المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بين الحافظ السلفي والزمخشري - أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض - جـ ٣

[المقري التلمساني]

فهرس الكتاب

- ‌روضة الأقحوان في ذكر حاله في المنشأ والعنفوان

- ‌صناعة التأليف بالمغرب

- ‌ترجمة الفيروزأبادي

- ‌عن الشقائق النعمانية

- ‌ترجمة ثانية للفيروزابادي، عن الضوء اللامع للسنحاري

- ‌ترجمة ثالثة للفيروز ابادي عن انباء الغمر لابن حجر

- ‌التجديد والمجدود

- ‌روضة البهار في ذكر جملة من شيوخه

- ‌الذين فضلهم أظهر من شمس النهار

- ‌شيوخ عياض

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض:

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله:

- ‌استطراد وتحقيق

- ‌تنبيهات

- ‌ترجمة ابن السيد البطليوسي للفتح بن خاقان

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله:

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله تعالى:

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله تعالى:

- ‌ومن أشياخ القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله:

- ‌فمنهم في حرف الهمزة:

- ‌ومنهم في حرف الحاء:

- ‌ومنهم في حرف الخاء:

- ‌ومنهم في حرف الميم:

- ‌ومنهم في حرف العين:

- ‌ومنهم في حرف الغين:

- ‌ومنهم في حرف السين:

- ‌ومنهم في حرف الشين:

- ‌ومنهم في حرف الهاء:

- ‌ومنهم في حرف الياء:

- ‌وممن أجاز القاضي أبا عياض ولم يلقه:

- ‌‌‌وممن أجاز القاضي عياض ولم يلقه:

- ‌وممن أجاز القاضي عياض ولم يلقه:

- ‌الخبر عن مقتل ابن الأبار

- ‌وسياقته الأولية:

- ‌رجع إلى كلام ابن الآبار

- ‌رجع إلى كلام ابن الآبار

- ‌قافية الهمزة

- ‌قافية الباء

- ‌قافية التاء

- ‌قافية الثاء

- ‌قافية الجيم

- ‌قافية الحاء

- ‌قافية الخاء

- ‌قافية الدال

- ‌قافية الذال

- ‌قافية الراء

- ‌قافية الزاي وهي متجانسة

- ‌قافية الطاء

- ‌قافية الظاء

- ‌قافية الكاف

- ‌قافية الميم

- ‌قافية النون

- ‌قافية الصاد

- ‌قافية الضاد

- ‌قافية العين

- ‌قافية الغين

- ‌قافية الفاء

- ‌قافية القاف

- ‌قافية السين

- ‌قافية الشين

- ‌قافية الهاء

- ‌ما كتب في المثال الأيمن

- ‌ما كتب في المثال الأيسر

- ‌قافية الواو

- ‌قافية لام الألف

- ‌قافيه الياء

- ‌بين القاضي عياض والزمخشري

- ‌بين الحافظ السلفي والزمخشري

- ‌بين الزمخشري وأهل السنة

- ‌دعاء مبارك لتفريج الأزمات

- ‌تنبيه

- ‌عود إلى الرد على بيتي الزمخشري

الفصل: ‌بين الحافظ السلفي والزمخشري

وسمعت غير واحد ممن لقيته يخبر أنَّ القاضي عياض لمّا بلغه امتناع الزمخشري من إجازته قال: الحمد لله الذي لم يجعل علي يدا لمبتدع أو فاسق أو نحو هذا من العبارات والله اعلم.

وإمامة الزمخشري في العلوم معروفة ولكن أعنة القلوب إلى من بيده التوفيق وضده مصروفة. ولا بد من الإلمام ببعض أحوال هذا الرجل الذي اختلفت في أمره الآراء وآنس من جانب البيان والنحو نارا وأنكر الحق وقد وضح النهار وذكر يعضهم أنه تاب ويأبى ذلك تصريحه في كشافه بما خالف السنة جهارا فإنه لو صح ذلك لمحاه أو أشهد على نفسه بالرجوع عما قصده فيه وانتحاه وكثير من الأئمة أغضى عن اعتزاله وانتفع بكشافه مع قطر النظر عن موضع التهمة واختزاله.

