت مغانيه وأقوت دياره
ولم يحمهم من أنْ يسقوا بكأسهم
…
تناوش أطراف القنا واشتجاره
وغالت أبا عبد المليك صروفه
…
وقد كان دهراً لا يباح ذماره
فأصبح مجفوراً وقد كان واصلا
…
وأمسى قصيا وهو دان مزاره
ولم أنس إذ أودى الحمام بنفسه
…
فلم يبق إلاّ فعله وادكاره
إذا رقأت عيني استهلت شئونها
…
لمأتم حزن قد أرن صواره
تجاوب هذى تلك عند بكائها
…
كترجيع شول حين حنت عشاره
كأن لم يكن كالمزن يرهب صعقه
…
عدو ويرجى في المحول انهاره
ودوحة عزٍ يستظل بظلها
…
وروضاً من الآداب تجنى ثماره
أما وعلى مروان إنَّ مصابه
…
أثار أسى تذكى على القلب ناره
فلا شرب إلاّ قد تكدر صفوه
…
ولا نوم إلاّ قد تجافى غراره
فأي حياً للفضل أجلى غمامه
…
ونظم العلياء حان انتثاره
خوى المجد من مروان وانهد طوده
…
وجد بجد المكرمات عثاره
وما خلت أنْ الصبح يشرق بعده
…
لعين وإنَّ الروض يبقى اخضراره
فيا طود عز زلزل الأرض هده
…
وبدر علا راع الأنام انكداره
هنيئا للحد ضم شلوك أنْ غدا
…
عميد الندى والمجد فيه قراره
ولم أر دراً قط أصدافه الثرى
…
ولا بدر ثم في التراب مغاره
فيا بني عبد العزيز وإنْ خلا
…
من المجد مغناه وهد مناره
ففيكم لهذا الصدع آس وجابر
…
وإنْ كان صعباً أسوه وانجباره
لكم شرف أرسى قواعد بيته
…
أبو بكر السرى إليكم نجاره
أجل وزير عطر الأرض ذكره
…
وأخجل زهر النيرات فخاره
فلو كان للعلياء جيد ومعصم
…
لأصبح منكم عقده وسواره
ومما يستغرب له ويستبدع، ويشاد بذكره ويسمع ويعد مما ابتكر معناه واخترع؛ قوله في وصف طول الليل عليه، كابد منه ما عظم لديه.
ترى ليلنا شابت نواصيه كبرةً
…
كما شبت أم في الجو روض بهارِ
كأن الليالي السبع في الأفق جمعت
…
ولا فصل فيها بينها لنهارِ
وحضر عند الظافر عبد الرحمن بن عبيد الله بن ذي النون، رحمه الله، مجلساً رفعت فيه المنى لوائها، وخلعت عليه الشمس أضوائها، وزفت إليه المسرات أبكارها، وفارقت إليه الطير أوكارها؛ فقال يصفه:
ومجلس جم الملاهي أزهارا
ألذ في الأجفان من طعم الكرى
لم تر عيني مثله ولا ترى
أنفس في نفس وأبهى منظرا
إذا تردى وشيه المصورا
من حلوك صنعاء وحولك عبقرا
ونسج قرقوب ونسج تسترا
خلت الربيع الطلق فيه نورا
كأنما الإبريق حين قرقرا
قد أم لثم الكاس حين فغرا
وحشية ظلت تناغي جؤذرا
ترضعه الدر ويرنو حذرا
كأنما مج عقيقاً أحمرا
أوفت من رياه مسكاً أذفرا
أو عابد الرحمن يوماً ذكرا
فنم مسكاً ذكره وعنبرا
الظافر الملك الذي من ظفرا
بقربه نال العلاء الأكبرا
لو أنَّ كسرى راءه أو قيصرا
هلل إكباراً له وكبرا
تبدي سماء الملك منه قمرا
إذا حجاب المجد عنه سفرا
يا أيها المنضي المطايا بالسرى
تبغي غمام المكرمات الممطرا
وقال رحمه الله:
يغلو لساني فيكم وما أفك
فاهزز به غضباً إذا هز فتك
قائمه قلبي والغم الحنك
وقال يتغزل أيام جرى في ميدان الصبا متهافتاً وأبدى له الجوى نفساً خافتاً؛ وهو من أبدع أنواع الاستعطاف، وأحسن من النور عند القطاف؛ خضع فيه لمحبوبه وذل، وهان له وابتذل؛ ورضى بما سامه من العذاب، وبذل نفسه في رشفة من ثناياه العذاب؛ وتشكى من جوره وحيفه، وبكى حتى من اجتناب طيفه؛ واستدعى رضاه، وخلع ثوب التناسك ونضاه؛ ونحا في استلطافه أرق منحى وتصام عن قول من عذل ولحى؛ وهذا غرض من كواه الغرام وسبيل من رام من الوصال ما رام؛ فما مع الهوى عز ولا صبر، وما هو إلاّ ذل أو قبر.
