المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(وإنما أطلت) الكلام في هذا لمزيد فائدته، وهلاك كثير من - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: (وإنما أطلت) الكلام في هذا لمزيد فائدته، وهلاك كثير من

(وإنما أطلت) الكلام في هذا لمزيد فائدته، وهلاك كثير من الناس بسبب الجهل به والخوض فيه والله الهادي إلى سواء السبيل.

‌كلمة التوحيد

هي "لا إله لا الله، محمد رسول الله" ويتعلق بها خمسة أمور:

(أ) ضبطها: ينبغي ترقيق حروفها ما عدا لام الله. وأن تمد "لا" مدا طبيعيا إلى ست حركات. وتحقيق همزة إله. وتمد لأمها مدا طبيعيا. وتفتح هاؤها فتح أبينا بلا إشباع. وتحقيق همزة إلا بلا إشباع وتشدد لأمها ويفخم لفظ الجلالة. وتضم الهاء وصلا، وتسكن وقفا، وحينئذ يجوز مد لفظ الجلالة إلى ست حركات.

(ب) فضل لا إله لا الله: قد ورد في فضلها أحاديث كثيرة (منها).

1 -

حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "عبد الله بن عمرو" أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. أخرجه مالك والتعرمذي واللفظ له، وقال: حديث غريب (1){152} .

2 -

حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: افضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله. أخرجه أحمد والنسائي والترمذي

(1) انظر ص 27 ج 2 تيسير الوصول (دعاء يوم عرفة).

ص: 146

وقال: حسن غريب وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه (1){153} .

3 -

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: قال موسى عليه الصلاة والسلام: يا رب علمني ما اذكر: به وأدعوك به. فقال: يا موسى قال: لا إله إلى الله. قال موسى عليه الصلاة والسلام: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: قل لا إله إلا الله. قال: لا إله إلا أنت. إنما أريد شيئا تخصني به. قال: يا موسى لو أن السموات السبع، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، لمالت بهن لا إله إلا الله. أخرجه النسائي وابن حبان (2){154} .

4 -

حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: التسبيح نصف الميزان، والحمد لله تملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه. أخرجه الترمذي (3){155} .

(جـ) حكم النطق بكلمة التوحيد: يجب على من نشأ مؤمنا، أن يذكرها في العمر مرة ناويا أداء الواجب، وإلا فهو عاص. ثم ينبغي له الإكثار من ذكرها عارفا معناها مستحضرا ما احتوت عليه لينتفع بذكرها دنيا وأخرى.

(1) انظر رقم 1253 ص 33 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

(2)

انظر رقم 9 ص 75 ج 3 - الترغيب والترهيب طبعة الحلبي (الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد) وأطلق على الحمد دعاء على سبيل التجوز. لأن الحمد يتضمن الدعاء لقوله تعالى "لئن شكرتهم لأزيدنكم" أي فمن حمد الله تعالى كأنه يقول رب أدم على نعمتك وزدني منها.

(3)

انظر رقم 3403 ص 282 ج 3 فيض القدير. و (تخلص إليه) من المتشابه المصروف من ظاهره باتفاق السلف والخلف.

ص: 147

فتتفجر ينابيع الحكم من قلبه، ويرى لها من الأسرار والعجائب إن شاء الله تعالى مالا يدخل تحت حصر.

(وأما الكافر) الذي يريد الدخول في الإسلام، فذكره لها ليس شرطا في صحة إيمانه ولا جزءا من مفهومه "وإنما جعل" الشرع النطق بالشهادتين "شرطا" لازما لإجراء الأحكام الدنيوية على المؤمن كالصلاة خلفه، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، وتزوجه مسلمة "فإذا لم ينطق" بهما لعذر كالخرس، أو لم يتمكن من النطق بهما، بأن مات عقب إيمانه بقلبه، أو اتفق له عدم النطق بهما بعد الإيمان بقلبه "فهو مؤمن" عند الله وناج في الآخرة "وأما من أمتنع" عن النطق بهما عنادا بعد أن عرض عليه ذلك "فهو كافر" والعياذ بالله تعالى ولا عبرة بتصديقه القلبي مع هذا الامتناع.