‌بين الحافظ السلفي والزمخشري

وممن استجاره فأجازه الإمام الحافظ أبو الطاره السلفي الأصبهاني المتقدم الذكر رحمه الله فإنه خاطبه في ذلك بما نصه بعد البسملة: إنَّ رأي الشيخ الأجل العالم العلامة أدام الله توفيقه أنْ يجبز جميع سماعاته ورواياته وما ألفه في فنون العلم وأنشأه من المقامات والرسائل والشعر لأحمد بن محمّد بن أحمد السلفي الأصبهاني يذكر مولده ونسبه إلى أعلى أب يعرف ويثبت كل ذلك بخطه تحت هذا الاستدعاء مضافا إليه ذكر ما صنفه وذكر شيوخه الذين أخذ عنهم وما سمع عليهم من أمهات المهمات حديثا كان أو لغة فعل مثاب وإنْ تمم إنعامه بإثبات أبيات قصار ومقطوعات في الحكم والأمثال والزهد وغير ذلك

ص: 283

من نظمه ومما أنشده شيوخه من قلبهم أو من قبل شيوخهم بعد تسمية كل منهم وإضافة شعره إليه والشرط في كل هذا أنْ يكون بالإسناد المتصل إلى قائله كان له الفضل وكذلك إنْ صحبه أصحبه بشيء من رواياته أنعم بكتب أحاديث عاليه والله تعالى يوفقه ويحسن جزاءه ويطيل لنشر العلم والإفادة بقاءه.

ويعلم وقه الله أنَّه قد وقع إلينا كتاب من يعقوب بن شرين الجندي رحمه الله وفيه قصيدة يرثي بها البرهان البخاري والحاجة داعية إلى معرفة اسمه ونسبه وضبطه هل هو ابن شرين بالسين المهملة أو المعجمة وكذلك الجندي بفتح الجيم والنون أو ضم الجيم وإسكان النون بعدها.

والحمد لله حق حمده وصلواته على سيدنا محمّد نبيه وعبده وعلى آله وصحبه أجمعين من بعده.

فكتب إليه الزمخشري ما نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم. أسأل الله أنْ يطيل بقاء الشيخ العالم ويديمه لعلم يغوص على جواهره ويفتق الأصداف عن ذخائره ويوفقه للعمل الصالح الذي هو مرى أغراض أولى العقل ومطمح أبصار المرتكضين إلى غاية الفضل ولقد عثرت من مقاطر قلمه على جملة تنادي على غزارة بحره وتطبي القلوب إليَّ التزين بسموط دره. وأما ما طلب عندي وخطب إلي من العلوم والدرايات والسماعات والروايات فبنات خلعت على تربيتهن الشباب ثن دفنهن وحثوت عليهن التراب وذلك حين آثرت الطريقة الأويسية على بنيات الطرائق وأخذت الحجب والعوائق ونقلت كتبي كلها

ص: 284

إلى مشهد أبي حنيفة رحمه الله وأصفرت منها يدي إلاّ دفترا واحدا قد تركته تميمة في عضدي وهو كتاب الله المبين والحبل المتين والصراط المستقيم لأهب لمّا قعدت بصدده كلي وألقى عليه وده كلي لا يشغلني عنه بعض مثال يجعل الرأي مشتركا ويرد القلب مقتسما ولذت بحرم الله المعظم وبيته المحرم وطلقت ما وزرني بتا وكفت ذيلي عنه كفتا ما بي هم إلاّ خويصت وما يلهيني إلاّ النظر في قصتي أنتظر داعي الله صباح مساء وكأني به وقد امتطيت الآلة الحدباء قد وهنت العظام ووهنت القوى وقلت الصحة وكثر الجوى وما أنا ذماء يتردد في جسد هو هامة اليوم أو غد فما لمثلي وليس له من الآخرة شيء. ولقد أجزت له يروى.