والقطعة:
أبا عامرٍ أنت الحبيب إلى قلبي
…
وإنْ كنت دهراً من عتابك في حربِ
أتعرض حتى بالخيال لدى الكرى
…
وتبخل حتى بالسلام مع الركب
كأني أخو ذنبٍ يجازي بذنبه
…
وما كان لي غير المودة من ذنبِ
فيا ساخطاً هل من رجوع إلى الرضا
…
ويا نازحاً هل من سبيل إلى القرب
ويا جنة الفردوس هل يقطع العدا
…
بجريا لك المختوم أو مائك العذبِ
ويا بائناً بان العزاء بينه
…
فأصبحت مسلوب العزيمة والقلبِ
أذقني بالعتبى جنى النحل منعماً
…
فإنك قد جرعتني الصاب بالعتبِ
وكنت أرى الهجران أعظم حادثٍ
…
فقد صار عند البين من أصغر الخطب
أتتركني رهناً بأيدي حوادث
…
غدوت لها نهبا وما كنت بالنهب
سأجعل عيدا يوم عودك يغتدي
…
محياك فيه قبلة الهائم الصب
أقيم لواء الوصل في حلة الصبا
…
به وأضحى بالصبابة والكرب
لك القلب ما فيه لغيرك منزل
…
منحتكه فانزله بالسهل والرحب
وقال شاكيا مثل هذه الشكوى مخبرا بما يلقاه من البلوى:
خليلي هل تقضي لبانة هائم
…
أم الوجد والتبريح ضربة لازم
فإني بما ألقى من الوجد مغرم
…
كسال قلبي بائح مثل كاتم
ولي عبرات يستهل غمامها
…
بخدي إذا لاحت بروق المباسم
كفى حزناً إني أذوب صبابةً
…
وأشكو الذي ألقى إلى غير راحم
وأرتع من خديه في جنة المنى
…
ويصلى فؤادي من هواه بجاحم
تقضي الصبا واللهو إلاّ حشاشة
…
تجدد لي عهد الصبا المتقدم
كأني لم أقطع بصبح وقهوةٍ
…
زماني ولم أنعم بأحور ناعم
ولابت في ليل الغواية لائماً
…
له تحت أستار الدجى وهو لائمي
إذا ما أدار الكأس وهنا حسبته
…
يدير هلالاً طالعاً في غمائم
أبا حسن إني بودك معصم
…
فهل أنت يوماً من جفائك عاصمي
جعلتك في نفسي وقلبي محكماً
…
لترضى فقد أصبحت أجور حاكم
أتظلمني ودي وما زال فيكم
…
قريع علي يرجى لرد المظالم
وقد كان فص الفجر في خنصر العلا
…
أبوك ووسطى فوق جيد المكارم
وكم ضم ظهر الأرض منكم وبطنها
…
بدور دجى من كل أشوس حازم
وأبلج فضفاض القميص حلاحل
…
طويل نجاد السيف ماضي العزائم
وما أذهلني عن ودادك غيبة
…
قدحت بها نار الأسى في حيازمي
وكم لي فيها نحوكم من تحية
…
أحملها مرضى الرياح النواسم
إذا مر ذكر منك يوماً على فمي
…
توهمته مسكاً سرى في خياشمي
دعاني إليك الشوق فاهتاج طائري
…
ضحى بخوافٍ للهوى وقوادم
ولو إنني في ملحدي ودعمتني
…
للبتك من تحت الصعيد رمائمي
سأصفيك محض الود ما هبت الصبا
…
وما سجعت في الأيك ورق الحمائم
وقال أيضاً جاريا على عادته في التشبيب، وسالكاً جادته من الخضوع للحبيب، إلاّ أنَّه اعتذر من الهوى في المشيب، وأنكر أخلاق الشباب على الشيب:
خليلي ما للريح أضحى نسيمها
…
يذكرني ما قد مضى ونسيتُ
أبعد نذير الشيب إذ حل عارضي
…
صبوت بأحداق المها وسبيتُ
ولي سكن أغرى بي الحزن حسنه
…
جرئ على قتل المحب مقيتُ
تلاحظني العينان منه برحمةٍ
…
فأحيا ويقسو قلبه فأموتُ
فيا قمراً أغرى بي النقص واكتسى
…
كمالا ووافى سعده وشقيتُ
وليت فرقي إذ وليت لهائمٍ
…
سباه لمى كالشهد منك وليتُ
وجودي ببرد الوصل يا جنة المنى
…
فإني بحر الوجد منك صليتُ
وكتب إليه الكاتب أبو الحسن راشد بن عريب يستدعيه إلى معاطاة قهوة، ساعات سلوة:
طرت إلى شمسية قد تروقت
…
فأربت على الصهباء لوناً ورائحة
فلو فيها نقطة هندسيةً
…
لباتت بها في ظلمة الليل بائحة
فكن مسعدي يا من سجاياه لم تزل
…