(د) ما تضمنته من العقائد: كل ما تقدم من العقائد يندرج في كلمة التوحيد. وذلك أن معنى لا إله إلا الله "لا معبود بحق إلا الله"(ويلزم) هذا المعنى أن يكون غنيا عن كل ما سواه، وأن يفتقر إليه كل ما عداه.

(ويلزم) كونه غنيا عن كل ما سواه، (أ) وجوب الوجود له والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس والسمع والبصر والكلام، وعدم الغرض في فعل ما أو حكم ما، وعدم التأثير بالقوة المودعة، وعدم وجوب فعل عليه تعالى (ب) واستحالة العدم والحدوث. والفناء. والمماثلة للحوادث، والاحتياج لموجد أو ذات يقوم بها. والصمم. والعمي. والبكم. والتأثير بالقوة المودعة، والغرض في فعل أو حكم ما. واستحالة وجوب فعل عليه تعالى.

فهذه اثنتان وعشرون عقيدة. منها الواجب له تعالى. ومنها المستحيل في حقه تعالى.

ص: 148

(ويلزم) كونه مفتقرا إليهم كل ما عداه (أ) وجوب الوحدانية له تعالى في الذات والصفات والأفعال، والحياة والعلم والإرادة والقدرة، وحدوث العالم، وعدم التأثير بالعلة والطبع والتولد (ب) واستحالة التعدد في الذات والصفات والأفعال اتصالا وانفصالا على ما تقدم، والموت والجهل والكراهية والعجز وقدم العالم والتأثير بالعلة والطبيعة والتولد.

فهذه أربع عشرة عقيدة ما بين واجب له تعالى ومستحيل عليه تعالى.

(ومعنى) محمد رسول الله: ثبوت الرسالة له صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ويندرج تحته (أ) وجوب الأمانة والتبليغ والصدق، واتصافه بما لا نقص فيه سواء أكان واجبا كالفانة وعدم دناءة الآباء والأمهات، أم جائزا كالمرض والجوع.

(ب) وإيماننا بجميع الأنبياء والكتب والملائكة واليوم الآخر، والقضاء والقدر.

(جـ) واستحالة الخيانة والكتمان والكذب، واتصافه بما فيه نقص كالبلادة والجنون والعمى، فهذه أربع عشرة عقيدة (1) تضم لما تقدم تكون جملتها خمسين عقيدة.

(هـ) كيفية الذكر وفضله: قد علمت أن هذه الكلمة من أفضل الأذكار وأشرفها عند الله تعالى. فينبغى للعاقل أن يعنى بها. ويحسن أن يكون حالة الذكر على طهارة متطيبا متجملا مستقبلا القبلة، ويتحرى الانفراد عن الخلق ما استطاع، ويستحضر المعنى بقدر الإمكان. ولا يترك الذكر عند عدم حضور قبله. بل يذكر متحليا ببقية الآداب راجيا أن تغشاه نفحة إلهية تنقله من الغفلة إلى الحضور

(1) أربع برقم (أ) وست برقم (ب) وأربع برقم (ج).

ص: 149

ومن الحضور إلى المشاهدة. وألا يتصرف فى شئ من حروفها بزيادة أو نقصان بل يقتصر على الوارد شرعا. وليحذر مما عليه غالب الناس اليوم من تحريف الذكر والإلحاد فى أسمائه تعالى فإنه حرم بالإجماع ولا سند لهم فى ذلك إلا قولهم: وجدنا أشياخنا هكذا يذكرون: وهذا لا يصدر إلا من الجهلة الذين لا يميزون الغث من لسمين. فعلى المؤمن ألا يخرج فى ذكره وكل أعماله عما جاء به الكتاب العزيز، ونطقت به السنة المطهرة (1).