محمود الخوارزمي ثم الزمخشري منسوب إلى قرية منها هي مسقط رأسي ولبعض أفاضل المشرق:

فلو وازن الدنيا تراب زمخشر

لأنك منها زاده الله رجحانا

وللشريف الأجل الإمام عليّ بن عيسى ببن حمزة بن وهاس الحسني:

جميع قرى الدنيا سوى القرية التي

تبوأها دارا فداء زمخشرا

وأحر بأن تزهي زمخشر بامرئ

إذا عد في أسد الشرى زمخ الشرى

فلولا ما طن البلاد بذكرها

ولا ظار فيها منجدا ومغمورا

فليس ثناها بالعراق وأهله

بأعرف منه في الحجاز وأشهر

ومن المقطوعات التي اخترعتها من فبلي:

ومروعة بمشيب رأسي أقبلت

تبكي فقلت لها ودمعي جاري

ص: 285

هذا المشيب لهيب نار أوقدت

في القلب موقدها حذار النار

أخرى:

إليك إلهي المشتكى نفس مشته

إلى الشر تدعوني عن الخير تنهاني

وما يشتكي الشيطان إلاّ مغفل

إلاّ إنْ نفس المشتهى ألف شيطان

أخرى:

شكوت إلى الأيام سوء صنيعها

ومن عجب باك تشكي إلى المبكى

فما زادت الأيام إلاّ شكاية

ومازالت الأيام تشكي ولا تشكى

أخرى:

مسرة أحقاب تلقيت بعدها

مساءة يوم أريها شبة الصاب

وكيف بأن تلقي مسرة ساعة

وراء تقضيها مساءة أحقائب

أخرى:

الخوض في دول الدنيا يلج بكم

كأنها لجج خواضها لجج

كم خلصت لجج البحر الرجال وما

أقل من خلصته هذه اللجج

أخرى:

مبالاة مثلى بالرزايا غضاضة

أباها وثيق العقدين حصيف

إذا أقبلت يوما على صروفها

لأنيابها في مسمعي صريف

عتاب لها حتى أشقى نحورها

أسنة عزم حدهن رهيف

يمسحن أركاني وهن قوافل

صفا صادرات النبل عنه مصيف

ص: 286

والقاضي أديب الملوك أبو إسماعيل يعقوب بن شرين الجندي أفضل الفتيان في عصره وأعقلهم وأذكاهم وأدهاهم وكان كاتب سلطان خوارزم فاستعفى وهو يكتب باللسانين العربية والفارسية ويحسن وهو ممن رببت وخرجت وبلغت تلك الذروة وهو أوثق سهم من كنانتي.

والحمد لله أولا وآخرا والصلاة على نبينا محمّد وآله والطيبين.

ثم غن الشيخ السلفي عاوده الاستجازة في السنة الثانية من إسكندرية كأنه ما وصلته إجازته فقال:

بسم الله الرحمن الرحيم. المسئول من كرم الشيخ الأجل العلامة أدام الله بهجته وحرس مهجته أنْ يجيز لأحمد بن محمّد السلفي الأصبهاني جميع مسموعاته ومجموعاته في جميع الفنون ويثبت بخطه أساميها تحت هذا الخط ويضيف إلى ذلك ذكر شيوخه الأعلام الذين أخذ عنهم الحديث واللغة ويذكر جملا مما سمعه عليهم ويتمم تفضيله بإثبات أحاديث قصار من رواياته عنهم وكتب شيء من شعر من رآه وأنشده من قبله بعد المبالغة في التعريف به ولا يذكر من الأبيات إلاّ القصار التي تصلح لأصاب الحديث ويتصور إخراجها في الأمالي وأواخر الفوائد ويذكر متفضلا مولده والسنة التي ولد فيها فالحاجة داعية إلى كل ذلك ويبين ذكر الموتلف والمختلف الذي ألفه في أي فن هو وعلى أي شيء يجوز؟ أعلى ذكر الفقهاء أو الأدباء

ص: 287

أم أهل الحديث؟ ولا يحوج أدام الله توفيقه إلى المراجعة فالمسافة بعيدة وقد كتب في السنة الماضية ولم يجبه بما يشفي الغليل وله في ذلك الثواب الجزيل إنْ شاء الله تعالى وبه الثقة.