وأخلاقه تغني عن المسك فائحة
فأجابه رحمه الله:
طربت فأطربت الخليل إلى الذي
…
طربت له فالنفس نحوك جانحة
وكم أكسرتنا منك من غير قهوةٍ
…
شمائل تغنينا عن المسك فائحة
فلله أيام بقربك أسعدت
…
غوادٍ علينا بالسرور ورائحة
فساني الطولي لديك قصيرة
…
وصفقة كفي في التجارة رابحة
وقد يصف كتابا ورد عليه من محبوب كان هجره، ووعده فيه باللقاء وبشرة:
نفسي فداء كتاب حاز كل مني
…
جاء الرسول به من عند محبوب
مبشراً أنَّ ذاك السخط عاد رضاً
…
وبدلت منه بعد بتقريب
حبيته ناظراُ نحوي بناظره
…
ومهديا لي ما في فيه من طيب
ظلت أطويه من وجد وانشره
…
وكاد يلبيه تقبيلي وتقليبي
كم فيلةٍ لي في عنوانه عذبت
…
وبردت بالتلظي حر تعذيب
كأنه حين جلى الحزن عن خلدي
…
" قميص يوسف في أجفان يعقوب "
لو كل ما فيه من موعوده كذباً
…
شفي فكيف بوعدٍ غير مكذوب
وكتب إليه بعض إخوانه متمثلا بقول القائل:
ودادكم كالورد ليس بدائم
…
ولا خير فيمن لا يدوم له عهد
وودي لكم كالآس حسنا وبهجة
…
له خضرة تبقى إذا ذهب الورد
فراجعه بهذا الشعر:
لعمري لقد شرفت ودي بثلبه
…
وصيرت لي فضلا عليك ومفخراً
صدقت: وداد الورد رطباً ويابساً
…
وماء إذا عصر الأزاهر أدبراً
وودك مثل الآس ليس بنافع
…
ولا نافحٍ إلاّ إذا كان أخضراً
ألم تر أنَّ الورد يكرم إنَّ ذوي
…
ويطرح في الميضاة آس تغيرا
أفضلت عبد السوء جهلا على الذي
…
غدا في الأزاهير الأمير المؤمرا
وكتاب إلى الكتاب أبي عبد الله بن أبي الخصال، يراجعه عن شعر خاطبه به:
بماذا أكافي ندبا كساني
…
حلى من علاه بها قد حباني
وقلد جيدي من دره
…
ما لم تقلد نحور الغواني
محاسن أصبح لي لفظها
…
معاراً وأضحت لديه المعاني
فقل للذي حاز خصل المدى
…
فليس يباريه في السبق ثاني
ألهذي شمائلك الزاهرا
…
ت أهديتها أم ثغور الحسان
أم الأنجم الزهر أطلعتها
…
على أفق بسماء البيان
أم الوشى ما نمنمت راحتا
…
ك أم الأعين الحور جاءت رواني
أم الروض بات نديم الغمام
…
يسقيه من غير بنت الدنان
يضاحكه عن ثغور البروق
…
ويشدوه من وعده بالأغاني
تئن زف ودك نحوي لقد
…
غدا من فؤادك بأعلى مكان
ومهما أساءت بطول البعاد
…
خطوب فقد أحسنت بالتداني
كأن الزمان أتي تائبا
…
إلي وأنت اعتذار الزمان
ومن شعره الذي يزري بزهر الرياض وغنج الأعين المراض قوله:
أيا ممرضنا جسمي بأجفانه المرضى
…
سلبت الكرى عني فهب منه لي البعضا
ليهنك غمض العين عمن تركته
…
سمير نجوم الليل ما يطعم الغمضا
أتسخط من ذلي لعزك في الهوى
…
وأرضى بخدي أنْ يكون لكم أرضا
قضى الله أنْ أشقى وغيري بوصلكم
…
سعيد ومن يستطيع ردا لمّا يقضى
ومما أغرب به وأبدع قطعة تنفك منها ست قطع وهي:
نفسي الفداء لجؤذر حلو اللمى
…
مستحسن بصدوده أضناني
في فيه سمطا جوهر يروي الظما
…
لو علني ببروده أحياني
ثم زاد في غرابة هذا المنزع بأن صنع قطعة تنفك منها تسع قطع وهي:
طيف سرى من خاطر القلب الذوي
…
فوفى لنا بعداته وقضى الوطر
بذلك الكرى عن ناظر الصب الجوي
…
وشفى الضنى بهباته ومضى حذر
وقال يصف تينا أسودا مكتبا:
أهلا بتين كالنهود حوالك
…
ضمخن مسكا شيب بالكافور
وكأن ما زرت عليه جيوبها
…
شهد يشاب بسمسم مقشور
وكأنما لبست لجينا محرقا
…
فيه بقايا من بياض معطر
وقال يصف حماما:
أرى الحمام موعظة وذكرى
…
لكل فتى أريب ذي ذكاء
يذكرنا عذاب ذوي المعاصي