هذا. واعلم أن الذكر حقيقة هو ما يجرى على اللسان والقلب، وأكمله ما كان فيه استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفى النقائض عنه، والمراد به ما يشمل التسبيح والتحميد وتلاوة القرآن والاستغفار والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم وغير ذلك (قال) الفخر الرازى: المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد (والذكر) بالقلب التفكر فى أدلة الذات والصفات والتكاليف من الأمر والنهى، وفى أسرار مخلوقات الله (والذكر) بالجوارح: هو أن تصير مستغرقة بالطاعة، ولذا سمى الله تعالى الصلاة ذكرا فى قوله (فاسعوا إلى ذكر الله).

هذا والذكر سبعة أقسام: ذكر العينين البكاء. وذكر الأذنين الاصغاء. وذكر اللسان الثناء. وذكر اليدين العطاء. وذكر البدن الوفاء، وذكر القلب الخوف والرجاء، وذكر الروح التسليم والرضا (واعلم) أن الذكر أفضل الأعمال (فعن) أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال" ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأذكارها عند مليككم، وأرفعها فى درجاتكم، وخير لكم من

(1) وقد بسط الشيخ الامام رحمه الله الكلام فى هذا وبين بطلان ما عليه متصوفة الزمان فى بعض كتبه " الرسالة البديعة" و" العهد الوثيق" وغيرهما.

ص: 150

انفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضبوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى، أخرجه مالك وأحمد والترمذى وابن ماجه والحاكم وصححه (1)[156].

(وعن) معاذ بن جبل أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال" ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله " أخرجه أحمد والترمذى والطبرانى بسند صحيح (2){157} .

(وعن) الأغر ابى مسلم أنه قال: أشهد على أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى أنهما شهدا على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال " لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل ألا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده "أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وقال: حديث حسن صحيح (3){158} .

(وعن) ابى سعيد الخدرى: خرج معاوية على حلقة فى المسجد فقال ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. قال الله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما أنى لم استحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلى آله وسلم، أقل عنه حديثا منى، وأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال" ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا. قال: الله

(1) انظر ص 225 ج 4 تحفة الأحوذى (فضل الذكر). وص 2180 ج 2 - ابن ماجه (فضل الذكر).

(2)

انظر ص 225 ج 4 تحفة الأحوذى (فضل الذكر). وص 2180 ج 2 - ابن ماجه (فضل الذكر).

(3)

انظر ص 44 ج 2 تيسير الوصول (الذكر).

ص: 151

ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما جلسنا إلا ذاك. قال: أما إنى لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتانى جبريلا فأجقبرنى ان الله عز وجل يباهى بكم الملائكة. اخرجه مسلم والنسائى والترمذى وقال حسن غريب (1){159} .

(وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال" من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير - فى يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر من ذلك" أخرجه مالك والشيخان والترمذى وابن ماجه (2){160} .

(وعنه) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال" من قال سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة، حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر" أخرجه مالك وأحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه (3){161} .

(وعن) مكحول عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال" أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله - فإنها كنز من كنوز الجنة " قال مكحول: فمن قالها ثم قال ولا منجى من الله إلا إليه،

(1) انظر ص 22 ج 17 نووى مسلم (فضل الاجتماع على الذكر). وص 225 ج 4 تحفة الأحوذى (القوم يجلسون فيذكرون الله ما لهم من فضل). و (حلقة) بفتح فسكون، القوم يجتمعون مستديرين. (آلله) بالمد والجر.

(2)

انظر ص 32 ج 2 تيسير الوصول (الاستغفار والتسبيح والتهليل .. ) وص 219 ج 2 - ابن ماجه (فضل لا إله إلا الله).

(3)

انظر ص 160 ج 11 فتح البارى (فضل التسبيح) ورقم 8898 ص 190 ج 6 فيض القدير. وص 250 ج 4 تحفة الأحوذى.

ص: 152