فأجاب فجر خوارزم بما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم ما مثلي مع أعلام العلماء إلاّ كمثل السها مع مصابيح السماء والجهام الصفر والرهام مع الغوادي الغامرة للقيان والإكام والسكيت المخلف مع خيل السباق والبغاث مع الطير العتاق وما التلقيب بالعلامة إلاّ شبه الرقم بالعلامة كما قال العرب وقيل له لم سميت نعامة: الأسماء علامة وليست بكرامة ولو كانت كرامة لاشتراك الناس في اسم واحد. والعلم مدينة أحد بابيها الرواية والثاني الدراية وأنا في كلا البابين ذو بضاعة مزجاه ظلي فيه أقلص من ظل حصاه وأما الرواية فحديثة الميلاد قريبة الإسناد لم تستند إلى علماء نحارير ولا إلى أعلام مشاهير وأما الدراية فثمد لا يبلغ أفواها وبرض لا يبل شفاها ولا يغرنكم قول الوزير مجير الدولة:

وجولت فكرى في البلاد فلم يقع

على رجل في علمه غير راجل

إلى أنْ جرى الطير السنيح فدلني

على فخر خوارزم ورأس الأفاضل

ولا قول المنتخب محمّد بن أرسلان:

وما ناصر الإسلام إلاّ ابن بجدة

يحيط بعلم لا يحيط به الورى

ص: 288

أبو القاسم المحمود محمود الذي

به تفخر الدنيا وناهيك مفخرا

ولا قول الشريف الأجل ذي المناقب أبي الحسن عليّ بن حمزة بن وهاس الحسني المدني.

قال أحمد المقري وفقه الله: هو عليّ بضم أوله وفتح ثانيه ابن عيسى ابن حمزة بن وهاس الحسني العلوي وقيل إنَّ الكشاف برسمه صنعه الزمخشري رحم الله الجميع.

رجع إلى قول الزمخشري:

وكم للإمام الفرد عندي من يد

وهانيك مما قد أطاب وأكثر

أخي العزمة البيضاء والهمة التي

أنافت به علامة العصر والورى

جميع قرى الدنيا سوى القرية التي

تبوأها دارا فداء زمخشرا

وأحر بأن تزهي زمخشر بامرئ

إذا عد أسد الشر زمخ الشرى

فلولا ما ظن البلاد بذكرها

ولا طار فيها منجدا ومغمورا

فليس ثناها بالعراق وأهله

بأعرف من في الحجاز وأشهرا

إمام فلينا من فلينا وكلما

طبعناه سبكا كان أنضر جوهرا

ومكة راووق الرجال فهاكه

مصفى وخذ من شئت منهم مكدرا

رسا طود تقوى فاض بحر فضائل

فكم أذل أطوادا وغيض أبحرا

وتحت علاق الصدق سر مطهر

يمدان دينا كالمجرة نيرا

ص: 289

فلولا سماء أشمست ثم أقمرت

كفى بمعاليه شموسا وأقمرا

ولا قوله رحمه الله:

لقد شجى في أم رأسي عزمه

فأصبحت من عزم الإمام أمما

تمنيت لو لم ألقه وجهلته

ولم يخشى قلبي بالفراق كلوما

فديت أمرا يحشو الفؤاد فراقه

كلوما ولقياه حشته علوما

وكائن رأينا من أولى العلم والتقى

رجالا أناخوا بالحجاز قروما

فأخمد أستاذ الزمان ضياءهم

وكان وكانوا شارقا ونجوما

ولا قوله رحمه الله:

أتى حرم الله العظيم مجاورا

فلله ما أدنت جمال وأينق

فمن حوضه عنت ظماء ذوي النهى

فآبت رواء وهو ملآن يفهق

ولا قول العميدي رحمه الله:

ولو وازن الدنيا تراب زمخشر

لأنك منها زاده الله رجحانا

ولا قول بعض فتيانها المجيدين:

دعوك بحار الله والله عالم

بأنك جار الله حقا كما وجب

لعمري لقد فاضت وأنت مفيضها

على حرم الله الصنائع والقرب

رقبت ذمام الله من كل مؤمن

وواسيتهم بالعلم طرا وبالنشب

وأنت الإمام الزاهد الورع الذي

أبيت أغترارا باللجين وبالذهب

وإنك للعلامة الجامع الذي

جمعت أفنين العلوم إلى الأدب

وما نصر الإسلام غيرك أهله

وإنْ طار أعلى المنازل والرتب

ومن طالع التفسير أيقن أنه

من الفلك الأعلى أتى اللقب

ص: 290

وإنك أستاذ الزمان وكلهم

تلامذة جاثون ضغرا على الركب

وسمتك إذ فرقت في كل بلدة

جواهر علم شيخها العجم والعرب

فما لخوارزم التي أنت فخرها

علتها الثريا إنَّ ذاك من العجب

ولا قول ابن القرطبي:

قسما بلغ تحياتي إلى

شيخنا العلامة الحبر العلم

ليس قس عنده قسا ولا

سيبويه الشهم يدري ما الكلم

أي آداب وعلم وتقى

منه فارقت وحلم وحكم

قل إذا ما الدهر أمسى عابسا

إنَّ محمودا لك ابن يبتسم

لو جعلت اليم حبرا والفيلا

مهرقا كانت معاليه أطم

إنْ من جراه لولا المصطفى

كنت فضلت على العرب العجم

كل موجود سواه حيث لم

أر ذاك الفضل في عيني عدم

ولا قول الخطيب الموفق:

لسانك غواص ولفظك لؤلؤ

وفكرك بحر للفضائل طامي

لسان يود الحاسدون لو أنه

سنان قناة أو غرار حسام

ولا قوله أيضاً:

أفخر خوارزم مالي عنك منحرف

ما دام يختلف الأنوار والسدف

ألست أنت الذي خولتني نعما

تطوي وتنشر في تعدادها الصحف

ألست أنت الذي أوليتني رتبا

بفضل رفعتها الإيوان يعترف

ألست أنت الذي من ورد نعمته

وورد حكمته أجنى وأغترف

أعداؤك استنشر فوني من جهالتهم

في وصفها وهي عندي فوق ما أصف

ص: 291

ولا قول أديب الملوك يعقوب بن شرين الجندي:

فتى سار الآفاق ركبان ذكره

مغربة طورا وطورا مشرقة

إذا حل في أرض أتاه فحولها

تفيد علوما حوله متحلقة

وإنْ خاض في شرح العلوم رأيتها

لفرط احتشام من معاليه مطرقة

فليس له في كل شرق ومغرب

نظير بنو الدنيا على ذاك مطبقة

ولا قول البديع الخوارزمي:

أمكة هل تدرين ماذا تضمنت

يمقدم جار الله منك الأباطح

به وإليه العلم ينمي وينتمي

وفيه لأرباب العلوم المناجح

محاط رحال الفاضلين فلم يزل

يحط إليه الرحال غاد ورائح

إذا انتابه الوطاب رأيته

تحول عنه وهو ملآن طافح

بمته الكرام الغر من خير أسرة

هم قدوة الدنيا الكهول الجحاجح

أدلاء ضلال البرايا جباههم

مصابيح رهبان فدتها المصابح

فإن ذلك اغترار منهم بالظاهر المموه وجهل بالباطن المشوه.

ولعل الذي غرهم مني ما رأوا من النصح للمسلمين وبليغ الشفقة على المستفيد وقطع المطامع عنهم وإفادة المبار والصنائع عليهم وعزة النفس والرب بها عن الإسفاف للدنيات والإقبال على خويصتي والإعراض عمالا يعنيني فجللت في عيونهم وغلطوا فيّ ونسبوني إلى ما لست في قبيل ولا دبير.