…
وأجيانا نعيم الأتقياء
شقا هجر يشوب نعيم وصل
…
وحر النار في برد الهواء
إذا ما أرضه التهبت بنار
…
تبادر سمكه هطلا بماء
كصدر الصب جاش بما يلاقي
…
فلج الطرف منه بالبكاء
كأن له حبيبا بان عنه
…
فبان وخانه حسن العزاء
ومن شعره المطرب وتغزله المعجب قوله:
أيا قمرا في وجنتيه نعيم
…
وبين ضلوعي من هواه جحيم
إلى كم أقاسي منك روعا وقسوة
…
وصرما وسقما إنَّ ذا لعظيم
وإني لأنهى النفس عنك تجلدا
…
وأزعم أني بالسلو زعيم
فإن خطرت بالقلب ذكراك خطرة
…
ظللت بلا لب إليك أهيم
ومن مديحه الذي أبدع فيه وأغرب وذهب فيه أحسن مذهب قوله يمدح القادر رحمه الله تعالى:
ضمان على عينيك أني هائم
…
تصدع قلبي حول وصلك حائم
فؤادك قاس ليس لي في رحمة
…
ويوهم منك اللحظ أنك راحم
ظلمت ولم ترهب مغبة ما جنت
…
جفون لها في العاشقين ملاحم
أظن عقاب الله نالك في الهوى
…
فخصرك مظلوم وردفك ظالم
ولحظك مضني ما يفيق من الضنى
…
كما ضنيت فيك الجسوم النواعم
وخدك بالألحاظ دائبا
…
فكل له باللحظ مدم وكالم
يقولون غصن ألبان ما حاز خصره
…
ودعص النقا ما حاز منه المعاكم
وفي طوقة بدر الدجنة طالع
…
تجلله قطع من الليل فاحم
وقالوا اللمى المحمر فص عقيقه
…
بمبسمه المعسول والثغر خاتم
لك المثل الأعلى وفي الجهل عاذر
…
بتقصيرهم إنْ لامهم فيك لائم
وما أنت إلاّ آية الله في الورى
…
وحكمته إنْ قال بالعلم عالم
لقد يخسوك الحق جهلا وأخطأت
…
بما رجمت فيك الظنون الرواجم
كما يخسوا يحيى بن ذي النون حقه
…
فقالوا ابن سعدي في النوال وحاتم
وقالوا حكى الضرغام في الروع بأسه
…
وذلك ما لا تدعيه الضراغم
وقالوا هو الدهر الذي ليس دونه
…
حمى وهو المخدوم والدهر خادم
وأني لليث الغاب في الروع بأسه
…
إذا صال في الهيجاء والنقع قاتم
ومن أين للسيف الحسام مضاؤه
…
إذا انتضيت للحرب منه العزائم
ومن أين للمزن الكنهور جوده
…
إذا انهملت من راحتيه المكارم
لنا بارق من بشره خلبا
…
إذا شامه يوما من الناس شائم
عليه من المأمون يحيى مشابه
…
ترى ولإسماعيل فيه مياسم
همامان شادا مجد له التقى
…
أساس وأطراف الرماح دعائم
أبا الحسن استنشق ثنائي فإنما
…
فؤادي دارين وشعري لطائم
لبست حلي للفضل حائكها التقى
…
ومعلمها الإفضال والمجد راقم
وأورثك المأمون صارمه الذي
…
به لم تزل تفري الطلى والجماجم
فصمم ولا تحجم فإنك صارم
…
حسام ومنه في يد الله قائم
لك السرحة الغناء في المجد لم تزل
…
تروضها من راحتيك الغمائم
رياض لنا سجع بمدحك وسطها
…
كأنا على أفنانهن حمائم
ودونك بكرا من ثنائي زففتها
…
إليك كما زف الغوالي الكرائم
كستك بطليوس بها عبقرية
…
كما انشق عن زهر الرياض كمائم
وما أنت ذو فقر لمّا أنا واصف
…
ولا أنا ذو إفك بما أنا زاعم
سجاياك تملي الفخر والدهر كاتب
…
وعلياك تعطي الدر والشعر ناظم
فدم عامرا للمجد تعنو لك العدا
…
وتحسدنا فيك النجوم النواجم
قال أبو نصر: هذا ما سمح به خاطر لم تخطر عليه سلوة وذهن ناب لم ترهف له نبوة ووقت أضيق من المأزق المتداني ومقت للزمن شغلني عن كل شيء وعداني أتجرع به الصاب وأتدرع منه الأوصاب فما أتفرغ لإنشاء قول ولا أصحو من الانتشاء من هول وإلاّ فمحاسن هذا الرجل كانت أهلا أنْ يمتد عنانها ويسكب عنانها لكن عاق عن ذلك الدهر الذي شغل وأوغلنا في شعاب الأنكاد حيث وغل.
