المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - الآنية - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌4 - الآنية

الشعر، لأن الدباغ لا يؤثر فيه. وقال غيره: يحتمل أن النهي عما لم يدبغ منها، لأجل النجاسة، أو أن النهي لأجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء (وأما) الاستدلال بهما على أن الدباغ لا يطهر جلود السباع بناء على أنها مخصصة للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم (فغير ظاهر) لأن غاية ما فيها مجرد النهي عن الركوب عليها وافتراشها، ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة كما لا ملازمة بين النهي عن الذهب والحرير ونجاستهما فلا معارضة، بل يحكم بالطهارة بالدباغ مع منع الركوب عليها ونحوه (1).

‌4 - الآنية

هي جمع إناء وهو مباح وغيره.

(أ) فيباح اتخاذ واستعمال كل إناء طاهر سواء أكان ثمينا كالبلور والياقوت والزمرد، أو ليس ثمينا كالعقيق والخشب والحجارة والنحاس والحديد والجلد. وهو قول الجمهور لقول عبد الله بن زيد: أتانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ أخرجه البخاري (2){33} .

(وقالت) عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تور من شبه. أخرجه أبو داود (3){34} .

(1) انظر ص 72 ج 1 نيل الأوطار. وسيأتي لهذا البحث زيادة بيان في بحث (ليس الجلود) ص 312 ج 6 - الدين الخالص إن شاء الله تعالى.

(2)

انظر ص 211 ج 1 فتح الباري (الوضوء والغسل في المخضب .. ) و (تور) بفتح فسكون، أي إناء. و (الصغر) كقفل- النحاس.

(3)

انظر ص 367 ج 1 - المنهل العذب (الوضوء في آنية الصفر) و (الشبة) بفتحين ما يشبه الذهب في لونه. وهو النحاس الجيد.

ص: 175

(ب) ولا يجوز استعمال إناء الذهب أو الفضة في شيء عند الجمهور لقول حذيفة: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" أخرجه السبعة (1){35} .

(وعن) أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من شرب في إناء من دهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" أخرجه مسلم (2){36} .

(فهذه) الأحاديث تدل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وهو مجمع عليه. وشذ ذاود الظاهري في تحريم الشرب فقط، ولعله لم يبلغه حديث تحريم الأكل. ويقاس على تحريم الأكل والشرب فيها سائر الاستعمالات عند الجمهور (قال) الشافعي في الأم: ولا أكره إناء توضئ فيه من حجارة ولا حديد ولا نحاس ولا شيء إلا آنية الذهب والفضة فإني أكره الوضوء فيها.

وقال: فإن توضأ أحد فيها أو شرب كرهت ذلك له ولم آمره يعيد الوضوء ولم أزعم أن الماء الذي شرب ولا الطعام الذي أكل فيها محرم عليه وكان الشرب فيها معصية (3).

(1) انظر ص 385 ج 5 مسند أحمد ولفظه: نهى صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير وص 441 ج 9 فتح الباري (الأكل في إناء مفضض) وص 37 ج 14 نووي مسلم وص 337 ج 3 سنن أبي داود (الشرب في آنية الذهب والفضة) ولفظه كأحمد والديباج ثوب سداه ولحمته من حرير (والصحاف) بكسر أوله جمع صفحة وهي إناء كالقصعة. والضمير للفضة ومنه يعلم حكم الذهب (والحديث) عند أبي داود والترمذي وابن ماجه في الأشربة. وعند النسائي في الزينة.

(2)

انظر ص 30 ج 14 نووي مسلم.

(3)

انظر ص 8 ج 1 من الأم. طبع بولاق.

ص: 176

(وقول) الشوكاني في نيل الأوطار: والقياس على الأكل والشرب. قياس مع الفارق "مردود" بما ذكره النووي من أن العلة السرف والخيلاء. وهذا موجب للتحريم. ولا مانع من أن يضم إلى هذا التشبه بأهل الجنة الذي ذكره هو. فيكون مجموع هذه الأمور قاضيا بصحة القياس "وقوله" أما حكاية النووي الإجماع على تحريم الاستعمال، فلا تتم مع مخالفة داود الظاهري والشافعي وبعض أصحابه "مدفوع" بما ذكره النووي من ان كلام الشافعي وداود معارض بالأحاديث الصحيحة وقد قال الشافعي وغيره من الأئمة: إذا صح الحديث فهو مذهبي. ففي الحقيقة لا مخالفة والإجماع قائم (أما اتخاذ) أواني الذهب والفضة بدون استعمال، فالجمهور على منعه. (قال) أبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: المذهب تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة. وعن الشافعي إباحته لتخصيص النهي بالاستعمال ولا يلزم من تحريم الاستعمال تحريم الاتخاذ كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير وذكره بعض أصحابنا وجها من المذهب. ولنا ان ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي. وأما الثياب الحرير فإنها تباح للنساء والتجارة فحصل الفرق (1).

(وعلى) الجملة فيحرم على الرجل وغيره، استعمال شيء من الذهب والفضة ولو قليلا أو صغيرا كالمورد للمكحلة، والخلال، والأبرة والملعقة، والمشط، والمبخرة، والسكين، والمرآة، وظروف وفناجين القهوة، والساعات وريش القلم (ويحرم) على البالغ إلباس الصغير الحرير، أو الذهب، أو غير خاتم الفضة، أو يطعمه أو يسقيه في إنائهما أو يمكنه من استعمالها، لأنه بحرمة اللبس والأكل والشرب، يحرم الإلباس والإطعام والسقي. ولقول عبد الله بن يزيد

(1) انظر ص 8 ج 1 من الأم. طبع بولاق.

ص: 177