ص: 292

وما أنا فيما أقول بهاضم لنفسي كما قال الحسن رحمه الله في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقوله: " وليتكم ولست بخيركم " إنَّ المؤمن ليهضم نفسه وإنما صدقت الفاحص عني وعن كنه روايتي ودرايتي ومن لقيت وأخذت عنه وما مبلغ علمي وقصاري فضلي وأطلعته طلع أمري وأفضيت إليه بخبيئة وألقيت إليه عجزي وبجرئ وأعلمته نجمي وشجري.

وأما المولد فقرية مجهولة من قرى خوارزم تسمى زمخشر وسمعت أبي رحمه الله يقول: اجتاز بها أعرابي فسأل عن أسمها واسم كبيرها فقيل له مخشر والرداد. فقال: لا خير في شر ورد ولم يلمم بها.

ووقت الميلاد شهر الله الأصم في عام سبع وستين وأربع مائة.

والحمد لله المحمود والمصلى عليه محمّد صلى الله عليه وسلم. انتهى.

قلت: وإنما أوردت ذلك مع ما في بعضه من الغلو وعد التأدب مع الشرع في بعض الألفاظ كي تعلم فضل أهل السنة رضي الله عنهم حيث انتصروا على من هذه صفته على زعمه بالحجج البالغة وكسروا أم رأسه ورأس شيعته بالحجارة الدامغة ولم يغن عنه شيء من اعتقاد هؤلاء الغلاة فيه ولمتنفعه ألستنهم التي تأتي بالباطل في صور الحق وتستفضي مطلوبها وتستوفيه اللهم إلاّ أنْ يكونوا غير عالمين باعتقاده فلهم عذر عند اعتراض المعارض وانتقاده وأيا ما كان فقد هدم أهل السنة رضي الله عنهم له ولأحزابه أساسا وكلما حمى حوزته البدعية كليب من شيعته قيض الله له جساسا فظهر الحق وأهله وارتفع غي البتدع وجهله.

ص: 293

ومن بديع نظم الزمخشري المذكور قوله:

هو النفس الصعاد عن كبد حرى

إلى أنْ أرى أم القرى مرة أخرى

سريت بشخصي لا بنفسي وهمتي

وهيهات ما للأخشبين وللمسرى

مقيمان عند البيت ما ذر شارق

منيخان بالبطحاء ما ذكت الشعرى

وله من قصيدة:

مليح ولكن عند كل جفوة

ولم أر في الدنيا صفاء بلا كدر

ولم أنس إذ غازلته قرب روضة

إلى جنب حوض فيه للماء منحدر

فقلت له جئني بورد وإنما

أردت به ورد الخدود وما شعر

فقال انتظر رجع طرف أجئ به

فقلت له: هيهات ما لي منتظر

فقال ولا ورد سوى الخد حاضر

قلت له إني قنعت بما حضر

وقوله:

إذا التصقت بالبحث في العلم ركبتي

بركة نحري على الجد دأب

فإن دام لي عون الإله على الذي

أعانيه من فضل وبر وأداب

وإنْ نظرت عيني على الد والصفا

مع البر والتقوى نواظر أحباب

فقل لملوك الأرض يلهوا ويلعبوا

فذلك أهوى ما حييت وتلعابي

وقوله أيضاً:

أربعة للدين أركان

حبهم يمن وإيمان

أربعة أول أسمائهم

عين وهم في الناس أعيان

عتيق والفاروق والجتبى

منهم ذو النورين عثمان

ص: 294

وقال السيوطي في لطبقات الصغرى ما نصه: محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري أبو القاسم جار الله كان واسع العلم كثير الفضل غاية في الذكاء وجودة القريحة متفننا يقال كل علم معتزليا قويا في مذهبه مجاهرا به حنفيا.