انتهى التأليف البارع.
ولابد أنْ نذكر ما لأبي نصر من القلائد في حق الرجال المذكور وأختصر ما جرى ذكره هنا من النظم.
قال في القلائد في حق الشيخ ابن السيد المذكور ما نصه: الفقيه الأستاذ أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن السيد البطليوسي شيخ المعارف وإمامها ومن في يده زمامها لديه تنشد ضوال الأعراب وتوجد شوارد لغات الإعراب إلى مقطع دمث ومنزع في النفاسة غير منتكث وكان له في دولة ابن رزين مجال ممتد ومكان معتد لمّا رأى الأحوال واختلالها والأقوال واعتلالها وتلك الشموس قد هوت ونجوم الآمال قد خوت وأضرب عن مثواه ونكب عن نجواه واغترب بلوعة ابنرزين وجواه ونصب نفسه لإقراء علوم النحو وقنع بتغييم جوه بعد الصحو وله تحقيق بالعلوم الحديثة والقديمة وتصرف في طرقها القويمة ما خرج بمعرفتها عن مضمار مشرع ولا نكب عن أصل للسنة ولا فرع وتواليفه في الشروحات وغيرها صنوف وهي اليوم في الآذان شنوف وقد أثبت له يريك شنوفه وتجد على النفس خفوفه.
فمن ذلك قوله في طول الليل: ترى ليلنا..... البيتين وقد سبقا.
ثم قال الفتح: وأخبرني أنه حضر مع المأمون بن ذي النون في مجلس الناعور بالمنية التي تطمح إليها المنى ومرآها هو المقترح والمتمنى والمأمون قد احتبى
وأفاض الحبا والمجلس يروق كأنه الشمس في أفقه والبدر كالتاج في مفرقه والنور عبق وعلى ماء النهر مصطبح ومغتبق والدولاب يئن كناقة إثر الحوار أو كثكلى من حر الأوار والجو قد عنبرته أنواؤه والروض قد رشته أنداؤه والأسد قد فغرت أفواهها ومجت أمواهها فقال: يا منظرا إنْ نظرت بهجته..... الأبيات وقد تقدمت.
ثم قال الفتح: وله رقعة يصف بها هذا التصنيف يعني قلائد العقيان: تأملت فسح الله لسيدي ووليي في أمد بقائه كتابه الذي شرع في إنشائه فرأيت كتابا سينجد ويغور ويبلغ حيث لا تبلغ البدور وتبين به الذرى والمناسم وتغتدي له غرر في أوجه ومواسم فقد أسجد الله الكلام لكلامك وجعل النيران طوع أقلامك فأنت تهدي بنجومها وتردي برجومها فالنثرة من نثرك والشعري من شعرك والبلغاء لك معترفون وبين يديك متصرفون وليس يبارك مبار ولا يجاريك إلى الغاية مجار إلاّ وقف حسيرا وسبقت ودعي أخيرا وتقدمت لا عدمت شفوفا ولا برح مكانك بالآمال محفوفا بعزة الله.
وله يراجع الأستاذ أبا محمّد بن جوشن عن شعر كتب به إليه وتضمن عزلا في أول القصيدة فحذا حذوه:
حلفت بثغر قد حمى ريقه العذبا
…
وسل عليه من لواحظه عضبا
وفرحة لقيا أذهبت ترحة النوى
…
وعتبي حبيب هاجر أعقبت عتبا
لقد هز عطفي بالقريض ابن جوشن
…
سرورا كما هزت صبا غصنا رطبا
كساني ارتياح الراح حتى حسبتني
…
حليف بعاد نال من حبه قربا
وأطربني حتى دعاني الورى فتى
…
وقالوا كبير بعد كبرته شبا
كأن المثاني والمثالث هيجت
…
سروري ولم أسمع غناء ولا ضربا
فيا مزمع الترحال قل لابن جوشن
…
مقال محب لم يشب جده لعبا
أمهدي سجاياه إليَّ وناظما
…
لي الشهب عقدا راقني نظمه عجبا
وما خلت إهداء الشمائل ممكنا
…
لمهد وأنَّ الدهر ينتظم الشهبا
فهل نال عبد الله من سحر بابل
…
نصيبا فأربي أو حوى الدهي والإربا
ليهنك فضل حزت من خصله المدى
…
ونظم بديع قد غدوت له ربا
وهاك سلاما صادرا عن مودة
…
عمرت به مني الجوانح والقلبا
وله رحمه الله في الزهد من لزوم ما لا يلزم:
أمرت إلهي بالمكارم كلها
…
ولم ترضها إلاّ وأنت لها أهل
فقلت اصفحوا عمن أساء إليكم
…
وعودوا بحلم منكم إنْ بدا جهل
فهل لجهول خاف صعب ذنوبه
…
لديك أمان منك أو جانب سهل
وله رحمه الله يجيب شاعرا قرطبيا مدحه:
قل للذي غاص في بحر من الفكر
…
بذهنه فحوى ما شاء من درر
لله عذراء زفت منك رائحة
…
تختال من حبرها المرقوم في حبر
صدقها الصدق من ودي ومنزلها
…
بصيرتي وسواد القلب لا بصري
كأنما خامرتني من بشاشتها
…
راح وسكر بلا راح ولا سكر
هزت بدائعها عطفي من طرب
…
لحسنها هزة المشغوف للذكر
ما كنت أحسب أنَّ النيرات غدت
…
يصيدها شرك الأوهام والفكر
ولا توهمت أيام الربيع ترى
…
في تاجر غضة الأنوار والزهر
أما الجزاء فشئ لست مذركه
…
ولو بدرت إلى التوجيه بالبدر
لكن جزائي صفاء الود أضمره
…
إذا القلوب انطوت منه على كدر
جاراك ذهني في مضمارها فكبا
…
ذهني وفزت بخصل السبق والظفر
وهل بطليوس في نظم مناظرة
…
يوما لقرطبة في حكم ذي نظر
وله أيضاً رحمه الله يصف زربطانة ملغزا:
وذات عمى لها طرف بصير
…
إذا رمدت فأبصر ما تكون
لها من غيرها نفس معار
…
وناظرها لذي الإبصار طين
وتبطش باليمين إذا أردنا
…
وليس لها إذا بطشت يمين
وكتب إلى الأستاذ أبي الحسن بن الأخضر رحمه الله:
يا سيدي الأعلى وعمادي وعمادي الأسنى وحسنة الزمان الحسني الذي جل قدره وسار مسير الشمس ذكره ومن أطال الله بقاءه لفضل يعلى مناره
وعلم يحيى آثاره نح أعزك الله نتدانى إخلاصا وإنْ كنا نتناءى أشخاصا ويجمعنا الأدب وإنْ فرقنا النسب فالأشكال أقارب والآداب مناسب وليس يضر تناثي الأشباح إذا تقاربت الأرواح وما مثلنا في هذا الانتظام إلاّ كما قال أبو تمام رحمه الله:
نسيبي في رأيي وعلمي ومذهبي
…
وإنْ بإعدتنا في الأصول المناسب
ولو لم يكن لمآثرك ذاكر ولا لمفاخرك ناشر إلاّ ذو الوزارتين أبو فلان أبقاه الله لقام لك مقام سبحان وائل وأغناك عن قول قائل فإنه يمد في مضمار ذكراك باعا رحيبا ويقوم بفخرك في كل ناد خطيبا حتى تنثني إليه الأحداق وتلوى نحوه الأعناق فكيف وما يقول إلاّ بالذي علمت يعد وما تقرر في النفوس من قبل ومن بعد فذكرك قد أنجد وغار ولم يسر فلك حيث سار وإنْ ليل جهل أطلعت فيه فجر تبصيرك لجدير بأن يصير نهار وإنَّ نبع فكر قدحته بتذكيرك لجدير أنْ يعود مرخا فهنيئا لك الفضل الذي أنت فيه راسخ القدم شامخ العلم منشور اللواء مشهور الذكاء مليت الآداب عمرك ولا عدمت الألباب ذكرك ورقيت من مراتب أعلاها ولقيت من المآرب أقصاها بفضل الله.