ولد في رجب سنة سبع وستين وأرب مائة وور بغداد غير مرة وأخذ الأدب عن أبي الحسن عليّ بن المظفر النيسابوري وأبي مضر الأصبهاني وسمع من أبي سعد الشقاني وشيخ الإسلام أبي منصور الحارثي وجماعة وجاور بمكة وتلقب بجار الله وفخر خوارزم أيضاً. وكتب إليه الحافظ السلفي يستجيزه وأصابه خراج في رجله فقطعها وصنع عوضا عنها رجلاً من خشب وكان إذا مشى ألقى عليها ثيابا الطوال فيظن من يراه أنَّه أعرج.

وله من التصانيف: الكشاف في التفسير الفائقد في غري الحديث المفصل في النحو المقامات المستقضي في الأمثال ربيع الأبار أطواق الذهب صميم العربية شرح أبيات الكتاب الأنموذج في النجو الرائض في الفرائض شرح بعض مشكلات المفصل الكلم النوابغ القسطاس في العروض الأحاجي النحوية وغير ذلك.

مات يوم عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة.

أسندنا حديثه في الطبقات الكبرى وتكرر في جمع الجوامع.

ص: 295

وله:

إنَّ التفاسير في الدنيا بلا عدد

وليس فيها لعمري مثل كشافي

إنْ كنت تبغي الهدى فالزم قارءته

فجهل كالداء والكشاف كالشافي

انتهى كلام السيوطي.

وقال ابن خلكان فيه ما نصه:

محمود بن عمر بن حتى الخوارزمي الزمخشري أبو القاسم الإمام له الكتب في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان. إمام عصره غير مدافع تشد إليه الرحال في فنونه وصنف التصانيف الشريفة منا الكشاف لم يصنف قبله مثله والمفضل في النحو وغير ذلك. وسافر إلى مكة وأقام مجاورا زمانا فصار يقال له جار الله لذلك وكان هذا الاسم علما عليه وكانت إحدى رجليه ساقطة وكان يمشي في جارن خشب وسبب سقوطها أنَّه أصابه في بعض أسفاره ببلاد خوارزم ثلج وبرد شديد فسقطت رجله وكان بيده محضر فيه شهادة خلق كثير ممن أطلعوا على حقيقة ذلك خوفا من أنْ يظن به أنها قطعت لريبة وقيل إنَّه سئل عن قطع سبب رجله فقال: دعاء الوالدة وذلك أني في صباي أمسكت عصفورا وربطت خيطا في رجله فأفلت من يدي فأركته وقد دخل في خرق فجذبته فانقطعت رجله في الخيط فتألمت والدتي لذلك وقالت قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله. فلما دخلت إلى بخارى لطلب العلم سقطت من الدابة وانكسرت الرجل وعملت على عملا أوجب قطعها. وكان الزمخشري معتزلي الاعتقاد متظاهرا به وكان إذا قصد صاحبا

ص: 296

له واستأذن عليه في الدخول يقول له: أبو القاسم العتزلي بالباب.

وأول من صنف الكشاف كتب استفتاح الخطبة: " الحمد لله الذي خلق القرآن " فقيل له: متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس ولا يرغب أحد فيه فغيره وقال: " الحمد لله الذي جعل القرآن " وجعل عندهم: بمعنى خلق. ورئي في كثير من النسخ: " الحمد لله الذي أنزل القرآن " وهذا إصلاح الناس لا إصلاح المصنف.

ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر محمودا:

وقائلة ما هذه الدرر التي

تساقط من عينيك سمطين سمطين

فقلت لها الدر الذي كان قد حشا

أبو مضر أذنى تساقط من عيني

وأنشد في كتابه الكشاف لبعضهم:

يا من يرى مدينة البعوض جناحها

في ظلمة الليل البهيم الأليل

ويرى عروق نياطها في نحرها

والمخ في تلك العظام النحل

اغفر لعبد تاب من فرطته

ما كان منه في الزمان الأول

ويروى أنَّ الزمخشري أوصى أنْ تكتب هذه الأبيات على لوح قبره.

وقال غير ابن خلكان في البيت الأخير:

أمنن على بتوبة أمحو بها

ما كان مني في الزمان الأول

وهذا لا يناسب الكتب على لوح القبر وإنما يناسبه ما روي ابن خلكان فتأمله.

ص: 297