وكتب مراجعا إلى الوزير أبي محمّد بن سفيان رحمه الله: يا سيدي الأعلى وعمادي الأسنى ومشربي الأصفى ومن أدام الله عزه وحمى من النوائب حوزته وافاني لك كتاب سرى الموضع سنى
الموقع أطال على إيجازه وأطمع بعد إعجازه وقابلت الرغبة التي ضمنتها فيه بما تقتضيه جلاله مهديه ولئن تراخى الكتاب عن حسن في ذلك العتاب فإن المودة لم يقدح فيها من الملل قادح ولم يسنح لها من الخلل سانح بل كانت كالبرد طوى على غره إلى أوان جلائه ونشره وقد علم علام الضمائر والذي يظن غائبا وهو حاضر أني أعتقدك القدح المعلى وأضرب بك المثل الأعلى وأرى أنك تحجيل واضح في دهمة الزمان وعلق راجح في كفة الامتحان وبقية سنخ كريم ما عهدهم عنا بذميم.
عليهم سلام الله ما ذر شارق
…
ورحمة ما شاء أنْ يترحما
وما أدعي لك جانبا من السيادة إلاّ لك عليه أعدل الشهادة ولكن قديما سفل ذو الرجحان وعاد الكمال على أهله بالنقصان وكبت الأعالي بارتفاع الأسافل حتى اقتضى ذلك قول القائل:
فوا عجبا كم يدعى الفضل ناقص
…
ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل
وقال المذمر للناتجين
…
متى ذمرت قلبي الأرجل
وقد جاريتك أعزك الله في ميدان من البلاغة أنا فيه كمن كاثر البحر والمطر وجلب التمر إلى هجر والذي حداني إليه أنه مر بي زمن ألهي خاطري عنك فيه وسن فقلت قد كان من العقوق ترك رعاية الحقوق فلأستمطرن مزن القول فقد كنت عهدتها تسجم فتغدق ولأستسقين
جابية الشيخ العراقي فقد كانت تطم فتفهق أيام كنت أسحب ذيل الشباب وأسلك مسلك الكتاب ويعجبني سلوك سهل الكلام وحوزته والتصرف بين أبكاره وعونه أستن استنان الطرف الجامح ولا أثنى عنان الطرف الطامح وأورى هامتي وأقول بما صبت على غمامتي إلى أنْ تعمم مفرقي بالقتير وعلتني أبهة الكبيرة وودعت زمني الزائل وعادت سهامي بين رث وناصل وعريت أفراس الصبا ورواحله وسددت على سوى قصد السبيل معادلة فلئن هريق ماء الشباب واستشن الأديم وأقشع السحاب وتجلت الغيوم فلعل في الأفق ربابه وفي الحوض صبابة وعسى أنْ يكون في أخلاف المقالة در يرضع في حقاق البلاغ در يرصع وزفنا عذراء لا ترضى إلاّ الأكفاء فليس يبين النجد إلاّ في مآزق الهيجاء ولا يحسن العقد إلاّ في عنق الحسناء ولأجعلن الشعر لها شعارا وفقر النثر لها دثارا فاهتصرها إليك ولهي عروبا قد رضيت
بك محبا ومحبوبا فتضمخك بمسكها وتؤمنك من فركها وتذر ذرور الشمس عليك وتهز في ندوة الحي عطفيك فإنَّ قضت من حقك فرضا ورتقت من فتق الإخلال ولو بعضا فذاك ما تضمنه الخاطر الذي نمنم بردها ونظم عقدها وإنْ أخلف الظن ما أوهم ووعد وقصر الذهن فيها أحكم وسدد فللخاطر عذر في أنه منصل أغفل شحده وجلاؤه حتى ذهب فرنده وماؤه ومنهل ضيع ورده فنضب عده:
والشوال ما حلبت رسلها
…
وتجف درتها إذا لم تحلب
وله من قصيدة يمدح بها ذا الوزارتين أبا محمّد بن الفرج:
نبه الليل بالوجيف ولا تو
…
لع بدار الهوان بالإغماض
واقر ضيف الهموم كل أمون
…
عنتريس وبازل شرواض
أنقذتني من الردى وطأتي البيد
…
ونقض الهموم بالإنقاض
شكلها كالقسي وهي سهام
…
للفلا والرغاء كالإنباض
خلنا حين الليل سبحا
…
غمست من دجاه في خضاض
صدعت عرمض الدياجر حتى
…
كرعت في كاء الصبح المفاض
حين راع الظلام وخط مشيب
…
قد سرى في سواده ببياض
وقال في الزهد:
تجوهدك الأدنى عنيت بحفظه
…
وضيعت من جهل تجوهرك الأقصى
لقد بعت ما يبقى بما هو هالك
…
وآثرت لو تدري على فضلك النقصا
وقال في ذلك أيضاً: وما دارانا إلاّ موات..... البيتين.
وقد تمثلت بهما في خطبة هذا الكتاب فراجعهما.
وله أيضاً يعزي ذا الوزارتين أبا عيسى بن لبون في أخيه:
المرء في أيامه عبر
…
والصفو يحدث بعده كدر
خرس الزمان لمن تأمله
…
نطق وخبر صروفه خبر
نادي فأسمع لو وعت أذن
…
وأرى العواقب لو أرى بصر
كم قال هبوا طالما هجعت
…
منكم عيون حقها السهر
أبأذن من هو مبصري صمم
…
أم قلب من هو سامعي حجر
لولا عماكم عن هدى نذري
…
ومواعظي ما جاءت النذر
هذي مصارع معشر هلكوا
…
وعظتم بالصمت فاعتبروا
ومنها:
قالت أرى ليل الشباب بدت
…
للشيب فيه أنجم زهر
فأجبتها لا تكثري عجبا
…
من شيبة لم يجنها كبر
لكن طويت من الهموم لظى
…
أضحى لها في عارضي شرر
ومنها:
حسنت شمائلكم وأوجهكم
…
فتطابقا مر أي ومختبر
والحسن في صور النفوس وإنْ
…
راقتك من أجسامها الصور
لا ضعضعت أيدي الخطوب لكم
…
ركنا ولا راعتكم الغير
وقال يخاطب مكة أعزها الله:
أمكة النفوس الكرائم
…
ولا برحت تنهل فيك الغمائم
وكفت أكف السوء عنك وبلغت
…
مناها قلوب كي تراك حوائم
فإنك بيت الله والحرم الذي
…
لعزته ذل الملوك الأعاظم
وقد رفعت منك القواعد بالتقى
…
وشادتك أيد برة ومعاصم
وساويت في فضل المقام كلاكما
…
تنال به الزلفى وتحمى المآثم
ومن أين تعدوك الفضائل كلها
…
وفيك مقامان: الهدى والمعالم
ومبعث من ساد الورى وحوى العلا
…
بمولده عبد الإله وهاشم
نبي حوى فضل النبيين واغتدى
…
لهم أول في فضله وهو خاتم
وفيك يمين الله يلثمها الورى
…
كما يلثم اليمني من الملك لاثم
وفيك لإبراهيم إذا وطئ الثرى
…
ضحى قدم برهانها متقادم
دعا دعوة الصفا فأجابه
…
قطوف من الفج العميق وراسم
فأعجب بدعوى لم تلج مسمعي فتى
…
ولم يعها إلاّ ذكي وعالم
ألهفي لاقدار عدت عنك همتي
…
فلم تنهض مني إليك العزائم
فيا ليت شعري هل أرى فيك داعيا
…
إذا ما دعت لله فيك الغمائم
وهل تمحون عني خطايا اقترفتها
…
خطى فيك لي أو يعملان رواسم
وهل لي من سقيا حجيجك شربة
…
ومن زمزم يروى بها النفس حائم
وهل لي في أجر الملبين مقسم
…
إذا بذلت للناس فيك المقاسم
وكم زار مغناك المعظم مجرم
…
فحطت به عنه الخطايا العظائم
ومن أين لا يضحى مرجيك آمنا
…
وقد أمنت فيك المها والحمائم
لئن فاتتني منك الذي أنا رائم
…
فإن هوى نفسي عليك لدائم
وإنْ يحمني حامي المقادير مقدما
…
عليك فإني بالفؤاد لقادم
عليك سلام الله ما طاف طائف
…
بكعبتك العليا وما قام قائم
إذا نسم لم تهد عني تحية
…
إليك فهديها الرياح النواسم
أعوذ بمن أسناك من شر خلقه
…
ونفسي فما منها سوى الله عاصم
وأهدي صلاتي والسلام لأحمد
…
لعلي به من كبة النار سالم
انتهى ما أوردة في القلائد دون ما قدمناه.
ولنختم ترجمة ابن السيد بقوله:
إليك أفر من ذلي وذنبي
…
فأنت إذا لقيت الله حسبي
وزورة أحمد المختار قدما
…
مناي وبغيتي لو شاء رتبي
فإن أحرم زيارته مجسمي
…
فلم أحرم زيارته بقلبي